فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) :
أسماؤها وألقابها ( عليها السلام ) :
أسماؤها :
قال الإمام الصادق عليه السلام : « لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عزَّ وجلَّ : فاطمة ، والصديقة ، والمباركة ، والطاهرة ، والزكية ، والراضية ، والمرضية ، والمحُدَّثة ، و الزهراء» (1) وأضاف ابن شهر آشوب عن أبي جعفر القمي رضي الله عنه : البتول ، الحرّة ، السيدة ، العذراء ، مريم الكبرى ، الصديقة الكبرى (2) .
فاطمة :
تقدّم في ولادتها عليها السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد سمّاها فاطمة بأمر الله تعالى ، وهذا الاسم مشتق من الفطم بمعنى القطع ، يقال : فطمت الاُمّ صبيها ، وفطمت الرجل عن عادته ،ومنه فِطام الولد بمعنى فصله عن الرضاعة.
روى جابر بن عبدالله وابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « إنّما سميت ابنتي فاطمة ، لاَنّ الله عزَّ وجلَّ فطمها وفطم محبيها عن النار » (3) .
و في الحديث أنّ رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) قال لأمير المؤمنين علي ( عليه السلام ): ( أَتعلم يا علي لِمَ سُميت اِبنتي فاطمة؟.قال ( عليه السلام ): لِمَ يا رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله )؟
فقال (ص): إنّ اللّه عزّ وجل فطمها ومحبيها من النار فلذلك سُميت فاطمة )(4) .
____________
1) أمالي الصدوق : 688| 945. وعلل الشرائع 1 : 178| 3.
2) المناقب 3 : 357 ، دار الأضواء.
3) الفردوس | الديلمي 1 : 346 | 1385 ، دار الكتب العلمية. والمناقب | ابن المغازلي : 65 | 92 .
4) ورد هذا الحديث في أغلب كتب العامة من قبيل ( تاريخ بغداد ) و( الصواعق المحرقة ) و( كنز العمال ) و( ذخائر العقبى ).
وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنّي سميت ابنتي فاطمة لاَنّ الله فطمها وذريتها من النار » (1) .
وواضح بأن (فاطمة) على صيغة (فاعل) ولكنها وردت في الحديثين الشريفين بمعنى صيغة (مفعول)؛ لكونها (مفطومة). ولهذا نظائر في القرآن الكريم ولغة العرب ، قال تعالى : ( عيشة راضية) (2) قيل : أي مرضية ، وقوله تعالى : ( ماء دافق) (3) قيل : أي مدفوق. وكقولهم : سرّ كاتم ، أي مكتوم وغيرها كثير.
ولكن هذا الاسم الشريف (فاطمة) جاء في حديث آخر على صيغة (فاعل) تعبيراً عن وصفه ولم يصرف إلى معنى (مفعول).
قال صلى الله عليه وآله وسلم : « سمّيت فاطمة لاَنّها فطمت شيعتها من النار ، وفُطم أعداؤها عن حبّها »(4) .
____________
1) أمالي الطوسي : 570 | 1179. وذخائر العقبى : 26.
2) سورة الطارق : 86| 6.
3) سورة الحاقة : 69| 21.
4) معاني الأخبار | الشيخ الصدوق : 396 | 53 ، طبع جماعة المدرسين ـ قم.
الزهراء :
سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن فاطمة عليها السلام لِمَ سمّيت الزهراء؟ فقال عليه السلام : « لاَنّها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لاَهل السماء ، كما يزهر نور الكواكب لاَهل الأرض » (1) .
وسأل أبو هاشم الجعفري رضي الله عنه صاحب العسكر عليه السلام لِمَ سميت فاطمة عليها السلام الزهراء؟ فقال : « كان وجهها يزهر لاَمير المؤمنين عليه السلام من أول النهار كالشمس الضاحية ، وعند الزوال كالقمر المنير ، وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّي » (2) .
قال ابن الأثير : الزهراء : تأنيث الأزهر ، وهو النيّر المُشرق من الألوان ، ويراد به إشراق نور إيمانها ، وإضاءته على إيمان غيرها (3) .
وقال المناوي : سميت بالزهراء لاَنها زهرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم (4) .
وارتجزت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زفاف الزهراء عليها السلام قائلة :
____________
1) معاني الأخبار | الشيخ الصدوق : 64 | 15 . وعلل الشرائع | الشيخ الصدوق 1 : 181 | 3 .
ودلائل الإمامة : 149 | 59 . وبحار الانوار 43 : 12 | 6 .
2) المناقب | ابن شهرآشوب 3 : 330 . وبحار الأنوار 43 : 16 .
3) منال الطالب | ابن الأثير : 508 ـ القاهرة .
4) اتحاف السائل | المناوي : 24 ، مكتبة القرآن ـ القاهرة .
فـاطمة خيـر نسـاء البشـر * ومـن لها وجـه كـوجه القمر
فضلّك الله علـى كـلِّ الورى * بفضل من خصّ بآي الزمر (1)
البتول :
البتل في اللغة : القطع ، وهو يرادف الفطم من حيث المعنى ، وقد عرفت الزهراء عليها السلام بهذا الاسم لتفرّدها عن سائر نساء العالمين بخصائص تميزت بها .
ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : « إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم سُئِلَ ما البتول؟ فإنّا سمعناك يا رسول الله تقول : إنّ مريم بتول وفاطمة بتول .
____________
1) المناقب | ابن شهر آشوب 3 : 355 .
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : البتول التي لم تر حمرةً قط ـ أي لم تحض ـ فإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء » (1)
و ما رواه أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « حرّم الله النساء على علي عليه السلام ما دامت فاطمة عليها السلام حية » قال : قلت : كيف ؟ قال : « لاَنّها طاهرة لا تحيض » (2) .
وما أخرجه الطبراني وغيره بالاسناد عن عائشة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : « إنّ فاطمة ليست كنساء الآدميين ولا تعتلّ كما يعتللن » (3) .
و ما أخرجه النسائي والخطيب والمحب الطبري بالاسناد عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّ ابنتي فاطمة حوراء آدمية ، لم تحض ولم تطمث » (4) .
وما رواه ابن المغازلي وغيره بالاسناد عن أسماء بنت عميس ، قالت : شهدتُ فاطمة عليها السلام وقد ولدت بعض ولدها فلم يُرَ لها دم ، فقال
____________
1) معاني الأخبار : 64 | 17 . وعلل الشرائع : 181 | 1 . ومناقب ابن شهرآشوب 3 : 330 . ودلائل الإمامة : 149 | 67 .
2) تهذيب الأحكام | الطوسي 7 : 475 | 116 . ومناقب ابن شهرآشوب 3 : 330 .
3) المعجم الكبير | الطبراني 22 : 400 | 1000 . واعلام الورى | الطبرسي 1 : 291 . ومناقب ابن شهرآشوب 3 : 330 . ومقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي : 64 .
4) تاريخ بغداد 12 : 331 . وذخائر العقبى : 26 . ومسند فاطمة الزهراء عليها السلام | السيوطي : 50 .
النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « يا أسماء ، إنّ فاطمة خلقت حورية في صورة إنسية » (1) . وفي رواية : أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لها : « أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهرة لا يرى لها دم في طمث ولا ولادة » (2) .
____________
1) المناقب | ابن المغازلي : 369 | 416 . وكشف الغمة 1 : 463 . ودلائل الامامة : 148 | 56 .
2) ذخائر العقبى : 44 .
