الحسين وأخته زينب (عليهما السلام) في الرقميات الطينية السومرية..
في البداية أنبهك أخي القارئ إلى أنّ هناك عقبة كبيرة وجب عليك اجتيازها قبل قراءة هذه الدراسة..فإنك إذا تناولتها، وكان لديك أفكار مسبقة (أو قناعات مسلّم بها)، أو أي معتقدات راسخة فطرت عليها وترفض التخلّي عنها، فسوف لن تتمكّن من الغوص في أعماقها بنجاح..لإن "اعتقاداتك الشخصية" سوف تبدأ بتصنيف نتائجها ومن ثم ستوجهها إلى مقررٍ مسبقٍ، وبالتالي سترفض أي نتيجة نخرج بها لا تناسب معتقداتك ومسلماتك التي تراكمت لديك، وبالنتيجة ستعجز عن التعمّق أكثر في مواضيع هذه الدراسة التي ترفض صحتها أو حقيقة وجودها أصلاً، وستفشل في نهاية المطاف للوصول إلى حقيقتها بكامل أبعادها لأنها ستبدو غريبة عنك..ولهذا الأمر ألمحنا في بداية تقديمنا لهذا البحث (فهذه الدراسة سيكون لها دور مساهم في كشف أشياء جديدة لأنها تحتوي على مجموعة من الحقائق الواضحة والصريحة..حقائق مدفونة عبر السنين..كانت مُبعثرة،مُفتّتة، مشوّهة، لا يمكنها أن تظهر أي معنى حقيقي عندما تكون منفردة ومجزّئة..لكن عندما جمعها في مكان واحد، شكّلت صورة كاملة واضحة، هذه الصورة تمثّل واقع آخر بعيد عن الواقع الذي تكلموا به عن دور الحوراء زينب (عليها السلام) وبالتالي يصعب تصديقه للذي عشعش الجهل في وعيه)..وهذه الغرابة التي ستبدو لدى القارئ نعتبرها طبيعية جداً على الرغم من الإثبات الذي قدمناه إليه فيما تقدم (كربلاء عبر التاريخ)، وذلك كله بسبب غياب المفهوم العام لمخطط الغزاة الفكريين في السيطرة وبسط النفوذ على الأمم من قبل ومن بعد!..في إخفاء آثار نهضة الحسين والحوراء زينب وأبيهما وأمهما (صلوات الله عليهم أجمعين) في تلك القرون الأولى، فالذي حدث هو دور أو أدوار مكرّرة من قبلهم تلطفاً ورحمة منهم عسى أن تتهيأ هذه البشرية لتتحمل مسؤوليتها التي تخلّت عنها،وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطبة النورانية (يا سلمان: أنا والهداة من أهل بيتي سر الله المكنون، وأولياؤه المقربون، كلنا واحد، وسرنا واحد، فلا تفرقوا فينا فتهلكوا، فإنا نظهر في كل زمان بما شاء الرحمان، فالويل كل الويل لمن أنكر ما قلت، ولا ينكره إلا أهل الغباوة، ومن ختم على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة).. لكننا ندعوك عزيزي القارئ في أن تستمر معنا في القراءة لتلاحظ بنفسك الكثير الذي من شأنه أن يغير نظرتك بشموليتها عما يحدث قديماً ولا يزال إلى يومك هذا..وقبل أن تشعر بالسخط والانزعاج، وتبدأ بالتململ والتذمّر مما قرأته أو ستقرأه، وجب أن تعلم بأن المعلومات التي سنكشفها لك والتي ستحصل عليها هي مهمة جداً، ومصيرية جداً في نفس الوقت..وقد تكون هذه فرصتك لمعرفة شيء من الحقيقة دونما تنميق، ومهما كانت مهينة أو جارحة للمحتلين والغزاة الفكريين الجاثمين على عقول الخلق والذين لا يختلفون شكلاً ومضموناً عما كان عليه آبائهم في المجتمع السومري حينما حاربوا أهل البيت (عليهم لسلام)، وسنحاول كشفها برجاء أن تستفيد منها إلى أبعد مدى ممكن، وأعلم أن أغلب الصعوبات التي ستواجهك هي تقبل فكرة تكرار أو ظهورات محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) في الأقوام القديمة!..لكن وجب علينا جميعاً أن نتسائل أين هذه الظهورات التي يتكلم عنها أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ هل تم رصد أو تعيين محدد لهذه الظهورات في الأزمان الماضية؟!..وفق هذا التساؤل سنبدأ بمحاولة تتعلق بالإله سين (إله القمر) وأخته (كشتنينا) وكنيتها (بي ليلى) التي تعني باللغة السومرية (الحزينة)! . ونحاول فهم علاقتهما، لنلاحظ بعد ذلك هل هناك ثمة تكرار أو ظهور قد حدث من قبل..وإن حدث هذا الظهور فما علاقته بالقادم من الزمن؟! .
تبدأ قصة الإله سين وأخته كشتنينا من سومر (العراق)..
يعرف عن المجتمع السومري أنه كان يعبد الله سبحانه وتعالى عبر أقانيمه، كالشمس والقمر والزهرة وما إلى ذلك، وتابعه على ذلك المجتمع البابلي والآشوري، فإن أغلب إذا لم نقل كل الحضارات التي أتت بعد السومريين لم تفعل سوى إعادة إنتاج التراث السومري..وبهذا الصدد لم يفعل الاكاديون والبابليون ومن بعدهم الآشوريون غير أن يستبدلوا أسماء آلهتهم المحليين بأندادهم السومريين..وأبقوا ما عدا ذلك على حاله، إلا أن الحضارة البابلية، والحق يقال، كانت هي الأبرز لأن دورها كان خلاقا في بناء وإعادة تركيب مكونات التراث السومري..لكن بالشكل الذي يخدم مصالحها وأهدافها الحضارية!.
