إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • اختياره هو
    مشرف
    • 23-06-2009
    • 5310

    #31
    رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

    (قصدت سجود الملائكة) سجود الملائكة (ع) كان للحقيقة المحمدية والانسان الكامل والحجاب الاقرب من خلال ادم (ع):
    ((
    ولم يكن هذا السجود لجسد آدم (ع)، إنّما كان لروحه وحقيقته، بل كان من خلاله للحقيقة المحمدية والإنسان الكامل والحجاب الأقرب، ومن خلاله توجه إلى الحي الذي لا يموت،
    ))

    اما لماذا سقط ابليس في الامتحان رغم علمه الواسع وعبادته الطويلة فلان ((
    لأنّه لم يكن عابداً مخلصا لله، بل كان عابداً مخلصاً لنفسه، وكان يطلب العلو والارتفاع بعبادته فحسب
    ))
    السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

    Comment

    • اختياره هو
      مشرف
      • 23-06-2009
      • 5310

      #32
      رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

      لما عاقب الله سبحانه وتعالى ابليس مباشرة وطرده... لما لم يعلمه ؟ او يؤدبه ؟
      ما هو الوقت المعلوم ؟
      لما قص علينا الامام احمد الحسن (ع) قصة ابليس لعنه الله ؟
      السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

      Comment

      • فأس ابراهيم
        عضو مميز
        • 27-05-2009
        • 1051

        #33
        رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

        لمن كان سجود الملائكة (ع) ؟
        لم يكن هذا السجود لجسد آدم (ع)، إنّما كان لروحه وحقيقته، بل كان من خلاله للحقيقة المحمدية والإنسان الكامل والحجاب الأقرب

        ولما سقط ابليس (لع) في هذا الامتحان ؟
        الحسد ... التكبر ... الانا ... التي كان يحملها ابليس لعنه الله

        Comment

        • اختياره هو
          مشرف
          • 23-06-2009
          • 5310

          #34
          رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

          جزاكم الله كل خير
          اعاذنا الله من التكبر والانا والحسد ... اللهم اجعلنا نستفيد من قصة ابليس لعنه الله
          السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

          Comment

          • اختياره هو
            مشرف
            • 23-06-2009
            • 5310

            #35
            رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

            لما عاقب الله سبحانه وتعالى ابليس مباشرة وطرده... لما لم يعلمه ؟ او يؤدبه ؟
            ((
            لم يكن إبليس (لعنه الله ) جاهلاً يُعلّم، ولا عاصياً يُؤنب ويُؤدب، بل كان عالماً متكبراً، وطاغياً متعالياً لا يرتدع، وانطوت نفسه على بغض لهذا المخلوق الجديد، وجعله السبب في طرده من رحمة الله))

            ما هو الوقت المعلوم ؟
            ((
            ﴿قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾، قال (ع): (الوقت المعلوم يوم قيام القائم...)
            ))

            لما قص علينا الامام احمد الحسن (ع) قصة ابليس لعنه الله ؟
            لكي نعتبر ونتذكر ... وقد نقل الامام احمد الحسن (ع) كلاما لجده امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (ع) :
            ((
            فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس، إذا أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد، وكان قد عبد الله ستة آلاف سنة لا يدرى أمن سني الدنيا أم سني الآخرة، عن كبر ساعة واحدة. فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصية؟....)) الى اخر كلامه ع
            السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

            Comment

            • اختياره هو
              مشرف
              • 23-06-2009
              • 5310

              #36
              رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

              الان فقرة اخرى من كتاب الامام احمد الحسن اليماني (ع) ... كتاب العجل الجزء الاول :

              ((الصراط المستقيم
              قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾([26]).
              هو الحق أو الطريق الذي يريد الله سبحانه من عباده سلوكه، أو هو الطريق الموصل إلى الحي القيوم سبحانه، وبعبارة أخرى هو الاعتقادات والأحكام الشرعية الصحيحة الصادرة منه سبحانه والواصلة لعبادة بواسطة أنبيائه ورسله و أوصيائهم (ع)، ولا بد للعاقل من البحث عن الحق ليدفع عن نفسه العذاب وليتخذ إلى ربه المآب، سالكاً صراطه المستقيم، فالرضا بهذه الحياة المادية والاستغراق فيها أشد من الممات، بل هو شبه العدم، بل هو جهنم، قال تعالى: ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾([27])، كما أن معرفة الحق والسير به وعليه وإليه هو الحياة الحقيقية؛ لأنّ في نهايته الوصول إلى عالم العقل والعودة إلى الحي الذي لا يموت، وهذه غاية فوق الجنة، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾([28]).
              قال تعالى: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾([29])، فالعاقل لا يضيع حظه من السير على هذا الطريق، فإن وصل فبرحمة الله، وإلاّ فهو يتقلب في الجنان بفضل الله وببركة إجابة دعاء الحي الذي لا يموت: (أقبِل) ([30]).
              قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمّىً وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾([31])، أي إنّ الله خلقكم رجاء أن تصلوا إلى عالم العقل كما وصل الأنبياء والأئمة (ع)، بل إنّ المطلوب الوصول إلى أعلى درجة في هذا العالم، وهي درجة المس بعالم اللاهوت أو درجة ألقاب قوسين أو أدنى. وصاحب هذا المقام المحمود من خُلقَ لأجلهِ الوجود (محمد (ص) وعلي نفسه). ومع أني اخترت الاختصار والإشارة، ولكن لا بأس من التوضيح قليلاً لعل الله يرزقني دعاء من يقرأ هذه الكلمات.
              اعلموا أيها الأحبة من المؤمنين والمؤمنات إنّ المخلوق الأول هو العقل، وهو العالم الأول الروحاني وهو عالم كلي، الموجودات فيه مستغرقة بعضها في بعض ولا تنافي بينها. وأهله على درجات أعلاها المس بعالم اللاهوت سبحانه، وهي درجه خاصة بمحمد وعلي (ع).
              فمحمد (ص) ﴿دَنَا فَتَدَلَّى*فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾([32]) وعلي (ع) نفسه، قال تعالى: ﴿وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُم﴾([33])، وعلي ممسوس بذات الله كما ورد عنه (ص) ([34])، ودونهما درجات، فهما (عليهما السلام) محيطان ويعلمان بكل من دونهما، ومن دونهما يعلم منهما بقدر درجته ولا يعرفهما أحد بتمام معرفتهما غير خالقهما، كما لا يعرف الله سبحانه أحد غيرهما بتمام معرفته الممكنة للإنسان.
              ورد عن صاحب المقام المحمود (ص) ما معناه: (يا علي ما عرف الله إلاّ أنا وأنت، وما عرفني إلاّ الله وأنت، وما عرفك إلاّ الله وأنا) ([35]).
              أمّا العالم الثاني فهو عالم الملكوت، وهو عالم مثالي صوري، وهو عالم الأنفس شبيه بما يراه النائم. وذلك أن النائم غفل عن وجوده المادي فالتفت إلى وجوده الملكوتي، ولك أن تقول المثالي أو النفسي.
              أمّا العالم الثالث فهو العالم المادي، وهو عالم شبيه بالعدم ليس له حظ من الوجود إلا قابليته للوجود، وهو آخر درجات التنـزل. فإذا أفيضت الصورة على المادة تكوّن الجسم، وهو أول درجات الصعود أو العودة، ثم إن الأجسام تنقسم بحسب درجاتها الوجودية إلى جماد ونبات وحيوان وإنسان، والإنسان إما يرتقي ويعود إلى مبدئه سبحانه، فيسبح في عالم العقل والقرب من الحي الذي لا يموت، وإما يزري بنفسه ويدبر عن ربه، فلا يرى إلاّ المادة التي لا تكاد تدرك أو يحصل العلم بها إلا عند إفاضة الصورة المثالية عليها، وهكذا يصبح كالأنعام بل أضل سبيلاً؛ لأنه خُلق ليقبل فأدبر، وخُلق ليعقل فأبى إلا الجهل، وخُلق ليحيا فأبى إلا الموت.
              قال أبو عبد الله (ع): (إنّ الله عز وجل خلق العقل وهو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره، فقال أدبر فأدبر ثم قال له أقبل فأقبل. فقال الله تبارك وتعالى خلقتك خلقاً عظيماً وكرمتك على جميع خلقي، قال: ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانياً، فقال له أدبر فأدبر، ثم قال له أقبل فلم يقبل، فقال له استكبرت فلعنه …) ([36]).
              أما العقل كل العقل فهو محمد (ص) ووصيه علي (ع)؛ لأنه نفسه كما في الآية وأنفسنا وأنفسكم ([37]). وأمّا الجهل كل الجهل فهو الثاني ، وهو مبدأ التكبر، وهو الذي أضل إبليس وأرداه في الهاوية. قال إبليس (لعنه الله): ﴿رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾([38])، أي بالذي أغويتني به، أو بالنكرة التي تسببت بإغوائي. وهو في الآية النكرة الموصوفة؛ لأنه ظلماني لا هوية له، و (ما) التي تستعمل لـ (غير العاقل)؛ لأنه لا عقل له.
              وهكذا فمن بني آدم (ع) من ارتقى بالعبادة والكمالات الأخلاقية، حتى وصل إلى القاب قوسين أو أدنى، فهو معلم الروحانيين والملائكة المقربين، وهو الإنسان الكامل أي محمد (ص)،كما أن آدم (ع) علم الملائكة ما لم يكونوا يعلمون، قال أمير المؤمنين: (خلق الإنسان ذا نفس ناطقة، إن زكاها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر أوائل عللها، وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارك السبع الشداد) ([39]).
              ومن بني آدم من أردى نفسه في الهاوية، فهو يسبح في بحر أجاج ظلمات بعضها فوق بعض، إذا اخرج يده لم يكد يراها، حتى أمسى ظلمانياً لا نور فيه، وجهلاً لا عقل معه، واضطراباً لا استقرار له، وخوفاً لا طمأنينة فيه، ولا سكينة تنـزل عليه. فلا يطمع في رحمة الله ويائس من روح الله مع أنّ إبليس (لعنه الله)، إذا قامت القيامة يطمع في رحمة الله كما ورد في الحديث، قال تعالى: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾([40]).
              وهؤلاء يوحون لشياطين الجن زخرف القول بأنفسهم الخبيثة المستكبرة. فشياطين الجن من شياطين الأنس تأخذ ومنهم تتعلم، قال تعالى: ﴿شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾([41]).
              وقال الحروري :
              وكنت فتى من جند إبليس فارتقى بي الأمر حتى صار إبليس من جندي
              فلو مات قبلي كنت أحسن بعده طرائق فسق ليس يحسنها بعدي ([42]).
              وبقي شيء ... ولسائل أن يسأل، فالذي عند الكفرة أليس بعقل فهم يخترعون به الطائرة وأجهزة الاتصال المتطورة ؟! والجواب: سئل أبو عبد الله (ع) عن الذي كان عند معاوية فقال (ع): (تلك النكراء تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل) ([43]). فكل إنسان له نصيب في عالم الملكوت، ونصيبه نفسه وهي صورة مثالية وظل للعقل، وهذا الظل هو قوة الإدراك أو الناطقة المغروسة في الجنان. والحيوان الصامت يشاركنا فيها ولكن مرآة الإنسان أصفى، فإشراق العقل على نفسه أبهى وأوضح، فحظه من هذا الظل أكبر. ومن تتبع عالم الحيوان سيعلم أنّه لبعض الحيوانات القدرة على اختراع بعض الآلات، كما ورد عن بعض علماء الأحياء. وكمثال القنادس تنصب السدود لترفع منسوب الماء، فليس للإنسان فضل على الحيوان إلا أن ينظر في هذا الظل ليرى الحقيقة والعقل، ويسير نحوها للتكامل بالعبادة والشكر والأخلاق الحميدة، وإلاّ فان اكتفى بهذا الظل فهو كالأنعام، أي كالحيوان الصامت، وإن أزرى بنفسه بالأخلاق الذميمة فهو أضل سبيلاً ([44]).
              والحمد لله وحده، وما أوتينا من العلم إلاّ قليلاً، ربي أدخلني والمؤمنين والمؤمنات في رحمتك أنت ولي في الدنيا والآخرة فنعم المولى ونعم النصير.

