الحلقة الاولى
قوله تعالى (َ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ وَ كُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً)(الإسراء 12)
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصل الله عل محمد واله الائمة والمهديين وسلم تسليما
تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج 6 - ص 88
مقاتل بن علي عن عكرمة عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله تعالى لما أبرم خلقه فلم يبق من خلقه غير آدم خلق شمسا من نور عرشه وقمرا فكانا جميعا شمسان فأما ما كان في سابق علم الله أن يدعها شمسا فإنه خلقها مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها وأما ما كان في سابق علمه أن يطمسها فيحولها قمرا فخلقها دون الشمس من العظيم ولكن إنما يرى صغرهما من شدة ارتفاع السماء وبعدها من الأرض ، فلو ترك الله الشمس والقمر كما خلقهما لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ولا كان يدرك الأجير إلى متى يعمل ومتى يأخذ أجره ولا يدري الصائم إلى متى يصوم ومتى يفطر ، ولا تدري المرأة كيف تعتد ولا يدري المسلمون متى وقت صلاتهم ومتى وقت حجهم ، ولا يدري الديان متى يحل دينهم ولا تدري الناس متى يبذرون ويزرعون لمعاشهم ومتى يسكنون لراحة أبدانهم فكان الرب سبحانه أنظر لعباده وأرحم بهم فأرسل جبرائيل ( فأمر ) جناحه على وجه القمر وهو يومئذ شمس فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور ، فذلك قوله تعالى " * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) * ) ( والسواد ) الذي ترونه في جوف القمر يشبه الخطوط ، فهو أثر المحو .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير السمعاني - السمعاني - ج 3 - ص 224 - 225
قوله : * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) أي : علامتين دالتين على أن لهما إلها واحدا . وقيل : علامتين على الليل والنهار ، والمراد من الليل والنهار : هو الشمس والقمر . وقوله : * ( فمحونا آية الليل ) روي عن علي وابن عباس أنهما قالا : المحو هو السواد الذي في القمر . وفي بعض الآثار أن ابن الكواء قام إلى علي فسأله عن هذا فقال : أعمى - أراد عمى القلب - يسأل عن عمياء ! ثم قال : هو السواد الذي في القمر ، وقيل : إن معنى قوله : * ( فمحونا آية الليل ) أي : جعلنا الليل بحيث لا يبصر فيه كما [ لا ] يبصر الكتاب إذا محي . وقال قتادة وجماعة من المفسرين ، وهو محكي أيضا عن ابن عباس قالوا : إن الله تعالى خلق الشمس والقمر مضيئين نيرين كل واحد منهما مثل الآخر في الضياء ، فلم يكن يعرف الليل من النهار ، والنهار من الليل ، فأمر جبريل حتى مسح بجناحه ‹ صفحة 225 › * ( وكل شيء فصلناه تفصيلا ( 12 ) وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ( 13 ) اقرأ كتابك ) * * وجه القمر . قال مقاتل : انتقص مما كان تسعة وستون جزءا ، وبقي جزء واحد . وقوله : * ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) أي : مضيئة نيرة ، وقيل : ذات أبصار أي : يبصر بها . وقوله : * ( لتبتغوا فضلا من ربكم ) بالنهار .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير النسفي - النسفي - ج 2 - ص 280
( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) * أي الليل والنهار آيتان في أنفسهما فتكون الإضافة في آية الليل وآية النهار للتبيين كإضافة العدد إلى المعدود أي فمحونا الآية التي هي الليل وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة أو وجعلنا نيرى الليل والنهار آيتيتن يريد الشمس والقمر فمحونا آية الليل التي هي القمر حيث لم يخلق له شعاعا كشعاع الشمس فترى الأشياء به رؤية بينة وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء * ( لتبتغوا فضلا من ربكم ) * لتتوصلوا ببياض النهار إلى التصرف في معايشكم * ( ولتعلموا ) * باختلاف الجديدين * ( عدد السنين والحساب ) * يعنى حساب الآجال ومواسم الأعمال ولو كانا مثلين لما عرف الليل من النهار ولا استراح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
زاد المسير - ابن الجوزي - ج 5 - ص 11 - 12
وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا " 12 " قوله تعالى : * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) * أي : علامتين يدلان على قدرة خالقهما . * ( فمحونا آية الليل ) * فيه قولان : أحدهما : أن آية الليل : القمر ، ومحوها : ما في بعض القمر من الاسوداد . وإلى هذا المعنى ذهب علي [ رضي الله عنه ] ، وابن عباس في آخرين . والثاني : آية الليل محيت بالظلمة التي جعلت ملازمة لليل ; فنسب المحو إلى الظلمة إذ كانت تمحو الأنوار وتبطلها ، ذكره ابن الأنباري . ويروى أن الشمس والقمر كانا في النور والضوء سواء ، فأرسل الله جبريل فأمر جناحه على وجه القمر وطمس عنه الضوء . قوله تعالى : * ( وجعلنا آية النهار ) * يعني : الشمس * ( مبصرة ) * فيه ثلاثة أقوال : أحدها : منيرة ، قاله قتادة . قال ابن الأنباري : وإنما صلح وصف الآية بالإبصار على جهة المجاز ، كما يقال : لعب الدهر ببني فلان . والثاني : أن معنى * ( مبصرة ) * : مبصرا بها ، قاله ابن قتيبة . ‹ صفحة 12 › والثالث : أن معنى * ( مبصرة ) * مبصرة ، فجرى " مفعل " ، مجرى " مفعل " ، والمعنى : أنها تبصر الناس ، أي : تريهم الأشياء ، قاله ابن الأنباري . ومعاني الأقوال تتقارب . قوله تعالى : * ( لتبتغوا فضلا من ربكم ) * أي : لتبصروا كيف تتصرفون في أعمالكم وتطلبون رزقكم بالنهار * ( ولتعلموا عدد السنين والحساب ) * بمحو آية الليل ، ولولا ذلك ، لم يعرف الليل من النهار ، ولم يتبين العدد . * ( وكل شئ ) * أي : ما يحتاج إليه ، * ( فصلناه تفصيلا ) * بيناه تبيينا لا يلتبس معه بغيره .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير القرطبي - القرطبي - ج 10 - ص 227 - 228
قوله تعالى : وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلنه تفصيلا ( 12 ) قوله تعالى : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) أي علامتين على وحدانيتنا ووجودنا وكمال علمنا وقدرتنا . والآية فيهما : إقبال كل منهما من حيث لا يعلم ، وإدباره إلى حيث لا يعلم . ونقصان أحدهما بزيادة الآخر وبالعكس آية أيضا . وكذلك ضوء النهار وظلمة الليل . وقد مضى هذا . ( 1 ) . ( فمحونا آية الليل ) ولم يقل : فمحونا الليل ، فلما أضاف الآية إلى الليل والنهار دل على أن الآيتين المذكورتين لهما لا هما . و " محونا " معناه طمسنا . وفى الخبر أن الله تعالى أمر جبريل عليه السلام فأمر جناحه على وجه القمر فطمس عنه الضوء وكان كالشمس في النور ، والسواد الذي يرى في القمر من أثر المحو . قال ابن عباس : جعل الله الشمس سبعين جزءا والقمر سبعين جزءا ، فمحا من نور القمر تسعة وستين جزءا فجعله مع نور الشمس ، فالشمس على مائة ( وتسع ) وثلاثين جزءا والقمر على جزء واحد . وعنه أيضا : خلق الله شمسين من نور عرشه ، وجعل ما سبق في علمه أن يكون شمسا مثل الدنيا على قدرها ما بين مشارقها إلى مغاربها ، وجعل القمر دون الشمس ، فأرسل جبريل عليه السلام فأمر جناحه على وجهه ثلاث مرات وهو يومئذ شمس فطمس ضوءه وبقى نوره ، فالسواد الذي ترونه في القمر أثر المحو ، ولو تركه شمسا لم يعرف الليل من النهار ذكر ‹ صفحة 228 › عنه الأول الثعلبي ، والثاني المهدوي ، وسيأتي مرفوعا . وقال على رضي الله عنه وقتادة : يريد بالمحو اللطخة السوداء التي في القمر ، ليكون ضوء القمر أقل من ضوء الشمس فيتميز به الليل من النهار . ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) أي جعلنا شمسه مضيئة للأبصار . قال أبو عمرو بن العلاء : أي يبصر بها . قال الكسائي : وهو من قول العرب أبصر النهار إذا أضاء ، وصار بحالة يبصر بها . وقيل : هو كقولهم خبيث مخبث إذا كان أصحابه خبثاء . ورجل مضعف إذا كانت دوابه ضعافا ، فكذلك النهار مبصرا إذا كان أهله بصراء .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
دقائق التفسير - ابن تيمية - ج 2 - ص 218 - 219
( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب ) * وهذا والله أعلم لمعنى تظهر به حكمة ما في الكتاب وما جاءت به الشريعة من اعتبار الشهر والعام الهلالي دون الشمسي إن كل واحد من الشهر والعام ينقسم في اصطلاح الأمم إلى عددي وطبيعي فأما الشهر الهلالي فهو طبيعي وسنته عددية واما الشهر الشمسي فعددي وسنته طبيعية فأما جعل شهرنا هلاليا فحكمته ظاهرة لأنه طبيعي وإنما علق بالهلال دون الاجتماع لأنه أمر مضبوط بالحس لا يدخله ‹ صفحة 219 › خلل ولا يفتقر إلى حساب بخلاف الاجتماع فإنه أمر خفي يفتقر إلى حساب وبخلاف الشهر الشمسي لو ضبط وأما السنة الشمسية فإنها وإن كانت طبيعية فهي من جنس الاجتماع ليس أمرا ظاهرا للحس بل يفتقر إلى حساب سير الشمس في المنازل وإنما الذي يدركه الحس تقريب ذلك فإن انقضاء الشتاء ودخول الفصل الذي تسميه العرب الصيف ويسميه غيرها الربيع أمر ظاهر بخلاف محاذاة الشمس لجزء من أجزاء الفلك يسمى برج كذا أو محاذاتها لإحدى نقطتي الرأس أو الذنب فإنه يفتقر إلى حساب ولما كانت البروج اثني عشر فمتى تكرر الهلالي اثني عشر فقد انتقل فيها كلها فصار ذلك سنة كاملة تعلقت به أحكام ديننا من المؤقتات شرعا أو شرطا إما بأصل الشرع كالصيام والحج وإما بسبب من العبد كالعدة ومدة الإيلاء وصوم الكفارة والنذر وإما بالشرط كالأجل في الدين والخيار والأيمان وغير ذلك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير ابن كثير - ابن كثير - ج 3 - ص 29 - 30
وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلنه تفصيلا ( 12 ) يمتن تعالى على خلقه بآياته العظام فمنها مخالفته بين الليل والنهار ليسكنوا في الليل وينتشروا في النهار للمعايش والصنائع والأعمال والاسفار وليعلموا عدد الأيام والجمع والشهور والأعوام ويعرفوا مضي الآجال المضروبة للديون والعبادات والمعاملات والإجارات وغير ذلك لهذا قال " لتبتغوا فضلا من ربكم " أي في معايشكم وأسفاركم ونحو ذلك " ولتعلموا عدد السنين والحساب " فإنه لو كان الزمان كله نسقا واحدا وأسلوبا متساويا لما عرف شئ من ذلك كما قال تعالى " قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون * قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون * ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون " وقال تعالى " تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا . وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا " وقال تعالى " وله اختلاف الليل والنهار " وقال " يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار " وقال تعالى " فالق الاصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم " وقال تعالى " وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون . والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم " ثم إنه تعالى جعل الليل آية أي علامة يعرف بها وهي الظلام وظهور القمر فيه وللنهار علامة وهي النور وطلوع الشمس النيرة فيه وفاوت بين نور القمر وضياء الشمس ليعرف هذا من هذا كما قال تعالى " هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق " إلى قوله " لآيات لقوم يتقون " وقال تعالى " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج " الآية قال ابن جريج عن عبد الله بن كثير في قوله " فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة " قال ظلمة الليل وسدف النهار وقال ابن جريج عن مجاهد الشمس آية النهار والقمر آية الليل " فمحونا آية الليل " قال : السواد الذي في القمر وكذلك خلقه الله تعالى وقال ابن جريج قال ابن عباس : كان القمر يضئ كما تضئ الشمس والقمر آية الليل والشمس آية النهار فمحونا آية الليل السواد الذي في القمر وقد روى أبو جعفر بن جرير من طرق متعددة جيدة أن ابن الكواء سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال : يا أمير المؤمنين ما هذه اللطخة التي في القمر ؟ فقال ويحك أما تقرأ القرآن ؟ فمحونا آية الليل فهذه محوه . وقال قتادة في قوله " فمحونا آية الليل " كنا نحدث أن محو آية الليل سواد القمر الذي فيه وجعلنا آية النهار مبصرة أي منيرة وخلق الشمس أنور من القمر وأعظم وقال ابن أبي نجيح عن ابن عباس " وجعلنا الليل والنهار آيتين " قال ليلا ونهارا كذلك خلقهما الله عز وجل . وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيمة كتبا يلقه منشورا ( 13 ) اقرأ كتبك كفى بنفسك ‹ صفحة 30 › اليوم عليك حسيبا ( 14 )
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
التفسير الأصفى - الفيض الكاشاني - ج 1 - ص 672 - 673
وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) * . ‹ صفحة 673 › قال : " أمر الله جبرئيل أن يمحو ضوء القمر فمحاه ، فأثر المحو في القمر خطوطا سوداء ، ولو أن القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس ولم يمح 1 ، لما عرف الليل من النهار ، ولا النهار من الليل ، ولا علم الصائم كم يصوم ، ولاعرف الناس عدد السنين ، وذلك قول الله : " وجعلنا الليل " الآية " 2 .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير مجمع البيان - الشيخ الطبرسي - ج 6 - ص 225
وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا ( 12 ) ) * . اللغة : مبصرة أي : مضيئة منيرة نيرة . قال أبو عمرو : أراد تبصر بها ، كما يقال : ليل نائم وسر كاتم . وقال الكسائي : العرب تقول : أبصر النهار : إذا أضاء . وقيل : المبصرة التي أهلها بصراء فيها ، كما يقال رجل مخبث أي : أهله خبثاء ، ومضعف أي : أهله ضعفاء ، ولا يكتب الواو في يدع في المصحف ، وهي ثابتة في المعنى .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج 3 - ص 181
وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتطلبوا في بياض النهار أسباب معايشكم ولتعلموا باختلافهما ومقاديرهما عدد السنين والحساب وكل شئ تفتقرون إليه في أمر الدين والدنيا فصلناه تفصيلا بيناه بيانا غير ملتبس في نهج البلاغة وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها وقمرها آية ممحوة من ليلها وأجراهما في مناقل مجراهما وقدر مسيرهما في مدارج مدرجهما ليتميز بين الليل والنهار بهما وليعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما . وفي العلل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل ما بال الشمس والقمر لا يستويان في الضوء والنور قال لما خلقهما الله عز وجل أطاعا ولم يعصيا شيئا فأمر الله جبرئيل أن يمحو ضوء القمر فمحاه فأثر المحو في القمر خطوطا سوداء ولو أن القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس لم يمح لما عرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ولا علم الصائم كم يصوم ولا عرف الناس عدد السنين وذلك قول الله عز وجل وجعلنا الليل والنهار آيتين الآية . وفي الاحتجاج قال ابن الكوا لأمير المؤمنين عليه السلام أخبرني عن المحو الذي يكون في القمر فقال الله أكبر الله أكبر الله أكبر رجل أعمى يسأل عن مسألة عمياء أما سمعت الله يقول وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة . وعن الصادق عليه السلام لما خلق الله القمر كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين عليه السلام وهو السواد الذي ترونه . والعياشي ما يقرب من الحديثين .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 11 - ص 375
وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة " اسرى 12 أي أذهبنا اثر الابصار من الليل فالمحو قريب المعنى من النسخ يقال نسخت الشمس الظل أي ذهبت باثره ورسمه . وقد قوبل المحو في الآية بالاثبات وهو اقرار الشئ في مستقره بحيث لا يتحرك ولا يضطرب يقال أثبت الوتد في الأرض إذا ركزته فيها بحيث لا يتحرك ولا يخرج من مركزه فالمحو هو إزالة الشئ بعد ثبوته برسمه ويكثر استعماله في الكتاب . ووقوع قوله " يمحو الله ما يشاء ويثبت " بعد قوله لكل اجل كتاب واتصاله به من جانب وبقوله وعنده أم الكتاب من جانب ظاهر في أن المراد محو الكتب واثباتها في الأوقات والآجال فالكتاب الذي أثبته الله في الاجل الأول ان شاء محاه في الاجل الثاني وأثبت كتابا آخر فلا يزال يمحى كتاب ويثبت كتاب آخر . وإذا اعتبرنا ما في الكتاب من آية وكل شئ آية صح ان يقال لا يزال يمحو آية ويثبت آية
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 13 - ص 50 - 51