أما مسألة الأقانيم فلقد كانت رمزية لشخوص ليس إلا!..فالحضارة السومرية كانت تمتلك أرقى ديانة سماوية! ولهذا السبب تجد هذه الحضارة قد توصلت إلى معارف عجز عن وصفها العلم الحديث، فلقد أظهر السومريون القدامى إلماماً واسعاً ودقيقاً في علم الفلك، كتحديد هوية ومواصفات الكواكب التسعة في نظامنا الشمسي، وكذلك معلومات تفصيلية مثل معرفة الأقمار الأربعة الرئيسية لكوكب المشتري، وهذه معلومات لم نتعرّف عليها في هذا العصر سوى بعد اختراع التليسكوب..وكانت لدى السومريين معرفة مذهلة بالعلوم الفلكية، وهذا ما أكده "الفورد" بقوله: مفهوم المحيط الفلكي بأكمله بما فيه الدائرة بمحيطها360درجة السمت والأفق والمحور السماوي والأقطاب ودائرة البروج وغيرها من تلك العلوم..وأدت معرفتهم بحركات الشمس والقمر إلى ظهور أول تقويم عالمي استخدمه الساميّون بعد ذلك بقرون عديدة وأيضاً استخدمه المصريّون القدماءواليونانيون .
وأشار "آلفورد" أن نظام الـ 60 دقيقة في الساعة والـ 60 ثانية في الدقيقة المأخوذ في الحضارة الحديثة كان صنعة سومرية مبنية على آلهتهم الإثنى عشر استخدموها ليرسموا دائرة عظيمة غير مسبوقة .
لكنهم تاهوا في آخر المطاف عن هذه الديانة ومفاهيمها النبيلة ووقعوا في شرك الشيطان بعد أن حرّفت عن أصلها السامي، ولا يمكن تحريف أي ديانة مهما كانت إلا بتصفية الأصل الذي يضفي الديمومة عليها وهذا ما تخبرنا به الرقميات الطينية السومرية بشأن قتل الإله (إيليا) وابنه الإله (سين) وغصب حقهما..وكلاهما يرمز إليه بالقمر أي الإله إيليا والإله سين وهذا الأمر دارج عند العراقيين في زمننا هذا، بل إن هذه الرمزية راسخة وشائعة في أحاديث أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) وتعتبر من البديهيات فلقد ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوما صلاة الفجر، ثم انفتل وأقبل علينا يحدثنا، فقال: (أيها الناس، من فقد الشمس فليتمسك بالقمر، ومن فقد القمر فليتمسك بالفرقدين). قال: فقمت أنا وأبو أيوب الأنصاري ومعنا أنس بن مالك، فقلنا يا رسول الله، من الشمس؟ قال: (أنا)، فإذا هو (صلى الله عليه و آله) ضرب لنا مثلاً، فقال: (إن الله تعالى خلقنا وجعلنا بمنزلة نجوم السماء كلما غاب نجم طلع نجم، فأنا الشمس فإذا ذهب بي فتمسكوا بالقمر). قلنا فمن القمر؟ قال: (أخي ووصيي ووزيري وقاضي ديني وأبو ولدي وخليفتي في أهلي علي بن أبي طالب). قلنا فمن الفرقدان؟ قال: (الحسن والحسين). ثم مكث مليا وقال: (فاطمة هي الزهرة، وعترتي أهل بيتي هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض).(الأمالي للطوسي ص: 517)
إنقسم المجتمع السومري بعد أن جرت عليه فاجعتان قاسيتان هما مقتل الأقنومين الإلهيين السومريين الإله إيليا وابنه الإله سين مما أدى إلى تداعي هذه الحضارة وتعثرها في مضيّها وتقدمها .
حين نقول (الإله) فإنما نتحدث عن زمن الأسطورة لكن نحن لا نتفق مع من يقول أن الأساطير هي الأحاديث الغير منظمة!..أو تلك التي لا تعتمد على واقع حقيقي، بل الأسطورة تعني الشيء المنظم ومنه الساطور الذي يقطع به! فهل يكون قطعه غير منظم؟!..وكما هو واضح أن المجتمعات التي أنكرت رسالات السماء كانت تعترف بهذه الحقيقة اعترافاً صريحاً من حيث أن الأولين أي الحضارات القديمة كان لهم علوم متصلة بالسماء ولهم قدرات فائقة لذلك وعندما تأتيهم رسالات سماوية كانوا يعتبرون هذا الشيء قد حدث من قبل ويسمّونه أساطير الأولين!، بل أن هذا الشيء الجديد منقول عن تلك الحقب القديمة!..(وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)(الفرقان: 5)
إن هذه الصفة التي تطلق على بعض الشخوص التي خلدها التاريخ أما أن تكون حقيقية أو أن تكون صفة منتحلة، فالحقيقي هو واحد لا غير، أما المنتحلين فمتعددين لذلك تجد تعدد في الآلهة، وهذا ما يؤكده النص القرآني يصف لنا أن هناك آلهة مزيفة متخذه من قبل الخلق بدل الإله الحقيقي (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً)(مريم: 81)..هذا النص القرآني يثبت أن هناك آلهة لكنها جميعاً منتحلة لهذه الصفة ولا تقوم على أساس حقيقي فالنص القرآني يثبت أن هناك إله واحد..لكن ما هي دلالته، وإلى أي شيء يشير؟ .
أود أن ألفت عناية القارئ الكريم أن هناك أمور لم نتبينها بالشكل الصحيح ألا وهي الأسماء الحسنى، فلقد تم إخفاء دلالتها الحقيقية علينا عبر هذه السنين الطويلة، فالقارئ اللبيب يعرف أن الأسماء الحسنى تعني محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) حسب ما ورد في النص الروائي عنهم (عليهم السلام) ولكنه لم يتسائل ما المقصود بذلك؟!..وما علاقتهم بإسم الإله؟!.
إنظر قوله تعالى: (وَللهِ الأسماء الحسنى فادعوه بها)..
قال أبو عبد الله (عليه السلام): (نحن والله الأسماء الحسنى الّذي لا يقبل من أحد إلاّ بمعرفتنا، قال: فادعوه بها).(مستدرك سفينة النجاة)
عن اختصاص المفيد قال مولانا الرّضا(عليه السلام): (إذا نزلت بكم شديدة فاستعينوا بنا على الله عزّ وجلّ وهو قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها)).
