راحلة الإمام الحسين (ع) [من الحجاز الى كربلاء]
كتاب التخريج : عن العامري بالإسناد عن هبيرة بن مريم (٣) ، عن ابن عبّاس ، قال : رأيت الحسين عليه السلام قبل أن يتوجه إلى العراق على باب الكعبة وكف جبرئيل في كفه ، وجبرئيل ينادي : هلمّوا إلى بيعة الله سبحانه.وعُنّف ابن عبّاس على تركه الحسين عليه السلام ، فقال : إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلاً ولم يزيدوا رجلاً ، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم.وقال محمد بن الحنفيّة : وإنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم. (٤)
____________
٣ ـ في المناقب : بريم.
٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٥٢ ـ ٥٣ ، عنه البحار : ٤٤/١٨٥ ح ١٢ ، ومدينة المعاجز : ٣/٥٠٣ ح ١٠١٧ ـ ١٠١٩ ، وعوالم العلوم : ١٧/٥٤ ح ٢ وص ٤١ ح ١.
رسائل الكافر يزيد و اتباعه (عليهم لعائن الله)
بسم الله الرحمن الرحيممن عبد الله يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة.أمّا بعد :فإن معاوية كان عبداً من عباد الله أكرمه فاستخلفه ومكّن له ، ثمّ قبضه إلى روحه وريحانه أو عقابه (٣) ، عاش بقدر ، ومات بأجل ، وقد كان عهد إليّ وأوصاني أن أحذر آل أبي تراب وجرأتهم على سفك الدماء ، وقد آن ـ يا وليد ـ أن ينتقم الله للمظلوم (٤) عثمان من آل أبي تراب بآل أبي سفيان ، فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة [ لي ] (٥) على جميع الخلق في المدينة.قال : ثمّ كتب في رقعة صغيرة :أمّا بعد :فخذ الحسين وعبد الله بن عمر وعبد الرحمان بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة ، فمن أبى عليك فاضرب عنقه ، وابعث إليّ برأسه ، والسلام. (٦)
____________
٣ ـ في المقتل : إلى روحه وريحانه ورحمته وثوابه.
٤ ـ في المقتل : وقد علمت يا وليد أنّ الله تعالى منتقم للمظلوم.
٥- في المقتل.
٦ ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ١/١٧٧ ـ ١٨٠.
وروي عن مكحول ، عن أبي عبيدة الجراح ، قال : قال رسول الله صلىالله عليه وآله : لا يزال أمر أمتي قائماً بالقسط حتّى يكون أوّل من يثلمه رجل من بني اُميّة [ يقال له يزيد ]. (١)وبإسناد متّصل بأبي ذر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أوّل من يبدّل ديني رجل من بني اُميّة.قال : ابن أعثم : فلمّا ورد الكتاب على الوليد بن عتبة قرأه واسترجع ، ثمّ قال : يا ويح الوليد بن عتبة من دخوله في هذه الامارة ، ما لي وللحسين؟ ثمّ بعث إلى مروان فدعاه وقرأ الكتاب عليه ، فاسترجع مروان ، ثمّ قال : رحم الله معاوية.فقال الوليد : أشر عليَّ برأيك.فقال مروان : أرى أن ترسل إليهم في هذه الساعة فتدعوهم إلى الطاعة والدخول في بيعة يزيد ، فإن فعلوا قبلت ذلك منهم ، وإن أبوا قدمتهم وضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية ، فإنّهم إن علموا بموته وثب كلّ واحد منهم وأظهر الخلاف ودعا إلى نفسه ، فعند ذلك أخاف أن يأتيك منهم ما لا قبل لك به ، إلا عبد الله بن عمر فإنّي لا أراه ينازع ، فذره عنك ، وابعث إلى الحسين وعبد الرحمان بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير فادعهم إلى البيعة ، مع أنّي أعلم أنّ الحسين خاصة لا يجيبك إلى بيعة يزيد أبداً ، ولا يرى له عليه طاعة ، والله إنّي لو كنت موضعك لم اراجع الحسين في كلمة واحدة حتّى أضرب عنقه ، فأطرق الوليد بن عتبة ، ثمّ رفع رأسه وقال: ليت الوليد بن عتبة لم يولد.
____________
١ ـ من المقتل.
قال : ثمّ دمعت عيناه ، فقال له عدوّ الله مروان : أيّها الامير ، لا تجزع بما ذكرت لك ، فإنّ آل أبي تراب هم الأعداء في قديم الدهر ولم يزالوا ، وهم الّذين قتلوا عثمان ، ثمّ ساروا إلى معاوية فحاربوه ، فإنّي لست آمن ـ أيّها الأمير ـ إن أنت لم تعاجل الحسين خاصة أن تسقط منزلتك عند أمير المؤمنين يزيد.فقال الوليد : مهلاً ـ يا مروان ـ اُقصّر من كلامك وأحسن القول في ابن فاطمة ، فإنّه بقيّة ولد النبيّين.قال : ثمّ بعث الوليد بن عتبة إلى الحسين وعبد الرحمان بن أبي بكر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير فدعاهم ، وأقبل الرسول وهو عمرو بن عثمان ، فلم يصب القوم في منازلهم ، فمضى نحو المسجد فإذا القوم عند قبر النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فسلّم ، ثمّ قال : إنّ الأمير يدعوكم ، فصيروا إليه.فقال الحسين : نفعل إن شاء الله إذا نحن فرغنا من مجلسنا ، فانصرف الرسول وأخبر الوليد بذلك ، واقبل عبد الله بن الزبير على الحسين ، فقال : يا أبا عبد الله ، إنّ هذه ساعة لم يكن الوليد بن عتبة يجلس فيها للناس ، وإنّي قد أنكرت بعثته إلينا في مثل هذا الوقت ، فترى لما بعث إلينا (١)؟فقال الحسين عليهالسلام : اخبرك إنّي أظنّ أنّ معاوية هلك ، وذلك انّي رأيت البارحة في منامي كأنّ منبر معاوية منكوس ، ورأيت النّار تشتعل في داره ، فتأوّلت ذلك في نفسي بأنّه قد مات.قال ابن الزبير : فاعمل على ذلك بأنّه كذلك ، فما ترى أن تصنع إذا دعيت إلى بيعة يزيد؟
____________
١ ـ في المقتل : أنكرت بعثه ... أفترى لماذا بعث إلينا؟
فقال الحسين عليهالسلام : لا اُبايع أبداً ، لأنّ الأمر إنّما كان لي بعد أخي الحسن فصنع معاوية ما صنع ، وحلف لأخي الحسن انّه لا يجعل الخلافة لأحد من بعده من ولده ، وأن يردّها عليَّ إن كنت حيّاً ، فإن كان معاوية قد خرج من دنياه ولم يف لي ولا لأخي فوالله لقد جاءنا مالا قوام (١) لنا به ، أتظنّ أنّي اُبايع يزيد ، ويزيد رجل فاسق معلن بالفسق ، وشرب الخمر ، واللعب بالكلاب والفهود ، ونحن بقيّة آل رسول الله صلىاللهعليهوآله ؟ والله لا يكون ذلك أبداً ، فبينما هما في المحاورة إذ رجع الرسول وقال للحسين : أبا عبد الله ، إنّ الأمير قاعد لكما خاصة فقوما إليه ، فزبره الحسين وقال : انطلق إلى أميرك لا اُمّ لك أنا صائر إليه الساعة إن شاء الله ولا قوّة إلا بالله.قال : فرجع الرسول إلى الوليد فأخبره بذلك ، وقال : إنّ الحسين قد أجاب وهو صائر إليك هذه الساعة في أثري.فقال مروان : غدر والله الحسين.فقال الوليد : مهلاً ليس مثل الحسين يغدر ، ولا يقول ما لا يفعل ، ثمّ أقبل الحسين على الجماعة وقال : قوموا (٢) إلى منازلكم فإنّي صائر إليه فأنظر ما عنده.فقال له ابن الزبير : إنّي أخشى (٣) عليك أن يحبسوك عندهم ولا يفارقونك أبداً حتّى تبايع أو تقتل.فقال : لست أدخل عليه وحدي ، ولكن أجمع أصحابي وخدمي
__________________
١ ـ في المقتل : قرار.
٢ ـ في المقتل : صيروا.
٣ ـ في المقتل : خائف.
وأنصاري وأهل الحقّ من شيعتي ، وآمر كلّ واحد منهم أن يأخذ سيفه مسلولاً تحت ثيابه ، ثمّ يصيروا بإزائي ، فإذا أنا أومأت إليهم وقلت : [ يا آل الرسول ، ادخلوا ] دخلوا وفعلوا ما أمرتهم به ، ولا اُعطي القياد من نفسي ، فقد علمت والله أنّه قد أتى من الأمر ما لا قوام له ، ولكن قدر الله ماضٍ ، وهو الّذي يفعل في أهل البيت ما يشاء ويرضى.ثمّ وثب الحسين فصار إلى منزله ، ثمّ دعا بماء فاغتسل ، ولبس ثيابه ، وصلّى ركعتين ، فلمّا انفتل من صلاته أرسل إلى فتيانه ومواليه وأهل بيته فأعلمهم شأنه ، ثمّ قال : كونوا بباب هذا الرجل ، فإذا سمعتم صوتي وكلامي وصحت : [ يا آل الرسول ] فاقتحموا بغير إذن ، ثمّ أشهروا السيف (١) ولا تعجلوا ، فإن رأيتم ما لا تحبّون فضعوا سيوفكم فيهم واقتلوا من يريد قتلي.قال : ثمّ خرج الحسين من منزله ، وفي يده قضيب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وهو في ثلاثين رجلاً من مواليه وشيعته حتّى أوقفهم على باب الوليد ، ثمّ قال : انظروا ما اُوصيكم (٢) به فلا تعدوه وأنا أرجو أن أخرج إليكم سالماً ، ثمّ دخل الحسين عليهالسلام على الوليد وسلم ، وقال : كيف أصبح الأمير؟قال : فردّ عليه الوليد ردّاً حسناً ، ثمّ أدناه وقرّبه ، وكان مروان حاضراً في مجلس الوليد ، وكان بيد الوليد ومروان قبل ذلك منازعة ، فلمّا نظر الحسين إلى مروان جالساً في مجلس الوليد ، قال : أصلح الله الأمير الصلح (٣) خير من
_________١ ـ في المقتل : السيوف.٢ ـ في المقتل : ما أوصيتكم.٣ ـ في المقتل : الصلاح.
الفساد ، وقد آن لكما أن تجتمعا ، الحمد لله الّذي أصلح ذات بينكم.قال : فلم يجيباه بشيء في هذا ، فقال الحسين عليهالسلام : هل ورد عليكم خبر من معاوية؟ فإنّه قد كان عليلاً وقد طالت علته ، فكيف هو الآن؟قال : فتأوّه الوليد ، ثمّ قال : يا أبا عبد الله ، آجرك الله (١) في معاوية ، فقد كان لك عمّ صدق ، ووالي عدل ، فقد ذاق الموت ، وهذا كتاب أمير المؤمنين يزيد.فقال الحسين عليهالسلام : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وعظم الله لكما الأجر ، ولكن لماذا دعوتني؟فقال : دعوتك للبيعة الّتي قد اجتمع عليها الناس.قال : فقال الحسين عليهالسلام : إنّ مثلي لا يعطي بيعته سرّاً ، وإنّما يجب أن تكون البيعة علانية بحضرة الجماعة ، ولكن غداً إذا دعوت الناس إلى البيعة دعوتنا معهم ، فيكون أمراً واحداً.فقال له الوليد : لقد قلت فأحسنت القول وكذا كان ظنّي فيك ، فانصرف راشداً حتّى تأتينا غدا مع الناس.قال : فقام مروان ، وقال : إنّه إن فارقك الساعة ولم يبايع فإنّك لا تقدر عليه بعدها أبداً حتّى تكثر القتلى بينك وبينه ، فاحتبسه عندك ولا تدعه يخرج أو يبايع وإلا فاضرب عنقه.قال : فالتفت الحسين إليه ، وقال : ويلي عليك ياابن الزرقاء ، أتأمره بضرب عنقي؟ كذبت والله ولؤمت ، والله لو رام ذلك أحد من الناس لسقيت
