رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)
((الإسلام أحياء لشريعة إبراهيم (ع)
قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾([107]).
قبل بعث النبي محمد (ص) كانت في الجزيرة العربية ثلاث ديانات سماوية هي: الحنفية واليهودية و النصرانية. وكانت جميعها محرّفة عن الصراط المستقيم، وبالتالي فإنّ أتباعها منحرفون عن الصراط، إلاّ القليل من المرابطين على الحق الذين لا تخلو منهم فترة من الفترات، وكان معظم أهل مكة يدينون بالحنفية التي حرّفها بعض أئمة الضلال لما جاءوا بتماثيل حجرية وادعوا إنّ هذه التماثيل هي صور للملائكة، واستخفوا الناس وجعلوهم يقدّسونها ويتقرّبون لها بأنواع القربات، وجعلوا الناس يعتقدون أنّ الله يريد منهم أن يتقربوا له بواسطة هذه التماثيل، وجعلوهم يعتقدون إنّها تضر وتنفع من دون الله، بل جعلوها آلهة مع الله سبحانه وتعالى علواً كبيراً.
وكما حرفت العقائد في الشريعة الحنفية حرفت الأحكام الشرعية حيث إن تحريفها أسهل وأيسر.
روي أنّ رسول الله (ص) قال للأكثم بن الجون: (إني رأيت عمراً يجر قصبة في النار، وكان أول من غيّر دين إبراهيم، وأول من حمى الحمى، وسيب السوائب، وبحر البحيرة، ووصل الوصيلة، ونصب الأصنام، وغيّر دين إسماعيل فلم أرَ أحد أشبه به منك، قال: يا رسول الله هل يضرني ذلك شيئاً؟ قال: لا، لأنّك مؤمن وهو كافر) ([108]).
وروي أنّ رسول الله (ص) قال: (رأيت عمر بن عامر الخزاعي يجر قصبة من النار وكان أول من سيب السيب) ([109]).
ولم ينحرف جميع الأحناف في مكة، بل بقي منهم شرذمة قليلون مرابطون على الحق، منهم عبد المطلب جدّ النبي (ص)، وعبد الله والد النبي (ص)، وأبو طالب عم النبي (ص)، جاء في وصية النبي (ص) لعلي (ع): (يا علي، إنّ عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله عز وجل له في الإسلام: حرم نساء الآباء، فأنزل الله عزّ وجل: ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾([110])، يا علي، أن عبد المطلب كان لا يستقسم بالأزلام، ولا يعبد الأصنام، ولا يأكل ما ذبح على النصب، ويقول أنا على دين أبي إبراهيم (ع) ...) ([111]).
وفي كتب التاريخ إنّ السيد عبد المطلب عرف مكان زمزم بعد أن اندرس بالوحي الإلهي، بـ (الرؤيا)، فحفر في المكان الذي رآه فكان هو مكان زمزم ([112])، أمّا أبو طالب فهو سيد الأحناف ووصي من أوصياء إبراهيم (ع)، بل خاتمهم وهو الحجة على النبي قبل أن يبعث، ثم كان تابعاً لرسول الله (ص) بعد البعثة، فهو سيد المسلمين في مكة، والقوم يروون الكثير في فضله، ويروون شعراً كثيراً له دلالة على إسلامه، ويروون مواقف كثيرة له في نصرة الإسلام، ومع هذا يقولون مات أبو طالب كافراً لا لشيء ولكن بغضاً لولده علي (ع)، الذي أطبق ذكره الخافقين ولم يجدوا مثلبة ليعيبوه بها من خَلق أو خُلق أو دين، ولو لم يكن لأبي طالب إلاّ قوله:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً نبياً كموسى خط في أول الكتب
لكفى به دليلاً على إسلامه فكيف ومواقفه في نصرة الدين الإسلامي أبين من شمس في رابعة النهار وإن أخفى إسلامه مدّة من الزمن كمؤمن آل فرعون ([113]).
* * *
الإسلام ثمرة الأديان الإلهية في الأرض
ومحمد هو عيسى وموسى وإبراهيم (ع)
والقرآن هو التوراة والإنجيل وصحف إبراهيم
قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه﴾([114]).