لنرى الآن هل الأسماء الحسنى تتضمن إسم (إله) كي نعلم بعد ذلك ما هو مراد المنتحلين من دعواهم للألوهية كما ورد في النص القرآني:
(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إلى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ)(القصص: 38)
(قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ)(الشعراء: 29)
ورد عن الإمام الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين إسما، مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة، وهي: الله، الإله، الواحد، الأحد، الصمد، الأوّل، الآخر، السميع البصير، القدير، القاهر، العلي، الأعلى، الباقي، البديع، البارئ، الأكرم، الظاهر، الباطن، الحي، الحكيم...).( بحار الأنوار للعلامة المجلسي. ج4 ص186)
من هذا الحديث نعلم الآن أن إسم (الإله) هو أحد أسماء الله الحسنى، لكن لنتعرف لأي شيء يشير هذا الإسم:
· روى العيّاشي في تفسيره عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: («لا تَتَّخِذُوا اِلهَيْن اثنين إنّما هو إله واحد» يعني بذلك ولا تتّخذوا إمامين إنّما هو إمام واحد) .
· وفي كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة معاً: عن عليّ بن أسباط، عن إبراهيم الجعفري، عن أبي الجارود، عن أبي عبد الله(عليه السلام) في قوله تعالى: (ءَاِلهٌ مَعَ الله)ـ الآية، قال: (أي إمام هدى مع إمام ضلال في قرن واحد) .
· ونقل القمّي في تفسير قوله تعالىوَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إنّي إله من دونه) أنّ المراد من زعم أنّه إمام وليس بإمام .
إذن هذا الإسم (إله) يشير إلى الإمام وإلى الإمامة وبذلك نعلم الآن أن فرعون ومن شاكله كانوا ينتحلون دور الإمام ويريدون بذلك أن يكونوا هم الوحيدون المتصرفون بشؤون الخلق..ومن هذا المنطلق نعرف الآن لماذا قال لموسى عليه السلام (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ)(الشعراء: 29)
لأنه يعلم أن هناك إمام موجود كان موسى (ع) يتلقى منه العلوم وغير ذلك، ونعلم الآن لماذا كان الأوّل يسمّى من قبل أهل البيت (عليهم السلام) بفرعون ذلك لإنه اغتصب الخلافة الشرعية ونصب نفسه إله للناس تأمّل أخي القارئ هذا الحديث الطويل الذي أخذنا منه حاجتنا: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكّن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) قال: المفضل يا سيدي ومن فرعون وهامان؟ فقال (عليه السلام): (أبو بكر وعمر..).(مختصر بصائر الدرجات)
وورد في تفسير البرهان: ج 3 ص 220 ح 12 عن كشف البيان: (إن فرعون وهامان عدوان للأئمة (عليهم السلام)) .
وورد أيضاً عن (الإمامان الباقر والصادق (عليهما السلام)): (إن فرعون وهامان هنا هما شخصان من جبابرة قريش، يحييهما الله تعالى عند قيام القائم من آل محمد عليهم السلام في آخر الزمان، فينتقم منهما بما أسلفا).(بحار الأنوار)
وعلى ذلك ف إن إطلاق أسم (إله) من قبل السومريين على شخوص معينين له دلالة قصدية لا تخرج عن مفهومنا الذي قدمناه..لكن وكما قلنا أن هناك انتحال وتعدّي جرى على الشخوص الذين عيّنت لهم هذه الصفة وتم إسباغها على غيرهم وما أشبه اليوم بالأمس!..وبذلك لا نستطيع أن نقول أن الوعي الأول عَبَدَ الله ولكن بأقانيم من كونه المرئي كالقمر والشمس والسماء والماء وغيرها!..بل جميع هذه المسمّيات هي رموز تشير إلى الشخوص الكونيين كما مر عليك حديث جابر بن عبد الله الأنصاري وبالتالي تستطيع أن تسمي هذه المسميات بالقوانين، لذا سنبقي على استعمال لفظة (إله) كما هي في هذه الدراسة..
أما التحول في مفهوم هذه الأسماء حدث عند البابليين من بعدهم عندما تعاملوا مع الطاقة الكونية المستخلصة من الكون (راجع بحث مؤسسة الظلمات السلسلة الثانية)، لذلك تجد في النص القرآني أن إبراهيم (ع) يذكر هذه الأجرام السماوية على سبيل الإنكار مثلما ورد في المرويات .
كما إننا سنعتمد على ما ذكره الدكتور نوري المرادي في كتابه المعنون (أسفار ميسان..قيد الطبع).. من ترجمة بشأن قصة الإله (إيليا) السومري والتي هي شبيهة بقصة الإمام علي (عليه السلام)، والإله (سين) مثله كمثل الشهيد الحسين بن علي (عليهما السلام)..ومن خلال الفكرة التي طرحها في كتابه فأنه يشبّه الإمام علي (عليه السلام) ومأساته المفجعة مثل إسطورة وفاجعة الإله إيليا، التي هي مأخوذة من التراث السومري القديم..والإله إيليا السومري ورد أول الأمر في الرقيمات الطينية بإسم ((لو لو)) الذي يعني: الإله الذي ذبح، الإنسان الأوّل..ثم تسهّل أكديّاً لينطق على شكل: ((وي لاه)) والذي يذكر المنظور الأكدي أنه ذبح فخلط دمه ولحمه مع الطين ليصنع منه الإنسان الحالي. (متون سومر ص 86 و160 وغيره من كتب التراث)
يذكر التراث السومري (الكلام للدكتور نوري المرادي) أنه بعد حرب كونية جراء فتنة أشعلتها الأم (تعامه) في أهوار ميسان، أسرت الآلهة الإله إيليا وقادته إلى بابل وهناك ذبحته ومن دمه صنعت الإنسان ليخدمها .
لكن الآلهة (المنتحلين والغاصبين) سرعان ما ندمت على فعلتها، فبكته ردحاً طويلاً حتى صار مبعثا لحزنها، بعد أن فطنت أنها ذبحته بلا جريرة..
والآلهة، مدللة دوماً، وإن أخطأت توبخ وليس تقتل كما قتل إيليا مظلوماً..المهم أن قد بكى الآلهة فقيدهم إيليا .
