إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • اختياره هو
    مشرف
    • 23-06-2009
    • 5310

    #46
    رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

    ((الإسلام أحياء لشريعة إبراهيم (ع)
    قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾([107]).
    قبل بعث النبي محمد (ص) كانت في الجزيرة العربية ثلاث ديانات سماوية هي: الحنفية واليهودية و النصرانية. وكانت جميعها محرّفة عن الصراط المستقيم، وبالتالي فإنّ أتباعها منحرفون عن الصراط، إلاّ القليل من المرابطين على الحق الذين لا تخلو منهم فترة من الفترات، وكان معظم أهل مكة يدينون بالحنفية التي حرّفها بعض أئمة الضلال لما جاءوا بتماثيل حجرية وادعوا إنّ هذه التماثيل هي صور للملائكة، واستخفوا الناس وجعلوهم يقدّسونها ويتقرّبون لها بأنواع القربات، وجعلوا الناس يعتقدون أنّ الله يريد منهم أن يتقربوا له بواسطة هذه التماثيل، وجعلوهم يعتقدون إنّها تضر وتنفع من دون الله، بل جعلوها آلهة مع الله سبحانه وتعالى علواً كبيراً.
    وكما حرفت العقائد في الشريعة الحنفية حرفت الأحكام الشرعية حيث إن تحريفها أسهل وأيسر.
    روي أنّ رسول الله (ص) قال للأكثم بن الجون: (إني رأيت عمراً يجر قصبة في النار، وكان أول من غيّر دين إبراهيم، وأول من حمى الحمى، وسيب السوائب، وبحر البحيرة، ووصل الوصيلة، ونصب الأصنام، وغيّر دين إسماعيل فلم أرَ أحد أشبه به منك، قال: يا رسول الله هل يضرني ذلك شيئاً؟ قال: لا، لأنّك مؤمن وهو كافر) ([108]).
    وروي أنّ رسول الله (ص) قال: (رأيت عمر بن عامر الخزاعي يجر قصبة من النار وكان أول من سيب السيب) ([109]).
    ولم ينحرف جميع الأحناف في مكة، بل بقي منهم شرذمة قليلون مرابطون على الحق، منهم عبد المطلب جدّ النبي (ص)، وعبد الله والد النبي (ص)، وأبو طالب عم النبي (ص)، جاء في وصية النبي (ص) لعلي (ع): (يا علي، إنّ عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله عز وجل له في الإسلام: حرم نساء الآباء، فأنزل الله عزّ وجل: ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾([110])، يا علي، أن عبد المطلب كان لا يستقسم بالأزلام، ولا يعبد الأصنام، ولا يأكل ما ذبح على النصب، ويقول أنا على دين أبي إبراهيم (ع) ...) ([111]).
    وفي كتب التاريخ إنّ السيد عبد المطلب عرف مكان زمزم بعد أن اندرس بالوحي الإلهي، بـ (الرؤيا)، فحفر في المكان الذي رآه فكان هو مكان زمزم ([112])، أمّا أبو طالب فهو سيد الأحناف ووصي من أوصياء إبراهيم (ع)، بل خاتمهم وهو الحجة على النبي قبل أن يبعث، ثم كان تابعاً لرسول الله (ص) بعد البعثة، فهو سيد المسلمين في مكة، والقوم يروون الكثير في فضله، ويروون شعراً كثيراً له دلالة على إسلامه، ويروون مواقف كثيرة له في نصرة الإسلام، ومع هذا يقولون مات أبو طالب كافراً لا لشيء ولكن بغضاً لولده علي (ع)، الذي أطبق ذكره الخافقين ولم يجدوا مثلبة ليعيبوه بها من خَلق أو خُلق أو دين، ولو لم يكن لأبي طالب إلاّ قوله:
    ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً نبياً كموسى خط في أول الكتب
    لكفى به دليلاً على إسلامه فكيف ومواقفه في نصرة الدين الإسلامي أبين من شمس في رابعة النهار وإن أخفى إسلامه مدّة من الزمن كمؤمن آل فرعون ([113]).

    * * *
    الإسلام ثمرة الأديان الإلهية في الأرض
    ومحمد هو عيسى وموسى وإبراهيم (ع)
    والقرآن هو التوراة والإنجيل وصحف إبراهيم
    قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه﴾([114]).
    وقال تعالى: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾([115])، ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾([116]).
    الإسلام كدين إلهي لا يختلف عن الدين اليهودي أو النصراني أو الحنفي، وليس شيئاً مبتدعاً، بلى ربما اختلفت بعض تفاصيل التشريع في هذه الأديان وجاء الإسلام ببعض التفاصيل المختلفة بما يناسب مسيرة الإنسانية التكاملية على هذه الأرض. فالعقائد الإلهية لجميع الأديان واحدة، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، فهم أمة واحدة ودعوتهم واحدة.
    أمّا ما يدعيه بعض من أخطأ سمعاً فأساء إجابة بأنّ المسيحية أو غيرها هي دعوة للعزوف عن الحياة المادية والاهتمام بالحياة الروحية فقط، ولذلك فهي فاشلة، والإسلام هو دعوه لإصلاح الروح والجسد معاً ولذلك فهو أصلح.
    أقول: في الحقيقة إنّ هذا ادعاء غير صحيح، وعلى من يريد نشر الإسلام أن يكون ناقداً موضوعياً لا أن يتخبط العشواء، ويسب أنبياء الله ورسله من حيث يعلم أو لا يعلم. بل وينسب إلى الله الجهل وعدم الحكمة بحجة أنّه يريد نشر الإسلام. فها نحن اليوم نسمع من بعض علماء المسلمين من يتكلم عن الصهاينة (لعنهم الله) فيقول سليمانهم وهيكلهم. كلا أيها العزيز بل هو سليماننا وهيكلنا، فنحن المسلمين أولى بالأنبياء وآثارهم من اليهود وغيرهم، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ * وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾([117]).
    فالإسلام والمسيحية و اليهودية جميعها أديان سماوية، ومحمد وعيسى وموسى (ع) جميعهم أنبياء، وجميع هؤلاء الأنبياء دعوتهم واحدة، فهم دعوا الناس إلى طريق الله سبحانه والسير عليه والتوجه إلى الكمالات الروحية والمعنوية، وشرائعهم (عليهم صلوات ربي) فيها كثير من أحكام المعاملات الشرعية التي من شأنها إصلاح العالم المادي وترفيه المجتمع الإنساني اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، أمّا ما يلاحظ من كلامهم من كثرة الدعوة إلى التوجه إلى الكمالات الروحية والمعنوية والإعراض عن العالم المادي، فهو ليس إلاّ قضية معادلة لما يرَونه عن عزوف الناس عن كمالاتهم المعنوية وتوجههم إلى العالم المادي، وانقطاعهم إليه بشكل غير طبيعي، كما أننا اليوم لا نحتاج توجيه الناس في مجتمعنا الإسلامي إلى العالم المادي وهم على طول الخط منقطعون إليه لا يكادون يبصرون ما وراءه، بل نحن بحاجة لأن ندعوهم إلى التوجه إلى الله، قال تعالى في توبيخ هذه الإنسانية المنقطعة إلى الماديات والعازفة عن الروحانيات: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾([118])، أي يلههم العمل والانغماس في الدنيا.
    أمّا ما ورد في كلام الأنبياء (ع) - وهو في الحقيقة قليل إذا قورن بما سواه - من توجيه بعض الفئات في المجتمع الإلهي إلى العمل والكسب والتمتع بما رزقهم الله، فهو لأنّ شرذمةً قليلةً جداً من المؤمنين ربما يعتقدون أنّ الله سبحانه يكره لهم التمتع بما رزقهم من الطيبات المادية، كما أنّ بعض الطفيّليين يريد أن يجلس ويتعبد - على ما يدعي - والناس تأتيه برزقه وتضعه في فمه، وهذا في الحقيقة ليس من الدين في شيء، فهذا طالب راحة يريد أن يجلس في مكان بارد ولا يتعب بدنه، والفلاح الذي تصهره الشمس يأتيه برزقه ويضعه في فمه.
    * * *

    ))

    كتاب العجل الجزء الاول ـ للامام احمد الحسن اليماني (ع)
    السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