وقال تعالى: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾([115])، ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾([116]).
الإسلام كدين إلهي لا يختلف عن الدين اليهودي أو النصراني أو الحنفي، وليس شيئاً مبتدعاً، بلى ربما اختلفت بعض تفاصيل التشريع في هذه الأديان وجاء الإسلام ببعض التفاصيل المختلفة بما يناسب مسيرة الإنسانية التكاملية على هذه الأرض. فالعقائد الإلهية لجميع الأديان واحدة، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، فهم أمة واحدة ودعوتهم واحدة.
أمّا ما يدعيه بعض من أخطأ سمعاً فأساء إجابة بأنّ المسيحية أو غيرها هي دعوة للعزوف عن الحياة المادية والاهتمام بالحياة الروحية فقط، ولذلك فهي فاشلة، والإسلام هو دعوه لإصلاح الروح والجسد معاً ولذلك فهو أصلح.
أقول: في الحقيقة إنّ هذا ادعاء غير صحيح، وعلى من يريد نشر الإسلام أن يكون ناقداً موضوعياً لا أن يتخبط العشواء، ويسب أنبياء الله ورسله من حيث يعلم أو لا يعلم. بل وينسب إلى الله الجهل وعدم الحكمة بحجة أنّه يريد نشر الإسلام. فها نحن اليوم نسمع من بعض علماء المسلمين من يتكلم عن الصهاينة (لعنهم الله) فيقول سليمانهم وهيكلهم. كلا أيها العزيز بل هو سليماننا وهيكلنا، فنحن المسلمين أولى بالأنبياء وآثارهم من اليهود وغيرهم، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ * وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾([117]).
فالإسلام والمسيحية و اليهودية جميعها أديان سماوية، ومحمد وعيسى وموسى (ع) جميعهم أنبياء، وجميع هؤلاء الأنبياء دعوتهم واحدة، فهم دعوا الناس إلى طريق الله سبحانه والسير عليه والتوجه إلى الكمالات الروحية والمعنوية، وشرائعهم (عليهم صلوات ربي) فيها كثير من أحكام المعاملات الشرعية التي من شأنها إصلاح العالم المادي وترفيه المجتمع الإنساني اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، أمّا ما يلاحظ من كلامهم من كثرة الدعوة إلى التوجه إلى الكمالات الروحية والمعنوية والإعراض عن العالم المادي، فهو ليس إلاّ قضية معادلة لما يرَونه عن عزوف الناس عن كمالاتهم المعنوية وتوجههم إلى العالم المادي، وانقطاعهم إليه بشكل غير طبيعي، كما أننا اليوم لا نحتاج توجيه الناس في مجتمعنا الإسلامي إلى العالم المادي وهم على طول الخط منقطعون إليه لا يكادون يبصرون ما وراءه، بل نحن بحاجة لأن ندعوهم إلى التوجه إلى الله، قال تعالى في توبيخ هذه الإنسانية المنقطعة إلى الماديات والعازفة عن الروحانيات: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾([118])، أي يلههم العمل والانغماس في الدنيا.
أمّا ما ورد في كلام الأنبياء (ع) - وهو في الحقيقة قليل إذا قورن بما سواه - من توجيه بعض الفئات في المجتمع الإلهي إلى العمل والكسب والتمتع بما رزقهم الله، فهو لأنّ شرذمةً قليلةً جداً من المؤمنين ربما يعتقدون أنّ الله سبحانه يكره لهم التمتع بما رزقهم من الطيبات المادية، كما أنّ بعض الطفيّليين يريد أن يجلس ويتعبد - على ما يدعي - والناس تأتيه برزقه وتضعه في فمه، وهذا في الحقيقة ليس من الدين في شيء، فهذا طالب راحة يريد أن يجلس في مكان بارد ولا يتعب بدنه، والفلاح الذي تصهره الشمس يأتيه برزقه ويضعه في فمه.
* * *
))
((الإسلام أحياء لشريعة إبراهيم (ع)
قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾([107]).