________________١ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.
الأرض من دمه ، فإن شئت ذلك فقم أنت فاضرب (١) عنقي إن كنت صادقاً.قال : ثمّ أقبل الحسين على الوليد وقال : أيّها الأمير ، إنّا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، وبنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب خمر ، قاتل النفس ، معلق بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون ، وننظر وتنظرون أينا أحقّ بالخلافة والبيعة.قال : فسمع من بالباب صوت الحسين فهمّوا أن يقتحموا الدار بالسيوف ، وخرج إليهم الحسينعليهالسلام فأمرهم بالانصراف ، وأقبل الحسين إلى منزله ، فقال مروان للوليد : عصيتني حتّى أفلت الحسين من يدك ، أمّا والله لا تقدر منه على مثلها ، والله ليخرجنّ عليك وعلى يزيد.فقال الوليد : ويحك يا مروان ، أشرت عليَّ بقتل الحسين ، وفي قتله ذهاب ديني ودنياي ، والله ما اُحبّ (٢) أن أملك الدنيا بأسرها وانّي قتلت الحسين ، ما أظنّ أحداً يلقى الله يوم القيامة بدم الحسين إلا وهو خفيف الميزان عندالله ، لا ينظر إليه ، ولا يزكّيه ، وله عذاب أليم.قال : وخرج الحسين عليهالسلام من منزله يسمع الأخبار فإذا هو بمروان بن الحكم قد عارضه في طريقه ، فقال : يا أبا عبد الله ، إنّي لك ناصح فأطعني ترشد وتسدّد.فقال الحسين عليهالسلام : وما ذاك؟قال : إنّي آمرك ببيعة يزيد فإنّه خير لك في دينك ودنياك.
____________١ ـ في المقتل : فرم أنت ضرب.٢ ـ في المقتل : والله إنّي لا احب.
قال : فاسترجع الحسين عليهالسلام وقال : على الاسلام العفا إذ قد بليت الاُمّة براع مثل يزيد ، ثمّ أقبل الحسين على مروان ، وقال : ويحك تأمرني ببيعة يزيد ، ويزيد رجل فاسق ، لقد قلت شططاً ، لا ألومك على قولك لأنّك اللعين الّذي لعنك رسول الله صلىاللهعليهوآله وأنت في صلب أبيك الحكم بن ابي العاص ، ومن لعنه رسول الله فإنّه لا ينكر منه أن يدعو إلى بيعة يزيد ، ثمّ قال : إليك عنّي يا عدوّ الله فإنّا أهل بيت رسول الله على الحقّ والحقّ فينا ، وقد سمعت جدّي رسول اللهصلىاللهعليهوآله يقول : الخلافة محرمة على آل أبي سفيان الطلقاء وأبناء الطلقاء ، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه (١) ، فوالله لقد رآه أهل المدينة على منبر جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآله فلم يفعلوا ما امرهم به فابتلاهم الله بابنه يزيد.قال : فغضب مروان ، ثمّ قال : والله لا تفارقني أو تبايع ليزيد صاغراً ، فإنكم آل أبي تراب قد ملئتم كلاماً واشربتم بغض آل أبي سفيان ، وحقيق عليهم أن يبغضوكم.فقال الحسين عليهالسلام : ويلك إليك عنّي ، فإنّك رجس وإنّا أهل بيت
_________١ ـ السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل : ١٥١ ح ٨١٤ ، مناقب الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام لمحمد بن سليمان الكوفي : ٢/٣٠٠ ح ٧٧٥ وص ٣٠٥ ح ٧٧٩ وص ٧٨٠ وص٣١٨ ح ٧٩٠ ، أنساب الأشراف : ١/١٢٨ ح ٣٦٩ وص ١٢٨ ـ ١٢٩ ح ٣٧١ ، تاريخ الطبري : ١٠ / ٥٨ ، الكامل لابن عديّ : ٣/١٢٥٥ ، وج ٥/١٨٤٤ وص١٩٥١ ، وج ٦/٢١٢٥ وص٢٤١٦ ، وج ٧/٢٥٤٤ ، معاني الأخبار : ٣٤٦ ح ١ ، تاريخ بغداد : ١٢/١٨١ ، شرح نهج البلاغة : ١٥/١٧٦ ، الملاحم والفتن : ١١١ وص ١٦٨ ـ ١٦٩ ب ١٩ ، ميزان الاعتدال : ٢/٦١٣ ، الاصول الستة عشر ، كتاب عبّاد العصفري : ١٩ ، وقعة صفّين : ٢١٦ وص٢٢١ ، سير أعلام النبلاء : ٣/١٤٩ ، البداية والنهاية : ٨/١٣٣ ، المطالب العالية : ٤/٣١٣ ح ٤٤٩٩.
الطهارة الّذي أنزل الله فينا : ( إنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )(١) فنكس مروان رأسه ، فقال له الحسين : أبشر يا ابن الزرقاء بكل ما تكره من الرسول صلىاللهعليهوآلهيوم تقدّم على جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآله فيسألك عن حقي وحق يزيد.قال : فمضى مروان مغضباً حتّى دخل على الوليد فخبّره بما كان من مقالة الحسين عليهالسلام ، وكان ابن الزبير قد خرج ليلاً قاصداً مكّة حين اشتغلوا بالحسين ، فبعث الوليد بن عتبة في طلبه فلم يقدروا عليه وفاتهم ، فكتب الوليد إلى يزيد يخبره الخبر بما كان من ابن الزبير ، ثمّ ذكر له بعد ذلك أمر الحسين ، فلمّا ورد الكتاب على يزيد وقرأه غضب غضباً شديداً ، وكان إذا غضب انقلبت عيناه فصار أحول ، فكتب إلى الوليد بن عتبة :من عبد الله أمير المؤمنين يزيد إلى الوليد بن عتبة.أمّا بعد :فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة ثانياً على أهل المدينة وذر عبد الله ابن الزبير فإنّه لا يفوتنا ، وليكن مع جواب كتابي رأس الحسين ، فإن فعلت ذلك فقد جعلت لك أعنّة الخيل ، ولك عندي الجائزة العظمى والحظّ الأوفر ، والسلام.فلمّا ورد الكتاب على الوليد وقرأه عظم ذلك عليه ، ثمّ قال : لا والله لا يراني الله بقتل ابن نبيّه(٢) ولو جعل يزيد لي الدنيا بما فيها.
قصد الإمام الحسين (ع) قبر جده رسول الله (ص)
قال : وخرج الحسين عليهالسلام من منزله ذات ليلة وأقبل إلى قبر جدّه صلىاللهعليهوآله ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، أنا الحسين بن فاطمة
_______١ ـ سورة الأحزاب : ٣٣.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : بنته.
فرخك وابن فرختك ، وسبطك الّذي خلّفتني في اُمّتك ، فاشهد عليهم يا نبيّ الله أنهم قد خذلوني ، وضيّعوني ، ولم يحفظوني ، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك.قال : ثمّ قام فصفّ قدميه فلم يزل راكعاً ساجداً. قال : وأرسل الوليد إلى منزل الحسين عليهالسلاملينظر أخرج من المدينة أم لا ، فلم يصبه في منزله ، فقال : الحمد لله الّذي (١) خرج ولم يبتلني الله (٢) بدمه.قال : ورجع الحسين إلى منزله عند الصبح.قال : فلمّا كانت الليلة الثانية (٣) خرج إلى القبر أيضاً وصلّى ركعات ، فلمّا فرغ من صلاته جعل يقول : اللّهمّ هذا قبر نبيّك محمد ، وأنا ابن بنت نبيّك ، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت.اللّهمّ إنّي اُحبّ المعروف ، واُنكر المنكر ، وأنا أسألك يا ذا الجلال والاكرام بحقّ هذا (٤) القبر ومن فيه إلا اخترت لي ما هو لك رضى ، ولرسولك رضى.قال : ثمّ جعل يبكي عند القبر حتّى إذا كان قريباً من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى ، فإذا هو برسول الله صلىاللهعليهوآله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين يديه حتّى ضمّ الحسين إلى صدره وقبّل بين عينيه وقال : حبيبي يا حسين كأنّي أراك عن قريب مرملاً بدمائك ، مذبوحاً
_______١ ـ في المقتل : إذ.٢ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.٣ ـ في المقتل : الثالثة.٤ ـ من المقتل.
بأرض كربلاء ، بين (١) عصابة من اُمّتي ، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى ، وظمآن لا تروى ، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة.حبيبي يا حسين ، إنّ أباك واُمّك وأخاك قدموا عليَّ وهم مشتاقون إليك ، وإنّ لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة.قال : فجعل الحسين عليهالسلام في منامه ينظر إلى جدّه ويقول : يا جدّاه ، لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا ، فخذني إليك وأدخلني معك في قبرك.فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : لا بدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتّى ترزق الشهادة ، وما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم ، فإنّك وأباك وأخاك وعمك وعم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتّى تدخلوا الجنة.قال : فانتبه الحسين عليهالسلام من نومه فزعاً مرعوباً فقصّ رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطّلب ، فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق ولا مغرب قوم أشدّ غماً من أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآله ولا أكثر باك ولا باكية منهم.
خروج الإمام الحسين (ع) من المدينة الى مكة
قال : وتهيّأ الحسين صلوات الله عليه للخروج من المدينة ومضى في جوف الليل إلى قبر اُمّهعليهاالسلام فودّعها ، ثمّ مضى إلى قبر أخيه الحسن عليهالسلام ففعل كذلك ، ثمّ رجع إلى منزله وقت الصبح ، فأقبل إليه أخوه محمد إبن الحنفيّة وقال : يا أخي أنت أحبّ الخلق إليّ وأعزّهم عليَّ ، ولست والله أدّخر النصيحة لأحد من الخلق ، وليس أحد أحقّ بها منك لأنّك مزاج مائي
______١ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل والبحار : من.
ونفسي وروحي وبصري ، وكبير أهل بيتي ، ومن وجبت طاعته في عنقي ، لأنّ الله تبارك وتعالى قد شرّفك عليَّ وجعلك من سادات أهل الجنّة ، واريد أن اُشير عليك فاقبل منّي.فقال الحسين عليهالسلام : يا أخي ، قل ما بدا لك.فقال : اُشير عليك أن تتنحّى عن يزيد وعن الأمصار ما استطعت ، وتبعث رسلك إلى الناس تدعوهم إلى بيعتك ، فإن بايعك الناس حمدت الله على ذلك وقمت فيهم بما كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهيقوم به فيهم حتّى يتوفّاك الله (١) وهو عنك راض ، والمؤمنون عنك راضون كما رضوا عن أبيك وأخيك ، وإن اجتمع الناس على غيرك حمدت الله على ذلك وسكتّ ولزمت منزلك (٢) فإنّي خائف عليك أن تدخل مصراً من الأمصار ، أو تأتي جماعة من الناس فيقتتلون فتكون طائفة منهم معك وطائفة عليك فتقتل بينهم.فقال الحسين عليهالسلام : فإلى أين أذهب؟قال : تخرج إلى مكّة ، فإن اطمأنّت بك الدار بها فذاك ، وإن تكن الاُخرى خرجت إلى بلاد اليمن ، فإنّهم أنصار جدّك وأبيك ، وهم أرأف الناس وأرقّهم قلوباً (٣) ، وأوسع الناس بلاداً ، فإن اطمأنّت بك الدار فذاك (٤) وإلا لحقت بالرمال ، وشعوب الجبال ، وجزت (٥ ) من بلد إلى بلد ، حتّى تنظر ما يؤل إليه أمر الناس ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين.
