رد: كتاب عقائد الاسلام ويسألونك عن الروح للسيد احمد الحسن ع
أصحاب اليمين والمقربون:
الإنسان المؤمن ما دام في السماوات الملكوتية فهو يُعد من أصحاب اليمين، فإذا ارتقى إلى السماء السابعة أصبح من المقربين. وقد تبيّن ممّا تقدم أن السماوات الملكوتية فيها روح الإيمان، أما السماء السابعة ففيها روح القدس. إذن، فأصحاب اليمين يقترن بهم وفيهم روح الإيمان، أما المقربون فيقترن بهم وفيهم روح القدس.
إذا عرفنا هذا يتبيّن لنا سبب النتيجة التي وصل لها المقربون عند الموت؛ وهي أنهم لا يحاسبون حتى إنهم لا يتعذبون عند الموت، مع أنه اليوم الذي ليس فيه شفاعة ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾[البقرة: 123]؛ وذلك لأنهم ولجوا في سماء العقل فأصبحوا عقلاء عصمهم العقل الكلي عن الوقوع في الخطيئة بمرتبة ارتقائهم ([309])، وولجوا في سماء روح القدس فأصبحت أرواحهم مقدسة مطهرة طالما أنهم اختاروا البقاء حيث هم، ويتميز المعصوم المنصوص عليه منهم بأنه ثابت في مقامه؛ لأنه لا يختار النجاسة على الطهارة أبداً، وبالتالي ضمن الله لمن يتبعونه البقاء على الحق دائماً.
أما أصحاب اليمين فمع أنه اقترن بهم وفيهم روح الإيمان، ولكن ما داموا في السماوات الملكوتية ولم يلجوا سماء العقل السابعة الكلية فإن عقولهم لم تكمل وما عندهم هو ظل العقل، وكلما كان المقام أدنى كان الإنسان أبعد عن العصمة وأقرب إلى الخطيئة، وكلما كان ارتقاء المؤمن أعظم كان ظل العقل أكثر نوراً وكان أعظم محاكاة للعقل الكامل، وكان سبباً لاقتراب المؤمن من العصمة، ولكنه مع هذا يبقى صورة للعقل وتجلياً للعقل الكامل، ويبقى شبح وقوع المعصية موجوداً.
أحمد الحسن
الملاحق
ملحق (1)
توضيح بخصوص زيد بن علي (عليه السلام)
الرواية التي استشهدت بها بيّنت أنّ زين العابدين والباقر تركا زيداً مرجواً لأمر الله ولهما فيه الشفاعة، ولكن هذا لا يعني أنه مات على هذا؛ لأنّ زيداً لم يمت في هذه الحال وفي حياة أبيه أو أخيه الباقر )عليه السلام(، بل عرف الحق وأقرّه وقاتل عليه واستشهد عليه، وهذه رواية واضحة في معرفة زيد (عليه السلام( للحق في زمن ابن أخيه الإمام الصادق )عليه السلام(وإقراره بالحق:
«عن معتب قال: قرع باب مولاي الإمام الصادق (عليه السلام) فخرجت فإذا زيد بن علي (عليه السلام) فقال الصادق (عليه السلام) لجلسائه: أدخلوا هذا البيت وردوا الباب ولا يتكلم منكم احد، فلما دخل قام إليه فاعتنقا وجلسا طويلاً يتشاوران ثم علا الكلام بينهما، فقال زيد: دع ذا عنك يا جعفر، فوالله لئن لم تمد يدك أبايعك أو هذه يدي فبايعني لأتعبنك ولأكلفنك ما لا تطيق، فقد تركت الجهاد وأخلدت إلى الخفض وأرخيت الستر، واحتويت على مال المشرق والمغرب، فقال الصادق (عليه السلام) : يرحمك الله يا عم يغفر لك الله يا عم. وزيد يسمعه ويقول: موعدنا الصبح أليس الصبح بقريب؟ ومضى فتكلم الناس في ذلك فقال الصادق (عليه السلام) : مه لا تقولوا لعمي زيد إلا خيراً رحم الله عمي زيداً فلو ظهر لوفى، فلما كان في السحر قرع الباب ففتحت له الباب فدخل يتشهق ويبكي، ويقول: ارحمني يا جعفر رحمك الله، ارض عني يا جعفر رضي الله عنك، اغفر لي يا جعفر غفر الله لك، فقال الصادق (عليه السلام) : غفر الله لك ورحمك ورضي عنك، فما الخبر يا عم؟ قال: نمت فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) داخلاً علي، وعن يمينه الحسن وعن يساره الحسين (عليهما السلام)، وفاطمة (عليها السلام) خلفه، وعلي (عليه السلام) أمامه، وبيده حربة تلتهب التهاباً كأنها نار، وهو يقول: يا زيد آذيت رسول الله في جعفر، والله لئن لم يرحمك ويغفر لك ويرضى عنك لأطعنك بهذه الحربة فلأضعنها بين كتفيك، ثم لأخرجها من صدرك، فانتبهت فزعاً مرعوباً فصرت إليك، فارحمني يرحمك الله. فقال (عليه السلام) : رضي الله عنك وغفر الله لك، أوصيني فإنك مقتول مصلوب محرق بالنار، فوصى زيد بعياله وأولاده وقضاء الدين عنه» ([310]).
وزيد بن علي عالم يقر علمه المخالف والمؤالف، وقد ابتلي وامتحن بابن أخيه وأقر بإمامته، واقتحم العقبة ولم يعثر بالصادق (عليه السلام)، رغم إنّ الامتحان لم يكن هيناً بالنسبة له، فهذا فضل عظيم لزيد (عليه السلام)، فلو كان ابتلاء زيد بأخيه الباقر فقط لهان، ولو كان ابتلاءه بأبيه لكان أهون، ولكنه امتحن وابتلي بعقبة أعظم واجتازها، ولهذا فقد ذكر زيداً رسول الله وعلي (عليه السلام) وبكيا عليه )عليه السلام(، وهذا هو الفضل العظيم.
ولعل من الضروري نقل ما قال الأئمة (عليهم السلام) في فضل هذا العالم الفاضل زيد بن علي (عليه السلام)، لكي لا يظن أحد بزيد (عليه السلام) سوءاً:
الكافي - الشيخ الكليني ج8 ص264: «عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عِيصِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّه وَحْدَه لَا شَرِيكَ لَه وانْظُرُوا لأَنْفُسِكُمْ فَوَاللَّه إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَه الْغَنَمُ فِيهَا الرَّاعِي فَإِذَا وَجَدَ رَجُلاً هُوَ أَعْلَمُ بِغَنَمِه مِنَ الَّذِي هُوَ فِيهَا يُخْرِجُه ويَجِيءُ بِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي هُوَ أَعْلَمُ بِغَنَمِه مِنَ الَّذِي كَانَ فِيهَا واللَّه لَوْ كَانَتْ لأَحَدِكُمْ نَفْسَانِ يُقَاتِلُ بِوَاحِدَةٍ يُجَرِّبُ بِهَا ثُمَّ كَانَتِ الأُخْرَى بَاقِيَةً فَعَمِلَ عَلَى مَا قَدِ اسْتَبَانَ لَهَا ولَكِنْ لَه نَفْسٌ وَاحِدَةٌ إِذَا ذَهَبَتْ فَقَدْ واللَّه ذَهَبَتِ التَّوْبَةُ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنْ تَخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ آتٍ مِنَّا فَانْظُرُوا عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تَخْرُجُونَ ولَا تَقُولُوا خَرَجَ زَيْدٌ فَإِنَّ زَيْداً كَانَ عَالِماً وكَانَ صَدُوقاً ولَمْ يَدْعُكُمْ إِلَى نَفْسِه إِنَّمَا دَعَاكُمْ إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) ولَوْ ظَهَرَ لَوَفَى بِمَا دَعَاكُمْ إِلَيْه إِنَّمَا خَرَجَ إِلَى سُلْطَانٍ مُجْتَمِعٍ لِيَنْقُضَه فَالْخَارِجُ مِنَّا الْيَوْمَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَدْعُوكُمْ إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) فَنَحْنُ نُشْهِدُكُمْ أَنَّا لَسْنَا نَرْضَى بِه وهُوَ يَعْصِينَا الْيَوْمَ ولَيْسَ مَعَه أَحَدٌ وهُوَ إِذَا كَانَتِ الرَّايَاتُ والأَلْوِيَةُ أَجْدَرُ أَنْ لَا يَسْمَعَ مِنَّا إِلَّا مَعَ مَنِ اجْتَمَعَتْ بَنُو فَاطِمَةَ مَعَه فَوَاللَّه مَا صَاحِبُكُمْ إِلَّا مَنِ اجْتَمَعُوا عَلَيْه إِذَا كَانَ رَجَبٌ فَأَقْبِلُوا عَلَى اسْمِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ وإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَتَأَخَّرُوا إِلَى شَعْبَانَ فَلَا ضَيْرَ وإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَصُومُوا فِي أَهَالِيكُمْ فَلَعَلَّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى لَكُمْ وكَفَاكُمْ بِالسُّفْيَانِيِّ عَلَامَةً».