وفي كل مرة يبكوه يتصارخون بأحد أسمائه (وي لاه ! يا ويل! يا ئيل!) وكأنهم يطلبون عفوه أو يستنجدوه ويناشدوه أن يرفع عذاب الشعور بالذنب تجاهه عنهم.. (تتعدد أشكال ومضامين هذه اللفظة، حتى أصبحنا نرى هذه الندبة تظهر كإشارة لعذاب النفس ولازمة للتوجع (يا ويلي!) والتي تحولت عند أهل الجنوب في العراق) .
أو كأنهم يرجوه العودة إلى الحياة مجددا لينصروه، أو يعذرهم، أو يخلصهم من عذاب النفس الذي يعانوه جراء جريرتهم بحقه .
والعزيز المظلوم لا يُنسى .
وذو الجريرة الظالم الشاعر بجريرته يتمنّى لو عاد المظلوم إلى الحياة ثانية لينصفه أو يفديه ولو بنفسه .
ولا يعود المظلوم المقتول .
ويتراكم الزمن، فيتحول تمنّي عودة المظلوم إلى رجاء تتوق النفس الظالمة للفكاك من جريرتها به .
أي إنّ المظلوم المغدور صار علة غادره، وأمله في الخلاص من عذاب جريرته .
وهذا تلاقى مع الشعور باللا حول إزاء القدر والفناء، ليتحول هذا الأمل في الضمير الأول الذي لازال على بديهته، إلى مسلمة ثابتة تقول بإمكانية خلاص المخلوق عموماً من جرائره بحق مظلوم أو من الجرائر واللا حول، عبر شخص سيظهر حتماً يوماً ما وفي لحظة ما حرجة جدا من الزمن .
وهنا، كان البدء، وظهرت عقيدة المخلص (المهدي)، في المنظور السومري .
ومخلص السومريين هو الإله إيليا .
وشخصياً، وبناءاً على طيف يقظة عابر، أكاد أفترض أن فتيان شنعار المقاتلين! (الكاتب له رؤيته الخاصة التي لا تستقيم مع رؤية الفكر الشيعي ولا السني فهو لا يعتقد بالعصمة وإلى غير ذلك بشأن الإمام علي عليه السلام) في هذا الزمان الحرج الذي يعتمد عليه مصير العالم بأسره، سيرون شخصاً بهذه المواصفات، وهو صورة المخلص إيليا السومري التي تناقلها الوعي الجمعي فصارت من موروث المخيلة ويرد على الذاكرة البشرية في ساعات المحنة الكبرى .
ولسنا بصدد خلفيات هذه الرؤيا، إنما نؤكد في هذه العجالة على أن عقيدة المهدي المخلص لازمت الفكر البشري منذ بواكيره الأولى .
وتمر قرون لا ندري عددها لتجري على الإله سين حفيد أو إبن الإله إيليا في تسلسل أنساب الآلهة السومرية، فاجعة أشد هولاً من فاجعة أبيه إيليا وأقسى .
والإله سين (أو يس) هو عينه الذي نسميه بلغتنا الحالية (تموز) الإسم الآتي من الجملة السومرية:
دو مو سين، التي تعني: الإله الإبن سين .
بل وطغت فاجعة الإله سين على فاجعة إيليا .
ولهذا بكاه الشنعاريون حتى أيام النبي حزقيال في القرن السادس ق م، فذكر في الإصحاح الثامن من سفره قائلاً: "ووجدت نساءً يبكين على تموز" .
والبكاء على الإله سين بدأ يوم قتلوه غدراً بدسيسة من عشتار .
ولا أحد يدرك متى كان هذا، لكنه حتما قديم قدم الدهر، ودخل الموروث وبقي سارياً حتى أيام النبي حزقيال على الأقل..وهكذا فترة طويلة لابد وتنطبع بالضمير والموروث الجمعي لتشخصن هذا الإله المغدور وتصبح تخاطبه مخاطبة الحي المحسوس .
لهذا، كان الشنعاريين هُم الوحيدين بين شعوب العالم القديم، ومهما اختلفت رؤاهم الدينية ومهما تطور عرفانهم، يقولون بالمهدي المخلص ويبكونه أيضاً كرمز مظلوم..وبسبب قساوة فاجعته ارتقى الإله سين وحل مكان أبيه وصار هو مخلص السومريين المتأخرين والأكديين والبابليين والآشوريين والكلدانيين والسينيون (اليزيديون) وهم الديانة الوحيدة الباقية من ذلك الزمن السومري السحيق مازالوا يؤمنون بهذا المخلص وينتظروه وبإسم نوري جن، وبإسم خضر الياس، الجملة التي تعني: (القمر سيد الظلام) .
ومهدي المنداء، الصابئة الديانة الثانية بالقدم بعد السينيين، هو السيد سيتيل (الإله سيت) وهو شيت إبن آدم ع..وغالباً ما يرد إسمه بصفته العينية عاذيمون (آ دو مون) التي تعني إبن الإله. ومخلص اليهود حسب آخر أسفار العهد القديم سفر ملاخي، هو إيليا، الذي ينتظروه إلى اليوم .
ومخلص المسيحيين هو المسيح ذاته، وإن ظهر بأسماء من قبيل مار الياس أو مارجرجيس .
وهو عينه مخلص الإسلام السني بينما مخلص الإسلام الشيعي هو الإمام الثاني عشر الحسن العسكري. وهكذا . (الدكتور نوري المرادي يخطأ هنا فالإمام المهدي هو الحجة بن الحسن عليه السلام وليس الإمام الحسن العسكري)
وفي شنعار إذن، عقيدة مخلص، وتأليه أنثى (هو يريد أن ينتقص من معتقد الشيعة بفاطمة الزهراء عليها السلام كما سيأتيك)، وحزن على جريرة غدر ورمز للفاجعة..وهذا من الماضي السحيق .
زد على ذلك، وفي مفارقة يبقى أمرها طي الغيب، أن فاجعة الإله إيليا وابنه سين، تكررت في منطقة شنعار حرفياً تقريباً على شخصين بعينهما وهما الإمام علي، واسمه الصحيح إيليا، وابنه أل حسين .