    Comment

    • اختياره هو
      مشرف
      • 23-06-2009
      • 5310

      #47
      رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

      ((قل ما كنت بدعاً من الرسل
      ومحمد (ص) ليس بدعاً من الرسل، فدعوة جميع الأنبياء والأوصياء (ع) لم تلاق القبول من علماء الدين، وكبراء المجتمعات التي بعثوا فيها، فمحمد (ص) حاربه رؤساء مكة وعلماؤها الذين حاربوا الشريعة، ولم يؤمن به علماء اليهود وعلماء النصارى ومن استخفوه من عوامهم، مع أنّهم كانوا يبشرون به ويترقبون ظهوره ([119]).
      وموسى (ع) لم يرضَ عنه كثير من بني إسرائيل، ووقف ضده بعض علمائهم وحاولوا حرف الشريعة واستخفاف الناس، كالسامري وبلعم بن باعورة ([120]).
      أما عيسى (ع) فلم يرضَ عنه معظم علماء بني إسرائيل وكبراؤهم؛ لأنّ وجوده (ع) بينهم كان توبيخاً لهم، وزهده فضيحة أخزتهم.
      ورد في الإنجيل: (وحينئذٍ وبخ يسوع الشعب بأشد عنف؛ لأنهم نسوا كلمة الله، واسلموا أنفسهم للغرور فقط، ووبخ الكهنة لإهمالهم خدمة الله ولجشعهم، ووبخ الكتبة لأنهم علموا تعاليم فاسدة وتركوا شريعة الله، ووبخ العلماء لأنهم أبطلوا شريعة الله بواسطة تقاليدهم. وأثر كلام يسوع في الشعب حتى إنهم بكوا جميعهم من صغيرهم إلى كبيرهم يستصرخون رحمته ويضرعون إلى يسوع لكي يصلي لأجلهم ما خلا كهنتهم ورؤسائهم، الذين أضمروا في ذلك اليوم العداء ليسوع؛ لأنه تكلم ضد الكهنة والكتبة والعلماء فصمموا على قتله، ولكنهم لم ينبسوا بكلمة خوفاً من الشعب، الذي قبله نبياً من الله. ورفع يسوع يديه إلى الرب الإله وصلى، فبكى الشعب وقالوا ليكن كذلك يا رب ليكن كذلك، ولما انتهت الصلاة نزل يسوع من الهيكل وسافر ذلك اليوم من أورشليم مع كثيرين من الذين اتبعوه وتكلم الكهنة فيما بينهم بالسوء في يسوع) ([121]).
      وسيلاقي المهدي (ع) ما لاقاه أسلافه من الأنبياء والأوصياء من علماء الدين والطواغيت، ولعل مصيبته ستكون أكبر كما تدل عليه بعض الروايات. وسيأتي البحث في رواية تأول علماء الدين للقرآن واحتجاجهم على المهدي (ع) بآيات القرآن الكريم، بعد أن يفسروها بعقولهم الناقصة وأهوائهم الشخصية ([122]).
      * * *
      محمد (ص)
      الداعي إلى الله في مكة
      قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾([123]).
      كان المجتمع المكي ينقسم إلى فئتين أو ثلاث:
      الأولى: هم الذين يقودون عملية الانحراف بالشريعة الحنيفية وأتباعهم. وهؤلاء قد تلبسوا بالعبادات الباطلة، سواء في عقائدهم كعبادة الأصنام أو أحكامهم الشرعية، كتحريم البحـيرة والحام([124])، وهؤلاء هم سادة القوم وعلماؤهم، فمن الطبيعي أن يكون أتباعهم معظم أهل مكة.
      أمّا الفئة الثانية: فهم الذين وجدوا آباءهم ضالين، أو الذين ضلوا في ذلك المجتمع المنحرف عن الصراط المستقيم، ولكنهم كانوا غير راضين عن حالهم المزري، بل إن بعضهم كان في حالة ثورة داخل نفسه على تلك الأوضاع الفاسدة.
      أمّا الفئة الثالثة: فهم شرذمة قليلون مرابطون على الحق، أي الديانة الحنيفية الصحيحة، أو ما وصل لهم منها، وعلى أقل تقدير منهم موحدون. فلما بعث النبي (ص) كان بشرى بالنسبة لهؤلاء المؤمنين الذين كانوا يترقبون بعثه ويتضرعون إلى الله ليريهم مناسكهم، كما كان النبي (ص) ملجأً حصيناً وكهفاً أميناً لكل ضال يتخبط في ظلمات الجاهلية، ويبحث عن نور الحق وميزان العدل والصراط المستقيم.
      وهكذا بعث النبي (ص) في مكة أم القرى المدينة التي يحج إليها الناس، والمدينة التي تمثل المرجعية الدينية للأحناف، ليبدأ بالإصلاح من المركز الديني في الجزيرة العربية، المركز الذي طاله كثير من الفساد في العقائد والأحكام، وبعث النبي (ص) بالشريعة الإسلامية المجددة للحنيفية والناسخة لبعض أحكامها. فشريعة إبراهيم (ع) هي الأقرب للنفوس والأوفر حظاً أن ينظم تحت لوائها اليهود والنصارى الذين يقدسون إبراهيم (ع) ويعتبرونه أباً للأنبياء العظام (ع)، وبدأ النبي محمد (ص) الشجاع الذي لا يخشى في الله لومة لائم بإنذار المنحرفين من عشيرته بأمر الله سبحانه، وكانت حادثة الدار المعروفة ([125])، وبلّغ النبي (ص) أقرباءه ببعثه ونبوته، كما عيّن في ذلك اليوم بأمر الله سبحانه وتعالى وصيه ووزيره وخليفته في حياته وبعد موته علي بن أبي طالب (ع)، وبدأت الدعوة إلى الله تنتشر في مكة وبدا لسادة مكة أن مصالحهم مهددة، فأخذوا يخططون بشتى الطرق لإيذاء النبي (ص) وقتله لو أمكن وضرب الإسلام، والنبي (ص) ووصيه والمؤمنون يدعون إلى الله دون توقف، وهكذا أخذ عدد المسلمين بالازدياد. كما أنّ أذى المشركين اشتد وبدؤوا يعذبونهم ويمنعون النبي (ص) من تبليغ رسالة السماء.
      وهكذا دُفِعَ النبي (ص) إلى المرحلة الثانية (الهجرة إلى الله). قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾([126]).
      وبدأ النبي (ص) يبحث عن قاعدة إسلامية ومدينه يهاجر إليها، وأخذ يلقى الناس في مواسم الحج، ويقول لهم: (هل من رجل يحملني إلى قومه، فإن قريش قد منعوني أن ابلغ كلام ربي)([127])، وقريش لم يتركوه حتى في موسم الحج، بل كانوا يحملون الناس على تكذيبه والاستهزاء به، وهو يقابلهم بالتسامح والصبر.
      روي أنّه كان يقول ما معناه: (ربي اغفر لقومي إنهم لا يعلمون) ([128]).
      وفي ظل تلك الظروف المؤلمة جاء لرسول الله (ص) وفد من نصارى الحبشة مع جعفر بن أبي طالب (ع) عند عودته إلى مكة بعد هجرته، وجماعة من أصحاب رسول الله (ص) إلى الحبشة، وكان النصارى بضعاً وثلاثين رجلاً: (فلما جلسوا إلى رسول الله (ص) واطّلعوا على صفاته وأحواله وسمعوا ما تلي عليهم من القرآن آمنوا كلهم، فلما علم بذلك أبو جهل اقبل إليهم قائلاً: ما رأينا ركباً أحمق منكم! .. أرسلكم قومكم تعلمون خبر هذا الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال، فقالوا: سلام عليكم لا نجاهلكم، لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه، لم نأل أنفسنا خيراً، فنزل في حقهم قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون * وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾([129])…) ([130]).
      ))

      كتاب العجل الجزء الاول ـ للامام احمد الحسن اليماني (ع)
      السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