عيون أخبار الرضا (عليه السلام) - الشيخ الصدوق ج2 ص225: «حدثنا أحمد بن يحيى المكتب قال: اخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا محمد بن يزيد النحوي قال: حدثني ابن أبي عبدون عن أبيه قال: لما حمل زيد بن موسى بن جعفر إلى المأمون وقد كان خرج بالبصرة واحرق دور ولد العباس وهب المأمون جرمه لأخيه علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) وقال له: يا أبا الحسن لئن خرج أخوك وفعل ما فعل لقد خرج قبله زيد بن علي فقتل ولولا مكانك مني لقتلته فليس ما أتاه بصغير فقال الرضا (عليه السلام) : يا أمير المؤمنين لا تقس أخي زيداً إلى زيد بن علي فانه كان من علماء آل محمد غضب لله عز وجل فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر (عليهما السلام) انه سمع أباه جعفر بن محمد بن علي (عليهم السلام) يقول: رحم الله عمي زيدا انه دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفى بما دعا إليه ولقد استشارني في خروجه فقلت له: يا عم إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشانك فلما ولى قال جعفر بن محمد: ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه فقال المأمون: يا أبا الحسن أليس قد جاء فيمن ادعى الإمامة بغير حقها ما جاء؟ فقال الرضا (عليه السلام) : إن زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق وانه كان اتقى لله من ذلك انه قال: ادعوكم إلى الرضا من آل محمد (عليهم السلام) وإنما جاء ما جاء فيمن يدعى أن الله تعالى نص عليه ثم يدعو إلى غير دين الله ويضل عن سبيله بغير علم وكان زيد والله ممن خوطب بهذه الآية: "وجاهدوا في الله حق جهاده هو أجتبيكم"«.
عيون أخبار الرضا (عليه السلام) - الشيخ الصدوق ج2 ص228: «حدثنا أحمد بن الحسين القطان قال: حدثنا الحسن بن على السكرى قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهرى عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه عن عمرو بن خالد قال: حدثني عبد الله بن سيابة قال: خرجنا ونحن سبعه نفر فأتينا المدينة فدخلنا على أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فقال لنا: أعندكم خبر عمي زيد؟ فقلنا: قد خرج أو هو خارج قال: فإن أتاكم خبر فاخبروني فمكثنا أياماً فأتى رسول بسام الصيرفي بكتاب فيه: أما بعد فإن زيد بن علي (عليه السلام) قد خرج يوم الأربعاء غرة صفر فمكث الأربعاء والخميس وقتل يوم الجمعة وقتل معه فلان وفلان فدخلنا على الصادق (عليه السلام) فدفعنا إليه الكتابة فقرأه وبكى ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون عند الله احتسب عمي انه كان نعم العم إن عمي كان رجلا لدنيانا وآخرتنا مضى والله عمي شهيداً كشهداء استشهدوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي والحسن والحسين (صلوات الله عليهم)".
ملحق (2)
بيان فساد بعض الاعتقادات الباطلة في صفات خليفة الله
يوجد في هذا الزمان للأسف بعض الجهلة ممّن ينزون على المنابر ويحاولون خداع بعض الناس، ويقولون - استناداً لروايات آحاد أو مكذوبة على آل محمد (عليهم السلام) أو لفهمهم السقيم لبعض الروايات - أنّ الحجة أو خليفة الله في أرضه أو النبي أو الإمام له صفات إعجازية يتصف بها دائماً، وهي ملازمة له وترافقه دائماً وفي جميع أحواله، وبها يعرف أنه حجة الله.
وهكذا هم يضللون الناس بادعاء أنّ هذه هي صفات الإمام الملازمة له والتي يعرف بها، وهم في الحقيقة انتقائيون، حيث إنهم لما وجدوا أنّ بعض هذه الأمور مقززة ولا يقبلها أحد من الناس ([311])؛ أخذوا ينتقون منها ما يمكنهم تمريره بصورة أو بأخرى، ويتركون بقية التفاهات التي لا يمكن تمريرها حتى على السفهاء.
ومن هذه الأمور التي يحاولون تمريرها على أنها صفات ملازمة للإمام أو خليفة الله هي: أنّ خليفة الله أو الإمام لا يخرج منه ما يخرج من بقية البشر من فضلات، وأنه ليس له ظل، وأنه يؤثر بالحجر ولا يؤثر بالرمل، وأن السباع لا تأكل لحمه!
وأؤكد هنا أنهم يعتقدون أنها صفات ملازمة للإمام تحدث دائماً وباستمرار، وليس معجزة وقتية قد تحدث مع أحد الحجج كما تحولت العصا إلى أفعى مع موسى )عليه السلام(، وقد لا تحدث مع حجة آخر في زمن آخر.
ولأنّ الأمر كما يبدو ملتبساً على بعضهم فهم يحتاجون توضيح هذه المسألة، ولعل أهم ما يجب الالتفات إليه في هذا الخصوص هو أنّ الأساس في الاعتقاد الإسلامي هو القرآن، أما الروايات فتعرض على القرآن، فإذا خالف فهمهم للروايات أو ظاهر الروايات النص القرآني؛ فهي إما روايات لم يقلها آل محمد، كما صرّحوا هم )عليهم السلام(أنّ ما يخالف القرآن لم يقولوه وهو مكذوب عليهم. وإما أنّ الروايات ليست على ظاهرها ولها تأويل يوافق القرآن.
وسأعرض أولاً ما يدّعون من صفات ملازمة لخليفة الله وبها يعرف كما يدّعون على الحكمة والواقع الذي عرفه ملايين الناس الذين عاشوا مع خلفاء الله فيما مضى. ولنرى هل يمكن تصنيفها بحسب فهمهم ضمن نطاق الحكمة، وهل هي فعلاً صفات اتصف بها خلفاء الله على الدوام وظهرت لملايين الناس ونقلها الناس جيلاً عن جيل؟!! ثم سأعرضها على القرآن.
مسألة أن المعصوم يتصف بأنه ليس له ظل:
إذا كان فقط جسم خليفة الله في أرضه ليس له ظل وملابسه لها ظل؛ لا يتحقق ما يريدون من أنّ الإمام ليس له ظل، حيث لا فائدة من كون جسم الإمام بلا ظل، فالإمام يسير بملابسه أمام الناس وبالتالي فالمهم أنْ تكون ملابسه بلا ظل.
وأيضاً: لا يكفي أنْ تكون ملابسه مرة واحدة بلا ظل، بل لابد أنْ تتصف أيضاً بهذه الصفة كل ملابس يلبسها الإمام، أي أنه كلما غيَّر ملابسه فإنّ الملابس التي يلبسها ليس لها ظل.
أيضاً: لابد من الانتباه إلى أنّ ملابس الإمام بما أنها تتصف - بحسبهم - بأنها بلا ظل مثله تماماً، فلابد أنها عندما تغسل وتوضع تحت أشعة الشمس أيضاً تكون بلا ظل، أو تحصل معجزة جديدة وترفع صفة )ليس لها ظل( عنها، وهكذا نحتاج إلى معاجز لا عد لها.
أيضاً: الملابس إذا أعطاها أو أعارها الإمام إلى غيره من الناس؛ لابد أنْ يصبح لها ظل، وهذه أيضاً تحتاج معجزة جديدة لرفع صفة )إنها ليس لها ظل(.
وأيضاً: عمامة المعصوم لابد أنْ تكون ليس لها ظل ولا تستثنى، وإلا لأصبح له ظل وهو ظل عمامته، ولأنها - كما يعلم الجميع - لا يلبسها العرب للزينة فقط، بل العمامة يلبسونها لتقيهم لهيب شمس الصحراء القاتل خصوصاً في الصيف، فلو كانت بلا ظل فهذا يعني أن تخترقها أشعة الشمس، وبالتالي فعندما كان يخرج الأئمة في صيف الحجاز والعراق اللاهب لا تنفعهم العمامة شيئاً على القول إنها بلا ظل، أي أنّ أشعة الشمس تخترقها وتعذب الأئمة )عليهم السلام( بحرارة قد يصل تأثيرها إلى الموت إذا ساروا تحت لهيب الشمس مباشرة لفترة من الزمن، كما سار الحسين من الحجاز إلى العراق، وبالتالي يحتاجون معجزة أخرى تمنع عنهم الأذى والموت.
مسألة أن المعصوم يؤثر بالحجر:
يقولون: إن خليفة الله يتصف بأن قدمه لا تؤثر في الرمل وتؤثر في الحجر، وبما أن الأئمة كانوا لا يسيرون حفاة دائماً؛ إذن هذا لا يكفي لتكون هذه صفة معجزة ملازمة لهم ليعرفهم الناس بها، بل لابد من إضافة أن نعل الإمام أيضاً لا تؤثر في الرمل وتؤثر في الحجر لتشمل هذه الصفة الشوارع، وطبعاً إذا كانت هذه الأمور صفات للإمام ملازمة له دائماً كما يقولون؛ فهي تشمل بيوت الناس والأماكن العامة كالمساجد التي يدخلها خليفة الله وأرضها المفروشة بالحجر، والنتيجة كلما دخل الإمام إلى بيت يخرب أرضيته بطبع أقدامه في الحجر، ويضطر أهل الدار لتبديل أرضية البيت، وطبعاً لابد أن يعوضهم الإمام عن تخريبه لدارهم، أو ربما يقول أصحاب هذه النظرية الفذة إن أرضيات بيوت الناس المكسوة بالحجر مستثناة من هذه الصفة التي يتصف بها الإمام، يعني تحصل معجزة عكسية وهي أن الإمام تتبدل صفته الملازمة له فلا يطبع قدمه في الحجر في بيوت الناس.