قوله تعالى : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) إلى آخر الآية ، قال في المجمع : مبصرة أي مضيئة منيرة نيرة قال أبو عمرو : أراد يبصر بها كما يقال : ليل نائم وسر كاتم ، وقال الكسائي : العرب تقول : أبصر النهار إذا أضاء . انتهى موضع الحاجة . ‹ صفحة 51 › الليل والنهار هما النور والظلمة المتعاقبان على الأرض من جهة مواجهة الشمس بالطلوع وزوالها بالغروب وهما كسائر ما في الكون من أعيان الأشياء وأحوالها آيتان لله سبحانه تدلان بذاتهما على توحده بالربوبية . ومن هنا يظهر ان المراد بجعلهما آيتين هو خلقهما كذلك لا خلقهما وليستا آيتين ثم جعلهما آيتين والباسهما لباس الدلالة فالاشياء كلها آيات له تعالى من جهة أصل وجودها وكينونتها الدالة على مكونها لا لوصف طار يطرء عليها . ومن هنا يظهر أيضا ان المراد بآية الليل كاية النهار نفس الليل كنفس النهار - على أن تكون الإضافة بيانية لا لامية - والمراد بمحو الليل اظلامه واخفاؤه عن الابصار على خلاف النهار . فما ذكره بعضهم ان المراد بآية الليل القمر ومحوها ما يرى في وجهه من الكلف كما أن المراد بآية النهار الشمس وجعلها مبصرة خلو قرصها عن المحو والسواد . ليس بسديد فان الكلام في الآيتين لا آيتي الآيتين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 13 - ص 51 - 52
على أن ما فرع على ذلك من قوله : ( لتبتغوا فضلا من ربكم ) الخ متفرع على ضوء النهار وظلمة الليل لا على ما يرى من الكلف في وجه القمر وخلو قرص الشمس من ذلك . ونظيره في السقوط قول بعضهم : ان المراد بآية الليل ظلمته وباية النهار ضوءه والمراد بمحو آية الليل امحاء ظلمته بضوء النهار ونظيره امحاء ضوء النهار بظلمة الليل وانما اكتفى بذكر أحدهما لدلالته على الاخر . ولا يخفى عليك وجه سقوطه بتذكر ما أشرنا إليه سابقا فان الغرض بيان وجود الفرق بين الآيتين مع كونهما مشتركتين في الآئية والدلالة ، وما ذكره من المعنى يبطل الفرق . وقوله : ( لتبتغوا فضلا من ربكم ) متفرع على قوله : ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) أي جعلناها مضيئة لتطلبوا فيه رزقا من ربكم فان الرزق فضله وعطاؤه تعالى . وذكر بعضهم ان التقدير : لتسكنوا بالليل ولتبتغوا فضلا من ربكم بالنهار الا انه حذف ( لتسكنوا بالليل ) لما ذكره في مواضع اخر وفيه ان التقدير ينافي كون الكلام مسوقا لبيان ترتب الآثار على إحدى الآيتين دون الأخرى مع كونهما معا آيتين . وقوله : ( ولتعلموا عدد السنين والحساب ) أي لتعلموا بمحو الليل وابصار النهار عدد السنين بجعل عدد من الأيام واحدا يعقد عليه ، وتعلموا بذلك حساب الأوقات ‹ صفحة 52 › والآجال ، وظاهر السياق ان علم السنين والحساب متفرع على جعل النهار مبصرا نظير تفرع ما تقدمه من ابتغاء الرزق على ذلك وذلك انا انما نتنبه للاعدام والفقدانات من ناحية الوجودات لا بالعكس والظلمة فقدان النور ولولا النور لم ننتقل لا إلى نور ولا إلى ظلمة ، ونحن وان كنا نستمد في الحساب بالليل والنهار معا ونميز كلا منهما بالآخر ظاهرا لكن ما هو الوجودي منهما أعني النهار هو الذي يتعلق به احساسنا اولا ثم نتنبه لما هو العدمي منها أعني الليل بنوع من القياس ، وكذلك الحال في كل وجودي وعدمي مقيس إليه .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج 8 - ص 419 - 420
وجعلنا الليل والنهار آيتين ثم : فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة . ولنا في ذلك هدفان : الأول : لتبتغوا فضلا من ربكم حيث تنطلقون نهارا في الكسب والعمل والمعاش مستثمرين العطايا الإلهية ، وتنعمون ليلا بالراحة والهدوء والاستقرار . والهدف الثاني فهو : ولتعلموا عدد السنين والحساب لكي لا تبقى شبهة لأحد وكل شئ فصلناه تفصيلا . بين المفسرين كلام كثير حول المقصود من " آية الليل " و " آية النهار " وفيما إذا كان ذلك كناية عن نفس الليل والنهار ، أم أن المقصود من " آية الليل " القمر ، ومن " آية النهار " الشمس ( 1 ) . ولكن التدقيق في الآية يكشف عن رجاحة التفسير الأول ، خصوصا وأن المقصود من قوله تعالى : وجعلنا الليل والنهار آيتين هو أن كل واحد منهما علامة على إثبات وجود الله ، أما محو آية الليل فهو تمزيق ظلمة الليل وحجب الظلمة فيه بواسطة نور النهار ، الذي يكشف ما كان مستورا بظلمة الليل . وإذا كانت آيات أخرى في القرآن [ آية ( 5 ) من سورة يونس ] تفيد أن الغاية من خلق الشمس والقمر هو تنظيم الحساب إلى سنين وأشهر ، فليس ثمة تنافي بين الآيتين ، إذ من الممكن أن تنتظم حياة الإنسان وحسابه على أساس الليل والنهار ، وعلى أساس الشمس والقمر من دون أي تناف بين الاثنين . في نهج البلاغة نقرأ للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قوله : " وجعل شمسها آية مبصره لنهارها ، وقمرها آية ممحوه من ليلها ، وأجراهما في مناقل مجراهما ، وقدر سيرهما في مدارج درجهما ، ليميز بين الليل والنهار بهما ، وليعلم ‹ صفحة 420 › عدد السنين والحساب بمقاديرهما " ( 1 ) . إن كلام الإمام هنا لا ينافي التفسير الأول ، لأن حساب السنين يمكن أن يكون على أساس الأيام والليالي ، كما يمكن أن يتم ذلك على أساس الشمس والقمر .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جامع البيان - إبن جرير الطبري - ج 15 - ص 63 - 65
القول في تأويل قوله تعالى : * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا ) * . يقول تعالى ذكره : ومن نعمه عليكم أيها الناس ، مخالفته بين علامة الليل وعلامة النهار ، بإظلامه علامة الليل ، وإضاءته علامة النهار ، لتسكنوا في هذا ، وتتصرفوا في ابتغاء رزق الله الذي قدره لكم بفضله في هذا ، ولتعلموا باختلافهما عدد السنين وانقضاءها ، وابتداء دخولها ، وحساب ساعات النهار والليل وأوقاتها ( وكل شئ فصلنه تفصيلا ) يقول : وكل شئ بيناه بيانا شافيا لكم أيها الناس لتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من نعمه ، وتخلصوا له العبادة ، دون الآلهة والأوثان ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، ذكر من قال ذلك : 16699 - حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي ‹ صفحة 64 › الطفيل ، قال : قال ابن الكواء ( 1 ) لعلي : يا أمير المؤمنين ، ما هذه اللطخة التي في القمر ؟ فقال : ويحك أما تقرأ القرآن ( فمحونا آية الليل ) ، فهذه محوه . 16700 - حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا طلق ، عن زائدة ، عن عاصم ، عن علي بن ربيعة ، قال : سأل ابن الكواء عليا فقال : ما هذا السواد في القمر ؟ فقال علي : ( فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) هو المحو . 16701 - حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن عمر ، قال : كنت عند علي ، فسأله ابن الكواء عن السواد الذي في القمر ؟ فقال : ذاك آية الليل محيت . 16702 - حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا عمران بن حدير ، عن رفيع بن أبي كثير قال : قال علي بن أبي طالب رضوان الله عليه : سلوا عما شئتم ، فقام ابن الكواء فقال : ما السواد الذي في لقمر ، فقال : قاتلك الله ، هلا سألت عن أمر دينك وآخرتك ؟ قال : ذلك محو الليل . 16703 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري ، قال : ثنا ابن عفير ، قال : ثنا ابن لهيعة ، عن حيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن رجلا قال لعلي : ما السواد الذي في القمر ؟ قال : إن الله يقول : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) . 16704 - حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل ) قال : هو السواد بالليل . * - حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريح ، قال : قال ابن عباس : كان القمر تضئ الشمس ، والقمر آية الليل ، والشمس آية النهار ، فمحونا آية الليل : السواد الذي في القمر . 16705 - حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن أبي زائدة ، قال : ذكر ابن جريح ، عن ‹ صفحة 65 › مجاهد ، في قوله : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) قال : الشمس آية النهار ، والقمر آية الليل ( فمحونا آية الليل ) قال : السواد الذي في القمر ، وكذلك خلقه الله . * - حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريح ، عن مجاهد ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) قال : ليلا ونهارا ، كذلك خلقهما الله . 16706 - قال ابن جريح : وأخبرنا عبد الله بن كثير ، قال : ( فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) قال : ظلمة الليل وسدفة ( 1 ) النهار . 16707 - حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) : أي منيرة ، وخلق الشمس أنور من القمر وأعظم . * - حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، وحدثني الحرث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) قال : ليلا ونهارا ، كذلك جعلهما الله . واختلف أهل العربية في معنى قوله : ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) فقال بعض نحويي الكوفة معناها : مضيئة ، وكذلك قوله : ( والنهار مبصرا ) ( 2 ) معناه : مضيئا ، كأنه ذهب إلى أنه قيل مبصرا ، لإضاءته للناس البصر ، وقال آخرون : بل هو من أبصر النهار : إذا صار الناس يبصرون فيه فهو مبصر ، كقوله : رجل مجبن : إذا كان أهله وأصحابه جبناء ، ورجل مضعف : إذا كانت رواته ضعفاء ، فكذلك النهار مبصرا : إذا كان أهله بصراء