      Comment

      • اختياره هو
        مشرف
        • 23-06-2009
        • 5310

        #48
        رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

        ((الهجرة إلى الله
        وعندما ألح أهل مكة وقريش بالأذى على رسول (ص)، أضطر إلى الهجرة، وهاجر أولاً إلى الطائف، إلى ثقيف الذين كان يأمل منهم الإيمان به ونصرته، ولكنهم خذلوه ولم يقبلوا دعوته، بل وآذوه فجلس يتحسر على قومه الذين يدعوهم إلى ما يحييهم، وهم يريدون هلاكه والقضاء عليه. ورفع رأسه إلى السماء وتفوه بتلك الكلمات المملوءة بالألم: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلاّ بك) ([131]).
        وشاء الله بعد هذه المدة أن يقيّض لرسول الله (ص) جماعة من الأوس والخزرج، ليحملوه إلى يثرب، المدينة التي أسست لانتظاره، مدينة اليهود الذين يترقبون ظهوره وقيامه.
        فهذه المدينة أسسها اليهود لينتظروا النبي الخاتم (ص) الذي بشّر به أنبياءهم، ولينصروه حسب زعمهم، فهاجروا من بلاد الشام إلى الجزيرة العربية بحثاً عن المكان الموعود الموصوف لهم بين جبلي أحد وعِير، وأخيراً وجدوه واستقروا فيه وأسسوا مدينة يثرب، ولما جاءهم الملك اليمني تبع بجيشه سألهم عن سبب هجرتهم، فأخبروه أنهم ينتظرون نبي يبعث ويستقر في هذا المكان، فأبقى من ذريته في يثرب لينصروا النبي (ص) عند بعثه، وهؤلاء هم الأوس والخزرج، فكان اليهود كل ما وقع خلاف بينهم وبين الأوس والخزرج هددوهم بالنبي الأمي (ص) الذي سيبعث، وحسب زعمهم إنهم ينتظرونه وسيكونون أتباعه وأنصاره وحواريه.
        قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾([132]).
        وهاجر المسلمون إلى المدينة بعد مرحلة عناء طويلة قضوها في مكة، وتبعهم النبي (ص) وهو يحمل صورة مؤلمة ومزرية لأهل مكة، قومه الذين كذبوه وآذوه ومن آمن معه وأخيراً أخرجوه خائفاً يترقب وتوجه تلقاء المدينة، وكان المفروض أن يكون اليهود أول المستقبلين له والمرحبين بقدومه المبارك إلى مدينتهم التي أسسوها لاستقباله، وأن يكونوا أول من يؤمن به وينصره، ولكنهم خذلوه وكذّبه علماؤهم وحاولوا استخفاف الناس وحملهم على الكفر به وبنبوته، فلم ينتفعوا بالعلم الذي كان عندهم، بل جعلوه سبباً لتكبرهم وتعاليهم على النبي (ص)، وضرب الله لهم بلعم بن باعورا مثلاً في القرآن ([133])؛ ليرتدعوا ويثوبوا إلى رشدهم ويتوبوا إلى ربهم، ولكنهم ازدادوا عناداً وتكبراً كالجيفة عندما ينـزل عليها المطر الطاهر تزداد نتـناً وعفونة.
        ولو أمعنا النظر في حال اليهود لوجدناهم قد فوجئوا بأمور:
        الأول: إنّ النبي (ص) ليس إسرائيلياً، فإذا كانوا قد اعترضوا على طالوت (ع) لعدم كونه من ذرية يوسف بيت الملك ولا من ذرية لآوى بيت النبوة ([134])، مع أنّ طالوت من ذرية بنيامين شقيق يوسف، أي: إنّه إسرائيلي، فإنّ اعتراضهم على النبي (ص) أمر متوقع، قال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾([135]).
        أمّا الأمر الثاني: فهو أنّ بعض العقائد والأحكام الشرعية التي أتى بها رسول الله (ص) تختلف عن عقائدهم وأحكامهم الشرعية المحرّفة التي كانوا يدعون إنها شريعة موسى (ع)، مع أنّ علماءهم قد حرّفوا الكثير منها حتى قبل بعث عيسى (ع).
        والثالث: إنّ رسول الله (ص) سيسلب من علماء بني إسرائيل مكانتهم ورئاستهم الدينية الباطلة، كما أنّ عدالته في توزيع الأموال ستسلبهم الخصوصية التي كانوا يتمتعون بها، فإن اتبعوه لن يتمكنوا من الاستئثار بأموال الصدقات. ورد في تفسير: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾([136]).
        عن الإمام العسكري (ع): (وكان هؤلاء قوم من رؤساء اليهود وعلمائهم احتجبوا أموال الصدقات والمبرّات، فأكلوها واقتطعوها ثم حضروا رسول الله (ص) وقد حشروا عليه عوامهم،
        يقولون: أنّ محمد تعدّى طوره وادعى ما ليس له …).
        ثم قال الأمام العسكري (ع): (قال رسول الله (ص) مخاطباً اليهود وعلماءهم: يا معاشر اليهود هؤلاء رؤساؤكم كافرون ولأموالكم محتجبون ولحقوقكم باخسون ولكم في قسمة ما اقتطعوه ظالمون يخفضون ويرفعون، فقالت رؤساء اليهود: حدثّ عن موضع الحجة بنبوتك ووصاية أخيك هذا، ودع دعواك الأباطيل وإغرائك قومنا بنا، فقال رسول الله (ص): لا، ولكن الله عزّ وجل قد آذن لنبيه أن يدع بالأموال التي خنتموها لهؤلاء الضعفاء ومن يليهم) ([137]).
        وكانت النتيجة أن أخذ حب الأنا واتباع الهوى من علماء بني إسرائيل كل مأخذ، ومنعهم التكبر من اتباع النبي الأمي (ص)، ولم يؤمن بالنبي منهم إلاّ قليل. وهكذا فشل المنتظرون مرّة أخرى في الانتظار،كما فشلوا في انتظار عيسى وموسى (عليهما السلام) من قبله.
        والحقيقة التي يجب أن يلتفت إليها هي: أنّ هؤلاء اليهود الذين فشلوا في انتظار النبي محمد (ص) هم ذراري أولئك الذين هاجروا في سبيل الله وأسسوا مدينة يثرب لانتظار النبي الخاتم (ص)، قال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾([138]).
        أمّا النصارى، فقد كان لغلوهم بعيسى (ع) ولتحريفهم لسيرته وتعاليمه، أو ما يسمى بـ (الإنجيل أو العهد الجديد)، كما كان لفهمهم الخاطئ في بعض الأحيان لكلامه (ع)، والأنبياء (ع) يتكلمون أحياناً بالرموز والأمثال والحكم ليقربوا بعض الحقائق للناس.
        أقول: إنّ مجموع هذه الأمور تضافرت ليجد القوم في طياتها السبل للخروج عن جادة الصراط المستقيم، وتأليه عيسى (ع)، ثم عدم الإيمان بنبوة محمد (ص) ووصاية علي (ع) مع أن بعضهم آمنوا بالنبي (ص) كما مرّ أنّ أول وفد آمن بالنبي (ص) هو وفد من نصارى الحبشة، وفي التوراة والأناجيل الأربعة الموجودة اليوم والمقبولة لدى النصارى توجد بعض الإشارات إلى النبي محمد (ص) وعلي (ع)، وكثير من الإشارات إلى المهدي (ع) من ولده.
        أمّا في إنجيل برنابا فهناك تصريح من عيسى (ع) أنّه جاء ليبشر بمحمد (ص) ورجل آخر رمز له بالمختار، أو واحد من المختارين والذي سيظهر دين محمد (ص)، كما قال (ع) أنّه جاء ليمهد الطريق لمحمد (ص)، ولشريعته التي ستكون في زمن نزول عيسى (ع) شريعة أهل الأرض جميعاً.
        قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾([139])، ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً﴾([140])، ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾([141]).
        وما بقاء عيسى (ع) إلى اليوم إلاّ لنصرة دين الله عندما ينزل في زمن ظهور الإمام المهدي (ع) ويصلي خلفه وتعد شريعته الإسلامية الحنيفية السمحاء كما روى الفريقان عن صاحب الشريعة (ص).
        ))

        كتاب العجل الجزء الاول ـ للامام احمد الحسن اليماني (ع)
        السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

