الحسين ع في القران الكريم - الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلو تسليما كثيرا
لقد نزل القرآنُ حافلاً بذكر أهل البيت (عليهم السلام)، لا سيما الخمسة من أهل الكساء، وقد ورد في اللفظ الصريح عن أبي الجارود عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: «نزل القرآن على أربعة أرباع: ربعٌ فينا، وربعٌ في عدوّنا، وربعٌ في فرائض وأحكام، وربعٌ سنن وأمثال، ولنا كرائم القرآن» (تفسير العياشي: ١ / ٩)، وهم مَن حدّثوا الناس بالقرآن وبالوحي، وفسّروا آيات الكتاب المجيد، وكشفوا بيانه وبعض أسراره.
وعن الحكم بن عتيبة قال: لقيَ رجلٌ الحسينَ بن عليّ (عليهما السّلام) بالثعلبيّة وهو يريد كربلاء، فدخل عليه فسلّم عليه، فقال له الحسين (عليه السّلام): «مِن أيّ البلاد أنت؟»، قال: مِن أهل الكوفة، قال: «أما والله يا أخا أهل الكوفة، لو لقيتُك بالمدينةِ لأريتُك أثرَ جبرئيل من دارنا ونزوله بالوحي على جدّي، يا أخا أهل الكوفة، مستقى العلم مِن عندنا، أفعَلِمُوا وجَهِلْنا؟! هذا ما لا يكون» (بصائر الدرجات للصفّار القمّي: ٣١ ح ١، الكافي: ١ / ٣٩٨ ح ٢).
وقد خصّ الله (تبارك وتعالى) أهلَ بيت النبوّة (صلوات الله عليهم) بآياتٍ، عناهم فيها وثبّت فيها فضائلهم وخصائصهم، داعياً المسلمين إلى فَهْم ذلك.. وكان الإمام الحسين (عليه السلام) مشاركاً في كل ما ورد من مدح أهل البيت (عليهم السلام) جميعاً ومعنيّاً بجملةٍ وافرةٍ مِن آيات الذِّكر الحكيم الخاصة به.
* * * * *
* الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه:
﴿فتلقّى آدمُ مِن ربِّه كلماتٍ فتابَ عليه إنّه هو التوّابُ الرحيم﴾ (سورة البقرة: ٣٧).
ــ روى صاحب (الدرّ الثمين) في تفسير قوله تعالى: ﴿فتلقّى آدمُ مِن ربّه كلماتٍ﴾؛ أنّه رأى ساق العرش وأسماء النبيّ والأئمّة (عليهم السّلام)، فلقّنه جبرئيل، قل: "يا حميد بحقّ محمّد، يا عالي بحقّ عليّ، يا فاطر بحقّ فاطمة، يا محسن بحقّ الحسن والحسين، ومنك الإحسان"، فلمّا ذُكر الحسينُ سالت دموعه وانخشع قلبه وقال: «يا أخي جبرئيل، في ذِكْر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي!»، قال جبرئيل: "ولدُك هذا يصاب بمصيبةٍ تصغر عندها المصائب"، فقال: «يا أخي وما هي؟!»، قال: "يُقتَل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً، ليس له ناصرٌ ولا معين، ولو تراه يا آدم وهو يقول: وا عطشاه، وا قلّة ناصراه! حتّى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان، فلم يجبه أحدٌ إلّا بالسيوف وشرب الحتوف، فيُذبح ذبح الشاة من قَفاه، ويَنهب رحلَه أعداؤه، وتُشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان ومعهم النسوان، كذلك سبق في علم الواحد المنّان"، فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثَّكلى (بحار الأنوار للشيخ المجلسي: ٤٤ / ٢٤٥ ح ٤٤).
* إنّي سقيم:
﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ﴾ (سورة الصافات: ٨٨ و٨٩).
ــ عليّ بن محمّد رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله (عزّ وجل): ﴿فنظر نظرةً في النجوم * فقال إني سقيم﴾، قال: «حَسِب فرأى ما يَحِلّ بالحسين (عليه السلام)، فقال: إني سقيمٌ لِما يحلّ بالحسين (عليه السلام)» (الكافي للكليني: ١ / ٤٦٥ ـ باب مولد الحسين (عليه السلام)).
* أُسوة صادق الوعد بالحسين (عليه السلام):
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ (سورة مريم: ٥٤).
ــ عن محمّد بن سنان، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنّ إسماعيل الّذي قال الله تعالى في كتابه: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾، لم يكن إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام)، بل كان نبيّاً من الأنبياء، بعثه الله إلى قومه، فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه ملَكٌ عن الله (تبارك وتعالى)، فقال: إنّ الله بعثني إليك، فمُرْني بما شئت، فقال: لي أُسوة بما يصنع بالحسين (عليه السلام)» (كامل الزيارات: ١٣٧ ح ١٦١، علل الشرائع: ١ / ٧٧ ح ٢، البرهان في تفسير القرآن: ٣ / ٧١٩ ح ٦٨٩٧).