________١ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : حمدت الله على ذلك ، وتسكت منزلك.٣ ـ في المقتل : وهم أرأف وأرقّ قلوباً.٤ ـ من المقتل.٥ ـ في المقتل : وصرت.
ونفسي وروحي وبصري ، وكبير أهل بيتي ، ومن وجبت طاعته في عنقي ، لأنّ الله تبارك وتعالى قد شرّفك عليَّ وجعلك من سادات أهل الجنّة ، واريد أن اُشير عليك فاقبل منّي.فقال الحسين عليهالسلام : يا أخي ، قل ما بدا لك.فقال : اُشير عليك أن تتنحّى عن يزيد وعن الأمصار ما استطعت ، وتبعث رسلك إلى الناس تدعوهم إلى بيعتك ، فإن بايعك الناس حمدت الله على ذلك وقمت فيهم بما كان رسول الله صلى الله عليه و آله يقوم به فيهم حتّى يتوفّاك الله (١) وهو عنك راض ، والمؤمنون عنك راضون كما رضوا عن أبيك وأخيك ، وإن اجتمع الناس على غيرك حمدت الله على ذلك وسكتّ ولزمت منزلك (٢) فإنّي خائف عليك أن تدخل مصراً من الأمصار ، أو تأتي جماعة من الناس فيقتتلون فتكون طائفة منهم معك وطائفة عليك فتقتل بينهم.فقال الحسين عليهالسلام : فإلى أين أذهب؟قال : تخرج إلى مكّة ، فإن اطمأنّت بك الدار بها فذاك ، وإن تكن الاُخرى خرجت إلى بلاد اليمن ، فإنّهم أنصار جدّك وأبيك ، وهم أرأف الناس وأرقّهم قلوباً (٣) ، وأوسع الناس بلاداً ، فإن اطمأنّت بك الدار فذاك (٤) وإلا لحقت بالرمال ، وشعوب الجبال ، وجزت (٥ ) من بلد إلى بلد ، حتّى تنظر ما يؤل إليه أمر الناس ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين.
______________١ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : حمدت الله على ذلك ، وتسكت منزلك.٣ ـ في المقتل : وهم أرأف وأرقّ قلوباً.٤ ـ من المقتل.٥ ـ في المقتل : وصرت.
قال : فقال الحسين عليهالسلام : يا أخي ، والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ، فقد قال جدّي صلىاللهعليهوآله : اللّهمّ لا تبارك في يزيد.قطع محمد بن الحنفيّة الكلام وبكى ، فبكى [ معه ] (١) الحسين عليهالسلام ساعة ، ثمّ قال : يا أخي ، جزاك الله خيراً فقد نصحت وأشرت بالصواب ، وأنا عازم على الخروج إلى مكّة ، وقد تهيّأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي ممّن أمرهم (٢) أمري ورأيهم رأيي ، وأمّا أنت يا أخي فما عليك أن تقيم بالمدينة ، فتكون لي عيناً عليهم لا تخف عنّي شيئاً من امورهم.ثمّ دعا الحسين عليهالسلام بدواة وبياض وكتب هذه الوصيّة لأخيه محمد رضي الله عنه :بسم الله الرحمن الرحيمهذا ما أوصى به الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفيّة ، أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمّداً عبده ورسوله ، جاء بالحقّ من عند الحقّ ، وأن الجنّة والنار حقّ ، وأن الساعة أتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنّما خرجت لطلب الاصلاح في اُمّة جدّي صلىاللهعليهوآله ، اريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي محمد صلىاللهعليهوآله وأبي عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ، ومن ردّ علي هذا أصبر (٣) حتّى يقضي الله بيني وبين القوم
________٩ ح ٣١ ، والكافي : ٥/٥٣ ح ٢.١ ـ من المقتل والبحار.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل والبحار : وشيعتي وأمرهم.٣ ـ في المقتل : صبرت.
بالحق [ ويحكم بيني وبينهم ] (١) وهو خير الحاكمين ، وهذه وصيّتي يا أخي إليك ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكّلت وإليه اُنيب.
___________١ ـ من المقتل.
ثم طوى الحسين عليهالسلام الكتاب وختمه بخاتمه ودفعه إلى أخيه محمد ، ثمّ ودّعه وخرج في جوف الليل (٨) يريد مكّة في جميع أهل بيته ، وذلك لثلاث ليال مضين من شهر شعبان سنة ستّين ، فلزم الطريق الأعظم ،
_________٨ ـ من قوله : « فلمّا ورد الكتاب على الوليد » إلى هنا نقله المجلسي رحمهالله في البحار : ٤٤/٣٢٧ ـ ٣٣٠ عن كتابنا هذا ، وكذا عوالم العلوم : ١٧/١٧٧.
وجعل [ يسيرو ] (١) يتلو هذه الآية : ( فَخَرَجَ مِنهَا خَائِفاً يَتَرَقََّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ القَومِ الظَّالِمِينَ)(٢) فقاله له ابن عمّه [ مسلم بن عقيل بن أبي طالب ] (٣) : يا ابن رسول الله ، لو عدلنا عن الطريق وسلكنا غير الجادّة كما فعل ابن الزبير كان عندي [ خير ] (٤) الرأي ، فإنّا نخاف من الطلب.فقال : لا يا ابن العمّ ، لا فارقت هذا الطريق أو أنظر أبيات مكّة أو يقضي الله في ذلك ما يحبّ ، فبينا الحسين بين مكّة والمدينة إذ استقبله عبد الله بن مطيع العدويّ ، فقال : أين تريد يا أبا عبد الله ، جعلني الله فداك؟فقال : أمّا في وقتي هذا فإنّي اريد مكّة ، فإذا صرت إليها استخرت الله.فقال عبد الله بن مطيع : خار الله لك في ذلك ، وإنّي اُشير عليك بمشورة فاقبلها منّي.فقال الحسين عليهالسلام : ما هي؟قال : إذا أتيت مكّة فاحذر أن يغرّك أهل الكوفة فإن فيها قتل أبوك ، وطعن أخوك طعنة كادت [ أن ] (٥) تأتي على نفسه فيها ، فالزم فيها الحرم فأنت سيّد العرب في دهرك ، فوالله لئن هلكت ليهلكنّ أهل بيتك بهلاكك ، والسلام.قال : فودّعه الحسين ودعا له بالخير ، وسار حتّى وافى مكّة ، فلمّا نظر إلى جبالها جعل يتلو :( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلقَاءَ مَديَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) (٦). (٧)
______________١ و ٣ و ٤ و ٥ ـ من المقتل.٢ ـ سورة القصص : ٢١.٦ ـ سورة القصص : ٢٢.٧ ـ مقتل الحسين عليهالسلام للخوارزمي : ١/١٨٠ ـ ١٨٩.
الحسين (ع) في مكة
ولمّا دخل الحسين مكّة جعل أهلها يختلفون إليه ، وكان قد نزل بأعلى مكّة ، ونزل عبد الله بن الزبير داره ، ثمّ تحوّل الحسين إلى دار العبّاس ، وكان أمير مكّة من قبل يزيد عمر بن سعد ، وهاب ابن سعد أن يميل الحجّاج مع الحسين لما (٢) يرى من كثرة اختلاف الناس إليه من الآفاق ، فانحدر إلى المدينة وكتب بذلك إلى يزيد لعنة الله ، وكان الحسين أثقل الخلق على ابن الزبير لأنّه كان يطمع أن يبايعه أهل مكّة ، فلمّا قدم الحسين صاروا يختلفون إليه وتركوا ابن الزبير ، وكان ابن الزبير يختلف بكرة وعشيّة الى الحسين ويصلّي معه.وبلغ أهل الكوفة أنّ الحسين قد صار في (٣) مكّة ، وأقام الحسين عليهالسلام في مكّة باقي شهر شعبان ورمضان وشوّال وذي القعدة ، وكان عبد الله بن عبّاس وعبد الله بن عمر بمكة فأقبلا جميعاً وقد عزما أن ينصرفا إلى المدينة ، فقال ابن عمر : يا أبا عبد الله اتّق الله ، فقد عرفت عداوة أهل هذا البيت لكم ، وظلمهم إيّاكم ، وقد وليّ الناس هذا الرجل يزيد ، ولست آمن أن تميل الناس إليه لمكان الصفراء والبيضاء فيقتلوك فيهلك بقتلك بشر كثير ، فإنّي سمعت
_______________
٢ ـ قوله : « وهاب ابن سعد ... لما » أثبتناه كما في المقتل ، وما في الأصل مصحف.٣ ـ في المقتل : إلى.
رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : حسين مقتول ، فلئن خذلوه ولم (١) ينصروه ليخذلنّهم الله إلى يوم القيامة ، وأنا اُشير عليك بالصلح وتدخل فيما دخل فيه الناس ، واصبر كما صبرت لمعاوية حتّى يحكم الله بينك وبين القوم الظالمين.فقال الحسين عليهالسلام : يا با عبد الرحمن ، أنا أدخل في صلحه وقد قال النبيّ فيه وفي أبيه ما قال؟!فقال ابن عبّاس : صدقت ، قد قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : مالي وليزيد؟ لا بارك الله في يزيد ، فإنّه يقتل ولدي وولد ابنتي الحسين عليهالسلام ، والذي نفسي بيده لا يقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه إلا خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم (٢) ثمّ بكى ابن عبّاس وبكى الحسين معه ، وقال : يا ابن عبّاس ، أتعلم أنّي ابن بنت رسول الله؟قال ابن عبّاس : اللّهمّ نعم ، ما نعرف أحداً على وجه الأرض ابن بنت رسول الله غيرك ، وانّ نصرك لفرض على هذه الاُمّة كفريضة الصيام والزكاة ، لا يقبل الله أحدهما دون الآخر.فقال الحسين : فما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله من وطنه وداره ، و [ موضع ] (٣) وقراره ومولده ، وحرم رسوله ، ومجاورة قبر جدّه ومسجده ، وموضع مهاجره فتركوه خائفاً مرعوباً لا يستقرّ في قرار ، ولا يأوي إلى وطن ، يريدون بذلك قتله ، وسفك دمه ، وهو لم يشرك
____________١ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : فلن.٢ ـ المعجم الكبير : ٣/١٢٩ ح ٢٨٦١ ، الفردوس للديلمي : ٤/٢٨٥ ح ٦٨٤١ ، مثير الأحزان : ٢٢ ، مجمع الزوائد : ٩/١٩٠ ، الخصائص الكبرى : ٢/٢٣٧ ، جمع الجوامع ١/٨٥٧ و١٠٠١ ، كنز العمال : ١١/١٦٦ ح ٠٦١/٣ ، بحار الأنوار : ٤٤/٢٦٦ ح ٢٤.٣ ـ من المقتل.