أمور كثيرة يمكن أن تطرح وتفضح مدى جهل وسفاهة وسذاجة عقول من يعتقد بهذه العقائد الباطلة المنحرفة عن دين الله سبحانه، والمخالفة للقرآن وللحكمة والعقل.
هم يعتقدون أن هذه صفات ترافق الحجة قبل أن يرتقي بعمله وإخلاصه، وترافقه هذه الصفات الإعجازية في كل زمن، أي أنها ترافقه قبل أن يبعث. وإذا قالوا لا فإنهم سينقضون غزلهم وينتهى الأمر، حيث سيكون معنى هذا أنها معجزات وقتية كغيرها من المعجزات التي قد تحدث وقد لا تحدث، وليست صفات جسمانية ملازمة للحجة في كل حال وزمان كما يدّعون. إذن، فهي عندهم صفات مرافقة له قبل أن يمتحن في هذه الدنيا ويثبت إخلاصه ويرتقي إلى مقام يؤهله للرسالة ولخلافة الله في أرضه بعد أن حجب بالجسد في هذا العالم الجسماني عند نزوله إليه، وإذا كان الأمر كذلك؛ إذن فأين الامتحان لهذا الإنسان وهو مفضل بآيات معجزة ملازمة له على الدوام؟!!!
وهكذا هم يتهمون الله بأنه غير عادل، يعطى هذا الخليفة الذي رافقته المعجزات ابتداءً الأجر والثواب، كالمؤمن الذي يمتحن بالشهوات ولا ترافقه المعجزات ابتداءً كما رافقت الخليفة بل ويفضل عليه؟ أين عدالة الله إذن؟ كيف تكون العدالة بين الخلق في دخول الامتحان في هذه الدنيا؛ إذا كانوا يدخلون وأحدهم بيده الإجابات وزيادة، والآخر عنده فقط الأسئلة وعليه أن يجد الإجابات بنفسه، والمصيبة أن الذي فضل بإعطائه الإجابات جاهزة؛ يعطى أجراً أعظم من المسكين الذي ظلم ولم تعطَ له الإجابات، بحسب عقيدة هؤلاء السفهاء؟!!!
مسألة أن السباع لا تأكل من جسد خليفة الله في أرضه:
ودع عنك نهباً صيح في حجراته؛ وتعال إلى هذه المصيبة التي ينقض بها هؤلاء السفهاء إمامة الحسين (عليه السلام) ويعطون لمن لا يؤمن بالحسين (عليه السلام( العذر أن يقول إن الحسين ليس من خلفاء الله وليس إماماً معصوماً؛ لأنه لا يتصف بالصفة التي اشترطتموها لخليفة الله في أرضه.
فالحسين (عليه السلام)داست الخيل صدره، والخيل حيوانات أليفة، فمن باب أولى أن تأكل السباع من جسده، على أن أعداء الحسين (عليه السلام) تقصدوا أن يفعلوا هذا الفعل؛ وهو أن يدوسوا جسده بالخيل، ليبينوا لمن تبعهم من السفهاء - الذين لا يفرقون عن هؤلاء بشيء - بأن الحسين ليس من خلفاء الله وليس له كرامة عند الله، فلو كانت له كرامة لمنع الله الخيل من أن تطأ صدره وجسده المبارك. انظروا كيف أنّ قاعدتهم لإنكار خليفة الله هي نفسها قاعدة هؤلاء السفهاء القائلين بهذه العقائد الفاسدة المنحرفة.
ثم قد روي وبوضوح أنه قال إنّ جسده ستأكل منه سباع البر، قال الحسين (عليه السلام) :
«كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن منى أكراشاً جوفاً، وأجربة سغباً لا محيص عن يوم خط بالقلم».
وقالت زينب بنت علي)عليها السلام(:
«... فهذه الأيدي تنطف من دمائنا وهذه الأفواه تتحلب من لحومنا وتلك الجثث الزواكي يعتامها عسلان الفلوات...».
فهل سيلجأ أولئك إلى تأويل الروايات؛ ليخرجوا من المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه؟
وإذا أولوا الروايات هل سيقبل المخالف الذي يريد الطعن بإمامة الحسين (عليه السلام) بهذا التأويل، أم أنّ الحجة ستكون له؛ لأن ظاهر الروايات حجة، أم سيقولون إنّ هذه روايات لا تؤخذ منها عقائد، فيقال لهم: فلِمَ أخذتم من تلك ولا تأخذون من هذه؟!!!
في الحقيقة إنّ هذه العقائد تكشف عن خواء عقول من يعتقد بها، بل وعن عدم إيمانهم بالقرآن وبعدالة الله سبحانه وتعالى.
فالحجج أو خلفاء الله في القرآن بشر، يشاركون الآخرين بالصفات الجسمانية الإنسانية، وليس لهم صفات خاصة بحسب القرآن، ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾[الكهف: 110]، فكيف يصح من عاقل تبنّي عقائد باطلة منحرفة مخالفة للقرآن وللحكمة وللمنطق وللعدل الإلهي، بل وحتى لروايات آل محمد (عليهم السلام) الموافقة للقرآن؟!
روى الصدوق عن الرضا (عليه السلام) :
«إن الإمام مؤيد بروح القدس وبينه وبين الله عمود من نور يرى فيه أعمال العباد وكلما احتاج إليه لدلالة اطلع عليه ويبسطه فيعلم ويقبض عنه فلا يعلم والإمام يولد ويلد ويصح ويمرض ويأكل ويشرب ويبول ويتغوط وينكح وينام وينسى ويسهو ويفرح ويحزن ويضحك ويبكي ويحيى ويموت ويقبر ويزار ويحشر ويوقف ويعرض ويسأل ويثاب ويكرم ويشفع ودلالته في خصلتين في العلم واستجابة الدعوة.....» ([312]).
أنصح كل من يبحث عن الحقيقة أنْ يتدبر القرآن:
﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾[إبراهيم: 9 - 11].
الذين يواجهون خلفاء الله في أرضه (الأنبياء/الأوصياء/الرسل/الأئمة)؛ يقولون لخلفاء الله أنتم مجرد بشر مثلنا لكم ظل ولا تؤثر أقدامكم في الحجر، وليست لكم صفات تميزكم ظاهرياً عنا، فإذا كنتم من الله فأتونا بصفات استثنائية، يعني بدون ظل وتؤثرون في الحجر، ﴿قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾، فيرد الرسل الأطهار على هؤلاء المسوخ المنكوسة الذين لا يكادون يفقهون قولاً: ﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
لم يقولوا لهم: لا، نحن ليس بشراً مثلكم، وتعالوا وانظروا فليس لنا ظل وأقدامنا تؤثر بالحجر ولا تؤثر بالأرض الرخوة. بل قالوا لهم: ﴿إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُم﴾، مثلكم ولنا ظل ولنا وزن محدد وأجسامنا كأجسامكم ونتزوج وننجب أطفالاً، ونأكل ونشرب ونمشي في الأسواق وترانا الناس.
ولنرى نبياً من الأنبياء أولي العزم وهو موسى )عليه السلام(؛ هل كان يتصف بصفات معجزة كما يدّعي المبطلون:
﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى * وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى﴾[طه: 17 - 23].
ما حاجة موسى )عليه السلام( لهذه الآيات لو كان - بحسب ما يدّعون - يتصف بأنه في كل أحواله ليس له ظل وقدمه تؤثر في الحجر، وهي صفات معجزة عظيمة ولا يمكن تأويلها بحال؟!!!
﴿وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ﴾[الأعراف: 108].
﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ﴾[الأعراف: 107].
نقرأ القرآن ولا نجد أنّ الله يضيف إلى معجزات موسى (عليه السلام(أنّ له صفة معجزة؛ وهي أنّ قدمه تؤثر في الحجر أو أنه يتصف بأنه ليس له ظل. أليس الأولى أنْ يحتج الله لنبوة موسى (عليه السلام) بقدمه المؤثرة في الحجر لو كانت قدم موسى (عليه السلام) تؤثر في الحجر وأثرها باقٍ، أليس أثرها الباقي دليلاً قطعياً لا يؤول ولا يمكن رده، وأفضل من عصاه التي تعود كما كانت، فيقال عنها بسهولة إنها سحر، وإنه كبيركم، وإنهما سحران تظاهرا؟!!!
وأين الحكمة في أن يعطيه الله آية اليد البيضاء والعصا التي تتحول إلى ثعبان؛ في حين أنه يتصف بصفات معجزة أعظم من هذه المعاجز الوقتية، فهو بحسب أصحاب هذا المعتقد ليس له ظل ويؤثر قدمه في الحجر ولا يؤثر في الأرض الرخوة، ألا تكفي قدم توثر في الحجر وتخرب أرضية قصر فرعون الحجرية، ليرى ويلمس كل الناس معجزة لموسى؟!!!
