[ قال أمير المؤمنين (ع): ( أما والله لقد تقمصها فلان (يعني أبا بكر) وإنه ليعلم أنّ محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير، فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها المؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى أرى تراثي نهبا، حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان (يعني عمر بن الخطاب) بعده ثم تمثّل قول الأعشى:
شتان ما يومي على كورها ... ويوم حيان أخي جابر
فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته (حيث إنّ أبا بكر قال على المنبر أقيلوني فلست خيركم وعلي فيكم) إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما تشطرا ضرعيها فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها ويخشن مسها ويكثر العثار فيها والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس (أي خروج عن صراط الله المستقيم؛ لأنّ عمر أخذ يحلل ويحرّم على هواه فحرم متعتي النساء والحج، ورفع حي على خير العمل من الآذان وتخبط في المواريث تخبط العشواء)، وتلون واعتراض، فصبرت على طول المدّة وشدة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعه زعم أني أحدهم فيا لله وللشورى، متى اعترض الريب فيّ مع الأول منهم (يعني أبا بكر) حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر (تحقيراً لشأنهم)، لكني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا فصغى رجل منهم لضغنه (سعد بن أبي وقاص)، ومال آخر لصهره (أي عبد الرحمن بن عوف) مع هن وهن (يشير إلى وضاعة القوم) إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه (يشير إلى عثمان ويمثله بالدابة التي ليس لها هم إلاّ العلف والروث) وقام معه بنو أبيه (أي بنو أمية لعنهم الله وهم الشجرة الملعونة في القرآن) يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث فتله وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته (أي قتلته بطنه المليئة بمال الله المغصوب)، فما راعني إلاّ والناس كعرف الضبع إليَّ ينثالون عليَّ من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم، فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول:
﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
بلى، والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها.
أمّا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كضة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكاس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز) ([1]).
وقال(ع): (يا أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه عني فإنّ الفراق قريب أنا إمام البرية، ووصي خير الخليقة، وزوج سيدة نساء الأمة، وأبو العترة الطاهرة، والأئمة الهادية، أنا أخو رسول الله (ص) ووصيه ووليه ووزيره وصاحبه وصفيه وحبيبه وخليله، أنا أمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين وسيد الوصيين، حربي حرب الله، وسلمي سلم الله وطاعتي طاعة الله وولايتي ولاية الله، وشيعتي أولياء الله، وأنصاري أنصار الله، والله الذي خلقني ولم أك شيئاً لقد علم المستحفظون من أصحاب محمد (ص) أنّ الناكثين والقاسطين والمارقين ملعونين على لسان النبي الأمي، وقد خاب من افترى) ([2]).
ولما جاءت الخلافة إلى أمير المؤمنين علي (ع) حاول أن يسير بالمسلمين إلى الله ويخرجهم من الظلمات إلى النور وينشر العدل بعد انتشار الظلم على يد ولاة عثمان، ولكن أنى له ذلك والناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم إلاّ القليل ممن وفى بعهد الله، وأنّى له ذلك وقد قفز إلى السلطة ابن أبي سفيان قائد الكفار وابن هند آكلة كبد حمزة سيد الشهداء، وكان ما كان من جهاده (ع) للناكثين والقاسطين والمارقين لعنهم الله جميعاً مما لا يخفى على أحد، فبيّن (ع) حقّه وأرشد الناس إلى صراط الله المستقيم لئلا تكون للناس حجة في الانحراف عن الأئمة... ]. ([3])
-------------------------------------------------
الهامش:
[1]- نهج البلاغة بشرح محمد عبده:ج1 ص30، الخطبة الشقشقية.
[2]- أمالي الصدوق: ص702، علل الشرائع: ج1 ص43، من لا يحضره الفقيه: ج4 ص419، بحار الأنوار: ج39 ص336.
[3]- التيه أو الطريق إلى الله للامام أحمد الحسن ع ص(38-40).
Comment