بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
اللهم صل على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
عن الأصبغ بن نباتة، قال: (أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته متفكراً ينكت في الأرض، فقلت: ما لي أراك متفكراً تنكت في الأرض، أرغبة منك فيها ؟ فقال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له غيبة وحيرة، يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. فقلت: وكم تكون الحيرة والغيبة ؟ قال: ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين! فقلت: وإن هذا لكائن ؟ فقال: نعم، كما أنه مخلوق، وأنى لك بهذا الأمر يا أصبغ، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة. فقلت: ثم ما يكون بعد ذلك ؟ فقال: ثم يفعل الله ما يشاء، فإن له بداءات وإرادات وغايات ونهايات) الكافي: ج1 ص379.
لابد من توضيح أن الرواية قيد البحث قد وردت لها صورتان الأولى بلفظ (من ظهر) والثانية (من ظهري)، ولتحقيق المسألة لابد بدءاً من التأكيد على أن الرواية قد وردت في كتاب الكافي لمؤلفه الشيخ الكليني بالصورتين معاً ، كما تدل عليه إشارة محقق الكتاب حين وضع الياء بين معقوفتين بالشكل الآتي [من ظهر(ي)] .
إن عمل المحقق بوضع الياء بين معقوفتين يشير إلى أن ورود الياء قد جاء في بعض النسخ. ولو تحققنا من الأمر سنجد أن الياء قد أضيفت إلى كلمة (ظهر) من قبل بعض النساخ، والأدلة على هذا كثيرة، منها؛ إن الرواية وردت في الهداية الكبرى - الحسين بن حمدان الخصيبي، بصورة (من ظهر) كما يلي:
عن الأصبغ بن نباتة، قال: (دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته مفكراً ينكت في الأرض قلت: يا مولاي مالي أراك مفكراً ؟ قال: في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي وهو المهدي الذي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، يكون له غيبة يضل بها أقواماً ويهدي بها آخرين، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة. فقلت: ثم ماذا ؟ قال: يفعل الله ما يشاء، من الرجعة البيضاء والكرة الزهراء، وإحضار الأنفس الشح والقصاص والأخذ بالحق والمجازاة بكل ما سلف ثم يغفر الله لمن يشاء) الهداية الكبرى: ص362.
ومعلوم أن كتاب الهداية من أقدم الكتب الشيعية، بل إن الرواية وردت في دلائل الإمامة - محمد بن جرير الطبري (الشيعي)، وهو يشترك بالسند مع الشيخ الكليني، وفيها (من ظهر) ولكن ليس فيها (من ولدي) كما يلي:
أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، عن أبيه، عن أبي علي محمد بن همام، عن عبد الله بن جعفر، عن الحسن بن علي الزبيري، عن عبد الله بن محمد بن خالد الكوفي، عن منذر بن محمد بن قابوس، عن نصر بن السندي، عن أبي داود، عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك الجهني، عن الحارث بن المغيرة، عن الأصبغ بن نباتة، قال: (أتيت أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فوجدته مفكراً، ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك مفكراً تنكت في الأرض، أرغبة منك فيها ؟ فقال: لا والله، ما رغبت في الدنيا قط، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر، هو المهدي، يملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له حيرة وغيبة، يضل فيها قوم ويهتدي بها آخرون. فقلت: يا أمير المؤمنين، وكم تكون تلك الحيرة وتلك الغيبة ؟ قال عليه السلام: وأني لك ذلك، وكيف لك العلم بهذا الأمر يا أصبغ ! أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة) دلائل الإمامة: ص529 – 530.
ووردت كذلك في كتاب الاختصاص - الشيخ المفيد - بسند مقارب، وفيها أيضاً (من ظهر) كما يلي:
حدثنا محمد بن قولويه قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن المنذر بن محمد، عن النصر بن السندي، عن أبي داود سليمان بن سفيان المسترق، عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك الجهني، عن الحارث بن المغيرة، عن الأصبغ بن نباتة، قال سعد بن عبد الله: وحدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الكوفي قال: حدثنا الحسن ابن علي بن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك الجهني، عن الحارث بن المغيرة، عن الأصبغ بن نباتة، قال: (أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته متفكراً ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك متفكراً تنكت في الأرض، أرغبة منك فيها ؟ قال: لا والله، ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، يكون له حيرة وغيبة، يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. فقلت: إن هذا لكائن ؟ قال: نعم كما أنه مخلوق، فأنى لك بهذا الأمر يا أصبغ، أولئك خيار هذه الأمة مع خيار أبرار هذه العترة. قلت: وما يكون بعد ذلك ؟ قال: الله يفعل ما يشاء فإن لله إرادات وبداءات وغايات ونهايات) الاختصاص: ص209.
