تمهيد:
حوار مفترض بين أب وابنائه الثلاثة، في بدعة التقليد وبيان بطلانها بالدليل العلمي بعيدا عن التعصب وارجوا من القراء الكرام التدبر بما في الحلقات مع اثارة بعض الاشكالات لكي يكون للبحث فائدته المرجوه وفقكم الله سبحانه واسال الله ان يوفق الجميع ويبصرهم بالحق.
الحلقة الأولى
حوار مفترض بين أب وابنائه الثلاثة، في بدعة التقليد وبيان بطلانها بالدليل العلمي بعيدا عن التعصب وارجوا من القراء الكرام التدبر بما في الحلقات مع اثارة بعض الاشكالات لكي يكون للبحث فائدته المرجوه وفقكم الله سبحانه واسال الله ان يوفق الجميع ويبصرهم بالحق.
الحلقة الأولى
في بيان تعريف التقليد واختلافهم فيه
يقول السيد المرتضى: (التقليد: قبول قول الغير من غير حجة أو شبهة) ([9]). ويقول المحقق الكركي: (التقليد هو قبول قول الغير المستند إلى الاجتهاد، أما المخبر عن يقين بأحد طرق اليقين فهو شاهد، وليس قبول خبره من التقليد في شيء) ([10]). فكلاهما عرّفاه بكونه قبول قول الغير، إلاّ أنّ السيد المرتضى قيده بقولهمن غير حجة أو شبهة)، أي: يتعين على المقَلِّد قبول قول المقَلَّد بلا مطالبة بحجة أو دليل على قوله، بل يجب عليه القبول فقط. وأمّا المحقق الكركي فأيضاً عرّف التقليد بقبول قول الغير بلا مطالبة بالدليل كما يدل على ذلك إطلاق عبارته، لكنه قيد القول بكونه مستنداً إلى الاجتهاد؛ لكي يفرّق بين أمرين: الأول: القول المستند للاجتهاد والاستنباط. والثاني: القول المستند لغير الاجتهاد، كما لو أخبر أو نقل المقَلِّد رواية أو شهد على شيء رأه كما هو الحال في البينة التي تشهد برؤية شيء معين. فخص المحقق الكركي التقليد بالأول دون الثاني، فقبول قول الغير المستند إلى الاجتهاد والنظر يكون تقليداً دون الإخبار بشيء لم يكن مستنداً إلى الاجتهاد فهو لا يسمى تقليداً. وهذا هو الحق؛ إذ من يقبل قول زرارة بعنوان كونه راوياً لا يكون مقلداً له، بل إنما قبل خبره لكونه نقل عن أهل البيت ع. وينبغي الالتفات لكلام المحقق الكركي حيث يقولأمّا المخبر عن يقين بأحد طرق اليقين فهو شاهد، وليس قبول خبره من التقليد في شيء)، فهو يشير إلى أنّ الاجتهاد لا ينتج حكماً يقينياً بل حكماً ظنياً؛ ولهذا نجده يقولأما المخبر عن يقين بأحد طرق اليقين فهو شاهد)، وسيأتينا أن شاء الله أنّ الاجتهاد لا ينتج حكماً قطعياً بل حكم ظني، ومن هنا احتار القائلون بوجوب التقليد في كيفية تخريج الحكم الظني الذي استنبطوه عن عموم النهي عن اتباع الظن!! وهذا ما بينه المولى أحمد النراقي حيث قال: (وأراد بالتقليد العمل بخبر الغير وإن أفاد الظن) ([11]). ولا تتوهموا عندما تقرؤن عبارته حيث جاء فيها (بخبر الغير)، فهو يقصد الخبر الحدسي الناتج من الاجتهاد والاستنباط لا الخبر الحسي الناتج من المشاهدة أو السماع، وهذا ما بينه المحقق الكركي كما تقدّم. وقريب من التعريفين المتقدمين تعريف المحقق الخراساني للتقليد الذي ذكره في كفاية الأصول حيث عرّفه بأنه: (أخذ قول الغير ورأيه للعمل به في الفرعيات،...، بلا مطالبة دليل على رأيه،..) ([12]). فنجده يعرّف التقليد بكونه أخذ قول الغير ورأيه، أي التقليد مختص بالرأي والنظر الاستنباطي فقط، ولا يشمل الخبر الذي ينقله الغير الذي لم يكن وليد عملية الاستنباط، كما لو نقل المرجع رواية فمن قبلها لا يسمى مقلِّداً له؛ لكون التقليد إنما يكون بمتابعته في رأيه الناتج من الاجتهاد دون مطلق نقله، وبهذا يكون كلام المحقق الخراساني بنفس مفاد كلام المحقق الكركي المتقدّم. نعم خصّ المحقق الخراساني التقليد بالمعنى المتقدّم ـ وهو أخذ قول الغير ورأيه للعمل وبلا مطالبته بالدليل ـ بالفرعيات فقط دون الاعتقاديات، كما أنه ردّ على من عرّف التقليد بكونه الالتزام بالعمل، وسيأتي بيان ذلك بالتفصيل في القسم الثالث.
[1]- لسان العرب - ابن منظور - ج 3 - ص 367.
[2]- الصحاح - الجوهري - ج 2 - ص 527.
[3]- تاج العروس - الزبيدي - ج 5 - ص 205.
[4]-
[5]-
[6]- الأصول العامة للفقه المقارن - السيد محمد تقي الحكيم - ص 638 – 641.
[7]- كتاب الاجتهاد والتقليد: ص78.
[8]- كما يقول فريد وجدي في دائرة معارفه ج3 ص245.
[9]- رسائل المرتضى: ج2 ص265.
[10]- جامع المقاصد: ج2 ص69.
[11]- مستند الشيعة: ج4 ص186.
[12]- المحقق الخراساني في كفاية الأصول - الآخوند الخراساني - ص 472 – 474.
Comment