ــ وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إنّ إسماعيل كان رسولاً نبيّاً، سلّط عليه قومه، فقشروا جِلْدةَ وجهه وفروةَ رأسه، فأتاه رسولٌ من ربّ العالَمين، فقال له: ربُّك يُقرئك السلام ويقول: قد رأيتُ ما صُنِع بك، وقد أمرني بطاعتك، فمُرْني بما شئت، فقال: يكون لي بالحسين بن علي (عليهما السلام) أُسوة» (كامل الزيارات: ١٣٧ ح ١٦٢، علل الشرائع: ١ / ٧٨ ح ٣ ــ عنه: بحار الأنوار: ٤٤ / ٢٢٧ ح ٨).
ــ وعن بريد بن معاوية العجلي قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): يا ابن رسول الله، أخبرني عن إسماعيل الّذي ذكره الله في كتابه حيث يقول: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾، أكان إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام)؟ فإنّ الناس يزعمون أنّه إسماعيل بن إبراهيم. فقال (عليه السلام): «إنّ إسماعيل مات قبل إبراهيم، وإنّ إبراهيم كان حُجّةً لله كلّها قائماً صاحب شريعة، فإلى مَن أُرسل إسماعيل إذن؟». فقلت: جُعلت فداك، فمن كان؟! قال (عليه السلام): «ذاك إسماعيل بن حزقيل النبيّ (عليه السلام)، بعثه الله إلى قومه فكذّبوه، فقتلوه وسلخوا وجهه، فغضب الله له عليهم، فوجّه إليه اسطاطائيل ملَك العذاب، فقال له: يا إسماعيل، إنا اسطاطائيل ملَك العذاب، وجّهني إليك ربُّ العِزّة لِأُعذّب قومَك بأنواع العذاب إن شئت، فقال له إسماعيل: لا حاجة لي في ذلك. فأوحى الله إليه: فما حاجتُك يا إسماعيل؟ فقال: يا ربّ، إنّك أخذتَ الميثاق لنفسك بالربوبيّة، ولمحمّدٍ بالنبوّة، ولأوصيائه بالولاية، وأخبرتَ خيرَ خلقك بما تفعل أُمّتُه بالحسين بن علي (عليهما السلام) من بعد نبيّها، وإنّك وعدتَ الحسين (عليه السلام) أن تكرّ إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممّن فعل ذلك به، فحاجتي إليك يا ربّ ان تكرّني إلى الدنيا حتى أنتقم ممّن فعل ذلك بي، كما تكر الحسين (عليه السلام). فوعد الله إسماعيل بن حزقيل ذلك، فهو يكرّ مع الحسين (عليه السلام)» (البرهان في تفسير القرآن: ٣ / ٧٢٠ ح ٦٩٠١، كامل الزيارات: ١٣٨ ح ١٦٣ ــ عنه: بحار الأنوار: ٤٤ / ٢٣٧ ح ٢٨).
* ووالدٍ وما وَلَدٍ
﴿ووالدٍ وما وَلَد﴾ (سورة البلد: ٣).
ــ محمّد بن العبّاس، عن الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن يعقوب، عن عبد الله بن محمّد، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفرٍ، قال: «يا أبا بكر، قول الله (عزّ وجل): ﴿ووالدٍ وما ولد﴾؛ هو عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وما وَلَد الحسن والحسين (عليهما السّلام)» (تأويل الآيات الظاهرة للأسترآبادي: ٢ / ٧٩٨ ح ٣، بحار الأنوار: ٢٣ / ٢٦٩ ح ١٨، البرهان للسيّد هاشم البحراني: ٤ / ٤٦٢ ح ٦).
* اللؤلؤ والمرجان:
﴿يَخرُجُ مِنهُما اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ﴾ (سورة الرحمان: ٢٢).
ــ في (كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة) عن جابر الجعفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «... ﴿يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾، الحسن والحسين» (كنز الفوائد: ٣٢٠، بحار الأنوار: ٢٤ / ٩٧).
ــ وفي (الخصال) عن يحيى بن سعيد القطان قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «... ﴿يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾، الحسن والحسين (عليهما السلام)» (الخصال للشيخ الصدوق: ١ / ٣٤، بحار الأنوار: ٢٤ / ٩٨).
* المولود كُرهاً:
﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي﴾ (سورة الأحقاف: ١٥).
ــ في (كامل الزيارات)، عن أبي سلمة سالم بن مكرم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لمّا حمَلَت فاطمةُ بالحسين، جاء جبرئيل (عليه السلام) إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: إنّ فاطمة ستلد ولداً تقتله أُمّتُك مِن بعدك. فلمّا حملَت فاطمة بالحسين كرهَتْ حملَه، وحين وضعَتْه كرهَتْ وضعَه». ثمّ قال أبو عبد الله (عليه السلام): «هل رأيتُم في الدنيا أُمّاً تلد غلاماً فتكرهه؟! ولكنّها كرهته لأنّها علمت أنّه سيُقتَل». قال: «وفيه نزلت هذه الآية: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾» (كامل الزيارات: ١٢٢ ح ١٣٥ ــ عنه: بحار الأنوار: ٤٤ / ٢١٣ ح ١٦).