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله مالك الملك
قوله تعالى (َ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ وَ كُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً)(الإسراء 12)
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصل الله عل محمد واله الائمة والمهديين وسلم تسليما
تفاسير السنة :
تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج 6 - ص 88
مقاتل بن علي عن عكرمة عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله تعالى لما أبرم خلقه فلم يبق من خلقه غير آدم خلق شمسا من نور عرشه وقمرا فكانا جميعا شمسان فأما ما كان في سابق علم الله أن يدعها شمسا فإنه خلقها مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها وأما ما كان في سابق علمه أن يطمسها فيحولها قمرا فخلقها دون الشمس من العظيم ولكن إنما يرى صغرهما من شدة ارتفاع السماء وبعدها من الأرض ، فلو ترك الله الشمس والقمر كما خلقهما لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ولا كان يدرك الأجير إلى متى يعمل ومتى يأخذ أجره ولا يدري الصائم إلى متى يصوم ومتى يفطر ، ولا تدري المرأة كيف تعتد ولا يدري المسلمون متى وقت صلاتهم ومتى وقت حجهم ، ولا يدري الديان متى يحل دينهم ولا تدري الناس متى يبذرون ويزرعون لمعاشهم ومتى يسكنون لراحة أبدانهم فكان الرب سبحانه أنظر لعباده وأرحم بهم فأرسل جبرائيل ( فأمر ) جناحه على وجه القمر وهو يومئذ شمس فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور ، فذلك قوله تعالى " * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) * ) ( والسواد ) الذي ترونه في جوف القمر يشبه الخطوط ، فهو أثر المحو .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير السمعاني - السمعاني - ج 3 - ص 224 - 225
قوله : * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) أي : علامتين دالتين على أن لهما إلها واحدا . وقيل : علامتين على الليل والنهار ، والمراد من الليل والنهار : هو الشمس والقمر . وقوله : * ( فمحونا آية الليل ) روي عن علي وابن عباس أنهما قالا : المحو هو السواد الذي في القمر . وفي بعض الآثار أن ابن الكواء قام إلى علي فسأله عن هذا فقال : أعمى - أراد عمى القلب - يسأل عن عمياء ! ثم قال : هو السواد الذي في القمر ، وقيل : إن معنى قوله : * ( فمحونا آية الليل ) أي : جعلنا الليل بحيث لا يبصر فيه كما [ لا ] يبصر الكتاب إذا محي . وقال قتادة وجماعة من المفسرين ، وهو محكي أيضا عن ابن عباس قالوا : إن الله تعالى خلق الشمس والقمر مضيئين نيرين كل واحد منهما مثل الآخر في الضياء ، فلم يكن يعرف الليل من النهار ، والنهار من الليل ، فأمر جبريل حتى مسح بجناحه ‹ صفحة 225 › * ( وكل شيء فصلناه تفصيلا ( 12 ) وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ( 13 ) اقرأ كتابك ) * * وجه القمر . قال مقاتل : انتقص مما كان تسعة وستون جزءا ، وبقي جزء واحد . وقوله : * ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) أي : مضيئة نيرة ، وقيل : ذات أبصار أي : يبصر بها . وقوله : * ( لتبتغوا فضلا من ربكم ) بالنهار .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير النسفي - النسفي - ج 2 - ص 280
( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) * أي الليل والنهار آيتان في أنفسهما فتكون الإضافة في آية الليل وآية النهار للتبيين كإضافة العدد إلى المعدود أي فمحونا الآية التي هي الليل وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة أو وجعلنا نيرى الليل والنهار آيتيتن يريد الشمس والقمر فمحونا آية الليل التي هي القمر حيث لم يخلق له شعاعا كشعاع الشمس فترى الأشياء به رؤية بينة وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء * ( لتبتغوا فضلا من ربكم ) * لتتوصلوا ببياض النهار إلى التصرف في معايشكم * ( ولتعلموا ) * باختلاف الجديدين * ( عدد السنين والحساب ) * يعنى حساب الآجال ومواسم الأعمال ولو كانا مثلين لما عرف الليل من النهار ولا استراح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
زاد المسير - ابن الجوزي - ج 5 - ص 11 - 12
وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا " 12 " قوله تعالى : * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) * أي : علامتين يدلان على قدرة خالقهما . * ( فمحونا آية الليل ) * فيه قولان : أحدهما : أن آية الليل : القمر ، ومحوها : ما في بعض القمر من الاسوداد . وإلى هذا المعنى ذهب علي [ رضي الله عنه ] ، وابن عباس في آخرين . والثاني : آية الليل محيت بالظلمة التي جعلت ملازمة لليل ; فنسب المحو إلى الظلمة إذ كانت تمحو الأنوار وتبطلها ، ذكره ابن الأنباري . ويروى أن الشمس والقمر كانا في النور والضوء سواء ، فأرسل الله جبريل فأمر جناحه على وجه القمر وطمس عنه الضوء . قوله تعالى : * ( وجعلنا آية النهار ) * يعني : الشمس * ( مبصرة ) * فيه ثلاثة أقوال : أحدها : منيرة ، قاله قتادة . قال ابن الأنباري : وإنما صلح وصف الآية بالإبصار على جهة المجاز ، كما يقال : لعب الدهر ببني فلان . والثاني : أن معنى * ( مبصرة ) * : مبصرا بها ، قاله ابن قتيبة . ‹ صفحة 12 › والثالث : أن معنى * ( مبصرة ) * مبصرة ، فجرى " مفعل " ، مجرى " مفعل " ، والمعنى : أنها تبصر الناس ، أي : تريهم الأشياء ، قاله ابن الأنباري . ومعاني الأقوال تتقارب . قوله تعالى : * ( لتبتغوا فضلا من ربكم ) * أي : لتبصروا كيف تتصرفون في أعمالكم وتطلبون رزقكم بالنهار * ( ولتعلموا عدد السنين والحساب ) * بمحو آية الليل ، ولولا ذلك ، لم يعرف الليل من النهار ، ولم يتبين العدد . * ( وكل شئ ) * أي : ما يحتاج إليه ، * ( فصلناه تفصيلا ) * بيناه تبيينا لا يلتبس معه بغيره .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير القرطبي - القرطبي - ج 10 - ص 227 - 228
قوله تعالى : وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلنه تفصيلا ( 12 ) قوله تعالى : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) أي علامتين على وحدانيتنا ووجودنا وكمال علمنا وقدرتنا . والآية فيهما : إقبال كل منهما من حيث لا يعلم ، وإدباره إلى حيث لا يعلم . ونقصان أحدهما بزيادة الآخر وبالعكس آية أيضا . وكذلك ضوء النهار وظلمة الليل . وقد مضى هذا . ( 1 ) . ( فمحونا آية الليل ) ولم يقل : فمحونا الليل ، فلما أضاف الآية إلى الليل والنهار دل على أن الآيتين المذكورتين لهما لا هما . و " محونا " معناه طمسنا . وفى الخبر أن الله تعالى أمر جبريل عليه السلام فأمر جناحه على وجه القمر فطمس عنه الضوء وكان كالشمس في النور ، والسواد الذي يرى في القمر من أثر المحو . قال ابن عباس : جعل الله الشمس سبعين جزءا والقمر سبعين جزءا ، فمحا من نور القمر تسعة وستين جزءا فجعله مع نور الشمس ، فالشمس على مائة ( وتسع ) وثلاثين جزءا والقمر على جزء واحد . وعنه أيضا : خلق الله شمسين من نور عرشه ، وجعل ما سبق في علمه أن يكون شمسا مثل الدنيا على قدرها ما بين مشارقها إلى مغاربها ، وجعل القمر دون الشمس ، فأرسل جبريل عليه السلام فأمر جناحه على وجهه ثلاث مرات وهو يومئذ شمس فطمس ضوءه وبقى نوره ، فالسواد الذي ترونه في القمر أثر المحو ، ولو تركه شمسا لم يعرف الليل من النهار ذكر ‹ صفحة 228 › عنه الأول الثعلبي ، والثاني المهدوي ، وسيأتي مرفوعا . وقال على رضي الله عنه وقتادة : يريد بالمحو اللطخة السوداء التي في القمر ، ليكون ضوء القمر أقل من ضوء الشمس فيتميز به الليل من النهار . ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) أي جعلنا شمسه مضيئة للأبصار . قال أبو عمرو بن العلاء : أي يبصر بها . قال الكسائي : وهو من قول العرب أبصر النهار إذا أضاء ، وصار بحالة يبصر بها . وقيل : هو كقولهم خبيث مخبث إذا كان أصحابه خبثاء . ورجل مضعف إذا كانت دوابه ضعافا ، فكذلك النهار مبصرا إذا كان أهله بصراء .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
دقائق التفسير - ابن تيمية - ج 2 - ص 218 - 219
( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب ) * وهذا والله أعلم لمعنى تظهر به حكمة ما في الكتاب وما جاءت به الشريعة من اعتبار الشهر والعام الهلالي دون الشمسي إن كل واحد من الشهر والعام ينقسم في اصطلاح الأمم إلى عددي وطبيعي فأما الشهر الهلالي فهو طبيعي وسنته عددية واما الشهر الشمسي فعددي وسنته طبيعية فأما جعل شهرنا هلاليا فحكمته ظاهرة لأنه طبيعي وإنما علق بالهلال دون الاجتماع لأنه أمر مضبوط بالحس لا يدخله ‹ صفحة 219 › خلل ولا يفتقر إلى حساب بخلاف الاجتماع فإنه أمر خفي يفتقر إلى حساب وبخلاف الشهر الشمسي لو ضبط وأما السنة الشمسية فإنها وإن كانت طبيعية فهي من جنس الاجتماع ليس أمرا ظاهرا للحس بل يفتقر إلى حساب سير الشمس في المنازل وإنما الذي يدركه الحس تقريب ذلك فإن انقضاء الشتاء ودخول الفصل الذي تسميه العرب الصيف ويسميه غيرها الربيع أمر ظاهر بخلاف محاذاة الشمس لجزء من أجزاء الفلك يسمى برج كذا أو محاذاتها لإحدى نقطتي الرأس أو الذنب فإنه يفتقر إلى حساب ولما كانت البروج اثني عشر فمتى تكرر الهلالي اثني عشر فقد انتقل فيها كلها فصار ذلك سنة كاملة تعلقت به أحكام ديننا من المؤقتات شرعا أو شرطا إما بأصل الشرع كالصيام والحج وإما بسبب من العبد كالعدة ومدة الإيلاء وصوم الكفارة والنذر وإما بالشرط كالأجل في الدين والخيار والأيمان وغير ذلك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير ابن كثير - ابن كثير - ج 3 - ص 29 - 30
وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلنه تفصيلا ( 12 ) يمتن تعالى على خلقه بآياته العظام فمنها مخالفته بين الليل والنهار ليسكنوا في الليل وينتشروا في النهار للمعايش والصنائع والأعمال والاسفار وليعلموا عدد الأيام والجمع والشهور والأعوام ويعرفوا مضي الآجال المضروبة للديون والعبادات والمعاملات والإجارات وغير ذلك لهذا قال " لتبتغوا فضلا من ربكم " أي في معايشكم وأسفاركم ونحو ذلك " ولتعلموا عدد السنين والحساب " فإنه لو كان الزمان كله نسقا واحدا وأسلوبا متساويا لما عرف شئ من ذلك كما قال تعالى " قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون * قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون * ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون " وقال تعالى " تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا . وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا " وقال تعالى " وله اختلاف الليل والنهار " وقال " يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار " وقال تعالى " فالق الاصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم " وقال تعالى " وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون . والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم " ثم إنه تعالى جعل الليل آية أي علامة يعرف بها وهي الظلام وظهور القمر فيه وللنهار علامة وهي النور وطلوع الشمس النيرة فيه وفاوت بين نور القمر وضياء الشمس ليعرف هذا من هذا كما قال تعالى " هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق " إلى قوله " لآيات لقوم يتقون " وقال تعالى " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج " الآية قال ابن جريج عن عبد الله بن كثير في قوله " فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة " قال ظلمة الليل وسدف النهار وقال ابن جريج عن مجاهد الشمس آية النهار والقمر آية الليل " فمحونا آية الليل " قال : السواد الذي في القمر وكذلك خلقه الله تعالى وقال ابن جريج قال ابن عباس : كان القمر يضئ كما تضئ الشمس والقمر آية الليل والشمس آية النهار فمحونا آية الليل السواد الذي في القمر وقد روى أبو جعفر بن جرير من طرق متعددة جيدة أن ابن الكواء سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال : يا أمير المؤمنين ما هذه اللطخة التي في القمر ؟ فقال ويحك أما تقرأ القرآن ؟ فمحونا آية الليل فهذه محوه . وقال قتادة في قوله " فمحونا آية الليل " كنا نحدث أن محو آية الليل سواد القمر الذي فيه وجعلنا آية النهار مبصرة أي منيرة وخلق الشمس أنور من القمر وأعظم وقال ابن أبي نجيح عن ابن عباس " وجعلنا الليل والنهار آيتين " قال ليلا ونهارا كذلك خلقهما الله عز وجل . وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيمة كتبا يلقه منشورا ( 13 ) اقرأ كتبك كفى بنفسك ‹ صفحة 30 › اليوم عليك حسيبا ( 14 )
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الإتقان في علوم القرآن - السيوطي - ج 2 - ص 519
أخرج البيهقي في الدلائل عن سعيد المقبري أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السواد الذي في القمر فقال ( كانا شمسين فقال الله * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل ) * فالسواد الذي رأيت هو المحو )
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج 4 - ص 167
وأخرج ابن أبى شيبة عن عطاء بن السائب رضي الله عنه قال أخبرني غير واحد ان قاضيا من قضاة الشام أتى عمر رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين رأيت رؤيا أفظعتني قال وما رأيت قال رأيت الشمس والقمر يقتتلان والنجوم معهما نصفين قال فمع أيهما كنت قال مع القمر على الشمس قال عمر رضي الله عنه وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة فانطلق فوالله لا تعمل لي عملا ابدا قال عطاء رضي الله عنه فبلغني انه قتل مع معاوية يوم صفين * وأخرج ابن عساكر عن علي زيد رضي الله عنه قال سال ابن الكوا عليا رضي الله عنه عن السواد الذي في القمر قال هو قول الله تعالى فمحونا آية الليل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فتح القدير - الشوكاني - ج 3 - ص 215
وقد أخرج البيهقي في دلائل النبوة وابن عساكر عن سعيد المقبري " أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن السواد الذي في القمر ، فقال : كانا شمسين قال الله ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل ) فالسواد الذي رأيت هو المحو . وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم معنى هذا بأطول منه . قال السيوطي : وإسناده واه . وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن علي في قوله ( فمحونا آية الليل ) قال : هو السواد الذي في القمر ، وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس نحوه . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) قال : منيرة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج 15 - ص 27
وابن عساكر عن سعيد المقبري أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السواد الذي في القمر فقال : كانا شمسين وقال قال الله تعالى : * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل ) * فالسواد الذي رأيت هو المحو ، وفي حديث طويل أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه بسند واه عن ابن عباس مرفوعا أن الله تعالى خلق شمسين من نور عرشه فارسل جبريل عليه السلام فأمر جناحه على وجه القمر وهو يومئذ شمس ثلاث مرات فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور وذلك قوله تعالى : * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) * الآية إلى غير ذلك من الآثار ، والفاء على هذا للتعقيب ، وجعل آية النهار وهي الشمس مبصرة على نحو ما تقدم فتبصر ، وقيل محو القمر اما خلقه كمدا مطموس النور غير مشرق بالذات على ما ذكره أهل الهيئة من أنه غير مضيء في نفسه بل نوره مستفاد من ضوء الشمس فالفاء تفسيرية كما مر وإما نقص ما استفاده من الشمس شيئا فشيئا بحسب الرؤية والإحساس إلى أن ينمحق على ما هو معنى المحو فالفاء للتعقيب ، وذكر الإمام في محوه قولين ، احدهما نقص نوره قليلا قليلا إلى المحاق ، وثانيهما جعله ذا كلف ثم قال : حمله على الوجه الأول أولى لأن اللام في الفعلين بعد متعلق بما هو المذكور قبل وهو محو آية الليل وجعل آية النهار مبصرة ، ومحو آية الليل إنما يؤثر في ابتغاء فضل الله تعالى إذا حملنا محو القمر على زيادة نورة القمر ونقصانه لأن سبب حصول هذه الآية مختلف باختلاف أحوال نور القمر وأهل التجارب أثبتوا أن اختلاف أحوال القمر في مقادير النور له أثر عظيم في أحوال هذا العالم ومصالحه مثل أحوال البحار في المد والجزر ومثل أحوال البحرانات على ما يذكره الأطباء في كتبهم ، وأيضا بسبب زيادة نور القمر ونقصانه يحصل الشهور وبسبب معاودة الشهور يحصل السنون العربية المبنية على رؤية الهلال كما قال سبحانه *
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج 15 - ص 27 - 28