المُحَدَّثة :
المُحَدَّث : من تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ولا رؤية صورة ، أو يُلهم له ويلقى في روعه شيء من العلم على وجه الالهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى ، أو ينكت له في قلبه من حقائق تخفى على غيره (3) .
روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « إنّما سميت فاطمة عليها السلام محدّثة ، لاَنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران ، فتقول : يافاطمة ، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين . يا فاطمة ، اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ، فتحدّثهم ويحدّثونها . فقالت لهم ذات ليلة : أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا : إنّ مريم كانت سيدة نساء عالمها ، وإنّ الله عزَّ وجلَّ جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها ، وسيدة نساء الأولين والآخرين » (4) .
____________
1) لسان العرب 11 : 43 ـ بتل ـ .
2) المناقب | ابن شهر آشوب 3 : 330 .
3) الغدير | الأميني 5 : 42 ، دار الكتب الإسلامية ـ طهران .
4) علل الشرائع 1 : 182 | 1 . ودلائل الإمامة : 80 | 20 . وبحار الأنوار 43 : 78 | 65 .
و مريم بنت عمران عليها السلام كانت محدثة ، قال تعالى : ( وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله اصطفاك وطهّرك ) (1) وأُمّ موسى كانت محدثة ، قال تعالى : (وأوحينا إلى أُمّ موسى أن ارضعيه) (2) وقال سبحانه مخاطباً موسى عليه السلام : ( إذ أوحينا إلى أُمّك ما يوحى ) (3) وسارة امرأة نبي الله إبراهيم عليه السلام قد بشرتها الملائكة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب (4)
الصدّيقة :
وهي صيغة مبالغة في الصدق والتصديق ، وقد عرفت الزهراء عليها السلام بالصديقة ، والصديقة الكبرى ، أي كانت كثيرة التصديق لما جاء به أبوها صلى الله عليه وآله وسلم وقويّة الإيمان به ، كما انّها كانت صادقة في جميع أقوالها
____________
1) سورة آل عمران : 3 | 42 .
2) سورة القصص : 28 | 7 .
3) سورة طه : 20 | 38 .
4) راجع الآيات من 71 ـ 73 من سورة هود .
بأفعالها (1) .
روى الشيخ الكليني باسناده عن علي بن جعفر ، عن موسى بن جعفر عليه السلام ، قال : « إنّ فاطمة عليها السلام صديقة شهيدة » (2) .
وأخرج المحبُّ الطبري في (الرياض النضرة) أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للاِمام علي عليه السلام : « أوتيت ثلاثاً لم يؤتهنّ أحد ولا أنا : أوتيتَ صهراً (3) مثلي ، ولم أوت أنا مثلك ، وأوتيت زوجة صديقة مثل ابنتي ولم أُوت مثلها زوجة ، وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من صلبي مثلهما ، ولكنكم مني وأنا منكم » (4) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم للاِمام علي عليه السلام : « يا علي ، إني قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء ، وأمرتها أن تلقيها إليك فأنفذها ، فهي الصادقة الصدوقة » (5) .
وأخرج الحاكم وغيره عن عائشة : أنها إذا ذكرت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت : ما رأيت أحداً كان أصدق لهجةً منها إلاّ أن يكون الذي ولدها (6) .
و روى الكليني والصدوق رضوان الله عليهما عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله (ع): «جعلت فداك من غسل فاطمة (ع)؟ قال: ذاك أمير المؤمنين (ع)، قال: فكأني استعظمت ذلك من قوله، فقال: كأنك ضقت مما أخبرتك به؟ قلت: قد كان ذلك جعلت فداك، قال (ع): لا تضيقن فإنها صديقة لا يغسلها إلا صديق، أما علمت أن مريم (ع) لم يغسلها إلا عيسى (ع). » (7)
«وهي الصديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى». (8)
كناها :
كانت عليها السلام تُكَنى بأسماء أبنائها عليهم السلام فهي أُمّ الحسن ، وأُمّ الحسين ، وأُمّ
____________
1) مرآة العقول | العلاّمة المجلسي 5 : 315 دار الكتب الإسلامية ـ طهران .
2) الكافي 1 : 458 | 2 .
3) الصهر في اللغة : هو زوج بنت الرجل ، وأبو زوجة الرجل أيضاً . اُنظر لسان العرب ـ صهر ـ 4 : 471 .
4) الرياض النضرة | المحب الطبري 3 : 172 دار الكتب العلمية ـ بيروت .
5) بحار الأنوار 22 : 491 عن كتاب الطرف للسيد ابن طاووس .
6) مستدرك الحاكم 3 : 160 وصحّحه على شرط مسلم . والاستيعاب 4 : 377 . وذخائر العقبى : 44 .
7) الكافي ج1 ص459 ح4، علل الشرائع ص184 باب148 ح1
8) الأمالي للشيخ الطوسي ص668 المجلس 36 ح1399
المحسن ، وأُمّ الأئمة (1) .
وعن الإمام الصادق عن أبيه عليهما السلام : « أنّ فاطمة عليها السلام كانت تُكنى أُمّ أبيها » (2) . وروي ذلك عن مصعب بن عبدالله الزبيري ، ومحمد بن علي المديني وابن الأثير (3) .
____________
1) مناقب ابن شهرآشوب 3 : 357 . والهداية الكبرى | الخصيبي : 176 مؤسسة البلاغ ـ بيروت . وبحار الأنوار 43 : 16 | 15 .
2) مقاتل الطالبيين | أبي الفرج : 29 ـ النجف الأشرف . والمناقب | ابن المغازلي : 340 | 392 . والاستيعاب 4 : 380 عن الإمام الصادق عليه السلام . وبحار الأنوار 43 : 19 | 19 .
3) المعجم الكبير 22 : 397 | 985 و 988 . وأُسد الغابة 5 : 520 . ومجمع الزوائد 9 : 211 . واتحاف السائل : 25 .
أُمّ أبيها :
كانت الزهراء عليها السلام أحب الناس الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) ، وهي بهجة قلبه وبضعة منه ، يغضب لغضبها ، ويرضى لرضاها ، ويغضبه ما يغضبها ، ويبسطه ما يبسطها ، ويؤذيه ما يؤذيها ، ويسرّه ما يسرّها (2) .
وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام إليها فقبّلها وأجلسها في مجلسه ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها (3) .
وإذا أراد سفراً أو غزاة كان صلى الله عليه وآله وسلم آخر الناس عهداً بفاطمة عليها السلام ، وإذا قدم كان صلى الله عليه وآله وسلم أول الناس عهداً بفاطمة عليها السلام (4) ، وكان صلى الله عليه وآله وسلم لا ينام حتى يقبّل عرض وجهها ، . . . ويدعو لها (5) .
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يكثر من زيارتها وتعهدها ويقول لها : « فداك أبي وأُمّي » (6) ويقبّل رأسها فيقول : « فداك أبوك » (7) وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعينها على الجاروش
____________
1) المعجم الكبير 22 : 397 | 986 .
2) راجع : صحيح مسلم 4 : 1903 | 94 . ومستدرك الحاكم 3 : 154 . ومسند أحمد 4 : 5 دار الفكر ـ بيروت .
3) سنن الترمذي 5 : 700 | 3872 دار احياء التراث العربي ـ بيروت . وجامع الاُصول | الجزري 10 : 86 دار احياء التراث العربي ـ بيروت . ومستدرك الحاكم 4 : 272 .
4) مستدرك الحاكم 1 : 489 و 3 : 165 . ومقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي 1 : 56 . وذخائر العقبى : 37 . ومسند أحمد 5 : 275 .