قبل بعث النبي محمد (ص) كانت في الجزيرة العربية ثلاث ديانات سماوية هي: الحنفية واليهودية و النصرانية. وكانت جميعها محرّفة عن الصراط المستقيم، وبالتالي فإنّ أتباعها منحرفون عن الصراط، إلاّ القليل من المرابطين على الحق الذين لا تخلو منهم فترة من الفترات، وكان معظم أهل مكة يدينون بالحنفية التي حرّفها بعض أئمة الضلال لما جاءوا بتماثيل حجرية وادعوا إنّ هذه التماثيل هي صور للملائكة، واستخفوا الناس وجعلوهم يقدّسونها ويتقرّبون لها بأنواع القربات، وجعلوا الناس يعتقدون أنّ الله يريد منهم أن يتقربوا له بواسطة هذه التماثيل، وجعلوهم يعتقدون إنّها تضر وتنفع من دون الله، بل جعلوها آلهة مع الله سبحانه وتعالى علواً كبيراً.
وكما حرفت العقائد في الشريعة الحنفية حرفت الأحكام الشرعية حيث إن تحريفها أسهل وأيسر.
روي أنّ رسول الله (ص) قال للأكثم بن الجون: (إني رأيت عمراً يجر قصبة في النار، وكان أول من غيّر دين إبراهيم، وأول من حمى الحمى، وسيب السوائب، وبحر البحيرة، ووصل الوصيلة، ونصب الأصنام، وغيّر دين إسماعيل فلم أرَ أحد أشبه به منك، قال: يا رسول الله هل يضرني ذلك شيئاً؟ قال: لا، لأنّك مؤمن وهو كافر) ([108]).
وروي أنّ رسول الله (ص) قال: (رأيت عمر بن عامر الخزاعي يجر قصبة من النار وكان أول من سيب السيب) ([109]).
ولم ينحرف جميع الأحناف في مكة، بل بقي منهم شرذمة قليلون مرابطون على الحق، منهم عبد المطلب جدّ النبي (ص)، وعبد الله والد النبي (ص)، وأبو طالب عم النبي (ص)، جاء في وصية النبي (ص) لعلي (ع): (يا علي، إنّ عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله عز وجل له في الإسلام: حرم نساء الآباء، فأنزل الله عزّ وجل: ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾([110])، يا علي، أن عبد المطلب كان لا يستقسم بالأزلام، ولا يعبد الأصنام، ولا يأكل ما ذبح على النصب، ويقول أنا على دين أبي إبراهيم (ع) ...) ([111]).
وفي كتب التاريخ إنّ السيد عبد المطلب عرف مكان زمزم بعد أن اندرس بالوحي الإلهي، بـ (الرؤيا)، فحفر في المكان الذي رآه فكان هو مكان زمزم ([112])، أمّا أبو طالب فهو سيد الأحناف ووصي من أوصياء إبراهيم (ع)، بل خاتمهم وهو الحجة على النبي قبل أن يبعث، ثم كان تابعاً لرسول الله (ص) بعد البعثة، فهو سيد المسلمين في مكة، والقوم يروون الكثير في فضله، ويروون شعراً كثيراً له دلالة على إسلامه، ويروون مواقف كثيرة له في نصرة الإسلام، ومع هذا يقولون مات أبو طالب كافراً لا لشيء ولكن بغضاً لولده علي (ع)، الذي أطبق ذكره الخافقين ولم يجدوا مثلبة ليعيبوه بها من خَلق أو خُلق أو دين، ولو لم يكن لأبي طالب إلاّ قوله:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً نبياً كموسى خط في أول الكتب
لكفى به دليلاً على إسلامه فكيف ومواقفه في نصرة الدين الإسلامي أبين من شمس في رابعة النهار وإن أخفى إسلامه مدّة من الزمن كمؤمن آل فرعون ([113]).
* * *
الإسلام ثمرة الأديان الإلهية في الأرض
ومحمد هو عيسى وموسى وإبراهيم (ع)
والقرآن هو التوراة والإنجيل وصحف إبراهيم
قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه﴾([114]).