أليس الأولى أن يقول لهم موسى (عليه السلام) : انظروا قدمي تؤثر في الحجر ولا تؤثر في الأرض الرخوة وليس لي ظل، أو على الأقل يضيف هذه إلى تلك، فهل قال هذا موسى (عليه السلام)، هل احتج بقدمه المعجزة؟!
ربما سيضطر أصحاب هذه العقائد الفاسدة المخالفة للقرآن إلى استثناء موسى من هذه الصفات التي يفرضون توفرها بخليفة الله في أرضه في كل حال!!!
وأخيراً أقول: لو كان الأمر كما يقول هؤلاء الذين لا يكادون يفقهون قولاً؛ فلماذا إذن احتج علي (عليه السلام) بنص رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليه، ألم يكن الأجدر به أن يحتج بصفاته المعجزة التي لا تفارقه؟! ألم يكن الأجدر بعلي (عليه السلام) أن يقول لأبي بكر: أنا ليس لي ظل، وتعالوا يا مسلمين انظروا لي أنا ليس لي ظل وأنا خليفة الله في أرضه لأنه ليس لي ظل؟! ألم يكن الأجدر بعلي (عليه السلام) أن يريهم أن قدمه تؤثر في الحجر ويثبت إمامته بهذه الصفة؟!!!
والله إنّ وصف من يعتقد بهذه السفاسف بالسفهاء ظلم للسفهاء؛ لأن السفيه شخص لديه عقل، ولكن ربما بعض تصرفاته غير حكيمة، أما هؤلاء فطرحهم لهذه المعتقدات التي يضاهئون بها اعتقادات القبائل البدائية في مجاهل أفريقيا وتشابه قصص الجنيات، يجعلهم في مصاف مسلوبي العقول ولا عجب أن يكونوا كذلك، فمن تعرض لأولياء الله بالمحاربة سلبه الله عقله حتى لا يدري ما يقول.
ولعل العجب لا ينقضي عندما تجد هؤلاء السفهاء مسلوبي العقول؛ يعرضون عن روايات هي نفس روايات الغائط الذي يعرفون به المعصوم كما يعتقدون، ولا أعرف لماذا أعرضوا عن روايات أن المعصوم يولد من الفخذ ولا يحمل في الرحم، فأنا لا أعتقد أنها ستجعلهم أسوأ حالاً ممّا هم عليه من عقائد مخزية كعقيدة الغائط قبحهم الله، ففي ولادة المعصوم من الفخذ أيضاً وردت روايات، فلماذا لا يعتقدون بها، (أنه لا تحمل به أمه في الرحم، بل تلده من الفخذ الأيمن)، ولعلي سأذكرهم بها كي لا يغفلوا ترديدها ضمن سلسلة العقائد المخزية التي يعتقدونها بالمعصوم ويعتقدون توفرها فيه دائماً وفي كل آن.
ملحق (3)
شمعون (أو سمعان) وصي عيسى (عليه السلام)
« "باب الوصية من لدن آدم (عليه السلام)"
5402 روى الحسن بن محبوب، عن مقاتل بن سليمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أنا سيد النبيين، ووصيي سيد الوصيين، وأوصياؤه سادة الأوصياء، إن آدم (عليه السلام) سأله الله عز وجل أن يجعل له وصيا صالحا، فأوحى الله عز وجل إليه إني أكرمت الأنبياء بالنبوة ثم اخترت من خلقي خلقا وجعلت خيارهم الأوصياء فأوحى الله تعالى ذكره إليه يا آدم أوص إلى شيث، فأوصى آدم (عليه السلام) إلى شيث وهو هبة الله بن آدم، وأوصى شيث إلى ابنه شبان وهو ابن نزلة الحوراء التي أنزلها الله عز وجل على آدم من الجنة فزوجها ابنه شيثا، وأوصى شبان إلى محلث، وأوصى محلث إلى محوق، وأوصى محوق إلى غثميشا، وأوصى غثميشا إلى أخنوخ وهو إدريس النبي (عليه السلام)، وأوصى إدريس إلى ناحور، ودفعها ناحور إلى نوح (عليه السلام)، وأوصى نوح إلى سام، وأوصى سام إلى عثامر، وأوصى عثامر إلى برغيثاشا، وأوصى برغيثاشا إلى يافث، وأوصى يافث إلى برة، وأوصى برة إلى جفسية، وأوصى جفسية إلى عمران، ودفعها عمران إلى إبراهيم الخليل (عليه السلام)، وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق، وأوصى إسحاق إلى يعقوب، وأوصى يعقوب إلى يوسف، وأوصى يوسف إلى بثريا، وأوصى بثريا إلى شعيب، ودفعها شعيب إلى موسى بن عمران (عليه السلام)، وأوصى موسى بن عمران إلى يوشع بن نون، وأوصى يوشع بن نون إلى داود، وأوصى داود إلى سليمان (عليه السلام)، وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا، وأوصى آصف بن برخيا إلى زكريا، ودفعها زكريا إلى عيسى بن مريم (عليه السلام) وأوصى عيسى بن مريم إلى شمعون بن حمون الصفا، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريا، وأوصى يحيى بن زكريا إلى منذر، وأوصى منذر إلى سليمة، وأوصى سليمة إلى بردة ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ودفعها إلي بردة وأنا أدفعها إليك يا علي وأنت تدفعها إلى وصيك، ويدفعها وصيك إلى أوصيائك من ولدك واحد بعد واحد حتى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدك، ولتكفرن بك الأمة ولتختلفن عليك اختلافا شديدا الثابت عليك كالمقيم معي، والشاذ، عنك في النار، والنار مثوى الكافرين"» ([313]).
«20 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن الحسن بن سعيد، عن محمد بن إسماعيل القرشي، عمن حدثه، عن إسماعيل بن أبي رافع عن أبيه أبى رافع قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :..... بعث الله عز وجل عيسى بن مريم (عليه السلام) واستودعه النور والعلم والحكمة وجميع علوم الأنبياء قبله وزاده الإنجيل وبعثه إلى بيت المقدس إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى كتابه وحكمته وإلى الإيمان بالله ورسوله فأبي أكثرهم إلا طغيانا وكفرا،...... فلما أراد أن يرفعه أوحى إليه أن يستودع نور الله وحكمته وعلم كتابه شمعون بن حمون الصفا خليفته على المؤمنين ففعل ذلك فلم يزل شمعون يقوم بأمر الله عز وجل ويحتذي بجميع مقال عيسى (عليه السلام) في قومه من بني إسرائيل ويجاهد الكفار، فمن أطاعه وآمن به وبما جاء به كان مؤمنا ومن جحده وعصاه كان كافرا حتى استخلص ربنا تبارك وتعالى وبعث في عباده نبيا من الصالحين وهو يحيى بن زكريا ثم قبض شمعون.....» ([314]).
«وأخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الجوهري، قال حدثنا محمد بن عمر القاضي الجعابي، قال حدثني محمد بن عبد الله أبو جعفر، قال حدثني محمد بن حبيب الجند نيسابوري، عن يزيد ابن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال علي (عليه السلام) : كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت أم سلمة إذ دخل علينا جماعة من أصحابه منهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعبد الرحمن بن عوف، فقال سلمان: يا رسول الله إن لكل نبي وصيا وسبطين فمن وصيك وسبطيك؟ فأطرق ساعة ثم قال: يا سلمان إن الله بعث أربعة ألف نبي وكان لهم أربعة ألف وصي وثمانية ألف سبط، فوالذي نفسي بيده لأنا خير الأنبياء ووصيي خير الأوصياء وسبطاي خير الأسباط.
ثم قال: يا سلمان أتعرف من كان وصي آدم؟ فقال: الله ورسوله أعلم. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إني أعرفك يا با عبد الله وأنت منا أهل البيت، إن آدم أوصى إلى ابنه ثيث، وأوصى ثيث إلى ابنه شبان، وأوصى شبان إلى مخلب، وأوصى مخلب إلى نحوق، وأوصى نحوق إلى عثمثا، وأوصى عثمثا إلى أخنوخ وهو إدريس النبي (عليه السلام)، وأوصى إدريس إلى ناخورا، وأوصى ناخورا إلى نوح (عليه السلام)، وأوصى نوح إلى سام، وأوصى سام إلى عثام، وأوصى عثام إلى ترعشاثا وأوصى ترعشاثا إلى يافث، وأوصى يافث إلى برة، وأوصى برة إلى خفسية، وأوصى خفسية إلى عمران، وأوصى عمران إلى إبراهيم، وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق، وأوصى إسحاق إلى يعقوب، وأوصى يعقوب إلى يوسف، وأوصى يوسف إلى برثيا وأوصى برثيا إلى شعيب، وأوصى شعيب إلى موسى، وأوصى موسى إلى يوشع بن نون، وأوصى يوشع إلى داود، وأوصى داود إلى سليمان، وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا، وأوصى آصف إلى زكريا، وأوصى زكريا إلى عيسى بن مريم، وأوصى عيسى بن مريم إلى شمعون بن حمون الصفا، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريا، وأوصى يحيى إلى منذر، وأوصى منذر إلى سلمة، وأوصى سلمة إلى بردة، وأوصى بردة إلي. وأنا أدفعها إلى علي. فقال: يا رسول الله فهل بينهم أنبياء وأوصياء أخر؟ قال: نعم أكثر من أن تحصى.....» ([315]).