        Comment

        • اختياره هو
          مشرف
          • 23-06-2009
          • 5310

          #49
          رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

          ((الاستبدال
          كَذَّبَ رسول الله (ص) قومُهُ وعشيرتُهُ وأهلُ مدينته وعلماءُ اليهود والنصارى، ولم يؤمن به الشيوخ ورؤساء القوم، ولكن آمن به وقبله الغرباء أهل المدينة الطيبة المباركة يثرب، وآمن به الفقراء والمستضعفون والشباب، وهكذا استبدل الله علماء الدين ورؤساء القوم وبعض من كان يدعي أنّه ينتظر بعث محمد (ص) بآخرين هم أصحاب محمد (ص) المنتجبون الذين قدمهم أمامه إلى الجنة، وقُتل معظمهم في حياته شهداء محتسبين، قال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾([142]).
          قال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾([143]).
          هؤلاء ثلة غيروا وجه التاريخ وبيضوا وجه الإنسانية، جعفر بن أبي طالب، وأبو دجانة الأنصاري، وحنظلة غسيل الملائكة، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة، والمقداد، وعمار، وجندب بن جنادة، وسلمان المحمدي الفارسي الأصل وكثيرون غيرهم، ربما لم يذكر التاريخ لبعضهم اسماً ولا رسماً ممن حاربوا الفساد والمفسدين، ولم يطلبوا علواً في الأرض، معروفون في السماء مجهولون في الأرض، فطوبى لهم وحسن مآب وجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء لنصرهم دين الله في أرضه، ونصرتهم لسيد الأنبياء وسيد الأوصياء محمد وعلي عليهما وعلى آلهما صلوات ربي وسلامة.
          وقريب من هذا ما حدث مع من سبق محمد (ص) من الأنبياء كما مرّ علينا أنّ علماء اليهود لن يؤمنوا بعيسى (ع)، ولم يؤمن بعيسى أهل مدينته الناصرة التي تربى فيها، جاء في الإنجيل: (وخرج من هناك وجاء إلى بلدة يتبعه تلاميذه، وفي السبت أخذ يعلم في المجمع فتعجب أكثر الناس حين سمعوه وقالوا من أين له هذا؟ وما هذه الحكمة المعطاة له وهذه المعجزات التي تجري على يديه؟ أما هو النجار بن مريم، وأخو يعقوب ويوسي و يهوذا و سمعان؟ أمّا أخواته عندنا هنا ورفضوه. فقال لهم يسوع: لا نبي بلا كرامة إلاّ في وطنه، وبين أقربائه وأهل بيته. وتعذر على يسوع أن يصنع أي معجزة هناك، سوى أنّه وضع يديه على بعض المرضى فشفاهم، وكان يتعجب من قلة إيمانهم، ثم سار في القرى المجاورة يعلم) ([144]).
          كما ورد في بعض الروايات أنّ بعض الشيعة لن يؤمنوا بالمهدي (ع)، كما لم يؤمن السنة بآبائه (ع)، (سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً).
          بل إنّ بعض العلماء غير العاملين الذين يعتقد الجاهل أنّهم قريبون منه لن يؤمنوا به، قال الإمام الصادق (ع): (… وكذلك القائم فإنّه تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه، ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة، الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف والتمكين ولهم الأمر المنتشر في عهد القائم … وقال (ع): كل ذلك لتتم النظرة التي أوجبها الله لعدوه إبليس، إلى أن يبلغ الكتاب أجله، ويحق القول على الكافرين ويقرب الوعد الذي بينه الله في كتابه بقوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾([145])، وذلك إذ لم يبقَ من الإسلام إلا اسمه ومن القران إلا رسمه، وغاب صاحب الأمر بإيضاح العذر له في ذلك لاشتمال الفتنه على القلوب، حتى يكون أقرب الناس إليه أشدهم عداوة له، وعند ذلك يؤيده الله بجنود لم تروها، ويظهر دين نبيه على يديه، ويظهره على الدين كله ولو كره المشركون)([146]).
          * * *
          ماذا بعد الهجرة ؟
          في المدينة بدأ النبي (ص) ببناء مجتمع إسلامي يتعامل وفق تعاليم شريعة الله المقدسة، بدأ النبي (ص) في المدينة بكلمة لا إله إلاّ الله لينتهي إلى تدبير شؤون المجتمع وسياسة الناس لما فيه صلاحهم وكمالهم. وكان لخلقه العظيم وللمعجزات التي تظهر على يديه الكريمتين أثر كبير في الناس، وازدياد عدد المسلمين وتوجههم إلى كمالاتهم المعنوية والعزوف عن زخرف الدنيا، وهكذا بدأت تلك الصحراء المقفرة تخضر، ولو ترك محمد (ص) يدعو الناس إلى الله سبحانه الرحمن الرحيم ولكن هيهات لو ترك القطا لنام.
          ومن قبل ما ترك نمرود إبراهيم (ع)، ولا فرعون موسى (ع)، ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ * وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾([147]).
          أنظر إلى منطق هذا الكافر المتكبر فهو ينشر الصلاح بخموره وفجوره، وموسى يفسد في الأرض بنشر كلمة لا إله إلا الله، وإقامة الحكم الإلهي في الأرض، وهذا هو منطق الفراعنة الذين تسلطوا على المسلمين اليوم.
          فإذا عرفنا هذا عرفنا أنّ الصدام المسلح أمر حتمي الوقوع، كما أنّ الجهاد لنشر كلمة لا إله إلاّ الله ضروري، ليكون الدين خالصاً لله وتكون كلمة الله هي العليا، ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً﴾([148]).
          وبدأ المسلمون يدافعون عن كيانهم الإسلامي الذي بدأ صغيراً في المدينة ثم اتسع بفضل الله، وبعد أن استقرت الأمور هاجموا الحكومات الطاغوتية المتسلطة على رقاب الناس ليخلوا بعد ذلك الناس تحت ظل الدولة الإسلامية، دولة لا إله إلاّ الله يختارون الدخول في الإسلام أو البقاء على إحدى الديانات الإلهية السابقة مع دفع الجزية التي هي نظير الزكاة التي يدفعها المسلمون، هذا هو قانون الإسلام العادل في القرآن، ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾([149]).
          أمّا الذين لا يدينون للخالق جلّ وعلا، وليس لهم دين سماوي فهؤلاء يُقاتلون حتى يقولوا: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله.
          وهكذا انتشر الإسلام بفضل الله وبجهاد النبي والوصي والمؤمنين، كان النبي (ص) كالطبيب الدوار بأدويته كما وصفه أمير المؤمنين (ع) ([150])، كان يسير بين الناس يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويعمل ليلاً ونهاراً لنشر كلمة لا إله إلاّ الله، وهذه هي السيرة التي عمل بها الأئمة (ع) بعده كما أنّها كانت سيرة الأنبياء والمرسلين قبله، فعيسى (ع) كان سائحاً في الأرض يدعو الناس إلى الله، وهكذا بقية الأنبياء إبراهيم وموسى وغيرهم (ع).
          فهذه قصصهم في القرآن تهتف بالعمل الجاد المتواصل لنشر كلمة لا إله إلاّ الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
          * * *
          ))

          كتاب العجل الجزء الاول ـ للامام احمد الحسن اليماني (ع)
          السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

