الزام الناصب في  اثبات الحجة الغائب ، الجزء الثاني
الريحان الرابع : في الحديث المروي عن مفضل بن عمر عن الصادق (عليه السلام) :
عن المفضل بن عمر سألت سيدي الصادق (عليه السلام): هل للمأمول المنتظر المهدي (عليه السلام) من وقت موقت يعلمه الناس؟ فقال: حاش لله أن يوقت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا، قلت: يا سيدي ولم ذلك؟ قال: لأنه هو الساعة التي قال الله تعالى: *(يسألونك عن الساعة قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض)(1) الآية، وهو الساعة التي قال الله تعالى: *(يسألونك عن الساعة أيان مرساها)(2) وقال *(وعنده علم الساعة)(3) ولم يقل إنها عند أحد وقال *(فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها)(4) الآية وقال *(اقتربت الساعة وانشق القمر)(5) وقال *(وما يدريك لعل الساعة قريب يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد)(6) قلت: فما معنى يمارون؟ قال: يقولون متى؟ ولد ومن رأى؟ وأين يكون؟ ومتى يظهر؟ وكل ذلك استعجالا لأمر الله وشكا في قضائه ودخولا في قدرته أولئك الذين خسروا الدنيا وإن للكافرين لشر مآب، قلت: أفلا توقت له وقت؟ فقال: يا مفضل لا اوقت له وقتا ولا يوقت له وقت، إن من وقت لمهدينا وقتا فقد شارك الله تعالى في علمه وادعى أنه ظهر على سره وما لله من سر إلا وقد وقع إلى هذا الخلق المعكوس الضال عن الله الراغب عن أولياء الله وما الله من خير إلا وهم أخص به بستره وهو عندهم، وإنما ألقى الله إليهم ليكون حجة عليهم. قال المفضل: يا مولاي فكيف بدء ظهور محمد المهدي وإليه التسليم؟ قال: يا مفضل يظهر في شبهة ليستبين فيعلو ذكره ويظهر أمره وينادى باسمه وكنيته ونسبه ويكثر ذلك على أفواه المحقين والمبطلين والموافقين والمخالفين لتلزمهم الحجة بمعرفتهم به، على أنه قصصنا ودللنا عليه ونسبناه وسميناه وكنيناه وقلنا سمي جده رسول الله وكنيه لئلا يقول الناس ما عرفنا له اسما ولا كنية ولا نسبا، والله ليتحقق الإيضاح به وباسمه وكنيته على ألسنتهم حتى ليسميه بعضهم لبعض، كل ذلك للزوم الحجة عليهم ثم يظهره الله كما وعد به جده (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله عز وجل: *(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)(7) قال المفضل: يا مولاي فما تأويل قوله تعالى: *(ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)* قال (عليه السلام): هو قوله تعالى: *(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)(8) فوالله يا مفضل ليرفع عن الملل والأديان الاختلاف ويكون الدين كله واحدا كما قال جل ذكره: *(إن الدين عند الله الإسلام)(9) وقال الله: *(ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)(10) قال المفضل: قلت يا سيدي ومولاي والدين الذي في آبائه إبراهيم ونوح وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الإسلام؟ قال: نعم يا مفضل هو الإسلام لا غير، قلت: يا مولاي أتجده في كتاب الله؟ قال (عليه السلام): نعم من أوله إلى آخره ومنه هذه الآية: *(إن الدين عند الله الإسلام)* وقوله تعالى: *(ملة أبيكم إبراهيم هو سميكم المسلمين)(11) ومنه قوله تعالى في قصة إبراهيم وإسماعيل: *(واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك)(12) وقوله تعالى في قصة فرعون *(حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين)(13) وفي قصة سليمان وبلقيس *(قبل أن يأتوني مسلمين)(14) وقولها *(أسلمت مع سليمان لله رب العالمين)(15) وقول عيسى *(من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون)(16) وقوله عز وجل *(وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها)(17) وقوله في قصة لوط *(فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين)(18) وقوله *(آمنا بالله وما أنزل إلينا)(19) إلى قوله *(لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون)(20) وقوله تعالى: *(أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت)* إلى قوله *(ونحن له مسلمون)(21) قلت: يا سيدي كم الملل؟ قال: أربع وهي شرائع قال المفضل: قلت: يا سيدي المجوس لم سموا المجوس؟ قال (عليه السلام): لأنهم تمجسوا في السريانية وادعوا على آدم وعلى شيث (عليهما السلام) هبة الله، أنهما أطلقا لهم نكاح الأمهات والأخوات والبنات والخالات والعمات والمحرمات من النساء وأنهما أمراهم أن يصلوا إلى الشمس حيث وقفت في السماء ولم يجعلا لصلاتهم وقتا. وإنما هو افتراء على الله الكذب على آدم وشيث. قال المفضل: يا مولاي وسيدي لم سمي قوم موسى اليهود؟ قال (عليه السلام): لقول الله عز وجل *(إنا هدنا إليك)(22) أي اهتدينا إليك، قال: فالنصارى؟ قال (عليه السلام): لقول عيسى *(من أنصاري إلى الله)(23) وتلا الآية إلى آخرها فسموا النصارى لنصرة دين الله، قال المفضل: فقلت: يا مولاي فلم سمي الصابئون الصابئين؟ فقال (عليه السلام): إنهم صبوا (24) إلى تعطيل الأنبياء والرسل والملل والشرايع وقالوا كلما جاءوا به باطل فجحدوا توحيد الله تعالى ونبوة الأنبياء ورسالة المرسلين ووصية الأوصياء فهم بلا شريعة ولا كتاب ولا رسول وهم معطلة العالم، قال المفضل: سبحان الله، ما أجل هذا من علم! قال (عليه السلام): نعم يا مفضل فألقه إلى شيعتنا لئلا يشكوا في الدين، قال المفضل: يا سيدي ففي أي بقعة يظهر المهدي (عج)؟ قال (عليه السلام): لا تراه عين في وقت ظهوره إلا رأته كل عين، فمن قال لكم غير هذا فكذبوه، قال المفضل: يا سيدي يرى وقت ولادته؟ قال: بلى والله ليرى من ساعة ولادته إلى ساعة وفاة أبيه سنتين وتسعة أشهر، أول ولادته وقت الفجر من ليلة الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين إلى يوم الجمعة لثمان خلون من ربيع الأول من ستين ومائتين وهو يوم وفاة أبيه بالمدينة بشاطئ دجلة، بناها المتكبر الجبار المسمى باسم جعفر الضال الملقب بالمتوكل وهو المتأكل لعنه الله تعالى وهو مدينة تدعى بسر من رأى وهي ساء من رأى يرى شخصه المؤمن المحق سنة ستين ومائتين ولا يراه المشكك المرتاب وينفذ فيها أمره ونهيه ويغيب عنها فيظهر في القصر بصابر بجانب المدينة في حرم جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيلقاه هناك من يسعده الله بالنظر إليه ثم يغيب في آخر يوم من سنة ست وستين ومائتين فلا تراه عين أحد حتى يراه كل أحد وكل عين، قال المفضل: قلت يا سيدي فمن يخاطبه ولم يخاطب؟ قال الصادق (عليه السلام): تخاطبه الملائكة والمؤمنون من الجن ويخرج أمره ونهيه إلى ثقاته وولاته ووكلائه ويعقد ببابه محمد بن نصير النميري في يوم غيبته بصابر ثم يظهر بمكة، والله يا مفضل كأني أنظر إليه دخل مكة وعليه بردة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى رأسه عمامة صفراء وفي رجليه نعل رسول الله المخصوفة وفي يده هراوته، يسوق بين يديه أعنزا عجافا حتى يصل بها نحو البيت ليس ثم أحد يعرفه ويظهر وهو شاب. قال المفضل: يا سيدي يعود شابا أو يظهر في شيبة؟ فقال (عليه السلام): سبحان الله وهل يعرف ذلك يظهر كيف شاء وبأي صورة شاء إذا جاءه الأمر من الله تعالى مجده وجل ذكره، قال المفضل: يا سيدي فمن أين يظهر وكيف يظهر؟ قال (عليه السلام): يا مفضل يظهر وحده ويأتي البيت وحده ويلج الكعبة وحده ويجن عليه الليل وحده، فإذا نامت العيون وغسق الليل نزل إليه جبرئيل وميكائيل والملائكة صفوفا فيقول له جبرئيل: يا سيدي قولك مقبول وأمرك جايز فيمسح يده على وجهه ويقول: الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين، ويقف بين الركن والمقام فيصرخ صرخة فيقول: يا معاشر نقبائي وأهل خاصتي ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض ايتوني طائعين، فيرد صيحته عليهم وهم في محاريبهم وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربها فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل فيجيبون نحوها ولا يمضي لهم إلا كلمحة بصر حتى يكون كلهم بين يديه بين الركن والمقام فيأمر الله عز وجل النور فيصير عمودا من السماء إلى الأرض فيستضئ به كل مؤمن على وجه الأرض ويدخل عليه نور من جوف بيته فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور وهم لا يعلمون بظهور قائمنا أهل البيت عليه وعليهم السلام ثم يصبحون وقوفا بين يديه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا بعدة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر. قال المفضل: يا مولاي وسيدي فاثنان وسبعون رجلا الذين قتلوا مع الحسين بن علي يظهرون معهم؟ قال: يظهر منهم أبو عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) يظهرون في اثني عشر ألفا من مؤمنين من شيعة علي وعليه عمامة سوداء. قال المفضل: يا سيدي فبغير سنة القائم بايعوا له قبل ظهوره وقبل قيامه؟ فقال (عليه السلام): يا مفضل كل بيعة قبل ظهور القائم فبيعته كفر ونفاق وخديعة، لعن الله المبايع لها والمبايع له، بل يا مفضل يسند القائم ظهره إلى الحرم ويمد يده فترى بيضاء من غير سوء ويقول: هذه يد الله وعن الله وبأمر الله ثم يتلو هذه الآية *(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه)(25) الآية، فيكون أول من يقبل يده جبرئيل ثم يبايعه وتبايعه الملائكة ونجباء الجن ثم النقباء ويصبح الناس بمكة فيقولون: من هذا الرجل الذي بجانب الكعبة؟ وما هذا الخلق الذي معه؟ وما هذه الآية التي رأيناها الليلة ولم نر مثلها؟ فيقول بعضهم لبعض: هذا الرجل هو صاحب العنيزات، فقال بعضهم: انظروا هل تعرفون أحدا ممن معه؟ فيقولون: لا نعرف أحدا منهم إلا أربعة من أهل مكة وأربعة من أهل المدينة وهم فلان وفلان ويعدونهم بأسمائهم، ويكون هذا أول طلوع الشمس في ذلك اليوم فإذا طلعت الشمس وأضاءت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي مبين يسمع من في السماوات والأرضين: يا معشر الخلائق هذا مهدي آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ويسميه باسم جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويكنيه وينسبه إلى أبيه الحسن الحادي عشر إلى الحسين بن علي صلوات الله عليهم أجمعين، بايعوه تهتدوا ولا تخالفوا أمره فتضلوا، فأول من يقبل يده الملائكة ثم الجن ثم النقباء ويقولون سمعنا وأطعنا ولا يبقى ذو أذن من الخلايق إلا سمع ذلك النداء وتقبل الخلايق من البدو والحضر والبحر والبر يحدث بعضهم بعضا ويستفهم بعضهم بعضا ما سمعوا بآذانهم، فإذا دنت الشمس للغروب صرخ صارخ من مغربها: يا معشر الخلايق قد ظهر ربكم بوادي اليابس من أرض فلسطين وهو عثمان بن عنبسة الأموي من ولد يزيد بن معاوية لعنهم الله فبايعوه تهتدوا ولا تخالفوا عليه، فيرد عليهم الملائكة والجن والنقباء قوله: ويكذبونه ويقولون له سمعنا وعصينا ولا يبقى ذو شك ولا مرتاب ولا منافق ولا كافر إلا دخل بالنداء الأخير وسيدنا القائم مسند ظهره إلى الكعبة ويقول: يا معشر الخلائق، ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم وشيث، فها أنا ذا آدم وشيث ألا ومن أراد أن ينظر إلى نوح وولده سام، فها أنا نوح وسام ألا ومن أراد أن ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل، فها أنا ذا إبراهيم وإسماعيل ألا ومن أراد أن ينظر إلى موسى ويوشع، فها أنا ذا موسى ويوشع، ألا ومن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون فها أنا ذا عيسى وشمعون، ألا ومن أراد أن ينظر إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) فها أنا ذا محمد وأمير المؤمنين، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الحسن والحسين (عليهما السلام) فها أنا ذا الحسن والحسين، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الأئمة من ولد الحسين (عليه السلام) فها أنا ذا الأئمة، أجيبوا إلى مسألتي فإني أنبئكم بما نبئتم به وما لم تنبأوا به، ومن كان يقرأ الكتب والصحف فليسمع مني ثم يبتدئ بالصحف التي أنزلها الله على آدم وشيث يقول: أمة آدم وشيث وهبة الله: هذه والله هي الصحف حقا ولقد أمرنا ما لم نكن نعلمه فيها وما كان خفي علينا وما كان سقط منها وبدل وحرف، ثم يقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور فيقول أهل التوراة والإنجيل والزبور: هذه والله صحف نوح وإبراهيم حقا وما أسقط منها وما بدل وحرف منها هذه والله التوراة الجامعة والزبور التام والإنجيل الكامل وإنها أضعاف ما قرأنا منها ثم يتلو القرآن فيقول المسلمون: هذا والله القرآن حقا الذي أنزل الله على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وما أسقط منه وحرف وبدل، ثم تظهر الدابة بين الركن والمقام فتكتب في وجه المؤمن مؤمن وفي وجه الكافر كافر ثم يقبل على القائم رجل وجهه إلى قفاه وقفاه إلى صدره ويقف بين يديه فيقول: يا سيدي أنا بشير أمرني ملك من الملائكة أن ألحق بك وأبشرك بهلاك جيش السفياني بالبيداء فيقول له القائم: بين قصتك وقصة أخيك فيقول الرجل: كنت وأخي في جيش السفياني وخربنا الدنيا من دمشق إلى الزوراء وتركناها جما وخربنا الكوفة وخربنا المدينة وكسرنا المنبر وراثت بغالنا في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخرجنا منها وعددنا ثلاثمائة ألف رجل نريد إخراب البيت وقتل أهله، فلما صرنا في البيداء عرسنا فيها فصاح: بنا صايح يا بيداء أبيدي القوم الظالمين فانفجرت الأرض وبلعت كل الجيش فوالله ما بقي على وجه الأرض عقال ناقة مما سواه غيري وغير أخي فإذا نحن بملك قد ضرب وجوهنا فصارت إلى ورائنا كما ترى فقال لأخي: ويلك امض إلى الملعون السفياني بدمشق فأنذره بظهور المهدي من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعرفه أن الله قد أهلك جيشه بالبيداء وقال لي: يا بشير إلحق بالمهدي بمكة وبشره بهلاك الظالمين وتب على يده فإنه يقبل توبتك فيمر القائم يده على وجهه فيرده سويا كما كان ويبايعه ويكون معه. قال المفضل: يا سيدي وتظهر الملائكة والجن للناس؟ قال: إي والله يا مفضل ويخاطبونهم كما يكون الرجل مع حاشيته بأهله، قلت: يا سيدي ويسيرون معه؟ قال: إي والله يا مفضل ولينزلن أرض الهجرة ما بين الكوفة والنجف وعدد أصحابه حينئذ ستة وأربعون ألفا من الملائكة وستة آلاف من الجن، وفي رواية أخرى ومثلها من الجن بهم ينصره الله ويفتح على يديه. قال المفضل: فما يصنع أهل مكة؟ قال: يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة فيطيعونه ويستخلف فيهم رجلا من أهل بيته ويخرج يريد المدينة. قال المفضل: يا سيدي فما يصنع بالبيت؟ قال: ينقضه فلا يدع منه إلا القواعد التي هي أول بيت وضع للناس ببكة في عهد آدم (عليه السلام) والذي رفعه إبراهيم وإسماعيل فيها وإن الذي بني بعدهما لم يبنه نبي ولا وصي ثم يبنيه كما يشاء الله وليعفين آثار الظالمين بمكة والمدينة والعراق وسائر الأقاليم وليهدمن مسجد الكوفة وليبنينه على البنيان الأول وليهدمن القصر العتيق، ملعون ملعون ملعون من بناه. قال المفضل: يا سيدي يقيم بمكة؟ قال: لا يا مفضل، بل يستخلف فيها رجلا من أهله فإذا سار منها وثبوا عليه فيقتلونه فيرجع إليهم فيأتونه مهطعين مقنعي رؤوسهم يبكون ويتضرعون ويقولون: يا مهدي آل محمد التوبة التوبة فيعظهم وينذرهم ويحذرهم ويستخلف عليهم منهم خليفة ويسير فيثبون عليه بعده فيقتلونه فيرد إليهم أنصاره من الجن والنقباء يقول لهم ارجعوا فلا تبقوا منهم بشرا إلا من، آمن فلولا أن رحمة ربكم وسعت كل شيء وأنا تلك الرحمة لرجعت إليهم معكم فقد قطعوا الأعذار بينهم وبين الله وبيني فيرجعون إليهم فوالله لا يسلم من المائة منهم واحد لا والله ولا من ألف واحد. قال المفضل: قلت يا سيدي فأين يكون دار المهدي ومجتمع المؤمنين؟ قال: دار ملكه الكوفة ومجلس حكمه جامعها وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة وموضع خلواته الدكوات البيض من الغريين. قال المفضل: يا مولاي كل المؤمنين يكونون بالكوفة؟ قال (عليه السلام): إي والله لا يبقى إلا كان أو حواليها وليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم، إي والله ليودن أكثر الناس إنه اشترى شبرا من أرض السبع بشبر من ذهب، والسبع خطة من خطط همدان وليصيرن الكوفة أربعة وخمسين ميلا وليجاورن قصورها قصور كربلاء وليصيرن الله كربلاء معقلا ومقاما تختلف فيه الملائكة والمؤمنون وليكونن لها شأن من الشأن وليكونن فيها من البركات ما لو وقف مؤمن ودعا ربه بدعوة لأعطاه الله بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا ألف مرة، ثم تنفس أبو عبد الله (عليه السلام) وقال: يا مفضل إن بقاع الأرض تفاخرت ففخرت كعبة البيت الحرام على بقعة كربلاء فأوحى الله إليها أن اسكتي كعبة الحرام ولا تفتخري على كربلاء فإنها البقعة المباركة التي نودي موسى منها من الشجرة وإنها الربوة التي أويت إليها مريم والمسيح إنها الدالية التي غسل فيها رأس الحسين (عليه السلام) وفيها غسلت مريم أو عيسى واغتسلت من ولادتها وإنها خير بقعة عرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منها وقت غيبته وليكونن لشيعتنا فيها حيرة إلى ظهور قائمنا. قال المفضل: يا سيدي ثم يسير المهدي إلى أين؟ قال: إلى مدينة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب يظهر فيه سرور المؤمنين وخزي الكافرين. قال المفضل: يا سيدي ما هو ذاك؟ قال (عليه السلام): يرد إلى قبر جده (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول: يا معاشر الخلايق هذا قبر جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقولون: نعم يا مهدي آل محمد، فيقول: ومن معه في القبر فيقولون: صاحباه وضجيعاه أبو بكر وعمر، وكيف دفنا من بين الخلق مع جدي رسول الله وعسى المدفون غيرهما فيقول الناس: يا مهدي آل محمد ما هاهنا غيرهما إنهما دفنا معه لأنهما خليفتا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبوا زوجتيه فيقول للخلق، بعد ثلاث إخرجوهما من قبريهما فيخرجان غضين طريين لم يتغير خلقهما ولم يشحب لونهما فيقول: هل فيكم من يعرفهما؟ فيقولون: نعرفهما بالصفة وليس ضجيعا جدك غيرهما فيقول: هل فيكم أحد يقول غير هذا أو يشك فيهما؟ فيقولون: لا، فيؤخر إخراجهما ثلاثة أيام ثم ينتشر الخبر في الناس ويحضر المهدي ويكشف الجدران عن القبرين ويقول للنقباء: ابحثوا عنهما فيبحثون بأيديهم حتى يصلوا إليهما فيخرجان غضين طريين كصورتهما فيكشف عنهما أكفانهما ويأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة فيصلبهما عليها فتحيى الشجرة وتورق ويطول فرعها فيقول المرتابون من أهل ولايتهما: هذا والله الشرف حقا ولقد فزنا بمحبتهما وولايتهما ويخبر من أخفى نفسه ممن في نفسه مقياس حبة من محبتهما وولايتهما ويحضرونهما ويرونهما ويفتنون بهما وينادي منادي المهدي: كل من أحب صاحبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وضجيعيه فلينفرد جانبا فتجزأ الخلق جزئين: أحدهما موال والآخر متبرئ منهما فيعرض المهدي على أوليائهما البراءة منهما فيقولون: يا مهدي آل رسول الله نحن لم نتبرأ منهما ولسنا نعلم أن لهما عند الله وعندك هذه المنزلة وهذا الذي بدا لنا من فضلهما، لا نتبرأ الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من نضارتهما وغضاضتهما وحياة الشجرة بهما بل والله منك وممن آمن بك ومن لا يؤمن بهما ومن صلبهما وأخرجهما وفعل بهما ما فعل، فيأمر المهدي (عج) ريحا سوداء فتهب عليهم فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية ثم يأمر بإنزالهما فينزلان إليه فيحييهما بإذن الله تعالى ويأمر الخلائق بالاجتماع ثم يقص عليهم قصص فعالهما في كل كور ودور حتى يقص عليهم قتل هابيل بن آدم (عليه السلام) وجمع النار لإبراهيم وطرح يوسف في الجب وحبس يونس في بطن الحوت وقتل يحيى وصلب عيسى وعذاب جرجيس ودانيال وضرب سلمان الفارسي وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) لإحراقهم بها وضرب يد الصديقة الكبرى فاطمة (عليها السلام) بالسوط ورفس بطنها وإسقاطها محسنا وسم الحسن وقتل الحسين وذبح أطفاله وبني عمه وأنصاره وسبي ذراري رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإراقة دماء آل محمد وكل دم سفك وكل فرج نكح حراما وكل خبث وفاحشة وإثم وظلم وجور وغم مذ عهد آدم إلى وقت قيام قائمنا، كل ذلك يعدده عليهما ويلزمهما إياه ويعترفان به. (قال المؤلف (أقول: والعلة والسبب في إلزام ما تأخر عنهما من الآثام عليهما ظاهر، لأنهما بمنع أمير المؤمنين (عليه السلام) عن حقه ودفعه عن مقامه صار الجبين لاختفاء ساير الأئمة ومظلوميتهم وتسلط أئمة الجور وغلبتهم إلى زمان القائم وصار ذلك سببا لكفر من كفر وضلال من ضل وفسق من فسق، لأن الإمام مع اقتداره واستيلائه وبسط يده يمنع جميع ذلك، وعدم تمكن أمير المؤمنين من بعض تلك الأمور في أيام خلافته كان لما أتياه من الظلم والجور، وأما ما تقدم عليهما فلأنهما راضيان بفعل من فعل مثل فعلهما من دفع خلفاء الحق عن مقامهم وما يترتب على ذلك من الفساد، ولو كانا منكرين لذلك لم يفعلا مثل فعلهم وكل من رضي بفعل فهو كمن أتاه كما دلت عليه الآيات الكثيرة حيث نسب الله تعالى فعل آباء اليهود إليهم وذمهم عليها لرضاهم بها ولا يبعد أن يكون لأرواحهم الخبيثة مدخلا في صدور تلك الأمور عن الأشقياء كما أن أرواح الطيبين من أهل الرسالة كانت مؤيدة للأنبياء والرسل، معينة لهم في الخيرات، شقيقة لهم في دفع الكربات). ثم يأمر بهما فيقتص منهما في ذلك الوقت بمظالم من حصر ثم يصلبهما على الشجرة ويأمر نارا تخرج من الأرض فتحرقهما والشجرة ثم يأمر ريحا فتنسفهما نسفا. قال المفضل: يا سيدي ذلك آخر عذابهما؟ قال (عليه السلام): هيهات يا مفضل والله ليردن وليحضرن السيد الأكبر أمير المؤمنين (عليه السلام) وفاطمة والحسن والحسين والأئمة وكل من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا وليقتص منهما لجميعهم حتى أنهما ليقتلان في كل يوم وليلة ألف قتلة ويردان إلى ما شاء ربهما، ثم يسير المهدي إلى الكوفة والنجف وينزل وعنده أصحابه في ذلك اليوم ستة وأربعون ألفا من الملائكة وستة آلاف من الجن والنقباء ثلاثة مائة وثلاثة عشر نقيبا. قال المفضل: يا سيدي كيف تكون دار الفاسقين في ذلك الوقت؟
قال (عليه السلام): في لعنة الله وسخطه تخربها الفتن وتتركها جماء فالويل لها ولمن بها كل الويل من الرايات الصفر ورايات المغرب ومن يحلب الجريرة ومن الرايات التي تسير إليها من كل قريب أو بعيد، والله لينزلن بها من صنوف العذاب ما نزل بسائر الأمم المتمردة من أول الدهر إلى آخره ولينزلن بها من العذاب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت بمثله، ولا يكون طوفان أهلها إلا بالسيف فالويل لمن اتخذ بها سكنا فإن المقيم بها يبقى بشقائه والخارج منها برحمة الله، والله ليبقى من أهلها في الدنيا حتى يقال إنها هي الدنيا وإن دورها وقصورها هي الجنة وإن بناتها هي الحور العين وأن ولدانها هم الولدان وليظنن أن الله لم يقسم رزق العباد إلا بها وليظهرن فيها من الافتراء على الله وعلى رسوله والحكم بغير كتابه ومن شهادات الزور وشرب الخمور والفجور وأكل السحت وسفك الدماء ما لا يكون في الدنيا إلا دونه، ثم ليخربها الله بتلك الفتن وتلك الرايات حتى ليمر عليها المار فيقول: هاهنا كانت الزوراء، ثم يخرج الحسني الفتى الصبيح الذي نحو الديلم يصيح بصوت له فصيح يا آل أحمد أجيبوا الملهوف والمنادي من حول الضريح فتجيب كنوز، الله بالطالقان كنوز وأي كنوز ليست من فضة ولا من ذهب، بل هي رجال كزبر الحديد على البرازين الشهب بأيديهم الحراب ولم يزل يقتل الظلمة حتى يرد الكوفة وقد أكثر الأرض فيجعلها له معقلا فيتصل به وبأصحابه خبر المهدي ويقولون يا بن رسول الله من هذا الذي قد نزل بساحتنا؟ فيقول: اخرجوا بنا إليه حتى ننظر من هو وما يريد، وهو والله يعلم أنه المهدي وأنه ليعرفه ولم يرد بذلك الأمر إلا ليعرف أصحابه من هو فيخرج الحسني فيقول: إن كنت مهدي آل محمد فأين هراوة جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخاتمه وبردته ودرعه الفاضل وعمامته السحاب وفرسه اليربوع وناقته الغضباء وبغلته الدلدل وحماره اليعفور ونجيبته البراق ومصحف أمير المؤمنين فيخرج له ذلك، ثم يأخذ الهرواة فيغرسها في الحجر الصلد وتورق ولم يرد بذلك إلا أن يرى أصحابه فضل المهدي حتى يبايعوه، فيقول الحسني: الله أكبر مد يدك يا بن رسول الله حتى نبايعك فيمد يده فيبايعه ويبايعه ساير العسكر الذي مع الحسني إلا أربعين ألفا أصحاب المصاحف المعروفون بالزيدية فإنهم يقولون ما هذا إلا سحر عظيم فيختلط العسكران فيقبل المهدي على الطائفة المنحرفة فيعظهم ويدعوهم ثلاثة أيام فلا يزدادون إلا طغيانا وكفرا فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعا ثم يقول لأصحابه: لا تأخذوا المصاحف ودعوها تكون عليهم حسرة كما بدلوها وغيروها وحرفوها ولم يعملوا بما فيها. قال المفضل: يا مولاي ثم ماذا يصنع المهدي (عليه السلام)؟ قال (عليه السلام): يثور سرابا على السفياني إلى دمشق فيأخذونه ويذبحونه على الصخرة ثم يظهر الحسين (عليه السلام) في اثني عشر ألف صديق واثنين وسبعين رجلا أصحابه يوم كربلاء فيا لك عندها من كرة زهراء بيضاء ثم يخرج الصديق الأكبر أمير المؤمنين (عليه السلام) علي بن أبي طالب وينصب له القبة بالنجف ويقام أركانها: ركن بالنجف وركن بهجر وركن بصفا وركن بأرض طيبة لكأني أنظر إلى مصابيحها تشرق في السماء والأرض كأضواء من الشمس والقمر، فعندها تبلى السرائر وتذهل كل مرضعة عما أرضعت إلى آخر الآية، ثم يخرج السيد الأكبر محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أنصاره والمهاجرين ومن آمن به وصدقه واستشهد معه ويحضر مكذبوه والشاكون فيه والرادون عليه والقائلون فيه إنه ساحر وكاهن ومجنون وناطق عن الهوى ومن حاربه وقاتله حتى يقتص منهم بالحق ويجازون بأفعالهم منذ وقت ظهور رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ظهور المهدي مع إمام إمام ووقت وقت ويحق تأويل هذه الآية *(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون).(26) قال المفضل: يا سيدي ومن فرعون ومن هامان؟ قال (عليه السلام): أبو بكر وعمر. قال المفضل: يا سيدي ورسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما يكونان معه؟ فقال: لا بد أن يطأ الأرض، إي والله حتى ما وراء الخاف، إي والله ما في الظلمات وما في قعر البحار حتى لا يبقى موضع قدم إلا وطئاه وأقاما فيه الدين الواجب لله تعالى، ثم لكأني أنظر يا مفضل إلينا معاشر الأئمة بين يدي رسول الله نشكو إليه ما نزل بنا من الأمة بعده وما نالنا من التكذيب والرد علينا وسبنا ولعننا وتخويفنا بالقتل وقصد طواغيتهم الولاة لأمورهم من دون الأمة ترحيلنا عن الحرمة إلى دار ملكهم وقتلهم إيانا بالسم والحبس فيبكي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقول: يا بني ما نزل بكم إلا ما نزل بجدكم قبلكم ثم تبتدئ فاطمة وتشكو ما نالها من أبي بكر وعمر وأخذ فدك منها ومشيها إليه في مجمع من المهاجرين والأنصار وخطابها له في أمر فدك وما رد عليها من قوله: إن الأنبياء لا يورثون، واحتجاجها بقول زكريا ويحيى وقصة داود وسليمان وقول عمر: هاتي صحيفتك التي ذكرت أن أباك كتبها لك وإخراجها الصحيفة وأخذه إياها منها ونشره لها على رؤوس الأشهاد من المهاجرين والأنصار وساير العرب وتفله فيها وتمزيقه إياها وبكائها ورجوعها إلى قبر أبيها رسول الله باكية حزينة تمشي على الرمضاء قد أقلقتها واستغاثتها بالله وبأبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتمثلها بقول رقية بنت أصفى: قد كان بعدك أنباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم يكبر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل أهلك فاشهدهم فقد لعبوا أبدت رجال لنا فحوى صدورهم * لما نأيت وحالت دونك الحجب لكل قوم لهم قرب ومنزلة * عند الإله على الأدنين مقترب يا ليت قبلك كان الموت حل بنا * أملوا أناس ففازوا بالذي طلبوا وتقص عليه قصة أبي بكر وإنفاذه خالد بن الوليد وقنفذ وعمر بن الخطاب وجمعه الناس لإخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة واشتغال أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وضم أزواجه وتعزيتهم وجمع القرآن وقضاء دينه وإنجاز عداته وهي ثمانون ألف درهم باع فيها تليده وطارفه (27) وقضى عن رسول الله، وقول عمر: أخرج يا علي إلى ما أجمع عليه المسلمون وإلا قتلناك وقول فضة جارية فاطمة (عليها السلام): إن أمير المؤمنين مشغول والحق له إن أنصفتم من أنفسكم وأنصفتموه، وجمعهم الجزل والحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين (عليه السلام) وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وفضة، وإضرامهم النار على الباب وخروج فاطمة إليهم وخطابها لهم من وراء الباب وقولها ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئ نور الله والله متم نوره، وانتهاره لها وقوله: كفى يا فاطمة فليس محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حاضرا ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عند الله، وما علي إلا كأحد من المسلمين فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعا، فقالت (عليها السلام) وهي باكية: اللهم إليك نشكو فقد نبيك ورسولك وصفيك وارتداد أمته علينا ومنعهم إيانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك المرسل فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة حماقة النساء فلم يكن الله ليجمع لكم النبوة والخلافة، وأخذت النار في خشب وإدخال قنفذ يده يروم فتح الباب وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى كان كالدملج (28) الأسود، وركل الباب برجله حتى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن لستة أشهر وإسقاطها إياه وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد وصفقه خدها حتى بدا قرطاها تحت خمارها وهي تجهر بالبكاء وتقول وا أبتاه وا رسول الله! ابنتك فاطمة تكذب ويقتل جنين في بطنها، وخروج أمير المؤمنين (عليه السلام) من داخل الدار محمر العين حاسرا حتى () لقي ملاءته عليها وضمها إلى صدره وقوله لها: يا بنت رسول الله قد علمت أن أباك بعثه الله رحمة للعالمين فالله الله أن تكشفي خمارك وترفعي ناصيتك فوالله يا فاطمة لئن فعلت ذلك لا أبقى الله على الأرض من يشهد أن محمدا رسول الله ولا موسى ولا عيسى ولا إبراهيم ولا نوح ولا آدم ولا دابة تمشي على وجه الأرض ولا طائر في السماء إلا أهلكه الله، ثم قال: يا بن الخطاب لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه، أخرج قبل أن أشهر سيفي فأفني عابر الأمة فخرج عمر وخالد بن وليد وقنفذ وعبد الرحمن بن أبي بكر فصاروا من خارج وصاح أمير المؤمنين بفضة يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة ورده الباب فأسقطت محسنا، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): فإنه لاحق بجده رسول الله فيشكو إليه حمل أمير المؤمنين (عليه السلام) لها في سواد الليل والحسن والحسين وزينب وكلثوم إلى دور المهاجرين والأنصار يذكرهم بالله ورسوله وعهده الذي بايعوا الله ورسوله وبايعوا في أربعة مواطن في حياة رسول الله وتسليمهم عليه بإمرة المؤمنين في جميعها فكل يعده بالنصر في يومه المقبل، فإذا أصبح قعد جميعهم عنه ثم يشكو إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) المحن العظيمة التي امتحن بها بعده وقوله: لقد كانت قصتي مثل قصة هارون مع بني إسرائيل وقولي كقوله لموسى يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين، فصبرت محتسبا وسلمت راضيا وكانت الحجة لهم في خلافي ونقضهم عهدي الذي عاهدتهم عليه يا رسول الله واحتملت يا رسول الله ما لم يحتمل وصي نبي من ساير الأوصياء من ساير الأمم حتى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم وكان الله الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي وخروج طلحة والزبير بعائشة إلى مكة يظهران الحج والعمرة وسيرهم بها إلى البصرة وخروجي إليهم وتذكيري لهم الله وإياك وما جئت به يا رسول الله فلم يرجعا حتى نصرني الله عليهما حتى أهرقت دماء عشرين ألفا من المسلمين وقطعت سبعون كفا على زمام الجمل فما لقيت في غزواتك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعدك أصعب منه أبدا لقد كان من أصعب الحروب التي لقيتها وأهولها وأعظمها فصبرت كما أدبني الله بما أدبك به يا رسول الله في قوله عز وجل: *(فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل)(29) وقوله: *(واصبر وما صبرك إلا بالله)(30) وحق والله يا رسول الله تأويل الآية التي أنزلها الله في الأمة من بعدك في قوله: *(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين).(31)

الهوامش
(1) سورة الأعراف: 187.
(2) سورة النازعات: 42.
(3) سورة الزخرف: 85.
(4) سورة محمد: 18.
(5) سورة القمر: 1.
(6) سورة الشورى: 17 - 18.
(7) سورة التوبة: 33.
(8) سورة الأنفال: 39.
(9) سورة آل عمران: 19.
(10) سورة آل عمران: 85.
(11) سورة الحج: 78.
(12) سورة البقرة: 128.
(13) سورة يونس: 90.
(14) سورة النمل: 38.
(15) سورة النمل: 44.
(16) سورة آل عمران: 52.
(17) سورة آل عمران: 83.
(18) سورة الذاريات: 36.
(19) سورة المائدة: 59.
(20) سورة البقرة: 136.
(21) سورة البقرة: 133.
(22) سورة الأعراف: 156.
(23) سورة الصف: 14.
(24) صبوا: خرجوا.
(25) سورة الفتح: 10.
(26) سورة القصص: 5 - 6.
(27) التليد: العبد الذي ولد عنده، والطارف نقيضه (لسان العرب: 3 / 193).
(28) الدملج: المعضد من الحلي (كتاب العين: 6 / 206).
(29) سورة الأحقاف: 35.
(30) سورة النحل: 127.