أصحاب اليمين والمقربون:
الإنسان المؤمن ما دام في السماوات الملكوتية فهو يُعد من أصحاب اليمين، فإذا ارتقى إلى السماء السابعة أصبح من المقربين. وقد تبيّن ممّا تقدم أن السماوات الملكوتية فيها روح الإيمان، أما السماء السابعة ففيها روح القدس. إذن، فأصحاب اليمين يقترن بهم وفيهم روح الإيمان، أما المقربون فيقترن بهم وفيهم روح القدس.
إذا عرفنا هذا يتبيّن لنا سبب النتيجة التي وصل لها المقربون عند الموت؛ وهي أنهم لا يحاسبون حتى إنهم لا يتعذبون عند الموت، مع أنه اليوم الذي ليس فيه شفاعة ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾[البقرة: 123]؛ وذلك لأنهم ولجوا في سماء العقل فأصبحوا عقلاء عصمهم العقل الكلي عن الوقوع في الخطيئة بمرتبة ارتقائهم ([309])، وولجوا في سماء روح القدس فأصبحت أرواحهم مقدسة مطهرة طالما أنهم اختاروا البقاء حيث هم، ويتميز المعصوم المنصوص عليه منهم بأنه ثابت في مقامه؛ لأنه لا يختار النجاسة على الطهارة أبداً، وبالتالي ضمن الله لمن يتبعونه البقاء على الحق دائماً.
أما أصحاب اليمين فمع أنه اقترن بهم وفيهم روح الإيمان، ولكن ما داموا في السماوات الملكوتية ولم يلجوا سماء العقل السابعة الكلية فإن عقولهم لم تكمل وما عندهم هو ظل العقل، وكلما كان المقام أدنى كان الإنسان أبعد عن العصمة وأقرب إلى الخطيئة، وكلما كان ارتقاء المؤمن أعظم كان ظل العقل أكثر نوراً وكان أعظم محاكاة للعقل الكامل، وكان سبباً لاقتراب المؤمن من العصمة، ولكنه مع هذا يبقى صورة للعقل وتجلياً للعقل الكامل، ويبقى شبح وقوع المعصية موجوداً.
أحمد الحسن
الملاحق
ملحق (1)
توضيح بخصوص زيد بن علي (عليه السلام)
الرواية التي استشهدت بها بيّنت أنّ زين العابدين والباقر تركا زيداً مرجواً لأمر الله ولهما فيه الشفاعة، ولكن هذا لا يعني أنه مات على هذا؛ لأنّ زيداً لم يمت في هذه الحال وفي حياة أبيه أو أخيه الباقر )عليه السلام(، بل عرف الحق وأقرّه وقاتل عليه واستشهد عليه، وهذه رواية واضحة في معرفة زيد (عليه السلام( للحق في زمن ابن أخيه الإمام الصادق )عليه السلام(وإقراره بالحق:
«عن معتب قال: قرع باب مولاي الإمام الصادق (عليه السلام) فخرجت فإذا زيد بن علي (عليه السلام) فقال الصادق (عليه السلام) لجلسائه: أدخلوا هذا البيت وردوا الباب ولا يتكلم منكم احد، فلما دخل قام إليه فاعتنقا وجلسا طويلاً يتشاوران ثم علا الكلام بينهما، فقال زيد: دع ذا عنك يا جعفر، فوالله لئن لم تمد يدك أبايعك أو هذه يدي فبايعني لأتعبنك ولأكلفنك ما لا تطيق، فقد تركت الجهاد وأخلدت إلى الخفض وأرخيت الستر، واحتويت على مال المشرق والمغرب، فقال الصادق (عليه السلام) : يرحمك الله يا عم يغفر لك الله يا عم. وزيد يسمعه ويقول: موعدنا الصبح أليس الصبح بقريب؟ ومضى فتكلم الناس في ذلك فقال الصادق (عليه السلام) : مه لا تقولوا لعمي زيد إلا خيراً رحم الله عمي زيداً فلو ظهر لوفى، فلما كان في السحر قرع الباب ففتحت له الباب فدخل يتشهق ويبكي، ويقول: ارحمني يا جعفر رحمك الله، ارض عني يا جعفر رضي الله عنك، اغفر لي يا جعفر غفر الله لك، فقال الصادق (عليه السلام) : غفر الله لك ورحمك ورضي عنك، فما الخبر يا عم؟ قال: نمت فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) داخلاً علي، وعن يمينه الحسن وعن يساره الحسين (عليهما السلام)، وفاطمة (عليها السلام) خلفه، وعلي (عليه السلام) أمامه، وبيده حربة تلتهب التهاباً كأنها نار، وهو يقول: يا زيد آذيت رسول الله في جعفر، والله لئن لم يرحمك ويغفر لك ويرضى عنك لأطعنك بهذه الحربة فلأضعنها بين كتفيك، ثم لأخرجها من صدرك، فانتبهت فزعاً مرعوباً فصرت إليك، فارحمني يرحمك الله. فقال (عليه السلام) : رضي الله عنك وغفر الله لك، أوصيني فإنك مقتول مصلوب محرق بالنار، فوصى زيد بعياله وأولاده وقضاء الدين عنه» ([310]).
وزيد بن علي عالم يقر علمه المخالف والمؤالف، وقد ابتلي وامتحن بابن أخيه وأقر بإمامته، واقتحم العقبة ولم يعثر بالصادق (عليه السلام)، رغم إنّ الامتحان لم يكن هيناً بالنسبة له، فهذا فضل عظيم لزيد (عليه السلام)، فلو كان ابتلاء زيد بأخيه الباقر فقط لهان، ولو كان ابتلاءه بأبيه لكان أهون، ولكنه امتحن وابتلي بعقبة أعظم واجتازها، ولهذا فقد ذكر زيداً رسول الله وعلي (عليه السلام) وبكيا عليه )عليه السلام(، وهذا هو الفضل العظيم.
ولعل من الضروري نقل ما قال الأئمة (عليهم السلام) في فضل هذا العالم الفاضل زيد بن علي (عليه السلام)، لكي لا يظن أحد بزيد (عليه السلام) سوءاً:
الكافي - الشيخ الكليني ج8 ص264: «عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عِيصِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّه وَحْدَه لَا شَرِيكَ لَه وانْظُرُوا لأَنْفُسِكُمْ فَوَاللَّه إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَه الْغَنَمُ فِيهَا الرَّاعِي فَإِذَا وَجَدَ رَجُلاً هُوَ أَعْلَمُ بِغَنَمِه مِنَ الَّذِي هُوَ فِيهَا يُخْرِجُه ويَجِيءُ بِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي هُوَ أَعْلَمُ بِغَنَمِه مِنَ الَّذِي كَانَ فِيهَا واللَّه لَوْ كَانَتْ لأَحَدِكُمْ نَفْسَانِ يُقَاتِلُ بِوَاحِدَةٍ يُجَرِّبُ بِهَا ثُمَّ كَانَتِ الأُخْرَى بَاقِيَةً فَعَمِلَ عَلَى مَا قَدِ اسْتَبَانَ لَهَا ولَكِنْ لَه نَفْسٌ وَاحِدَةٌ إِذَا ذَهَبَتْ فَقَدْ واللَّه ذَهَبَتِ التَّوْبَةُ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنْ تَخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ آتٍ مِنَّا فَانْظُرُوا عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تَخْرُجُونَ ولَا تَقُولُوا خَرَجَ زَيْدٌ فَإِنَّ زَيْداً كَانَ عَالِماً وكَانَ صَدُوقاً ولَمْ يَدْعُكُمْ إِلَى نَفْسِه إِنَّمَا دَعَاكُمْ إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) ولَوْ ظَهَرَ لَوَفَى بِمَا دَعَاكُمْ إِلَيْه إِنَّمَا خَرَجَ إِلَى سُلْطَانٍ مُجْتَمِعٍ لِيَنْقُضَه فَالْخَارِجُ مِنَّا الْيَوْمَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَدْعُوكُمْ إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) فَنَحْنُ نُشْهِدُكُمْ أَنَّا لَسْنَا نَرْضَى بِه وهُوَ يَعْصِينَا الْيَوْمَ ولَيْسَ مَعَه أَحَدٌ وهُوَ إِذَا كَانَتِ الرَّايَاتُ والأَلْوِيَةُ أَجْدَرُ أَنْ لَا يَسْمَعَ مِنَّا إِلَّا مَعَ مَنِ اجْتَمَعَتْ بَنُو فَاطِمَةَ مَعَه فَوَاللَّه مَا صَاحِبُكُمْ إِلَّا مَنِ اجْتَمَعُوا عَلَيْه إِذَا كَانَ رَجَبٌ فَأَقْبِلُوا عَلَى اسْمِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ وإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَتَأَخَّرُوا إِلَى شَعْبَانَ فَلَا ضَيْرَ وإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَصُومُوا فِي أَهَالِيكُمْ فَلَعَلَّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى لَكُمْ وكَفَاكُمْ بِالسُّفْيَانِيِّ عَلَامَةً».
