بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.
اتعرّض الى حوار مفترض في الدعوة اليمانية المباركة من خلال محاورة بين والد وولديه وهو يحاورهما ويطرح لهم الدعوة اليمانية المباركة ويبيّن لولديه أحقيّة صاحبها صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه المهديين.
ويجيب الأب على اسألة ولديه واستفساراتهم عن الدعوة اليمانية الشريفة وكل ما يتعلق بها،هذا بعد طرحة لأصل الايمان بالدعوة عليهما ،أو بعد عرضه لدليل من أدلتها.
ولقد أعطيت لكل من الولدين إسماً مفترضاً ،فأحدهما ـ وهو الاكبر ـ يسمّى(واثق)،والصغير يسمّى(محمود)،وحافظت على صفة الابوة للأب.
ونظّمت الحوار على شكل حلقات لكي لايكون اسلوب الطرح مملّاً للقارئ الكريم،وأسأل الله تعالى أن ينفع به طالب الحق .
فأبدأ الأن بعد الاستعانة بالحق تعالى بالحلقة الاولى:
الحلقة الاولى
ذات يوم كان ابو واثق جالساً مع ابنيه فدار بين الأب وابنيه حوار ديني ،فقال واثق:ابي أود أن أسالك سؤال لقد سألني به أكثر من صديق في الجامعة،فقال الأب: تفضل يابني، وأسأل الله ان يقدّرني على جوابك.
واثق:لقد سألني أكثر من صديق عن سبب انتمائي للمذهب الشيعي،فلماذا نحن ننتمي للمذهب الشيعي دون غيره من المذاهب الاخرى،حيث توجد مذاهب اُخرى فلماذ نحن وجدناك متّبعاً للمذهب الشيعي،ونحن اتبعناك بذلك؟
الأب: أحسنت يابني كان في ودّي ان تسألوني عن ذلك بعد أن كبرتم وصرتم شباباً ووصلتم لمستوى عالٍ من الدراسة الأكاديميّة ونمت عندكم القدرة العقلية التي من خلالها تستطيعون التمييز بين الحق والباطل،وخصوصاً في المسائل العقائدية التي لايجوز اتباع الغير بها،بل يجب على الإنسان ان يعرف الحق ويتّبعه لا عن تأثّر بغيره،بل يتبعه لأنّه الحق الذي أراد الله اتباعه،إسمع يابني:
أبدأ لك جوابي من الوقت الذي ارتحل في رسول الله(ص) من هذه الدنيا؛إذ في زمن الرسول لم تكن المذاهب موجودة،وإنما ولدت بعد وفاته(ص) فحصل اختلاف بين المسلمين على الرغم من انّه(ص) قد أوصى الناس باتباع علي بن ابي طالب(ع) حيث هو الإمام من بعد رسول الله(ص) وخليفته من بعده،وهذه الحقيقة نطقت بها الآيات الكريمة والروايات الشريفة،ولأنّي كما قلت لك ينبغي ان يكون الانسان عارفاً بالحق ومتبعاً له لا عن تأثّر بالغير،فلابد لي من ذكر دليلاً على كلامي واُراعي الاختصار فإنّ الأدلة كثيرة ،وقد ذكروها أهل الموسوعات الروائية والمصنفين في موسوعاتهم وتصنيفاتهم.
أمّا أنّ المسلمين اختلفوا بعد رسول الله(ص)؛فدلّت عليه الروايات التي يرويها العام والخاص،اي :رواها علماء العامّة وعلماء الشيعة،وأنقل لك بعضاً مما روي في بيان ذلك:
عن عبد الله بن عباس قال : لما اشتد بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وجعه ، قال : ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده . قال عمر : إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) غلبه الوجع ، وعندنا كتاب الله حسبنا ، فاختلفوا وكثر اللغط . قال : قوموا عني ، ولا ينبغي عندي التنازع...)(1).
عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما حضر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ، فقال عمر : إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله . . .)(2) .
وبسند آخر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما حضر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفي البيت رجال فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : هلموا أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده ، فقال بعضهم : إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله . . )(3).
عن ابن عباس قال : يوم الخميس ، وما يوم الخميس ، ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء ، فقال : اشتد برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وجعه يوم الخميس ، فقال ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا هجر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )(4).
وفي مسند أحمد بن حنبل : عن جابر أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتابا لا يضلون بعده ، قال : فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها )(5).
الأب:هذا كلامي ياولدي كله في بيان أصل الاختلاف،وأمّا ما دلّ على ان النبي(ص) أوصى قبل وفاته،فالروايات كثيرة ايضاً،ولكي اختصر لك الحديث اُشير الى واقعة الغدير التي اتفق على روايتها الجميع.