وقد تعمدت هنا فصل أل التعريف عن كلمة حسين, للمُقارنة وفك شفرة التشابه الكبير بين التاريخ السحيق والراسخ في العقل الباطن لسكان بلاد ما بين النهرين, وبين الحوادث التي تلت ذلك التاريخ وأصبحت مُتداخلة ومندمجة .
(نقول: أن (ال) التعريف، من (إل) الأكدية التي تعني السيد، وإن أعدناها إلى أصلها السومري القديم فستعني الإله.. وعلي رأي بعض من علماء اللغة، هو إن البادئة اللغوية الاكادية..(أل) كانت تضاف إلى أسماء الآلهة جريا على العادة السومرية في تصنيف هذه الأسماء و تمييزها عن غيرها و تشير بعض النصوص الاكادية إلى أن هذه البادئة اللغوية اللاهوتية قد جرى استخدامها على طريقة التضعيف (أل أل) لتفيد معنى الإله قبل أن تتحول بالإدغام بعد ذلك إلي كلمة (الله)..والقارئ يعلم تأثير اللفظ المعرف بـ (أل) التعريف في النص القرآني وما يحمل من خصوصية فريدة..على أية حالة.. نعود إلى دلالة الإله (سين) حسب دراسة (الدكتور نوري المرادي) فلقد ورد أعلاه،) هو الاسم السومري للقمر..
واللقب السومري للقمر هو: أ شيم بار .
والألف سومرياً تستخدم للندبة الربانية، أما الميم فهي تمويم يقابل التنوين العربي .
واللقب السومري للقمر يمكن قرائته على أنه شي بار .
وهو قريب أو مطابق تماماً للقب شبّر- أحد ألقاب الحسين. (الحسن وليس الحسين حيث الحسين هو شبير)
والقمر هو شدة البياض وهو من الحسن واسم الحسين تصغير للحسن .
و التقارب بين ( إله سين ) و (ال حسين ) في لهجات شنعار هو كالتقارب بين اسمي الأهواز والأحواز، وهور وحور،، إلخ .
حيث تتبادل الهاء والحاء النطق هناك حسب الألسن .
ومن هنا، فاسم الحسين يذكر الوعي الشنعاري الموروث باسم إله سين .
والإله سين هو أول من حمل هذا الإسم بين الآلهة الشنعارية .
وإن كان مصدر الإسم هو الشيء الحَسِن والجميل النظر, فإن اسم الحسين (عليه السلام) لم يطلق على فرد من العرب قبل ابن الإمام علي هذا .
ومن أطلقه عليه هو شخص لا يشك أحد بنبوئته؛ ألا وهو رسول الله محمّد (صلوات الله عليه وآله) أوحي إليه أسماً غريباً على جزيرة العرب وقتها، وأطلقه على حفيده، كمقدمّة إخبارية لكون هذا الحفيد، هو النسخة الثانية، أو النسخة البشرية من إله سين لدى ذاكرة بعض الأقوام الذين سيقدسونه لاحقاً! وهنا تقع المُفارقة؟
فالإ له سين هو ابن الإله إيليا .
والحسين هو ابن الإمام إيليا .
وإله سين وهو سليل آلهة، والحسين سليل نبوّة .
و آلهة شنعار اختارت إله سين بن إيليا واستدعته لينقذ عشتار من ورطتها وهي في العالم الأسفل، فذهب ضحية ذلك الإنقاذ .
وأهالي شنعار استدعوا الحسين بن علي، لينقذهم وينقذ الأمة من بقية فتنة، فراح ضحية رسالته .
وقبل رحيله إلى مكان قتله رأى إله سين حلما بأن الآلهة تدعوه أن يقدم إليها على عجل .
وقص الحلم على أخته الإلهة كشتنينا، وكنيتها "بي ليلى" .
وهي كلمة سومرية وتعني: الحزينة .
والحسين أيضاً وقبل رحيله إلى (كربلاتو) التي قيل عنها لاحقاً (كربٌ وبلاء) رأى رؤيا بأن جده رسول الله يناديه بالقول:
" العجل العجل يا حسين!" فقص الحلم (الرؤيا) على أخته الحوراء زينب، التي تلقب وإلى اليوم بالحزينة.(كعبة الأحزان)
والحزينة بي ليلى أخت سين، فسرت الحلم (الرؤيا) وقالت له إنك يا أخي مقتول، ومع ذلك شجعته على الرحيل، لأنه قدره الذي لن يفلت منه .
وزينب أيضاً فسرت الحلم (الرؤيا) وقالت لأخيها الحسين إنك مقتول، ومع ذلك شجعته على الرحيل إلى قدر أراده الله له.
ومنذ وصل الإله سين إلى منطقة بابل احتوشته عفاريت الشر وحالت دونه والعودة ومنعته الأكل والشرب حتّى قتله بعد أيام .
ومجيئه كان في شهر سين ( تموز) وفي يوم سين (الإثنين -يوم القمر- موندي) وفي بابل.
وهو المصير ذاته الذي لاقاه الحسين، الذي قتل ممنوعاً من الماء والزاد وفي شهر تموز وفي يوم الإثنين وفي كربلاتو التي يعني اسمها ضاحية بابل الجنوبية .
وعشتار حين أدركت خذلانها لسين وتوريطها له، وبي ليلى، بكت كل منهما وصرخت نادبة:
"ويلاه ويلاه! ويلي عليك يا سين! لقد اختلط دمك بالتراب وعفر وجهك الأرض، يا فتيات!
مزّقن جيوبكن وألطمن صدوركن، لقد قتل الفتى سين، يا فتى يا سين! يا فتى يا سين!"
وهذا يذكره الأستاذ فراس السواح .