بالله شيئاً ولم يغيّر ما كان (١) عليه رسول الله صلىاللهعليهوآله ؟فقال ابن عبّاس : فماذا أقول فيهم؟ أقول فيهم إنّهم كفروا بالله ورسوله ولا يأتون الصلاة إلاّ وهم كسالى ( يُرَاؤُونَ النّْاسَ وَلَا يَذْكُروُنَ اللهَ إلَّا قَلِيلاً ) (٢). وأمّا أنت يا ابن رسول الله فإنّك رأس الفخار ، ابن رسول الله [ وابن وصيّه ] (٣) ، وابن بنته ، فلا تظنّ ـ يا ابن رسول الله ـ أنّ الله غافلاً عمّا يعمل الظالمون (٤) ، وأنا أشهد أنّ من رغب عنك فماله من خلاق (٥).فقال الحسين عليهالسلام : اللّهمّ فاشهد.قال ابن عبّاس : يا ابن رسول الله ، كأنّك تنعى إليَّ نفسك ، وتريد منّي أن أنصرك ، والله لو ضربت بسيفي بين يديك حتّى تنخلع يداي لما كنت بالّذي أبلغ من حقّك عشر العشير.فقال ابن عمر : يا ابن عبّاس ، ذرنا من هذا.ثمّ أقبل ابن عمر على الحسين فقال : مهلاً ـ يا أبا عبد الله ـ عمّا قد أزمعت عليه ، وارجع معنا إلى المدينة وادخل في صلح القوم ، ولا تجعل لهؤلاء الّذين لا خلاق لهم عليك حجّة ، وإن أحببت ألاّ تبايع فأنت متروك ، فعسى يزيد لا يعيش إلاّ قليلاً فيكفيك الله أمره.فقال الحسين عليهالسلام : اُفّ لهذا الكلام.
_________١ ـ في المقتل : ولم يتغيّر عمّا كان.٢ ـ سورة النساء : ١٤٢.٣ ـ من المقتل.٤ ـ إقتباس من الآية : ٤٢ من سورة إبراهيم.٥ ـ إقتباس من الآيتين : ١٠٢ و٢٠٠ من سورة البقرة.
فقال ابن عمر : إنّي أعلم أنّ الله تبارك وتعالى لم يكن ليجعل ابن بنت نبيّه على خطأ ، ولكن أخشى أن يضرب وجهك هذا الحسن بالسيوف ونرى من هذا الأمر ما لا نحبّ (١) فارجع معنا إلى المدينة ولا تبايع أبداً ، واقعد في منزلك.فقال الحسين عليهالسلام : هيهات ، إنّ القوم لا يتركوني إن أصابوني ، فإن لم يصيبوني فإنّهم يطلبونني أبداً حتّى اُبايع او يقتلونني ، أمّا تعلم أنّ من هو ان الدنيا على الله انّه اُتي برأس يحيى بن زكريّا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل والرأس ينطق بالحجّة عليهم فلم يضرّ ذلك يحيى بل ساد الشهداء؟ أو لا تعلم أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيّاً ثمّ يجلسون في أسواقهم كأنّهم لم يصنعوا شيئاً فلم يعجّل الله (٢) عليهم ، ثمّ أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام؟ اتقّ الله ـ يا با عبد الرحمن ـ ولا تدعنّ نصرتي.يا ابن عمر ، إن كان الخروج يثقل عليك فأنت في أوسع عذر واجلس عن القوم ولا تعجل بالبيعة لهم حتّى تعلم ما يؤول الأمر إليه.قال : ثمّ أقبل الحسين عليهالسلام على ابن عبّاس ، فقال : يا ابن عبّاس ، إنّك ابن عمّ والدي ، ولم تزل تأمر بالخير مذ عرفتك ، وكان أبي يستشيرك ، فامض إلى المدينة في حفظ الله (٣) ، ولا تخف عليَّ شيئاً من أخبارك ، فإنّي مستوطن هذا الحرم ومقيم فيه أبداً ما رأيت أهله يحبونّي (٤)وينصرونني فإذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم.قال فبكى ابن عبّاس وابن عمر ، ثمّ ودّعهما فسارا إلى المدينة ، وأقام
______________١ ـ في المقتل : وترى من هذه الاُمّة ما لا تحبّ.٢ و٣ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.٤ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : يخيّروني.
الحسين بمكّة قد لزم الصوم والصلاة.
رسائل الكوفيين الى الحسين (ع)
قال : واجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي ، فلمّا تكاملوا في منزله قام فيهم خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبيّ وآله ، ثمّ ذكر عليّ بن أبي طالبعليهالسلام فترحمّ عليه وذكر مناقبه الشريفة ، ثمّ قال :يا معشر الشيعة ، إنّكم قد علمتم بأنّ معاوية قد هلك وصار إلى ربّه ، وقدم على عمله ، وسيجزيه الله بما قدم ، وقد قعد في موضعه ابنه يزيد اللعين ، وهذا الحسين بن عليّ قد خالفه وصار إلى مكّة هارباً من طواغيت آل أبي سفيان ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، وقد احتاج إلى نصرتكم ، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه فاكتبوا إليه ، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغروّا الرجل من نفسه.فقال القوم : بل نؤويه وننصره ونقاتل عدوّه ونقتل أنفسنا بين يديه ، فأخذ سليمان بذلك عليهم عهداً وميثاقاً أنّهم لا يغدرون ولا ينكثون ، ثمّ قال : اكتبوا إليه الآن كتاباً من جماعتكم انكم له كما ذكرتم ، وسلوه القدوم عليكم.فقالوا : أفلا تكفينا أنت الكتاب إليه؟فقال سليمان : لا ، بل تكتب إليه جماعتكم.قال : فكتب القوم إليه :بسم الله الرحمن الرحيمللحسين بن عليّ أمير المؤمنين من سليمان بن صرد والمسّيب بن نجبة وحبيب بن مظاهر ورفاعة بن شدّاد وعبد الله بن وآل وجماعة شيعته من
المؤمنين.سلام عليك.أمّا بعد :فالحمد لله الّذي قصم عدوّك وعدوّ أبيك من قبل الجبّار العنيد ، الغشوم الظلوم ، الّذي ابتزّ (١)هذه الاُمّة أمرها ، وغصبها فيئها ، وتأمّر عليها بغير رضا منها ، ثّم قتل خيارها ، واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبارتها وعتاتها ، فبعداً لهم كما بعدت ثمود ، ثمّ إنّه قد بلغنا أنّ ولده اللعين قد تأمّر على هذه الاُمّة بلا مشورة ولا إجماع ، وبعد ، فإنّا مقاتلون معك وباذلون أنفسنا من دونك ، فأقبل إلينا فرحاً مسروراً ، أميراً مطاعاً ، إماماً ، خليفة مهديّاً ، فإنّه ليس علينا إمام ولا أمير إلاّ النعمان بن بشير ، وهو في قصر الامارة وحيد طريد ، لا نجتمع معه في جمعة ولا جماعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولا نؤدّي إليه الخراج ، يدعو فلا يجاب ، ويأمر فلا يطاع ، ولو بلغنا أنّك أقبلت إلينا لأخرجناه عنّا حتّى يلحق بالشام ، فأقبل إلينا فلعلّ الله تعالى يجمعنا بك على الحقّ والسلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته.ثمّ طووا الكتاب وختموه ودفعوه إلى عبد الله بن سبيع الهمداني وعبد الله ابن مسمع بن بكري(٢).قال : فقرأ الحسين عليهالسلام الكتاب وسكت ، ولم يجبهم بشيء ، ثمّ قدم عليه قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الله بن عبد الرحمن الأرحبي وعامر
____________١ ـ ابتزّ : اغتصب.٢ ـ في المقتل : عبد الله بن مسمع البكري.
ابن عبيد السكوني (١) وعبد الله بن وال التيمي ومعهم نحو من مائة وخمسين كتاباً من الرجل والثلاثة والأربعة يسألونه القدوم عليهم والحسين عليهالسلام يتأنّى فلا يجيبهم بشيء.ثمّ قدم عليه بعد ذلك هانىء بن هانىء السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي بهذا الكتاب ، وهو آخر كتاب ورد عليه من الكوفة :بسم الله الرحمن الرحيمإلى الحسين بن أمير المؤمنين ، من شيعته وشيعة أبيه عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام.أمّا بعد :فإنّ الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل يا ابن رسول الله ، فقد اخضرّت الحبّات (٢)، واينعت الثمار ، وأعشبت الأرض ، وأورقت الأشجار ، فاقدم إذا شئت ، فإنّما تقدّم على جند مجنّدة لك ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.فقال الحسين لهانىء بن هانىء السبيعي وسعيد بن عبد الله ، خبّراني ، من اجتمع على هذا الكتاب الّذي كتب معكما إليّ؟فقالا : يا بن رسول الله ، اجتمع عليه شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر ويزيد بن الحارث ، وذكروا له جماعة.
__________١ ـ في المقتل : السلوكي.٢ ـ في المقتل : الجَناب.والجناب : الفناء وما قرب من محلّة النوم.
إرسال مسلم بن عقيل(رض)
ثم دعا الحسين عليهالسلام بمسلم بن عقيل رضي الله عنه ودفع إليه الكتاب وقال : إنّي موجّهك إلى أهل الكوفة ، وهذه كتبهم إليّ ، وسيقضي الله من أمرك ما يحبّ ويرضى ، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء ، فامض على بركة الله وعونه حتّى تدخل الكوفة ، فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها وادع الناس إلى طاعتي ، فإن رأيت الناس مجتمعين على بيعتي فعجّل عليَّ بالخبر حتّى أعمل على حسب ذلك إن شاء الله تعالى.قال : ثمّ عانقه الحسين وبكيا جميعاً ، وكان الحسين عليهالسلام ينظر إلى مصرعه ، فخرج مسلم من مكّة قاصداً المدينة مستخفياً لئلّا يعلم به بنو اُميّة ، فلمّا دخل المدينة بدأ بمسجد النبيّ صلىاللهعليهوآلهفصلّى عنده ، ثمّ أقبل (١) في جوف الليل ، فودع أهل بيته ، ثمّ استأجر دليلين من قيس عيلان يدلّانه على الطريق ، ويمضيان به إلى الكوفة على غير الجادّة ، فخرج الدليلان به من المدينة ليلاً وسارا فأضلّا الطريق ، واشتدّ بهما العطش فماتا عشطاً ، وسار (٢) مسلم ومن معه إلى الماء وقد كادوا أن يهلكوا عطشاً ، فكتب مسلم إلى الحسين عليهالسلام :
__________١ ـ في المقتل : خرج.٢ ـ في المقتل : وصار.
[ بسم الله الرحمن الرحيم ] (١)أمّا بعد :فإنّي خرجت من المدينة ليلاً مع دليلين استأجرتهما فضلّا عن الطريق واشتدّ بهما العطش فماتا ، ثمّ صرنا إلى الماء بعد ذلك ـ وقد كدنا نهلك ـ وأصبنا الماء بموضع يقال له « المضيق » وقد تطيرّت من وجهي ، فرأيك في إعفائي.فعلم الحسين عليهالسلام أنّه قد تشأّم وتطيّر ، فكتب إليه :[ بسم الله الرحمن الرحيممن الحسين بن عليّ إلى مسلم بن عقيل ] (٢)أمّا بعد :فقد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إليّ والاستعفاء من وجهك إلاّ الجبن والفشل ، فامض لما اُمرت به.فلمّا وصل الكتاب إليه وجد همّاً وحزناً في نفسه ، ثمّ قال : لقد نسبني أبو عبد الله إلى الجبن ، ثمّ سار مسلم حتّى دخل الكوفة. (٣)
_________________١ و ٢ ـ من المقتل.٣ ـ مقتل الحسين عليهالسلام للخوارزمي : ١/١٩٦ ـ ١٩٧.
كتاب التخريج : عن العامري بالإسناد عن هبيرة بن مريم (٣) ، عن ابن عبّاس ، قال : رأيت الحسين عليه السلام قبل أن يتوجه إلى العراق على باب الكعبة وكف جبرئيل في كفه ، وجبرئيل ينادي : هلمّوا إلى بيعة الله سبحانه.وعُنّف ابن عبّاس على تركه الحسين عليه السلام ، فقال : إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلاً ولم يزيدوا رجلاً ، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم.وقال محمد بن الحنفيّة : وإنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم. (٤)
____________
٣ ـ في المناقب : بريم.
