بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ... وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.
الحمد لله رب العالمين ... وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.
(خرجت في بعض السنين حاجاً إذ دخلت المدينة وأقمت بها أياماً، أسأل واستبحث عن صاحب الزمان (عليه السلام)، فما عرفت له خبراً، ولا وقعت لي عليه عين، فاغتممت غماً شديداً وخشيت أن يفوتني ما أملته من طلب صاحب الزمان (عليه السلام)، فخرجت حتى أتيت مكة، فقضيت حجتي واعتمرت بها أسبوعاً، كل ذلك أطلب.
فبينا أنا أفكر إذ انكشف لي باب الكعبة، فإذا أنا بإنسان كأنه غصن بان، متزر ببردة، متشح بأخرى، قد كشف عطف بردته على عاتقه، فارتاح قلبي وبادرت لقصده، فانثنى إليّ، وقال: من أين الرجل ؟ قلت: من العراق. قال: من أي العراق ؟ قلت: من الأهواز. فقال: أتعرف الخصيبي. قلت: نعم. قال: رحمه الله، فما كان أطول ليله، وأكثر نيله، وأغزر دمعته ! قال: فابن المهزيار. قلت: أنا هو. قال: حياك الله بالسلام أبا الحسن.
ثم صافحني وعانقني، وقال: يا أبا الحسن، ما فعلت العلامة التي بينك وبين الماضي أبي محمد نضر الله وجهه ؟ قلت: معي. وأدخلت يدي إلى جيبي وأخرجت خاتماً عليه "محمد وعلي"، فلما قرأه استعبر حتى بل طمره الذي كان على يده، وقال: يرحمك الله أبا محمد، فإنك زين الأمة، شرفك الله بالإمامة، وتوجك بتاج العلم والمعرفة، فإنا إليكم صائرون. ثم صافحني وعانقني، ثم قال: ما الذي تريد يا أبا الحسن ؟ قلت: الإمام المحجوب عن العالم. قال: ما هو محجوب عنكم ولكن حجبه سوء أعمالكم، قم إلى رحلك، وكن على أهبة من لقائه، إذا انحطت الجوزاء، وأزهرت نجوم السماء، فها أنا لك بين الركن والصفا. فطابت نفسي وتيقنت أن الله فضلني، فما زلت أرقب الوقت حتى حان، وخرجت إلى مطيتي، واستويت على رحلي، واستويت على ظهرها، فإذا أنا بصاحبي ينادي إليّ: يا أبا الحسن.
فخرجت فلحقت به، فحياني بالسلام، وقال: سر بنا يا أخ.
فما زال يهبط وادياً ويرقى ذروة جبل إلى أن علقنا على الطائف، فقال: يا أبا الحسن، انزل بنا نصلي باقي صلاة الليل. فنزلت فصلى بنا الفجر ركعتين، قلت: فالركعتين الأوليين ؟ قال: هما من صلاة الليل، وأوتر فيها، والقنوت في كل صلاة جائز. وقال: سر بنا يا أخ. فلم يزل يهبط بي وادياً ويرقى بي ذروة جبل حتى أشرفنا على واد عظيم مثل الكافور، فأمد عيني فإذا ببيت من الشعر يتوقد نوراً، قال: المح هل ترى شيئاً ؟ قلت: أرى بيتاً من الشعر. فقال: الأمل. وانحط في الوادي واتبعت الأثر حتى إذا صرنا بوسط الوادي نزل عن راحلته وخلاها، ونزلت عن مطيتي، وقال لي: دعها. قلت: فإن تاهت ؟ قال: هذا واد لا يدخله إلا مؤمن ولا يخرج منه إلا مؤمن. ثم سبقني ودخل الخباء وخرج إليّ مسرعاً، وقال: أبشر، فقد أذن لك بالدخول.
فدخلت فإذا البيت يسطع من جانبه النور، فسلمت عليه بالإمامة، فقال لي: يا أبا الحسن، قد كنا نتوقعك ليلاً ونهاراً، فما الذي أبطأ بك علينا ؟ قلت: يا سيدي، لم أجد من يدلني إلى الآن. قال لي: لم نجد أحداً يدلك ؟ ثم نكث بإصبعه في الأرض، ثم قال: لا ولكنكم كثرتم الأموال، وتجبرتم على ضعفاء المؤمنين، وقطعتم الرحم الذي بينكم، فأي عذر لكم الآن ؟ فقلت: التوبة التوبة، الإقالة الإقالة. ثم قال: يا ابن المهزيار، لولا استغفار بعضكم لبعض لهلك من عليها إلا خواص الشيعة الذين تشبه أقوالهم أفعالهم. ثم قال: يا ابن المهزيار - ومد يده - ألا أنبئك الخبر أنه إذا قعد الصبي، وتحرك المغربي، وسار العماني، وبويع السفياني يأذن لولي الله، فأخرج بين الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً سواء، فأجئ إلى الكوفة وأهدم مسجدها وأبنيه على بنائه الأول، وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة، وأحج بالناس حجة الإسلام، وأجئ إلى يثرب فأهدم الحجرة، وأخرج من بها وهما طريان، فآمر بهما تجاه البقيع، وآمر بخشبتين يصلبان عليهما، فتورق من تحتهما، فيفتتن الناس بهما أشد من الفتنة الأولى، فينادي مناد من السماء: "يا سماء أبيدي، ويا أرض خذي" فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان. قلت: يا سيدي، ما يكون بعد ذلك. قال: الكرة الكرة، الرجعة الرجعة، ثم تلا هذه الآية: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً﴾الإسراء: 6)
دلائل الامامة - محمد بن جرير الطبري ( الشيعي): ص539 – 542.
نسألكم الدعاء
Comment