وهي الصرخة ذاتها نصاً وروحاً التي نادت بها زينب الحزينة والتي يرددها الباكون على الحسين (عليه السلام) حتى اليوم ومنذ شعورهم بجريرة خذلانهم له.(إنتهى كلام نوري المرادي)
هذا ما أخرجه لنا (الدكتور نوري المرادي) من الرقم الطينية، لكنه لم يخرج بصورة كاملة إذ أنه يرفض المعتقدات الشيعية ويعتبرها فكراً سياسياً ليس إلا، بل إنه له بحث نشر جزئه يتكلم فيه (عن بدع كبرى ابتدعها القائلون بالمظلومية كـ -غدير خم- و -ميراث فدك- و -كسر الضلع- وأيضاً شكل السيف "ذو الفقار" ومعصومية الإمام الحسين (عليه السلام)، ناهيك عما ينسب إلى آل البيت من خوارق جعلتهم فوق الله سبحانه) الذي بين القوسين كلامه وعلى ذلك فقس، وحقاً إنني أعجب من إنسان يكتشف هذه الحقائق ومجسّداتها الدورية كيف تكون عقليته بهذا الإنغلاق؟! .
لكننا وبالعودة إلى ما قدمناه حول ظهورات محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) يسهل لدينا تصور تكرار الحدث كمجسدات دورية وما هي الغاية منه، فالغاية من التكرار أو الظهور يعنى بعملية التأهيل للخلق ليستوعبوا بعدها ما خفي عنهم أو ما غيّب عنهم بفعل الظالمين، فهل كان القارئ الكريم يعلم بهكذا تطابق في الأحداث لشخص الإله (إيليا) و (سين) مع الإمام علي والإمام الحسين (عليهما السلام)؟..قطعاً لا..طيب كيف تم إخفاء هذا التكرار، الذي يحتم علينا الإقرار على أن هناك تكرار آخر قد سبقه!..كيف أخفي هذا الأمر ومحي من ذاكرة الشعوب بهكذا أسلوب!..ومن ثم اعتبر في آخر المطاف ضرباً من مخيلة المجتمع العراقي القديم! .
إن الذي يصيب بالحزن الشديد هو عدم التمكن من إيجاد ترجمة حول أخت الإله سين (كشتنينا) وما جرى عليها بعد أن قتل أخاها الإله (سين) وكيف نهضت بعده برسالته! لكن ليس لنا إلا أن نقر دورها أيضاً بعد كل هذا التطابق الذي حدث في كربلاتو (كربلاء)..لله درك سيدتي كم مرة قتلوا كفيلك ونفسك أبو الفضل العباس وفرقوا بينكما، كم مرة قد جرى عليك هذا المصاب، كم مرة سبيتي، وكم مرة وقفتي أمام المسخ يزيد؟!..لكن بودي أن أسأل القارئ الكريم وسؤالي هذا موجه إلى قلبه وليس إلى ما يقرره المنطق العقلي في هذه الإيام، هل تقبل للحوراء زينب (عليها السلام) في أن تسبى مرة أخرى؟!.هل تقبل أن تشتم مرة أخرى؟! والأمر الأهم من ذلك هل تقبل أو تسمح أن يقتل الحسين (عليه السلام) مرة أخرى؟!..وهل تستطيع أن تستجيب له دعوته إذا دعاك متحدياً كل القيود التي ألزمت نفسك بها في هذه الدنيا الدنية؟!..الأمر بيدك عزيزي القارئ أن تسمح في أن يقتل الحسين (عليه السلام) وأن تسبى نسائه وعيالاته من جديد، أو أن تستغل هذه العقلية الجمعية والروح التفاعلية التي بثتها الحوراء زينب بعد أخيها الحسين (عليهما السلام) بما يسهم في توسيع دائرة الإدراك والوعي بدلا من تركها هائمة على وجهها تنعق مع كل ناعق وتسير وراء كل انتهازي مخادع؟!..فأنت تعلم أن المخادعين مندسون الآن وسط هذه الدائرة بل يقودونها ويوجهونها إلى غير مقصدها!..
كما أخبرناك أن الأمر بيدك أخي القارئ فلا تعتقد أن هناك تكرار لهذا الحدث إلا مرة واحد لكن وجب استبدال مساراته من الخذلان إلى النصرة، فليس هناك توبة إذا ظهر الإله (سين) مرة أخرى ولا يظهر حتى نفهم هذه المعادلة ونستعد إلى الإنصهار فيها .
كما وجب عليك عزيزي القارئ أن تعرف قيمة جغرافية أهل البيت (صلوات الله عليهم) التي تم انتحالها وصرفها إلى وجهة أخرى، فلو سأل أيّ منا عن نسبة أهل البيت (عليهم السلام) ومن أي رقعة جغرافية هم سينصرف ذهننا إلى الجزيرة العربية، لكن هذا الشيء غير صحيح! فالنبي الأكرم وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) عراقيين شنعاريين الأصل، لأن قريش كما يقول الإمام علي (عليه السلام) من نبط الكوفة. .مثلما ورد عنه (من كان سائلاً عن نسبتنا، فأنا نبط من كوثي)..ولابن عباس حديث بهذا المعنى عندما كان يقول: (نحن معاشر قريش حي من النبط من أهل كوثي. و النبط من أهل العراق)..وهذا الكلام يقضي على التصورات المدسوسة التي دست إلينا بفعل مؤسسة الظلمات على أن قريش أو أغلب القبائل تعود نسبتها إلى الجزيرة..فهذا الكلام الصادر عن الإمام علي (عليه السلام) يؤكد على أن أصل الرسالات من العراق وأصل التفرع من العراق، وعلى هذا الكلام تعلم الآن لماذا تحرك (الثاني) لعنه الله إلى الكوفة بحجة تشكيل قاعدة عسكرية لمواجهة الفرس فهو يعرف أن حركة الإمام علي عليه السلام ستتوجه إلى موطنة الحقيقي لذلك عمل على توجيه ضربة استباقية للإمام في محاولة لبناء أديولوجية خاصة به وتتغاير أهدافها مع أهداف الإمام علي عليه السلام، فهل نستطيع أن نهيء هذه الجغرافية لأهلها من جديد أم إننا نتركها لكل غاصب ومنتحل؟! .