5) مناقب ابن شهرآشوب 3 : 334 . ومقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي 1 : 66 .
6) مستدرك الحاكم 3 : 156 .
7) مقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي 1 : 66 . وذخائر العقبى : 130 .
أما تعامل الزهراء عليها السلام مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم فقد كانت تهتم به اهتمام الاُمّ بولدها(4) ، فمنذ أيام طفولتها كانت تدفع عنه أذى المشركين (5) ، وتخفّف آلامه وتضمد جروحه (6) ، وتمسح الدم عن وجهه في الحرب (7) ، وإذا عاد من سفرٍ بادرت إلى استقباله واعتنقته وقبّلت بين عينيه ، وكانت تتأثر لحاله وتحنو عليه .
أخرج الطبراني والحاكم وغيرهما عن أبي ثعلبة الخشني ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قدم من سفر ، صلّى في المسجد ركعتين ، ثمّ أتى فاطمة فتلقته على باب البيت ، فجعلت تلثم فاه وعينيه وتبكي ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « ما يبكيك ؟ »فقالت : « أراك شعثا ًنصباً ، قد أخلولقت ثيابك »فقال لها : « لا تبكي ، فإنّ الله قد بعث أباك بأمرٍ لا يبقى على وجه الأرض بيت ولا مدر ولا حجر ولا
____________
1) بحار الأنوار | المجلسي 43 : 50 | 47 عن ابن شاذان .
2) شرح ابن أبي الحديد 15 : 17 دار احياء الكتب العربية .
3) مسند أحمد1 : 335 . وتاريخ المدينة المنورة | ابن شبة 1 : 103 دار الفكر ـ بيروت .
4) البدء والتاريخ | المقدسي 5 : 20 مكتبة الثقافة الدينية .
5) صحيح مسلم 3 : 1418 | 107 كتاب الجهاد والسير .
6) صحيح مسلم 3 : 1416 | 101 كتاب الجهاد والسير .
7) المغازي | الواقدي 1 : 249 عالم الكتب ـ بيروت .
وبر ولا شعر إلاّ أدخله الله به عزّاً أو ذلاً حتى يبلغ حيث بلغ الليل » (1) .
وكانت « سلام الله عليها » تؤثره بما عندها من طعام كالاُمّ المشفقة على ولدها ، فعن أنس ، قال : جاءت فاطمة عليها السلام بكسرة خبز لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : « ما هذه الكسرة؟ » قالت : « قرص خبزته ولم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة . . » (2) .
وعن عبدالله بن الحسن قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة عليها السلام فقدّمت إليه كسرة يابسة من خبز شعير ، فأفطر عليها ، ثم قال : « يابنية ، هذا أول خبزٍ أكل أبوك منذ ثلاثة أيام » ، فجعلت فاطمة عليها السلام تبكي ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح وجهها بيده (3) .
ولمّا اختار الله سبحانه لنبيه دار رضوانه ومأوى أصفيائه ، كانت الزهراء عليها السلام كالاُمّ التي فقدت وحيدها ، فما رؤيت عليها السلام ضاحكة قطّ منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قبضت(4) ، ومازالت بعده معصبة الرأس ، ناحلة الجسم ، منهدّة الركن ، باكية العين ، محترقة القلب ، يغشى عليها ساعة بعد ساعة (5) ، تشمّ قميصه فيغشى عليها (6) ، وسمعت بلالاً يؤذّن حتى إذا بلغ :
____________
1) المعجم الكبير 22 : 225 | 595 و 596 . ومستدرك الحاكم 1 : 488 و 3 : 155 . وحلية الأولياء | أبو نعيم 3 : 30 و 6 : 123 دار الكتب العلمية . ومقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي 1 : 63 . وذخائر العقبى : 37 .
2) مجمع الزوائد 10 : 312 .
3) مناقب ابن شهر آشوب 3 : 333 . وبحار الأنوار 43 : 40 .
4) المعجم الكبير | الطبراني 22 : 398 | 989 و 990 و 993 و 994 . والمناقب | ابن شهرآشوب 3 : 359 . وبحار الأنوار 43 : 196 .
5) مناقب ابن شهرآشوب 3 : 362 . وبحار الأنوار 43 : 181 .
أشهد أن محمداً رسول الله ، شهقت وسقطت لوجهها وغشي عليها حتى ظنّ بأنّها عليها السلام قد فارقت الحياة (1) .
وكانت تقول :
إنّا فقدناك فقـد الأرض وابلهـا * واختلّ قومك فاشهدهم فقـد نكبوا
فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت * منّا العيـون بتهمالٍ له سكبُ (2)
____________
1) مقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي 1 : 77 . وبحار الأنوار 43 : 157 | 6 .
2) الفقيه | الشيخ الصدوق 1 : 194 | 906 دار الكتب الاسلامية . وبحار الانوار 43 : 157 | 7 .
عن عبدالرحمن بن عوف قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « أنا الشجرة ، وفاطمة فرعها ، وعلي لقاحها ، والحسن والحسين ثمرها ، وشيعتنا ورقها ، وأصل الشجرة في جنة عدن ، وسائر ذلك في سائر الجنة » (3) . (4)
____________
3) مستدرك الحاكم 3 : 160 . ومقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي : 61 .
4) كتاب سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) للكاتب علي موسى الكعبي ص.25-40
ورد عن الإمام أحمد الحسن (عليه السلام) في معنى الحديث القدسي: عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله عن الله سبحانه: (يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما) (1) ، قال (ع) : " محمد (ص) تجلي الله (2)، وعلي تجلي الرحمن، وفاطمة تجلي الرحيم في الخلق. فكل الموجودات مشرقة بنور الله في خلقه وهو محمد (ص)، وباب إفاضة هذا النور الإلهي هما: علي وفاطمة عليهما السلام.
قال تعالى: ﴿تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ (3). وعلي ظاهر هذا الباب، وفاطمة باطن الباب، كظهور الحياة الدنيا وشهودها بالنسبة للإنسان فيها، وغيبة الآخرة وبطونها بالنسبة له أيضاً.
وعلي وفاطمة - أو الرحمن الرحيم - بينهما اتحاد وافتراق، كاتحاد زوجين متحابين ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ (4)، واسمين يدلان على معنى واحد.
أما افتراقهما؛ فمن جهة سعة الرحمة في الرحمن وشمولها، وضيق الرحمة في الرحيم وشدتها، فالرحمن - أو علي (ع) - له جهة اختصاص مع هذه الحياة الدنيا، فسعة الرحمة في الرحمن شاملة للجميع، كما أن الفيض النازل من ظاهر الباب يشمل الجميع المؤمن والكافر، كما في الدعاء: (يا من يعطي من سأله ويا من يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه تحنناً منه ورحمة) (5).
أما في الآخرة فهو قسيم الجنة والنار باعتبار ارتباط الموجود به وافتراقه عنه في هذه الحياة الدنيا، لا باعتبار الآخرة.
أما الرحيم - أو فاطمة - فلها جهة اختصاص مع الآخرة (6)، فهي التي تلتقط شيعتها - أي أهل الحق والتوحيد والإخلاص لله سبحانه - يوم القيامة، وهم الحسن والحسين والأئمة، ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى (ع)، والأنبياء والأوصياء، ومن دونهم من المخلصين، ولذا قال فيها رسول الله (ص): (فاطمة أم أبيها) (7)، فالأم هي الأصل الذي يرجع إليه، ولذا قال فيها الحسن العسكري (ع) ما معناه: (نحن حجة الله على الخلق وفاطمة حجة الله علينا) (8).