ــ وفيه أيضاً، عن محمّد بن عبد الله، عن أبيه قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «أتى جبرئيل (عليه السلام) إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال له: السلام عليك يا محمّد، ألا أُبشّرك بغلامٍ تقتله أُمّتك من بعدك؟ فقال: لا حاجة لي فيه». قال: «فانقضّ إلى السماء، ثمّ عاد إليه الثانية فقال له مثل ذلك، فقال: لا حاجة لي فيه، فانعرج إلى السماء، ثمّ انقضّ إليه الثالثة فقال مثل ذلك، فقال: لا حاجة لي فيه، فقال: إنّ ربّك جاعل الوصيّة في عَقِبه، فقال: نعم. ثمّ قام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فدخل على فاطمة (عليهما السلام)، فقال لها: إنّ جبرئيل (عليه السلام) أتاني فبشّرني بغلامٍ تقتله أُمّتي من بعدي، فقالت: لا حاجة لي فيه، فقال لها: إنّ ربّي جاعل الوصيّة في عَقِبه، فقالت: نعم إذن». قال: «فأنزل الله تعالى عند ذلك هذه الآية: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾، لموضع إعلام جبرئيل إيّاها بقتله، فحملته كُرهاً بأنّه مقتول، ووضعَته كرهاً لأنّه مقتول» (كامل الزيارات: ١٢٢ ح ١٣٦ ــ عنه: بحار الأنوار: ٤٤ / ٢٣٣ ح ١٨).
ــ وعن محمّد بن عمرو بن سعيد الزيات، قال: حدّثني رجل من أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إنّ جبرئيل (عليه السلام) نزل على محمّدٍ (صلّى الله عليه وآله)، فقال: يا محمّد، إنّ الله يقرأ عليك السلام، ويبشّرك بمولودٍ يولَد من فاطمة (عليهما السلام) تقتله أُمّتك من بعدك. فقال: يا جبرئيل، وعلى ربّي السلام، لا حاجة لي في مولودٍ تقتله أُمّتي مِن بعدي». قال: «فعرج جبرئيل (عليه السلام) إلى السماء، ثم هبط فقال له مثل ذلك، فقال: يا جبرئيل، وعلى ربّي السلام، لا حاجة لي في مولودٍ تقتله أُمّتي مِن بعدي. فعرج جبرئيل إلى السماء ثمّ هبط، فقال له: يا محمّد، إن ربّك يقرؤك السلام، ويبشّرك أنّه جاعلٌ في ذريّته الإمامة والولاية والوصية. فقال: قد رضيت. ثمّ أرسل إلى فاطمة (عليهما السلام) أنّ الله يبشّرني بمولودٍ يولَد منكِ تقتُلُه أُمّتي مِن بعدي، فأرسلت إليه أن لا حاجة لي في مولودٍ يولَد منّي تقتله أُمّتك من بعدك، فأرسل إليها أنّ الله جاعلٌ في ذريّته الإمامة والولاية والوصيّة، فأرسلت إليه أنّي قد رضيت، فحملته كُرهاً ووضعته كرهاً، ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي﴾، فلو أنّه قال: أصلح لي ذريتي، لكانت ذريّتُه كلُّهم أئمة» (كامل الزيارات: ١٢٣ ح ١٣٧ ــ عنه: بحار الأنوار: ٤٤ / ٢٣٢ ح ١٧).
* حزب الله:
﴿ومَن يتولَّ اللهَ ورسولَه والّذين آمنوا فإنّ حزبَ اللهِ همُ الغالبون﴾ (سورة المائدة: ٥٦).
ــ ما رواه موسى بن عقبة، أنّه طلب معاويةُ من الحسين أن يخطب، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ، فسُمع رجلٌ يقول: مَن هذا الذي يخطب؟ فقال (عليه السلام): «نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسول الله الأقربون، وأهل بيته الطيّبون، وأحد الثقلين الّذين جعلنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثانيَ كتاب الله تعالى، فيه تفصيلُ كلّ شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعوّل علينا في تفسيره، لا يبطئنا تأويله بل نتّبع حقائقه، فأطيعونا، فإنّ طاعتنا مفروضةٌ إذ كانت بطاعة الله مقرونة، قال الله تعالى: ﴿أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأُولي الأمر منكم﴾ (سورة النساء: ٥٩)، وقال: ﴿ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أُولي الأمر منهم﴾ (سورة النساء: ٨٣). وأُحذّركم الإصغاء إلى هتوف الشيطان، فإنّه لكم عدوٌ مبين، فتكونوا كأوليائه الّذين قال لهم: ﴿لا غالبَ لكمُ اليومَ مِن الناسِ وإنّي جارٌ لكم﴾ (سورة الأنفال: ٤٨)، فتُلقَون للسيوف ضرباً وللرماح ورداً وللعمد حطماً وللسهام غرضاً، ثمّ لا يُقبَل من نفسٍ إيمانها لم تكن آمنت من قبل». قال معاوية: حسبك أبا عبد الله فقد أبلغت (مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: ٤ / ٦٧، الاحتجاج لأحمد بن عليّ الطبرسي: ٢٩٨، بحار الأنوار: ٤٤ / ٢٠٥ ح ١).
