بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
اللهم صلي على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
كتاب "العجـــــــــــــل" للامام أحمد الحسن (ع) في أجزاء لتسهيل الاطلاع ... رجاء عدم اضافة اي تعليق ...
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ، وصلى الله على محمد وآل محمد المعصومين ، وصلى الله على مسك الختام نور الله وبقيته في أرضه (روحي فداه).
قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ ([1]).
في قصص الأنبياء السابقين وأممهم التي اتبعتهم تارة واتبعت السامريين تارة أخرى ، ونصرت الأنبياء مرّة وخذلتهم ونصرت الطواغيت مرّات ، عبرة لمعتبر ، وذكرى لمدّكر.
فالبحث فيها ضروري ، والمرور من خلالها إلى ما حصل بعد وفاة النبي (ص) من تنحية الوصي (ع) والاستيلاء على السلطة - وما جرّه هذا الحدث على الأمة من مآسي ، لا نزال نعاني منها إلى اليوم أشد العناء - يساعد على فهم ما حدث بعد وفاة النبي ص> سواء مع أمير المؤمنين ع ، أم مع ولده المعصومين (ع) الذين عانوا من الطواغيت المتسلطين على دفة الحكم بالقوة الغاشمة ، كما عانوا الأمرين من السامريين أئمة الضلال ، الذين حاولوا دائماً حرف الشريعة واستخفاف المسلمين.كما أنّ النظر إلى حالنا اليوم من خلال قصص الأنبياء السابقين وأممهم يساعد على قراءة المستقبل المرتقب فيه ظهور خاتم الأوصياء المهدي ع ، وما سيلاقيه سواء من الطواغيت الذين سيستخفون المسلمين ويقاتلونه كالسفياني ، أم من السامريين (علماء السوء غير العاملين).
ولهذا ارتأيت أنا المسكين قليل العمل كثير الزلل ، أن أكتب هذا البحث لعله يكون واقية لبعض المؤمنين من التردي في الهاوية. فالوقاية خير من العلاج ، بل إنّ الوقوف مع السفياني أو علماء السوء الذين سيقاتلون المهدي (ع) لا علاج له إلاّ شرب الحميم ومعالجة الأغلال في الجحيم . ولعله يكون حافزاً لبعض المؤمنين للعمل على تهيئة الأرضية الملائمة لإقامة دولة لا إله إلاّ الله على الأرض ، دولة الإمام المهدي ع ، والحق والعدل في وقت خيّم فيه الظلم على كل بقعة في هذه الأرض. فالطاغوت الأمريكي يُضيّق الخناق يوماً بعد يوم على الشعوب المستضعفة ، ويسير بأهل الأرض نحو الهاوية ، والطواغيت المتسلطون على الشعوب الإسلامية إذا لم يكونوا عبيداً لهذا الطاغوت الذي لم يعرف له تاريخ الإنسانية على الأرض مثيلاً ، فهم يشتركون معه بعبادة الشيطان ، والشعوب الإسلامية التي هي أكثر الشعوب استضعافاً في العالم ، تعاني الأمرّين:
أولاً: من مطارق الطاغوت الأمريكي والطواغيت المتسلطين عليها.
وثانياً: من الطواغيت الموجودين داخل الإطار الإسلامي ، - أعني بعض علماء الدين غير العاملين الذين يدّعون تمثيل الإسلام - بل لعل بعضهم أستخف هذه الشعوب ووجد له كثيراً من الأتباع ؛ ليعلمهم السكون والخضوع والاستسلام للطواغيت ، وبالتالي القهر والجوع والذل.
فهي أذن حرب مستمرة في الخارج والداخل. عدو كافر يضرب باستمرار ، ومنافق ينخر في الداخل ، فرعون والسامري ، بيلاطس وعلماء بني إسرائيل غير العاملين.
فمن جانب طاغوت يشن حرباً لا هوادة فيها ضد الدين: تلفزيون يعرض آيات من القرآن الكريم ثم بعد قليل أغاني ونساء شبه عاريات ومسلسلات الغرض منها تفكيك البنية الإسلامية للمجتمع ، أو قل ما بقي من البنية الإسلامية للمجتمع أن تحلق اللحية وتطيل الشارب كما يفعل المجوس في العصور الغابرة ، هذا هو الإسلام في نظر هؤلاء !! وكل من يقول لا إله إلاّ الله يُقتل وتُسبى نساؤه ، وتهدم داره !! والطامة الكبرى أنّ بعضهم يدّعون أنّهم عرب ، ويفعلون هذا باسم العروبة ، وهم يعتدون على النساء وينتهكون الأعراض ، وسجونهم مليئة بالنساء والأطفال.