فلولا محمد لما خلقت السموات والأرض؛ لأنها خلقت من نوره، ولولا علي لما خلق محمد، فلولا علي لما عرف محمد (ص)، فهو بابه الذي منه يؤتى، ومنه - أي الباب أو علي - الفيض المحمدي في السموات والأرض يتجلى، ولولا فاطمة - أو باطن الباب، أو الآخرة - لما خلق محمد وعلي، فلولا الآخرة لما خلق الله الخلق، ولما خلقت الدنيا." (9)
فالقرآن ينزل في ليلة القدر، والقرآن ينزل في فاطمة، وليلة القدر هي فاطمة وكما قالوا (ع) : (نحن حجج الله وفاطمة حجة الله علينا) (6)، وكما قال (ص) : (فاطمة أم أبيها) (7)، والأم وعاء، وفاطمة (أو باطن الباب) هي الوعاء الذي ينزل فيه القرآن، والقرآن محمد (ص).
وهذا هو المعنى الباطن الثاني لهذا الحديث، عن رسول الله (ص) عن الله في الحديث القدسي: (لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما) (8).
وفاطمة (ع) هي وعاء نزول القرآن، فهي باطن باب المدينة الذي يفاض منه على الخلق، فوجودها ضرورة وبفقدانها لا يستقيم نظام الخلق لأنها ركن من الأركان الثلاثة، فهي وعاء نزول القرآن." (9)
__________________
1) عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: ( "إنا أنزلناه في ليلة القدر" الليلة: فاطمة، والقدر: الله، فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها) بحار الأنوار: ج43 ص65، عن تفسير فرات الكوفي.
2) شيء من تفسير الفاتحة / اضاءة على أسمائه سبحانه .
3) المتشابهات : ج1 / سؤال رقم (8) وموارد أخرى أيضاً .
4) عن هاشم بن أبي عمارة الجنبي، قال: سمعت أمير المؤمنين (ع) يقول: (أنا عين الله، وأنا يد الله، وأنا جنب الله، وأنا باب الله) الكافي : ج1 ص 145.
5) هنا يسوق السيد (ع) معنى جديداً للحديث الشريف، والمعنى الأول لحديث: (لولاك لما خلقت الأفلاك …) تقدم ذكره في المتشابهات : ج1 / سؤال رقم (8) .
6) الأسرار الفاطمية للشيخ محمد فاضل المسعودي : ص69، نقلاً عن تفسير ( أطيب البيان ) .
7) كشف الغمة في معرفة الأئمة : ص90.
8) مستدرك سفينة البحار: ج3 ص169، عن كتاب (ضياء العالمين) للشيخ أبي الحسن جد الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر.
9) المتشابهات للإمام أحمد الحسن (ع) الجزء الرابع السؤال 137.
أسماؤها وألقابها ( عليها السلام ) :
أسماؤها :
قال الإمام الصادق عليه السلام : « لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عزَّ وجلَّ : فاطمة ، والصديقة ، والمباركة ، والطاهرة ، والزكية ، والراضية ، والمرضية ، والمحُدَّثة ، و الزهراء» (1) وأضاف ابن شهر آشوب عن أبي جعفر القمي رضي الله عنه : البتول ، الحرّة ، السيدة ، العذراء ، مريم الكبرى ، الصديقة الكبرى (2) .
فاطمة :
تقدّم في ولادتها عليها السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد سمّاها فاطمة بأمر الله تعالى ، وهذا الاسم مشتق من الفطم بمعنى القطع ، يقال : فطمت الاُمّ صبيها ، وفطمت الرجل عن عادته ،ومنه فِطام الولد بمعنى فصله عن الرضاعة.
روى جابر بن عبدالله وابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « إنّما سميت ابنتي فاطمة ، لاَنّ الله عزَّ وجلَّ فطمها وفطم محبيها عن النار » (3) .
و في الحديث أنّ رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) قال لأمير المؤمنين علي ( عليه السلام ): ( أَتعلم يا علي لِمَ سُميت اِبنتي فاطمة؟.قال ( عليه السلام ): لِمَ يا رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله )؟
فقال (ص): إنّ اللّه عزّ وجل فطمها ومحبيها من النار فلذلك سُميت فاطمة )(4) .
____________
1) أمالي الصدوق : 688| 945. وعلل الشرائع 1 : 178| 3.
2) المناقب 3 : 357 ، دار الأضواء.
3) الفردوس | الديلمي 1 : 346 | 1385 ، دار الكتب العلمية. والمناقب | ابن المغازلي : 65 | 92 .
4) ورد هذا الحديث في أغلب كتب العامة من قبيل ( تاريخ بغداد ) و( الصواعق المحرقة ) و( كنز العمال ) و( ذخائر العقبى ).
وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنّي سميت ابنتي فاطمة لاَنّ الله فطمها وذريتها من النار » (1) .
وواضح بأن (فاطمة) على صيغة (فاعل) ولكنها وردت في الحديثين الشريفين بمعنى صيغة (مفعول)؛ لكونها (مفطومة). ولهذا نظائر في القرآن الكريم ولغة العرب ، قال تعالى : ( عيشة راضية) (2) قيل : أي مرضية ، وقوله تعالى : ( ماء دافق) (3) قيل : أي مدفوق. وكقولهم : سرّ كاتم ، أي مكتوم وغيرها كثير.
ولكن هذا الاسم الشريف (فاطمة) جاء في حديث آخر على صيغة (فاعل) تعبيراً عن وصفه ولم يصرف إلى معنى (مفعول).
قال صلى الله عليه وآله وسلم : « سمّيت فاطمة لاَنّها فطمت شيعتها من النار ، وفُطم أعداؤها عن حبّها »(4) .
____________
1) أمالي الطوسي : 570 | 1179. وذخائر العقبى : 26.
2) سورة الطارق : 86| 6.
3) سورة الحاقة : 69| 21.
4) معاني الأخبار | الشيخ الصدوق : 396 | 53 ، طبع جماعة المدرسين ـ قم.
الزهراء :
سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن فاطمة عليها السلام لِمَ سمّيت الزهراء؟ فقال عليه السلام : « لاَنّها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لاَهل السماء ، كما يزهر نور الكواكب لاَهل الأرض » (1) .
وسأل أبو هاشم الجعفري رضي الله عنه صاحب العسكر عليه السلام لِمَ سميت فاطمة عليها السلام الزهراء؟ فقال : « كان وجهها يزهر لاَمير المؤمنين عليه السلام من أول النهار كالشمس الضاحية ، وعند الزوال كالقمر المنير ، وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّي » (2) .
قال ابن الأثير : الزهراء : تأنيث الأزهر ، وهو النيّر المُشرق من الألوان ، ويراد به إشراق نور إيمانها ، وإضاءته على إيمان غيرها (3) .
وقال المناوي : سميت بالزهراء لاَنها زهرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم (4) .
وارتجزت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زفاف الزهراء عليها السلام قائلة :
____________
1) معاني الأخبار | الشيخ الصدوق : 64 | 15 . وعلل الشرائع | الشيخ الصدوق 1 : 181 | 3 .
ودلائل الإمامة : 149 | 59 . وبحار الانوار 43 : 12 | 6 .
2) المناقب | ابن شهرآشوب 3 : 330 . وبحار الأنوار 43 : 16 .
