تأملات
الموضوع الأول
العـصــر المـادي ، عـقـبـــه للقــلـــوب
الموضوع الأول
العـصــر المـادي ، عـقـبـــه للقــلـــوب
((أخوتي أخواتي الكرام الأفاضل ، هذا هو موضوعي الأول في هذا الجمع الكريم والطاهر
والله يغفر لي ان كنت أخطأت أو نسيت))
بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على سيدي ومولاي محمد ابن عبدالله ، عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، الائمة والمهديين وسلم تسليمًا كثيرا.
أخوتي وأحبتي أنصار الامام أحمد الحسن عليه السلام ، (يماني آل محمد عليهم السلام) تحية ومحبة وتقدير.
من المؤكد ، بأن كثيرًا ما يُطلب من الأنصار حين يحاورهم باحث عن حق أو معاند ، فمن الوهلة الأولى يطلب هذا المحاور الرؤية (اي المشاهدة البصرية) للامام أحمد عليه السلام عينـًا وجهـرا.
فيقول أحدهم مثلا: "هل للإمام صورة فوتوغرافيه؟" ، "أين هو كي نراه؟" وغير ذلك من المطالبات التي يكون عنوانها – المشاهدة البصرية - .
ونحن نعلم جيدًا ، بأن الصورة البصرية (المشاهدة) لا تخدم هذا السائل في شيئ بشكل مباشر. فالعين هنا لا تخدم القلب الطاهر والفطرة النظيفة الصادقة للتعرف على هوية الدعوة ومنهاجها ونهجها. (وان شاء الله تتشرف أعين مواليه برؤيته قريبـًا).
ولكن لماذا يكون هذا الطلب؟ وكأنه سؤال حتمي نتوقعه من أي سائل (غير مؤمن بالدعوة) عن هوية الامام أحمد اليماني عليه السلام.
نحن نعلم بأن لغة البصر في هذا العصر ، باتت من الوسائل التي يعتمد عليها اعتماد أساسي في الحياة اليومية. فمنذ أن يولد الفرد (في القرن العشرون) فهو يتربى على البصريات المرتبطة بالماديات الملموسة ، فهو فرد بات أسير للفضاء المرئي الضيق ، فهو محاط بالكتل الأسمنية والكثير من المفردات الملموسة كالسيارات والاعلانات والشوارع والأرصفة والأسوار والبلاستيك والأوراق وغيرها من الحواجز البصرية والقريبة من ملامسة أصابعه (أو أنامله).
فالبصر هي وسيلة للتعرف على مقتضيات الحياة اليومية في هذا العصر ، فالعين تتفحص الجودة ، والنظافة ، والشكل ، والعدد ، والجمال (قيمة نسبية) فالعين مقياس وميزان لاختيارات والخيارات المتاحة بالكم والكيف. وباتت العين هي عنوان لأي انطلاقة وأصبحت هي الوسيلة الشرعية للقياس في هذا الزمن.
إلا أن العين هنا (وبسبب الماديات) قد صارت القيمة الأساسية لتستقبل ولتتلقى أكثر من كونها عين فاحصة لذات الشيئ. وتحولت العين كالماسورة التي تمر من خلها المشهديات البصرية الملموسة المادية ، لتكون النفس كالوعاء الذي يحتوي كل شيئ ، فاختلط ما بهذا الوعاء من أبيض وأسود ، فتحولت هذا المعطيات للون الرماي في وعاء القلب. هذا اللون الذي يعبـّـر عن اللارئي (البعض يسميها المحايدة ، وهو تعبير غير دقيق) ، فالفرد ومع هذا النهج أصبح مسلوب الارادة ، لا يتعامل مع المعطيات الروحانية بسبب هذا التلوث ، وبسبب هذه الحالة الرمادية.
فارتبطت خبرات الناس بتلك المفردات والمواد (ماديات ملموسة) ارتاباط وثيقــًا ، بسبب أن البصر لا يكاد أن يفارق تعاطي الماديات ، فقد أدمن عليها الناس ويتعاطونها.
الفرد بات ذو خبره من معرفة أنواع المواد تلك بمجرد أن يبصرها بسبب تعدد خبراته ، (مثال/ يعرف البلاستيك بمجرد النظر اليه من غير أن يلامسه).
وقد صاحب ذلك بأن المسافه البصرية قد قلت وتراجعت ألى مسافات قريبه وغير بعيده ، وهذا بسبب اصطدام خط البصر بالمفردات العديدة القريبة والمحيطة بالفرد.
(رجل المدينة ليس كرجل الصحراء، فرجل الصحراء عينه تصل بعيدا ، ومفردات رجل الصحراء قليلة اذا ما قيست برجل المدينة ، ورجل المزارع يتعامل مع مفردات طبيعية أكثر من كونها مصنـّـعة).
فصارت الهوية البصرية ذات صياغة مادية ، أكثر منها قلبية روحانية ، فضربت هذه الماديات وبنت حول الفرد جدار سميكا لا تكاد تخترقه الكلمة.