          Comment

          • اختياره هو
            مشرف
            • 23-06-2009
            • 5310

            #50
            رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

            ((* * *
            بعد وفاة النبي (ص)
            قال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾([151]).
            خير من يصف ما حدث بعد وفاة النبي (ص) هي الزهراء (ع)، أقرب الخلق إلى رسول الله (ص)، حيث قالت في خطبتها في مسجد النبي (ص) بعد وفاته: (… فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ومأوى اصفيائه، ظهر فيكم حسكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الاقلين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللعزة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحشمكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم ووردتم غير مشربكم، هذا والعهد قريب والكلم رحيب، والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) ([152]).
            ولما جاءت نساء المهاجرين والأنصار لعيادتها، قلن لها: كيف أصبحت عن علتك؟ فقالت: (أصبحت والله عائفة لدنياكم قالية لرجالكم، لفظتهم قبل أن عجمتهم وشنئتهم بعد أن سبرتهم، فقبحاً لفلول الحد، وخور القناة، وخطل الرأي، وبئس ما قدمت لهم أنفسهم، أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُون لا جرم لقد قلدتهم ربقتها، وشننت عليهم عارها فجدعاً وعقراً وسحقاً للقوم الظالمين، ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الوحي الأمين، والطبين بأمر الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين. وما نقموا من أبي الحسن، نقموا والله منه نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله عز وجل.
            والله لو تكافوا عن زمام نبذه رسول الله (ص) إليه لاعتلقه، ولسار بهم سيراً سجحاً، لا يكلم خشاشه، ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً فضفاضاً تطفح ضفتاه. ولأصدرهم بطاناً قد تحير بهم الري غير متحل منه بطائل، إلا بغمر الماء وردعة شررة الساغب، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون.
            ألا هلم فاسمع، وما عشت أراك الدهر العجب، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث. إلى أي سناد استندوا وبأي عروة تمسكوا، استبدلوا الذنابي والله بالقوادم، والعجز بالكاهل. فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ.
            أما لعمر الهك لقد لقحت، فنظره ريثما تنتج، ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً، وذعافاً ممقراً، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب ما سن الأولون، ثم طيبوا عن أنفسكم أنفساً، وطامنوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم، وهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيداً، وزرعكم حصيداً. فيا حسرتي لكم، وأنى بكم وقد عميت قلوبكم عليكم، أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) ([153]).
            وهكذا قُدم المؤخر، وأُخر المقدّم بعد وفاة النبي (ص)، واستولى أبو بكر وعمر وأشياعهم على السلطة، ونُحي وصي رسول الله (ص) علي بن أبي طالب (ع)، وأوذي هو والزهراء (عليهما السلام)، وماتت (ع) أثر اقتحام عمر وجماعة من المنافقين دارها لإجبار الإمام علي (ع) على مبايعة أبي بكر، وضربها بالسوط وضغطها بين الحائط والباب حتى كسر ضلعها ونبت المسمار في صدرها وأسقط جنينها. ووردت على أبيها مظلومة، مقهورة من قوم كانوا يسمعون النبي (ص) يقول ما معناه: (إنّ الله يغضب لغضب فاطمة) ([154]).
            فتعساً للقوم لما انتهكوا من حرم الله، واستخفوا بخيرة خلقه: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ﴾([155]).
            هذا والنبي (ص)لم يترك المسلمين في حياته دون أن يوجههم إلى القيادة من بعده، وإلى الأوصياء من ولده (ع)، حيث أمره الله سبحانه بذلك. ولكن لابد من الفتـنة للتمحيص، ولابد من السامري، ولابد من العجل، قال تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾([156]).
            وإنّي لما أردت أن أختار بعض الروايات عن النبي (ص) الدالة على أنه أرشد المسلمين إلى الصراط المستقيم، وإلى الأوصياء من بعده وخلفاء الله في أرضه، احترت أيّها أختار لكثرتها سواء في كتب الشيعة أو السنة. وإنّي وإن اقتصرت على القليل منها، ولكني أسأل الله أن يجعل فيها نصراً للدين، ونفعاً للمسلمين وتأييداً للمؤمنين:
            روى الحافظ محب الدين أحمد الطبري، وهو من علماء السنة ومحدثيهم في كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: عن أنس قال: (كان عند النبي (ص) طير فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك ليأكل معي هذا الطير، فجاء علي بن أبي طالب فأكل معه) ([157]).
            وعن معاذة الغفارية قالت: دخلت على النبي (ص) في بيت عائشة وعلي خارج من عنده فسمعته يقول: (يا عائشة، إنّ هذا أحب الرجال إليَّ وأكرمهم عليّ، فاعرفي له حقه وأكرمي مثواه) ([158]).
            وعن البراء بن عازب قال: قال النبي (ص): (علي مني بمنزلة رأسي من جسدي) ([159]).
            وعن المطلب بن عبد الله ابن حنطب قال: قال رسول الله (ص) لوفد ثقيف حين جاءوا: (لتسلمن أو لأبعثن عليكم رجلاً مني - أو قال مثل نفسي - ليضربن أعناقكم وليسبين ذراريكم، وليأخذن أموالكم. قال عمر: فوالله ما تمنيت الأمارة إلاّ يومئذٍ، إذ فجعلت انصب صدري رجاء أن يقول هو هذا. قال: فالتفتَ إلى علي فاخذَ بيدهِ، وقال: هو هذا، هو هذا) ([160]).
            وعن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله (ص): (ما من نبي إلاّ وله نظير في أمته وعلي نظيري) ([161]).
            وعن أبي أيوب قال: قال رسول الله (ص): (لقد صلت الملائكة عليَّ وعلى علي؛ لأنّا كنا نصلي ليس معنا أحد يصلي غيرنا) ([162]).
            وعن أبي ذر قال: قال رسول الله (ص): (لما اسري بي مررت بملك جالس على سرير من نور، وإحدى رجليه في المشرق والأخرى في المغرب، وبين يديه لوح ينظر فيه والدنيا كلها بين عينيه والخلق بين ركبتيه ويده تبلغ المشرق والمغرب، فقلت: يا جبريل من هذا؟ فقال: هذا عزرائيل تقدم فسلم عليه، فتقدمت فسلمت عليه، فقال: وعليك السلام يا أحمد ما فعل ابن عمك علي. فقلت: هل تعرف ابن عمي علياً؟ قال: وكيف لا أعرفه، وقد وكلني الله بقبض أرواح الخلائق ما خلا روحك وروح ابن عمك علي بن أبي طالب فإنّ الله يتوفاكما بمشيئته)([163]).
            وعن أم سلمه، عن رسول الله (ص) قال: (من أحب علياً فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض علياً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل) ([164]).
            وعن ابن عباس، قال: (كنت أنا والعباس جالسين عند رسول الله (ص) إذ دخل علي بن أبي طالب (ع) فسلم، رد عليه رسول الله (ص) السلام وقام إليه وعانقه وقبله بين عينيه وأجلسه عن يمينه. قال العباس: يا رسول الله أتحب هذا؟ فقال رسول الله: يا عم والله، الله أشدّ حباً له مني، إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب هذا) ([165]).
            وعن عمران ابن حصين عن النبي (ص)، قال: (إنّ علياً مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي) ([166]).
            وعن أبي رافع قال: لما قتل علي أصحاب الألوية يوم أحد، قال جبريل (ع): (يا رسول الله إنّ هذه لهي المواساة، فقال النبي (ص): إنّه مني وأنا منه، فقال جبريل: وأنا منكما يا رسول الله)([167]).
            وعن أبي الخميس، قال: قال رسول الله (ص): (أُسري بي إلى السماء فنظرت إلى ساقي العرش الأيمن، فرأيت كتاباً فهمته محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته به) ([168]).
            وعن بريده، عنه (ص): (لكل نبي وصي ووارث وإنّ علياً وصيي ووارثي) ([169]).
            وعلق عليه الطبري واستدل بروايات أنّ المقصود بالوصاية هي أنّ النبي أوصى أن يلي غسله علي (ع) ([170]).
            وإن تعجب فمن هؤلاء القوم، يروون كل هذه الروايات ثم يميلون يميناً وشمالاً!!
            وروي عن أنس، قال: كنت عند النبي (ص) فرأى علياً مقبلاً، فقال: (يا أنس، قلت: لبيك، قال: هذا المقبل حجتي على أمتي يوم القيامة) ([171]).
            وعن البراء ابن عازب، قال: كنّا عند النبي (ص) في سفر فنزلنا في غدير خم، فنودي فينا الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله (ص) تحت شجرة فصلى الظهر وأخذ بيد علي، وقال: (ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، فأخذ بيد علي وقال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعادي من عاداه)، قال: فلقيه عمر بعد ذلك فقال: هنيئاً لك يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنه ([172]).
            وفي المناقب زاد عليه: (وانصر من نصره وأحب من أحبه) ([173]).
            وهذا هو حديث الغدير أشهر من نار على علم، ومتواتر عن الفريقين، ولكن القوم يؤولون الولاية مع أنّ رسول الله (ص) قرن ولاية علي (ع) بولايته (ص)، وولايته (ص) بولاية الله سبحانه.
            وروى الطبري عن عمر أنّه: (قال لرجل ويحك ما تدري من هذا، هذا مولاي ومولى كل مؤمن ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن) ([174]).
            وليت شعري إذا كنت تعترف أنّه سيدك ومولاك فلماذا غصبتم حقه أنت وصاحبك وأردت إحراق داره، بل تآمرتم على قتله، أحسداً كحسد السامري لهارون (ع)، وتكبراً كتكبر إبليس على آدم (ع)؟! وليت شعري من علّم إبليس التكبر، ومن أغواه؟!
            وروى الطبري عن سعد بن أبي وقاص، أن النبي (ص) قال لعلي: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبي بعدي) ([175]). وهذا الحديث أشهر من نار على علم.
            أقول: إذا كنتم ترون أنّه كهارون من موسى فهل عميت عليكم مكانة هارون من موسى؟! أليس القرآن يهتف بكم أن هارون خليفة موسى، ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾([176]).
            فوالله إنّ وصايته ووصاية ولده من بعده وخلافتهم لرسول الله (ص) أبين من الشمس في ما يروي السنة عن رسول الله (ص) فضلاً عما يروي الشيعة، وما يصرح به القرآن في آيات كثيرة، بل إنّ ذكرهم موجود حتى في التوراة والإنجيل الموجودة حالياً، وإن حاول اليهود والنصارى طمس ذكرهم في ما مضى، كما حاول ويحاول اليوم بعض المسلمين مع الأسف الشديد مع أنّ القرآن أوصى بهم ورسول الله (ص) أوصى بهم. ولكن يا قومي أنلزمكموها وأنتم لها كارهون، فانتظروا إنّا منتظرون.
