بسم الله الرحمن الرحيم
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
يقول الإمام أحمد الحسن ع بكتاب العجل الجزء الثاني
التحريف في القران الكريم.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
يقول الإمام أحمد الحسن ع بكتاب العجل الجزء الثاني
التحريف في القران الكريم.
وردت روايات كثيرة عن أهل بيت النبي (ص) دالة على التحريف ، كما وردت روايات عن صحابة النبي (ص) عن طريق السنة في كتبهم ، دالة على وقوع التحريف ، والمقصود بالتحريف إن القرآن الذي بين أيدينا غير كامل ، وان بعض كلماته تبدلت أو بدلت بقصد ، ورجح بعض علماء المسلمين وقوع التحريف كما رجح بعضهم عدم وقوع التحريف.
ويستدل القائلين بعدم التحريف بعدة أمور هي :
1-آية الحفظ { إِنا نَحنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }(الحجر : 9). وهذه الآية يمكن أن تفسر بحفظ القرآن من التحريف ، وبقاءه عند الأمة سالماً من الزيادة والنقص والتغيير ، ومن أن تمتد يد أهل الباطل وأئمة الضلال أليه.
2- قال تعالى { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(فصّلت : 42).وهذه الآية يمكن أن تفسر بان القرآن محفوظ من ولوج الباطل بين طياته ، سواء أكان هذا الباطل بتبدل بعض الكلمات ، أو بزيادة أو نقص بعض السور والآيات.
3- الروايات الدالة على التحريف يمكن حمل بعضها على أنها دالة على التحريف المعنوي أي التحريف في التأويل لا التنـزيل، وهذا أمر واقع يقره جميع المسلمين.
4- إن بعض الروايات الدالة على التحريف ضعيفة السند.
5- الروايات التي لا تقبل التأويل والدالة على التحريف اللفظي أو النقص يضرب بها عرض الجدار ، وذلك لأنها مخالفة للقرآن ، وقد ورد عن المعصومين (ع) ما معناه ما جاءكم عنا مخالف لكتاب الله فدعوه.
6- القرآن المجموع في زمن النبي (ص) هو الذي بين أيدينا لان من غير المعقول أن رسول الله (ص) لم يهتم بكتابة وجمع القرآن في حياته. ثم جاء بعده أبو بكر وعمر وزيد ابن ثابت ليجمعوه ، وجاء بعدهم عثمان ليجمع الناس على مصحف واحد ويحرق أو يتلف البقية التي تختلف عنه بشكل أو بآخر فيكون الذي بين أيدينا هو المصحف العثماني كما يروي العامة والخاصة.
7- القول بتحريف القرآن يلزم هدم إثبات نبوة محمد (ص) اليوم ، لأن القرآن هو المعجز الذي جاء به النبي (ص).
8- مع القول بالتحريف لا يبقى للقرآن الذي بين أيدينا فائدة ، ولا يمكن التعويل عليه في العقائد ، فضلا عن الأحكام الشرعية وغيرها.
أما أدلة القائلين بالتحريف فهي :
1-الروايات الدالة على التحريف ، وهي كثيرة جدا عن طريق الشيعة والسنة ، وكمثال على ما روي عن طرق السنة إن رسول الله (ص) قال : ((من سره أن يقرأ القران غضا كما نزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)).وعلى هذا يكون ابن مسعود من خير الصحابة الذين حفظوا القران ، ثم أنهم يروون عن ابن مالك قال :
(أمر بالمصاحف أن تغيير قال ، قال ابن مسعود من استطاع منكم أن يغل مصحفه فليغله فان من غل شيئا جاء به يوم القيامة قال ثم قال (أي ابن مسعود) قرأت من فم رسول الله (ص) سبعين سورة أفأترك ما أخذت من في رسول الله (ص) ).
وعندهم السند صحيح كما قال احمد محمد شارح مسند احمد ورواه أبو داود وابن كثير في التفسير ، وروى معناه ابن سعد في الطبقات.