وأنت تعلم أنه متى دل أثر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكرناه أولا لا ينبغي أن يدعي أن غيره أولى ، وهو لعمري وجه لا كلف فيه عند من له عين مبصرة ، وللفلاسفة في هذا المحو المرئى في وجه القمر كلام طويل لا بأس بأن تحيط به خبرا فنقول : ذكر الإمام في المباحث المشرقية أن امتناع بعض المواضع في وجه القمر عن قبول الضوء التام إما أن يكون بسبب خارج عن جرم القمر أو غير خارج عند فإن كان بسبب خارج فإما أن يكون لمثل ما يعرض للمرايا من وقوعاشباح الأشياء فيها فإذا رؤيت تلك الأشياء لم تر براقة فكذلك القمر لما تصورت فيه أشباح الجبال والبحار وجب أن لا ترى تلك المواضع في غاية الاستنارة ، وإما أن يكون ذلك بسبب ساتر والأول باطل ، أما أولا فلأن الأشباح لا تنحفظ هيآتها مع حركة المرآة وبتقدير سكونها لا تستقر تلك الأشباح فيها عند اختلاف مقامات الناظرين والآثار التي في وجه القمر ليست كذلك ، وأما ثانيا فلأن القمر ينعكس الضوء عنه إلى البصر وما كان كذلك لم يصلح للتخييل ، وأما ثالثا فلأنه كان يجب أن تكون تلك الآثار كالكرات لأن الجبال في الأرض كتضريس أو خشونة في سطح كرة وليس لها من المقدار قدر ما يؤثر في كرية الأرض فكيف لأشباحها المرئية في المرآة . ‹ صفحة 28 › وأما إن كان ذلك بسبب ساتر فذلك الساتر إما أن يكون عنصريا أو سماويا والأول باطل ، أما أولا فلأنه كان يجب أن يكون المواضع المتسترة من جرم القمر مختلفة باختلاف مقامات الناظرين ، وأما ثانيا فلأن ذلك الساتر لا يكون هواء صرفا ولا نارا صرفة لأنهما شفافان فلا يحجبان بل لا بد وأن يكون مركبا إما بخارا وإما دخانا وذلك لا يكون مستمرا ، وأما إن كان الساتر سماويا فهو الحق وذلك إنما يكون لقيام أجسام سماوية قريبة المكان جدا من القمر وتكون من الصغر بحيث لا يرى كل واحد منها بل جملتها على نحو مخصوص من الشكل وتكون إما عديمة الضوء أو لها ضوء أضعف من ضوء القمر فترى في حالة إضاءته مظلمة ، وأما إن كان ذلك بسبب عائد إلى ذات القمر فلا يخلو إما أن يكون جوهر ذلك الموضع مساويا لجواهر المواضع المستنيرة من القمر في الماهية أو لا يكون فإن لم يكن كان ذلك لارتكاز أجرام سماوية مخالفة بالنوع للقمر في جرمه كما ذكرناه قبل وهو قريب منه . وإما أن تكون تلك المواضع مساوية الماهية لجرم القمر فحينئذ يمتنع اختصاصها بتلك الآثار إلا بسبب خارجي لكنه قد ظهر لنا أن الأجرام السماوية لا تتأثر بشيء عنصري وبذلك أبطل قول من قال : إن ذلك المحو بسبب انسحاق عرض القمر من مماسة النار ، أما أولا فلأن ذلك يوجب أن يتأدى ذلك في الأزمان الطويلة إلى العدم والفساد بالكلية والأرصاد المتوالية مكذبة لذلك ، وأيضا القمر غير مماس للنار لأنه مفرق في ذلك تدويره الذي هو في حامله الذي بينه وبين النار بعد بعيد بدليل أن النار لو كانت ملاقية لحامله لتحركت بحركته إلى المشرق وليس كذلك لأن حركات الشهب في الأكثر لا تكون إلا إلى جهة المغرب وتلك الحركة تابعة لحركة النار والحركة المستديرة ليست للنار بذاتها فإنها مستقيمة الحركة فذلك لها بالعرض تبعا لحركة الكل فبطل ما قالوه اه .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج 15 - ص 28 - 29
وذكر الآمدي في أبكار الأفكار زيادة على ما يفهم مما ذكر من الأقوال وهي أن منهم من قال : إن ما يرى خيال لا حقيقة له ، ورده بأنه لو كان كذلك لاختلف الناظرون فيه ؛ ومنهم من قال : إنه السواد الكائن في القمر في الجانب الذي لا يلي الشمس ، ورده بأنه لو كان كذلك لما رؤي متفرقا ، ومنهم من قال : إنه وجه القمر فإنه مصور بصوة وجه الإنسان وله عينان وحاجبان وأنف وفم ، ورده بأنه مع بعده يوجب أن يكون فعل الطبيعة عندهم معطلا عن الفائدة لأن فائدة الحاجبين عندهم دفع أذى العرق عن العينين وفائدة الأنفس الشم وفائدة الفم دخول الغذاء وليس للقمر ذلك ، وقد رد عليهم رحمة الله تعالى عليه سائر ما ذكروه . وذكر الإمام في التفسير أن آخر ما ذكره الفلاسفة في ذلك أنه ارتكن في وجه القمر أجسام قليلة الضوء مثل ارتكاز الكواكب في أجرام الأفلاك ولما كانت تلك الأجرام أقل ضوأ من جرم القمر لا جرم شوهدت في وجهه كالكلف في وجه الإنسان وفي ارتكازها في بعض أجزائه دون بعض كونه متشابه الأجزاء عندهم دليل على الصانع المختار كما أن في تخصيص بعض أجزائه بالنور القوي وبعضها بالنور الضعيف مع تشابه الأجزاء دليلا على ذلك . ومثل هذا التخصيص في الدلالة تخصيص بعض جوانب الفلك الذي هو عندهم أيضا جرم بسيط متشابه الأجزاء بارتكاز الكواكب فيه دون البعض الآخر . وزعم بعض أهل الآثار أنه مكتوب في وجه القمر لا إله إلا الله ، وقيل لفظ جميل ، وقيل غير ذلك ‹ صفحة 29 › وأن المحو المرئى هو تلك الكتابة ولا يعول على شيء من ذلك ، نعم مكتوب على كل شيء لا إله إلا الله وكذا جميل ولكن ذلك بمعنى آخر كما لا يخفى .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج 15 - ص 29 - 30
ونقل لي عن أهل الهيئة الجديدة أنهم يزعمون أن القمر كالأرض فيه الجبال والوهاد والأشجار والبحار وأنهم شاهدوا ذلك في أرصادهم وأن المواضع التي لا يرى فيها محوهي البحار والتي فيها محوهى أرضي غير مستوية وزعموا أنه لو وصل أحد إلى القمر لرأى الأرض كذلك ومن هنا قالوا لا يبعد أن يكون معمورا بخلائق نحو عمارة الأرض بل قالوا : إن جميع الكواكب مثله في ذلك قياسا عليه وإن كانت لا يرى فيها لمزيد بعدها ما يرى فيه وبعيد من الحكمة أن يعمر الله تعالى الأرض بالخلق على صغرها ويترك أجساما عظيمة أكثرها أعظم من الأرض خالية بلا خلق على كبرها وهم منذ غرهم القمر تشبثوا بحباله في عمل الحيل للعروج إليه فصنعوا سفنا زئبقية فعرجوا فيها فقبل أن يصلوا إلى كرة البخار انتفخت أجسامهم وضلت كما ضلت من قبل أفهامهم فانقلبوا صاغرين وهبطوا خاسئين ، وأنت تعلم أن كلامهم في هذا الباب مخالف لأصول الفلسفة ولا برهان لهم عليه سوى السفه ومنشؤه محض أنهم رأوا شيئا في القمر ولم يتحققوه وظنوه ما ظنوه وأي مانع من أن يكون قد جعل الله تعالى المحو على وجه يتخيل فيه ذلك بل لا مانع على أصولنا من أن يقال : قد جعل الله تعالى في القمر أجراما تشبه ما حسبوه لكن لم يرد في ذلك شيء عن الصادق صلى الله عليه وسلم وهو الذي عرج به إلى قاب قوسين أو أدنى ، وما ذكروه من أنه بعيد من الحكمة أن يعمر الله تعالى الأرض الخ يلزم عليه أن يكون ما بين الكواكب ككواكب الدب الأكبر مثلا معمورا بالخلائق كالأرض أيضا فإنه أوسع منها بأضعاف مضاعفة وهم لا يقولون به على انا نقول قد جاء " أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك راكع أو ساجد " فيجوز أن يكون على جرم القمر ملائكة يعبدون الله تعالى بما شاء وكيف شاء بل يجوز أن يكون عند كل ذرة من ذراته ملك كذلك وهذا نوع من العمارة بالخلق ، والأحسن عند من عز عليه وقته عدم الالتفات إلى مثل هذه الخرافات وتضييع الوقت في ردها والله سبحانه الموفق ، ثم ما تقدم من أن المحو نقص ما استفاده القمر من الشمس شيئا فشيئا فيه القول بأن نور القمر مستفاد من نور الشمس وقد عد الجل من العلماء ذلك في الحدسيات وذكروا أن الشمس مضيئة بنفسها وكلا الأمرين مما ذكره الفلاسفة وليس له في الشرع مستند يعول عليه ، وقد نقله الآمدي وتعقبه فقال : ذكروا أن الشمس نيرة بنفسها وما المانع من كونها سوداء الجرم والله تعالى يخلق فيها النور في أوقات مشاهدتنا لها ، وأن تكون مستنيرة من كواكب أخرى فوقها وهي مستورة عنا ببعض الاجرام السماوية المظلمة كما يحدث للشمس في حالة الكسوف ، وإن سلمنا أنها نيرة بنفسها فلا نسلم أن نور القمر مستفاد منها وما المانع من كون الرب تعالى يخلق فيه النور في وقت دون وقت أو أن يكون مع كونه مركوزا في فلكه دائرا على مركز نفسه وأحد وجهيه نير والآخر مظلم كما كان بعض أجزاء الفلك شفافا وبعضها نيرا وهو متحرك بحركة مساوية لحركة فلكه ويكون وجهه المضيء عند مقابلة الشمس وهو الذي يلينا ويكون الزيادة والنقصان فيما يظهر لنا على حسب بعده وقربه من الشمس فلا يكون مستنيرا من الشمس اه . وأورد أنه إذا ضم الخسوف إلى الزيادة والنقصان قربا وبعدا لا يتم ما ذكره وصح ما ذكروه من الاستفادة . ‹ صفحة 30 › وأجيب بأنه ما المانع من أن يكون الخسوف لحيلولة جرم علوي بيننا وبينه لا لحيلولة الأرض بينه وبين الشمس فلا بد لنفي ذلك من دليل فافهم والله تعالى أعلم وهو المتصرف في ملكه كيفما يشاء * ( لتبتغوا ) * متعلق بقوله تعالى : * ( وجعلنا آية النهار ) * وفي الكلام مقدر أي جعلنا آية النهار مبصرة لتطلبوا لأنفسكم فيه .