سؤال: هل هناك ارتباط بين قصة أصحاب الكهف وموسى (ع) والعالم (ع) أو ذي القرنين وبين القائم (ع) أو علامات ظهوره أو زمان ظهوره أو أصحابه وأنصاره أو أعداءه ؟ .
الجواب:قصة أصحاب الكهف معروفة وهي باختصار قصة رجال مؤمنين عددهم سبعة كفروا بالطاغوت في زمانهم ، والمتمثل بجهتين
الأولى :- هي الحاكم الظالم الجائر الكافر
والثانية :- هي علماء الدين الضالين الذين حرفوا دين الله وشريعته
فكل من هذين الطاغوت نصب نفسه إله يُعبد من دون الله ، الحاكم الجائر نصب نفسه إله يُعبد من دون الله في (( أمور الدنيا ومعاش العباد وسياستهم )) ، والعلماء غير العاملين الضالين نصبوا أنفسهم إله يعبدون من دون الله في (( أمور الدين والشريعة )) .
وهكذا تحرر هؤلاء الفتية من عبادة الطاغوت ، وكفروا بالطاغوت . وهذا الكفر بالطاغوت هو (( أول الهدى )) . فزادهم الله هدى ، بأن عرّفهم طريقه سبحانه ، والإيمان به ، والعمل لإعلاء كلمته سبحانه وتعالى :-
(إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدى) (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً)(الكهف:16) وأصحاب الكهف في زمان قيام القائم (ع) : هم فتية في الكوفة وفتية في البصرة كما في الروايات عن أهل البيت (ع) ، ورأس الحسين ابن علي (ع) نطق مرات عديدة ، وفي أكثر من مرة سمع يكرر هذه الآية
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً)(الكهف:9)
وسمع يقرأ منها فقط (أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً)
وذلك لأن أصحاب الكهف – وهم أصحاب القائم (ع) – هم الذين يأخذون بثأر الحسين (ع) ، وينتقمون من الظالمين . ويقلبون أمر الظالمين رأساً على عقب ولهذا سمع رأس الحسين (ع) أيضاً يقرأ (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون )
وكذلك أصحاب القائم (ع) قوم عابدين مخلصين لله سبحانه وتعالى لا يرون القوة (( إلا بالله )) . يؤمنون بالله وعليه يتوكلون ويقارعون أكبر قوى الظلم والاستكبار على الأرض ، وهي المملكة الحديدية التي أكلت وداست كل الممالك على الأرض كما أخبر عنها دانيال ، وهي متمثلة الآن بأمريكا دولة الشيطان ، ولهذا سمع رأس الحسين (ع) يقرأ أيضاً (لا قوة إلا بالله) لأنه لن يأخذ بثأره ألا من كانوا مصداق لهذه الآية الكريمة (لا قوة إلا بالله) وفي رواية أنهم لما صلبوا رأسه على الشجر سُمع منه وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، وسُمع أيضاً صوته بدمشق يقول لا قوة إلا بالله وسُمع أيضاً يقرأ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً فقال زيد بن أرقم : أمرك أعجب يابن رسول الله .
وروى الشيخ المفيد (رحمه الله) أن زيد بن أرقم سمع الرأس الشريف ينطق بآية سورة الكهف ، وروى عن المنهال بن عمرو أنه سمع رأس الحسين يقول : أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي ، أما ما روي أن أصحاب الكهف الذين يبعثون مع القائم (ع) هم بعض المخلصين من أصحاب رسول الله (ص) ، وأصحاب أمير المؤمنين علي (ع) كمالك الأشتر ، فليس المقصود هم أنفسهم ، بل المراد في هذه الروايات هو نظائرهم من أصحاب القائم (ع) أي أن هناك رجل من أصحاب القائم (ع) هو نظير مالك الأشتر في الشجاعة والحنكة والقيادة والشدة في ذات الله وطاعة الله والأخلاق الكريمة وكثير من الصفات التي أمتاز بها مالك الاشتر فلذلك يصفه الأئمة بأنه مالك الأشتر ، وهذا ليس ببعيد عن الفصحاء والبلغاء وساداتهم أهل البيت (ع) ، كالشاعر الحسيني يصف نزول علي الأكبر إلى ساحة المعركة فيقول ما معناه أن محمد (ص) نزل إلى ساحة المعركة وذلك لشدة شبه علي الأكبر خلقاً وخلقاً برسول الله محمد (ص) ، مع أن أصحاب الأئمة الذين محضوا الحق محضاً يعودون ويكرون في الرجعة بعد الإثني عشر مهدياً ، وفي زمن آخرهم وهو آخر قائم بالحق من آل محمد (ع) الذي يخرج عليه الحسين بن علي (ع) ، وهذا المهدي الأخير أو القائم الأخير لاعقب له ولا ولد له .