            ومن أراد المزيد في كتب السنة فعليه مراجعة ذخائر العقبى للطبري، وينابيع المودة، وفرائد السمطين، وسنن الترمذي، ومسند أحمد، والمناقب، ومطالب السؤول للشافعي، ومسند البخاري، ومسند مسلم أو ما يسمونهما بالصحيحين، وسنن أبي داوود، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم النيسابوري، وكفاية الطالب، وغيرها.
            وروى العلامة الفقيه محمد بن علي بن عثمان الكراجكي (رحمه الله) وهو من صدور علماء الشيعة الإمامية ومن معاصري الشيخ المحقق الطوسي (رحمه الله)، وهو عند علماء الشيعة في الطبقة العليا من الاعتبار، واختياراته من الطراز الأول كما قيل عنه وفي كتابه الاستنصار، قال: أخبرني الشيخ المفيد وذكر السند إلى أبي جعفر الثاني (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين، قال: قال رسول الله (ص): (آمنوا بليلة القدر، فإنه ينزل فيها أمر السنة، وإن لذلك الأمر ولاة من بعدي علي ابن أبي طالب وأحد عشر من ولده (ع)) ([177]).
            وبإسناد عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال رسول الله (ص): (تمسكوا بليلة القدر، فإنها تكون بعدي لعلي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده بعده (ع)) ([178]).
            وعن أبي جعفر الأول - أي الباقر (ع) - عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله (ص): (إني واثنا عشر من أهل بيتي، أولهم علي بن أبي طالب أوتاد الأرض التي أمسكها الله بها أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهبت الاثنا عشر من أهلي ساخت الأرض بأهلها ولم تنظروا) ([179]).
            وعن أبي جعفر (ع)، قال قال رسول الله (ص): (من أهل بيتي أثنا عشر نقيباً محدَّثون مفهّمون، منهم القائم بالحق يملأها عدلاً كما ملئت جوراً) ([180]).
            وعن أبي عبد الله (ع)، عن آبائه، قال: قال رسول الله (ص): (إنّ الله اختار من الأيام يوم الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر.
            واختار من الناس الأنبياء، واختار من الأنبياء الرسل، واختارني من الرسل، واختار مني علياً، واختار من علي الحسن والحسين (عليهما السلام)، واختار من الحسين الأوصياء، وهم تسعه من ولد الحسين ينفون من هذا الدين تحريف الغالّيين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، تاسعهم ظاهرهم ناطقهم قائمهم، وهو أفضلهم) ([181]).
            وما رواه الصادق (ع) عن آبائه، عن رسول الله (ص)، قال: (ابشروا ثم ابشروا ثم ابشروا - ثلاث مرّات - إنما مثل أمتي كمثل غيث لا يدرى أوله خير أم آخره، إنما مثل أمتي كمثل حديقة أطعم منها فوجاً ما لعل آخرها فوجاً يكون أعرضها بحراً وأعمقها طولاً وأطولها فرعاً وأحسنها جنى، وكيف تهلك أمه أنا فيها أولها، وإثنا عشر من ولدي من السعداء أولي الألباب، والمسيح ابن مريم آخرها، ولكن يهلك بين ذلك نتج الهرج ليس مني ولست منه)([182]).
            وروى العلامة ابن عياش (رحمه الله) في كتابه مقتضب الأثر بإسناده إلى سلمان الفارسي، قال: كنا مع رسول الله (ص) والحسين بن علي (ع) على فخذه، إذ تفرس في وجهه، وقال له: (يا أبا عبد الله أنت سيد من السادة، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعه، تاسعهم قائمهم إمامهم أعلمهم أحكمهم أفضلهم) ([183]).
            والأدلة على إمامة علي وولده الأحد عشر (ع) وخلافتهم لرسول الله (ص) كثيرة جداً، ولعل أعظمها هو سورة: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾.
            فهذه السورة دالة على أنّ الملائكة والروح تتـنزل بالأمر بعد النبي (ص) على خلفائه المعصومين، وإلاّ لقيل بمضيها مع النبي (ص)، مع أنّ المسلمين مجمعون على بقائها، وهاهم يطلبونها في العشر الأواخر من شهر رمضان كل عام، ومن أبى إلاّ العناد فليقل: عنـزه ولو طارت!!
            قال الإمام الباقر (ع): (يا معشر الشيعة خاصموا بسورة ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ تفلحوا، فوالله إنها لحجة الله تبارك وتعالى على الخلق بعد رسول الله (ص)، وإنها لسيدة دينكم، وإنها لغاية علمنا يا معشر الشيعة. يا معشر الشيعة خاصموا بـ ﴿ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ فإنّها لولاة الأمر خاصة بعد رسول الله (ص) …) ([184]).
            وعن الصادق (ع)، عن آبائه، عن النبي (ص)، قال: (لما اسري بي أوحى إلي ربي جل جلاله ..... وساق الحديث إلى أن قال: فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والحجة ابن الحسن القائم في وسطهم كأنه كوكب درّي، قلت: يا رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمة، وهذا القائم الذي يحل حلالي ويحرم حرامي، وبه أنتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين، فيخرج اللات والعزى - أي الأول والثاني - طريّين فيحرقهما، فلفتنة الناس بهما يومئذٍ أشد من فتنة العجل والسامري) ([185]).
            وروى الصدوق في إكمال الدين وعيون أخبار الرضا (ع) معاً، قال: عن أبي وابن الوليد معاً، وأسند الحديث إلى الأمام الصادق، عن الإمام الباقر (ع)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه رأى في يد فاطمة (ع) لوحاً أهداه الله عز وجل إلى الرسول (ص)، وأعطاه الرسول (ص) لفاطمة (ع)، مكتوب فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله العزيز العليم لمحمد نوره وسفيره وحجابه ووليه، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين.
            عظّم يا محمد أسمائي واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي. إني أنا الله لا إله إلاّ أنا قاصم الجبارين، ومبير الظالمين، ومذل الظالمين وديان يوم الدين ([186])، إني أنا الله لا إله إلاّ أنا فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذبته عذاباً لا أعذبه ([187]) أحداً من العالمين، فإياي فاعبد وعلي فتوكل، إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه وانقضت مدته إلاّ جعلت له وصياً، وإني فضلتك على الأنبياء، وفضلت وصيك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك ([188]) بعده وسبطيك الحسن والحسين ([189])، فجعلت حسناً معدن علمي، بعد انقضاء مدّة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي، وأكرمته بالشهادة، وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد، وأرفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامة معه، والحجة البالغة عنده ([190])، بعترته أثيب وأعاقب. أولهم علي سيد العابدين، وزين أوليائي الماضين ([191])، وابنه سمي جدّه ([192]) المحمود محمد الباقر لعلمي، والمعدن لحكمي. سيهلك المرتابون في جعفر، الراد عليه كالراد علي، حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر، ولأسرّنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه. انتجبت بعده موسى، وانتجبت ([193]) بعده فتنة عمياء حندس؛ لأنّ خيط فرضي لا ينقطع ([194])، وحجتي لا تخفى، وإنّ أوليائي لا يشقون، ألا ومن جحد واحد منهم فقد جحد نعمتي، ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي، وويل للمفترين الجاحدين. عند انقضاء مدة عبدي موسى، وحبيبي وخيرتي، (ألا) ([195]) إن المكذّب بالثامن مكذّب بكل أوليائي، وعلي وليي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوة وأمنحه ([196]) بالاضطلاع بها، يقتله عفريت مستكبر، يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح، إلى جنب شر خلقي. حق القول مني لأقرّن عينه بمحمد إبنه ([197])، وخليفته من بعده، فهو وارث علمي، ومعدن حكمي، وموضع سرّي، وحجتي على خلقي (لا يؤمن عبد به إلاّ) ([198]) جعلت الجنة مثواه، وشفعته في سبعين (ألفاً) ([199]) من أهل بيته، كلهم قد استوجبوا النار، وأختم بالسعادة لإبنه علي ولييّ وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي، أخرج منه الداعي إلى سبيلي، والخازن لعلمي الحسن، ثم أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين، عليه كمال موسى، وبهاء عيسى، وصبر أيوب ([200]).
            سيذلّ أوليائي في زمانه، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم، فيقتلون ويحرقون، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم، ويفشو الويل والرنين ([201]) في نسائهم، أولئك أوليائي حقاً، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل، وأرفع الآصار([202])والأغلال﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾([203])) ([204]).
            قال عبد الرحمن ابن سالم، قال أبو بصير: (لو لم تسمع في دهرك إلاّ هذا الحديث لكفاك فَصنهُ إلاّ عن أهله) ([205]).
            وروي مثله عن رسول الله (ص) بخط أمير المؤمنين في البحار ([206]).
            ومع كل ما سمع الصحابة، وما رووا عن النبي (ص) ومواقفه مع علي (ع) وتأكيده (ص) على اتباعه، واتباع ولده الأحد عشر الأوصياء من بعده، فإنّ معظم المسلمين اختاروا اتباع أئمة الضلال، ووقعوا في فتنة العجل واتبعوا السامري!! وفعلوا مع علي (ع) عند وفاة النبي كما فعل بنو إسرائيل مع هارون (ع) عند غيبة موسى، وهكذا حدثت الردّة التي حذرهم الله من الوقوع فيها، قال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾([207])، وانقلب القوم على أعقابهم إلاّ نفراً قليلاً من أصحاب النبي هم عمار وأبو ذر والمقداد وسلمان. ثم أخذ كثير من الصحابة بالرجوع إلى الحق وإلى موالاة علي (ع) بعد أن خذلوه ولم ينصروا حقه في البداية، وبعد أنّ رأوا الظلم الذي أخذ يتزايد يوماً بعد يوم نتيجة لتسلط الجبت والطاغوت على دفة القيادة وخلافة النبي (ص)، وبدأت دواوين التميز في العطاء من بيت المال حتى وصل الأمر إلى أن يعطي عثمان خمس أفريقيا لمروان ابن الحكم ([208])، ومعاوية الطليق عدو الإسلام يصبح والي بلاد الشام في عهد عمر، ويتحكم بأبي ذر (رحمه الله) ويهينه ويؤذيه ويطرده من بلاد الشام، بعد أن فضح أبو ذر ترف معاوية واستيلاءه على أموال المسلمين، وأخيراً يجهز عثمان على أبي ذر (رحمه الله) بنفيه إلى الربذة، وتركه يموت فيها وحيداً مقهوراً يعاني الفقر والجوع، في حين أن تركة عبد الرحمن بن عوف من الذهب تكسر بالفؤوس، وطلحة وعثمان وسعد وغيرهم يملكون الكثير الكثير، وإن لم أقل جميعه فمعظمه من بيت مال المسلمين.