والحال أنّ العربي شريف ، إذا عادى يعادي الرجال ولا يعتدي على النساء ، فأي عروبة يدعون هؤلاء الغجر ، بقايا المغول والتتر !! لقد سودوا وجه الإنسانية ، وارتكبوا جرائم وفضائح يندى لها جبين فرعون ونمرود (لعنهم الله) صاحبي موسى وإبراهيم (عليهما السلام).
وفي الجانب الآخر السامري (العالم غير العامل) الذي يحاول حرف الشريعة ، ولا يكلف نفسه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد في سبيل الله باللسان ، بل واليد إن أمكن ، متـناسياً أنّ رسول الله <ص> قال ما معناه: (لتأمرون بالمعروف ولتنهُنَّ عن المنكر ، أو ليستعملن عليكم شراركم ثم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم) ([2]).
وهل يوجد أشر من الطواغيت المتسلطين على الأمة الإسلامية اليوم ؟ إنّ النتائج موجودة فحتماً إنّ المقدّمات كانت موجودة ، ولا تزال إلى اليوم.
إذن فسبب التسلط الطاغوتي على المجتمعات الإسلامية اليوم هو: ترك هذه المجتمعات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وسبب ترك هذه المجتمعات لهذا الواجب هو: أنّ العلماء غير العاملين تاركون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (إذا فسد العالِم فسد العالَم).
حتى ترسخت اليوم في نفوس كثير من المسلمين جذور الذل والخضوع والاستسلام للطاغوت ، وحب الدنيا وحب الحياة ، والخوف من الموت بشكل غير طبيعي. وأصبحوا يرون الحياة مع الذل خير من الموت مع العز ، وهكذا ينكس الإنسان ويمسي يرى المقاييس مقلوبة ، وهذا هو أقصى ما يريده الشيطان (لعنه الله)، أن تبقى الشعوب الإسلامية المستضعفة ساكنة بين المطرقة والسندان ، أو قل بين فرعون والسامري ، بين طاغوت يفسد ويقتل وينهب وعالم دين (غير عامل) لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر ، وخلف الستار أصابع الطاغوت الأمريكي تحرك الخيوط يميناً وشمالاً ، وهكذا لا يبقى من الإسلام إلاّ إسمه.
إنّ واجب العلماء اليوم هو التصدي لإصلاح الأمة الإسلامية ، واجبهم هو حمل ثقل الرسالة التي تصدوا لحملها. أنتم يا طلبة العلوم الدينية ، ويا علماء الإسلام - الشيعة والسنة - هـل تعتقدون أنّ كل ما أنتم مكلفون به هو تحصيل العلوم العقلية والنقلية دون العمل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ضمن تكليفكم الذي هو إصلاح الأمة وتبليغ وإنذار أبنائها ، والجهاد في سبيل الله بالغالي والنفيس ؟!
إذا كنتم تعتقدون هذا فالحق أقول لكم: إنكم مخطئون.
إنّ تحصيل العلوم العقلية والنقلية ليس بعسير ، ولكن أن تعطي طعامك ثلاثة أيام لِأسير وابن سبيل ومسكين وتطوي جائعاً. كما فعل الإمام علي ع هو الأمر العسير([3]). أن تعيش حياتك من أجل إسعاد الناس ورفع الحيف والظلم عنهم هو الأمر العسير ، أن تعطي في سبيل الله كما أعطى الإمام الحسين ع هو الأمر العسير.
السلام عليك يا أبا عبد الله ، بأبي أنت وأمي أعطيت كل شيء ولم تبقِ حتى الطفل الرضيع والنساء ، لم تبق لمتخاذل حجة.
أيها السادة إذا اقتصرتم على تحصيل العلوم وعباداتكم ، فأنتم بذلك تكونون قد أعطيتم للطواغيت كل ما يريدون ، أن يحولونكم إلى عباد لا علماء ، بل إنّ صفة العابد لا يمكن أن تخلع على العالم الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن منكر ، هذا وإن المعنى الذي ورد عن المعصومين(ع) أنّ العالم أفضل من سبعين عابد ؛ وذلك لأنّ العالم همه خلاص الناس والعابد همه خلاص نفسه.
روي عن الإمام الصادق (ع): (الراوية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد)([4]).
وقال تعالى: ﴿فَلَوْلا نفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾([5]). لينذروا قومهم ، لا ليناموا .. أو ينذروا فرداً أو فردين. فإذا كان همكم أيها السادة خلاص أنفسكم فلا تقولوا إننا طلبة علوم دينية أو علماء ، ولا تلبسوا ملابسهم لتخدعوا الناس. لا تكونوا ذئاباً ترتدي جلود حملان ، كما هو حال الكثيرين اليوم ، فهذا ليس موضعاً لطلب الدنيا ، وليس هذا موضعاً لتـنفيس الشهوات وقضاء الوطر ، هذا موضع حمل ثقل رسالة الأنبياء والمعصومين (ع) فكونوا على حذر ، وإلاّ فهو خسران الدنيا والآخرة.