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلو تسليما كثيرا
لقد نزل القرآنُ حافلاً بذكر أهل البيت (عليهم السلام)، لا سيما الخمسة من أهل الكساء، وقد ورد في اللفظ الصريح عن أبي الجارود عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: «نزل القرآن على أربعة أرباع: ربعٌ فينا، وربعٌ في عدوّنا، وربعٌ في فرائض وأحكام، وربعٌ سنن وأمثال، ولنا كرائم القرآن» (تفسير العياشي: ١ / ٩)، وهم مَن حدّثوا الناس بالقرآن وبالوحي، وفسّروا آيات الكتاب المجيد، وكشفوا بيانه وبعض أسراره.
وعن الحكم بن عتيبة قال: لقيَ رجلٌ الحسينَ بن عليّ (عليهما السّلام) بالثعلبيّة وهو يريد كربلاء، فدخل عليه فسلّم عليه، فقال له الحسين (عليه السّلام): «مِن أيّ البلاد أنت؟»، قال: مِن أهل الكوفة، قال: «أما والله يا أخا أهل الكوفة، لو لقيتُك بالمدينةِ لأريتُك أثرَ جبرئيل من دارنا ونزوله بالوحي على جدّي، يا أخا أهل الكوفة، مستقى العلم مِن عندنا، أفعَلِمُوا وجَهِلْنا؟! هذا ما لا يكون» (بصائر الدرجات للصفّار القمّي: ٣١ ح ١، الكافي: ١ / ٣٩٨ ح ٢).
وقد خصّ الله (تبارك وتعالى) أهلَ بيت النبوّة (صلوات الله عليهم) بآياتٍ، عناهم فيها وثبّت فيها فضائلهم وخصائصهم، داعياً المسلمين إلى فَهْم ذلك.. وكان الإمام الحسين (عليه السلام) مشاركاً في كل ما ورد من مدح أهل البيت (عليهم السلام) جميعاً ومعنيّاً بجملةٍ وافرةٍ مِن آيات الذِّكر الحكيم الخاصة به.
* * * * *
* الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه:
﴿فتلقّى آدمُ مِن ربِّه كلماتٍ فتابَ عليه إنّه هو التوّابُ الرحيم﴾ (سورة البقرة: ٣٧).
ــ روى صاحب (الدرّ الثمين) في تفسير قوله تعالى: ﴿فتلقّى آدمُ مِن ربّه كلماتٍ﴾؛ أنّه رأى ساق العرش وأسماء النبيّ والأئمّة (عليهم السّلام)، فلقّنه جبرئيل، قل: "يا حميد بحقّ محمّد، يا عالي بحقّ عليّ، يا فاطر بحقّ فاطمة، يا محسن بحقّ الحسن والحسين، ومنك الإحسان"، فلمّا ذُكر الحسينُ سالت دموعه وانخشع قلبه وقال: «يا أخي جبرئيل، في ذِكْر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي!»، قال جبرئيل: "ولدُك هذا يصاب بمصيبةٍ تصغر عندها المصائب"، فقال: «يا أخي وما هي؟!»، قال: "يُقتَل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً، ليس له ناصرٌ ولا معين، ولو تراه يا آدم وهو يقول: وا عطشاه، وا قلّة ناصراه! حتّى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان، فلم يجبه أحدٌ إلّا بالسيوف وشرب الحتوف، فيُذبح ذبح الشاة من قَفاه، ويَنهب رحلَه أعداؤه، وتُشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان ومعهم النسوان، كذلك سبق في علم الواحد المنّان"، فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثَّكلى (بحار الأنوار للشيخ المجلسي: ٤٤ / ٢٤٥ ح ٤٤).
* إنّي سقيم:
﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ﴾ (سورة الصافات: ٨٨ و٨٩).
ــ عليّ بن محمّد رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله (عزّ وجل): ﴿فنظر نظرةً في النجوم * فقال إني سقيم﴾، قال: «حَسِب فرأى ما يَحِلّ بالحسين (عليه السلام)، فقال: إني سقيمٌ لِما يحلّ بالحسين (عليه السلام)» (الكافي للكليني: ١ / ٤٦٥ ـ باب مولد الحسين (عليه السلام)).
* أُسوة صادق الوعد بالحسين (عليه السلام):
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ (سورة مريم: ٥٤).
ــ عن محمّد بن سنان، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنّ إسماعيل الّذي قال الله تعالى في كتابه: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾، لم يكن إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام)، بل كان نبيّاً من الأنبياء، بعثه الله إلى قومه، فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه ملَكٌ عن الله (تبارك وتعالى)، فقال: إنّ الله بعثني إليك، فمُرْني بما شئت، فقال: لي أُسوة بما يصنع بالحسين (عليه السلام)» (كامل الزيارات: ١٣٧ ح ١٦١، علل الشرائع: ١ / ٧٧ ح ٢، البرهان في تفسير القرآن: ٣ / ٧١٩ ح ٦٨٩٧).