(31) سورة آل عمران: 144.
 
الريحان الرابع : في الحديث المروي عن مفضل بن عمر عن الصادق (عليه السلام) :
عن المفضل بن عمر سألت سيدي الصادق (عليه السلام): هل للمأمول المنتظر المهدي (عليه السلام) من وقت موقت يعلمه الناس؟ فقال: حاش لله أن يوقت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا، قلت: يا سيدي ولم ذلك؟ قال: لأنه هو الساعة التي قال الله تعالى: *(يسألونك عن الساعة قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض)(1) الآية، وهو الساعة التي قال الله تعالى: *(يسألونك عن الساعة أيان مرساها)(2) وقال *(وعنده علم الساعة)(3) ولم يقل إنها عند أحد وقال *(فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها)(4) الآية وقال *(اقتربت الساعة وانشق القمر)(5) وقال *(وما يدريك لعل الساعة قريب يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد)(6) قلت: فما معنى يمارون؟ قال: يقولون متى؟ ولد ومن رأى؟ وأين يكون؟ ومتى يظهر؟ وكل ذلك استعجالا لأمر الله وشكا في قضائه ودخولا في قدرته أولئك الذين خسروا الدنيا وإن للكافرين لشر مآب، قلت: أفلا توقت له وقت؟ فقال: يا مفضل لا اوقت له وقتا ولا يوقت له وقت، إن من وقت لمهدينا وقتا فقد شارك الله تعالى في علمه وادعى أنه ظهر على سره وما لله من سر إلا وقد وقع إلى هذا الخلق المعكوس الضال عن الله الراغب عن أولياء الله وما الله من خير إلا وهم أخص به بستره وهو عندهم، وإنما ألقى الله إليهم ليكون حجة عليهم. قال المفضل: يا مولاي فكيف بدء ظهور محمد المهدي وإليه التسليم؟ قال: يا مفضل يظهر في شبهة ليستبين فيعلو ذكره ويظهر أمره وينادى باسمه وكنيته ونسبه ويكثر ذلك على أفواه المحقين والمبطلين والموافقين والمخالفين لتلزمهم الحجة بمعرفتهم به، على أنه قصصنا ودللنا عليه ونسبناه وسميناه وكنيناه وقلنا سمي جده رسول الله وكنيه لئلا يقول الناس ما عرفنا له اسما ولا كنية ولا نسبا، والله ليتحقق الإيضاح به وباسمه وكنيته على ألسنتهم حتى ليسميه بعضهم لبعض، كل ذلك للزوم الحجة عليهم ثم يظهره الله كما وعد به جده (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله عز وجل: *(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)(7) قال المفضل: يا مولاي فما تأويل قوله تعالى: *(ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)* قال (عليه السلام): هو قوله تعالى: *(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)(8) فوالله يا مفضل ليرفع عن الملل والأديان الاختلاف ويكون الدين كله واحدا كما قال جل ذكره: *(إن الدين عند الله الإسلام)(9) وقال الله: *(ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)(10) قال المفضل: قلت يا سيدي ومولاي والدين الذي في آبائه إبراهيم ونوح وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الإسلام؟ قال: نعم يا مفضل هو الإسلام لا غير، قلت: يا مولاي أتجده في كتاب الله؟ قال (عليه السلام): نعم من أوله إلى آخره ومنه هذه الآية: *(إن الدين عند الله الإسلام)* وقوله تعالى: *(ملة أبيكم إبراهيم هو سميكم المسلمين)(11) ومنه قوله تعالى في قصة إبراهيم وإسماعيل: *(واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك)(12) وقوله تعالى في قصة فرعون *(حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين)(13) وفي قصة سليمان وبلقيس *(قبل أن يأتوني مسلمين)(14) وقولها *(أسلمت مع سليمان لله رب العالمين)(15) وقول عيسى *(من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون)(16) وقوله عز وجل *(وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها)(17) وقوله في قصة لوط *(فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين)(18) وقوله *(آمنا بالله وما أنزل إلينا)(19) إلى قوله *(لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون)(20) وقوله تعالى: *(أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت)* إلى قوله *(ونحن له مسلمون)(21) قلت: يا سيدي كم الملل؟ قال: أربع وهي شرائع قال المفضل: قلت: يا سيدي المجوس لم سموا المجوس؟ قال (عليه السلام): لأنهم تمجسوا في السريانية وادعوا على آدم وعلى شيث (عليهما السلام) هبة الله، أنهما أطلقا لهم نكاح الأمهات والأخوات والبنات والخالات والعمات والمحرمات من النساء وأنهما أمراهم أن يصلوا إلى الشمس حيث وقفت في السماء ولم يجعلا لصلاتهم وقتا. وإنما هو افتراء على الله الكذب على آدم وشيث. قال المفضل: يا مولاي وسيدي لم سمي قوم موسى اليهود؟ قال (عليه السلام): لقول الله عز وجل *(إنا هدنا إليك)(22) أي اهتدينا إليك، قال: فالنصارى؟ قال (عليه السلام): لقول عيسى *(من أنصاري إلى الله)(23) وتلا الآية إلى آخرها فسموا النصارى لنصرة دين الله، قال المفضل: فقلت: يا مولاي فلم سمي الصابئون الصابئين؟ فقال (عليه السلام): إنهم صبوا (24) إلى تعطيل الأنبياء والرسل والملل والشرايع وقالوا كلما جاءوا به باطل فجحدوا توحيد الله تعالى ونبوة الأنبياء ورسالة المرسلين ووصية الأوصياء فهم بلا شريعة ولا كتاب ولا رسول وهم معطلة العالم، قال المفضل: سبحان الله، ما أجل هذا من علم! قال (عليه السلام): نعم يا مفضل فألقه إلى شيعتنا لئلا يشكوا في الدين، قال المفضل: يا سيدي ففي أي بقعة يظهر المهدي (عج)؟ قال (عليه السلام): لا تراه عين في وقت ظهوره إلا رأته كل عين، فمن قال لكم غير هذا فكذبوه، قال المفضل: يا سيدي يرى وقت ولادته؟ قال: بلى والله ليرى من ساعة ولادته إلى ساعة وفاة أبيه سنتين وتسعة أشهر، أول ولادته وقت الفجر من ليلة الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين إلى يوم الجمعة لثمان خلون من ربيع الأول من ستين ومائتين وهو يوم وفاة أبيه بالمدينة بشاطئ دجلة، بناها المتكبر الجبار المسمى باسم جعفر الضال الملقب بالمتوكل وهو المتأكل لعنه الله تعالى وهو مدينة تدعى بسر من رأى وهي ساء من رأى يرى شخصه المؤمن المحق سنة ستين ومائتين ولا يراه المشكك المرتاب وينفذ فيها أمره ونهيه ويغيب عنها فيظهر في القصر بصابر بجانب المدينة في حرم جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيلقاه هناك من يسعده الله بالنظر إليه ثم يغيب في آخر يوم من سنة ست وستين ومائتين فلا تراه عين أحد حتى يراه كل أحد وكل عين، قال المفضل: قلت يا سيدي فمن يخاطبه ولم يخاطب؟ قال الصادق (عليه السلام): تخاطبه الملائكة والمؤمنون من الجن ويخرج أمره ونهيه إلى ثقاته وولاته ووكلائه ويعقد ببابه محمد بن نصير النميري في يوم غيبته بصابر ثم يظهر بمكة، والله يا مفضل كأني أنظر إليه دخل مكة وعليه بردة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى رأسه عمامة صفراء وفي رجليه نعل رسول الله المخصوفة وفي يده هراوته، يسوق بين يديه أعنزا عجافا حتى يصل بها نحو البيت ليس ثم أحد يعرفه ويظهر وهو شاب. قال المفضل: يا سيدي يعود شابا أو يظهر في شيبة؟ فقال (عليه السلام): سبحان الله وهل يعرف ذلك يظهر كيف شاء وبأي صورة شاء إذا جاءه الأمر من الله تعالى مجده وجل ذكره، قال المفضل: يا سيدي فمن أين يظهر وكيف يظهر؟ قال (عليه السلام): يا مفضل يظهر وحده ويأتي البيت وحده ويلج الكعبة وحده ويجن عليه الليل وحده، فإذا نامت العيون وغسق الليل نزل إليه جبرئيل وميكائيل والملائكة صفوفا فيقول له جبرئيل: يا سيدي قولك مقبول وأمرك جايز فيمسح يده على وجهه ويقول: الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين، ويقف بين الركن والمقام فيصرخ صرخة فيقول: يا معاشر نقبائي وأهل خاصتي ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض ايتوني طائعين، فيرد صيحته عليهم وهم في محاريبهم وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربها فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل فيجيبون نحوها ولا يمضي لهم إلا كلمحة بصر حتى يكون كلهم بين يديه بين الركن والمقام فيأمر الله عز وجل النور فيصير عمودا من السماء إلى الأرض فيستضئ به كل مؤمن على وجه الأرض ويدخل عليه نور من جوف بيته فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور وهم لا يعلمون بظهور قائمنا أهل البيت عليه وعليهم السلام ثم يصبحون وقوفا بين يديه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا بعدة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر. قال المفضل: يا مولاي وسيدي فاثنان وسبعون رجلا الذين قتلوا مع الحسين بن علي يظهرون معهم؟ قال: يظهر منهم أبو عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) يظهرون في اثني عشر ألفا من مؤمنين من شيعة علي وعليه عمامة سوداء. قال المفضل: يا سيدي فبغير سنة القائم بايعوا له قبل ظهوره وقبل قيامه؟ فقال (عليه السلام): يا مفضل كل بيعة قبل ظهور القائم فبيعته كفر ونفاق وخديعة، لعن الله المبايع لها والمبايع له، بل يا مفضل يسند القائم ظهره إلى الحرم ويمد يده فترى بيضاء من غير سوء ويقول: هذه يد الله وعن الله وبأمر الله ثم يتلو هذه الآية *(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه)(25) الآية، فيكون أول من يقبل يده جبرئيل ثم يبايعه وتبايعه الملائكة ونجباء الجن ثم النقباء ويصبح الناس بمكة فيقولون: من هذا الرجل الذي بجانب الكعبة؟ وما هذا الخلق الذي معه؟ وما هذه الآية التي رأيناها الليلة ولم نر مثلها؟ فيقول بعضهم لبعض: هذا الرجل هو صاحب العنيزات، فقال بعضهم: انظروا هل تعرفون أحدا ممن معه؟ فيقولون: لا نعرف أحدا منهم إلا أربعة من أهل مكة وأربعة من أهل المدينة وهم فلان وفلان ويعدونهم بأسمائهم، ويكون هذا أول طلوع الشمس في ذلك اليوم فإذا طلعت الشمس وأضاءت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي مبين يسمع من في السماوات والأرضين: يا معشر الخلائق هذا مهدي آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ويسميه باسم جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويكنيه وينسبه إلى أبيه الحسن الحادي عشر إلى الحسين بن علي صلوات الله عليهم أجمعين، بايعوه تهتدوا ولا تخالفوا أمره فتضلوا، فأول من يقبل يده الملائكة ثم الجن ثم النقباء ويقولون سمعنا وأطعنا ولا يبقى ذو أذن من الخلايق إلا سمع ذلك النداء وتقبل الخلايق من البدو والحضر والبحر والبر يحدث بعضهم بعضا ويستفهم بعضهم بعضا ما سمعوا بآذانهم، فإذا دنت الشمس للغروب صرخ صارخ من مغربها: يا معشر الخلايق قد ظهر ربكم بوادي اليابس من أرض فلسطين وهو عثمان بن عنبسة الأموي من ولد يزيد بن معاوية لعنهم الله فبايعوه تهتدوا ولا تخالفوا عليه، فيرد عليهم الملائكة والجن والنقباء قوله: ويكذبونه ويقولون له سمعنا وعصينا ولا يبقى ذو شك ولا مرتاب ولا منافق ولا كافر إلا دخل بالنداء الأخير وسيدنا القائم مسند ظهره إلى الكعبة ويقول: يا معشر الخلائق، ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم وشيث، فها أنا ذا آدم وشيث ألا ومن أراد أن ينظر إلى نوح وولده سام، فها أنا نوح وسام ألا ومن أراد أن ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل، فها أنا ذا إبراهيم وإسماعيل ألا ومن أراد أن ينظر إلى موسى ويوشع، فها أنا ذا موسى ويوشع، ألا ومن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون فها أنا ذا عيسى وشمعون، ألا ومن أراد أن ينظر إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) فها أنا ذا محمد وأمير المؤمنين، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الحسن والحسين (عليهما السلام) فها أنا ذا الحسن والحسين، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الأئمة من ولد الحسين (عليه السلام) فها أنا ذا الأئمة، أجيبوا إلى مسألتي فإني أنبئكم بما نبئتم به وما لم تنبأوا به، ومن كان يقرأ الكتب والصحف فليسمع مني ثم يبتدئ بالصحف التي أنزلها الله على آدم وشيث يقول: أمة آدم وشيث وهبة الله: هذه والله هي الصحف حقا ولقد أمرنا ما لم نكن نعلمه فيها وما كان خفي علينا وما كان سقط منها وبدل وحرف، ثم يقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور فيقول أهل التوراة والإنجيل والزبور: هذه والله صحف نوح وإبراهيم حقا وما أسقط منها وما بدل وحرف منها هذه والله التوراة الجامعة والزبور التام والإنجيل الكامل وإنها أضعاف ما قرأنا منها ثم يتلو القرآن فيقول المسلمون: هذا والله القرآن حقا الذي أنزل الله على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وما أسقط منه وحرف وبدل، ثم تظهر الدابة بين الركن والمقام فتكتب في وجه المؤمن مؤمن وفي وجه الكافر كافر ثم يقبل على القائم رجل وجهه إلى قفاه وقفاه إلى صدره ويقف بين يديه فيقول: يا سيدي أنا بشير أمرني ملك من الملائكة أن ألحق بك وأبشرك بهلاك جيش السفياني بالبيداء فيقول له القائم: بين قصتك وقصة أخيك فيقول الرجل: كنت وأخي في جيش السفياني وخربنا الدنيا من دمشق إلى الزوراء وتركناها جما وخربنا الكوفة وخربنا المدينة وكسرنا المنبر وراثت بغالنا في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخرجنا منها وعددنا ثلاثمائة ألف رجل نريد إخراب البيت وقتل أهله، فلما صرنا في البيداء عرسنا فيها فصاح: بنا صايح يا بيداء أبيدي القوم الظالمين فانفجرت الأرض وبلعت كل الجيش فوالله ما بقي على وجه الأرض عقال ناقة مما سواه غيري وغير أخي فإذا نحن بملك قد ضرب وجوهنا فصارت إلى ورائنا كما ترى فقال لأخي: ويلك امض إلى الملعون السفياني بدمشق فأنذره بظهور المهدي من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعرفه أن الله قد أهلك جيشه بالبيداء وقال لي: يا بشير إلحق بالمهدي بمكة وبشره بهلاك الظالمين وتب على يده فإنه يقبل توبتك فيمر القائم يده على وجهه فيرده سويا كما كان ويبايعه ويكون معه. قال المفضل: يا سيدي وتظهر الملائكة والجن للناس؟ قال: إي والله يا مفضل ويخاطبونهم كما يكون الرجل مع حاشيته بأهله، قلت: يا سيدي ويسيرون معه؟ قال: إي والله يا مفضل ولينزلن أرض الهجرة ما بين الكوفة والنجف وعدد أصحابه حينئذ ستة وأربعون ألفا من الملائكة وستة آلاف من الجن، وفي رواية أخرى ومثلها من الجن بهم ينصره الله ويفتح على يديه. قال المفضل: فما يصنع أهل مكة؟ قال: يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة فيطيعونه ويستخلف فيهم رجلا من أهل بيته ويخرج يريد المدينة. قال المفضل: يا سيدي فما يصنع بالبيت؟ قال: ينقضه فلا يدع منه إلا القواعد التي هي أول بيت وضع للناس ببكة في عهد آدم (عليه السلام) والذي رفعه إبراهيم وإسماعيل فيها وإن الذي بني بعدهما لم يبنه نبي ولا وصي ثم يبنيه كما يشاء الله وليعفين آثار الظالمين بمكة والمدينة والعراق وسائر الأقاليم وليهدمن مسجد الكوفة وليبنينه على البنيان الأول وليهدمن القصر العتيق، ملعون ملعون ملعون من بناه. قال المفضل: يا سيدي يقيم بمكة؟ قال: لا يا مفضل، بل يستخلف فيها رجلا من أهله فإذا سار منها وثبوا عليه فيقتلونه فيرجع إليهم فيأتونه مهطعين مقنعي رؤوسهم يبكون ويتضرعون ويقولون: يا مهدي آل محمد التوبة التوبة فيعظهم وينذرهم ويحذرهم ويستخلف عليهم منهم خليفة ويسير فيثبون عليه بعده فيقتلونه فيرد إليهم أنصاره من الجن والنقباء يقول لهم ارجعوا فلا تبقوا منهم بشرا إلا من، آمن فلولا أن رحمة ربكم وسعت كل شيء وأنا تلك الرحمة لرجعت إليهم معكم فقد قطعوا الأعذار بينهم وبين الله وبيني فيرجعون إليهم فوالله لا يسلم من المائة منهم واحد لا والله ولا من ألف واحد. قال المفضل: قلت يا سيدي فأين يكون دار المهدي ومجتمع المؤمنين؟ قال: دار ملكه الكوفة ومجلس حكمه جامعها وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة وموضع خلواته الدكوات البيض من الغريين. قال المفضل: يا مولاي كل المؤمنين يكونون بالكوفة؟ قال (عليه السلام): إي والله لا يبقى إلا كان أو حواليها وليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم، إي والله ليودن أكثر الناس إنه اشترى شبرا من أرض السبع بشبر من ذهب، والسبع خطة من خطط همدان وليصيرن الكوفة أربعة وخمسين ميلا وليجاورن قصورها قصور كربلاء وليصيرن الله كربلاء معقلا ومقاما تختلف فيه الملائكة والمؤمنون وليكونن لها شأن من الشأن وليكونن فيها من البركات ما لو وقف مؤمن ودعا ربه بدعوة لأعطاه الله بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا ألف مرة، ثم تنفس أبو عبد الله (عليه السلام) وقال: يا مفضل إن بقاع الأرض تفاخرت ففخرت كعبة البيت الحرام على بقعة كربلاء فأوحى الله إليها أن اسكتي كعبة الحرام ولا تفتخري على كربلاء فإنها البقعة المباركة التي نودي موسى منها من الشجرة وإنها الربوة التي أويت إليها مريم والمسيح إنها الدالية التي غسل فيها رأس الحسين (عليه السلام) وفيها غسلت مريم أو عيسى واغتسلت من ولادتها وإنها خير بقعة عرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منها وقت غيبته وليكونن لشيعتنا فيها حيرة إلى ظهور قائمنا. قال المفضل: يا سيدي ثم يسير المهدي إلى أين؟ قال: إلى مدينة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب يظهر فيه سرور المؤمنين وخزي الكافرين. قال المفضل: يا سيدي ما هو ذاك؟ قال (عليه السلام): يرد إلى قبر جده (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول: يا معاشر الخلايق هذا قبر جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقولون: نعم يا مهدي آل محمد، فيقول: ومن معه في القبر فيقولون: صاحباه وضجيعاه أبو بكر وعمر، وكيف دفنا من بين الخلق مع جدي رسول الله وعسى المدفون غيرهما فيقول الناس: يا مهدي آل محمد ما هاهنا غيرهما إنهما دفنا معه لأنهما خليفتا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبوا زوجتيه فيقول للخلق، بعد ثلاث إخرجوهما من قبريهما فيخرجان غضين طريين لم يتغير خلقهما ولم يشحب لونهما فيقول: هل فيكم من يعرفهما؟ فيقولون: نعرفهما بالصفة وليس ضجيعا جدك غيرهما فيقول: هل فيكم أحد يقول غير هذا أو يشك فيهما؟ فيقولون: لا، فيؤخر إخراجهما ثلاثة أيام ثم ينتشر الخبر في الناس ويحضر المهدي ويكشف الجدران عن القبرين ويقول للنقباء: ابحثوا عنهما فيبحثون بأيديهم حتى يصلوا إليهما فيخرجان غضين طريين كصورتهما فيكشف عنهما أكفانهما ويأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة فيصلبهما عليها فتحيى الشجرة وتورق ويطول فرعها فيقول المرتابون من أهل ولايتهما: هذا والله الشرف حقا ولقد فزنا بمحبتهما وولايتهما ويخبر من أخفى نفسه ممن في نفسه مقياس حبة من محبتهما وولايتهما ويحضرونهما ويرونهما ويفتنون بهما وينادي منادي المهدي: كل من أحب صاحبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وضجيعيه فلينفرد جانبا فتجزأ الخلق جزئين: أحدهما موال والآخر متبرئ منهما فيعرض المهدي على أوليائهما البراءة منهما فيقولون: يا مهدي آل رسول الله نحن لم نتبرأ منهما ولسنا نعلم أن لهما عند الله وعندك هذه المنزلة وهذا الذي بدا لنا من فضلهما، لا نتبرأ الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من نضارتهما وغضاضتهما وحياة الشجرة بهما بل والله منك وممن آمن بك ومن لا يؤمن بهما ومن صلبهما وأخرجهما وفعل بهما ما فعل، فيأمر المهدي (عج) ريحا سوداء فتهب عليهم فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية ثم يأمر بإنزالهما فينزلان إليه فيحييهما بإذن الله تعالى ويأمر الخلائق بالاجتماع ثم يقص عليهم قصص فعالهما في كل كور ودور حتى يقص عليهم قتل هابيل بن آدم (عليه السلام) وجمع النار لإبراهيم وطرح يوسف في الجب وحبس يونس في بطن الحوت وقتل يحيى وصلب عيسى وعذاب جرجيس ودانيال وضرب سلمان الفارسي وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) لإحراقهم بها وضرب يد الصديقة الكبرى فاطمة (عليها السلام) بالسوط ورفس بطنها وإسقاطها محسنا وسم الحسن وقتل الحسين وذبح أطفاله وبني عمه وأنصاره وسبي ذراري رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإراقة دماء آل محمد وكل دم سفك وكل فرج نكح حراما وكل خبث وفاحشة وإثم وظلم وجور وغم مذ عهد آدم إلى وقت قيام قائمنا، كل ذلك يعدده عليهما ويلزمهما إياه ويعترفان به. (قال المؤلف (أقول: والعلة والسبب في إلزام ما تأخر عنهما من الآثام عليهما ظاهر، لأنهما بمنع أمير المؤمنين (عليه السلام) عن حقه ودفعه عن مقامه صار الجبين لاختفاء ساير الأئمة ومظلوميتهم وتسلط أئمة الجور وغلبتهم إلى زمان القائم وصار ذلك سببا لكفر من كفر وضلال من ضل وفسق من فسق، لأن الإمام مع اقتداره واستيلائه وبسط يده يمنع جميع ذلك، وعدم تمكن أمير المؤمنين من بعض تلك الأمور في أيام خلافته كان لما أتياه من الظلم والجور، وأما ما تقدم عليهما فلأنهما راضيان بفعل من فعل مثل فعلهما من دفع خلفاء الحق عن مقامهم وما يترتب على ذلك من الفساد، ولو كانا منكرين لذلك لم يفعلا مثل فعلهم وكل من رضي بفعل فهو كمن أتاه كما دلت عليه الآيات الكثيرة حيث نسب الله تعالى فعل آباء اليهود إليهم وذمهم عليها لرضاهم بها ولا يبعد أن يكون لأرواحهم الخبيثة مدخلا في صدور تلك الأمور عن الأشقياء كما أن أرواح الطيبين من أهل الرسالة كانت مؤيدة للأنبياء والرسل، معينة لهم في الخيرات، شقيقة لهم في دفع الكربات). ثم يأمر بهما فيقتص منهما في ذلك الوقت بمظالم من حصر ثم يصلبهما على الشجرة ويأمر نارا تخرج من الأرض فتحرقهما والشجرة ثم يأمر ريحا فتنسفهما نسفا. قال المفضل: يا سيدي ذلك آخر عذابهما؟ قال (عليه السلام): هيهات يا مفضل والله ليردن وليحضرن السيد الأكبر أمير المؤمنين (عليه السلام) وفاطمة والحسن والحسين والأئمة وكل من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا وليقتص منهما لجميعهم حتى أنهما ليقتلان في كل يوم وليلة ألف قتلة ويردان إلى ما شاء ربهما، ثم يسير المهدي إلى الكوفة والنجف وينزل وعنده أصحابه في ذلك اليوم ستة وأربعون ألفا من الملائكة وستة آلاف من الجن والنقباء ثلاثة مائة وثلاثة عشر نقيبا. قال المفضل: يا سيدي كيف تكون دار الفاسقين في ذلك الوقت؟
قال (عليه السلام): في لعنة الله وسخطه تخربها الفتن وتتركها جماء فالويل لها ولمن بها كل الويل من الرايات الصفر ورايات المغرب ومن يحلب الجريرة ومن الرايات التي تسير إليها من كل قريب أو بعيد، والله لينزلن بها من صنوف العذاب ما نزل بسائر الأمم المتمردة من أول الدهر إلى آخره ولينزلن بها من العذاب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت بمثله، ولا يكون طوفان أهلها إلا بالسيف فالويل لمن اتخذ بها سكنا فإن المقيم بها يبقى بشقائه والخارج منها برحمة الله، والله ليبقى من أهلها في الدنيا حتى يقال إنها هي الدنيا وإن دورها وقصورها هي الجنة وإن بناتها هي الحور العين وأن ولدانها هم الولدان وليظنن أن الله لم يقسم رزق العباد إلا بها وليظهرن فيها من الافتراء على الله وعلى رسوله والحكم بغير كتابه ومن شهادات الزور وشرب الخمور والفجور وأكل السحت وسفك الدماء ما لا يكون في الدنيا إلا دونه، ثم ليخربها الله بتلك الفتن وتلك الرايات حتى ليمر عليها المار فيقول: هاهنا كانت الزوراء، ثم يخرج الحسني الفتى الصبيح الذي نحو الديلم يصيح بصوت له فصيح يا آل أحمد أجيبوا الملهوف والمنادي من حول الضريح فتجيب كنوز، الله بالطالقان كنوز وأي كنوز ليست من فضة ولا من ذهب، بل هي رجال كزبر الحديد على البرازين الشهب بأيديهم الحراب ولم يزل يقتل الظلمة حتى يرد الكوفة وقد أكثر الأرض فيجعلها له معقلا فيتصل به وبأصحابه خبر المهدي ويقولون يا بن رسول الله من هذا الذي قد نزل بساحتنا؟ فيقول: اخرجوا بنا إليه حتى ننظر من هو وما يريد، وهو والله يعلم أنه المهدي وأنه ليعرفه ولم يرد بذلك الأمر إلا ليعرف أصحابه من هو فيخرج الحسني فيقول: إن كنت مهدي آل محمد فأين هراوة جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخاتمه وبردته ودرعه الفاضل وعمامته السحاب وفرسه اليربوع وناقته الغضباء وبغلته الدلدل وحماره اليعفور ونجيبته البراق ومصحف أمير المؤمنين فيخرج له ذلك، ثم يأخذ الهرواة فيغرسها في الحجر الصلد وتورق ولم يرد بذلك إلا أن يرى أصحابه فضل المهدي حتى يبايعوه، فيقول الحسني: الله أكبر مد يدك يا بن رسول الله حتى نبايعك فيمد يده فيبايعه ويبايعه ساير العسكر الذي مع الحسني إلا أربعين ألفا أصحاب المصاحف المعروفون بالزيدية فإنهم يقولون ما هذا إلا سحر عظيم فيختلط العسكران فيقبل المهدي على الطائفة المنحرفة فيعظهم ويدعوهم ثلاثة أيام فلا يزدادون إلا طغيانا وكفرا فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعا ثم يقول لأصحابه: لا تأخذوا المصاحف ودعوها تكون عليهم حسرة كما بدلوها وغيروها وحرفوها ولم يعملوا بما فيها. قال المفضل: يا مولاي ثم ماذا يصنع المهدي (عليه السلام)؟ قال (عليه السلام): يثور سرابا على السفياني إلى دمشق فيأخذونه ويذبحونه على الصخرة ثم يظهر الحسين (عليه السلام) في اثني عشر ألف صديق واثنين وسبعين رجلا أصحابه يوم كربلاء فيا لك عندها من كرة زهراء بيضاء ثم يخرج الصديق الأكبر أمير المؤمنين (عليه السلام) علي بن أبي طالب وينصب له القبة بالنجف ويقام أركانها: ركن بالنجف وركن بهجر وركن بصفا وركن بأرض طيبة لكأني أنظر إلى مصابيحها تشرق في السماء والأرض كأضواء من الشمس والقمر، فعندها تبلى السرائر وتذهل كل مرضعة عما أرضعت إلى آخر الآية، ثم يخرج السيد الأكبر محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أنصاره والمهاجرين ومن آمن به وصدقه واستشهد معه ويحضر مكذبوه والشاكون فيه والرادون عليه والقائلون فيه إنه ساحر وكاهن ومجنون وناطق عن الهوى ومن حاربه وقاتله حتى يقتص منهم بالحق ويجازون بأفعالهم منذ وقت ظهور رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ظهور المهدي مع إمام إمام ووقت وقت ويحق تأويل هذه الآية *(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون).(26) قال المفضل: يا سيدي ومن فرعون ومن هامان؟ قال (عليه السلام): أبو بكر وعمر. قال المفضل: يا سيدي ورسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما يكونان معه؟ فقال: لا بد أن يطأ الأرض، إي والله حتى ما وراء الخاف، إي والله ما في الظلمات وما في قعر البحار حتى لا يبقى موضع قدم إلا وطئاه وأقاما فيه الدين الواجب لله تعالى، ثم لكأني أنظر يا مفضل إلينا معاشر الأئمة بين يدي رسول الله نشكو إليه ما نزل بنا من الأمة بعده وما نالنا من التكذيب والرد علينا وسبنا ولعننا وتخويفنا بالقتل وقصد طواغيتهم الولاة لأمورهم من دون الأمة ترحيلنا عن الحرمة إلى دار ملكهم وقتلهم إيانا بالسم والحبس فيبكي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقول: يا بني ما نزل بكم إلا ما نزل بجدكم قبلكم ثم تبتدئ فاطمة وتشكو ما نالها من أبي بكر وعمر وأخذ فدك منها ومشيها إليه في مجمع من المهاجرين والأنصار وخطابها له في أمر فدك وما رد عليها من قوله: إن الأنبياء لا يورثون، واحتجاجها بقول زكريا ويحيى وقصة داود وسليمان وقول عمر: هاتي صحيفتك التي ذكرت أن أباك كتبها لك وإخراجها الصحيفة وأخذه إياها منها ونشره لها على رؤوس الأشهاد من المهاجرين والأنصار وساير العرب وتفله فيها وتمزيقه إياها وبكائها ورجوعها إلى قبر أبيها رسول الله باكية حزينة تمشي على الرمضاء قد أقلقتها واستغاثتها بالله وبأبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتمثلها بقول رقية بنت أصفى: قد كان بعدك أنباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم يكبر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل أهلك فاشهدهم فقد لعبوا أبدت رجال لنا فحوى صدورهم * لما نأيت وحالت دونك الحجب لكل قوم لهم قرب ومنزلة * عند الإله على الأدنين مقترب يا ليت قبلك كان الموت حل بنا * أملوا أناس ففازوا بالذي طلبوا وتقص عليه قصة أبي بكر وإنفاذه خالد بن الوليد وقنفذ وعمر بن الخطاب وجمعه الناس لإخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة واشتغال أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وضم أزواجه وتعزيتهم وجمع القرآن وقضاء دينه وإنجاز عداته وهي ثمانون ألف درهم باع فيها تليده وطارفه (27) وقضى عن رسول الله، وقول عمر: أخرج يا علي إلى ما أجمع عليه المسلمون وإلا قتلناك وقول فضة جارية فاطمة (عليها السلام): إن أمير المؤمنين مشغول والحق له إن أنصفتم من أنفسكم وأنصفتموه، وجمعهم الجزل والحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين (عليه السلام) وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وفضة، وإضرامهم النار على الباب وخروج فاطمة إليهم وخطابها لهم من وراء الباب وقولها ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئ نور الله والله متم نوره، وانتهاره لها وقوله: كفى يا فاطمة فليس محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حاضرا ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عند الله، وما علي إلا كأحد من المسلمين فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعا، فقالت (عليها السلام) وهي باكية: اللهم إليك نشكو فقد نبيك ورسولك وصفيك وارتداد أمته علينا ومنعهم إيانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك المرسل فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة حماقة النساء فلم يكن الله ليجمع لكم النبوة والخلافة، وأخذت النار في خشب وإدخال قنفذ يده يروم فتح الباب وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى كان كالدملج (28) الأسود، وركل الباب برجله حتى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن لستة أشهر وإسقاطها إياه وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد وصفقه خدها حتى بدا قرطاها تحت خمارها وهي تجهر بالبكاء وتقول وا أبتاه وا رسول الله! ابنتك فاطمة تكذب ويقتل جنين في بطنها، وخروج أمير المؤمنين (عليه السلام) من داخل الدار محمر العين حاسرا حتى () لقي ملاءته عليها وضمها إلى صدره وقوله لها: يا بنت رسول الله قد علمت أن أباك بعثه الله رحمة للعالمين فالله الله أن تكشفي خمارك وترفعي ناصيتك فوالله يا فاطمة لئن فعلت ذلك لا أبقى الله على الأرض من يشهد أن محمدا رسول الله ولا موسى ولا عيسى ولا إبراهيم ولا نوح ولا آدم ولا دابة تمشي على وجه الأرض ولا طائر في السماء إلا أهلكه الله، ثم قال: يا بن الخطاب لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه، أخرج قبل أن أشهر سيفي فأفني عابر الأمة فخرج عمر وخالد بن وليد وقنفذ وعبد الرحمن بن أبي بكر فصاروا من خارج وصاح أمير المؤمنين بفضة يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة ورده الباب فأسقطت محسنا، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): فإنه لاحق بجده رسول الله فيشكو إليه حمل أمير المؤمنين (عليه السلام) لها في سواد الليل والحسن والحسين وزينب وكلثوم إلى دور المهاجرين والأنصار يذكرهم بالله ورسوله وعهده الذي بايعوا الله ورسوله وبايعوا في أربعة مواطن في حياة رسول الله وتسليمهم عليه بإمرة المؤمنين في جميعها فكل يعده بالنصر في يومه المقبل، فإذا أصبح قعد جميعهم عنه ثم يشكو إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) المحن العظيمة التي امتحن بها بعده وقوله: لقد كانت قصتي مثل قصة هارون مع بني إسرائيل وقولي كقوله لموسى يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين، فصبرت محتسبا وسلمت راضيا وكانت الحجة لهم في خلافي ونقضهم عهدي الذي عاهدتهم عليه يا رسول الله واحتملت يا رسول الله ما لم يحتمل وصي نبي من ساير الأوصياء من ساير الأمم حتى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم وكان الله الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي وخروج طلحة والزبير بعائشة إلى مكة يظهران الحج والعمرة وسيرهم بها إلى البصرة وخروجي إليهم وتذكيري لهم الله وإياك وما جئت به يا رسول الله فلم يرجعا حتى نصرني الله عليهما حتى أهرقت دماء عشرين ألفا من المسلمين وقطعت سبعون كفا على زمام الجمل فما لقيت في غزواتك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعدك أصعب منه أبدا لقد كان من أصعب الحروب التي لقيتها وأهولها وأعظمها فصبرت كما أدبني الله بما أدبك به يا رسول الله في قوله عز وجل: *(فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل)(29) وقوله: *(واصبر وما صبرك إلا بالله)(30) وحق والله يا رسول الله تأويل الآية التي أنزلها الله في الأمة من بعدك في قوله: *(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين).(31)

الهوامش
(1) سورة الأعراف: 187.
(2) سورة النازعات: 42.
(3) سورة الزخرف: 85.
(4) سورة محمد: 18.
(5) سورة القمر: 1.
(6) سورة الشورى: 17 - 18.
(7) سورة التوبة: 33.
(8) سورة الأنفال: 39.
(9) سورة آل عمران: 19.
(10) سورة آل عمران: 85.
(11) سورة الحج: 78.
(12) سورة البقرة: 128.
(13) سورة يونس: 90.
(14) سورة النمل: 38.
(15) سورة النمل: 44.
(16) سورة آل عمران: 52.
(17) سورة آل عمران: 83.
(18) سورة الذاريات: 36.
(19) سورة المائدة: 59.
(20) سورة البقرة: 136.
(21) سورة البقرة: 133.
(22) سورة الأعراف: 156.
(23) سورة الصف: 14.
(24) صبوا: خرجوا.
(25) سورة الفتح: 10.
(26) سورة القصص: 5 - 6.
(27) التليد: العبد الذي ولد عنده، والطارف نقيضه (لسان العرب: 3 / 193).
(28) الدملج: المعضد من الحلي (كتاب العين: 6 / 206).
(29) سورة الأحقاف: 35.
(30) سورة النحل: 127.
(31) سورة آل عمران: 144.
 
Comment