قال عيسى (ع): (مثل علماء السوء مثل صخرة وقعت على فم نهر ، لا هي تشرب ولا هي تترك الماء يخلص إلى الزرع) ([6]).
في عام 1971 عندما كان السيد الخميني (رحمه الله ) في النجف الأشرف وكان تلاميذه ينتظرون منه درساً في تهذيب النفس ، بدأ السيد بالقول: ( إنني أشعر بأنّ التكليف أن أذكّر السادة في بعض المناسبات بما يتعلق بمصائب المسلمين … ثم قال: والآن هل تريدونني أن أتحدث عن الأخلاق ؟! إننا لن نكون مهذبين ما لم نفكر بهذه الأحوال ولو كنا مهذبين لفكرنا بالأوضاع).
فللعلماء غير العاملين أقول: اعرضوا عملكم على سيرة الأنبياء والمرسلين ، والحمد لله في القرآن الذي بين أيدينا اليوم ما يكفي من قصصهم (ص) ، وستجدون أنّ سيرتكم مخالفة لهم تماماً ، فأمّا أن تسيروا بسيرة الأنبياء والمرسلين ، وأمّا أن تتـنحوا عن هذا الطريق ، فلا تكونوا قطّاع الطريق إلى الله كما قال أمير المؤمنين ع.
وأقول لكم ما قاله عيسى (ع) لعلماء اليهود غير العاملين المتكبرين: (الويل لكم أنتم تغلقون ملكوت السماوات في وجوه الناس ، فلا أنتم تدخلون ولا تتركون الداخلين يدخلون) ([7]).
أفيقوا قبل أن تبسل نفس بما كسبت ، وقبل أن يأتي يوم تقولون يا حسرتنا على ما فرطنا في جنب الله. إنّ جذور الإسلام والمسلمين تتعرض اليوم للإبادة ، ثم تريدونني أن أجلس وأتحدث عن تهذيب النفس ؟!
أفيقوا قبل أن يخرج سيف ابن فاطمة (ع) من غمده ، وعندها ستـندمون على أفعالكم التي وضعتكم اليوم في الخندق المقابل له ، أفيقوا واعترفوا بخطئكم الفاحش ، فالعار أولى من دخول النار.
وفي ذات الوقت فإني أشد على يد العلماء العاملين المجاهدين الزاهدين في الدنيا ، الذين يدلك ظاهرهم على باطنهم ، والذين يعملون ليلاً ونهاراً لنشر كلمة: (لا إله إلاّ الله) ، ونشر العدالة في المجتمع الإسلامي. ومع أنّهم شرذمة قليلون كما قال الإمام الصادق (ع) ([8]). إلاّ أنّ الله سيبارك عملهم ويجعل فيه الخير الكثير إن شاء الله ، فلا تهنوا ولا تنكلوا وأنتم الأعلون إن شاء الله ، طوبى للمعروفين في السماء ، المجهولين في الأرض مع كثرة عملهم وقلة ذات يدهم. أسأل الله أن يجعلني من خدمهم ، وأن يحشرني في زمرتهم ، مع كثرة جهلي وقلة علمي وقليل عملي بفضله ورحمته وعطائه الابتداء.
هذا وما أردت إلاّ الإصلاح ما استطعت ، متوسلاً بالحي الذي لا يموت أن أكون ممن لا يخشون في الله لومة لائم ، وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، هو وليي وهو يتولى الصالحين وأعوذ بالله من الخزي في الدنيا والآخرة.
تحصنت بذي الملك والملكوت ، واعتصمت بذي القدرة والجبروت ، واستعنت بذي العزة واللاهوت ، من كل ما أخاف وأحذر ، وبمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي و محمد وعلي والحسن ومحمد (ص) ، والحمد لله وحده.
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآياتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمعُونَ﴾ ([9]).
________________________________________
[1]- الحديد : 13 ـ 15.
[2]- الكافي: ج5 ص56.