3) منال الطالب | ابن الأثير : 508 ـ القاهرة .
4) اتحاف السائل | المناوي : 24 ، مكتبة القرآن ـ القاهرة .
فـاطمة خيـر نسـاء البشـر * ومـن لها وجـه كـوجه القمر
فضلّك الله علـى كـلِّ الورى * بفضل من خصّ بآي الزمر (1)
البتول :
البتل في اللغة : القطع ، وهو يرادف الفطم من حيث المعنى ، وقد عرفت الزهراء عليها السلام بهذا الاسم لتفرّدها عن سائر نساء العالمين بخصائص تميزت بها .
ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : « إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم سُئِلَ ما البتول؟ فإنّا سمعناك يا رسول الله تقول : إنّ مريم بتول وفاطمة بتول .
____________
1) المناقب | ابن شهر آشوب 3 : 355 .
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : البتول التي لم تر حمرةً قط ـ أي لم تحض ـ فإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء » (1)
و ما رواه أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « حرّم الله النساء على علي عليه السلام ما دامت فاطمة عليها السلام حية » قال : قلت : كيف ؟ قال : « لاَنّها طاهرة لا تحيض » (2) .
وما أخرجه الطبراني وغيره بالاسناد عن عائشة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : « إنّ فاطمة ليست كنساء الآدميين ولا تعتلّ كما يعتللن » (3) .
و ما أخرجه النسائي والخطيب والمحب الطبري بالاسناد عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّ ابنتي فاطمة حوراء آدمية ، لم تحض ولم تطمث » (4) .
وما رواه ابن المغازلي وغيره بالاسناد عن أسماء بنت عميس ، قالت : شهدتُ فاطمة عليها السلام وقد ولدت بعض ولدها فلم يُرَ لها دم ، فقال
____________
1) معاني الأخبار : 64 | 17 . وعلل الشرائع : 181 | 1 . ومناقب ابن شهرآشوب 3 : 330 . ودلائل الإمامة : 149 | 67 .
2) تهذيب الأحكام | الطوسي 7 : 475 | 116 . ومناقب ابن شهرآشوب 3 : 330 .
3) المعجم الكبير | الطبراني 22 : 400 | 1000 . واعلام الورى | الطبرسي 1 : 291 . ومناقب ابن شهرآشوب 3 : 330 . ومقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي : 64 .
4) تاريخ بغداد 12 : 331 . وذخائر العقبى : 26 . ومسند فاطمة الزهراء عليها السلام | السيوطي : 50 .
النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « يا أسماء ، إنّ فاطمة خلقت حورية في صورة إنسية » (1) . وفي رواية : أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لها : « أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهرة لا يرى لها دم في طمث ولا ولادة » (2) .
____________
1) المناقب | ابن المغازلي : 369 | 416 . وكشف الغمة 1 : 463 . ودلائل الامامة : 148 | 56 .
2) ذخائر العقبى : 44 .
المُحَدَّثة :
المُحَدَّث : من تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ولا رؤية صورة ، أو يُلهم له ويلقى في روعه شيء من العلم على وجه الالهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى ، أو ينكت له في قلبه من حقائق تخفى على غيره (3) .
روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « إنّما سميت فاطمة عليها السلام محدّثة ، لاَنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران ، فتقول : يافاطمة ، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين . يا فاطمة ، اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ، فتحدّثهم ويحدّثونها . فقالت لهم ذات ليلة : أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا : إنّ مريم كانت سيدة نساء عالمها ، وإنّ الله عزَّ وجلَّ جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها ، وسيدة نساء الأولين والآخرين » (4) .
____________
1) لسان العرب 11 : 43 ـ بتل ـ .
2) المناقب | ابن شهر آشوب 3 : 330 .
3) الغدير | الأميني 5 : 42 ، دار الكتب الإسلامية ـ طهران .
4) علل الشرائع 1 : 182 | 1 . ودلائل الإمامة : 80 | 20 . وبحار الأنوار 43 : 78 | 65 .
و مريم بنت عمران عليها السلام كانت محدثة ، قال تعالى : ( وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله اصطفاك وطهّرك ) (1) وأُمّ موسى كانت محدثة ، قال تعالى : (وأوحينا إلى أُمّ موسى أن ارضعيه) (2) وقال سبحانه مخاطباً موسى عليه السلام : ( إذ أوحينا إلى أُمّك ما يوحى ) (3) وسارة امرأة نبي الله إبراهيم عليه السلام قد بشرتها الملائكة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب (4)
الصدّيقة :
وهي صيغة مبالغة في الصدق والتصديق ، وقد عرفت الزهراء عليها السلام بالصديقة ، والصديقة الكبرى ، أي كانت كثيرة التصديق لما جاء به أبوها صلى الله عليه وآله وسلم وقويّة الإيمان به ، كما انّها كانت صادقة في جميع أقوالها
____________
1) سورة آل عمران : 3 | 42 .
2) سورة القصص : 28 | 7 .
3) سورة طه : 20 | 38 .
4) راجع الآيات من 71 ـ 73 من سورة هود .
بأفعالها (1) .
روى الشيخ الكليني باسناده عن علي بن جعفر ، عن موسى بن جعفر عليه السلام ، قال : « إنّ فاطمة عليها السلام صديقة شهيدة » (2) .
وأخرج المحبُّ الطبري في (الرياض النضرة) أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للاِمام علي عليه السلام : « أوتيت ثلاثاً لم يؤتهنّ أحد ولا أنا : أوتيتَ صهراً (3) مثلي ، ولم أوت أنا مثلك ، وأوتيت زوجة صديقة مثل ابنتي ولم أُوت مثلها زوجة ، وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من صلبي مثلهما ، ولكنكم مني وأنا منكم » (4) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم للاِمام علي عليه السلام : « يا علي ، إني قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء ، وأمرتها أن تلقيها إليك فأنفذها ، فهي الصادقة الصدوقة » (5) .
وأخرج الحاكم وغيره عن عائشة : أنها إذا ذكرت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت : ما رأيت أحداً كان أصدق لهجةً منها إلاّ أن يكون الذي ولدها (6) .
و روى الكليني والصدوق رضوان الله عليهما عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله (ع): «جعلت فداك من غسل فاطمة (ع)؟ قال: ذاك أمير المؤمنين (ع)، قال: فكأني استعظمت ذلك من قوله، فقال: كأنك ضقت مما أخبرتك به؟ قلت: قد كان ذلك جعلت فداك، قال (ع): لا تضيقن فإنها صديقة لا يغسلها إلا صديق، أما علمت أن مريم (ع) لم يغسلها إلا عيسى (ع). » (7)
«وهي الصديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى». (8)
كناها :
كانت عليها السلام تُكَنى بأسماء أبنائها عليهم السلام فهي أُمّ الحسن ، وأُمّ الحسين ، وأُمّ
____________
1) مرآة العقول | العلاّمة المجلسي 5 : 315 دار الكتب الإسلامية ـ طهران .
2) الكافي 1 : 458 | 2 .
3) الصهر في اللغة : هو زوج بنت الرجل ، وأبو زوجة الرجل أيضاً . اُنظر لسان العرب ـ صهر ـ 4 : 471 .
4) الرياض النضرة | المحب الطبري 3 : 172 دار الكتب العلمية ـ بيروت .
5) بحار الأنوار 22 : 491 عن كتاب الطرف للسيد ابن طاووس .
6) مستدرك الحاكم 3 : 160 وصحّحه على شرط مسلم . والاستيعاب 4 : 377 . وذخائر العقبى : 44 .