ــ وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إنّ إسماعيل كان رسولاً نبيّاً، سلّط عليه قومه، فقشروا جِلْدةَ وجهه وفروةَ رأسه، فأتاه رسولٌ من ربّ العالَمين، فقال له: ربُّك يُقرئك السلام ويقول: قد رأيتُ ما صُنِع بك، وقد أمرني بطاعتك، فمُرْني بما شئت، فقال: يكون لي بالحسين بن علي (عليهما السلام) أُسوة» (كامل الزيارات: ١٣٧ ح ١٦٢، علل الشرائع: ١ / ٧٨ ح ٣ ــ عنه: بحار الأنوار: ٤٤ / ٢٢٧ ح ٨).
ــ وعن بريد بن معاوية العجلي قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): يا ابن رسول الله، أخبرني عن إسماعيل الّذي ذكره الله في كتابه حيث يقول: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾، أكان إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام)؟ فإنّ الناس يزعمون أنّه إسماعيل بن إبراهيم. فقال (عليه السلام): «إنّ إسماعيل مات قبل إبراهيم، وإنّ إبراهيم كان حُجّةً لله كلّها قائماً صاحب شريعة، فإلى مَن أُرسل إسماعيل إذن؟». فقلت: جُعلت فداك، فمن كان؟! قال (عليه السلام): «ذاك إسماعيل بن حزقيل النبيّ (عليه السلام)، بعثه الله إلى قومه فكذّبوه، فقتلوه وسلخوا وجهه، فغضب الله له عليهم، فوجّه إليه اسطاطائيل ملَك العذاب، فقال له: يا إسماعيل، إنا اسطاطائيل ملَك العذاب، وجّهني إليك ربُّ العِزّة لِأُعذّب قومَك بأنواع العذاب إن شئت، فقال له إسماعيل: لا حاجة لي في ذلك. فأوحى الله إليه: فما حاجتُك يا إسماعيل؟ فقال: يا ربّ، إنّك أخذتَ الميثاق لنفسك بالربوبيّة، ولمحمّدٍ بالنبوّة، ولأوصيائه بالولاية، وأخبرتَ خيرَ خلقك بما تفعل أُمّتُه بالحسين بن علي (عليهما السلام) من بعد نبيّها، وإنّك وعدتَ الحسين (عليه السلام) أن تكرّ إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممّن فعل ذلك به، فحاجتي إليك يا ربّ ان تكرّني إلى الدنيا حتى أنتقم ممّن فعل ذلك بي، كما تكر الحسين (عليه السلام). فوعد الله إسماعيل بن حزقيل ذلك، فهو يكرّ مع الحسين (عليه السلام)» (البرهان في تفسير القرآن: ٣ / ٧٢٠ ح ٦٩٠١، كامل الزيارات: ١٣٨ ح ١٦٣ ــ عنه: بحار الأنوار: ٤٤ / ٢٣٧ ح ٢٨).
* ووالدٍ وما وَلَدٍ
﴿ووالدٍ وما وَلَد﴾ (سورة البلد: ٣).
ــ محمّد بن العبّاس، عن الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن يعقوب، عن عبد الله بن محمّد، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفرٍ، قال: «يا أبا بكر، قول الله (عزّ وجل): ﴿ووالدٍ وما ولد﴾؛ هو عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وما وَلَد الحسن والحسين (عليهما السّلام)» (تأويل الآيات الظاهرة للأسترآبادي: ٢ / ٧٩٨ ح ٣، بحار الأنوار: ٢٣ / ٢٦٩ ح ١٨، البرهان للسيّد هاشم البحراني: ٤ / ٤٦٢ ح ٦).
* اللؤلؤ والمرجان:
﴿يَخرُجُ مِنهُما اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ﴾ (سورة الرحمان: ٢٢).
ــ في (كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة) عن جابر الجعفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «... ﴿يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾، الحسن والحسين» (كنز الفوائد: ٣٢٠، بحار الأنوار: ٢٤ / ٩٧).
ــ وفي (الخصال) عن يحيى بن سعيد القطان قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «... ﴿يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان﴾، الحسن والحسين (عليهما السلام)» (الخصال للشيخ الصدوق: ١ / ٣٤، بحار الأنوار: ٢٤ / ٩٨).
* المولود كُرهاً:
﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي﴾ (سورة الأحقاف: ١٥).
ــ في (كامل الزيارات)، عن أبي سلمة سالم بن مكرم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لمّا حمَلَت فاطمةُ بالحسين، جاء جبرئيل (عليه السلام) إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: إنّ فاطمة ستلد ولداً تقتله أُمّتُك مِن بعدك. فلمّا حملَت فاطمة بالحسين كرهَتْ حملَه، وحين وضعَتْه كرهَتْ وضعَه». ثمّ قال أبو عبد الله (عليه السلام): «هل رأيتُم في الدنيا أُمّاً تلد غلاماً فتكرهه؟! ولكنّها كرهته لأنّها علمت أنّه سيُقتَل». قال: «وفيه نزلت هذه الآية: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾» (كامل الزيارات: ١٢٢ ح ١٣٥ ــ عنه: بحار الأنوار: ٤٤ / ٢١٣ ح ١٦).