[3]- أخرج القندوزي في ينابيع المودة: عن ابن عباس في قوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً* وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) الدهر: 7 ـ 8. قال: (مرض الحسن والحسين (رضي الله عنهما) فعادهما جدهما [رسول الله] <ص> وعادهما بعض الصحابة ، فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك [نذراً] . فقال على (رضي الله عنه): إن برء ولداي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام شكراً لله . وقالت فاطمة (رضي الله عنها) مثل ذلك . وقالت جارية [لهم نوبية] يقال لها (فضه) مثل ذلك . وقال الصبيان: نحن نصوم ثلاثة أيام . فألبسهما الله العافية ، وليس عندهم قليل ولا كثير ، فانطلق على (رضي الله عنه) إلى رجل من اليهود يقال له شمعون بن حابا . فقال له: هل تأتيني جزة من صوف تغزلها لك بنت محمد <ص> بثلاثة أصواع من شعير ؟ قال : نعم ، فأعطاه ، ثم قامت فاطمة (رضي الله عنها) إلى صاح وطحنته واختبزت منه خمسة أقراص ، لكل واحد منهم قرص ، وصلى علي (رضي الله عنه) مع النبي <ص> المغرب ثم أتى فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب ، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد <ص> أنا مسكين أطعموني شيئاً ، فأعطوه الطعام ، ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئاً إلا الماء القراح . وفي الليلة الثانية أتاهم يتيم ، فقال : أطعموني ، فأعطوه الطعام. وفي الليلة الثالثة أتاهم أسير ، فقال : أطعموني ، فأعطوه. ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئاً إلا الماء القراح ، فلما أن كان في اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم ، أخذ علي بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى الحسين (رضي الله عنهم) وأقبل نحو رسول الله <ص> وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع ، فلما
بصرهم النبي <ص> انطلق إلى ابنته فاطمة (رضي الله عنها) فانطلقوا إليها وهي في محرابها تصلى وقد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها ، فلما رآها رسول الله <ص> قال: واغوثاه ! يا الله ! أهل بيت محمد يموتون جوعاً ؟! فهبط جبرائيل ع ، فأقرأه: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً) إلى آخر السورة. ينابيع المودة لذوي القربى : ج1 ص279 ، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج2 ص403، تفسير ابن كثير : ج4 ص 649، وغيرها.
[4]- الكافي : ج1 ص33.
[5]- التوبة : 122.
[6]- فيض القدير: ج4 ص206، العلم والحكمة في الكتاب والسنة: ص446، موسوعة العقائد الإسلامية: ج2 ص486.
[7]- إنجيل متى: الاصحاح23 آية 13.
[8]- عن محمد بن عبد الخالق وأبي بصير قال: قال أبو عبد الله ع: (يا أبا محمد إن عندنا والله سراً من سر الله ، وعلماً من علم الله ، والله ما يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، والله ما كلف الله ذلك أحداً غيرنا ، ولا استعبد بذلك أحداً غيرنا ، وإن عندنا سراً من سر الله وعلماً من علم الله ، أمرنا الله بتبليغه ، فبلغنا عن الله عز وجل ما أمرنا بتبليغه ، فلم نجد له موضعاً ولا أهلاً ولا حمالة يحتملونه حتى خلق الله لذلك أقواماً ، خلقوا من طينة خلق منها محمد وآله وذريته (عليهم السلام) ، ومن نور خلق الله منه محمداً وذريته ، وصنعهم بفضل رحمته التي صنع منها محمداً وذريته ، فبلغنا عن الله ما أمرنا بتبليغه، فقبلوه واحتملوا ذلك [فبلغهم ذلك عنا فقبلوه واحتملوه] وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى معرفتنا وحديثنا ، فلولا أنهم خلقوا من هذا لما كانوا كذلك ، لا والله ما احتملوه ، ثم قال: إن الله خلق أقواماً لجهنم والنار ، فأمرنا أن نبلغهم كما بلغناهم واشمأزوا من ذلك ونفرت قلوبهم وردوه علينا ولم يحتملوه وكذبوا به وقالوا ساحر كذاب ، فطبع الله على قلوبهم وأنساهم ذلك ، ثم أطلق الله
لسانهم ببعض الحق ، فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة ، ليكون ذلك دفعا عن أوليائه وأهل طاعته ، ولولا ذلك ما عبد الله في أرضه، فأمرنا بالكف عنهم والستر والكتمان ، فاكتموا عمن أمر الله بالكف عنه ، واستروا عمن أمر الله بالستر والكتمان عنه ، قال : ثم رفع يده وبكى وقال: اللهم إن هؤلاء لشرذمة قليلون فاجعل محيانا محياهم ومماتنا مماتهم ، ولا تسلط عليهم عدواً لك فتفجعنا بهم ، فإنك إن أفجعتنا بهم لم تعبد أبداً في أرضك وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما) الكافي: ج1 ص402.
[9]- الشعراء : 10 - 15.]