ومعنى الحديث واضح إن ابن مسعود يرى أن القرآن الذي كتبه عثمان ناقص ، أو حدث فيه بعض التغير على الأقل ، فقوله (أ فأترك ما أخذت من في رسول الله (ص). دال على أن ما أخذه يختلف بشكل أو بآخر عما كتبه عثمان ، وابن مسعود (رحمه الله) ظل مصراً على رأيه ورفضه لما كتبه عثمان ، حتى قتله عثمان ، عندما احرق المصاحف واحرق مصحفه ، وجلده حتى مات بعدها.
والروايات التي وردت في كتب السنة الدالة على نقص القرآن كثيرة ، وقد اختاروا اسم نسخ التلاوة للسور والآيات التي وردت عندهم بالروايات ، ولم تكتب بالمصحف الموجود اليوم.
أما الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) فهي كثيرة ، ولكنهم (ع) أمرونا أن نقرأ كما يقرأ الناس ، حتى يقوم القائم منهم صلوات الله عليه وعليهم. وسئل الشيخ المفيد (رحمه الله) في المسائل السرورية : ما قوله أدام الله تعالى حراسته في القرآن ؟ اهو ما بين الدفتين الذي في أيدي الناس ، أم هل ضاع مما أنزل الله تعالى على نبيه منه شيء أم لا ؟ وهل هو ما جمعه أمير المؤمنين (ع) ، أم ما جمعه عثمان على ما يذكره المخالفون.
فأجاب : (إن الذي بين الدفتين من القرآن ، جميعه كلام الله تعالى وتنـزيله ، وليس فيه شيء من كلام البشر ، وهو جمهور المنـزّل ، والباقي مما أنزله الله تعالى قرآناً عند المستحفظ للشريعة ، المستودع للأحكام : (أي المهدي -ع-) ، لم يضْيع منه شيء ، وان كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله في جملة ما جمع لأسباب دعته إلى ذلك منها قصوره عن معرفة بعضه ، ومنها ما شك فيه ، ومنها ما عمد بنفسه ، ومنها ما تعمد إخراجه منه ، وقد جمع أمير المؤمنين (ع) القرآن المنـزل من أوله إلى أخره ، وألفه بحسب ما وجب تأليفه ، فقدم المكي على المدني ، والمنسوخ على الناسخ ، ووضع كل شيء منه في حقه ، فلذلك قال جعفر بن محمد الصادق (ع) ((أما والله لو قرء القران كما انزل ألفيتمونا فيه مسمين ، كما سمي من كان قبلنا)) وقال (ع) ((نزل القران أربعة أرباع ربع فينا وربع في عدونا وربع قصص وأمثال وربع قضايا وأحكام ، ولنا أهل البيت فضائل القران)).
وقال المجلسي(رحمه الله) :
غير أن الخبر الصحيح عن أئمتنا (ع) أنهم أمروا بقراءة ما بين الدفتين ، وان لا نتعداها بلا زيادة فيه ولا نقصان منه ، حتى يقوم القائم (ع) فيقرا الناس القران على ما أنزله الله تعالى ، وجمعه أمير المؤمنين (ع)،).
2- قيام عثمان بإحراق المصاحف بعد أن اختار أحدها ، مع وجود اختلاف بينها ، بل واحرق مصحف عبد الله بن مسعود وأنكر علية قراءته ، وضربه حتى مات ، مع أن رسول الله قال (ص) – على ما روي عنه : ((من سره أن يقرأ القران غضا كما نزل فليقرا على قراءة ابن أم عبد)).
3- اقتفاء سنن الماضين فاليهود حرفوا التوراة والمسيح حرفوا الإنجيل.قال تعالى : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) (الانشقاق : 19).
وقد ورد حديث اقتفاء سنن الماضين عن النبي (ص) وأهل بيته المعصومين (ع) ، والحديث صحيح مستفيض الرواية ، ومعنى اقتفاء سنن الماضين موجود في ارض الواقع ، وشيء حاصل بينّ لكل من تصفح التاريخ ولو إجمالا.