٤ ـ مناقب ابن شهراشوب : ٤/٥٢ ـ ٥٣ ، عنه البحار : ٤٤/١٨٥ ح ١٢ ، ومدينة المعاجز : ٣/٥٠٣ ح ١٠١٧ ـ ١٠١٩ ، وعوالم العلوم : ١٧/٥٤ ح ٢ وص ٤١ ح ١.
رسائل الكافر يزيد و اتباعه (عليهم لعائن الله)
بسم الله الرحمن الرحيممن عبد الله يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة.أمّا بعد :فإن معاوية كان عبداً من عباد الله أكرمه فاستخلفه ومكّن له ، ثمّ قبضه إلى روحه وريحانه أو عقابه (٣) ، عاش بقدر ، ومات بأجل ، وقد كان عهد إليّ وأوصاني أن أحذر آل أبي تراب وجرأتهم على سفك الدماء ، وقد آن ـ يا وليد ـ أن ينتقم الله للمظلوم (٤) عثمان من آل أبي تراب بآل أبي سفيان ، فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة [ لي ] (٥) على جميع الخلق في المدينة.قال : ثمّ كتب في رقعة صغيرة :أمّا بعد :فخذ الحسين وعبد الله بن عمر وعبد الرحمان بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة ، فمن أبى عليك فاضرب عنقه ، وابعث إليّ برأسه ، والسلام. (٦)
____________
٣ ـ في المقتل : إلى روحه وريحانه ورحمته وثوابه.
٤ ـ في المقتل : وقد علمت يا وليد أنّ الله تعالى منتقم للمظلوم.
٥- في المقتل.
٦ ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ١/١٧٧ ـ ١٨٠.
وروي عن مكحول ، عن أبي عبيدة الجراح ، قال : قال رسول الله صلىالله عليه وآله : لا يزال أمر أمتي قائماً بالقسط حتّى يكون أوّل من يثلمه رجل من بني اُميّة [ يقال له يزيد ]. (١)وبإسناد متّصل بأبي ذر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أوّل من يبدّل ديني رجل من بني اُميّة.قال : ابن أعثم : فلمّا ورد الكتاب على الوليد بن عتبة قرأه واسترجع ، ثمّ قال : يا ويح الوليد بن عتبة من دخوله في هذه الامارة ، ما لي وللحسين؟ ثمّ بعث إلى مروان فدعاه وقرأ الكتاب عليه ، فاسترجع مروان ، ثمّ قال : رحم الله معاوية.فقال الوليد : أشر عليَّ برأيك.فقال مروان : أرى أن ترسل إليهم في هذه الساعة فتدعوهم إلى الطاعة والدخول في بيعة يزيد ، فإن فعلوا قبلت ذلك منهم ، وإن أبوا قدمتهم وضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية ، فإنّهم إن علموا بموته وثب كلّ واحد منهم وأظهر الخلاف ودعا إلى نفسه ، فعند ذلك أخاف أن يأتيك منهم ما لا قبل لك به ، إلا عبد الله بن عمر فإنّي لا أراه ينازع ، فذره عنك ، وابعث إلى الحسين وعبد الرحمان بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير فادعهم إلى البيعة ، مع أنّي أعلم أنّ الحسين خاصة لا يجيبك إلى بيعة يزيد أبداً ، ولا يرى له عليه طاعة ، والله إنّي لو كنت موضعك لم اراجع الحسين في كلمة واحدة حتّى أضرب عنقه ، فأطرق الوليد بن عتبة ، ثمّ رفع رأسه وقال: ليت الوليد بن عتبة لم يولد.
____________
١ ـ من المقتل.
قال : ثمّ دمعت عيناه ، فقال له عدوّ الله مروان : أيّها الامير ، لا تجزع بما ذكرت لك ، فإنّ آل أبي تراب هم الأعداء في قديم الدهر ولم يزالوا ، وهم الّذين قتلوا عثمان ، ثمّ ساروا إلى معاوية فحاربوه ، فإنّي لست آمن ـ أيّها الأمير ـ إن أنت لم تعاجل الحسين خاصة أن تسقط منزلتك عند أمير المؤمنين يزيد.فقال الوليد : مهلاً ـ يا مروان ـ اُقصّر من كلامك وأحسن القول في ابن فاطمة ، فإنّه بقيّة ولد النبيّين.قال : ثمّ بعث الوليد بن عتبة إلى الحسين وعبد الرحمان بن أبي بكر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن الزبير فدعاهم ، وأقبل الرسول وهو عمرو بن عثمان ، فلم يصب القوم في منازلهم ، فمضى نحو المسجد فإذا القوم عند قبر النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فسلّم ، ثمّ قال : إنّ الأمير يدعوكم ، فصيروا إليه.فقال الحسين : نفعل إن شاء الله إذا نحن فرغنا من مجلسنا ، فانصرف الرسول وأخبر الوليد بذلك ، واقبل عبد الله بن الزبير على الحسين ، فقال : يا أبا عبد الله ، إنّ هذه ساعة لم يكن الوليد بن عتبة يجلس فيها للناس ، وإنّي قد أنكرت بعثته إلينا في مثل هذا الوقت ، فترى لما بعث إلينا (١)؟فقال الحسين عليهالسلام : اخبرك إنّي أظنّ أنّ معاوية هلك ، وذلك انّي رأيت البارحة في منامي كأنّ منبر معاوية منكوس ، ورأيت النّار تشتعل في داره ، فتأوّلت ذلك في نفسي بأنّه قد مات.قال ابن الزبير : فاعمل على ذلك بأنّه كذلك ، فما ترى أن تصنع إذا دعيت إلى بيعة يزيد؟
____________
١ ـ في المقتل : أنكرت بعثه ... أفترى لماذا بعث إلينا؟
فقال الحسين عليهالسلام : لا اُبايع أبداً ، لأنّ الأمر إنّما كان لي بعد أخي الحسن فصنع معاوية ما صنع ، وحلف لأخي الحسن انّه لا يجعل الخلافة لأحد من بعده من ولده ، وأن يردّها عليَّ إن كنت حيّاً ، فإن كان معاوية قد خرج من دنياه ولم يف لي ولا لأخي فوالله لقد جاءنا مالا قوام (١) لنا به ، أتظنّ أنّي اُبايع يزيد ، ويزيد رجل فاسق معلن بالفسق ، وشرب الخمر ، واللعب بالكلاب والفهود ، ونحن بقيّة آل رسول الله صلىاللهعليهوآله ؟ والله لا يكون ذلك أبداً ، فبينما هما في المحاورة إذ رجع الرسول وقال للحسين : أبا عبد الله ، إنّ الأمير قاعد لكما خاصة فقوما إليه ، فزبره الحسين وقال : انطلق إلى أميرك لا اُمّ لك أنا صائر إليه الساعة إن شاء الله ولا قوّة إلا بالله.قال : فرجع الرسول إلى الوليد فأخبره بذلك ، وقال : إنّ الحسين قد أجاب وهو صائر إليك هذه الساعة في أثري.فقال مروان : غدر والله الحسين.فقال الوليد : مهلاً ليس مثل الحسين يغدر ، ولا يقول ما لا يفعل ، ثمّ أقبل الحسين على الجماعة وقال : قوموا (٢) إلى منازلكم فإنّي صائر إليه فأنظر ما عنده.فقال له ابن الزبير : إنّي أخشى (٣) عليك أن يحبسوك عندهم ولا يفارقونك أبداً حتّى تبايع أو تقتل.فقال : لست أدخل عليه وحدي ، ولكن أجمع أصحابي وخدمي
__________________
١ ـ في المقتل : قرار.
٢ ـ في المقتل : صيروا.
٣ ـ في المقتل : خائف.
وأنصاري وأهل الحقّ من شيعتي ، وآمر كلّ واحد منهم أن يأخذ سيفه مسلولاً تحت ثيابه ، ثمّ يصيروا بإزائي ، فإذا أنا أومأت إليهم وقلت : [ يا آل الرسول ، ادخلوا ] دخلوا وفعلوا ما أمرتهم به ، ولا اُعطي القياد من نفسي ، فقد علمت والله أنّه قد أتى من الأمر ما لا قوام له ، ولكن قدر الله ماضٍ ، وهو الّذي يفعل في أهل البيت ما يشاء ويرضى.ثمّ وثب الحسين فصار إلى منزله ، ثمّ دعا بماء فاغتسل ، ولبس ثيابه ، وصلّى ركعتين ، فلمّا انفتل من صلاته أرسل إلى فتيانه ومواليه وأهل بيته فأعلمهم شأنه ، ثمّ قال : كونوا بباب هذا الرجل ، فإذا سمعتم صوتي وكلامي وصحت : [ يا آل الرسول ] فاقتحموا بغير إذن ، ثمّ أشهروا السيف (١) ولا تعجلوا ، فإن رأيتم ما لا تحبّون فضعوا سيوفكم فيهم واقتلوا من يريد قتلي.قال : ثمّ خرج الحسين من منزله ، وفي يده قضيب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وهو في ثلاثين رجلاً من مواليه وشيعته حتّى أوقفهم على باب الوليد ، ثمّ قال : انظروا ما اُوصيكم (٢) به فلا تعدوه وأنا أرجو أن أخرج إليكم سالماً ، ثمّ دخل الحسين عليهالسلام على الوليد وسلم ، وقال : كيف أصبح الأمير؟قال : فردّ عليه الوليد ردّاً حسناً ، ثمّ أدناه وقرّبه ، وكان مروان حاضراً في مجلس الوليد ، وكان بيد الوليد ومروان قبل ذلك منازعة ، فلمّا نظر الحسين إلى مروان جالساً في مجلس الوليد ، قال : أصلح الله الأمير الصلح (٣) خير من
_________١ ـ في المقتل : السيوف.٢ ـ في المقتل : ما أوصيتكم.٣ ـ في المقتل : الصلاح.
الفساد ، وقد آن لكما أن تجتمعا ، الحمد لله الّذي أصلح ذات بينكم.قال : فلم يجيباه بشيء في هذا ، فقال الحسين عليهالسلام : هل ورد عليكم خبر من معاوية؟ فإنّه قد كان عليلاً وقد طالت علته ، فكيف هو الآن؟قال : فتأوّه الوليد ، ثمّ قال : يا أبا عبد الله ، آجرك الله (١) في معاوية ، فقد كان لك عمّ صدق ، ووالي عدل ، فقد ذاق الموت ، وهذا كتاب أمير المؤمنين يزيد.فقال الحسين عليهالسلام : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وعظم الله لكما الأجر ، ولكن لماذا دعوتني؟فقال : دعوتك للبيعة الّتي قد اجتمع عليها الناس.قال : فقال الحسين عليهالسلام : إنّ مثلي لا يعطي بيعته سرّاً ، وإنّما يجب أن تكون البيعة علانية بحضرة الجماعة ، ولكن غداً إذا دعوت الناس إلى البيعة دعوتنا معهم ، فيكون أمراً واحداً.فقال له الوليد : لقد قلت فأحسنت القول وكذا كان ظنّي فيك ، فانصرف راشداً حتّى تأتينا غدا مع الناس.قال : فقام مروان ، وقال : إنّه إن فارقك الساعة ولم يبايع فإنّك لا تقدر عليه بعدها أبداً حتّى تكثر القتلى بينك وبينه ، فاحتبسه عندك ولا تدعه يخرج أو يبايع وإلا فاضرب عنقه.قال : فالتفت الحسين إليه ، وقال : ويلي عليك ياابن الزرقاء ، أتأمره بضرب عنقي؟ كذبت والله ولؤمت ، والله لو رام ذلك أحد من الناس لسقيت