              العقائد والأحكام
              وتشمل:
              العقائد الصحيحة:
              الإيمان بوجود خالق وتوحيده، والتصديق بأنبيائه ورسله وأوصيائهم (ع)، والعدل والقضاء والقدر والبداء والجنة والنار، وعصمة خلفاء الله في أرضه (ع)، والملائكة والغيب وكل ما أخبر به الأنبياء والمرسلون وأوصياؤهم (ع)، ومالنا إلاّ التمسك بأذيالهم والاقتداء بآثارهم، قال تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه﴾([45]).
              وعن زرارة، قال: سُئل أبو عبد الله (ع) من بدء النسل من آدم كيف كان، وعند بدء النسل من ذرية آدم، فإن أناساً عندنا يقولون: إن الله عز وجل أوحى إلى آدم أن يزوج بناته ببنيه، وأن هذا الخلق كله أصله من الأخوة والأخوات.
              فقال أبو عبد الله (ع): (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، يقول: من قال هذا ... بأنّ الله عز وجل خلق صفوة خلقه وأحباءه وأنبياءه ورسله والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام؟!!! ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من حلال!!! وقد أخذ ميثاقهم على الحلال الطهر الطاهر الطيب، فوالله لقد تبينت أن بعض البهائم نُكرت له أخته، فلما نزا عليها ونزل كُشف له عنها، فلما علم أنها أخته أخرج عزموله ثم قبض عليه بأسنانه حتى قطعه فخر ميتاً. وآخر نُكرت له أمه ففعل هذا بعينه فكيف الإنسان في أنسيته وفضله وعلمه، غير أن جيلاً من هذا الخلق - الذي ترون - رغبوا عن علم أهل بيوتات أنبيائهم، وأخذوا من حيث لم يأمروا بأخذه، فصاروا إلى ما ترون من الضلال والجهل بالعلم، كيف كانت الأشياء الماضية من بدء أن خلق الله ما خلق، وما هو كائن أبداً.
              ثم قال: ويح هؤلاء أين هم عما لم يختلف فيه فقهاء أهل الحجاز ولا فقهاء أهل العراق، أن الله عز وجل أمر القلم فجرى على اللوح المحفوظ بما هو كائن إلى يوم القيامة قبل خلق آدم بألفي عام، وأن كُتب الله كلها فيما جرى فيه القلم في كلها تحريم الأخوات على الأخوة مع ما حرم. وهذا نحن قد نرى هذه الكتب الأربعة المشهورة في هذا العالم: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، أنزلها الله عن اللوح المحفوظ على رسله (ع) منها التوراة على موسى، والزبور على داود، والإنجيل على عيسى، والقرآن على محمد، وعلى النبيين (ع) وليس فيها تحليل شيء من ذلك حقاً. أقول ما أراد من يقـول هذا وشبهه إلا تقويـة حجج المجوس، فما لهم قـاتلهم الله …) ([46]).
              فالحمد لله الذي فضحهم وأخزاهم بجهلهم وعنادهم للصادقين من آل محمد (ع) حيث جعلوا الأنبياء (ع) أولاد زنا، حاشاهم عن ذلك فسود الله وجه كل من تصدّى أمام الصادقين من آل محمد (ع)، وادعى أنّه يعلم بسنة الرسول وبمحكم الكتاب ومتشابهه، ونصب نفسه إماماً يدعو إلى النار في أمور الدين، كما فعل الأمويون والعباسيون ومن تبعهم في أمور الدنيا ولم يبق عذر اليوم لأتباعهم إلاّ العناد والتكبر، وإلاّ أن يقولوا عنـزة ولو طارت!
              وعمدة العقائد التي يجب الإيمان بها هي ما جاءت في آخر سـورة البقرة، وهي التي آمن بها النبي (ص)، وهي:
              الأيمان بالله وبالملائكة وبالكتب السماوية وبالرسل، سواء كانوا أنبياء أو أوصياء أو أي مرسل من الله سبحانه، حتى ولو كان مرسل للقيادة الدنيوية فقط كطالوت (ع).
              فعلى كل مسلم أن يؤمن بالله الواحد الأحد الفرد الصمد، وأن يؤمن بنبوة محمد (ص)، وأن يؤمن بالملائكة والكتب والأنبياء السابقين وأوصيائهم وشرائعهم، وأن يحترمها وإن نسخت؛ لأنها كانت شريعة الله في يوم من الأيام على هذه الأرض. وعلى المسلم أن يؤمن بأوصياء النبي محمد (ص) الاثني عشر (ع)، وأن يقبل كل ما صح من الأخبار عنهم (ع)، كما على المسلم أن يؤمن أن الوصي الثاني عشر من أوصياء محمد (ص) هو الإمام محمد بن الحسن المهدي (ع)، وهو حي يرزق إلى اليوم وسيقوم بالسيف كما قام جدّه (ص)، وعلى المسلم موالاته والنصح له، وتقديمه على النفس والمال والولد، والعمل لإعلاء كلمته وإظهار أمره ومظلوميته، والتهيئة لدولته (ع)، ومعاداة عدوه من أئمة الجور المتسلطين على هذه الأمة، وأعوانهم وجنودهم الكافرين الخارجين من ولاية الله إلى ولاية إبليس (اللعين). وعلى المؤمن أن لا يخشى عددهم وعدتهم.
              قال تعالى: ﴿وَمكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾([47]).