أخرج البيهقي في الدلائل عن سعيد المقبري أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السواد الذي في القمر فقال ( كانا شمسين فقال الله * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل ) * فالسواد الذي رأيت هو المحو )
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج 4 - ص 167
وأخرج ابن أبى شيبة عن عطاء بن السائب رضي الله عنه قال أخبرني غير واحد ان قاضيا من قضاة الشام أتى عمر رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين رأيت رؤيا أفظعتني قال وما رأيت قال رأيت الشمس والقمر يقتتلان والنجوم معهما نصفين قال فمع أيهما كنت قال مع القمر على الشمس قال عمر رضي الله عنه وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة فانطلق فوالله لا تعمل لي عملا ابدا قال عطاء رضي الله عنه فبلغني انه قتل مع معاوية يوم صفين * وأخرج ابن عساكر عن علي زيد رضي الله عنه قال سال ابن الكوا عليا رضي الله عنه عن السواد الذي في القمر قال هو قول الله تعالى فمحونا آية الليل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فتح القدير - الشوكاني - ج 3 - ص 215
وقد أخرج البيهقي في دلائل النبوة وابن عساكر عن سعيد المقبري " أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن السواد الذي في القمر ، فقال : كانا شمسين قال الله ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل ) فالسواد الذي رأيت هو المحو . وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم معنى هذا بأطول منه . قال السيوطي : وإسناده واه . وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن علي في قوله ( فمحونا آية الليل ) قال : هو السواد الذي في القمر ، وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس نحوه . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) قال : منيرة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج 15 - ص 27
وابن عساكر عن سعيد المقبري أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن السواد الذي في القمر فقال : كانا شمسين وقال قال الله تعالى : * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل ) * فالسواد الذي رأيت هو المحو ، وفي حديث طويل أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه بسند واه عن ابن عباس مرفوعا أن الله تعالى خلق شمسين من نور عرشه فارسل جبريل عليه السلام فأمر جناحه على وجه القمر وهو يومئذ شمس ثلاث مرات فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور وذلك قوله تعالى : * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) * الآية إلى غير ذلك من الآثار ، والفاء على هذا للتعقيب ، وجعل آية النهار وهي الشمس مبصرة على نحو ما تقدم فتبصر ، وقيل محو القمر اما خلقه كمدا مطموس النور غير مشرق بالذات على ما ذكره أهل الهيئة من أنه غير مضيء في نفسه بل نوره مستفاد من ضوء الشمس فالفاء تفسيرية كما مر وإما نقص ما استفاده من الشمس شيئا فشيئا بحسب الرؤية والإحساس إلى أن ينمحق على ما هو معنى المحو فالفاء للتعقيب ، وذكر الإمام في محوه قولين ، احدهما نقص نوره قليلا قليلا إلى المحاق ، وثانيهما جعله ذا كلف ثم قال : حمله على الوجه الأول أولى لأن اللام في الفعلين بعد متعلق بما هو المذكور قبل وهو محو آية الليل وجعل آية النهار مبصرة ، ومحو آية الليل إنما يؤثر في ابتغاء فضل الله تعالى إذا حملنا محو القمر على زيادة نورة القمر ونقصانه لأن سبب حصول هذه الآية مختلف باختلاف أحوال نور القمر وأهل التجارب أثبتوا أن اختلاف أحوال القمر في مقادير النور له أثر عظيم في أحوال هذا العالم ومصالحه مثل أحوال البحار في المد والجزر ومثل أحوال البحرانات على ما يذكره الأطباء في كتبهم ، وأيضا بسبب زيادة نور القمر ونقصانه يحصل الشهور وبسبب معاودة الشهور يحصل السنون العربية المبنية على رؤية الهلال كما قال سبحانه *
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج 15 - ص 27 - 28
وأنت تعلم أنه متى دل أثر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكرناه أولا لا ينبغي أن يدعي أن غيره أولى ، وهو لعمري وجه لا كلف فيه عند من له عين مبصرة ، وللفلاسفة في هذا المحو المرئى في وجه القمر كلام طويل لا بأس بأن تحيط به خبرا فنقول : ذكر الإمام في المباحث المشرقية أن امتناع بعض المواضع في وجه القمر عن قبول الضوء التام إما أن يكون بسبب خارج عن جرم القمر أو غير خارج عند فإن كان بسبب خارج فإما أن يكون لمثل ما يعرض للمرايا من وقوعاشباح الأشياء فيها فإذا رؤيت تلك الأشياء لم تر براقة فكذلك القمر لما تصورت فيه أشباح الجبال والبحار وجب أن لا ترى تلك المواضع في غاية الاستنارة ، وإما أن يكون ذلك بسبب ساتر والأول باطل ، أما أولا فلأن الأشباح لا تنحفظ هيآتها مع حركة المرآة وبتقدير سكونها لا تستقر تلك الأشباح فيها عند اختلاف مقامات الناظرين والآثار التي في وجه القمر ليست كذلك ، وأما ثانيا فلأن القمر ينعكس الضوء عنه إلى البصر وما كان كذلك لم يصلح للتخييل ، وأما ثالثا فلأنه كان يجب أن تكون تلك الآثار كالكرات لأن الجبال في الأرض كتضريس أو خشونة في سطح كرة وليس لها من المقدار قدر ما يؤثر في كرية الأرض فكيف لأشباحها المرئية في المرآة . ‹ صفحة 28 › وأما إن كان ذلك بسبب ساتر فذلك الساتر إما أن يكون عنصريا أو سماويا والأول باطل ، أما أولا فلأنه كان يجب أن يكون المواضع المتسترة من جرم القمر مختلفة باختلاف مقامات الناظرين ، وأما ثانيا فلأن ذلك الساتر لا يكون هواء صرفا ولا نارا صرفة لأنهما شفافان فلا يحجبان بل لا بد وأن يكون مركبا إما بخارا وإما دخانا وذلك لا يكون مستمرا ، وأما إن كان الساتر سماويا فهو الحق وذلك إنما يكون لقيام أجسام سماوية قريبة المكان جدا من القمر وتكون من الصغر بحيث لا يرى كل واحد منها بل جملتها على نحو مخصوص من الشكل وتكون إما عديمة الضوء أو لها ضوء أضعف من ضوء القمر فترى في حالة إضاءته مظلمة ، وأما إن كان ذلك بسبب عائد إلى ذات القمر فلا يخلو إما أن يكون جوهر ذلك الموضع مساويا لجواهر المواضع المستنيرة من القمر في الماهية أو لا يكون فإن لم يكن كان ذلك لارتكاز أجرام سماوية مخالفة بالنوع للقمر في جرمه كما ذكرناه قبل وهو قريب منه . وإما أن تكون تلك المواضع مساوية الماهية لجرم القمر فحينئذ يمتنع اختصاصها بتلك الآثار إلا بسبب خارجي لكنه قد ظهر لنا أن الأجرام السماوية لا تتأثر بشيء عنصري وبذلك أبطل قول من قال : إن ذلك المحو بسبب انسحاق عرض القمر من مماسة النار ، أما أولا فلأن ذلك يوجب أن يتأدى ذلك في الأزمان الطويلة إلى العدم والفساد بالكلية والأرصاد المتوالية مكذبة لذلك ، وأيضا القمر غير مماس للنار لأنه مفرق في ذلك تدويره الذي هو في حامله الذي بينه وبين النار بعد بعيد بدليل أن النار لو كانت ملاقية لحامله لتحركت بحركته إلى المشرق وليس كذلك لأن حركات الشهب في الأكثر لا تكون إلا إلى جهة المغرب وتلك الحركة تابعة لحركة النار والحركة المستديرة ليست للنار بذاتها فإنها مستقيمة الحركة فذلك لها بالعرض تبعا لحركة الكل فبطل ما قالوه اه .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج 15 - ص 28 - 29
وذكر الآمدي في أبكار الأفكار زيادة على ما يفهم مما ذكر من الأقوال وهي أن منهم من قال : إن ما يرى خيال لا حقيقة له ، ورده بأنه لو كان كذلك لاختلف الناظرون فيه ؛ ومنهم من قال : إنه السواد الكائن في القمر في الجانب الذي لا يلي الشمس ، ورده بأنه لو كان كذلك لما رؤي متفرقا ، ومنهم من قال : إنه وجه القمر فإنه مصور بصوة وجه الإنسان وله عينان وحاجبان وأنف وفم ، ورده بأنه مع بعده يوجب أن يكون فعل الطبيعة عندهم معطلا عن الفائدة لأن فائدة الحاجبين عندهم دفع أذى العرق عن العينين وفائدة الأنفس الشم وفائدة الفم دخول الغذاء وليس للقمر ذلك ، وقد رد عليهم رحمة الله تعالى عليه سائر ما ذكروه . وذكر الإمام في التفسير أن آخر ما ذكره الفلاسفة في ذلك أنه ارتكن في وجه القمر أجسام قليلة الضوء مثل ارتكاز الكواكب في أجرام الأفلاك ولما كانت تلك الأجرام أقل ضوأ من جرم القمر لا جرم شوهدت في وجهه كالكلف في وجه الإنسان وفي ارتكازها في بعض أجزائه دون بعض كونه متشابه الأجزاء عندهم دليل على الصانع المختار كما أن في تخصيص بعض أجزائه بالنور القوي وبعضها بالنور الضعيف مع تشابه الأجزاء دليلا على ذلك . ومثل هذا التخصيص في الدلالة تخصيص بعض جوانب الفلك الذي هو عندهم أيضا جرم بسيط متشابه الأجزاء بارتكاز الكواكب فيه دون البعض الآخر . وزعم بعض أهل الآثار أنه مكتوب في وجه القمر لا إله إلا الله ، وقيل لفظ جميل ، وقيل غير ذلك ‹ صفحة 29 › وأن المحو المرئى هو تلك الكتابة ولا يعول على شيء من ذلك ، نعم مكتوب على كل شيء لا إله إلا الله وكذا جميل ولكن ذلك بمعنى آخر كما لا يخفى .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج 15 - ص 29 - 30