عيون أخبار الرضا (عليه السلام) - الشيخ الصدوق ج2 ص225: «حدثنا أحمد بن يحيى المكتب قال: اخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا محمد بن يزيد النحوي قال: حدثني ابن أبي عبدون عن أبيه قال: لما حمل زيد بن موسى بن جعفر إلى المأمون وقد كان خرج بالبصرة واحرق دور ولد العباس وهب المأمون جرمه لأخيه علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) وقال له: يا أبا الحسن لئن خرج أخوك وفعل ما فعل لقد خرج قبله زيد بن علي فقتل ولولا مكانك مني لقتلته فليس ما أتاه بصغير فقال الرضا (عليه السلام) : يا أمير المؤمنين لا تقس أخي زيداً إلى زيد بن علي فانه كان من علماء آل محمد غضب لله عز وجل فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر (عليهما السلام) انه سمع أباه جعفر بن محمد بن علي (عليهم السلام) يقول: رحم الله عمي زيدا انه دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفى بما دعا إليه ولقد استشارني في خروجه فقلت له: يا عم إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشانك فلما ولى قال جعفر بن محمد: ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه فقال المأمون: يا أبا الحسن أليس قد جاء فيمن ادعى الإمامة بغير حقها ما جاء؟ فقال الرضا (عليه السلام) : إن زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق وانه كان اتقى لله من ذلك انه قال: ادعوكم إلى الرضا من آل محمد (عليهم السلام) وإنما جاء ما جاء فيمن يدعى أن الله تعالى نص عليه ثم يدعو إلى غير دين الله ويضل عن سبيله بغير علم وكان زيد والله ممن خوطب بهذه الآية: "وجاهدوا في الله حق جهاده هو أجتبيكم"«.
عيون أخبار الرضا (عليه السلام) - الشيخ الصدوق ج2 ص228: «حدثنا أحمد بن الحسين القطان قال: حدثنا الحسن بن على السكرى قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهرى عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه عن عمرو بن خالد قال: حدثني عبد الله بن سيابة قال: خرجنا ونحن سبعه نفر فأتينا المدينة فدخلنا على أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فقال لنا: أعندكم خبر عمي زيد؟ فقلنا: قد خرج أو هو خارج قال: فإن أتاكم خبر فاخبروني فمكثنا أياماً فأتى رسول بسام الصيرفي بكتاب فيه: أما بعد فإن زيد بن علي (عليه السلام) قد خرج يوم الأربعاء غرة صفر فمكث الأربعاء والخميس وقتل يوم الجمعة وقتل معه فلان وفلان فدخلنا على الصادق (عليه السلام) فدفعنا إليه الكتابة فقرأه وبكى ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون عند الله احتسب عمي انه كان نعم العم إن عمي كان رجلا لدنيانا وآخرتنا مضى والله عمي شهيداً كشهداء استشهدوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي والحسن والحسين (صلوات الله عليهم)".
ملحق (2)
بيان فساد بعض الاعتقادات الباطلة في صفات خليفة الله
يوجد في هذا الزمان للأسف بعض الجهلة ممّن ينزون على المنابر ويحاولون خداع بعض الناس، ويقولون - استناداً لروايات آحاد أو مكذوبة على آل محمد (عليهم السلام) أو لفهمهم السقيم لبعض الروايات - أنّ الحجة أو خليفة الله في أرضه أو النبي أو الإمام له صفات إعجازية يتصف بها دائماً، وهي ملازمة له وترافقه دائماً وفي جميع أحواله، وبها يعرف أنه حجة الله.
وهكذا هم يضللون الناس بادعاء أنّ هذه هي صفات الإمام الملازمة له والتي يعرف بها، وهم في الحقيقة انتقائيون، حيث إنهم لما وجدوا أنّ بعض هذه الأمور مقززة ولا يقبلها أحد من الناس ([311])؛ أخذوا ينتقون منها ما يمكنهم تمريره بصورة أو بأخرى، ويتركون بقية التفاهات التي لا يمكن تمريرها حتى على السفهاء.
ومن هذه الأمور التي يحاولون تمريرها على أنها صفات ملازمة للإمام أو خليفة الله هي: أنّ خليفة الله أو الإمام لا يخرج منه ما يخرج من بقية البشر من فضلات، وأنه ليس له ظل، وأنه يؤثر بالحجر ولا يؤثر بالرمل، وأن السباع لا تأكل لحمه!
وأؤكد هنا أنهم يعتقدون أنها صفات ملازمة للإمام تحدث دائماً وباستمرار، وليس معجزة وقتية قد تحدث مع أحد الحجج كما تحولت العصا إلى أفعى مع موسى )عليه السلام(، وقد لا تحدث مع حجة آخر في زمن آخر.
ولأنّ الأمر كما يبدو ملتبساً على بعضهم فهم يحتاجون توضيح هذه المسألة، ولعل أهم ما يجب الالتفات إليه في هذا الخصوص هو أنّ الأساس في الاعتقاد الإسلامي هو القرآن، أما الروايات فتعرض على القرآن، فإذا خالف فهمهم للروايات أو ظاهر الروايات النص القرآني؛ فهي إما روايات لم يقلها آل محمد، كما صرّحوا هم )عليهم السلام(أنّ ما يخالف القرآن لم يقولوه وهو مكذوب عليهم. وإما أنّ الروايات ليست على ظاهرها ولها تأويل يوافق القرآن.
وسأعرض أولاً ما يدّعون من صفات ملازمة لخليفة الله وبها يعرف كما يدّعون على الحكمة والواقع الذي عرفه ملايين الناس الذين عاشوا مع خلفاء الله فيما مضى. ولنرى هل يمكن تصنيفها بحسب فهمهم ضمن نطاق الحكمة، وهل هي فعلاً صفات اتصف بها خلفاء الله على الدوام وظهرت لملايين الناس ونقلها الناس جيلاً عن جيل؟!! ثم سأعرضها على القرآن.
مسألة أن المعصوم يتصف بأنه ليس له ظل:
إذا كان فقط جسم خليفة الله في أرضه ليس له ظل وملابسه لها ظل؛ لا يتحقق ما يريدون من أنّ الإمام ليس له ظل، حيث لا فائدة من كون جسم الإمام بلا ظل، فالإمام يسير بملابسه أمام الناس وبالتالي فالمهم أنْ تكون ملابسه بلا ظل.
وأيضاً: لا يكفي أنْ تكون ملابسه مرة واحدة بلا ظل، بل لابد أنْ تتصف أيضاً بهذه الصفة كل ملابس يلبسها الإمام، أي أنه كلما غيَّر ملابسه فإنّ الملابس التي يلبسها ليس لها ظل.
أيضاً: لابد من الانتباه إلى أنّ ملابس الإمام بما أنها تتصف - بحسبهم - بأنها بلا ظل مثله تماماً، فلابد أنها عندما تغسل وتوضع تحت أشعة الشمس أيضاً تكون بلا ظل، أو تحصل معجزة جديدة وترفع صفة )ليس لها ظل( عنها، وهكذا نحتاج إلى معاجز لا عد لها.
أيضاً: الملابس إذا أعطاها أو أعارها الإمام إلى غيره من الناس؛ لابد أنْ يصبح لها ظل، وهذه أيضاً تحتاج معجزة جديدة لرفع صفة )إنها ليس لها ظل(.
وأيضاً: عمامة المعصوم لابد أنْ تكون ليس لها ظل ولا تستثنى، وإلا لأصبح له ظل وهو ظل عمامته، ولأنها - كما يعلم الجميع - لا يلبسها العرب للزينة فقط، بل العمامة يلبسونها لتقيهم لهيب شمس الصحراء القاتل خصوصاً في الصيف، فلو كانت بلا ظل فهذا يعني أن تخترقها أشعة الشمس، وبالتالي فعندما كان يخرج الأئمة في صيف الحجاز والعراق اللاهب لا تنفعهم العمامة شيئاً على القول إنها بلا ظل، أي أنّ أشعة الشمس تخترقها وتعذب الأئمة )عليهم السلام( بحرارة قد يصل تأثيرها إلى الموت إذا ساروا تحت لهيب الشمس مباشرة لفترة من الزمن، كما سار الحسين من الحجاز إلى العراق، وبالتالي يحتاجون معجزة أخرى تمنع عنهم الأذى والموت.
مسألة أن المعصوم يؤثر بالحجر:
يقولون: إن خليفة الله يتصف بأن قدمه لا تؤثر في الرمل وتؤثر في الحجر، وبما أن الأئمة كانوا لا يسيرون حفاة دائماً؛ إذن هذا لا يكفي لتكون هذه صفة معجزة ملازمة لهم ليعرفهم الناس بها، بل لابد من إضافة أن نعل الإمام أيضاً لا تؤثر في الرمل وتؤثر في الحجر لتشمل هذه الصفة الشوارع، وطبعاً إذا كانت هذه الأمور صفات للإمام ملازمة له دائماً كما يقولون؛ فهي تشمل بيوت الناس والأماكن العامة كالمساجد التي يدخلها خليفة الله وأرضها المفروشة بالحجر، والنتيجة كلما دخل الإمام إلى بيت يخرب أرضيته بطبع أقدامه في الحجر، ويضطر أهل الدار لتبديل أرضية البيت، وطبعاً لابد أن يعوضهم الإمام عن تخريبه لدارهم، أو ربما يقول أصحاب هذه النظرية الفذة إن أرضيات بيوت الناس المكسوة بالحجر مستثناة من هذه الصفة التي يتصف بها الإمام، يعني تحصل معجزة عكسية وهي أن الإمام تتبدل صفته الملازمة له فلا يطبع قدمه في الحجر في بيوت الناس.