7) الكافي ج1 ص459 ح4، علل الشرائع ص184 باب148 ح1
8) الأمالي للشيخ الطوسي ص668 المجلس 36 ح1399
المحسن ، وأُمّ الأئمة (1) .
وعن الإمام الصادق عن أبيه عليهما السلام : « أنّ فاطمة عليها السلام كانت تُكنى أُمّ أبيها » (2) . وروي ذلك عن مصعب بن عبدالله الزبيري ، ومحمد بن علي المديني وابن الأثير (3) .
____________
1) مناقب ابن شهرآشوب 3 : 357 . والهداية الكبرى | الخصيبي : 176 مؤسسة البلاغ ـ بيروت . وبحار الأنوار 43 : 16 | 15 .
2) مقاتل الطالبيين | أبي الفرج : 29 ـ النجف الأشرف . والمناقب | ابن المغازلي : 340 | 392 . والاستيعاب 4 : 380 عن الإمام الصادق عليه السلام . وبحار الأنوار 43 : 19 | 19 .
3) المعجم الكبير 22 : 397 | 985 و 988 . وأُسد الغابة 5 : 520 . ومجمع الزوائد 9 : 211 . واتحاف السائل : 25 .
أُمّ أبيها :
كانت الزهراء عليها السلام أحب الناس الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) ، وهي بهجة قلبه وبضعة منه ، يغضب لغضبها ، ويرضى لرضاها ، ويغضبه ما يغضبها ، ويبسطه ما يبسطها ، ويؤذيه ما يؤذيها ، ويسرّه ما يسرّها (2) .
وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام إليها فقبّلها وأجلسها في مجلسه ، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها (3) .
وإذا أراد سفراً أو غزاة كان صلى الله عليه وآله وسلم آخر الناس عهداً بفاطمة عليها السلام ، وإذا قدم كان صلى الله عليه وآله وسلم أول الناس عهداً بفاطمة عليها السلام (4) ، وكان صلى الله عليه وآله وسلم لا ينام حتى يقبّل عرض وجهها ، . . . ويدعو لها (5) .
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يكثر من زيارتها وتعهدها ويقول لها : « فداك أبي وأُمّي » (6) ويقبّل رأسها فيقول : « فداك أبوك » (7) وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعينها على الجاروش
____________
1) المعجم الكبير 22 : 397 | 986 .
2) راجع : صحيح مسلم 4 : 1903 | 94 . ومستدرك الحاكم 3 : 154 . ومسند أحمد 4 : 5 دار الفكر ـ بيروت .
3) سنن الترمذي 5 : 700 | 3872 دار احياء التراث العربي ـ بيروت . وجامع الاُصول | الجزري 10 : 86 دار احياء التراث العربي ـ بيروت . ومستدرك الحاكم 4 : 272 .
4) مستدرك الحاكم 1 : 489 و 3 : 165 . ومقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي 1 : 56 . وذخائر العقبى : 37 . ومسند أحمد 5 : 275 .
5) مناقب ابن شهرآشوب 3 : 334 . ومقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي 1 : 66 .
6) مستدرك الحاكم 3 : 156 .
7) مقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي 1 : 66 . وذخائر العقبى : 130 .
والرحى (1) .
وحينما استشهد حمزة بن عبدالمطلب عليه السلام في أُحد بكت فاطمة الزهراء عليها السلام فانهلت دموع المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لبكائها (2) ، وحينما ماتت رقية قعدت على شفير قبرها إلى جنب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي تبكي ، فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمسح الدموع عن عينيها بطرف ثوبه رحمةً لها (3) . أما تعامل الزهراء عليها السلام مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم فقد كانت تهتم به اهتمام الاُمّ بولدها(4) ، فمنذ أيام طفولتها كانت تدفع عنه أذى المشركين (5) ، وتخفّف آلامه وتضمد جروحه (6) ، وتمسح الدم عن وجهه في الحرب (7) ، وإذا عاد من سفرٍ بادرت إلى استقباله واعتنقته وقبّلت بين عينيه ، وكانت تتأثر لحاله وتحنو عليه .
أخرج الطبراني والحاكم وغيرهما عن أبي ثعلبة الخشني ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قدم من سفر ، صلّى في المسجد ركعتين ، ثمّ أتى فاطمة فتلقته على باب البيت ، فجعلت تلثم فاه وعينيه وتبكي ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « ما يبكيك ؟ »فقالت : « أراك شعثا ًنصباً ، قد أخلولقت ثيابك »فقال لها : « لا تبكي ، فإنّ الله قد بعث أباك بأمرٍ لا يبقى على وجه الأرض بيت ولا مدر ولا حجر ولا
____________
1) بحار الأنوار | المجلسي 43 : 50 | 47 عن ابن شاذان .
2) شرح ابن أبي الحديد 15 : 17 دار احياء الكتب العربية .
3) مسند أحمد1 : 335 . وتاريخ المدينة المنورة | ابن شبة 1 : 103 دار الفكر ـ بيروت .
4) البدء والتاريخ | المقدسي 5 : 20 مكتبة الثقافة الدينية .
5) صحيح مسلم 3 : 1418 | 107 كتاب الجهاد والسير .
6) صحيح مسلم 3 : 1416 | 101 كتاب الجهاد والسير .
7) المغازي | الواقدي 1 : 249 عالم الكتب ـ بيروت .
وبر ولا شعر إلاّ أدخله الله به عزّاً أو ذلاً حتى يبلغ حيث بلغ الليل » (1) .
وكانت « سلام الله عليها » تؤثره بما عندها من طعام كالاُمّ المشفقة على ولدها ، فعن أنس ، قال : جاءت فاطمة عليها السلام بكسرة خبز لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : « ما هذه الكسرة؟ » قالت : « قرص خبزته ولم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة . . » (2) .
وعن عبدالله بن الحسن قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة عليها السلام فقدّمت إليه كسرة يابسة من خبز شعير ، فأفطر عليها ، ثم قال : « يابنية ، هذا أول خبزٍ أكل أبوك منذ ثلاثة أيام » ، فجعلت فاطمة عليها السلام تبكي ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح وجهها بيده (3) .
ولمّا اختار الله سبحانه لنبيه دار رضوانه ومأوى أصفيائه ، كانت الزهراء عليها السلام كالاُمّ التي فقدت وحيدها ، فما رؤيت عليها السلام ضاحكة قطّ منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قبضت(4) ، ومازالت بعده معصبة الرأس ، ناحلة الجسم ، منهدّة الركن ، باكية العين ، محترقة القلب ، يغشى عليها ساعة بعد ساعة (5) ، تشمّ قميصه فيغشى عليها (6) ، وسمعت بلالاً يؤذّن حتى إذا بلغ :
____________
1) المعجم الكبير 22 : 225 | 595 و 596 . ومستدرك الحاكم 1 : 488 و 3 : 155 . وحلية الأولياء | أبو نعيم 3 : 30 و 6 : 123 دار الكتب العلمية . ومقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي 1 : 63 . وذخائر العقبى : 37 .
2) مجمع الزوائد 10 : 312 .
3) مناقب ابن شهر آشوب 3 : 333 . وبحار الأنوار 43 : 40 .
4) المعجم الكبير | الطبراني 22 : 398 | 989 و 990 و 993 و 994 . والمناقب | ابن شهرآشوب 3 : 359 . وبحار الأنوار 43 : 196 .
5) مناقب ابن شهرآشوب 3 : 362 . وبحار الأنوار 43 : 181 .