            ومن أراد المزيد فليراجع تاريخ القوم في كتب التاريخ ([209]).
            ولو سألنا أبا ذر (رحمه الله) لماذا كل هذه الآلام والمصائب في حياتك يا أبا ذر؟
            لقال ما معناه: قال لي حبيبي رسول الله (ص): قل الحق يا أبا ذر، وقد قلت الحق وما أبقى لي الحق من خليل ([210]).
            طوبى لك يا أبا ذر فقد ذل سجّانك، وما قتلوك ولكن قتلتهم، وهم ماتوا في حياتهم وأنت إلى اليوم حي في قلوب المؤمنين، بل أنت معنا ومثل أعلى في قلب كل إنسان حر شريف يطالب بحقوق الفقراء والمساكين والمستضعفين أينما كان.
            ويكفيك قول سيد الموحدين بعد رسول الله (ص) علي بن أبي طالب (ع): (يا أبا ذر، أنك غضبت لله فارج من غضبت له. إنّ القوم خافوك على دنياهم، وخفتهم على دينك فاترك في أيديهم ما خافوك عليه، واهرب بما خفتهم عليه، فما أحوجهم إلى ما منعتهم، وما أغناك عما منعوك، وستعلم من الرابح غداً، والأكثر حسداً. ولو إنّ السماوات والأرض كانتا على عبد رتقاً ثم أتقى الله لجعل الله له منهما مخرجاً، لا يؤنسنك إلاّ الحق ولا يوحشنك إلاّ الباطل، فلو قبلت دنياهم لأحبوك ولو قرضت منها لأمنوك) ([211]).
            وقبل هذه الحادثة حوادث ومصائب نالت من الإسلام والمسلمين، فأبو بكر يرسل خالد ابن العتل الزنيم ليقتل مالك بن نويرة (رضي الله عنه) ويعتدي على زوجته في نفس الليلة التي قتله فيها، لماذا؟ لأنّ مالكاً رفض أن يدفع زكاة أموال بني تميم البطاح لأبي بكر؛ لأنّه مغتصب لخلافة رسول الله من صاحبها الذي يعرفه المسلمون، ورأوا وسمعوا رسول الله (ص) نصبه خليفة له في غدير خم وفي غيره من المناسبات، وهو علي بن أبي طالب. والعجيب أنّ عباس محمود العقاد يمر على قول مالك بن نويرة:
            فقلت خذوا أموالكم غير ناظر ولا خائف فيما يجيء من الغد
            فان قام بالأمر المخوف قائـم منعنا وقلنا الدين دين محمد ([212]).
            فيقول: (أغلب الظن أنّه بدد ما جمع من الصدقات في حياته وملاهيه، ثم ليم في ذلك؟ فأجاب لائميه بهذه الأبيات)!!
            وليت شعري كيف قرأت هذه الأبيات، وفهمت هذا المعنى ؟‍‍! والحال أنّ الرجل يقول خذوا أموالكم، أي: إنّه أعادها لهم. ثم بعد ذلك يحاول العقاد أن يجعل جريمة قتل مالك بن نويرة، والاعتداء على زوجته غامضة لا يتضح فيها جرم أبي بكر وخالد ابن العتل الزنيم، ليجعل بعد ذلك خالد بن الوليد عبقرياً فذّاً، شغله الجهاد عن حفظ سورة واحدة من القرآن يقرأها في صلاته عندما يؤم المسلمين، ما هكذا الأنصاف يا عقاد، (وما هكذا يا سعد تورد الإبل).
            فحسبنا الله ونعم الوكيل، وسيعلم الذين يحملون الناس على أكتاف آل محمد أي منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتقين.
            وعلى كل حال فالخطب جليل بعد وفاة النبي (ص) والممارسات غير المشروعة والظالمة كثيرة جداً، ويكفي حادثة مالك بن نويرة لمن ألقى السمع وهو شهيد، وقد انتهكت فيها دماء وأموال وأعراض المسلمين فهل بقي شيء؟!
            ولسائل أن يسأل: لماذا لم يرفع علي بن أبي طالب سيفه؟ ولماذا طلب منه رسول الله (ص) أن يصبر على الظلم من بعده؟!
            ومع أنّ الإجابة فيما قدمت من البحث وفي قول أمير المؤمنين (ع): (فإن أقل يقولوا حرص على الملك، وإن أسكت يقولوا جزع من الموت، هيهات بعد اللتيا والتي، والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه، بل أندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة) ([213]).
            ولكن لا بأس من التوضيح قليلاً، وأذكر هنا سببين:
            الأول: إنّ الإسلام لم يترسخ في نفوس الناس، فإسلامهم ظاهري وليس إيماناً حقيقياً راسخاً لا يخشى على أهله من الارتداد، فحالهم كحال التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، إلاّ القليل منهم، قال تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾([214]).
            وقال تعالى: ﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً﴾([215]).
            وفي القرآن آيات كثيرة دالة على أنّ حال كثير من المسلمين متزلزل ومع وجود المنافقين، لك أن تعرف النتيجة، وعلى هذا فعلى الوصي أن يرضى بالظاهر، ويصبر كما رضي رسول الله (ص) بالظاهر وصبر على المنافقين، ومن يستمع لكلامهم. وإلاّ فسيهدم هذا البناء الذي أجهد رسول الله (ص) ووصيه (ع) أكثر من عشرين سنة لتشييده. فالفائدة العظيمة المرجوة من هذا الدين وهي تمام نور الله في أرضه، وعبادة أهل الأرض لله ونشر كلمة لا إله إلاّ الله.
            ورفع راية الله أكبر على كل بقعة في الأرض لن تحقق في زمن النبي (ص) أو الوصي، بل في زمن خاتم الأوصياء المهدي (ع)، وهذه سنة إلهية في الأمم السابقة، فقد أُرسل موسى إلى قوم من بني إسرائيل وعبروا معه البحر، ولكن في صحراء سيناء تمردوا عليه ورفضوا قتال الجبابرة.
            قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾([216])، وبالتالي رفضوا حمل كلمة لا إله إلاّ الله إلى الناس، وعاقبهم الله سبحانه وتعالى بالتيه في صحراء سيناء أربعين سنة.
            وكان نتيجة هذا التيه العقوبة الإصلاحية خروج أمة ربانية صالحة، وهم أبناء هؤلاء الفاسقين وأحفادهم، وقد حملوا كلمة لا إله إلاّ الله مع يوشع بن نون وصي موسى (ع)، وقاتلوا الجبابرة والطواغيت ونصروا دين الله في أرضه.
            إذن فالنتيجة المرجوة من هذه الأمة هي في آخر الزمان، أي في زمن ظهور المهدي (ع)، ونرجوا من الله أن يكون زماننا كما يدل عليه كثير من الروايات، والله أعلم.
            وقد مر فيما سبق عن رسول الله (ص)، قال: (.. إنما مثل أمتي كمثل حديقة أطعم منها فوجاً ما لعل آخرها فوجاً يكون أعرضها بحراً وأعمقها طولاً وأطولها فرعاً وأحسنها جناً ...) ([217]).
            إذن فالرسول يرجو أن يكون آخر فوج من أمته هو أفضلها، بل لعل هذه الأمة أي أصحاب المهدي وأنصاره لا يقرنون بمن سبقهم، سواء من هذه الأمة أو من سواها على طول مسيرة الإنسانية على الأرض، وقد مر وصفهم بالحديث القدسي: (وانتجبت لذلك الوقت عباداً لي امتحنت قلوبهم للأيمان، وحشوتها بالورع والإخلاص واليقين والتقوى والخشوع والصدق والحلم والصبر والوقار والتقى والزهد في الدنيا، والرغبة فيما عندي، وأجعلهم دعاة الشمس والقمر، واستخلفهم في الأرض … أولئك أوليائي، اخترت لهم نبياً مصطفى، وأميناً مرتضى، فجعلته لهم نبياً ورسول، وجعلتهم له أولياء وأنصار، تلك أمة اخترتها …) ([218]).
            والروايات عن أهل بيت العصمة في فضل أصحاب المهدي (ع) وأنصاره كثيرة، ولو لم يكن من فضلهم إلاّ إعلاء كلمة الله ونشر التوحيد في كل بقعة من بقاع الأرض لكفى.
            ثانياً: إنّ صبر أمير المؤمنين (ع) كان حجة بالغة له، فهو قد بين حقه ثم أعرض عن منازعة القوم الإمارة والحكم، ليبين أنّه (ع) زاهد بهذه الإمارة وإنّما طلبه لها لإقامة الحق ونشر العدل ونصرة الدين، وقد أبصر أمير المؤمنين (ع) عبر القرون بقية هذه الأمة وذراريهم، وعلم أنهم سيعلمون ما جرّه عليهم تنحية الوصي عن الإمارة واغتصاب حقه من قبل الجبت والطاغوت، حتى وصل الأمر إلى تسلط أولاد البغايا والزانيات على هذه الأمة، وقد مر عليك هذا المعنى في خطبة الزهراء (ع) حيث قالت: (أما لعمر الهك لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً وزعاقاً مرّاً هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غب ما سن الأولون) ([219]).
            وفي النهاية رجعت الخلافة إلى الإمام علي (ع) بعد هن وهن، وحمل الناس على الحق واستقبل بهم القبلة والصراط المستقيم، ولكنهم لم يحتملوا مرارة الحق، وبعد أن قضوا وطراً في الانحراف عن صراط الله المستقيم لم يحتملوا عدالة علي (ع) ومساواته لهم بالعطاء، بعد أن اعتادوا التميّز والأثرة من الماضين فبعد أن اعتادوا عبادة العجل وطاعة السامري، لم يرق لهم طاعة علي وعبادة الله الواحد الأحد، وقبول شريعته التي أراد علي (ع) العمل بها في مجتمع مزّقه فساد الماضين، ومع هذا فقد رفع علي (ع) للحق راية وأرشد الناس إلى أتباعها، ولكنهم خذلوه وخذلوا ولده المعصومين من بعده الذين لم يدخّروا جهداً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في سبيل إرشاد المسلمين إلى الصراط المستقيم حتى قضوا بين مسموم ومقطع بالسيوف.
            فعن أبي الهيثم ابن التيهان، إنّ أمير المؤمنين (ع) خطب الناس في المدينة فقال: (الحمد لله الذي لا إله إلاّ هو، أيها الأمة التي خدعت فانخدعت، وعرفت خديعة من خدعها فأصرت على ما عرفت، واتبعت أهوائها وضربت في عشواء غوائها، وقد استبان لها الحق فصدت عنه والطريق الواضح فتنكبته، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لو اقتبستم العلم من معدنه، وشربتم الماء بعذوبته، وادخرتم الخير من موضعه، وأخذتم الطريق من واضحه، وسلكتم من الحق نهجه، لنهجت بكم السبل، وبدت لكم الأعلام، وأضاء لكم الإسلام، فأكلتم رغداً، وما عال فيكم عائل ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد، ولكن سلكتم سبيل الظلّام، فأظلمت عليكم دنياكم برحبها، وسدت عليكم أبواب العلم، فقلتم بأهوائكم، واختلفتم في دينكم، فأفتيتم في دين الله بغير علم، واتبعتم الغواة فأغوتكم، وتركتم الأئمة فتركوكم، فأصبحتم تحكمون بأهوائكم، إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذكر، فإذا أفتوكم قلتم هو العلم بعينه، فكيف وقد تركتموه ونبذتموه وخالفتموه؟ رويداً عمّا قليل تحصدون جميع ما زرعتم، وتجدون وخيم ما اجترمتم، وما اجتلبتم.
            والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد علمتم إني صاحبكم، والذي به أُمرتم، وإني عالمكم والذي به نجاتكم ووصي نبيكم، وخيرة ربكم ولسان نوركم، والعالم بما يصلحكم، فعن قليل رويداً ينزل بكم ما وعدتم، وما نزل بالأمم قبلكم، وسيسألكم الله عز وجل عن أئمتكم، معهم تحشرون وإلى الله عز وجل غداً تصيرون، أمّا والله لو كان لي عدّة أصحاب طالوت أو عدة أهل بدر وهم أعدادكم، لضربتكم بالسيف حتى تؤولوا إلى الحق، وتنيبوا للصدق، فكان أرتق للعتق، وأخذوا بالرفق، اللهم فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين) ([220]).

