بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة و المهديين وسلم تسليما كثيرا
كثر المتقولون على رسول الله ( ص) في الاونة الاخيرة، و اتهامه ( مع الاسف الشديد ) بمخالفة سنة الله سبحانه و تعالى بغض النظر ان كان اتهاما مباشرا او بأثارة الشبهات والاشكالات .
منهم من يقول ان رسول الله (ص) لم يترك وصية مكتوبة كما امره سبحانه وكما فعل الانبياء من قبله ، ومنهم من يقول ان فلان منعه ، ومنهم من يقول ان مرضه اشتد ولم يتم تأكيد كتابة الوصية والشبهات كثيرة لم ولن تنتهي.
فأحببت ان اخاطب اولي الالباب واصحاب الفطرة السليمة بهذا الموضوع البسيط و من خلاله يتبين لنا من هو فعلا طالب حق و مؤمن بالرسول الاعظم (ص) وليس فقط قولا .
الوصية في اللغة
الوصية في اللغة عدة معان نذكر منها:
وَصَى يصي، بمعنى الوصل، و سمّيت وصية لاتصالها بأمر الميت، حيث إنّ الموصي يصل تصرّفه بعد الموت بتصرّفه حال الحياة.
و منه يقال: وَصَى الرجلُ وصياً: وصله، و وَصَي الشيءُ يصي: إذا اتصل، و وَصَي الشيء بغيره وصياً: وصله، و تواصى النبت: إذا اتّصل ، و تواصى القومُ: أوصي بعضهم بعضاً، و تواصوا به: أوصى أولهم آخرهم، قال تعالى: ( وَ تَوَاصَوْا ِبِالْحَقِّ وَ تَوَاصَوْا ِبِالصَّبْرِ)
الوصية في الاصطلاح
الوصية في الأصطلاح عدة تعريفات ذات علاقة بالمعنى اللغوي المتقدم ، نذكر منها:
- تمليك عين أو منفعة أو تسليط علي تصرف بعد الموت.
- تنفيذ حكم شرعي من مكلّف أو في حكمه بعد وفاته
- الأمر بالتصرف بعد الموت
أركان الوصية
للوصية اربعة اركان إذا توفرت تحققت الوصية، و هي كما يلي:
1ـ الموصى: و هو متعلق الوصية، و يعتبر فيه كمال العقل والحرية و البلوغ و الاختيار.
2ـ المُوصي به: و هو الذي يوصي، و يعتبر فيه الملك
3ـ المُوصى له: و يشترط وجوده حين إنشاء الوصية، و إلا فلاوصية لمعدوم.
4ـ الوصي: و هو الشخص المعهود إليه إجراء و تنفيذ وصايا الميت المختلفة و تنجيزها، وله حق التصرف فيما كان الموصي متصرّفاً فيه، من أخراج حق و استيفائه، أو ولاية ... إلى آخره.
تشريع الوصية
لقد رافقت الوصية الشرائع الإلهية منذ أبينا آدم عليه السلام إلى سيدنا النبي المصطفى الخاتم (ص)، و أشارت ايات القرآن الكريم الى ان الأنبياء كانوا يشددون على الوصية بإقامة شعائر الدين و تقوى اللّه و توحيده و طاعته، قال تعالى: (وَ وَصَّى بِها إِبْرَاهِيمُ بَنيهِ وَ يَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ آللّهَ آصْطَفَى لَكُمُ آلدِّينَ فَلاَتَمُو تُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُم مُسْلِمُونَ)
الوصية في الكتاب المقدس
1ـ جاء ذكر الأوصياء في الاصحاح الخامس من سفر التكوين : مرتبين من شيث إلى نوح عليهم السلام.
2ـ و جاء في آخر الاصحاح (27) من سفر العدد خبر تعيين يسوع (يوشع ابن نون) وصياً لموسى عليه السلام و فقا لأمراللّه تعالى
3ـ وجاء في الاصحاح الأول من سفر الملوك الأول ذكر وصية نبي الله داود عليه السلام إلى ولده سليمان عليه السلام بأن يكون رئيسا على بني إسرائيل و يهوذا
4ـ جاء في الاصحاح العاشر من إنجيل متى ذكر وصية عيسي عليه السلام إلى الحواريين، و كان أو لهم شمعون (سمعان) بطرس . الخ
الوصية في القران الكريم
جاء ذكر الوصية في العديد من آيات القرآن الكريم، منها قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ آلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً آلْوَصِيَّةُ)
و قوله: (شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ آلْمَوْتُ حِينَ آلْوَصِيَّةِ آثْنَانِ)
الوصية في السنة
وردت أحاديث نبوية مستفيضة تدل على أن الوصية فريضة محكمة و سنة ثابتة، و تؤكد أن على كل مسلم أن يوصي قبل معاينة الموت ، نذكر منها:
قوله (ص) : الوصية حقّ على كلّ مسلم و المحروم من حرم الوصية و ما حق امري مسلم له شيء يريد ان يوصي فيه يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة عنده ...