كما وجب علينا الإشارة إلى موضوع التقارب بين الإله (سين) والإمام الحسين (عليه السلام) على أنه ليس بغريب على النص القرآني فلقد ورد في تفسير على بن إبراهيم: "والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الامين" قال: ("التين" رسول الله صلى الله عليه وآله، "والزيتون" أمير المؤمنين (عليه السلام) "وطور سينين" الحسن والحسين" وهذا البلد الامين "الأئمة (عليهم السلام)) .
إن جميع الموارد اللفظية المتعلقة بالبناء اللفظي المشابه لـ (سين) تأتي في النص القرآني مرتبطة بمحمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)..وكما مر عليك من تبيان معنى (سينين) التي تشير إلى حركتين لـ(سينين) لذلك ورد في الحديث أعلاه أن هذه اللفظة تسير إلى الحسن والحسين (عليهما السلام)..وإن الموار اللفظية المتعلقة بالسين مثل (يس) و (آل ياسين) و (طس) و (طسم) و (سيناء) جميعها أيضاً تشير إليهم (صلوات الله عليهم أجمعين) .
في تهذيب الأحكام بإسناده إلى الثمالى عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه كان في وصية أمير المؤمنين (عليه السلام): (أن أخرجوني إلى الظهر، فاذا تصوبت أقدامكم واستقبلتكم ريح فادفنوني، فهو أول طور سينا)، ففعلوا ذلك .
وبإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) حديث طويل يقول فيه وقد ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام): (والغري وهو قطعة من الجبل الذى كلّم الله عليه موسى تكليما، وقدّس عليه عيسى تقديسا، واتّخذ عليه إبراهيم خليلا، واتّخذ محمداً (صلى الله عليه واله) حبيباً وجعله للنبيين مسكناً، فوالله ما سكن بعد أبويه الطيبين آدم ونوح أكرم من أمير المؤمنين (عليه السلام)).
بيان علاقة الحضارة السومرية مع فاطمة الزهراء (عليها السلام)..
جرياً مع ما تقدم من نتائج بشأن ظهورات أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) في الحقب أو الأزمان السابقة بودنا أن نسأل عن أمراً هاماً عند السومريين وهو لماذا يقومون بتأليه الأنثى! طبعاً هذا ما يخبرنا به التاريخ!..لكن هل هذا الأمر كما يعتقده المؤرخون؟!..لننتبه إلى هذه القضية جيداً، لأن السومريين يقصدون شيئاً مهماً وعظيماً خفي على المؤرخين وعلى الآثاريين على حدٍ سواء فهؤلاء جميعاً يعتقدون أن السومريين لديهم ميل إلى تأليه الأنثى بصفتها المطلقة لكنهم أي السومريين كانوا يقصدون أمراً غير ذلك، فالإله الأول عندهم هو الأم نمو، ومنها خرجت بقية الآلهة، وتصف لنا الرقميات الطينية أنها كانت لها سلطات توازي سلطات أبيها الإله (آن) إله السموات والأرض..وتشاركه القرارات وهي خلقته من نورها..ولا يخفى على القارئ الكريم أن هذا الكلام يتعلق بأمور تكوينية ترتبط بأصل الخلق (الأوّل) وهي القوانين والنظم الكونية التي على أساسها تشكل الوجود، وهذا الكلام يتطابق مع ما ورد في مرويات أهل البيت (عليهم السلام) بل ويعتبر من أبجديات العقائد الشيعية التي أسسها أهل البيت (عليهم السلام) فكثيراً من الروايات تصف لنا أن حقيقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) أصل لكل شيء بل تعني الوجود كله وهي (أم أبيها) حسب ما جاء في كنيتها أي أنها أصل لأبيها ولقد صرح النبي بهذا المعنى فلقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (أنا شجرة، وفاطمة أصلها، وعلي لقاحها).. لكن هل كانت هذه الأمور معروفة لدى السومريين لنطلع على ما جاء في كتاب فراس السواح (مغامرة العقل الاولى):
(تتخذ أساطير الخلق والتكوين مكان المركز والبؤرة في أي منظومة ميثولوجية..فهي التي تتحدث عن أصل الكون وكيف ظهرالعالم إلى الوجود، وعن أصل الآلهة وأنسابها ومراتبها وعلائقها مع بعضهابعضاً..وهذا ما سوف نلتفت إليه فيما يلي، متخذين من ميثولوجيا التكوينالرافدينية نموذجاً..
في الأساطير السومرية، وهي أول الأساطير المدونة في تاريخ الحضارة الإنسانية، تبدأ عملية خلق وتكوين العالمإنطلاقاً من مادة بدئية أزلية هي المياه الأولى، التي دعاها السومريون(نمّو)..ففي أعماق هذه المياه تشكلت بذرة الكون الأولى على هيئة جبل قبتههي السماء، وقاعدته هي الأرض، وكانا ملتصقين..بعد ذلك أخذ الهواء بالتشكلفي داخل هذه الكتلة اليابسة، الأمر الذي أحدث فجوة في داخلها..وكلما أخذالهواء بالتزايد والتمدد كلما توسعت هذه الفجوة، إلى أن باعدت بين الأرضالمنبسطة وقبة السماء التي تغطيها من كل جهاتها..ثم إن هذا العنصر الغازيالذي يملأ المسافة بين الأرض والسماء أنتج القمر والشمس وبقية الأجرام المضيئة. وكان من نتيجة فصل السماء عن الأرض إتاحة الشروط المناسبة لظهور الحياة الطبيعية والكائنات الحية) .
ما تلاحظه عزيزي القارئ أن الكلام المتقدم الذي يبديه لنا فراس السواح هو متعلّق بأصل التكوين الأوّل فالمياه الأولى هي المياه البدئية التي تشكل منها الوجود أو الكون وبذلك أصبح أصل كل الأشياء كما في الحديث: سأل رأس الجالوت أميرالمؤمنين (عليه السلام) عن أصل الأشياء، فقال: (هو الماء لقوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْماء كلّ شيء حيّ))..لكن هذا الأصل لا بد أن يكون له مثالاً متجسد في شخص ما فقرائتنا لهذه الفكرة تعيدنا إلى قاعدة عامة وهي المجموعة المتكلمة في النص القرآني ويعتبرها القوانين الكونينة الأولى وبين المجموعة الفاعلة التي تتجسد في شخوص خاصة تتمثل فيهم الأنظمة والقوانين الكونية..