            * * *))

            كتاب العجل الجزء الاول ـ للامام احمد الحسن اليماني (ع)
            السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

            Comment

            • اختياره هو
              مشرف
              • 23-06-2009
              • 5310

              #51
              رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

              ((صلح الإمام الحسن (ع)، وولاية العهد للإمام الرضا (ع)
              وأخيراً لابد لنا من المرور على حدثين مهمين في حياة أوصياء النبي الخاتم (ص) الأئمة الاثنا عشر (ع)، لارتباطهما بهذا البحث:
              الأول: هو صلح الإمام الحسن (ع) مع الطاغية معاوية ابن هند (لعنه الله)
              وهو صلح ضروري، بعد أن أخذت دولة المنافقين التي يقودها معاوية بالاتساع والاستيلاء على الأرض الإسلامية، وبعد أن خذل المسلمون الإمام الحسن (ع). فهو إذاً كصلح النبي (ص) للمشركين في الحديبية.
              وقد صرح الإمام الحسن (ع) بأنّ صلحه كان استبقاء للشيعة، وهم أهل الحق وببقائهم يبقى الحق. وإذا نظرنا بعين البصيرة وجدنا أنّ صلح الإمام الحسن (ع) كان للتهيئة لثورة الإمام الحسين (ع)، التي هي بدورها تهيئة لثورة الإمام المهدي (ع)، فالإمام الحسن (ع) لما اضطر إلى تنحية السيف بدأ حرباً جديدة مع معاوية، هذه المرّة حرب إعلامية الهدف منها تهيئة الأمة لثورة الحسين (ع)، وعلى أقل تقدير أن تكون الأمة مستعدة لقبول هذه الثورة والتعاطف معها، بل والتفاعل معها ولو بعد قيامها، ومن اطلع على أحوال الأمة في زمن الإمام الحسن (ع) يعلم أن هذا هدف كبير يرجى من أمة نكس أبناؤها وخذلوا قائدهم المعصوم، حتى أصبحوا يرون المنكر معروفاً، وكاد أن لا يبقى للتشيع اسم ولا رسم لولا الحركة الإعلامية للإمام الحسن (ع). فلم يكن صلح الإمام الحسن (ع) صلحاً بهذا المعنى، إنما كان هدنة اضطر لها الإمام الحسن (ع) ليتبعها أخيه الحسين (ع) - الذي هو كنفسه - بثورة لا يزال صداها يهز الدنيا إلى اليوم، فكما أنّ الإمام أمير المؤمنين (ع) كان ينظر إلى المستقبل وإلى دولة لا إله إلاّ الله العالمية، كذلك كان الإمام الحسن (ع)، فجميع المعصومين (ع) كانوا ينظرون إلى اليوم الذي يظهر فيه هذا الدين على الدين كله، فمسيرة الإنسانية هي مسيره تكاملية في الجملة وإن تعرّضت لبعض الانتكاسات،
              حيث إن نتيجتها هو صلاح معظم أهل الأرض في زمن ظهور الإمام المهدي (ع).
              والأئمة (ع) كانوا يفعلون كل ما من شأنه توجيه هذه الأمة لحمل الرسالة الإلهية في يوم من الأيام إلى أهل الأرض جميعاً، فكانوا (ع) يؤثرون رضا الله ومصلحة الإنسانية على أنفسهم، ويتحملون أشدّ أنواع الأذى النفسي والجسدي في سبيل هذا الهدف العظيم، وهو إيمان أهل الأرض بلا إله إلاّ الله محمد رسول الله.
              الثاني: ولاية العهد للإمام الرضا (ع)
              والثاني هو ولاية العهد التي قبلها الإمام الرضا (ع) بعد أن أجبره المأمون العباسي عليها، وهي نظير وزارة يوسف (ع) لملك مصر التي كانت بالإجبار، وإن كان فيها بعض النفع لعامة الناس، فهي إذن فتنة وامتحان للمؤمنين كما امتحن سبحانه بني إسرائيل عندما جعل موسى (ع) يتربى ويعيش في قصر فرعون الطاغية (لعنه الله)، فهذه كتلك: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾([221]).
              وفي نهاية المطاف سم المأمون العباسي الإمام الرضا (ع) بعد أن وجد المأمون نفسه غير قادر على تحجيم عمل الإمام الرضا (ع)، مع أنّه كان في قصره وتحت يده.
              وهكذا كانت حياة الأئمة (ع) أوصياء النبي الخاتم (ص) صورة لحياة الأنبياء السابقين على هذه الأرض، فهم بين طاغوت متسلط مستبيح لدمائهم المقدسة ومن تبعه أو ركن له من علماء السوء غير العاملين، وبين أمة خذلتهم واختارت عبادة العجل واتباع السامري إلاّ القليل ممن وفى بعهد الله، ولما وصل الأمر إلى خاتم الأوصياء (ع) بقية الله في أرضه محمد بن الحسن المهدي (ع) شاء الله له الغيبة عن أنظار الناس والطواغيت، ليحفظ بحفظه القرآن والشريعة حتى يأذن له بالظهور وإظهار الحق عندما تتهيأ الأمة لنصرته، وقد ورد عنه (ع): (وأمّا علة ما وقع من الغيبة فإنّ الله عز وجل قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ ) ([222]).
              والحر تكفيه الإشارة، والسلام على نور الله في أرضه وبقيته في عباده الذي سماه آباؤه (ع) المظلوم، وهو المظلوم حقاً حتى من شيعته الذين لا يكادون يذكرونه مع غيبته وشديد محنته.
              والسلام على المؤمنين والمؤمنات ورحمة الله وبركاته.
              بسم الله الرحمن الرحيم
              ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾([223]).
              * * *
              والحمد لله رب العالمين
              ))


              كتاب العجل الجزء الاول ـ للامام احمد الحسن اليماني (ع)

              بهذا نصل الى نهاية قراءة كتابنا الاول
              العجل الجزء الاول
              للامام احمد الحسن اليماني وصي ورسول الامام المهدي واليماني الموعود
              السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

              Comment

              Working...
              X
              😀
              🥰
              🤢
              😎
              😡
              👍
              👎