و حاشا رسول اللّه أن يأمر بالشيء و يؤكده ثم يتركه و لا يأتمر به، بل هو السباق إلى الطاعات و مرشد الاُمة و دليلها إلى كل بر و خير
الوصية في العقل
من الضرورات العقلية أن يحرص كل رسول علي الرسالة التي بُعث بها، فيقيم عليها وصياً و قيماً بوحي من اللّه سبحانه حتى لا تضيع الرسالة بموته ، و إلّا يلزم نقض الغرض من رسالته والجهود التي بذلها في دعوة الناس إليها، و نقض الغرض من أي ذي عقل قبيح فكيف من سيّد العقلاء و الحكماء؟
وصايا الانبياء من لدن ادم ع الى يوم القيامة
عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال : « فلمّا انقضت نبوة آدم عليه السلام واستكمل أيامه، أوصى اللّه تعالى إليه، أن يا آدم قد قضيت نبوتك، واستكملت أيامك، فاجعل العلم الذي عندك و الايمان و الاسم الأعظم و ميراث العلم و آثار علم النبوة في العقب من ذريتك ، عند هبة اللّه ابنك، فإني لم أقطع العلم و الايمان و الاسم الأعظم و آثار علم النبوة في العقب من ذريتك إلى يوم القيامة، ولن أدع الأرض إلّا و فيها عالم يُعرَف به ديني، و تُعرَف به طاعتي، و يكون نجاةً لمن يولد بينك و بين نوح ...» تفسيرالعياشي 2: 32/ 1238، روضة الكافي / الكليني 8: 113 / 92، إكمال الدين : 213 / 2.
احتج نوح (ع) على قومه بوصية ذكره فيها نبي الله ادم اذ قال: (.. إن الله باعث نبياً اسمه نوح، فإنه يدعو إلى الله ويكذبه قومه فيهلكهم الله بالطوفان) حديث الباقر (ع) في تفسير العياشي: ج1 ص309 ح78.
الامام الرضا (ع) : (.. وقد كان آدم أوصى هبة الله أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يوم عيد لهم، فيتعاهدون بعث نوح في زمانه الذي بعث فيه، وكذلك جرى في وصية كل نبي حتى بعث الله تبارك وتعالى محمداً ..) كمال الدين وتمام النعمة: ص215، ح1.
عن أبي عبد الله في حديث أنه قال: (... وأوصى نوح إلى سام، وأوصى سام إلى عثامر ... وأوصى حفسه إلى عمران ، ودفعها عمران إلى إبراهيم الخليل ...) أمالي الصدوق: ص242.
عن أبي عبد الله في حديث قال: (... وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق وأوصى إسحاق إلى يعقوب، وأوصى يعقوب إلى يوسف، وأوصى يوسف إلى بثريا، وأوصى بثريا إلى شعيب، ودفعها شعيب إلى موسى بن عمران ، وأوصى موسى إلى يوشع بن النون ..) أمالي الصدوق: ص242.
وصية رسول الله ص حين الوفاة :
قال رسول الله (ص) ((في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي (ع) يا أبا الحسن احضر صحيفة ودواة فأملى رسول الله (ص) وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال يا علي انه سيكون بعدي اثنا عشر إماما ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً فأنت يا علي أول الإثني عشر إمام ،وساق الحديث إلى آن قال وليسلمها الحسن (ع)إلى ابنه م ح م د المستحفظ من آل محمد (ص) فذلك اثنا عشر إماما ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديين له ثلاثة أسامي اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله و احمد والاسم الثالث المهدي وهو أول المؤمنين )) بحار الأنوار ج 53 ص 147 و الغيبة للطوسي ص150 ، غاية المرام ج 2 ص 241
قال الامام احمد الحسن اليماني الموعود عليه السلام : واليوم أيها الناس بماذا أتيناكم ؟ هل أتيناكم ببدعة لم يأتي بها الأنبياء والأوصياء ورسول الله محمد صلى الله عليه واله وعلي عليه السلام والحسن والحسين والأئمة من أولاد الحسين عليهم السلام ؟ (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ) أم أتيناكم بما أتوا به؟ لقد أتيناكم بأدلتهم وجئناكم بها واضحة وضوح الشمس لمن يطلب معرفة الحق.
والحمد لله رب العالمين
Comment