4- آية الحفظ متشابهة ، تحتمل وجوه كثيرة من التفسير والتأويل ، ومنها إن القرآن محفوظ عند المعصوم (ع) ، وهذا الوجه في التفسير تدل عليه الروايات عنهم (ع) ، وكذلك الآية أخرى { لا يأتيه الباطل من………الخ} متشابهة تحتمل وجوه.
والعجيب أن يرجَع بعضهم روايات صحيحة السند محكمة الدلالة ، وردت عن أهل بيت العصمة إلى آيات متشابهة ، وهم يدعون فقه القرآن والسنة. فليت شعري المحكم يرجع إلى المتشابه أم المتشابه إلى المحكم ؟!.
5- لا سبيل لرد الروايات الصحيحة ، لان بعضها محكمة في دلالتها على التحريف والنقص ، والآيات السابقة متشابهة والمتشابه يرجع إلى المحكم ليفهم معناه لا العكس ، كما أن تغيير حرف أو كلمة في آية لا يعد ، وما في القراءات السبعة من الاختلاف. ومن هنا فان قبول قراءة المعصوم أولى من قبول قراءة غيره ، وعلى اقل تقدير فلتقبل قراءته كقراءة غيره ، فلا وجه لحصر القراءات بسبعة مع انه توجد قراءات مروية غيرها.
6- القرآن الذي بين أيدينا جمع في زمن أبي بكر وعمر ، والدال عليه الروايات عن طريق السنة والشيعة ، بل إن هذه الحادثة متواترة في التاريخ ، وكانت هناك عدة مصاحف احرقها عثمان ، وجمع الناس على مصحف واحد.
أما القران الذي جمعه النبي (ص) فهو عند علي (ع) ، وقد عرضه على القوم ولم يقبلوه وهو عند الإمام الثاني عشر (ع) اليوم ، والدال عليه روايات كثيرة وردت عن أهل البيت (ع). عن سالم بن سلمة قال قرأ رجل على أبي عبد الله (ع) وأنا استمع حروفا من القران ليس على ما يقرءها الناس ، فقال أبو عبد الله(ع) كف عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم ، فإذا قام القائم (ع) قرأ كتاب الله عز وجل على حده ، واخرج المصحف الذي كتبه علي (ع).
وقال : أخرجه علي (ع). إلى الناس حين فرغ منه وكتبه وقال لهم هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد، وقد جمعته من اللوحين ، فقالوا هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القران لا حاجة لنا فيه ، فقال أما والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبدا. إنما كان عليَ أن أخبركم حين جمعته لتقرؤه)) .
وفي رواية أخرى عن النبي (ص) قبل وفاته أعطى القراطيس التي كتب فيها القران لعلي (ع) ، وأمر بجمعه وحفظه.
أما الادعاء بان القران الذي بين أيدينا جمع في زمن النبي (ص) فهي دعوى جزافية لا دليل عليها ، بل مردود بما قدمت.
7- إن إثبات النبوة لمحمد (ص) بأخلاقه وأمانته ، وصدقه وسيرته قبل بعثة ، ومعجزات كثيرة القرآن أحدها. وقد نقل الكثير منها بشكل متواتر ، من جيل إلى جيل ، وفي كتب التاريخ.
ومنها ما كان في ليلة ميلاده كانشقاق إيوان كسرى ، وهدم أربعة عشر شرفة من شرفاته ، وخمود نيران فارس ولم تكن قبل ذلك تطفي بآلف عام ، وغور بحيرة ساوه ، وغيض وادي السماوة ، وتهافت النجوم على الشياطين بالرجوم ، ومنعها من السمع. ومنها المقرونة بدعوى النبوة والتحدي ، كانشقاق القمر ، وانشقاق الشجر ، وحنين الجذع ، وتسبيح الحصى بيده ، ونبع الماء من أنامله ، ونطق الجمادات والحيوانات لأجله ، وتسليم الغزال عليه ، ونطق اللحم المسموم بين يديه ، وكلام ذئب الفلا لأجله ، ودر شاة أم مُعبد ، وبرق الصخرة يوم الخندق ، واكل الخلق الكثير من الطعام القليل.