فتحول الانسان الى ما يشبه الآلة الحاسبة الرياضية المادية التي تبنى على أن 1+1= يحب أن يكون الناتج2
نعم ، صحيح بأن ما سبق تعد نتيجه حتيمة ومنطق رياضي صارم ، لكن هذا النهج بات من معطيات والمفردات التي لا تستوعبها قلوب هذا الزمان إلا هي.
ان الماديات هي قالب (محدد بشكل وحدوده وبمنهجه) وقد صاغ هذا القالب عقول الأفراد لهذا العصر ، فهو يتحرك وفق تحرك الآخرين ولا يتحرك بتلقائية خاصة ، ويأكل وفق الآخرين ، ويتكلم كذلك ، ويلبس كذلك...إلخ. فيرى بأن الخروج عن الأمور العامة هي عملية شاذة لا يجب أن يخرج عنها ، وبمجرد أن يبدي ملاحظاته التي تغاير الأمور العامة ، يعتبر خارج عن قانون العامة ، فيكون شاذا ، لنطلق على هذه العملية مفردة أدرلجة أو المؤدلجون (أدلجه = اي الأيدلوجية ، فالفرد أصبح مؤدلج)
فارتبطت حركاته وافعاله ومشاعره بنهج العامة ونهج الآخرين ، فباتت العامة منهاجًا وبات الفرد والجماعه كذلك مؤدلجون.
فهذه الأدلجة أتت ببناء (حجر على حجر) مع مرور الوقت ، وكانت ولازالت لها الكلمة والسطوه العليا ، وبات الفرد يراها من الأمور التي يجب أن يسير بركبها ولا يجب عليه أن يخرج منها أو عليها.
لذلك صار الانسان رقيب نفسه وامين على هذا النهج المادي. لا بل ومن دعاتها وهو لا يشعر.
فيقول مولاي الامام أحمد الحسن عليهم السلام : " اعملوا بما علمتم ، وعرفتم من الله سبحانه ، دون خوفا أو حساب أي شيئ مهما كان عظيم في اعين الناس ، الذي يحسبون الدنيا والمادة ، ولا يحسبون الله سبحانه" (خطاب الحج للامام أحمد عليه السلام).
لنعلم هنا (وأنتم أعلم مني بذلك) فقد احتاجت الكلمة الحقة ، أن تتخذ أدوات ثاقبة (ليس كالسابق) كي تخرق سماكة هذا الجدار الصلد ، فالكلمة الآن لا تتعامل مع تراكمات للفرد نفسه ، بل تتعامل مع تراكمات قد أشترك ببنائها مجتمعات عديدة ساعتدها بذلك الوقت (وهذا بسبب عصر العولمة والماديات).
نعم أن هناك شبـّاك لهذا الجدار المادي ، وهو شباك ذو فلاتر من نوع خاص لا تسمح إلا بمرور ما تتوفر فيه الشروط ، وهي شروط المادية (الملموسة ، المرئية) وأنا نفسي لا زلت أحد ضحاياها. فعلى الكلمة الآن أن تتخذ أساليب تتناسب مع من نتعامل معهم من أصحاب الماديات، لأن خلف هذا الجدار السميك أنفس مغيبة تحتاجكم ، وهي أنفس إما أن تكون:
- ميته
- نائمة
- مريضة
- معذبة
فلا سبيل لنا لمعرفه نوعيه هذه الأنفس إلا إذا اخترقنا هذا الجدار ، ولعلكم في نهاية الأمر ، لربما لن تجدوا أي نفس خلف تلك الجدران ، فتلك الجدران المادية قد جعلت من الجسد خاوي من النفس التي تتعامل مع اللاماديات والروحانيات.
فالماديات حجبت رؤية القلب من التأملات ، والتفكر ، والمجالسة مع النفس والذات وتقييم الذات، لنعلم أخوتي بأن السرعة قد صادرت على الأنفس أن تعرف معنى الروحانيات وتتعرف عليها ، وهي تلك التي أشبه بالرياح التي أخذت بطريقها كل ناعم ، وعلى كل ما هو على السطح.
فالسفياني تعني / سريع الخطى ، وهي أيضا تعني : السفياني اشتقاقه من السافى، وهو ما سفته الريح من تراب وغيره ، وكان سفيان فعلان من ذلك .
(والله أعلم)
نحن أمام مجموعة من السَّـفـْيـَنـَه (كما نقول مَيـْكــَنـَة) المنهجية التي تحلى بها الناس في هذا الزمان ، فتعايشوا معها ، وهي باتت اللغة الرسمية التي يتفاهمون معها وبها ومن خلالها.
نحن امام نهجين مغايرين من الشكل والمضمون (المادي والمعنوية) يسيران بشكل متضاد ، متواجهان ، فاحتكاكهما ببعضهما البعض حين التلاقي يتنج عنه ضحايا وإصابات فكرية. ونسأل الله التوفيق وان يسدد خطاكم.
أسأل الله لي ولكم التوفيق
واعوذ بالله واستغفره ان كنت سهوت أو ظلمت.
والصلاة والسلام على محمد وآله ، الأئمة والمهديون وسلم تسليمًا كثيرا.
كتبها العبد الحقير
الجاهل الفقير
خادمكم / المعدن
Comment