روى الخطيب البغدادي ، عن أبي هريرة قال : من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة ، كتب له صيام ستين شهرا ، وهو يوم غدير خم ، لما أخذ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بيد علي بن أبي طالب فقال : ألست ولي المؤمنين ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال عمر بن الخطاب : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم . فأنزل الله : اليوم أكملت لكم دينكم...)(6).
وروى الواحدي في أسباب النزول عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه )(7).
وقال الشبلنجي في نور الأبصار: ونقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي ( رحمه الله ) في تفسيره : " أن سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى سئل عن قوله تعالى : ( سأل سائل بعذاب واقع ) فيمن نزلت ، فقال للسائل : لقد سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك ، حدثني أبي عن جعفر بن محمد عن آبائه رضي الله عنهم أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما كان بغدير خم نادى الناس ، فاجتمعوا ، فأخذ بيد علي ( رضي الله عنه ) ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فشاع ذلك فطار في البلاد ، وبلغ ذلك الحرث بن النعمان الفهري فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على ناقة ، فأناخ راحلته ونزل عنها وقال : يا محمد ! أمرتنا عن الله عز وجل بشهادة أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلنا منك ، وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلنا منك ، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا ، وأمرتنا أن نصوم رمضان فقبلنا ، وأمرتنا بالحج فقبلنا ، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا . فقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ! فهذا شئ منك أم من الله عز وجل ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : والذي لا إله إلا هو ، إن هذا من الله عز وجل . فولى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم ، فما وصل راحلته حتى رماه الله عز وجل بحجر ، سقط على هامته وخرج من دبره وقتله ، وأنزل الله تعالى : سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليس له دافع * من الله ذي المعارج ).(8).
الأب:إعلم يا واثق وأنت يامحمود؛ أنّ الرسول في أكثر من مرّة بين فضيلة أهل بيته(ع) وهم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فقد أجمع المفسرون والرواة بأن قوله تعالى إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ). على أنها نزلت في حق علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فقد روى جماعة عن شهر بن حوشب عن أم سلمة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلل علياً وفاطمة وابنيهما بكساء ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيت بيتي وحامتي ، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ).وقد أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده ،والطبراني في مسنده، و الطبري في تفسير ، والترمذي في سننه، وابن جرير في صحاحه، والحاكم النيشابوري في مستدركه، ومسلم في صحيحه، وابن حبان في صحاحه، ووافقهم الذهبي .(9).
فأهل البيت(ع) هم الثقل الثاني الذي أمرنا بالتمسك به،فتواتر عنه (ص) وبألفاظ مختلفة أنّه قالإني مخلف فيكم الثقلين ، كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم).(10).
وروي عنه (ص)يا أيها الناس إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ).(11).
الأب:والنتيجة التي نستخلصها يابني هي أنّ الرسول(ص) أمر الناس بالرجوع الى أهل بيته(ع)؛لأنّهم هم الحجّة على الناس من بعده،وهم خلفاء الله تعالى في أرضه بعد النبي (ص)،ولقد بيّن المراد من أهل البيت(ع)،وهم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام،وهم عدل القرآن الذي أمرنا الرسول(ص) بالاخذ بهما معاً،فلا الذي يأخذ بالقرآن وحده قد اهتدى،ولا الذي يزيد على الثقلين شيئاً ويأخذ به قد اهتدى ايضاً.
فمن الطبيعي انك تجدني متّبعاً للمذهب الشيعي الذي يتبنّى القول بإمامة أهل البيت(ع)؛فهذا امتثالاً مني لقول النبي(ص) الذي نصّ عليهم في أكثر من مورد كما ذكرت، بخلاف غيره من المذاهب فهي مذاهب مبتدعة خلقتها عدّة ظروف وملابسات ومصالح بشرية أرادها حكّام الجور؛لكي يبرروا افعالهم العدوانية التي فعلواها مع أهل بيت النبي(ص) الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً كما صرّح القرآن بذلك.
واثق:أحسنت يا أبي فلقد نورتني بالحقيقة بحسن بيانك.
الأب:أسأل الله لك التوفيق يابني والسير على خطى الصالحين.
محمود:لقد احسنت يا أبي ويا حبذا تكمل الحديث لنا فقد استفدنا الكثير منك يا أبي.
الأب: إن شاء الله تعالى يكون ذلك،لكن في ودّي أن أبيّن لكما حقيقة هامّة لابد لكما من التعرّف عليه،وهي الدعوة اليمانية المباركة،وشرحها لكما شرحاً وافياً؛وذلك لأهميتها في وقتنا الحاضر؛إذ يشكّل الإيمان بها ايماناً بالنبي وأهل بيته عليهم السلام؛لأنهم اخبروا بها وبينوا صاحبها بياناً وافياً يراه كل من أنصف نفسه وجعل ميزان قبوله ورفضه النبي وأهل البيت عليهم السلام.
