السلام عليك يا بقية الله في أرضه
***
وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥)الزمر. ***
السؤال هنا : هل هناك أحد يشمئز إذا ذكر الله وحده ؟.
السيد احمد الحسن : الملحدون لا يشمئزون من ذكر الله لأنهم أصلاً لا يعتقدون بوجوده ليشمئزوا منه , المشركون لا يشمئزون لأنهم يعتقدون بأنه الله فكيف يشمئزون من ذكر الله إضافة إلى أنهم يؤمنون بالآخرة ظاهراً .
إذن المراد من ذكر الله هو ذكر خليفة الله في أرضه أو وجه الله في الخلق , والمراد بالآخرة هو الغيب .
فمن يكفرون بخليفة الله في أرضه في كل زمان هم من تشمئز قلوبهم عند ذكره وحده أمامهم ؛ لأنهم لا يؤمنون بالغيب ( الآخرة ) ويطلبون أن يقهروا على الإيمان بخليفة الله بمعجزة مادية قاهرة لا تبقي أي مساحة للغيب في حين أنهم يستبشرون إن ذكر علماؤهم غير العالمين الذين يحاربون خليفة الله في زمانهم ويطلبون المعجزة المادية القاهرة التي لا تبقي أي مساحة للغيب أو الآخرة , فالذي لا يؤمن بالغيب والذين لا يوجد في إيمانهم مساحة من الغيب لا يؤمنون بالآخرة في حقيقة أمرهم ؛ لأنّ الآخرة غيب فكيف يؤمن بها من يطلب أن يكون إيمانه مرتكزاً على معجزة مادية ظاهرة مادياً مئة بالمئة ؛ بحيث تنفي أي مساحة من الغيب في الإيمان إذن ففي زمن رسول الله محمد (ص) والذي هو خليفة الله في أرضه الذين كفروا كانوا يشمئزون إن ذكر سادتهم وملأئهم غير العاملين سواء كانوا أحنافاً أم يهوداً أم نصارى .
٢ ) - ومسألة عدم قبول التوبة والإيمان والرجوع إلى الاعتراف بولاية وليّ الله وحجّته على خلقه عندما تأتي معجزة قاهرة لا تؤول كالعذاب الدنيوي (البأس) مسألة مذكورة في القرآن ليس في قضية إيمان فرعون وعدم قبول إيمانه فقط، بل وفي مواضع أخرى وهذه منها على سبيل المثال:
-﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾.
- ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾.
- ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾.
و السؤال هنا: لماذا :﴿لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾؟
في حين أنّ الله يقبل توبة العبد كما في الروايات إلى أن يعاين؟.
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع)، قَالَ:
(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَه
ُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ السَّنَةَ لَكَثِيرٌ مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَه
ُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الشَّهْرَ لَكَثِيرٌ ثُمَّ قَالَ مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِجُمْعَةٍ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ
ثُمَّ قَالَ وَإِنَّ الْجُمْعَةَ لَكَثِيرٌ مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِيَوْمٍ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ
ثُمَّ قَالَ إِنَّ يَوْماً لَكَثِيرٌ مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ يُعَايِنَ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ) .
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ فِي حَدِيثٍ: (أَنَّ رَجُلًا شَيْخاً كَانَ مِنَ الْمُخَالِفِينَ عَرَضَ عَلَيْهِ ابْنُ أَخِيهِ الْوَلَايَةَ عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَقَرَّ بِهَا وَشَهَقَ وَمَاتَ قَالَ فَدَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) فَعَرَضَ عَلِيُّ بْنُ السَّرِيِّ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع)، فَقَالَ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. قَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ السَّرِيِّ إِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ شَيْئاً مِنْ هَذَا غَيْرَ سَاعَتِهِ تِلْكَ! قَالَ: فَتُرِيدُونَ مِنْهُ مَاذَا قَدْ وَاللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ) .
قَالَ الصَّدُوقُ:وَسُئِلَ الصَّادِقُ (ع) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ (عز وجل) ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾،قَالَ (ع): ذَاكَ إِذَا عَايَنَ أَمْرَ الْآخِرَةِ) .
والجواب على السؤال المتقدّم واضح وموجود في نفس الآية المتقدّمة، قال تعالى:
﴿.... يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾.
إذن متى: ﴿لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾ ؟
الجواب: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾.
فالأمر الآن واضح أنّ مع إتيان بعض الآيات الإلهية، أي : بعض المعجزات لا ينفع الإيمان، والحقيقة أنّه لا يقبل؛ لأنّه إلجاء وقهر على الإيمان واستسلام للأمر الواقع، وليس إيماناً وإسلاماً وتسليماً؛ لأنّ هذه المعجزات هي معجزات قاهرة ولا تؤوّل.
وأمّا باقي المعجزات والآيات الإلهية فيقبل الإيمان وإن جاءت؛ لأنها تركت مساحة للإيمان بالغيب، فالعصا التي جاء بها موسى (ع) ويده البيضاء تأولها المتأوِّلون فمع أنّ موسى انتصر على السحرة، ولكن ﴿قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾،وقال فرعون: ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾، فبقي للإيمان بالغيب مساحة مع إتيان المعجزة.
أمّا لما آمن فرعون وهو بين جبلي الماء فلم يكن هناك أي مساحة للإيمان بالغيب، بل هو إيمان (تصديق) مادي مئة بالمئة؛ لما يراه من قدرة قاهرة جعلت البحر ينشق نصفين، وهو لم يرَ بعينه فقط ليقال له سحر، بل نزل إلى قاع البحر ولمس جبلي الماء بيده، فلا يمكن أن تؤوّل هذه المعجزة بالنسبة لفرعون وهو على هذا الحال من العلم بها والتحقق منها، فتوقف محتاراً في وسط البحر ولم يجد إلاّ الإيمان والتصديق لينجو، فلم يقبل إيمان فرعون؛ لأنه إيمان وتصديق مادي مئة بالمئة، والله لا يقبل إلاّ الإيمان بالغيب:
- ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾.
- ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ﴾.
- ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾.
- ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾.
- ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾.
- ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
- ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾.
١)- احمد الحسن .كتابه الجواب المنير ج٧ / س ٦٤٩.
٢)- احمد الحسن . كتابه تفسير آية من سورة يونس .
Comment