والحمد لله رب العالمين
اللهم صلي على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
كتاب "العجـــــــــــــل" للامام أحمد الحسن (ع) في أجزاء لتسهيل الاطلاع ... رجاء عدم اضافة اي تعليق ...
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ، وصلى الله على محمد وآل محمد المعصومين ، وصلى الله على مسك الختام نور الله وبقيته في أرضه (روحي فداه).
قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ ([1]).
في قصص الأنبياء السابقين وأممهم التي اتبعتهم تارة واتبعت السامريين تارة أخرى ، ونصرت الأنبياء مرّة وخذلتهم ونصرت الطواغيت مرّات ، عبرة لمعتبر ، وذكرى لمدّكر.
فالبحث فيها ضروري ، والمرور من خلالها إلى ما حصل بعد وفاة النبي (ص) من تنحية الوصي (ع) والاستيلاء على السلطة - وما جرّه هذا الحدث على الأمة من مآسي ، لا نزال نعاني منها إلى اليوم أشد العناء - يساعد على فهم ما حدث بعد وفاة النبي ص> سواء مع أمير المؤمنين ع ، أم مع ولده المعصومين (ع) الذين عانوا من الطواغيت المتسلطين على دفة الحكم بالقوة الغاشمة ، كما عانوا الأمرين من السامريين أئمة الضلال ، الذين حاولوا دائماً حرف الشريعة واستخفاف المسلمين.كما أنّ النظر إلى حالنا اليوم من خلال قصص الأنبياء السابقين وأممهم يساعد على قراءة المستقبل المرتقب فيه ظهور خاتم الأوصياء المهدي ع ، وما سيلاقيه سواء من الطواغيت الذين سيستخفون المسلمين ويقاتلونه كالسفياني ، أم من السامريين (علماء السوء غير العاملين).
ولهذا ارتأيت أنا المسكين قليل العمل كثير الزلل ، أن أكتب هذا البحث لعله يكون واقية لبعض المؤمنين من التردي في الهاوية. فالوقاية خير من العلاج ، بل إنّ الوقوف مع السفياني أو علماء السوء الذين سيقاتلون المهدي (ع) لا علاج له إلاّ شرب الحميم ومعالجة الأغلال في الجحيم . ولعله يكون حافزاً لبعض المؤمنين للعمل على تهيئة الأرضية الملائمة لإقامة دولة لا إله إلاّ الله على الأرض ، دولة الإمام المهدي ع ، والحق والعدل في وقت خيّم فيه الظلم على كل بقعة في هذه الأرض. فالطاغوت الأمريكي يُضيّق الخناق يوماً بعد يوم على الشعوب المستضعفة ، ويسير بأهل الأرض نحو الهاوية ، والطواغيت المتسلطون على الشعوب الإسلامية إذا لم يكونوا عبيداً لهذا الطاغوت الذي لم يعرف له تاريخ الإنسانية على الأرض مثيلاً ، فهم يشتركون معه بعبادة الشيطان ، والشعوب الإسلامية التي هي أكثر الشعوب استضعافاً في العالم ، تعاني الأمرّين:
أولاً: من مطارق الطاغوت الأمريكي والطواغيت المتسلطين عليها.
وثانياً: من الطواغيت الموجودين داخل الإطار الإسلامي ، - أعني بعض علماء الدين غير العاملين الذين يدّعون تمثيل الإسلام - بل لعل بعضهم أستخف هذه الشعوب ووجد له كثيراً من الأتباع ؛ ليعلمهم السكون والخضوع والاستسلام للطواغيت ، وبالتالي القهر والجوع والذل.
فهي أذن حرب مستمرة في الخارج والداخل. عدو كافر يضرب باستمرار ، ومنافق ينخر في الداخل ، فرعون والسامري ، بيلاطس وعلماء بني إسرائيل غير العاملين.
فمن جانب طاغوت يشن حرباً لا هوادة فيها ضد الدين: تلفزيون يعرض آيات من القرآن الكريم ثم بعد قليل أغاني ونساء شبه عاريات ومسلسلات الغرض منها تفكيك البنية الإسلامية للمجتمع ، أو قل ما بقي من البنية الإسلامية للمجتمع أن تحلق اللحية وتطيل الشارب كما يفعل المجوس في العصور الغابرة ، هذا هو الإسلام في نظر هؤلاء !! وكل من يقول لا إله إلاّ الله يُقتل وتُسبى نساؤه ، وتهدم داره !! والطامة الكبرى أنّ بعضهم يدّعون أنّهم عرب ، ويفعلون هذا باسم العروبة ، وهم يعتدون على النساء وينتهكون الأعراض ، وسجونهم مليئة بالنساء والأطفال.