________________١ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.
الأرض من دمه ، فإن شئت ذلك فقم أنت فاضرب (١) عنقي إن كنت صادقاً.قال : ثمّ أقبل الحسين على الوليد وقال : أيّها الأمير ، إنّا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، وبنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب خمر ، قاتل النفس ، معلق بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون ، وننظر وتنظرون أينا أحقّ بالخلافة والبيعة.قال : فسمع من بالباب صوت الحسين فهمّوا أن يقتحموا الدار بالسيوف ، وخرج إليهم الحسينعليهالسلام فأمرهم بالانصراف ، وأقبل الحسين إلى منزله ، فقال مروان للوليد : عصيتني حتّى أفلت الحسين من يدك ، أمّا والله لا تقدر منه على مثلها ، والله ليخرجنّ عليك وعلى يزيد.فقال الوليد : ويحك يا مروان ، أشرت عليَّ بقتل الحسين ، وفي قتله ذهاب ديني ودنياي ، والله ما اُحبّ (٢) أن أملك الدنيا بأسرها وانّي قتلت الحسين ، ما أظنّ أحداً يلقى الله يوم القيامة بدم الحسين إلا وهو خفيف الميزان عندالله ، لا ينظر إليه ، ولا يزكّيه ، وله عذاب أليم.قال : وخرج الحسين عليهالسلام من منزله يسمع الأخبار فإذا هو بمروان بن الحكم قد عارضه في طريقه ، فقال : يا أبا عبد الله ، إنّي لك ناصح فأطعني ترشد وتسدّد.فقال الحسين عليهالسلام : وما ذاك؟قال : إنّي آمرك ببيعة يزيد فإنّه خير لك في دينك ودنياك.
____________١ ـ في المقتل : فرم أنت ضرب.٢ ـ في المقتل : والله إنّي لا احب.
قال : فاسترجع الحسين عليهالسلام وقال : على الاسلام العفا إذ قد بليت الاُمّة براع مثل يزيد ، ثمّ أقبل الحسين على مروان ، وقال : ويحك تأمرني ببيعة يزيد ، ويزيد رجل فاسق ، لقد قلت شططاً ، لا ألومك على قولك لأنّك اللعين الّذي لعنك رسول الله صلىاللهعليهوآله وأنت في صلب أبيك الحكم بن ابي العاص ، ومن لعنه رسول الله فإنّه لا ينكر منه أن يدعو إلى بيعة يزيد ، ثمّ قال : إليك عنّي يا عدوّ الله فإنّا أهل بيت رسول الله على الحقّ والحقّ فينا ، وقد سمعت جدّي رسول اللهصلىاللهعليهوآله يقول : الخلافة محرمة على آل أبي سفيان الطلقاء وأبناء الطلقاء ، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه (١) ، فوالله لقد رآه أهل المدينة على منبر جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآله فلم يفعلوا ما امرهم به فابتلاهم الله بابنه يزيد.قال : فغضب مروان ، ثمّ قال : والله لا تفارقني أو تبايع ليزيد صاغراً ، فإنكم آل أبي تراب قد ملئتم كلاماً واشربتم بغض آل أبي سفيان ، وحقيق عليهم أن يبغضوكم.فقال الحسين عليهالسلام : ويلك إليك عنّي ، فإنّك رجس وإنّا أهل بيت
_________١ ـ السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل : ١٥١ ح ٨١٤ ، مناقب الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام لمحمد بن سليمان الكوفي : ٢/٣٠٠ ح ٧٧٥ وص ٣٠٥ ح ٧٧٩ وص ٧٨٠ وص٣١٨ ح ٧٩٠ ، أنساب الأشراف : ١/١٢٨ ح ٣٦٩ وص ١٢٨ ـ ١٢٩ ح ٣٧١ ، تاريخ الطبري : ١٠ / ٥٨ ، الكامل لابن عديّ : ٣/١٢٥٥ ، وج ٥/١٨٤٤ وص١٩٥١ ، وج ٦/٢١٢٥ وص٢٤١٦ ، وج ٧/٢٥٤٤ ، معاني الأخبار : ٣٤٦ ح ١ ، تاريخ بغداد : ١٢/١٨١ ، شرح نهج البلاغة : ١٥/١٧٦ ، الملاحم والفتن : ١١١ وص ١٦٨ ـ ١٦٩ ب ١٩ ، ميزان الاعتدال : ٢/٦١٣ ، الاصول الستة عشر ، كتاب عبّاد العصفري : ١٩ ، وقعة صفّين : ٢١٦ وص٢٢١ ، سير أعلام النبلاء : ٣/١٤٩ ، البداية والنهاية : ٨/١٣٣ ، المطالب العالية : ٤/٣١٣ ح ٤٤٩٩.
الطهارة الّذي أنزل الله فينا : ( إنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )(١) فنكس مروان رأسه ، فقال له الحسين : أبشر يا ابن الزرقاء بكل ما تكره من الرسول صلىاللهعليهوآلهيوم تقدّم على جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآله فيسألك عن حقي وحق يزيد.قال : فمضى مروان مغضباً حتّى دخل على الوليد فخبّره بما كان من مقالة الحسين عليهالسلام ، وكان ابن الزبير قد خرج ليلاً قاصداً مكّة حين اشتغلوا بالحسين ، فبعث الوليد بن عتبة في طلبه فلم يقدروا عليه وفاتهم ، فكتب الوليد إلى يزيد يخبره الخبر بما كان من ابن الزبير ، ثمّ ذكر له بعد ذلك أمر الحسين ، فلمّا ورد الكتاب على يزيد وقرأه غضب غضباً شديداً ، وكان إذا غضب انقلبت عيناه فصار أحول ، فكتب إلى الوليد بن عتبة :من عبد الله أمير المؤمنين يزيد إلى الوليد بن عتبة.أمّا بعد :فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة ثانياً على أهل المدينة وذر عبد الله ابن الزبير فإنّه لا يفوتنا ، وليكن مع جواب كتابي رأس الحسين ، فإن فعلت ذلك فقد جعلت لك أعنّة الخيل ، ولك عندي الجائزة العظمى والحظّ الأوفر ، والسلام.فلمّا ورد الكتاب على الوليد وقرأه عظم ذلك عليه ، ثمّ قال : لا والله لا يراني الله بقتل ابن نبيّه(٢) ولو جعل يزيد لي الدنيا بما فيها.
قصد الإمام الحسين (ع) قبر جده رسول الله (ص)
قال : وخرج الحسين عليهالسلام من منزله ذات ليلة وأقبل إلى قبر جدّه صلىاللهعليهوآله ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، أنا الحسين بن فاطمة
_______١ ـ سورة الأحزاب : ٣٣.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : بنته.
فرخك وابن فرختك ، وسبطك الّذي خلّفتني في اُمّتك ، فاشهد عليهم يا نبيّ الله أنهم قد خذلوني ، وضيّعوني ، ولم يحفظوني ، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك.قال : ثمّ قام فصفّ قدميه فلم يزل راكعاً ساجداً. قال : وأرسل الوليد إلى منزل الحسين عليهالسلاملينظر أخرج من المدينة أم لا ، فلم يصبه في منزله ، فقال : الحمد لله الّذي (١) خرج ولم يبتلني الله (٢) بدمه.قال : ورجع الحسين إلى منزله عند الصبح.قال : فلمّا كانت الليلة الثانية (٣) خرج إلى القبر أيضاً وصلّى ركعات ، فلمّا فرغ من صلاته جعل يقول : اللّهمّ هذا قبر نبيّك محمد ، وأنا ابن بنت نبيّك ، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت.اللّهمّ إنّي اُحبّ المعروف ، واُنكر المنكر ، وأنا أسألك يا ذا الجلال والاكرام بحقّ هذا (٤) القبر ومن فيه إلا اخترت لي ما هو لك رضى ، ولرسولك رضى.قال : ثمّ جعل يبكي عند القبر حتّى إذا كان قريباً من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى ، فإذا هو برسول الله صلىاللهعليهوآله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين يديه حتّى ضمّ الحسين إلى صدره وقبّل بين عينيه وقال : حبيبي يا حسين كأنّي أراك عن قريب مرملاً بدمائك ، مذبوحاً
_______١ ـ في المقتل : إذ.٢ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.٣ ـ في المقتل : الثالثة.٤ ـ من المقتل.
بأرض كربلاء ، بين (١) عصابة من اُمّتي ، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى ، وظمآن لا تروى ، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة.حبيبي يا حسين ، إنّ أباك واُمّك وأخاك قدموا عليَّ وهم مشتاقون إليك ، وإنّ لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة.قال : فجعل الحسين عليهالسلام في منامه ينظر إلى جدّه ويقول : يا جدّاه ، لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا ، فخذني إليك وأدخلني معك في قبرك.فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : لا بدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتّى ترزق الشهادة ، وما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم ، فإنّك وأباك وأخاك وعمك وعم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتّى تدخلوا الجنة.قال : فانتبه الحسين عليهالسلام من نومه فزعاً مرعوباً فقصّ رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطّلب ، فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق ولا مغرب قوم أشدّ غماً من أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآله ولا أكثر باك ولا باكية منهم.
خروج الإمام الحسين (ع) من المدينة الى مكة
قال : وتهيّأ الحسين صلوات الله عليه للخروج من المدينة ومضى في جوف الليل إلى قبر اُمّهعليهاالسلام فودّعها ، ثمّ مضى إلى قبر أخيه الحسن عليهالسلام ففعل كذلك ، ثمّ رجع إلى منزله وقت الصبح ، فأقبل إليه أخوه محمد إبن الحنفيّة وقال : يا أخي أنت أحبّ الخلق إليّ وأعزّهم عليَّ ، ولست والله أدّخر النصيحة لأحد من الخلق ، وليس أحد أحقّ بها منك لأنّك مزاج مائي
______١ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل والبحار : من.
ونفسي وروحي وبصري ، وكبير أهل بيتي ، ومن وجبت طاعته في عنقي ، لأنّ الله تبارك وتعالى قد شرّفك عليَّ وجعلك من سادات أهل الجنّة ، واريد أن اُشير عليك فاقبل منّي.فقال الحسين عليهالسلام : يا أخي ، قل ما بدا لك.فقال : اُشير عليك أن تتنحّى عن يزيد وعن الأمصار ما استطعت ، وتبعث رسلك إلى الناس تدعوهم إلى بيعتك ، فإن بايعك الناس حمدت الله على ذلك وقمت فيهم بما كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهيقوم به فيهم حتّى يتوفّاك الله (١) وهو عنك راض ، والمؤمنون عنك راضون كما رضوا عن أبيك وأخيك ، وإن اجتمع الناس على غيرك حمدت الله على ذلك وسكتّ ولزمت منزلك (٢) فإنّي خائف عليك أن تدخل مصراً من الأمصار ، أو تأتي جماعة من الناس فيقتتلون فتكون طائفة منهم معك وطائفة عليك فتقتل بينهم.فقال الحسين عليهالسلام : فإلى أين أذهب؟قال : تخرج إلى مكّة ، فإن اطمأنّت بك الدار بها فذاك ، وإن تكن الاُخرى خرجت إلى بلاد اليمن ، فإنّهم أنصار جدّك وأبيك ، وهم أرأف الناس وأرقّهم قلوباً (٣) ، وأوسع الناس بلاداً ، فإن اطمأنّت بك الدار فذاك (٤) وإلا لحقت بالرمال ، وشعوب الجبال ، وجزت (٥ ) من بلد إلى بلد ، حتّى تنظر ما يؤل إليه أمر الناس ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين.