ــ وفيه أيضاً، عن محمّد بن عبد الله، عن أبيه قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «أتى جبرئيل (عليه السلام) إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال له: السلام عليك يا محمّد، ألا أُبشّرك بغلامٍ تقتله أُمّتك من بعدك؟ فقال: لا حاجة لي فيه». قال: «فانقضّ إلى السماء، ثمّ عاد إليه الثانية فقال له مثل ذلك، فقال: لا حاجة لي فيه، فانعرج إلى السماء، ثمّ انقضّ إليه الثالثة فقال مثل ذلك، فقال: لا حاجة لي فيه، فقال: إنّ ربّك جاعل الوصيّة في عَقِبه، فقال: نعم. ثمّ قام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فدخل على فاطمة (عليهما السلام)، فقال لها: إنّ جبرئيل (عليه السلام) أتاني فبشّرني بغلامٍ تقتله أُمّتي من بعدي، فقالت: لا حاجة لي فيه، فقال لها: إنّ ربّي جاعل الوصيّة في عَقِبه، فقالت: نعم إذن». قال: «فأنزل الله تعالى عند ذلك هذه الآية: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾، لموضع إعلام جبرئيل إيّاها بقتله، فحملته كُرهاً بأنّه مقتول، ووضعَته كرهاً لأنّه مقتول» (كامل الزيارات: ١٢٢ ح ١٣٦ ــ عنه: بحار الأنوار: ٤٤ / ٢٣٣ ح ١٨).
ــ وعن محمّد بن عمرو بن سعيد الزيات، قال: حدّثني رجل من أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إنّ جبرئيل (عليه السلام) نزل على محمّدٍ (صلّى الله عليه وآله)، فقال: يا محمّد، إنّ الله يقرأ عليك السلام، ويبشّرك بمولودٍ يولَد من فاطمة (عليهما السلام) تقتله أُمّتك من بعدك. فقال: يا جبرئيل، وعلى ربّي السلام، لا حاجة لي في مولودٍ تقتله أُمّتي مِن بعدي». قال: «فعرج جبرئيل (عليه السلام) إلى السماء، ثم هبط فقال له مثل ذلك، فقال: يا جبرئيل، وعلى ربّي السلام، لا حاجة لي في مولودٍ تقتله أُمّتي مِن بعدي. فعرج جبرئيل إلى السماء ثمّ هبط، فقال له: يا محمّد، إن ربّك يقرؤك السلام، ويبشّرك أنّه جاعلٌ في ذريّته الإمامة والولاية والوصية. فقال: قد رضيت. ثمّ أرسل إلى فاطمة (عليهما السلام) أنّ الله يبشّرني بمولودٍ يولَد منكِ تقتُلُه أُمّتي مِن بعدي، فأرسلت إليه أن لا حاجة لي في مولودٍ يولَد منّي تقتله أُمّتك من بعدك، فأرسل إليها أنّ الله جاعلٌ في ذريّته الإمامة والولاية والوصيّة، فأرسلت إليه أنّي قد رضيت، فحملته كُرهاً ووضعته كرهاً، ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي﴾، فلو أنّه قال: أصلح لي ذريتي، لكانت ذريّتُه كلُّهم أئمة» (كامل الزيارات: ١٢٣ ح ١٣٧ ــ عنه: بحار الأنوار: ٤٤ / ٢٣٢ ح ١٧).
* حزب الله:
﴿ومَن يتولَّ اللهَ ورسولَه والّذين آمنوا فإنّ حزبَ اللهِ همُ الغالبون﴾ (سورة المائدة: ٥٦).
ــ ما رواه موسى بن عقبة، أنّه طلب معاويةُ من الحسين أن يخطب، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ، فسُمع رجلٌ يقول: مَن هذا الذي يخطب؟ فقال (عليه السلام): «نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسول الله الأقربون، وأهل بيته الطيّبون، وأحد الثقلين الّذين جعلنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثانيَ كتاب الله تعالى، فيه تفصيلُ كلّ شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعوّل علينا في تفسيره، لا يبطئنا تأويله بل نتّبع حقائقه، فأطيعونا، فإنّ طاعتنا مفروضةٌ إذ كانت بطاعة الله مقرونة، قال الله تعالى: ﴿أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأُولي الأمر منكم﴾ (سورة النساء: ٥٩)، وقال: ﴿ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أُولي الأمر منهم﴾ (سورة النساء: ٨٣). وأُحذّركم الإصغاء إلى هتوف الشيطان، فإنّه لكم عدوٌ مبين، فتكونوا كأوليائه الّذين قال لهم: ﴿لا غالبَ لكمُ اليومَ مِن الناسِ وإنّي جارٌ لكم﴾ (سورة الأنفال: ٤٨)، فتُلقَون للسيوف ضرباً وللرماح ورداً وللعمد حطماً وللسهام غرضاً، ثمّ لا يُقبَل من نفسٍ إيمانها لم تكن آمنت من قبل». قال معاوية: حسبك أبا عبد الله فقد أبلغت (مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: ٤ / ٦٧، الاحتجاج لأحمد بن عليّ الطبرسي: ٢٩٨، بحار الأنوار: ٤٤ / ٢٠٥ ح ١).