والحال أنّ العربي شريف ، إذا عادى يعادي الرجال ولا يعتدي على النساء ، فأي عروبة يدعون هؤلاء الغجر ، بقايا المغول والتتر !! لقد سودوا وجه الإنسانية ، وارتكبوا جرائم وفضائح يندى لها جبين فرعون ونمرود (لعنهم الله) صاحبي موسى وإبراهيم (عليهما السلام).
وفي الجانب الآخر السامري (العالم غير العامل) الذي يحاول حرف الشريعة ، ولا يكلف نفسه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد في سبيل الله باللسان ، بل واليد إن أمكن ، متـناسياً أنّ رسول الله <ص> قال ما معناه: (لتأمرون بالمعروف ولتنهُنَّ عن المنكر ، أو ليستعملن عليكم شراركم ثم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم) ([2]).
وهل يوجد أشر من الطواغيت المتسلطين على الأمة الإسلامية اليوم ؟ إنّ النتائج موجودة فحتماً إنّ المقدّمات كانت موجودة ، ولا تزال إلى اليوم.
إذن فسبب التسلط الطاغوتي على المجتمعات الإسلامية اليوم هو: ترك هذه المجتمعات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وسبب ترك هذه المجتمعات لهذا الواجب هو: أنّ العلماء غير العاملين تاركون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (إذا فسد العالِم فسد العالَم).
حتى ترسخت اليوم في نفوس كثير من المسلمين جذور الذل والخضوع والاستسلام للطاغوت ، وحب الدنيا وحب الحياة ، والخوف من الموت بشكل غير طبيعي. وأصبحوا يرون الحياة مع الذل خير من الموت مع العز ، وهكذا ينكس الإنسان ويمسي يرى المقاييس مقلوبة ، وهذا هو أقصى ما يريده الشيطان (لعنه الله)، أن تبقى الشعوب الإسلامية المستضعفة ساكنة بين المطرقة والسندان ، أو قل بين فرعون والسامري ، بين طاغوت يفسد ويقتل وينهب وعالم دين (غير عامل) لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر ، وخلف الستار أصابع الطاغوت الأمريكي تحرك الخيوط يميناً وشمالاً ، وهكذا لا يبقى من الإسلام إلاّ إسمه.
إنّ واجب العلماء اليوم هو التصدي لإصلاح الأمة الإسلامية ، واجبهم هو حمل ثقل الرسالة التي تصدوا لحملها. أنتم يا طلبة العلوم الدينية ، ويا علماء الإسلام - الشيعة والسنة - هـل تعتقدون أنّ كل ما أنتم مكلفون به هو تحصيل العلوم العقلية والنقلية دون العمل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ضمن تكليفكم الذي هو إصلاح الأمة وتبليغ وإنذار أبنائها ، والجهاد في سبيل الله بالغالي والنفيس ؟!
إذا كنتم تعتقدون هذا فالحق أقول لكم: إنكم مخطئون.
إنّ تحصيل العلوم العقلية والنقلية ليس بعسير ، ولكن أن تعطي طعامك ثلاثة أيام لِأسير وابن سبيل ومسكين وتطوي جائعاً. كما فعل الإمام علي ع هو الأمر العسير([3]). أن تعيش حياتك من أجل إسعاد الناس ورفع الحيف والظلم عنهم هو الأمر العسير ، أن تعطي في سبيل الله كما أعطى الإمام الحسين ع هو الأمر العسير.
السلام عليك يا أبا عبد الله ، بأبي أنت وأمي أعطيت كل شيء ولم تبقِ حتى الطفل الرضيع والنساء ، لم تبق لمتخاذل حجة.
أيها السادة إذا اقتصرتم على تحصيل العلوم وعباداتكم ، فأنتم بذلك تكونون قد أعطيتم للطواغيت كل ما يريدون ، أن يحولونكم إلى عباد لا علماء ، بل إنّ صفة العابد لا يمكن أن تخلع على العالم الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن منكر ، هذا وإن المعنى الذي ورد عن المعصومين(ع) أنّ العالم أفضل من سبعين عابد ؛ وذلك لأنّ العالم همه خلاص الناس والعابد همه خلاص نفسه.
روي عن الإمام الصادق (ع): (الراوية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد)([4]).