أشهد أن محمداً رسول الله ، شهقت وسقطت لوجهها وغشي عليها حتى ظنّ بأنّها عليها السلام قد فارقت الحياة (1) .
وكانت تقول :
إنّا فقدناك فقـد الأرض وابلهـا * واختلّ قومك فاشهدهم فقـد نكبوا
فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت * منّا العيـون بتهمالٍ له سكبُ (2)
____________
1) مقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي 1 : 77 . وبحار الأنوار 43 : 157 | 6 .
2) الفقيه | الشيخ الصدوق 1 : 194 | 906 دار الكتب الاسلامية . وبحار الانوار 43 : 157 | 7 .
عن عبدالرحمن بن عوف قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « أنا الشجرة ، وفاطمة فرعها ، وعلي لقاحها ، والحسن والحسين ثمرها ، وشيعتنا ورقها ، وأصل الشجرة في جنة عدن ، وسائر ذلك في سائر الجنة » (3) . (4)
____________
3) مستدرك الحاكم 3 : 160 . ومقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي : 61 .
4) كتاب سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) للكاتب علي موسى الكعبي ص.25-40
ورد عن الإمام أحمد الحسن (عليه السلام) في معنى الحديث القدسي: عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله عن الله سبحانه: (يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما) (1) ، قال (ع) : " محمد (ص) تجلي الله (2)، وعلي تجلي الرحمن، وفاطمة تجلي الرحيم في الخلق. فكل الموجودات مشرقة بنور الله في خلقه وهو محمد (ص)، وباب إفاضة هذا النور الإلهي هما: علي وفاطمة عليهما السلام.
قال تعالى: ﴿تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ (3). وعلي ظاهر هذا الباب، وفاطمة باطن الباب، كظهور الحياة الدنيا وشهودها بالنسبة للإنسان فيها، وغيبة الآخرة وبطونها بالنسبة له أيضاً.
وعلي وفاطمة - أو الرحمن الرحيم - بينهما اتحاد وافتراق، كاتحاد زوجين متحابين ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ (4)، واسمين يدلان على معنى واحد.
أما افتراقهما؛ فمن جهة سعة الرحمة في الرحمن وشمولها، وضيق الرحمة في الرحيم وشدتها، فالرحمن - أو علي (ع) - له جهة اختصاص مع هذه الحياة الدنيا، فسعة الرحمة في الرحمن شاملة للجميع، كما أن الفيض النازل من ظاهر الباب يشمل الجميع المؤمن والكافر، كما في الدعاء: (يا من يعطي من سأله ويا من يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه تحنناً منه ورحمة) (5).
أما في الآخرة فهو قسيم الجنة والنار باعتبار ارتباط الموجود به وافتراقه عنه في هذه الحياة الدنيا، لا باعتبار الآخرة.
أما الرحيم - أو فاطمة - فلها جهة اختصاص مع الآخرة (6)، فهي التي تلتقط شيعتها - أي أهل الحق والتوحيد والإخلاص لله سبحانه - يوم القيامة، وهم الحسن والحسين والأئمة، ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى (ع)، والأنبياء والأوصياء، ومن دونهم من المخلصين، ولذا قال فيها رسول الله (ص): (فاطمة أم أبيها) (7)، فالأم هي الأصل الذي يرجع إليه، ولذا قال فيها الحسن العسكري (ع) ما معناه: (نحن حجة الله على الخلق وفاطمة حجة الله علينا) (8).
فلولا محمد لما خلقت السموات والأرض؛ لأنها خلقت من نوره، ولولا علي لما خلق محمد، فلولا علي لما عرف محمد (ص)، فهو بابه الذي منه يؤتى، ومنه - أي الباب أو علي - الفيض المحمدي في السموات والأرض يتجلى، ولولا فاطمة - أو باطن الباب، أو الآخرة - لما خلق محمد وعلي، فلولا الآخرة لما خلق الله الخلق، ولما خلقت الدنيا." (9)
________________
1) مستدرك سفينة البحار : ج3 ص334 ، الجنة العاصمة : 148.
2) إن كون شخص ما - كرسول الله (ص) - تجلي الله في خلقه، يعني أنه ظهور لصفات الله تعالى في الخلق ، وممثل وحاكي عن صفاته سبحانه، بحيث به يعرف الله تعالى، وقد نص الله سبحانه في القرآن الكريم على التجلي فقال: (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) الأعراف : 143.
وهنا قطعاً لم يكن انتقالاً ولا تحيزاً مكانياً - أي تجافي - بالنسبة له سبحانه فهو منزه عنه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً بل تجليه سبحانه للجبل كان بظهوره بشيء حاكي عنه، وقد ورد عن أهل البيت (ع): إن الله تعالى تجلى برجل من الكروبيين للجبل فجعله دكاً، عن أبي عبد الله (ع) قال: (إن الكروبيين قوم من شيعتنا من الخلق الأول، جعلهم الله خلف العرش، لو قسم نور واحد منهم على أهل الأرض لكفاهم، ثم قال إن موسى (ع) لما سأل ربه ما سأل أمر رجلاً من الكروبيين، فتجلى للجبل فجعله دكاً) مستطرفات السرائر لابن إدريس الحلي : ص569.
وفي دعاء السمات: (... وبنور وجهك الذي تجليت به للجبل فجعلته دكاً وخر موسى صعقاً، وبمجدك الذي ظهر على طور سيناء فكلمت به عبدك ورسولك موسى بن عمران، وبطلعتك في ساعير وظهورك في جبل فاران بربوات المقدسين وجنود الملائكة الصافين وخشوع الملائكة المسبحين ...) مصباح المتهجد للشيخ الطوسي : ص419.
تأمل في قوله (ع): (طلعتك في ساعير، وظهورك في جبل فاران) فالطلعة والظهور الماديان ممتنعان على الله تعالى، فلا يكون ذلك إلا بالتجلـي، وطلعة الله في ساعير هو بنبيه عيسـى (ع)، وظهوره تعالى في فاران بمحمـد (ص) كما بيّن ذلك السيد أحمد الحسن (ع) في كتبه الأخرى، كالنبوة الخاتمة، فراجع.
3) فصلت : 2.
4) النساء : 1.
5) قال أبو عبد الله (ع): (بسم الله الرحمن الرحيم، وقل في كل يوم من رجب صباحاً ومساءً وفي أعقاب صلواتك في يومك وليلتك: يا من أرجوه لكل خير، وآمن سخطه عند كل شر، يا من يعطي الكثير بالقليل، يا من يعطي من سأله، يا من يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه تحننا منه ورحمة، أعطني بمسألتي إياك جميع خير الدنيا وجميع خير الآخرة، واصرف عني بمسألتي إياك جميع شر الدنيا وشر الآخرة، فانه غير منقوص ما أعطيت، وزدني من فضلك يا كريم ) إقبال الأعمال: ج3 ص211.
6) عن رسول الله (ص) في حديث: (.. ويقول الله (عز وجل) لملائكته: يا ملائكتي، انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي، قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار ...) الأمالي للشيخ الصدوق : ص 175، وعشرات الروايات الأخرى التي تؤكد ذلك.
7) بحار الأنوار : ج 34 ص19.
8) الأسرار الفاطمية للشيخ محمد فاضل المسعودي : ص69، نقلاً عن تفسير (أطيب البيان) .
9) المتشابهات للإمام أحمد الحسن (ع) الجزء الأول السؤال 8.