سؤال: هل هناك ارتباط بين قصة أصحاب الكهف وموسى (ع) والعالم (ع) أو ذي القرنين وبين القائم (ع) أو علامات ظهوره أو زمان ظهوره أو أصحابه وأنصاره أو أعداءه ؟ .
الجواب:قصة أصحاب الكهف معروفة وهي باختصار قصة رجال مؤمنين عددهم سبعة كفروا بالطاغوت في زمانهم ، والمتمثل بجهتين
الأولى :- هي الحاكم الظالم الجائر الكافر
والثانية :- هي علماء الدين الضالين الذين حرفوا دين الله وشريعته
فكل من هذين الطاغوت نصب نفسه إله يُعبد من دون الله ، الحاكم الجائر نصب نفسه إله يُعبد من دون الله في (( أمور الدنيا ومعاش العباد وسياستهم )) ، والعلماء غير العاملين الضالين نصبوا أنفسهم إله يعبدون من دون الله في (( أمور الدين والشريعة )) .
وهكذا تحرر هؤلاء الفتية من عبادة الطاغوت ، وكفروا بالطاغوت . وهذا الكفر بالطاغوت هو (( أول الهدى )) . فزادهم الله هدى ، بأن عرّفهم طريقه سبحانه ، والإيمان به ، والعمل لإعلاء كلمته سبحانه وتعالى :-
(إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدى) (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً)(الكهف:16) وأصحاب الكهف في زمان قيام القائم (ع) : هم فتية في الكوفة وفتية في البصرة كما في الروايات عن أهل البيت (ع) ، ورأس الحسين ابن علي (ع) نطق مرات عديدة ، وفي أكثر من مرة سمع يكرر هذه الآية
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً)(الكهف:9)
وسمع يقرأ منها فقط (أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً)
وذلك لأن أصحاب الكهف – وهم أصحاب القائم (ع) – هم الذين يأخذون بثأر الحسين (ع) ، وينتقمون من الظالمين . ويقلبون أمر الظالمين رأساً على عقب ولهذا سمع رأس الحسين (ع) أيضاً يقرأ (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون )
وكذلك أصحاب القائم (ع) قوم عابدين مخلصين لله سبحانه وتعالى لا يرون القوة (( إلا بالله )) . يؤمنون بالله وعليه يتوكلون ويقارعون أكبر قوى الظلم والاستكبار على الأرض ، وهي المملكة الحديدية التي أكلت وداست كل الممالك على الأرض كما أخبر عنها دانيال ، وهي متمثلة الآن بأمريكا دولة الشيطان ، ولهذا سمع رأس الحسين (ع) يقرأ أيضاً (لا قوة إلا بالله) لأنه لن يأخذ بثأره ألا من كانوا مصداق لهذه الآية الكريمة (لا قوة إلا بالله) وفي رواية أنهم لما صلبوا رأسه على الشجر سُمع منه وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، وسُمع أيضاً صوته بدمشق يقول لا قوة إلا بالله وسُمع أيضاً يقرأ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً فقال زيد بن أرقم : أمرك أعجب يابن رسول الله .
وروى الشيخ المفيد (رحمه الله) أن زيد بن أرقم سمع الرأس الشريف ينطق بآية سورة الكهف ، وروى عن المنهال بن عمرو أنه سمع رأس الحسين يقول : أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي ، أما ما روي أن أصحاب الكهف الذين يبعثون مع القائم (ع) هم بعض المخلصين من أصحاب رسول الله (ص) ، وأصحاب أمير المؤمنين علي (ع) كمالك الأشتر ، فليس المقصود هم أنفسهم ، بل المراد في هذه الروايات هو نظائرهم من أصحاب القائم (ع) أي أن هناك رجل من أصحاب القائم (ع) هو نظير مالك الأشتر في الشجاعة والحنكة والقيادة والشدة في ذات الله وطاعة الله والأخلاق الكريمة وكثير من الصفات التي أمتاز بها مالك الاشتر فلذلك يصفه الأئمة بأنه مالك الأشتر ، وهذا ليس ببعيد عن الفصحاء والبلغاء وساداتهم أهل البيت (ع) ، كالشاعر الحسيني يصف نزول علي الأكبر إلى ساحة المعركة فيقول ما معناه أن محمد (ص) نزل إلى ساحة المعركة وذلك لشدة شبه علي الأكبر خلقاً وخلقاً برسول الله محمد (ص) ، مع أن أصحاب الأئمة الذين محضوا الحق محضاً يعودون ويكرون في الرجعة بعد الإثني عشر مهدياً ، وفي زمن آخرهم وهو آخر قائم بالحق من آل محمد (ع) الذي يخرج عليه الحسين بن علي (ع) ، وهذا المهدي الأخير أو القائم الأخير لاعقب له ولا ولد له .
Comment