قال المفضل للصادق (عليه السلام): يا سيدي إني أسألك أن تسأل الله أن يثبتني وسائر شيعتكم المخلصين لكم على ما فضّلكم الله به ولا يجعلنا به شاكين ولا مرتابين . قال الصادق (عليه السلام): (يا مفضل قد فعلت ولولا دعائنا ما ثبتم). قال المفضل: يا مولاي إني أحب أن تفيدني شاهداً من كتاب الله عز وجل على ما فرضه الله لكم من سلطانه وقدرته..فقال الصادق (عليه السلام)يا مفضل القرآن وسائر الكتب تنطق به لو كنتم تعلمون فإني أبين لكم ماهو في حقنا في كتابه وقوله: (قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قو مجرمين، لنرسل عليهم حجارة من طين، مسوّمة عند ربك للمسرفين، فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين، وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم، وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين، فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون، فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم، وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم، ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم، وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين، فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون، فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين، وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوماً فاسقين، والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون، والأرض فرشناها فنعم الماهدون، ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون، ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين، ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر إني لكم منه نذير مبين..وإنما هذا قول الرسول المفوض إليه وهو المفوض إلينا ذلك العلم لقول الله تبارك وتعالى نحن نفعل منه بما يأمرنا بفعله وهذا القول إشارة منّا إليه وسنراه بينه وبين عباده ولا ملائكة بأكرم عنده منا ولا أوثق).قال المفضل: يا سيدي مثل هذا في القرآن كثير؟ قال: (نعم يا مفضل ما كان في القرآن (وأنزلنا) و (إنا جعلنا) و (إنا أرسلنا) و (إنا أوحينا) فهو قول الأنبياء والرسل المخوّلين في بسائط ملكوت السماء وتخوم الأرض فهم نحن، ولا خلق الله شيء بأكرم منا عنده، وقد شرحته لك يا مفضل هذا فاشكر الله واحمده ولا تنسى فضله إن فضله كان عليك كبيرا، وما كان في كتابه العزيز (إنا) و (إياي) و (خلقت) و (رزقت) و (أمت) و (أحييت) و (أبديت) و (أنشأت) و (سويت) و (أطعمت) فهي من نطق ذاته إلينا يا مفضل ومثل هذا كثير ولقد آتيناك من لدنا ذكراً)..(كتاب كشكول الأحسائي وكتاب صحيفة الأبرار)
فكما أن حقيقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) أصل لكل شيء ومنها كل شيء وجب أن يكون لها تمثل وذلك المثل هو (فاطمة) كي تلتقط خلقها وتخرجهم من ورطة عشتار التي تعني الدنيا..وهي أصل لكل المحن والفتن والمعاصي، عن الإمام علي (عليه السلام): (إن الدنيا لمفسدة الدين ومسلبة اليقين، وإنها لرأس الفتن وأصل المحن). وقال الكاظم (عليه السلام): (يا هشام، تمثّلت الدنيا للمسيح في صورة إمرأة زرقاء، فقال لها: كم تزوّجت؟ فقالت: كثيراً. قال: فكلّ طلّقك؟ قالت: لا، بل كلاّ قتلت. قال المسيح: فويح لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بالماضين).(مستدرك سفينة البحار)
وبما أن الدنيا أصل لكل المحن والفتن والمعاصي فلا بد أن يكون لها تمثيل واقعي تصدر منه جميع هذه الصفات، ولعل أكبر تمثيل لها كان في (الحميراء) الذي أسمها مشتق ومرتبط بالدنيا (عشتار)، وهي التي أقبلت على نبينا الأكرم (صلوات الله عليه وآله) فأهانها أيّما إهانة .
لذلك عملت على انتحال رمزية (نمو) والتي هي (الزهرة) ومن ثم أصبحت عشتار هي كوكب الزهرة المعروف وهي التي أخذها اليونان عن السومريين وسموها أفروديت وفينوس..بعد الانتحال فهي تبقى الضد بجميع ظهوراتها! .
لكن هل إسم فاطمة يتطابق مع جذر سومري وهل كانوا يعرفونها فعلاً؟!..
الغريب أن الإسم "فاطمة" يتطابق وجذر سومري وهو:
"فا تي مو" الذي لازال ينطق لدى الإيرانيين كما هو لما لديهم من ألفاظ سومرية لازالت متجذرة في لغتهم .
وهو جلّة مقاطع تعني:
فا : عالي، مبجل .
تي : سيدة .
مو : إله .
ومن هنا فالجملة: فا تي مو ستعني: سيدة الإلهة المبجلة .
وسيدة الإلهة المبجلة سومرياً هي الزهرة..(وقد أثبتنا من مرويات الآل المحمّدي أن الزهرة ترمز لفاطمة "عليها السلام"). (المصدر لأسم "فا تي مو" اسفار ميسان للدكتور نوري المرادي)
لعل القارئ الكريم يتبادر إلى ذهنه الآن أن هناك سرّ عظيم أيضاً في شخصية الحوراء زينب (عليها السلام) ويتسائل أيضاً هل هي تمثيل لقانون كوني ما!..الحقيقة نعم، إنها تمثل شيء طالما أخفاه الظالمين لكنها كشفت عنه في مجلس المسخ يزيد لعنه الله في خطبتها التي لا تقدّر بثمن ولا تجمعها حتى المجلدات الضخام، تلك الخطبة التي تغني الحقيقة الإسلامية والمعادلة الإصلاحية في النظرية الإسلامية، تلك الخطبة التي أسقطت الخدعة الرهيبة التي أرسى ركائزها صناديد بني أمية وحلفائهم الروم وحاولوا تمديدها للأجيال، إنها خطبة الحوراء زينب (عليها السلام)، نسجت فيها الألفاظ كإنها تتحدث عن قيم ومعادلات كونية فحديثها في هذه الخطبة جعلت من يزيد وأعوانه مأسورين، مقهورين، خانعين...
مقتبس من موقع:http://adoomobeen.net/public_files/index.php
Comment