وقال تعالى: ﴿فَلَوْلا نفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾([5]). لينذروا قومهم ، لا ليناموا .. أو ينذروا فرداً أو فردين. فإذا كان همكم أيها السادة خلاص أنفسكم فلا تقولوا إننا طلبة علوم دينية أو علماء ، ولا تلبسوا ملابسهم لتخدعوا الناس. لا تكونوا ذئاباً ترتدي جلود حملان ، كما هو حال الكثيرين اليوم ، فهذا ليس موضعاً لطلب الدنيا ، وليس هذا موضعاً لتـنفيس الشهوات وقضاء الوطر ، هذا موضع حمل ثقل رسالة الأنبياء والمعصومين (ع) فكونوا على حذر ، وإلاّ فهو خسران الدنيا والآخرة.
قال عيسى (ع): (مثل علماء السوء مثل صخرة وقعت على فم نهر ، لا هي تشرب ولا هي تترك الماء يخلص إلى الزرع) ([6]).
في عام 1971 عندما كان السيد الخميني (رحمه الله ) في النجف الأشرف وكان تلاميذه ينتظرون منه درساً في تهذيب النفس ، بدأ السيد بالقول: ( إنني أشعر بأنّ التكليف أن أذكّر السادة في بعض المناسبات بما يتعلق بمصائب المسلمين … ثم قال: والآن هل تريدونني أن أتحدث عن الأخلاق ؟! إننا لن نكون مهذبين ما لم نفكر بهذه الأحوال ولو كنا مهذبين لفكرنا بالأوضاع).
فللعلماء غير العاملين أقول: اعرضوا عملكم على سيرة الأنبياء والمرسلين ، والحمد لله في القرآن الذي بين أيدينا اليوم ما يكفي من قصصهم (ص) ، وستجدون أنّ سيرتكم مخالفة لهم تماماً ، فأمّا أن تسيروا بسيرة الأنبياء والمرسلين ، وأمّا أن تتـنحوا عن هذا الطريق ، فلا تكونوا قطّاع الطريق إلى الله كما قال أمير المؤمنين ع.
وأقول لكم ما قاله عيسى (ع) لعلماء اليهود غير العاملين المتكبرين: (الويل لكم أنتم تغلقون ملكوت السماوات في وجوه الناس ، فلا أنتم تدخلون ولا تتركون الداخلين يدخلون) ([7]).
أفيقوا قبل أن تبسل نفس بما كسبت ، وقبل أن يأتي يوم تقولون يا حسرتنا على ما فرطنا في جنب الله. إنّ جذور الإسلام والمسلمين تتعرض اليوم للإبادة ، ثم تريدونني أن أجلس وأتحدث عن تهذيب النفس ؟!
أفيقوا قبل أن يخرج سيف ابن فاطمة (ع) من غمده ، وعندها ستـندمون على أفعالكم التي وضعتكم اليوم في الخندق المقابل له ، أفيقوا واعترفوا بخطئكم الفاحش ، فالعار أولى من دخول النار.
وفي ذات الوقت فإني أشد على يد العلماء العاملين المجاهدين الزاهدين في الدنيا ، الذين يدلك ظاهرهم على باطنهم ، والذين يعملون ليلاً ونهاراً لنشر كلمة: (لا إله إلاّ الله) ، ونشر العدالة في المجتمع الإسلامي. ومع أنّهم شرذمة قليلون كما قال الإمام الصادق (ع) ([8]). إلاّ أنّ الله سيبارك عملهم ويجعل فيه الخير الكثير إن شاء الله ، فلا تهنوا ولا تنكلوا وأنتم الأعلون إن شاء الله ، طوبى للمعروفين في السماء ، المجهولين في الأرض مع كثرة عملهم وقلة ذات يدهم. أسأل الله أن يجعلني من خدمهم ، وأن يحشرني في زمرتهم ، مع كثرة جهلي وقلة علمي وقليل عملي بفضله ورحمته وعطائه الابتداء.
هذا وما أردت إلاّ الإصلاح ما استطعت ، متوسلاً بالحي الذي لا يموت أن أكون ممن لا يخشون في الله لومة لائم ، وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، هو وليي وهو يتولى الصالحين وأعوذ بالله من الخزي في الدنيا والآخرة.
تحصنت بذي الملك والملكوت ، واعتصمت بذي القدرة والجبروت ، واستعنت بذي العزة واللاهوت ، من كل ما أخاف وأحذر ، وبمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي و محمد وعلي والحسن ومحمد (ص) ، والحمد لله وحده.
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآياتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمعُونَ﴾ ([9]).
________________________________________
[1]- الحديد : 13 ـ 15.
[2]- الكافي: ج5 ص56.