وقال تعالى: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾([115])، ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾([116]).
الإسلام كدين إلهي لا يختلف عن الدين اليهودي أو النصراني أو الحنفي، وليس شيئاً مبتدعاً، بلى ربما اختلفت بعض تفاصيل التشريع في هذه الأديان وجاء الإسلام ببعض التفاصيل المختلفة بما يناسب مسيرة الإنسانية التكاملية على هذه الأرض. فالعقائد الإلهية لجميع الأديان واحدة، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، فهم أمة واحدة ودعوتهم واحدة.
أمّا ما يدعيه بعض من أخطأ سمعاً فأساء إجابة بأنّ المسيحية أو غيرها هي دعوة للعزوف عن الحياة المادية والاهتمام بالحياة الروحية فقط، ولذلك فهي فاشلة، والإسلام هو دعوه لإصلاح الروح والجسد معاً ولذلك فهو أصلح.
أقول: في الحقيقة إنّ هذا ادعاء غير صحيح، وعلى من يريد نشر الإسلام أن يكون ناقداً موضوعياً لا أن يتخبط العشواء، ويسب أنبياء الله ورسله من حيث يعلم أو لا يعلم. بل وينسب إلى الله الجهل وعدم الحكمة بحجة أنّه يريد نشر الإسلام. فها نحن اليوم نسمع من بعض علماء المسلمين من يتكلم عن الصهاينة (لعنهم الله) فيقول سليمانهم وهيكلهم. كلا أيها العزيز بل هو سليماننا وهيكلنا، فنحن المسلمين أولى بالأنبياء وآثارهم من اليهود وغيرهم، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ * وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾([117]).
فالإسلام والمسيحية و اليهودية جميعها أديان سماوية، ومحمد وعيسى وموسى (ع) جميعهم أنبياء، وجميع هؤلاء الأنبياء دعوتهم واحدة، فهم دعوا الناس إلى طريق الله سبحانه والسير عليه والتوجه إلى الكمالات الروحية والمعنوية، وشرائعهم (عليهم صلوات ربي) فيها كثير من أحكام المعاملات الشرعية التي من شأنها إصلاح العالم المادي وترفيه المجتمع الإنساني اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، أمّا ما يلاحظ من كلامهم من كثرة الدعوة إلى التوجه إلى الكمالات الروحية والمعنوية والإعراض عن العالم المادي، فهو ليس إلاّ قضية معادلة لما يرَونه عن عزوف الناس عن كمالاتهم المعنوية وتوجههم إلى العالم المادي، وانقطاعهم إليه بشكل غير طبيعي، كما أننا اليوم لا نحتاج توجيه الناس في مجتمعنا الإسلامي إلى العالم المادي وهم على طول الخط منقطعون إليه لا يكادون يبصرون ما وراءه، بل نحن بحاجة لأن ندعوهم إلى التوجه إلى الله، قال تعالى في توبيخ هذه الإنسانية المنقطعة إلى الماديات والعازفة عن الروحانيات: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾([118])، أي يلههم العمل والانغماس في الدنيا.
أمّا ما ورد في كلام الأنبياء (ع) - وهو في الحقيقة قليل إذا قورن بما سواه - من توجيه بعض الفئات في المجتمع الإلهي إلى العمل والكسب والتمتع بما رزقهم الله، فهو لأنّ شرذمةً قليلةً جداً من المؤمنين ربما يعتقدون أنّ الله سبحانه يكره لهم التمتع بما رزقهم من الطيبات المادية، كما أنّ بعض الطفيّليين يريد أن يجلس ويتعبد - على ما يدعي - والناس تأتيه برزقه وتضعه في فمه، وهذا في الحقيقة ليس من الدين في شيء، فهذا طالب راحة يريد أن يجلس في مكان بارد ولا يتعب بدنه، والفلاح الذي تصهره الشمس يأتيه برزقه ويضعه في فمه.
* * *
))
كتاب العجل الجزء الاول ـ للامام احمد الحسن اليماني (ع)
Comment