________١ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : حمدت الله على ذلك ، وتسكت منزلك.٣ ـ في المقتل : وهم أرأف وأرقّ قلوباً.٤ ـ من المقتل.٥ ـ في المقتل : وصرت.
ونفسي وروحي وبصري ، وكبير أهل بيتي ، ومن وجبت طاعته في عنقي ، لأنّ الله تبارك وتعالى قد شرّفك عليَّ وجعلك من سادات أهل الجنّة ، واريد أن اُشير عليك فاقبل منّي.فقال الحسين عليهالسلام : يا أخي ، قل ما بدا لك.فقال : اُشير عليك أن تتنحّى عن يزيد وعن الأمصار ما استطعت ، وتبعث رسلك إلى الناس تدعوهم إلى بيعتك ، فإن بايعك الناس حمدت الله على ذلك وقمت فيهم بما كان رسول الله صلى الله عليه و آله يقوم به فيهم حتّى يتوفّاك الله (١) وهو عنك راض ، والمؤمنون عنك راضون كما رضوا عن أبيك وأخيك ، وإن اجتمع الناس على غيرك حمدت الله على ذلك وسكتّ ولزمت منزلك (٢) فإنّي خائف عليك أن تدخل مصراً من الأمصار ، أو تأتي جماعة من الناس فيقتتلون فتكون طائفة منهم معك وطائفة عليك فتقتل بينهم.فقال الحسين عليهالسلام : فإلى أين أذهب؟قال : تخرج إلى مكّة ، فإن اطمأنّت بك الدار بها فذاك ، وإن تكن الاُخرى خرجت إلى بلاد اليمن ، فإنّهم أنصار جدّك وأبيك ، وهم أرأف الناس وأرقّهم قلوباً (٣) ، وأوسع الناس بلاداً ، فإن اطمأنّت بك الدار فذاك (٤) وإلا لحقت بالرمال ، وشعوب الجبال ، وجزت (٥ ) من بلد إلى بلد ، حتّى تنظر ما يؤل إليه أمر الناس ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين.
______________١ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : حمدت الله على ذلك ، وتسكت منزلك.٣ ـ في المقتل : وهم أرأف وأرقّ قلوباً.٤ ـ من المقتل.٥ ـ في المقتل : وصرت.
قال : فقال الحسين عليهالسلام : يا أخي ، والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ، فقد قال جدّي صلىاللهعليهوآله : اللّهمّ لا تبارك في يزيد.قطع محمد بن الحنفيّة الكلام وبكى ، فبكى [ معه ] (١) الحسين عليهالسلام ساعة ، ثمّ قال : يا أخي ، جزاك الله خيراً فقد نصحت وأشرت بالصواب ، وأنا عازم على الخروج إلى مكّة ، وقد تهيّأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي ممّن أمرهم (٢) أمري ورأيهم رأيي ، وأمّا أنت يا أخي فما عليك أن تقيم بالمدينة ، فتكون لي عيناً عليهم لا تخف عنّي شيئاً من امورهم.ثمّ دعا الحسين عليهالسلام بدواة وبياض وكتب هذه الوصيّة لأخيه محمد رضي الله عنه :بسم الله الرحمن الرحيمهذا ما أوصى به الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفيّة ، أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمّداً عبده ورسوله ، جاء بالحقّ من عند الحقّ ، وأن الجنّة والنار حقّ ، وأن الساعة أتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنّما خرجت لطلب الاصلاح في اُمّة جدّي صلىاللهعليهوآله ، اريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي محمد صلىاللهعليهوآله وأبي عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ، ومن ردّ علي هذا أصبر (٣) حتّى يقضي الله بيني وبين القوم
________٩ ح ٣١ ، والكافي : ٥/٥٣ ح ٢.١ ـ من المقتل والبحار.٢ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل والبحار : وشيعتي وأمرهم.٣ ـ في المقتل : صبرت.
بالحق [ ويحكم بيني وبينهم ] (١) وهو خير الحاكمين ، وهذه وصيّتي يا أخي إليك ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكّلت وإليه اُنيب.
___________١ ـ من المقتل.
ثم طوى الحسين عليهالسلام الكتاب وختمه بخاتمه ودفعه إلى أخيه محمد ، ثمّ ودّعه وخرج في جوف الليل (٨) يريد مكّة في جميع أهل بيته ، وذلك لثلاث ليال مضين من شهر شعبان سنة ستّين ، فلزم الطريق الأعظم ،
_________٨ ـ من قوله : « فلمّا ورد الكتاب على الوليد » إلى هنا نقله المجلسي رحمهالله في البحار : ٤٤/٣٢٧ ـ ٣٣٠ عن كتابنا هذا ، وكذا عوالم العلوم : ١٧/١٧٧.
وجعل [ يسيرو ] (١) يتلو هذه الآية : ( فَخَرَجَ مِنهَا خَائِفاً يَتَرَقََّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ القَومِ الظَّالِمِينَ)(٢) فقاله له ابن عمّه [ مسلم بن عقيل بن أبي طالب ] (٣) : يا ابن رسول الله ، لو عدلنا عن الطريق وسلكنا غير الجادّة كما فعل ابن الزبير كان عندي [ خير ] (٤) الرأي ، فإنّا نخاف من الطلب.فقال : لا يا ابن العمّ ، لا فارقت هذا الطريق أو أنظر أبيات مكّة أو يقضي الله في ذلك ما يحبّ ، فبينا الحسين بين مكّة والمدينة إذ استقبله عبد الله بن مطيع العدويّ ، فقال : أين تريد يا أبا عبد الله ، جعلني الله فداك؟فقال : أمّا في وقتي هذا فإنّي اريد مكّة ، فإذا صرت إليها استخرت الله.فقال عبد الله بن مطيع : خار الله لك في ذلك ، وإنّي اُشير عليك بمشورة فاقبلها منّي.فقال الحسين عليهالسلام : ما هي؟قال : إذا أتيت مكّة فاحذر أن يغرّك أهل الكوفة فإن فيها قتل أبوك ، وطعن أخوك طعنة كادت [ أن ] (٥) تأتي على نفسه فيها ، فالزم فيها الحرم فأنت سيّد العرب في دهرك ، فوالله لئن هلكت ليهلكنّ أهل بيتك بهلاكك ، والسلام.قال : فودّعه الحسين ودعا له بالخير ، وسار حتّى وافى مكّة ، فلمّا نظر إلى جبالها جعل يتلو :( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلقَاءَ مَديَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) (٦). (٧)
______________١ و ٣ و ٤ و ٥ ـ من المقتل.٢ ـ سورة القصص : ٢١.٦ ـ سورة القصص : ٢٢.٧ ـ مقتل الحسين عليهالسلام للخوارزمي : ١/١٨٠ ـ ١٨٩.
الحسين (ع) في مكة
ولمّا دخل الحسين مكّة جعل أهلها يختلفون إليه ، وكان قد نزل بأعلى مكّة ، ونزل عبد الله بن الزبير داره ، ثمّ تحوّل الحسين إلى دار العبّاس ، وكان أمير مكّة من قبل يزيد عمر بن سعد ، وهاب ابن سعد أن يميل الحجّاج مع الحسين لما (٢) يرى من كثرة اختلاف الناس إليه من الآفاق ، فانحدر إلى المدينة وكتب بذلك إلى يزيد لعنة الله ، وكان الحسين أثقل الخلق على ابن الزبير لأنّه كان يطمع أن يبايعه أهل مكّة ، فلمّا قدم الحسين صاروا يختلفون إليه وتركوا ابن الزبير ، وكان ابن الزبير يختلف بكرة وعشيّة الى الحسين ويصلّي معه.وبلغ أهل الكوفة أنّ الحسين قد صار في (٣) مكّة ، وأقام الحسين عليهالسلام في مكّة باقي شهر شعبان ورمضان وشوّال وذي القعدة ، وكان عبد الله بن عبّاس وعبد الله بن عمر بمكة فأقبلا جميعاً وقد عزما أن ينصرفا إلى المدينة ، فقال ابن عمر : يا أبا عبد الله اتّق الله ، فقد عرفت عداوة أهل هذا البيت لكم ، وظلمهم إيّاكم ، وقد وليّ الناس هذا الرجل يزيد ، ولست آمن أن تميل الناس إليه لمكان الصفراء والبيضاء فيقتلوك فيهلك بقتلك بشر كثير ، فإنّي سمعت
_______________
٢ ـ قوله : « وهاب ابن سعد ... لما » أثبتناه كما في المقتل ، وما في الأصل مصحف.٣ ـ في المقتل : إلى.
رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : حسين مقتول ، فلئن خذلوه ولم (١) ينصروه ليخذلنّهم الله إلى يوم القيامة ، وأنا اُشير عليك بالصلح وتدخل فيما دخل فيه الناس ، واصبر كما صبرت لمعاوية حتّى يحكم الله بينك وبين القوم الظالمين.فقال الحسين عليهالسلام : يا با عبد الرحمن ، أنا أدخل في صلحه وقد قال النبيّ فيه وفي أبيه ما قال؟!فقال ابن عبّاس : صدقت ، قد قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : مالي وليزيد؟ لا بارك الله في يزيد ، فإنّه يقتل ولدي وولد ابنتي الحسين عليهالسلام ، والذي نفسي بيده لا يقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه إلا خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم (٢) ثمّ بكى ابن عبّاس وبكى الحسين معه ، وقال : يا ابن عبّاس ، أتعلم أنّي ابن بنت رسول الله؟قال ابن عبّاس : اللّهمّ نعم ، ما نعرف أحداً على وجه الأرض ابن بنت رسول الله غيرك ، وانّ نصرك لفرض على هذه الاُمّة كفريضة الصيام والزكاة ، لا يقبل الله أحدهما دون الآخر.فقال الحسين : فما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله من وطنه وداره ، و [ موضع ] (٣) وقراره ومولده ، وحرم رسوله ، ومجاورة قبر جدّه ومسجده ، وموضع مهاجره فتركوه خائفاً مرعوباً لا يستقرّ في قرار ، ولا يأوي إلى وطن ، يريدون بذلك قتله ، وسفك دمه ، وهو لم يشرك
____________١ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : فلن.٢ ـ المعجم الكبير : ٣/١٢٩ ح ٢٨٦١ ، الفردوس للديلمي : ٤/٢٨٥ ح ٦٨٤١ ، مثير الأحزان : ٢٢ ، مجمع الزوائد : ٩/١٩٠ ، الخصائص الكبرى : ٢/٢٣٧ ، جمع الجوامع ١/٨٥٧ و١٠٠١ ، كنز العمال : ١١/١٦٦ ح ٠٦١/٣ ، بحار الأنوار : ٤٤/٢٦٦ ح ٢٤.٣ ـ من المقتل.