كما ورد عن الإمام أحمد الحسن (ع) في تفسير قولهم (ع) أن فاطمة (ع) هي ليلة القدر (1)، قال (ع):" بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين.
قدمتُ في سورة الفاتحة (2)، وفي المتشابهات (3) فيما سبق أن فاطمة (ع) هي باطن باب المدينة ، وظاهر الباب هو علي (ع)، والمدينة محمد (ص)، في مقابل الأسماء الثلاثة: (الرحيم، الرحمن، الله)، فهم صلوات الله عليهم أركان الهدى الثلاثة وتجلي أركان الاسم الأعظم الثلاثة: الله، الرحمن، الرحيم.
والعلم كلّه في المدينة، فإذا أُريد إنزاله فمن الباب، وفي باطن الباب أولاً، ثم من ظاهر الباب إلى الخلق (4)، وباطن الباب فاطمة صلوات الله عليها فالنـزول فيها، وهي وعاء العلم الباطن، وفيها نزل العلم وما في المدينة (رسول الله (ص) أو القرآن)، وكما بيَّنت سابقاً في المتشابهات، فراجع (5).1) مستدرك سفينة البحار : ج3 ص334 ، الجنة العاصمة : 148.
2) إن كون شخص ما - كرسول الله (ص) - تجلي الله في خلقه، يعني أنه ظهور لصفات الله تعالى في الخلق ، وممثل وحاكي عن صفاته سبحانه، بحيث به يعرف الله تعالى، وقد نص الله سبحانه في القرآن الكريم على التجلي فقال: (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) الأعراف : 143.
وهنا قطعاً لم يكن انتقالاً ولا تحيزاً مكانياً - أي تجافي - بالنسبة له سبحانه فهو منزه عنه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً بل تجليه سبحانه للجبل كان بظهوره بشيء حاكي عنه، وقد ورد عن أهل البيت (ع): إن الله تعالى تجلى برجل من الكروبيين للجبل فجعله دكاً، عن أبي عبد الله (ع) قال: (إن الكروبيين قوم من شيعتنا من الخلق الأول، جعلهم الله خلف العرش، لو قسم نور واحد منهم على أهل الأرض لكفاهم، ثم قال إن موسى (ع) لما سأل ربه ما سأل أمر رجلاً من الكروبيين، فتجلى للجبل فجعله دكاً) مستطرفات السرائر لابن إدريس الحلي : ص569.
وفي دعاء السمات: (... وبنور وجهك الذي تجليت به للجبل فجعلته دكاً وخر موسى صعقاً، وبمجدك الذي ظهر على طور سيناء فكلمت به عبدك ورسولك موسى بن عمران، وبطلعتك في ساعير وظهورك في جبل فاران بربوات المقدسين وجنود الملائكة الصافين وخشوع الملائكة المسبحين ...) مصباح المتهجد للشيخ الطوسي : ص419.
تأمل في قوله (ع): (طلعتك في ساعير، وظهورك في جبل فاران) فالطلعة والظهور الماديان ممتنعان على الله تعالى، فلا يكون ذلك إلا بالتجلـي، وطلعة الله في ساعير هو بنبيه عيسـى (ع)، وظهوره تعالى في فاران بمحمـد (ص) كما بيّن ذلك السيد أحمد الحسن (ع) في كتبه الأخرى، كالنبوة الخاتمة، فراجع.
3) فصلت : 2.
4) النساء : 1.
5) قال أبو عبد الله (ع): (بسم الله الرحمن الرحيم، وقل في كل يوم من رجب صباحاً ومساءً وفي أعقاب صلواتك في يومك وليلتك: يا من أرجوه لكل خير، وآمن سخطه عند كل شر، يا من يعطي الكثير بالقليل، يا من يعطي من سأله، يا من يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه تحننا منه ورحمة، أعطني بمسألتي إياك جميع خير الدنيا وجميع خير الآخرة، واصرف عني بمسألتي إياك جميع شر الدنيا وشر الآخرة، فانه غير منقوص ما أعطيت، وزدني من فضلك يا كريم ) إقبال الأعمال: ج3 ص211.
6) عن رسول الله (ص) في حديث: (.. ويقول الله (عز وجل) لملائكته: يا ملائكتي، انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي، قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار ...) الأمالي للشيخ الصدوق : ص 175، وعشرات الروايات الأخرى التي تؤكد ذلك.
7) بحار الأنوار : ج 34 ص19.
8) الأسرار الفاطمية للشيخ محمد فاضل المسعودي : ص69، نقلاً عن تفسير (أطيب البيان) .
9) المتشابهات للإمام أحمد الحسن (ع) الجزء الأول السؤال 8.
كما ورد عن الإمام أحمد الحسن (ع) في تفسير قولهم (ع) أن فاطمة (ع) هي ليلة القدر (1)، قال (ع):" بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين.
قدمتُ في سورة الفاتحة (2)، وفي المتشابهات (3) فيما سبق أن فاطمة (ع) هي باطن باب المدينة ، وظاهر الباب هو علي (ع)، والمدينة محمد (ص)، في مقابل الأسماء الثلاثة: (الرحيم، الرحمن، الله)، فهم صلوات الله عليهم أركان الهدى الثلاثة وتجلي أركان الاسم الأعظم الثلاثة: الله، الرحمن، الرحيم.
فالقرآن ينزل في ليلة القدر، والقرآن ينزل في فاطمة، وليلة القدر هي فاطمة وكما قالوا (ع) : (نحن حجج الله وفاطمة حجة الله علينا) (6)، وكما قال (ص) : (فاطمة أم أبيها) (7)، والأم وعاء، وفاطمة (أو باطن الباب) هي الوعاء الذي ينزل فيه القرآن، والقرآن محمد (ص).
وهذا هو المعنى الباطن الثاني لهذا الحديث، عن رسول الله (ص) عن الله في الحديث القدسي: (لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما) (8).
وفاطمة (ع) هي وعاء نزول القرآن، فهي باطن باب المدينة الذي يفاض منه على الخلق، فوجودها ضرورة وبفقدانها لا يستقيم نظام الخلق لأنها ركن من الأركان الثلاثة، فهي وعاء نزول القرآن." (9)
__________________
1) عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: ( "إنا أنزلناه في ليلة القدر" الليلة: فاطمة، والقدر: الله، فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها) بحار الأنوار: ج43 ص65، عن تفسير فرات الكوفي.
2) شيء من تفسير الفاتحة / اضاءة على أسمائه سبحانه .
3) المتشابهات : ج1 / سؤال رقم (8) وموارد أخرى أيضاً .
4) عن هاشم بن أبي عمارة الجنبي، قال: سمعت أمير المؤمنين (ع) يقول: (أنا عين الله، وأنا يد الله، وأنا جنب الله، وأنا باب الله) الكافي : ج1 ص 145.
5) هنا يسوق السيد (ع) معنى جديداً للحديث الشريف، والمعنى الأول لحديث: (لولاك لما خلقت الأفلاك …) تقدم ذكره في المتشابهات : ج1 / سؤال رقم (8) .
6) الأسرار الفاطمية للشيخ محمد فاضل المسعودي : ص69، نقلاً عن تفسير ( أطيب البيان ) .
7) كشف الغمة في معرفة الأئمة : ص90.
8) مستدرك سفينة البحار: ج3 ص169، عن كتاب (ضياء العالمين) للشيخ أبي الحسن جد الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر.
9) المتشابهات للإمام أحمد الحسن (ع) الجزء الرابع السؤال 137.
Comment