ويرويها الشيخ الطوسي في موضعين من كتابه الغيبة، الأول: ص165 – 166، والثاني: ص336 وبسند آخر عن ثعلبة من ميمون، وفيها (من ظهر)، كما يلي:
ورواه سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك الجهني، عن الأصبغ بن نباتة، قال: (أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته ينكت في الأرض، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك مفكراً تنكت في الأرض؟ أرغبة منك فيها ؟ قال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا قط، ولكني تفكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملاها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يكون له حيرة وغيبة تضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. قلت: يا مولاي، فكم تكون الحيرة والغيبة ؟ قال: ستة أيام، أو ستة أشهر، أو ست سنين. فقلت: وإن هذا الامر لكائن ؟ فقال: نعم كما أنه مخلوق، وأنى لك بهذا الامر يا أصبغ، أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة. قال: قلت: ثم ما يكون بعد ذلك ؟ قال: ثم يفعل الله ما يشاء فإن له بداءات وإرادات وغايات ونهايات).
من هذا يتبين أن ما ورد في أحد نسخ الكافي، من إضافة (ياء) لكلمة ظهر إنما هو من عمل النساخ، ويقويه الدلائل التالية:
1- إن الرواية تنص على غيبة واحدة لا غيبتين (له غيبة وحيرة ...الخ) والحيرة هنا هي نفس الغيبة وليست شيئاً آخر، بدلالة الجواب، فالأمير عليه السلام أجاب: (ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين) وبهذا الجواب جمع الحيرة والغيبة معاً، بل لقد ورد توضيح معنى هذا الغيبة عن رسول الله صلى الله عليه واله بأنه الصمت لا نفس الغياب المعروف عن الإمام المهدي محمد بن الحسن عليه السلام فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال علي عليه السلام: (كنت عند النبي صلى الله عليه واله في بيت أم سلمة... إلى أن قال عليه السلام: ثم التفت إلينا رسول الله صلى الله عليه واله فقال رافعاً صوته: الحذر إذا فقد الخامس من ولد السابع من ولدي. قال علي: فقلت: يارسول الله، فما تكون هذه الغيبة ؟ قال: الصمت حتى يأذن الله له بالخروج...).
2- إن الرواية توقت للغيبة وهذا خلاف ما ورد من كونهم عليهم السلام لا يوقتون، فعن عبد الرحمن ابن كثير، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام اذ دخل عليه مهزم فقال له: جعلت فداك اخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظره متى هو ؟ فقال: (يا مهزم، كذب الوقاتون, وكذب المستعجلون, ونجا المسلمون) أصول الكافي: ج1 ص415.
وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن القائم عليه السلام فقال: (كذب الوقاتون, إنا أهل بيت لا نوقت) أصول الكافي: ج1 ص415.
وعنهم عليهم السلام: (أبى الله إلا أن يخالف وقت الموقتين) أصول الكافي: ج1 ص415.
عن الفضيل بن يسار, عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (قلت: لهذا الأمر وقت ؟ فقال: كذب الوقاتون,كذب الوقاتون,كذب الوقاتون…) أصول الكافي: ج1 ص415.
3- إن ورود الرواية بصورتها الأولى (من ظهر) في المصادر المعتبرة من قبيل غيبة الطوسي قرينة قوية على صحة هذه الصورة دون الصورة الأخرى فالمعروف عن الشيخ الطوسي دقته العلمية العالية ونقله عن الأصول، فقد نقل الحر العاملي كلام الشيخ الطوسي في هذا الموضوع ملخصاً: (إن أحاديث كتب أصحابنا المشهورة بينهم ثلاثة أقسام: منها ما يكون متواتراً ومنها ما يكون مقترناً بقرينة موجبة للقطع بمضمون الخبر، ومنه ما لا يوجد فيه هذا ولا ذاك ولكن دلت القرائن على وجوب العمل به، وإن القسم الثالث ينقسم إلى أقسام: منها خبر أجمعوا على نقله ولم ينقلوا له معارضاً، ومنها ما انعقد إجماعهم على صحته وإن كل خبر عمل به في كتابي الأخبار وغيرها لا يخلو من الأقسام الأربعة) خاتمة وسائل الشيعة: ص64 – 65.
ثم عقب الحر العاملي قائلاً: (وذكر- الشيخ الطوسي - في مواضع من كلامه أيضاً أن كل حديث عمل به فهو مأخوذ من الأصول والكتب المعتمدة) خاتمة وسائل الشيعة: ص64 – 65.وهذا الكلام يدل على أن الشيخ الطوسي (رحمه الله) لا يستدل بخبر ضعيف غير معتمد في كتبه الاستدلالية في الفقه والعقائد، ولا يخفى إن كتابه (الغيبة) هو من أوثق كتبه الاستدلالية في العقائد.
أما عن دلالة الرواية فإن الحادي عشر من ولد أمير المؤمنين هو الإمام المهدي عليه السلام، والمولود الذي يكون منه هو ولده أحمد كما نصت وصية رسول الله صلى الله عليه واله، وهو المهدي الذي يملؤها قسطاً وعدلاً.
والحمد لله رب العالمين
Comment