كما أن القرآن الذي بين أيدينا عند القائلين بالتحريف هو قرآن من عند الله ، ولكنه ليس جميعه. وبهذا يبقى على أعجازه ، ويعتمد عليه في العقائد والأحكام وغيرها ، مع إن أعجاز القران مختلف فيه أصلا كونه البلاغة أو الأسلوب أم الحكم والمواعظ أو الأخبار بالمغيبات أو سلامته من التناقض. أو التشريع العادل ، وربما يقال جميع هذه الأمور هي أعجاز القرآن ، وربما قيل إن إعجازه نفسي باطني ، ويؤيده قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) (الرعد : 31). ويؤيده طمأنينة نفس المؤمن عند قراءته ، ويؤيده انه شفاء للصدور ، ويؤيده إن بعض آياته إذا قرأت لها تأثير على الموجودات الملكوتية واللطيفة كالجن ، بل المادية كجسم الإنسان ، ورد عن المعصومين (ع) ما معناه ((إن الفاتحة إذا قرأت سبعين مرة على ميت فلا تتعجبوا إذا قام حيا) ، (أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى)(الرعد : 31).
وربما لن يظهر هذا الإعجاز بشكل واضح للجميع ، إلا في زمن ظهور القائم (ع) حيث ورد أن أصحابه يسيرون على الماء ، بل لو تدبرنا التحدي في القرآن لوجدناه شاملا للجميع لأهل العربية وغيرهم ، وللإنس والجن (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)(الإسراء :88). فلو كان الإعجاز في تركيب الألفاظ ، أي بالبلاغة أو الأسلوب أو غيرها ، لكان التحدي لغير أهل العربية لا معنى له ، مع أن الآية تشملهم ، فإذا كان الأمر كذلك أي إن إعجاز القران باطني نفسي كان بقاء آية واحدة من القرآن كاف لبقاء إعجازه ، بل جزء من آية كافي مثل {الله لا اله إلا هو الحي القيوم } أو {بسم الله الرحمن الرحيم } ، بل الباء في البسملة كافية لإثبات إعجازه. روي إن أمير المؤمنين (ع) تكلم في أسرار الباء في البسملة ليلة كاملة.
وقال تعالى {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } (المائدة:82-83).
فلا تتوهم أن سبب إيمان هؤلاء العلماء الربانيين القسيسين والرهبان هو : البلاغة أو الأسلوب ، بل الحقائق التي وراء تلك الألفاظ ، والتي جعلت أعينهم تفيض من الدمع. وهؤلاء وأمثالهم هم الحجة في كشف إعجاز القرآن لبني آدم ، لا من أقتصر علمه على القشور والألفاظ فقط. قال تعالى : {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (فاطر :22).
فمن كشف معجزة موسى (ع) لبني آدم ؟!، إنهم السحرة عندما عرفوا أنها ليست بوهم ، بل حقيقة من رب العالمين ، فلم يستكبروا وخروا ساجدين.
والخلاصة :
أن القول بالتحريف لا يعدوا القول بالنقصان ، أو بتغيير بعض الكلمات اعتمادا على الروايات التي وردت عن المعصومين (ع) ، وعن بعض الصحابة. وكلاهما - أي النقصان وتغير بعض الكلمات - لا يقدح بكون الذي بين أيدينا قرآناً ، حيث أن القول بالنقصان يعني أن الذي بين أيدينا بعض القرآن ، فلا إشكال في أنه من الله سبحانه.
أما القول بتغير بعض الكلمات مثل { أمة بأئمة } ، و { اجعلنا بإجعل لنا } و{ طلح بطلع } ، فهو شبيه بالقول بالقراءات السبعة ، أو العشر التي لاقت القبول من جميع المسلمين اليوم ، وهم لا يخّطئون من يقرأ بأي منها مع اختلاف بعض الكلمات من قراءة إلى أخرى ، سواء باللفظ أو بالمعنى هذا ، والحمد لله الذي رزقنا ذكره ، ومن علينا بكتابه الكريم وقرانه العظيم والحمد لله وحده.
اللهم صلي على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
Comment