أمور كثيرة يمكن أن تطرح وتفضح مدى جهل وسفاهة وسذاجة عقول من يعتقد بهذه العقائد الباطلة المنحرفة عن دين الله سبحانه، والمخالفة للقرآن وللحكمة والعقل.
هم يعتقدون أن هذه صفات ترافق الحجة قبل أن يرتقي بعمله وإخلاصه، وترافقه هذه الصفات الإعجازية في كل زمن، أي أنها ترافقه قبل أن يبعث. وإذا قالوا لا فإنهم سينقضون غزلهم وينتهى الأمر، حيث سيكون معنى هذا أنها معجزات وقتية كغيرها من المعجزات التي قد تحدث وقد لا تحدث، وليست صفات جسمانية ملازمة للحجة في كل حال وزمان كما يدّعون. إذن، فهي عندهم صفات مرافقة له قبل أن يمتحن في هذه الدنيا ويثبت إخلاصه ويرتقي إلى مقام يؤهله للرسالة ولخلافة الله في أرضه بعد أن حجب بالجسد في هذا العالم الجسماني عند نزوله إليه، وإذا كان الأمر كذلك؛ إذن فأين الامتحان لهذا الإنسان وهو مفضل بآيات معجزة ملازمة له على الدوام؟!!!
وهكذا هم يتهمون الله بأنه غير عادل، يعطى هذا الخليفة الذي رافقته المعجزات ابتداءً الأجر والثواب، كالمؤمن الذي يمتحن بالشهوات ولا ترافقه المعجزات ابتداءً كما رافقت الخليفة بل ويفضل عليه؟ أين عدالة الله إذن؟ كيف تكون العدالة بين الخلق في دخول الامتحان في هذه الدنيا؛ إذا كانوا يدخلون وأحدهم بيده الإجابات وزيادة، والآخر عنده فقط الأسئلة وعليه أن يجد الإجابات بنفسه، والمصيبة أن الذي فضل بإعطائه الإجابات جاهزة؛ يعطى أجراً أعظم من المسكين الذي ظلم ولم تعطَ له الإجابات، بحسب عقيدة هؤلاء السفهاء؟!!!
مسألة أن السباع لا تأكل من جسد خليفة الله في أرضه:
ودع عنك نهباً صيح في حجراته؛ وتعال إلى هذه المصيبة التي ينقض بها هؤلاء السفهاء إمامة الحسين (عليه السلام) ويعطون لمن لا يؤمن بالحسين (عليه السلام( العذر أن يقول إن الحسين ليس من خلفاء الله وليس إماماً معصوماً؛ لأنه لا يتصف بالصفة التي اشترطتموها لخليفة الله في أرضه.
فالحسين (عليه السلام)داست الخيل صدره، والخيل حيوانات أليفة، فمن باب أولى أن تأكل السباع من جسده، على أن أعداء الحسين (عليه السلام) تقصدوا أن يفعلوا هذا الفعل؛ وهو أن يدوسوا جسده بالخيل، ليبينوا لمن تبعهم من السفهاء - الذين لا يفرقون عن هؤلاء بشيء - بأن الحسين ليس من خلفاء الله وليس له كرامة عند الله، فلو كانت له كرامة لمنع الله الخيل من أن تطأ صدره وجسده المبارك. انظروا كيف أنّ قاعدتهم لإنكار خليفة الله هي نفسها قاعدة هؤلاء السفهاء القائلين بهذه العقائد الفاسدة المنحرفة.
ثم قد روي وبوضوح أنه قال إنّ جسده ستأكل منه سباع البر، قال الحسين (عليه السلام) :
«كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن منى أكراشاً جوفاً، وأجربة سغباً لا محيص عن يوم خط بالقلم».
وقالت زينب بنت علي)عليها السلام(:
«... فهذه الأيدي تنطف من دمائنا وهذه الأفواه تتحلب من لحومنا وتلك الجثث الزواكي يعتامها عسلان الفلوات...».
فهل سيلجأ أولئك إلى تأويل الروايات؛ ليخرجوا من المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه؟
وإذا أولوا الروايات هل سيقبل المخالف الذي يريد الطعن بإمامة الحسين (عليه السلام) بهذا التأويل، أم أنّ الحجة ستكون له؛ لأن ظاهر الروايات حجة، أم سيقولون إنّ هذه روايات لا تؤخذ منها عقائد، فيقال لهم: فلِمَ أخذتم من تلك ولا تأخذون من هذه؟!!!
في الحقيقة إنّ هذه العقائد تكشف عن خواء عقول من يعتقد بها، بل وعن عدم إيمانهم بالقرآن وبعدالة الله سبحانه وتعالى.
فالحجج أو خلفاء الله في القرآن بشر، يشاركون الآخرين بالصفات الجسمانية الإنسانية، وليس لهم صفات خاصة بحسب القرآن، ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾[الكهف: 110]، فكيف يصح من عاقل تبنّي عقائد باطلة منحرفة مخالفة للقرآن وللحكمة وللمنطق وللعدل الإلهي، بل وحتى لروايات آل محمد (عليهم السلام) الموافقة للقرآن؟!
روى الصدوق عن الرضا (عليه السلام) :
«إن الإمام مؤيد بروح القدس وبينه وبين الله عمود من نور يرى فيه أعمال العباد وكلما احتاج إليه لدلالة اطلع عليه ويبسطه فيعلم ويقبض عنه فلا يعلم والإمام يولد ويلد ويصح ويمرض ويأكل ويشرب ويبول ويتغوط وينكح وينام وينسى ويسهو ويفرح ويحزن ويضحك ويبكي ويحيى ويموت ويقبر ويزار ويحشر ويوقف ويعرض ويسأل ويثاب ويكرم ويشفع ودلالته في خصلتين في العلم واستجابة الدعوة.....» ([312]).
أنصح كل من يبحث عن الحقيقة أنْ يتدبر القرآن:
﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾[إبراهيم: 9 - 11].
الذين يواجهون خلفاء الله في أرضه (الأنبياء/الأوصياء/الرسل/الأئمة)؛ يقولون لخلفاء الله أنتم مجرد بشر مثلنا لكم ظل ولا تؤثر أقدامكم في الحجر، وليست لكم صفات تميزكم ظاهرياً عنا، فإذا كنتم من الله فأتونا بصفات استثنائية، يعني بدون ظل وتؤثرون في الحجر، ﴿قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾، فيرد الرسل الأطهار على هؤلاء المسوخ المنكوسة الذين لا يكادون يفقهون قولاً: ﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
لم يقولوا لهم: لا، نحن ليس بشراً مثلكم، وتعالوا وانظروا فليس لنا ظل وأقدامنا تؤثر بالحجر ولا تؤثر بالأرض الرخوة. بل قالوا لهم: ﴿إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُم﴾، مثلكم ولنا ظل ولنا وزن محدد وأجسامنا كأجسامكم ونتزوج وننجب أطفالاً، ونأكل ونشرب ونمشي في الأسواق وترانا الناس.
ولنرى نبياً من الأنبياء أولي العزم وهو موسى )عليه السلام(؛ هل كان يتصف بصفات معجزة كما يدّعي المبطلون:
﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى * وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى﴾[طه: 17 - 23].
ما حاجة موسى )عليه السلام( لهذه الآيات لو كان - بحسب ما يدّعون - يتصف بأنه في كل أحواله ليس له ظل وقدمه تؤثر في الحجر، وهي صفات معجزة عظيمة ولا يمكن تأويلها بحال؟!!!
﴿وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ﴾[الأعراف: 108].
﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ﴾[الأعراف: 107].
نقرأ القرآن ولا نجد أنّ الله يضيف إلى معجزات موسى (عليه السلام(أنّ له صفة معجزة؛ وهي أنّ قدمه تؤثر في الحجر أو أنه يتصف بأنه ليس له ظل. أليس الأولى أنْ يحتج الله لنبوة موسى (عليه السلام) بقدمه المؤثرة في الحجر لو كانت قدم موسى (عليه السلام) تؤثر في الحجر وأثرها باقٍ، أليس أثرها الباقي دليلاً قطعياً لا يؤول ولا يمكن رده، وأفضل من عصاه التي تعود كما كانت، فيقال عنها بسهولة إنها سحر، وإنه كبيركم، وإنهما سحران تظاهرا؟!!!
وأين الحكمة في أن يعطيه الله آية اليد البيضاء والعصا التي تتحول إلى ثعبان؛ في حين أنه يتصف بصفات معجزة أعظم من هذه المعاجز الوقتية، فهو بحسب أصحاب هذا المعتقد ليس له ظل ويؤثر قدمه في الحجر ولا يؤثر في الأرض الرخوة، ألا تكفي قدم توثر في الحجر وتخرب أرضية قصر فرعون الحجرية، ليرى ويلمس كل الناس معجزة لموسى؟!!!
