على محمدٍ وآلهِ السلام كلما ذُكر السلام
:: الإيـــثار ::
وهو أسمى درجات الكرم ، وأرفع مفاهيمه ، ولا يتحلى بهذه الصفة المثالية النادرة ،
إلا الذين جلوا بالأريحية ، وبلغوا قمة السخاء ، فجادوا بالعطاء ، وهم بأمسّ الحاجة إليه ،
وآثروا بالنوال ، وهم في ضنك من الحياة . وقد أشاد القرآن بفضلهم قائلاً :
( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) الحشر: 9 .
وسئُل الإمام الصادق ( عليه السلام ) : أي الصدقة أفضل ؟، قال ( عليه السلام ) :
( جُهد المُقِل ، أما سمعت الله تعالى يقول : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إن رسول الله أقبل إلى الجِعِرانة ،
فقسم فيها الأموال ، وجعل الناس يسألونه فيعطيهم ، حتى ألجأوا إلى شجرة فأخذت برده ،
وخدشت ظهره ، حتى جلوه عنها ، وهم يسألونه . فقال : أيها الناس ردوا عليّ بردي ،
والله لو كان عندي عدد شَجَرِ تهامة نعمًا لقسمته بينكم ، ثم ما ألفيتموني جبانًا ولا بخيلًا... ) .
وقد كان ( صلّى الله عليه وآله ) يؤثر على نفسه البؤساء والمعوزين ،
فيجود عليهم بماله وقوته ، ويظل طاوياً ، وربما شد حجر المجاعة على بطنه مواساة لهم .
قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( ما شبع النبي من خبز بُر ثلاثة أيام متوالية ،
منذ بعثه الله إلى أن قبضه ) .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( كان علي أشبه الناس برسول الله ،
كان يأكل الخبز والزيت ، ويطعم الناس الخبز واللحم ) .
وفي حق الإمام علي وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام ، نزلت الآية الكريمة :
( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ
لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا ) الدهر : 8 ـ 9 .
فقد أجمع أولياء أهل البيت على نزولها في علي وفاطمة والحسن والحسين
( عليهم السلام ) وقد أخرجه جماعة من أعلام غيرهم .
وإليك ما ذكره الزمخشري في تفسير السورة من الكشاف : قال :
( وعن ابن عباس أنّ الحسن والحسين مرضا ، فعادهما رسول الله في ناس معه ،
فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك ، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما ،
إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام فشفيا ، وما معهم شيء ، فاستقرض علي
من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً ،
واختبزت خمسة أقراص على عددهم ، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم
سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين ،
أطعموني أطعمكم اللّه من موائد الجنة، فآثروه ، وباتوا ولم يذوقوا إلا الماء،
وأصبحوا صياماً، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم ، وقف عليهم يتيم فآثروه ،
ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك .
فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين وأقبلوا الى رسول الله ،
فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع ، قال : ما أشدّ ما يسوؤني
ما أرى بكم ، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها ، قد التصق بطنها بظهرها ،
وغارت عيناها ، فساءه ذلك ، فنزل جبرائيل وقال :
خذها يا محمد هنّاك الله في أهل بيتك ، فأقرأه السورة».
Comment