              الأحكام:
              أمّا الأحكام، فهي مجموع التشريعات التي يأتي بها الأنبياء والمرسلون منه سبحانه، والتي يكلف بها العباد وربما نسخ بعضها، أو زيدت تشريعات أخرى خلال مرور الزمن وفق علم الحكيم الخبير بما يصلح حال العباد والبلاد في كل زمن، ولا يصح النسخ والتغير والزيادة إلاّ ببعث نذير معصوم ناطق عن الله وعامل بأمره، ومن ابتغى وراء ذلك فقد ضل ضلالاً بعيداً، ولو نظرنا في الشرائع السماوية والأحكام الإلهية لوجدنا تطبيقها هو، وهو فقط المصلح للأرواح والأبدان والبلاد والاقتصاد، فمن شرّع أو غيّر ونسخ أو زاد في الشريعة من غير أولئك المعصومين الناطقين عن الله فقد ادّعى أنّه إله وعلى الخلق أن يعبدوه، وإن لم يصرح بهذا في قوله، فقد صرح القرآن أن اليهود كانوا يعبدون أحبارهم ورهبانهم من دون الله؛ لأنّهم كانوا يحلّون لهم الحرام ويحرمون الحلال فيطيعونهم، عن أبي جعفر (ع) في تفسير قوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾([48])، قال (ع): (وأمّا أحبارهم ورهبانهم فإنّهم أطاعوهم وأخذوا بقولهم واتبعوا ما أمروهم به، ودانوا بما دعوهم إليه، فاتخذوهم أرباباً بطاعتهم لهم، وتركهم ما أمر الله وكتبه ورسله فنبذوه وراء ظهورهم، وما أمرهم به الأحبار والرهبان اتبعوه وأطاعوهم وعصوا الله، وإنّما ذكر هذا في كتابنا لكي نتعظ بهم …) ([49]).
              إذن فكل عقيدة يعتقدها الإنسان إن لم يأخذها من معصوم جاء بها من الله فهي عبادة من دون الله، وكل حكم شرعي يتعبد به الإنسان إن لم يأخذه من معصوم جاء به من الله فهو عبادة لذلك الشخص الذي أفتى وشرّع؛ لأنّه ادعى أنه إله، حيث إن المعصومين أنفسهم ليس لهم إلاّ نقل الحكم الشرعي عن الله.
              قال الإمام الصادق (ع) في رسالته المشهورة إلى الشيعة: (أيتها العصابة المرحومة المفلحة، أن الله أتم لكم ما أتاكم من الخير، واعلموا أنّه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقائيس، قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شيء. وجعل للقرآن ولتعلم القرآن أهلاً، لا يسع أهل علم القرآن الذين أتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقائيس، أغناهم الله عن ذلك بما أتاهم من علمه أخصهم به، ووضعه عندهم كرامة من الله أكرمهم بها، وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الأمة بسؤالهم، وهم الذين من سألهم - وقد سبق في علم الله أن يصدقهم ويتبع أثرهم - أرشدوه، أعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى الله بإذنه، وإلى جميع سبل الحق، وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم - الذي أكرمهم الله به وجعله عندهم - ألا من سبق عليه في علم الله الشقاء في أصل الخلق، تحت الأظلة، فأولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر والذين آتاهم الله علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم، وأولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقائيسهم حتى دخلهم الشيطان؛ لأنهم جعلوا أهل الإيمان في علم القرآن عند الله كافرين، وجعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند الله مؤمنين، وحتى جعلوا ما أحل الله في كثير من الأمر حراماً، وجعلوا ما حرّم الله في كثير من الأمر حلالاً.
              فذلك أصل ثمرة أهوائهم، وقد عهد إليهم رسول الله (ص) قبل موته فقالوا: نحن بعد ما قبض الله عزّ وجل رسوله يسعنا أن نأخذ بما أجتمع عليه رأى الناس، بعدما قبض الله عزّ وجل رسوله (ص)، وبعد عهده الذي عهده إلينا وأمرنا به. مخالفاً لله ولرسوله (ص) ، فما أحد أجرأ على الله، ولا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك، وزعم أن ذلك يسعه.
              والله إنّ لله على خلقه أن يطيعوه ويتبعوا أمره في حياة محمد (ص)، وبعد موته. هل يستطيع أولئك أعداء الله أن يزعموا أن أحداً ممن أسلم مع محمد (ص) أخذ بقوله ورأيه ومقائيسه؟ فإن قال: نعم، فقد كذب على الله وضل ضلالاً بعيداً. وإن قال: لا، لم يكن لأحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقائيسه، فقد أقر بالحجة على نفسه. وهو ممن يزعم أن الله يطاع ويتبع أمره بعد قبض رسول الله (ص)، وقد قال الله وقوله الحق: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾([50])، وذلك لتعلموا أن الله يطاع ويتبع أمره في حياة محمد (ص)، وبعد قبض الله محمداً (ص)، وكما لم يكن لأحد من الناس مع محمد (ص) أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه، خلافاً لأمر محمد (ص)، فكذلك لم يكن لأحد من الناس بعد محمد (ص) أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه) ([51]).
              فإذا كان الأئمة (ع) مع تمام عقولهم وعلمهم بمحكم الكتاب ومتشابهه، وتنـزيله وتأويله، ليس لهم الفتوى، بل ينقلون عن الله وعن رسوله (ص) ، فكيف يكون لغيرهم مع نقصان عقولهم وجهلهم بالمحكم والمتشابه، والتنـزيل والتأويل.
              قال الإمام الصادق (ع) لأبي حنيفة عندما دخل عليه: (يا أبا حنيفة، تعرف كتاب الله حق معرفته؟!!! وتعرف الناسخ والمنسوخ؟!!! قال: نعم، قال (ع): يا أبا حنيفة، لقد ادعيت علماً، ويلك ما جعل الله ذلك إلاّ عند أهل الكتاب الذين أنزل الله عليهم. ويلك ولا هو إلاّ عند الخاص من ذرية نبينا (ص)، ما ورثك الله من كتابه حرفاً، فإن كنت كما تقول ولست كما تقول، فأخبرني …) ([52]).
              * * *
              ))

              انتهى....

              لنقرا معا ....
              ويمكنكم البدء بطرح الاسئلة ... او اعطاء فقرات اخرى من كتب اخرى تساعد على الفهم ..
              السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

              Comment

              • اختياره هو
                مشرف
                • 23-06-2009
                • 5310

                #37
                رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

                الصراط المستقيم
                قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا
                وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
                * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾
                بما تذكركم هذه الاية ؟
                السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

                Comment

                • اختياره هو
                  مشرف
                  • 23-06-2009
                  • 5310

                  #38
                  رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

                  ((إنّ في قصصهم لعبرة
                  قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ * كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ﴾([53]).
                  حريٌّ بكل مسلم أن يدرس تاريخ بني إسرائيل وسيرتهم مع موسى وهارون (عليهما السلام)، ثم مع عيسى (ع)؛ لأنّ بعث موسى وهارون (عليهما السلام) يكاد يكون بعث محمد وعلي (عليهما السلام)، وما حصل لموسى وهارون (عليهما السلام) لا يختلف كثيراً عمّا حدث لمحمد وعلي (عليهما السلام). وما فعله بنو إسرائيل في فترات غياب موسى (ع) أو بعد وفاة هارون وموسى (عليهما السلام)، لا يختلف كثيراً عمّا فعلته هذه الأمة بعد وفاة محمد (ص)، ثم بعد وفاة علي (ع) ، ثم بعد غياب خاتم أوصياء محمد (ص)، كما أنّ بعث عيسى (ع) لبني إسرائيل يكاد يكون بعث محمد بن الحسن العسكري المهدي (ع) لهذه الأمة، وما سيلاقيه المهدي (ع) من هذه الأمة، ومن بعض علماء السوء (غير العاملين) في هذه الأمة لن يختلف كثيراً عما لاقاه عيسى (ع) من اليهود وعلمائهم غير العاملين. ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون﴾([54]).

                  بنو إسرائيل
                  يترقبون ولادة موسى (ع)

                  كان بنو إسرائيل قبل بعث موسى (ع) في حالة ترقب لهذا النبي العظيم والمصلح المنتظر، وكانوا يتباشرون حتى بولادته والاستعداد لاستقبال هذا الوليد المبارك، الذي سيخلصهم من حكم الطواغيت والفراعنة، الذين كانوا بدورهم في حالة ترقب سلبية لهذا المولود المبارك للانقضاض عليه وقتله، والخلاص منه قبل أن يكبر ويقضي على الحكم الطاغوتي، ويفضح الفراعنة وادعاءاتهم الزائفة، ويقود بني إسرائيل للنجاة، ولحمل كلمة لا إله إلاّ الله إلى أهل الأرض، وجاءت سنين الولادة الموعودة فقتل فرعون مواليد بني إسرائيل في تلك السنين التي كانوا يترقبون ولادة موسى(ع) فيها ظناً منه أنّه قادر على تغيير سنة الله، فشاء الله أن يخزيه ويبين له ضعفه أمام القدرة الإلهية والتدبير الرباني، فأنشأ سبحانه موسى في قصر فرعون بالذات، ولم يكن المربي لموسى إلاّ فرعون الطاغية، الذي كان يسعى الليل والنهار للقضاء على هذا المولود.
                  قال تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امرأة فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾([55])، بينما كان فرعون وجنوده يستضعفون بني إسرائيل ويذلونهم ويقتلون أبناءهم وخيارهم، كان موسى يكبر في قصر فرعون ويرى ما يحدث خارج القصر من ظلم واضطهاد للشعب المستضعف، ويرى ما يحدث في القصر من رسم خطط إرهابية وإعلامية الهدف منها استخفاف الشعب وحمله على طاعة فرعون، أو على الأقل التسليم بالأمر الواقع، وترك المقاومة، ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾([56]).
                  وكان موسى (ع) يرى سياسة فرعون وحزبه التي كانت تتمثل بمنع الدين الإلهي من الانتشار، ومنع الشعائر الدينية لبني إسرائيل، ونشر الفساد وبالتالي دفع الأجيال التي تنشأ في هذا الجو الفاسد إلى الفساد وترك التدين والالتزام بالشريعة الإلهية المقدسة. وهذا هو أهم العوامل التي يعتمد عليها الطاغية في حكمه، حيث يضمن أنّ الشعب قد تخلّى عن الله، عن القوة الحقيقية والناصر الحقيقي، القادر على القضاء على الطاغوت وعلى حزبه الشيطاني.