أليس الأولى أن يقول لهم موسى (عليه السلام) : انظروا قدمي تؤثر في الحجر ولا تؤثر في الأرض الرخوة وليس لي ظل، أو على الأقل يضيف هذه إلى تلك، فهل قال هذا موسى (عليه السلام)، هل احتج بقدمه المعجزة؟!
ربما سيضطر أصحاب هذه العقائد الفاسدة المخالفة للقرآن إلى استثناء موسى من هذه الصفات التي يفرضون توفرها بخليفة الله في أرضه في كل حال!!!
وأخيراً أقول: لو كان الأمر كما يقول هؤلاء الذين لا يكادون يفقهون قولاً؛ فلماذا إذن احتج علي (عليه السلام) بنص رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليه، ألم يكن الأجدر به أن يحتج بصفاته المعجزة التي لا تفارقه؟! ألم يكن الأجدر بعلي (عليه السلام) أن يقول لأبي بكر: أنا ليس لي ظل، وتعالوا يا مسلمين انظروا لي أنا ليس لي ظل وأنا خليفة الله في أرضه لأنه ليس لي ظل؟! ألم يكن الأجدر بعلي (عليه السلام) أن يريهم أن قدمه تؤثر في الحجر ويثبت إمامته بهذه الصفة؟!!!
والله إنّ وصف من يعتقد بهذه السفاسف بالسفهاء ظلم للسفهاء؛ لأن السفيه شخص لديه عقل، ولكن ربما بعض تصرفاته غير حكيمة، أما هؤلاء فطرحهم لهذه المعتقدات التي يضاهئون بها اعتقادات القبائل البدائية في مجاهل أفريقيا وتشابه قصص الجنيات، يجعلهم في مصاف مسلوبي العقول ولا عجب أن يكونوا كذلك، فمن تعرض لأولياء الله بالمحاربة سلبه الله عقله حتى لا يدري ما يقول.
ولعل العجب لا ينقضي عندما تجد هؤلاء السفهاء مسلوبي العقول؛ يعرضون عن روايات هي نفس روايات الغائط الذي يعرفون به المعصوم كما يعتقدون، ولا أعرف لماذا أعرضوا عن روايات أن المعصوم يولد من الفخذ ولا يحمل في الرحم، فأنا لا أعتقد أنها ستجعلهم أسوأ حالاً ممّا هم عليه من عقائد مخزية كعقيدة الغائط قبحهم الله، ففي ولادة المعصوم من الفخذ أيضاً وردت روايات، فلماذا لا يعتقدون بها، (أنه لا تحمل به أمه في الرحم، بل تلده من الفخذ الأيمن)، ولعلي سأذكرهم بها كي لا يغفلوا ترديدها ضمن سلسلة العقائد المخزية التي يعتقدونها بالمعصوم ويعتقدون توفرها فيه دائماً وفي كل آن.
ملحق (3)
شمعون (أو سمعان) وصي عيسى (عليه السلام)
« "باب الوصية من لدن آدم (عليه السلام)"
5402 روى الحسن بن محبوب، عن مقاتل بن سليمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أنا سيد النبيين، ووصيي سيد الوصيين، وأوصياؤه سادة الأوصياء، إن آدم (عليه السلام) سأله الله عز وجل أن يجعل له وصيا صالحا، فأوحى الله عز وجل إليه إني أكرمت الأنبياء بالنبوة ثم اخترت من خلقي خلقا وجعلت خيارهم الأوصياء فأوحى الله تعالى ذكره إليه يا آدم أوص إلى شيث، فأوصى آدم (عليه السلام) إلى شيث وهو هبة الله بن آدم، وأوصى شيث إلى ابنه شبان وهو ابن نزلة الحوراء التي أنزلها الله عز وجل على آدم من الجنة فزوجها ابنه شيثا، وأوصى شبان إلى محلث، وأوصى محلث إلى محوق، وأوصى محوق إلى غثميشا، وأوصى غثميشا إلى أخنوخ وهو إدريس النبي (عليه السلام)، وأوصى إدريس إلى ناحور، ودفعها ناحور إلى نوح (عليه السلام)، وأوصى نوح إلى سام، وأوصى سام إلى عثامر، وأوصى عثامر إلى برغيثاشا، وأوصى برغيثاشا إلى يافث، وأوصى يافث إلى برة، وأوصى برة إلى جفسية، وأوصى جفسية إلى عمران، ودفعها عمران إلى إبراهيم الخليل (عليه السلام)، وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق، وأوصى إسحاق إلى يعقوب، وأوصى يعقوب إلى يوسف، وأوصى يوسف إلى بثريا، وأوصى بثريا إلى شعيب، ودفعها شعيب إلى موسى بن عمران (عليه السلام)، وأوصى موسى بن عمران إلى يوشع بن نون، وأوصى يوشع بن نون إلى داود، وأوصى داود إلى سليمان (عليه السلام)، وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا، وأوصى آصف بن برخيا إلى زكريا، ودفعها زكريا إلى عيسى بن مريم (عليه السلام) وأوصى عيسى بن مريم إلى شمعون بن حمون الصفا، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريا، وأوصى يحيى بن زكريا إلى منذر، وأوصى منذر إلى سليمة، وأوصى سليمة إلى بردة ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ودفعها إلي بردة وأنا أدفعها إليك يا علي وأنت تدفعها إلى وصيك، ويدفعها وصيك إلى أوصيائك من ولدك واحد بعد واحد حتى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدك، ولتكفرن بك الأمة ولتختلفن عليك اختلافا شديدا الثابت عليك كالمقيم معي، والشاذ، عنك في النار، والنار مثوى الكافرين"» ([313]).
«20 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن الحسن بن سعيد، عن محمد بن إسماعيل القرشي، عمن حدثه، عن إسماعيل بن أبي رافع عن أبيه أبى رافع قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :..... بعث الله عز وجل عيسى بن مريم (عليه السلام) واستودعه النور والعلم والحكمة وجميع علوم الأنبياء قبله وزاده الإنجيل وبعثه إلى بيت المقدس إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى كتابه وحكمته وإلى الإيمان بالله ورسوله فأبي أكثرهم إلا طغيانا وكفرا،...... فلما أراد أن يرفعه أوحى إليه أن يستودع نور الله وحكمته وعلم كتابه شمعون بن حمون الصفا خليفته على المؤمنين ففعل ذلك فلم يزل شمعون يقوم بأمر الله عز وجل ويحتذي بجميع مقال عيسى (عليه السلام) في قومه من بني إسرائيل ويجاهد الكفار، فمن أطاعه وآمن به وبما جاء به كان مؤمنا ومن جحده وعصاه كان كافرا حتى استخلص ربنا تبارك وتعالى وبعث في عباده نبيا من الصالحين وهو يحيى بن زكريا ثم قبض شمعون.....» ([314]).
«وأخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الجوهري، قال حدثنا محمد بن عمر القاضي الجعابي، قال حدثني محمد بن عبد الله أبو جعفر، قال حدثني محمد بن حبيب الجند نيسابوري، عن يزيد ابن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قال علي (عليه السلام) : كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت أم سلمة إذ دخل علينا جماعة من أصحابه منهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعبد الرحمن بن عوف، فقال سلمان: يا رسول الله إن لكل نبي وصيا وسبطين فمن وصيك وسبطيك؟ فأطرق ساعة ثم قال: يا سلمان إن الله بعث أربعة ألف نبي وكان لهم أربعة ألف وصي وثمانية ألف سبط، فوالذي نفسي بيده لأنا خير الأنبياء ووصيي خير الأوصياء وسبطاي خير الأسباط.
ثم قال: يا سلمان أتعرف من كان وصي آدم؟ فقال: الله ورسوله أعلم. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إني أعرفك يا با عبد الله وأنت منا أهل البيت، إن آدم أوصى إلى ابنه ثيث، وأوصى ثيث إلى ابنه شبان، وأوصى شبان إلى مخلب، وأوصى مخلب إلى نحوق، وأوصى نحوق إلى عثمثا، وأوصى عثمثا إلى أخنوخ وهو إدريس النبي (عليه السلام)، وأوصى إدريس إلى ناخورا، وأوصى ناخورا إلى نوح (عليه السلام)، وأوصى نوح إلى سام، وأوصى سام إلى عثام، وأوصى عثام إلى ترعشاثا وأوصى ترعشاثا إلى يافث، وأوصى يافث إلى برة، وأوصى برة إلى خفسية، وأوصى خفسية إلى عمران، وأوصى عمران إلى إبراهيم، وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق، وأوصى إسحاق إلى يعقوب، وأوصى يعقوب إلى يوسف، وأوصى يوسف إلى برثيا وأوصى برثيا إلى شعيب، وأوصى شعيب إلى موسى، وأوصى موسى إلى يوشع بن نون، وأوصى يوشع إلى داود، وأوصى داود إلى سليمان، وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا، وأوصى آصف إلى زكريا، وأوصى زكريا إلى عيسى بن مريم، وأوصى عيسى بن مريم إلى شمعون بن حمون الصفا، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريا، وأوصى يحيى إلى منذر، وأوصى منذر إلى سلمة، وأوصى سلمة إلى بردة، وأوصى بردة إلي. وأنا أدفعها إلى علي. فقال: يا رسول الله فهل بينهم أنبياء وأوصياء أخر؟ قال: نعم أكثر من أن تحصى.....» ([315]).
Comment