[3]- أخرج القندوزي في ينابيع المودة: عن ابن عباس في قوله تعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً* وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) الدهر: 7 ـ 8. قال: (مرض الحسن والحسين (رضي الله عنهما) فعادهما جدهما [رسول الله] <ص> وعادهما بعض الصحابة ، فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك [نذراً] . فقال على (رضي الله عنه): إن برء ولداي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام شكراً لله . وقالت فاطمة (رضي الله عنها) مثل ذلك . وقالت جارية [لهم نوبية] يقال لها (فضه) مثل ذلك . وقال الصبيان: نحن نصوم ثلاثة أيام . فألبسهما الله العافية ، وليس عندهم قليل ولا كثير ، فانطلق على (رضي الله عنه) إلى رجل من اليهود يقال له شمعون بن حابا . فقال له: هل تأتيني جزة من صوف تغزلها لك بنت محمد <ص> بثلاثة أصواع من شعير ؟ قال : نعم ، فأعطاه ، ثم قامت فاطمة (رضي الله عنها) إلى صاح وطحنته واختبزت منه خمسة أقراص ، لكل واحد منهم قرص ، وصلى علي (رضي الله عنه) مع النبي <ص> المغرب ثم أتى فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب ، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد <ص> أنا مسكين أطعموني شيئاً ، فأعطوه الطعام ، ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئاً إلا الماء القراح . وفي الليلة الثانية أتاهم يتيم ، فقال : أطعموني ، فأعطوه الطعام. وفي الليلة الثالثة أتاهم أسير ، فقال : أطعموني ، فأعطوه. ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئاً إلا الماء القراح ، فلما أن كان في اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم ، أخذ علي بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى الحسين (رضي الله عنهم) وأقبل نحو رسول الله <ص> وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع ، فلما
بصرهم النبي <ص> انطلق إلى ابنته فاطمة (رضي الله عنها) فانطلقوا إليها وهي في محرابها تصلى وقد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها ، فلما رآها رسول الله <ص> قال: واغوثاه ! يا الله ! أهل بيت محمد يموتون جوعاً ؟! فهبط جبرائيل ع ، فأقرأه: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً) إلى آخر السورة. ينابيع المودة لذوي القربى : ج1 ص279 ، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج2 ص403، تفسير ابن كثير : ج4 ص 649، وغيرها.
[4]- الكافي : ج1 ص33.
[5]- التوبة : 122.
[6]- فيض القدير: ج4 ص206، العلم والحكمة في الكتاب والسنة: ص446، موسوعة العقائد الإسلامية: ج2 ص486.
[7]- إنجيل متى: الاصحاح23 آية 13.
[8]- عن محمد بن عبد الخالق وأبي بصير قال: قال أبو عبد الله ع: (يا أبا محمد إن عندنا والله سراً من سر الله ، وعلماً من علم الله ، والله ما يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، والله ما كلف الله ذلك أحداً غيرنا ، ولا استعبد بذلك أحداً غيرنا ، وإن عندنا سراً من سر الله وعلماً من علم الله ، أمرنا الله بتبليغه ، فبلغنا عن الله عز وجل ما أمرنا بتبليغه ، فلم نجد له موضعاً ولا أهلاً ولا حمالة يحتملونه حتى خلق الله لذلك أقواماً ، خلقوا من طينة خلق منها محمد وآله وذريته (عليهم السلام) ، ومن نور خلق الله منه محمداً وذريته ، وصنعهم بفضل رحمته التي صنع منها محمداً وذريته ، فبلغنا عن الله ما أمرنا بتبليغه، فقبلوه واحتملوا ذلك [فبلغهم ذلك عنا فقبلوه واحتملوه] وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى معرفتنا وحديثنا ، فلولا أنهم خلقوا من هذا لما كانوا كذلك ، لا والله ما احتملوه ، ثم قال: إن الله خلق أقواماً لجهنم والنار ، فأمرنا أن نبلغهم كما بلغناهم واشمأزوا من ذلك ونفرت قلوبهم وردوه علينا ولم يحتملوه وكذبوا به وقالوا ساحر كذاب ، فطبع الله على قلوبهم وأنساهم ذلك ، ثم أطلق الله
لسانهم ببعض الحق ، فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة ، ليكون ذلك دفعا عن أوليائه وأهل طاعته ، ولولا ذلك ما عبد الله في أرضه، فأمرنا بالكف عنهم والستر والكتمان ، فاكتموا عمن أمر الله بالكف عنه ، واستروا عمن أمر الله بالستر والكتمان عنه ، قال : ثم رفع يده وبكى وقال: اللهم إن هؤلاء لشرذمة قليلون فاجعل محيانا محياهم ومماتنا مماتهم ، ولا تسلط عليهم عدواً لك فتفجعنا بهم ، فإنك إن أفجعتنا بهم لم تعبد أبداً في أرضك وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما) الكافي: ج1 ص402.
[9]- الشعراء : 10 - 15.]
Comment