                  موسى (ع) المجاهد في سبيل الله،
                  المهاجر إلى الله، والنبي الداعي إلى الله

                  قال تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ * فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ * فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ * وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾([57]).
                  دخل موسى (ع) معترك الحياة، ليجد ظلم الطاغية فرعون للشعب المستضعف من بني إسرائيل والمصريين، وموسى (ع) الطاهر النقي، والنبي المخلص المنتظر الذي يعرفه بنو إسرائيل، كيف يبقى في قصر فرعون ظهيراً له، ولو بالسكوت على ظلمه ومكثراً لسواده؟ فشاء الله أن تقع تلك الحادثة، وهي قتل أحد زبانية فرعون وجنوده الظلمة، وكان لهذه الحادثة وقع كبير في نفس موسى (ع) حيث التجأ إلى الحق، يستغفره ويتوب إليه مما اعتبره ذنباً، وهو عيشه في قصر فرعون الطاغية والأب المربي لموسى (ع)، ولما غفر له ربه سبحانه وتعالى عاهد الله على ما آتاه من نعمة المغفرة على أن لا يكون ظهيراً لمجرم وظالم، ولو بمداهنته أو السكوت على ظلمه، فكان لابد لموسى (ع) بعد هذه الحادثة أن يهاجر إلى الله، فخرج من المدينة خائفاً يترقب، وغاب عن بني إسرائيل عشر سنين، قضاها في أرض مدين يعيش حياة بسيطة وهادئة في أحضان نبي عظيم، وهو شعيب (ع)، يرعى قطيعاً من الأغنام، ويتعلم الكثير ليعود بعد ذلك لبني إسرائيل قائداً ربانياً شجاعاً ونبياً يدعو إلى الله، فيقود المؤمنين للنجاة من بطش فرعون، والاستضعاف والهوان الذي كانوا يلاقونه في مصر. وعَبر موسى (ع) والمؤمنون البحر، وأغرق الله فرعون وجنوده، ولكن بعد هذا العبور كان ما كان، فتمرد بنو إسرائيل على الأوامر الإلهية، وعصوا موسى وهارون (عليهما السلام)، وبعد أن رفض بنو إسرائيل الدخول إلى الأرض المقدسة وجهاد الجبابرة لنشر كلمة (لا إله إلاّ الله) والعبادة الخالصة لله، كتب الله عليهم التيه أربعين سنة في صحراء سيناء، وكم أوذي موسى وهارون (عليهما السلام) خلال هذه المدة، فاعترض الكثير منهم على موسى(ع)، واستخفوا به واعترضوا على هارون وكونه نبياً وخليفة لموسى (ع)، فأمرهم الله أن يكتب كل رئيس سبط من أسباط بني إسرائيل اسمه على عصا يابسة، وكتب هارون اسمه، ووضع موسى (ع) العصيّ في خيمة الاجتماع، وشاء الله أن تخضر العصا التي كتب عليها اسم هارون(ع) لتكون معجزة تؤيد نبوته وحقه في خلافة موسى (ع)، لكنهم لم يتوقفوا عن إيذاء هارون (ع) والاستخفاف به، حتى إنّهم لما صنعوا العجل وعبدوه واعترض عليهم هارون (ع) كادوا يقتلونه مع الفئة القليلة التي ناصرت الحق معه (ع)، ولم يكتف اليهود بهذا، بل حرّفوا التوراة بعد وفاة موسى وهارون (عليهما السلام)، وكتبوا بأيديهم الأثيمة فيها أن الذي صنع العجل وأضل بني إسرائيل هو هارون (ع) !!
                  فانظر إلى مظلومية هذا النبي العظيم هارون (ع)، وقارنها بمظلومية الوصي علي بن أبي طالب (ع)، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

                  * * *
                  ))
                  كتاب العجل الجزء الاول ـ للامام احمد الحسن اليماني (ع)
                  السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

                  Comment

                  • اختياره هو
                    مشرف
                    • 23-06-2009
                    • 5310

                    #39
                    رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

                    ((فتنة العجل
                    قال تعالى: ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾([58]).
                    وقال تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ * وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ * وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾([59]).
                    وقال تعالى: ﴿قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ * أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً * وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى * قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي * قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً * إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً﴾([60]).
                    حدثت فتنة العجل في سنين التيه الأربعين التي تاه فيها بنو إسرائيل في صحراء سيناء، عقوبة لتمردهم على الأوامر الإلهية، وإصلاحاً لما فسد في نفوسهم، حيث واعد الله سبحانه وتعالى موسى(ع) ثلاثين ليلة ثم أتمها بعشر، قال تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ﴾([61]).
                    ولم يكن سبحانه وتعالى يجهل أنّ الميقات أربعين ليلة، ولم يكن سبحانه وتعالى يكذب على موسى سبحانه وتعالى علواً كبيراً، وإنّما واعده ثلاثين ليلة وكانت العشر التمام للأربعين معتمدة على أمر أخر لم يحدث بعد، كدعاء أو صدقة أو أي عمل يقوم به موسى (ع)، أو تقصير من جماعة بني إسرائيل يعاقبون عليه بغياب موسى (ع) عشر ليالي إضافية، ففي علم الله سبحانه أن موسى سيغيب أربعين ليلة، لكن في لوح المحو والإثبات أن موسى سيغيب ثلاثين ليلة، فإن حصل الأمر الفلاني من موسى (ع) أو بني إسرائيل فإنه سيتمها أربعين ليلة، قال تعالى: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾([62]).
                    وهذا يشبه دعاء أيٌ منّا ليدفع الله عنه البلاء، أو يرزقه من رحمته ما يشاء، فلو كانت الأمور لا تتبدل لبطل الدعاء ولأمسى لغواً لا نفع فيه، لكن الله سبحانه قدر المقادير ويداه مبسوطتان يوسع على من يشاء ويقتر كيفما يشاء وهو أحكم الحاكمين، وهذا هو البداء الحق المبين في الذكر الحكيم الذي أنكره الجاهلون، وقالوا: إنّ الله فرغ من كل شيء، وجعلوا يديه مغلولتين يضاهون قول اليهود([63]).
                    هذا، وهناك من علماء السنة من يثبت البداء كابن الجوزية في كتابه الجواب الكافي في فصل الدعاء، وهو وإن لم يصرح باللفظ فقد أثبت المعنى سواء بالروايات عن النبي (ص) أو بمناقشته لفائدة الدعاء.
                    وفي هذه الليالي الأربعين استغل السامري غياب موسى (ع)، وقام بصياغة عجل من الحلي وألقى السامري في هذا العجل حفنة تراب أخذها من تحت حافر فرس جبرائيل (ع)، فخرج العجل الجسد له خوار، أي صوت كصوت العجل الحي. قال موسى (ع): (يا رب العجل من السامري فالخوار ممن؟ قال: مني يا موسى، إني لما رأيتهم قد ولوا عني إلى العجل أحببت أن أزيدهم فتنة) ([64]).
                    وقال لهم السامري هذا إلهكم وإله موسى، أي إنّ إلهكم حل في هذا العجل!! وصدقه الكثير من بني إسرائيل بعد أن أعانوه على صناعة العجل!!
                    ويجدر بنا أن نتدبر هذه الحادثة في القرآن وندرسها، لعل الله يمن علينا بحياة السعداء وميتة الشهداء، كما وعدنا رسول الله (ص) عند دراسة القرآن ([65]).
                    فإذا قررتم أيها الأحبة دراسة هذه الحادثة فتعالوا معي نتساءل، من هو السامري؟ وهل كان عالماً من علماء بني إسرائيل؟ وهل كان متعبداً ناسكاً؟ حيث: ﴿قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً …﴾([66]).
                    يبدو من سياق الآية أنّه كان يرى جبرائيل (ع) أو أموراً غيبية، لم يكن غيره يراها.
                    ثم هل كان السامري مجاهداً؟
                    ورد هذا المعنى في تفسير الآية: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ﴾([67])، أنّه السامري فلو صح هذا لكان السامري مجاهداً، قاتل جنود الطاغية، فرعون في مصر قبل بعث موسى (ع) ([68]).
                    ثم من الذي نسى؟ موسى (ع)، أي نسى إلهه هاهنا وذهب إلى الطور فيكون الكلام بلسان السامري. والحق أن هذا بعيد؛ لأنّ بني إسرائيل يعلمون أنّ موسى ذهب إلى الطور بأمر الله، إذن فيكون الناسي هو السامري، أي ترك الإيمان الحقيقي والمعبود الحق، فيكون الكلام من الله سبحانه. ثم ما الذي سولت له نفسه؟ الحق أنّ هذا هو أصل كل الفتنة، الهوى والأنا والشيطان وزخرف الدنيا، سولت له نفسه الأمارة بالسوء أنّه أفضل من هارون (ع)، وتمرّد عليه ولم يطع أمره وتكبر، لقد سولت له نفسه أنّه عالم وعابد وناسك وربما مجاهد، وكشفت له بعض الأمور الغيبية، فهو أحق من هارون (ع) بقيادة بني إسرائيل في غيبة موسى (ع)، وحسد هارون و موسى (عليهما السلام) فأخذ التكبر منه كل مأخذ، و تمكن منه الهوى والأنا كل التمكن، و أرداه الشيطان في الهاوية وجعله يتكبر على الأنبياء العظام (ع) كما تكبر هو على آدم (ع)، فاستفزه الشيطان بندائه وأغواه بغوايته وأصابه بدائه، فنزلت الحجب على مرآة الروح لما اشترى الضلالة بالهدى، فلم يعد يرى: ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾([69]).
                    ونسي الحقيقة والمعبود الحق الذي لا يُرى بالأبصار ولا تدركه الأوهام، فعاد إلى أخس أنواع الشرك، إلى التشبيه. فأخرج ما انطوت عليه نفسه عجلاً جسداً له خوار، يكون فتنة يفرح بها قوم انطوت عليها نفوسهم قبل ظهورها، وأشربوا العجل قبل صياغته، فكم اعترضوا على موسى وهارون (عليهما السلام)، وكم آذوا موسى (ع)، ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾([70]).
                    كان كثير من بني إسرائيل يرون أنّهم خير من موسى (ع)، أمّا هارون (ع) فلم يكن له وزن عند كثير منهم، جاء في التوراة: (وأخذ قورح بن يصهار بن فهاث بن لاوي، وداثان وابرام ابنا الياب واون بن قالت بنوراوبين يقاومون موسى مع أناس من بني إسرائيل … فاجتمعوا على موسى وهارون، وقالوا لهما كفاكما أن كل الجماعة بأسرها مقدسة وفي وسطها الرب فما بالكما ترتفعان على جماعة الرب. فلما سمع موسى سقط على وجهه، ثم كلم قورح وجميع قومه قائلاً غداً يعلن الرب من هو له ومن المقدس حتى يقربه أليه) ([71]).
                    (وكلم الرب موسى قائلاً كلم بني إسرائيل وخذ منهم عصا عصا لكل بيت أب من جميع رؤسائهم حسب بيوت آبائهم اثنتي عشرة عصا، واسم كل واحد تكتبه على عصاه واسم هارون تكتبه على عصا لاوي، لأنّ لراس بيت آبائهم عصا واحده. وضعها في خيمه الاجتماع أمام الشهادة حيث اجتمع بكم، فالرجل الذي اختاره تفرخ عصاه فاسكن عني تذمرات بني إسرائيل التي يتذمرونها عليكما، فكلم موسى بني إسرائيل، فأعطاه جميع رؤسائهم عصا عصا لكل رئيس حسب بيوت آبائهم اثنتي عشره عصا، وعصا هارون بين عصيهم. فوضع موسى العصي أمام الرب في خيمة الشهادة، وفي الغد دخل موسى إلى خيمة الشهادة، وإذا عصا هارون لبيت لاوي قد أفرخت وأخرجت فروخاً و أزهرت زهراً وانضحت لوزاً، فاخرج موسى جميع العصي من أمام الرب إلى جميع بني إسرائيل، فنظروا وأخذ كل واحد عصاه، وقال الرب لموسى رد عصا هارون إلى أمام الشهادة لأجل الحفظ، علامةٌ لبني التمرد فتكف تذمراتهم عني لكي لا يموتوا ففعل موسى كما أمره الرب كذلك فعل) ([72]).
                    (وارتحلوا من جبل هور في طريق بحر سوف ليدوروا بأرض أدوم، فضاقت نفس الشعب في الطريق، وتكلم الشعب على الله وعلى موسى قائلين لماذا أصعدتمانا من مصر لنموت في البرية، لأنه لا خبز ولا ماء وكرهت أنفسنا الطعام السخيف) ([73]).
                    وهكذا كان السامري وعجله الجسد متنفساً لهؤلاء الفاسقين، ليخرجوا ما انطوت عليه نفوسهم من بغض وحسد لموسى وهارون (عليهما السلام)، ولهارون (ع) بالذات؛ لأنّ القدح بشخصه (ع) والطعن بنبوته وقيادته أيسر؛ وذلك لأنّ لموسى (ع) مكانة كبيرة وهيبة عظيمة في نفوس كثير من بني إسرائيل لما ظهر على يديه من المعجزات. وهكذا استضعف هؤلاء المنافقين الذين اتبعوا السامري هارون (ع) والجماعة الذين رابطوا معه على الحق، وحاولوا قتل هارون(ع)، ولكنه تعامل مع الفتنة بحكمة الأنبياء، ثم تربص حتى عاد موسى (ع)، ونصره الله وأظهر حقه وحكم العقيدة الفاسدة وأظهر مكانها العقيدة الصحيحة، والحق الذي يريده الله:
                    ﴿وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً * إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾([74]).