بالله شيئاً ولم يغيّر ما كان (١) عليه رسول الله صلىاللهعليهوآله ؟فقال ابن عبّاس : فماذا أقول فيهم؟ أقول فيهم إنّهم كفروا بالله ورسوله ولا يأتون الصلاة إلاّ وهم كسالى ( يُرَاؤُونَ النّْاسَ وَلَا يَذْكُروُنَ اللهَ إلَّا قَلِيلاً ) (٢). وأمّا أنت يا ابن رسول الله فإنّك رأس الفخار ، ابن رسول الله [ وابن وصيّه ] (٣) ، وابن بنته ، فلا تظنّ ـ يا ابن رسول الله ـ أنّ الله غافلاً عمّا يعمل الظالمون (٤) ، وأنا أشهد أنّ من رغب عنك فماله من خلاق (٥).فقال الحسين عليهالسلام : اللّهمّ فاشهد.قال ابن عبّاس : يا ابن رسول الله ، كأنّك تنعى إليَّ نفسك ، وتريد منّي أن أنصرك ، والله لو ضربت بسيفي بين يديك حتّى تنخلع يداي لما كنت بالّذي أبلغ من حقّك عشر العشير.فقال ابن عمر : يا ابن عبّاس ، ذرنا من هذا.ثمّ أقبل ابن عمر على الحسين فقال : مهلاً ـ يا أبا عبد الله ـ عمّا قد أزمعت عليه ، وارجع معنا إلى المدينة وادخل في صلح القوم ، ولا تجعل لهؤلاء الّذين لا خلاق لهم عليك حجّة ، وإن أحببت ألاّ تبايع فأنت متروك ، فعسى يزيد لا يعيش إلاّ قليلاً فيكفيك الله أمره.فقال الحسين عليهالسلام : اُفّ لهذا الكلام.
_________١ ـ في المقتل : ولم يتغيّر عمّا كان.٢ ـ سورة النساء : ١٤٢.٣ ـ من المقتل.٤ ـ إقتباس من الآية : ٤٢ من سورة إبراهيم.٥ ـ إقتباس من الآيتين : ١٠٢ و٢٠٠ من سورة البقرة.
فقال ابن عمر : إنّي أعلم أنّ الله تبارك وتعالى لم يكن ليجعل ابن بنت نبيّه على خطأ ، ولكن أخشى أن يضرب وجهك هذا الحسن بالسيوف ونرى من هذا الأمر ما لا نحبّ (١) فارجع معنا إلى المدينة ولا تبايع أبداً ، واقعد في منزلك.فقال الحسين عليهالسلام : هيهات ، إنّ القوم لا يتركوني إن أصابوني ، فإن لم يصيبوني فإنّهم يطلبونني أبداً حتّى اُبايع او يقتلونني ، أمّا تعلم أنّ من هو ان الدنيا على الله انّه اُتي برأس يحيى بن زكريّا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل والرأس ينطق بالحجّة عليهم فلم يضرّ ذلك يحيى بل ساد الشهداء؟ أو لا تعلم أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيّاً ثمّ يجلسون في أسواقهم كأنّهم لم يصنعوا شيئاً فلم يعجّل الله (٢) عليهم ، ثمّ أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام؟ اتقّ الله ـ يا با عبد الرحمن ـ ولا تدعنّ نصرتي.يا ابن عمر ، إن كان الخروج يثقل عليك فأنت في أوسع عذر واجلس عن القوم ولا تعجل بالبيعة لهم حتّى تعلم ما يؤول الأمر إليه.قال : ثمّ أقبل الحسين عليهالسلام على ابن عبّاس ، فقال : يا ابن عبّاس ، إنّك ابن عمّ والدي ، ولم تزل تأمر بالخير مذ عرفتك ، وكان أبي يستشيرك ، فامض إلى المدينة في حفظ الله (٣) ، ولا تخف عليَّ شيئاً من أخبارك ، فإنّي مستوطن هذا الحرم ومقيم فيه أبداً ما رأيت أهله يحبونّي (٤)وينصرونني فإذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم.قال فبكى ابن عبّاس وابن عمر ، ثمّ ودّعهما فسارا إلى المدينة ، وأقام
______________١ ـ في المقتل : وترى من هذه الاُمّة ما لا تحبّ.٢ و٣ ـ لفظ الجلالة أثبتناه من المقتل.٤ ـ كذا في المقتل ، وفي الأصل : يخيّروني.
الحسين بمكّة قد لزم الصوم والصلاة.
رسائل الكوفيين الى الحسين (ع)
قال : واجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي ، فلمّا تكاملوا في منزله قام فيهم خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبيّ وآله ، ثمّ ذكر عليّ بن أبي طالبعليهالسلام فترحمّ عليه وذكر مناقبه الشريفة ، ثمّ قال :يا معشر الشيعة ، إنّكم قد علمتم بأنّ معاوية قد هلك وصار إلى ربّه ، وقدم على عمله ، وسيجزيه الله بما قدم ، وقد قعد في موضعه ابنه يزيد اللعين ، وهذا الحسين بن عليّ قد خالفه وصار إلى مكّة هارباً من طواغيت آل أبي سفيان ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، وقد احتاج إلى نصرتكم ، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه فاكتبوا إليه ، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغروّا الرجل من نفسه.فقال القوم : بل نؤويه وننصره ونقاتل عدوّه ونقتل أنفسنا بين يديه ، فأخذ سليمان بذلك عليهم عهداً وميثاقاً أنّهم لا يغدرون ولا ينكثون ، ثمّ قال : اكتبوا إليه الآن كتاباً من جماعتكم انكم له كما ذكرتم ، وسلوه القدوم عليكم.فقالوا : أفلا تكفينا أنت الكتاب إليه؟فقال سليمان : لا ، بل تكتب إليه جماعتكم.قال : فكتب القوم إليه :بسم الله الرحمن الرحيمللحسين بن عليّ أمير المؤمنين من سليمان بن صرد والمسّيب بن نجبة وحبيب بن مظاهر ورفاعة بن شدّاد وعبد الله بن وآل وجماعة شيعته من
المؤمنين.سلام عليك.أمّا بعد :فالحمد لله الّذي قصم عدوّك وعدوّ أبيك من قبل الجبّار العنيد ، الغشوم الظلوم ، الّذي ابتزّ (١)هذه الاُمّة أمرها ، وغصبها فيئها ، وتأمّر عليها بغير رضا منها ، ثّم قتل خيارها ، واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبارتها وعتاتها ، فبعداً لهم كما بعدت ثمود ، ثمّ إنّه قد بلغنا أنّ ولده اللعين قد تأمّر على هذه الاُمّة بلا مشورة ولا إجماع ، وبعد ، فإنّا مقاتلون معك وباذلون أنفسنا من دونك ، فأقبل إلينا فرحاً مسروراً ، أميراً مطاعاً ، إماماً ، خليفة مهديّاً ، فإنّه ليس علينا إمام ولا أمير إلاّ النعمان بن بشير ، وهو في قصر الامارة وحيد طريد ، لا نجتمع معه في جمعة ولا جماعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولا نؤدّي إليه الخراج ، يدعو فلا يجاب ، ويأمر فلا يطاع ، ولو بلغنا أنّك أقبلت إلينا لأخرجناه عنّا حتّى يلحق بالشام ، فأقبل إلينا فلعلّ الله تعالى يجمعنا بك على الحقّ والسلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته.ثمّ طووا الكتاب وختموه ودفعوه إلى عبد الله بن سبيع الهمداني وعبد الله ابن مسمع بن بكري(٢).قال : فقرأ الحسين عليهالسلام الكتاب وسكت ، ولم يجبهم بشيء ، ثمّ قدم عليه قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الله بن عبد الرحمن الأرحبي وعامر
____________١ ـ ابتزّ : اغتصب.٢ ـ في المقتل : عبد الله بن مسمع البكري.
ابن عبيد السكوني (١) وعبد الله بن وال التيمي ومعهم نحو من مائة وخمسين كتاباً من الرجل والثلاثة والأربعة يسألونه القدوم عليهم والحسين عليهالسلام يتأنّى فلا يجيبهم بشيء.ثمّ قدم عليه بعد ذلك هانىء بن هانىء السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي بهذا الكتاب ، وهو آخر كتاب ورد عليه من الكوفة :بسم الله الرحمن الرحيمإلى الحسين بن أمير المؤمنين ، من شيعته وشيعة أبيه عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام.أمّا بعد :فإنّ الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل يا ابن رسول الله ، فقد اخضرّت الحبّات (٢)، واينعت الثمار ، وأعشبت الأرض ، وأورقت الأشجار ، فاقدم إذا شئت ، فإنّما تقدّم على جند مجنّدة لك ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.فقال الحسين لهانىء بن هانىء السبيعي وسعيد بن عبد الله ، خبّراني ، من اجتمع على هذا الكتاب الّذي كتب معكما إليّ؟فقالا : يا بن رسول الله ، اجتمع عليه شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر ويزيد بن الحارث ، وذكروا له جماعة.
__________١ ـ في المقتل : السلوكي.٢ ـ في المقتل : الجَناب.والجناب : الفناء وما قرب من محلّة النوم.
إرسال مسلم بن عقيل(رض)
ثم دعا الحسين عليهالسلام بمسلم بن عقيل رضي الله عنه ودفع إليه الكتاب وقال : إنّي موجّهك إلى أهل الكوفة ، وهذه كتبهم إليّ ، وسيقضي الله من أمرك ما يحبّ ويرضى ، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء ، فامض على بركة الله وعونه حتّى تدخل الكوفة ، فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها وادع الناس إلى طاعتي ، فإن رأيت الناس مجتمعين على بيعتي فعجّل عليَّ بالخبر حتّى أعمل على حسب ذلك إن شاء الله تعالى.قال : ثمّ عانقه الحسين وبكيا جميعاً ، وكان الحسين عليهالسلام ينظر إلى مصرعه ، فخرج مسلم من مكّة قاصداً المدينة مستخفياً لئلّا يعلم به بنو اُميّة ، فلمّا دخل المدينة بدأ بمسجد النبيّ صلىاللهعليهوآلهفصلّى عنده ، ثمّ أقبل (١) في جوف الليل ، فودع أهل بيته ، ثمّ استأجر دليلين من قيس عيلان يدلّانه على الطريق ، ويمضيان به إلى الكوفة على غير الجادّة ، فخرج الدليلان به من المدينة ليلاً وسارا فأضلّا الطريق ، واشتدّ بهما العطش فماتا عشطاً ، وسار (٢) مسلم ومن معه إلى الماء وقد كادوا أن يهلكوا عطشاً ، فكتب مسلم إلى الحسين عليهالسلام :
__________١ ـ في المقتل : خرج.٢ ـ في المقتل : وصار.
[ بسم الله الرحمن الرحيم ] (١)أمّا بعد :فإنّي خرجت من المدينة ليلاً مع دليلين استأجرتهما فضلّا عن الطريق واشتدّ بهما العطش فماتا ، ثمّ صرنا إلى الماء بعد ذلك ـ وقد كدنا نهلك ـ وأصبنا الماء بموضع يقال له « المضيق » وقد تطيرّت من وجهي ، فرأيك في إعفائي.فعلم الحسين عليهالسلام أنّه قد تشأّم وتطيّر ، فكتب إليه :[ بسم الله الرحمن الرحيممن الحسين بن عليّ إلى مسلم بن عقيل ] (٢)أمّا بعد :فقد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إليّ والاستعفاء من وجهك إلاّ الجبن والفشل ، فامض لما اُمرت به.فلمّا وصل الكتاب إليه وجد همّاً وحزناً في نفسه ، ثمّ قال : لقد نسبني أبو عبد الله إلى الجبن ، ثمّ سار مسلم حتّى دخل الكوفة. (٣)
_________________١ و ٢ ـ من المقتل.٣ ـ مقتل الحسين عليهالسلام للخوارزمي : ١/١٩٦ ـ ١٩٧.
Comment