وبما انكما تعبتما الليلة فنؤخر حديثنا الى الليلة التالية،والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه محمد وآله الطاهرين الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.
___________________________
مجموعة هوامش الحلقة الاولى:
(1) صحيح البخاري:كتاب العلم،باب كتابة العلم:1/37).
(2) صحيح البخاري ، باب قول المريض قوموا عني ج 7 ص 9 ، وباب كراهية الخلاف ج 8 ص 161 .
(3) صحيح البخاري ، باب مرض النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ج 5 ص 137 . وقد ورد هذا الحديث - بمضمون غلبة الوجع - في مصادرهم الأخرى ، منها : مسند أحمد ج 1 ص 325 و 326 ، صحيح مسلم ج 5 ص 76 ، مجمع الزوائد ج 4 ص 214 وج 9 ص 34 ، السنن الكبرى للنسائي ج 3 ص 433 إلى 435 ، ج 4 ص 360 ، صحيح ابن حبان ج 14 ص 562 ، المعجم الأوسط ج 5 ص 288 ، الطبقات الكبرى ج 2 ص 242 و 244 و . . . ، المصنف لعبد الرزاق ج 5 ص 438 .
(4) صحيح البخاري ، باب هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم ج 4 ص 31 .
(5) مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 346 .
(6) تاريخ بغداد ج 8 ص 284 ، شواهد التنزيل ج 1 ص 123 و 200 و . . . وج 2 ص 391 ، تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 233 و 234 ، تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 39 ، البداية والنهاية ج 7 ص 386 ، المعيار والموازنة ص 212 ، ينابيع المودة ج 2 ص 249 ومصادر أخرى للعامة . العمدة ص 106 و 170 و 244 ، الطرائف ص 147 ، رسائل المرتضى ج 4 ص 131 ، الإقتصاد ص 220 ، الأمالي للصدوق ص 50 المجلس الأول ح 2 ، روضة الواعظين ص 350 ، المسترشد ص 587 ، تفسير فرات الكوفي ص 516 ، خصائص الوحي المبين ص 97 ومصادر أخرى للخاصة .
(7) اسباب النزول ص 135 ، شواهد التنزيل ج 1 ص 249 و 254 و 255 و 257 و 402 وج 2 ص 391 و 451 ، الدر المنثور ج 2 ص 298 ، فتح الغدير ج 2 ص 60 ، المعيار والموازنة ص 214 ، تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 237 ، ينابيع المودة ج 1 ص 359 وج 2 ص 248 و 285 وج 3 ص 279 ، وقد ذكر سبب نزول الآية الشريفة في بعض المصادر المذكورة في صفحة 168 . دعائم الاسلام ج 1 ص 15 ، رسائل المرتضى ج 3 ص 20 وج 4 ص 130 ، الكافي ج 1 ص 289 و 290 ، الأمالي للصدوق ص 435 المجلس السادس والخمسون ح 10 وص 584 ، كشف الغطاء ج 1 ص 10 ، التوحيد ص 254 و 256 ، روضة الواعظين ص 90 و 92 ، مناقب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ج 1 ص 140 و 171 ج 2 ص 380 و 382 ، المسترشد ص 465 و 470 و 606 ، شرح الأخبار ج 1 ص 104 وج 2 ص 276 و 374 ، الإرشاد ج 1 ص 175 ، الإحتجاج ج 1 ص 70 ، مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 21 و 23 ، العمدة ص 99 ، الطرائف ص 121 و 149 و 152 ، تفسير أبي حمزة الثمالي ص 160 ، تفسير العياشي ج 1 ص 328 و 331 و . . . وج 2 ص 97 ، تفسير القمي ج 1 ص 171 و 174 وج 2 ص 201 ، تفسير فرات الكوفي ص 124 و 129 و . . . ، إعلام الورى ج 1 ص 261 . ومصادر أخرى للخاصة .
(8) نور الأبصار ص 87 ، وراجع أيضا نظم درر السمطين ص 93 ، الجامع لاحكام القرآن ج 18 ص 279 ، ينابيع المودة ج 2 ص 370 ، شواهد التنزيل ج 2 ص 381 و . . . ومصادر أخرى للعامة . شرح الأخبار ج 1 ص 230 ، مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 40 ، تفسير فرات الكوفي ص 505 ، الطرائف ص 152 ، مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 40 ومصادر أخرى للخاصة .
(9) راجع سير أعلام النبلاء 3 / 254 و 283.
(10) الأمالي للشيخ الصدوق : 616.
(11) راجع صحيح الترمذي 5 / 328 ومستدرك الحاكم 3 / 148 ومسند أحمد بن حنبل 5 / 189).
Comment