                    ))

                    كتاب العجل الجزء الاول ـ للامام احمد الحسن اليماني (ع)
                    السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

                    Comment

                    • اختياره هو
                      مشرف
                      • 23-06-2009
                      • 5310

                      #40
                      رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

                      ((شبيه السامري
                      قال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾([75]).
                      بلعم بن باعوراء عالم وناسك كان يرى بعض الغيب، فاستدعاه أحد الملوك الطواغيت الكفرة ليدعو على موسى (ع) فدعا عليه، مع علمه أنّ موسى نبي عظيم، حسداً له، ومع علمه أنّ هذا الملك طاغوت كافر بالله وبرسله وبدينه في الحقيقة، وإن أظهر شهادة لا إله إلاّ الله؛ لأنّ محاربته لأولياء الله ولدين الله دالة على كفره. ولكن بلعم بن باعوراء وأمثاله يجعلون الشبهات عاذراً لسقطاتهم ولعلهم يجعلون المحكم متشابه والحق مشتبه؛ لينتهكوا حُرم الله سبحانه.
                      وفي التوراة الموجودة أن بلعم بن باعوراء لم يدع على موسى، والظاهر أنهُ من تحريف اليهود فيها، حيث جاء في رواية عن الإمام الرضا (ع): (أنّه أعطى بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم فكان يدعو به فيستجاب له، فمال إلى فرعون - وهذا غير فرعون مصر لعنهم الله - فلما مرّ فرعون في طلب موسى (ع) وأصحابه، قال فرعون لبلعم أدعو الله على موسى وأصحابه ليحبسه علينا، فركب حمارته ليمر في طلب موسى (ع) فامتنعت علية حمارته، فأقبل يضربها فأنطقها الله عز وجل، فقالت: ويلك على ما تضربني، أتريد أن أجيء معك لتدعو على موسى نبي الله وقوم مؤمنين؟ فلم يزل يضربها حتى قتلها، وانسلخ الاسم الأعظم من لسانه …) ([76]).
                      إذن فهذا عالم واطلع على بعض الغيب، فهو على يقين، ولكن يقينه لم ينفعه بشيء؛ لأنّه ركن للحاكم الجائر وأحب العلو والارتفاع، ولم يكن مخلصاً لله حيث انطوت نفسه على التكبر وحب الأنا والحسد لأولياء الله المصطفين !!
                      ولما تعرض لهذا الامتحان الإلهي انسلخ من آيات الله وأعرض عنها، وأظهر باطنه الأسود وظهرت حقيقته (كلب يلهث وراء الدنيا)، لكنه تسربل بلباس العالم العابد العامل لله. وهكذا أغواه الشيطان وأرداه فكان تابعاً مخلصاً له، بعد أن اقتفى أثره واتبعه، حيث كان الشيطان يعلم علم اليقين، ومع ذلك تكبر على آدم (ع) وتمرّد على الله. وكذلك هذا اللعين فمع علمه ويقينه حسد موسى (ع) ودعا عليه، بدل أن ينظم تحت لوائه ويكون تابعاً له، وهكذا كان العلم لـ (بلعم بن باعوراء) سبباً للتكبر وحسد موسى (ع)!! فجعل بلعم بن باعوراء العلم نقمة أردته في الهاوية، مع أنّه رحمة يصل العاملون بها إلى الله.
                      روي عن النبي (ص) أنّه قال: (العلماء كلهم هلكى إلاّ العاملون، والعاملون كلهم هالكون إلاّ المخلصون والمخلصون على خطر) ([77]).
                      ومع الأسف كثيرون يعدون أنفسهم علماء مع أنّهم لا يحسنون تفسير سورتين من القرآن الكريم، على ما ورد عن آل محمد (ع)، ولم يقرؤوا إلاّ اليسير من روايات المعصومين (ع)، مقتصرين على بعض الروايات الفقهية في الغالب. فبماذا يعدون أنفسهم علماء، أبالمنطق الذي وضعه أرسطو قبل آلاف السنين، وربما يوجد من الملاحدة من هو أعلم به منّا. أم بالمجادلات والإشكالات المنطقية وغيرها الخالية من ثمرة علمية أو عملية، ولا تعدوا كونها ترفاً علمياً وضياعاً للوقت ([78]).
                      ألسنا نروي عن رسول الله (ص) ما معناه: (إنّ المرء يحاسب عن عمره فيما أفناه) ([79]). أوليس
                      الله سبحانه يقول: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً﴾([80]).
                      فليحذر أولئك الذين يجلسون الساعات في المساجد يتجادلون، ويتمارون ويملؤون المساجد بكلام بعيد كل البعد عن الحق والهدى الذي يريده الله.
                      لقد ابتعدنا كثيراً عن الطريق، ولهذا تسلط جالوت وأمثاله علينا، قال رسول الله (ص): (سيأتي زمان على أمتي لا يبقى من القرآن إلاّ رسمه، ولا من الإسلام إلاّ اسمه، يُسمَون به وهم أبعد الناس منه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود) ([81]).
                      الحديث يدل على أنّ المساجد وإن كانت مليئة بالناس ولكنهم ليس على هدى آل محمد (ع).
                      وهل نعد أنفسنا عاملين ونحن لا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر؟ حتى أصبح الناس يرون المنكر معروفاً والمعروف منكراً!! إنّ تكليف العالم هو إصلاح الأمة، قال تعالى: ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾([82])، لا فرد ولا فردين. وللأسف الشديد كثيرون هم الذين يقولون: الناس لا يريدون الدين، لكنهم لا يلتفتون إلى أن الناس واقعون بين المطرقة والسندان، فالطاغوت يمنع الدين الإسلامي الأصيل من الوصول لهم، وأنتم لا تكلفون أنفسكم العناء لإيصال الدين لهم بحجة التقية. قال الصادق (ع) ما معناه: (أما إنكم لو دُعيتم لتنصرونا، لكانت التقية أحب إليكم من آبائكم وأمهاتكم) ([83]).
                      فالجاهل ربما يعذر في كثير من الموارد، ولكن أنتم يا علماء الإسلام ما هو عذركم؟
                      قال أمير المؤمنين (ع) ما معناه: (كان رسول الله كالطبيب الدوار بأدويته) ([84]).
                      فهل أنتم مقتدون بسنة نبيكم (ص) ؟!!! الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا ([85]).

                      ))

                      كتاب العجل الجزء الاول ـ للامام احمد الحسن اليماني (ع)
                      السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

                      Comment

                      • وا احمداه
                        مشرف
                        • 22-09-2008
                        • 833

                        #41
                        رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

                        تسجيل المتابعة...

                        Comment

                        • اختياره هو
                          مشرف
                          • 23-06-2009
                          • 5310

                          #42
                          رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

                          ((طالــوت (ع)
                          قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾([86]).
                          بعد موسى (ع) بمدّة ليست بقصيرة تسلط جالوت الكافر وجنوده على بني إسرائيل، واستضعفوهم وأخرجوهم من ديارهم، ولم يكن هذا التسلط الطاغوتي على بني إسرائيل إلاّ بسبب ضعف الأيمان والتقوى، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والركون إلى الحياة الدنيا، وترك الجهاد والتمرد على الأنبياء والأوامر الإلهية. وعوامل كثيرة أدّت ببني إسرائيل إلى الرجوع لحالة شبيهة بحالتهم قبل بعث موسى (ع)، وهي حالة الخضوع والتسليم للطاغوت التي كان علاجها التيه في صحراء سيناء. فشاء الله سبحانه أن يتسلط على بني إسرائيل جالوت وجنوده، لعل بعضهم يثوب إلى رشده ويتوب إلى ربه، وتحصل حالة إصلاح في جماعة بني إسرائيل، كالتي حدثت في صحراء سيناء في سنين التيه الأربعين عندما نشأ جيل في تلك الصحراء، وحمل كلمة لا إله إلاّ الله إلى أهل الأرض، وبالفعل فقد نشأ هذه المرّة في بني إسرائيل جيل صالح، وأمة ربانية مجاهدة، وهم الثلاثمائة والثلاث عشر رجلاً الذين عبروا مع طالوت النهر، الفتنة التي امتحنهم الله بها ليرى مدى التزامهم بالأوامر الإلهية وطاعتهم لنبيهم ولطالوت القائد المعين من الله. كما نشأ في بني إسرائيل جماعة هم أقل أيماناً من هؤلاء النخبة، وهم الذين اغترفوا غرفة من النهر، ومن الضروري أن نعرف أنّ فتنة النهر كانت ضرورية لتمحيص المؤمنين، وإبراز المقربين وأهل الإخلاص منهم، ثم إنّها كانت كبيرة حيث كان جنود بني إسرائيل في حالة عطش شديدة عند وصولهم إلى النهر، فالذين شربوا من الماء كانوا لا يريدون الهلاك عطشاً حسب زعمهم، فكانت الحياة عندهم أهم من طاعة الله، أمّا الذين لم يشربوا من الماء فكانوا يرون الهلاك عطشاً في طاعة الله خير من البقاء أحياء في معصية الله، بل كانوا على يقين أنّ الله سبحانه الذي نهاهم عن الشرب من هذا النهر سيبدلهم خيراً منه، ولم يكن سبحانه ليتركهم يهلكوا عطشاً. وهكذا نرى أنّ هؤلاء الثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً انتصروا على جالوت وجنوده حال عبورهم النهر.
                          أمّا أولئك الذين شربوا من النهر، فإنّهم هُزموا وأحسوا بالوهن والضعف حال معصيتهم لله وأطاعتهم للهوى والشيطان، فلم يكن قولهم: (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) إلاّ تحصيل حاصل و إبراز للهزيمة التي انطوت عليها نفوسهم.
                          والتقى الجمعان، حزب الله بقيادة طالوت، وحزب الشيطان بقيادة جالوت. وكان جيش جالوت متفوقاً عدّة وعدداً، ولم يكن مع طالوت إلاّ القليل من المؤمنين الذين لم يشربوا من النهر والذين اغترفوا غرفة، وكان معه المنافقون الذين شربوا من النهر، وقبل أن تبدأ المعركة التجأ النخبة الإلهية والأمة الربانية إلى الله، وطلبوا منه الصبر والثبات والنصر، فأيدهم الله بنصره: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى﴾([87])، فقتل أحد هؤلاء المؤمنين المخلصين لله جالوت، فهزم الجمع وولوا الدبر، ونكص الشيطان على عقبيه، وقال: ﴿إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ﴾([88])، ولم يكن هذا العبد الصالح الذي قتل جالوت إلاّ داود (ع) الذي اصطفاه الله سبحانه بعد ذلك وجعله نبياً عظيماً وملكاً عادلاً، بعد أن كان مؤمناً مخلصا لله ومجاهداً شجاعاً لا يخشى إلاّ الله ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾([89]).

                          ))

                          كتاب العجل الجزء الاول ـ للامام احمد الحسن اليماني (ع)
                          السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

                          Comment

                          • وا احمداه
                            مشرف
                            • 22-09-2008
                            • 833

                            #43
                            رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

                            هل نهر ص الذي يبتلى به أصحاب القائم مادي؟

                            يبتلى أصحاب القائم (ع) بشيء آخر وليس نهراً مادياً.
                            عن أبي عبد الله (ع)، قال: (إنّ أصحاب طالوت ابتلوا بالنهر الذي قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَر﴾، وإنّ أصحاب القائم (ع) يبتلون بمثل ذلك)
                            وهو باب آل محمد الذي كما ورد عن الصادق (ع)
                            (الركن اليماني بابنا الذي يدخل منه الجنة، وفيه نهر من الجنة تلقى فيه أعمال العباد).
                            وأركان الإمام المهدي (ع) أربعة: هم الخضر (ع)، وإيليا (ع) (إلياس)، وعيسى (ع)، واليماني.
                            واليماني هو الحجر الذي في الركن اليماني في الكعبة المسمّى بالحجر الأسود (وكما ورد عنهم أنّه ملك ابتلع كتاب العهد والميثاق) ،
                            واليماني هو كتاب العهد والميثاق المأخوذ على بني آدم وعلى الأنبياء والمرسلين لنصرة قائم آل محمد ،
                            واليماني هو المهدي الأول المذكور في وصية رسول الله ، واليماني هو النهر الذي يبتلي به أصحاب القائم (ع) ولكن هذه المرّة من شرب منه فإنّه مني ومن لم يشرب فليس مني، وهو السبعة والعشرون حرفاً من العلم التي تبث في الناس ولم تبث في الناس فيما سبق ولم يؤذن لهم بورودها فيما سبق.


                            أحمد الحسن
                            الجواب المنير عبر الأثير
                            الجزء الأول ص (72 -73)

                            Comment

                            • اختياره هو
                              مشرف
                              • 23-06-2009
                              • 5310

                              #44
                              رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

                              ((عيســـى (ع)
                              قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً﴾([90]).
                              أرسل الله سبحانه وتعالى أحد الملائكة - وروي جبرائيل (ع) ([91]) - ليهب لمريم (ع) الصديقة الطاهرة المنقطعة إلى الله صبياً مباركاً، فنفخ الملك عليها نفخة شاء الله أن يجعلها سبباً في تكوَّن ذلك الجنين في رحم مريم (ع)، وخرجت من الدير لتلد ذلك الجنين المبارك، وجاءت به إلى قومها امتثالاً لأمر الله، وتكلم الوليد وهو في المهد، لتكون هذه المعجزة إشارة إلى عظمة هذا الوليد وبراءة أمه الطاهرة من اتهامات اليهود، وروي ([92]): أنّ أمه أخذته إلى الناصرة أو إلى مصر، ثم عادت إلى الناصرة؛ لينشأ هناك بعيداً عن الحاكم الطاغية هيرودس الذي كان يريد قتله.

                              * * *
                              بعث عيسى (ع)
                              كان علماء بني إسرائيل يحبون المال والدنيا، ولذا انكب الناس على طلب الدنيا والمال، وبدؤوا يتركون وصايا الأنبياء (ع) وراء ظهورهم (إذا فسد العالِم فسد العالَم)، وكل شيء يفسد يصلحه الملح، ولكن إذا فسد الملح؟!
                              وهكذا ظهر في المجتمع طبقات مترفون يشبعون حتى التخمة، ومساكين يتضورون جوعاً طيلة أيام السنة، عمّال ومزارعون أنهكتهم الضرائب، ومع أنّهم كانوا يعملون كثيراً كانوا لا يكادون يأكلون إلاّ القليل. أناس يعملون ولا يأكلون، وآخرون يأكلون ولا يعملون، وعلماء مترفون لا يهتمون بتغيير تلك الأوضاع الفاسدة.
                              وفي ظل تلك الأجواء الملبدة بالغيوم بُعث عيسى (ع) ليقول للناس من كان يريد أن يتبعني فليستعد للموت والصلب، إنها دعوة إلى الثورة.
                              روي عنه (ع) أنّه قال: (لا تخافوا الذين يقتلون الجسد، ولا يقدرون أن يقتلوا النفس، بل خافوا الذي يقدر أن يهلك الجسد والنفس معاً في جهنم) ([93]). وكان (ع) يعلم أنّه لا يستطيع تغيير كثير من الفساد في ذلك الوقت، ولكن ليس أقل من إيقاع صدمة في ذلك المجتمع، بل وفي تاريخ الإنسانية على هذه الأرض، وانتظار النتائج الكبيرة في المستقبل سواء القريب بعد رفعه إلى السماء أو البعيد بعد عودته في القيامة الصغرى، أي زمن ظهور الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري(ع).
                              بُعث عيسى (ع) إلى بني إسرائيل وغيرهم، ولكن شريعته لم تكن ناسخة إلاّ لشريعة موسى(ع)، وهناك عدّة أسباب لهذا النسخ.
                              منها: إنّ بعض الأحكام فرضت على اليهود بما يناسب حالهم في ذلك الوقت الذي بعث فيه موسى (ع) إلى وقت بعث عيسى (ع)، كما أنّ بعض المحرمات على بني إسرائيل كانت بسبب ظلمهم وجرأتهم على الأنبياء واستخفافهم بالتشريع، فخُففت عنهم ببعث عيسى (ع)، قال تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾([94]).
                              ولعل أهم أسباب نسخ وتجديد شريعة موسى (ع)، أنّ علماء اليهود غيروا الشريعة وحرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله، تبعاً لأهوائهم الشخصية وتخرصاتهم العقلية، وربما إرضاء لبعض الطواغيت الذين تسلطوا عليهم في بعض الأحيان كما جاء في بعض الروايات ([95])، فعاد السامري وعاد العجل، ولكن هذه المرّة باسم جديد وهيئة جديدة، عاد السامري بعلماء بني إسرائيل، وعاد العجل بتحريف الأحكام الشرعية.
                              ومع أنّ كثيراً من الأنبياء (ع) بعثوا للحفاظ على شريعة موسى (ع) وحفظها من التحريف لكن التيار المنحرف أو قل التيار السامري أخذ يسيطر على دفّة القيادة وأقصي الأنبياء (ع)، وطردوا إلى البراري والقفار، وقتل كثير منهم قبل بعث عيسى (ع)، كزكريا (ع) الذي قتله اليهود أنفسهم، ويحيى (ع) الذي قتلوه بتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخضوعهم للطاغوت والركون له فقبض الحاكم الطاغية (هيرودس) على يحيى (ع) وسجنه مدّة ليست بقصيرة قبل أن يقتله، ولم يحرّك العلماء اليهود ساكناً، بل استقبل كثير منهم هذا الحدث بفرح كبير، ومع أنّهم يرون في الحاكم الجائر طاغوتاً ورجساً، يتنجسون بمجرد الدخول في قصره كانوا لا يتورعون عن التعاون معه لقتل أحد الأنبياء (ع)، أو العلماء العاملين المجاهدين؛ لأنّ الأنبياء (ع) متى استتبت لهم الأمور لن يرضوا دون استئصال الطواغيت وإقامة الحكومة الإلهية على الأرض، وبالتالي ذهاب سلطة الطاغوت وحكومته وذهاب سلطة ومكانة العلماء غير العاملين الذين حرفوا الشريعة وصوروا أنفسهم ورثة الأنبياء والأوصياء (ع)، طلباً لمكانتهم في قلوب الناس، ولهذا فمن الطبيعي أن يكون أوّل من يعادي عيسى (ع) الطواغيت وعلماء الدين في بني إسرائيل، الذين كانوا يدّعون أنّهم ينتظرون بعثه لهم لينصروه، ولكن عندما بعث وجدوه يقول: (خادمي يداي، ودابتي رجلاي، وفراشي الأرض، ووسادي الحجر، ودفئي في الشتاء مشارق الأرض، وسراجي بالليل القمر، وإدامي الجوع، وشعاري الخوف، ولباسي الصوف، وفاكهتي وريحانتي ما أنبتت الأرض للوحوش والأنعام، أبيت وليس لي شيء، وأصبح وليس لي شيء، وليس على وجه الأرض أحد أغنى مني) ([96]).
                              وجدوه يدعوهم للزهد في هذه الدنيا، وتحمل الدعوة إلى الله. وهذا يؤدي بهم إلى الاصطدام بالطواغيت وأعوانهم الذين يعارضون الدعوة إلى الله.
                              وجدوه يدعو أتباعه للاستعداد للموت، وتحمل القتل في سبيل الله، وتحمل المصاعب في طريق الدعوة إلى الله.
                              وجدوه يجلس مع الخاطئين وجُبات الضرائب ليصلحهم، إذاً فعيسى (ع) لم يأتِ ليعزز مكانة العلماء غير العاملين وسلطتهم ويعظم قدرهم ويمدهم في طغيانهم، بل جاء ليفضحهم بعلمه وزهده
                              في هذه الدنيا.
                              فأخذ علماء بني إسرائيل يتكلمون عليه، ويتهمونه بشتى الاتهامات الباطلة، وجاءه تلاميذه وقالوا له: (أتعرف أنّ علماء اليهود استاءوا عندما سمعوا كلامك هذا)، فأجابهم (ع): (اتركوهم هم عميان قادة عميان، وإذا كان الأعمى يقود الأعمى سقطا معاً في حفرة) ([97]).
                              وهكذا كانت جبهة الباطل المواجهة لعيسى (ع) واسعة تضم علماء بني إسرائيل والشعب اليهودي الذي استخفوه بادعاءاتهم الباطلة، والحاكم الكافر بيلاطس وجنوده، ولعل بعضهم يستغرب وله الحق في ذلك إذا علم أن عداء العلماء غير العاملين من بني إسرائيل لعيسى (ع) كان أشد من عداء بيلاطس الحاكم الجائر وجنوده، ولهذا أخذ عيسى (ع) يبين خطأ هؤلاء العلماء غير العاملين على رؤوس الأشهاد.
                              قال (ع) مخاطباً الناس وتلاميذه: (معلمو الشريعة و الفريسيون على كرسي موسى جالسون، فافعلوا كل ما يقولونه لكم واعملوا به ، ولكن لا تعملوا مثل أعمالهم، لأنّهم يقولون ولا يفعلون، يحزمون أحمالاً ثقيلة شاقة الحمل ويلقونها على أكتاف الناس، ولكنهم لا يحركون إصبعاً تعينهم على حملها، وهم لا يعملون عملاً إلاّ ليشاهدهم الناس، يجعلون عصائبهم عريضة على جباههم وسواعدهم ويطولون أطراف ثيابهم ويحبون مقاعد الشرف في الولائم ومكان الصدارة في المجامع والتحيات في الأسواق وأن يدعوهم الناس يا معلم … الويل لكم يا معلمو الشريعة والفريسيون المراءون تغلقون ملكوت السماوات في وجوه الناس، فلا أنتم تدخلون ولا تتركون الداخلين يدخلون، الويل لكم يا معلمي الشريعة والفريسيون المراءون تأكلون بيوت الأرامل وأنتم تظهرون أنكم تطيلوا الصلاة سينالكم أشد العقاب، الويل لكم أيها القادة العميان! تقولون من حلف بالهيكل لا يلتزم بيمينه، ولكن من حلف بذهب الهيكل يلتزم بيمينه، فأيما أعظم أيّها الجهال العميان الذهب أم الهيكل الذي قدس الذهب؟… الويل لكم يا معلمي الشريعة والفريسيون المراءون تعطون العشر من النعنع والصعتر والكمون ولكنكم تهملون أهم ما في الشريعة: العدل والرحمة والصدق …) ([98]).
                              وحقيقٌ بنا أن نتدبر هذه الكلمات، فربما هي وجهت في يوم من الأيام إلى بني إسرائيل وعلمائهم، ولعلها اليوم موجهة لنا.
                              ومع الأيام كثر أتباع عيسى (ع)، وهم كأتباع أي نبي من الفقراء والمستضعفين، أو حسب ما يسميهم أعداء الأنبياء: ﴿أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْي﴾([99]).
                              وأخذ علماء بني إسرائيل يتآمرون على قتل عيسى (ع) بحجة أنّه يدعي الملك. وكثر أتباعه وهذا يؤدي إلى أنّ الرومان سيهاجمون الشعب اليهودي ويقضون عليه، وبالتالي قرّر رئيس علماء اليهود أنّ قتل عيسى (ع) وهلاكه أفضل من هلاك الشعب كلّه، فبحجة المحافظة على الشعب يجب أن يقتل عيس (ع) !!
                              وهذا هو الميزان العدل!! وهذا هو الحق بنظر هؤلاء المنكوسين الظلمة قتلة الأنبياء، الذين يرون المنكر معروفاً، فلكي لا يعكر صفو حياتهم الرومان، ولا تتعرّض مصالحهم وحياتهم للخطر، يجب أن يقتل عيسى(ع) ويخنق الحق ويطفأ النور، وليستبد الطاغوت والظلم والظلام، فالمهم أن يبقى علماء بني إسرائيل غير العاملين أحياء، ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾([100]). وحاولوا بكل طريقة أن يغروا به لقيصر حاكم الرومان وعامله بيلاطس وأتباعه اللعناء ليقتلوه!! ولأنّهم جبناء لم يكونوا أهلاً لاستيعاب شجاعة هذا النبي العظيم، جاء في الإنجيل: (حين أذن ذهب الفريسيون وتشاوروا لكي يصطادوه بكلمة فأرسلوا إليه تلاميذهم من الهيروديسيين، قائلين يا معلم نعلم إنّك صادق، وتعلم طريق الله بالحق ولا تبالي بأحد لأنّك لا تنظر إلى وجوه الناس، فقل لنا ماذا تظن أيجوز أن تعطى الجزية لقيصر أم لا؟ فعلم يسوع خبثهم وقال: لماذا تجبرونني يا مراءون أروني معاملة الجزية فقدموا له ديناراً فقال: لهم لمن هذه الصورة والكتابة قالوا له: لقيصر. فقال لهم أعطوا إذن مال قيصر لقيصر ومال الله لله ، فلما سمعوا تعجبوا وتركوه ومضوا) ([101]).
                              وهكذا كانوا يريدون منه أن يقول بشكل صريح وعلى رؤوس الأشهاد أنّه يحرّم دفع الضرائب لحكومة القيصر اللعين، ليوقعوه بيد هذا الطاغوت وأرجاسه اللعناء. هذا وهم دفعوا الضرائب لقيصر وأفتوا للشعب بجواز دفعها لقيصر مع أنّها تقوي حكومة الطاغوت، فكانوا عبيداً للطاغوت، وانطوت نفوسهم على الجبن بسبب حبهم للحياة وحرصهم عليها.
                              أمّا جواب عيسى (ع) فمعناه: لا تعطوا الجزية لقيصر؛ لأنّ الصورة والكتابة على الدينار ليس لها قيمة إنما القيمة للذهب الذي سبك منه الدينار والذهب لله، وعلى كل حال في النهاية اعتقل علماء بني إسرائيل عيسى (ع).
                              وجاء في الإنجيل إنّهم بصقوا في وجهه الشريف، وضربوه وأهانوه، واتهموه أنّه يجدف ويكذب على الله سبحانه، ثم سلموه إلى بيلاطس، واتهموه أنه يدعي الملك ويهدد الإمبراطورية الرومانية، وطلبوا من بيلاطس قتله وصلبه وألَحوّا عليه بذلك.
                              ورد في الإنجيل: (وقام الحضور كلهم وجاءوا بيلاطس وأخذوا يتهمونه ويقولون: وجدنا هذا الرجل يثير الفتنة في شعبنا، ويمنعه أن يدفع الجزية إلى قيصر ، ويدعي أنه المسيح الملك) فسأله بيلاطس (أنت ملك اليهود؟)، فأجاب: (أنت قلت)، فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة والجموع: (لا أجد جرماً على هذا الرجل)، لكنهم أصرّوا على قولهم: (أنه يثير الشعب بتعليمه في اليهودية كلها من الجليل إلى هنا) ([102]).
                              وعندما أراد بيلاطس الحاكم الجائر إطلاق صراحه في عيد الفصح، رفض علماء اليهود والشعب الذي استخفوه وطلبوا أن يطلق أحد القتلة بدلاً عنه وألَحوّا على قتل عيسى وصلبه، والغريب أنّهم عندما جاءوا بعيسى (ع) لقصر بيلاطس ليسلموه لم يدخلوا القصر؛ لأنهم كانوا يعتقدون بكفر بيلاطس، وبالتالي فمن يدخل قصره منهم يتنجس، ومع ذلك فقد وضعوا أيديهم بيد بيلاطس للقضاء على عيسى (ع).
                              أنظر كيف اجتمع أهل الباطل مع اختلافهم وتناحرهم للقضاء على الحق!!
                              وتدبر ولا تكن من الغافلين، فإنّ أهل الباطل مهما اختلفت طرقهم وتعارضت عقائدهم وآراؤهم فإنّ طاعة الشيطان تجمعهم، وحب الدنيا يوحّدهم.
                              وعلى كل حال يمكرون و يمكر الله والله خير الماكرين، فلم يمكنهم الله من قتل عيسى (ع)، ولكن رفعه إلى السماء وشبهه لهم، وظنوا أنّهم قتلوه، قال تعالى: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً﴾([103]).
                              وادخر الله سبحانه عيسى (ع) حياً إلى آخر الزمان، وسينـزل من السماء إلى الأرض إن شاء الله هادياً إلى الصراط المستقيم، ووزيراً لخاتم أوصياء النبي (ص) المهدي (ع) عند قيامه بالحق وتطهيره الأرض من الشرك والإلحاد والظلم والفساد، ونشر التوحيد والعدل والرحمة بين العباد.
                              وحقيق بنا ونحن نستقرئ قصص هؤلاء الأنبياء العظام (ع) أن نستيقن أنّ الباطل مهما علا فهو كالزبد يذهب جفاء، وإنّ الحق مهما حاول الباطل أن يغطيه يبقى وينفع الناس كالماء تحت الزبد، قال تعالى: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾([104]). ومهما تفرعت أغصان شجرة الباطل وتكاثفت وغطت بعض أغصان شجرة الحق، وحاولت خنقها فسيأتي يوم تقلع فيه شجرة الباطل، وترمى في الجحيم لإنهاء بلا أصل وبلا جذور ما لها من قرار، وشجرة الحق وإن بقي منها غصن واحد يرفرف بعيداً خلف السحاب فستنمو وتتفرع أغصانها وتتكاثف حتى يستظل بها أهل الأرض جميعاً؛ لأنّ أصلها ثابت في الأرض وفرعها يرفرف في السماء، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾([105]).
                              ))

                              كتاب العجل الجزء الاول ـ للامام احمد الحسن اليماني (ع)
                              السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

                              Comment

                              • اختياره هو
                                مشرف
                                • 23-06-2009
                                • 5310

                                #45
                                رد: لنقرأ معا : 1. كتاب العجل الجزء الاول ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)

                                ((تحريف التوراة والإنجيل
                                الأدلة على تحريف اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل كثيرة ولست بصدد استقصائها، فتحريفها لا يخفى على من قرأها بتدبر وهو صاحب فطرة سليمة وفكر مستقيم، وراجع ما كتبه أحد مفكريهم، وهو سبينوزا في كتابه (رسالة في اللاهوت والسياسة، الفصل الثامن)، وكمثال أنقل هذه الفقرات من كلامه، قال: (ولكي أسير في بحثي هذا بطريقه منظمة سأبدأ بالأحكام المسبقة المتعلقة بمن قاموا بتدوين الكتب المقدسة، وسأبدأ أولاً بمن قاموا بتدوين الأسفار الخمسة، لقد ظن الجميع تقريباً أنّه موسى، بل إنّ الفريسيين أيدوا هذا الرأي بإصرار شديد حتى إنّهم عدّوا من يظن خلاف ذلك من المارقين، ولهذا السبب فإنّ ابن عزرا وهو رجل كان فكره حرّاً إلى حدٍ ما، ولم يكن علمه يستهان به وهو أول من تنبه إلى هذا الخطأ - فيما أعلم - ولم يجرؤ على الإفصاح عن رأيه صراحة، واكتفى بالإشارة إليه بألفاظ مبهمة. أمّا أنا فلن أخشى توضيحها وإظهار الحق ناصعاً، هذه هي أقوال ابن عزرا في شرحه على التثنية (فيما وراء نهر الأردن … الخ، ولو كنت تعرف سر الاثنتي عشرة … كتب موسى شريعته …).
                                بهذه الكلمات القليلة يبين ويثبت في الوقت ذاته أنّ موسى ليس هو مؤلف الأسفار الخمسة، بل إن مؤلفها شخص آخر عاش بعده بزمن طويل، وإنّ موسى كتب سفراً مختلفاً وللبرهنة على ذلك يذكر 1- أن موسى لم يكتب مقدمة التثنية؛ لأنه لم يعبر نهر الأردن. 2- … الخ ) ([106]).
                                وكيف كان فإنّ تحريف التوراة والإنجيل الموجودة اليوم أمر مقطوع به، أو على الأقل راجح عند كل مفكر حر كسر قيود التقليد الأعمى وأين هم هؤلاء؟! وإلاّ فكيف يحتمل مؤمن بالله سبحانه وتعالى أن تنسب تلك البذاءة والفحش إلى أنبياء الله ورسله (ع) والتي اكتظت بها التوراة؟!
                                وعلى كل حال بقيت التوراة والإنجيل كنصوص تاريخية يمكن الاستفادة منها، وكحكم إلهية وأخبار بالغيب يمكن ترجيح صدور بعضها من الأنبياء (ع)، أو صدور معانيها على الأقل كونها مطابقة للمعاني التي جاء بها القران وسنّة النبي (ص) وآل بيته المعصومين (ع).
                                * * *

                                ))

                                كتاب العجل الجزء الاول ـ للامام احمد الحسن اليماني (ع)
                                السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

                                Comment

                                Working...
                                X
                                😀
                                🥰
                                🤢
                                😎
                                😡
                                👍
                                👎