ونقل لي عن أهل الهيئة الجديدة أنهم يزعمون أن القمر كالأرض فيه الجبال والوهاد والأشجار والبحار وأنهم شاهدوا ذلك في أرصادهم وأن المواضع التي لا يرى فيها محوهي البحار والتي فيها محوهى أرضي غير مستوية وزعموا أنه لو وصل أحد إلى القمر لرأى الأرض كذلك ومن هنا قالوا لا يبعد أن يكون معمورا بخلائق نحو عمارة الأرض بل قالوا : إن جميع الكواكب مثله في ذلك قياسا عليه وإن كانت لا يرى فيها لمزيد بعدها ما يرى فيه وبعيد من الحكمة أن يعمر الله تعالى الأرض بالخلق على صغرها ويترك أجساما عظيمة أكثرها أعظم من الأرض خالية بلا خلق على كبرها وهم منذ غرهم القمر تشبثوا بحباله في عمل الحيل للعروج إليه فصنعوا سفنا زئبقية فعرجوا فيها فقبل أن يصلوا إلى كرة البخار انتفخت أجسامهم وضلت كما ضلت من قبل أفهامهم فانقلبوا صاغرين وهبطوا خاسئين ، وأنت تعلم أن كلامهم في هذا الباب مخالف لأصول الفلسفة ولا برهان لهم عليه سوى السفه ومنشؤه محض أنهم رأوا شيئا في القمر ولم يتحققوه وظنوه ما ظنوه وأي مانع من أن يكون قد جعل الله تعالى المحو على وجه يتخيل فيه ذلك بل لا مانع على أصولنا من أن يقال : قد جعل الله تعالى في القمر أجراما تشبه ما حسبوه لكن لم يرد في ذلك شيء عن الصادق صلى الله عليه وسلم وهو الذي عرج به إلى قاب قوسين أو أدنى ، وما ذكروه من أنه بعيد من الحكمة أن يعمر الله تعالى الأرض الخ يلزم عليه أن يكون ما بين الكواكب ككواكب الدب الأكبر مثلا معمورا بالخلائق كالأرض أيضا فإنه أوسع منها بأضعاف مضاعفة وهم لا يقولون به على انا نقول قد جاء " أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك راكع أو ساجد " فيجوز أن يكون على جرم القمر ملائكة يعبدون الله تعالى بما شاء وكيف شاء بل يجوز أن يكون عند كل ذرة من ذراته ملك كذلك وهذا نوع من العمارة بالخلق ، والأحسن عند من عز عليه وقته عدم الالتفات إلى مثل هذه الخرافات وتضييع الوقت في ردها والله سبحانه الموفق ، ثم ما تقدم من أن المحو نقص ما استفاده القمر من الشمس شيئا فشيئا فيه القول بأن نور القمر مستفاد من نور الشمس وقد عد الجل من العلماء ذلك في الحدسيات وذكروا أن الشمس مضيئة بنفسها وكلا الأمرين مما ذكره الفلاسفة وليس له في الشرع مستند يعول عليه ، وقد نقله الآمدي وتعقبه فقال : ذكروا أن الشمس نيرة بنفسها وما المانع من كونها سوداء الجرم والله تعالى يخلق فيها النور في أوقات مشاهدتنا لها ، وأن تكون مستنيرة من كواكب أخرى فوقها وهي مستورة عنا ببعض الاجرام السماوية المظلمة كما يحدث للشمس في حالة الكسوف ، وإن سلمنا أنها نيرة بنفسها فلا نسلم أن نور القمر مستفاد منها وما المانع من كون الرب تعالى يخلق فيه النور في وقت دون وقت أو أن يكون مع كونه مركوزا في فلكه دائرا على مركز نفسه وأحد وجهيه نير والآخر مظلم كما كان بعض أجزاء الفلك شفافا وبعضها نيرا وهو متحرك بحركة مساوية لحركة فلكه ويكون وجهه المضيء عند مقابلة الشمس وهو الذي يلينا ويكون الزيادة والنقصان فيما يظهر لنا على حسب بعده وقربه من الشمس فلا يكون مستنيرا من الشمس اه . وأورد أنه إذا ضم الخسوف إلى الزيادة والنقصان قربا وبعدا لا يتم ما ذكره وصح ما ذكروه من الاستفادة . ‹ صفحة 30 › وأجيب بأنه ما المانع من أن يكون الخسوف لحيلولة جرم علوي بيننا وبينه لا لحيلولة الأرض بينه وبين الشمس فلا بد لنفي ذلك من دليل فافهم والله تعالى أعلم وهو المتصرف في ملكه كيفما يشاء * ( لتبتغوا ) * متعلق بقوله تعالى : * ( وجعلنا آية النهار ) * وفي الكلام مقدر أي جعلنا آية النهار مبصرة لتطلبوا لأنفسكم فيه .
تفاسير الشيعة :
التفسير الأصفى - الفيض الكاشاني - ج 1 - ص 672 - 673
وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) * . ‹ صفحة 673 › قال : " أمر الله جبرئيل أن يمحو ضوء القمر فمحاه ، فأثر المحو في القمر خطوطا سوداء ، ولو أن القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس ولم يمح 1 ، لما عرف الليل من النهار ، ولا النهار من الليل ، ولا علم الصائم كم يصوم ، ولاعرف الناس عدد السنين ، وذلك قول الله : " وجعلنا الليل " الآية " 2 .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير مجمع البيان - الشيخ الطبرسي - ج 6 - ص 225
وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا ( 12 ) ) * . اللغة : مبصرة أي : مضيئة منيرة نيرة . قال أبو عمرو : أراد تبصر بها ، كما يقال : ليل نائم وسر كاتم . وقال الكسائي : العرب تقول : أبصر النهار : إذا أضاء . وقيل : المبصرة التي أهلها بصراء فيها ، كما يقال رجل مخبث أي : أهله خبثاء ، ومضعف أي : أهله ضعفاء ، ولا يكتب الواو في يدع في المصحف ، وهي ثابتة في المعنى .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج 3 - ص 181
وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتطلبوا في بياض النهار أسباب معايشكم ولتعلموا باختلافهما ومقاديرهما عدد السنين والحساب وكل شئ تفتقرون إليه في أمر الدين والدنيا فصلناه تفصيلا بيناه بيانا غير ملتبس في نهج البلاغة وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها وقمرها آية ممحوة من ليلها وأجراهما في مناقل مجراهما وقدر مسيرهما في مدارج مدرجهما ليتميز بين الليل والنهار بهما وليعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما . وفي العلل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل ما بال الشمس والقمر لا يستويان في الضوء والنور قال لما خلقهما الله عز وجل أطاعا ولم يعصيا شيئا فأمر الله جبرئيل أن يمحو ضوء القمر فمحاه فأثر المحو في القمر خطوطا سوداء ولو أن القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس لم يمح لما عرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ولا علم الصائم كم يصوم ولا عرف الناس عدد السنين وذلك قول الله عز وجل وجعلنا الليل والنهار آيتين الآية . وفي الاحتجاج قال ابن الكوا لأمير المؤمنين عليه السلام أخبرني عن المحو الذي يكون في القمر فقال الله أكبر الله أكبر الله أكبر رجل أعمى يسأل عن مسألة عمياء أما سمعت الله يقول وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة . وعن الصادق عليه السلام لما خلق الله القمر كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين عليه السلام وهو السواد الذي ترونه . والعياشي ما يقرب من الحديثين .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 11 - ص 375
وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة " اسرى 12 أي أذهبنا اثر الابصار من الليل فالمحو قريب المعنى من النسخ يقال نسخت الشمس الظل أي ذهبت باثره ورسمه . وقد قوبل المحو في الآية بالاثبات وهو اقرار الشئ في مستقره بحيث لا يتحرك ولا يضطرب يقال أثبت الوتد في الأرض إذا ركزته فيها بحيث لا يتحرك ولا يخرج من مركزه فالمحو هو إزالة الشئ بعد ثبوته برسمه ويكثر استعماله في الكتاب . ووقوع قوله " يمحو الله ما يشاء ويثبت " بعد قوله لكل اجل كتاب واتصاله به من جانب وبقوله وعنده أم الكتاب من جانب ظاهر في أن المراد محو الكتب واثباتها في الأوقات والآجال فالكتاب الذي أثبته الله في الاجل الأول ان شاء محاه في الاجل الثاني وأثبت كتابا آخر فلا يزال يمحى كتاب ويثبت كتاب آخر . وإذا اعتبرنا ما في الكتاب من آية وكل شئ آية صح ان يقال لا يزال يمحو آية ويثبت آية
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 13 - ص 50 - 51
قوله تعالى : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) إلى آخر الآية ، قال في المجمع : مبصرة أي مضيئة منيرة نيرة قال أبو عمرو : أراد يبصر بها كما يقال : ليل نائم وسر كاتم ، وقال الكسائي : العرب تقول : أبصر النهار إذا أضاء . انتهى موضع الحاجة . ‹ صفحة 51 › الليل والنهار هما النور والظلمة المتعاقبان على الأرض من جهة مواجهة الشمس بالطلوع وزوالها بالغروب وهما كسائر ما في الكون من أعيان الأشياء وأحوالها آيتان لله سبحانه تدلان بذاتهما على توحده بالربوبية . ومن هنا يظهر ان المراد بجعلهما آيتين هو خلقهما كذلك لا خلقهما وليستا آيتين ثم جعلهما آيتين والباسهما لباس الدلالة فالاشياء كلها آيات له تعالى من جهة أصل وجودها وكينونتها الدالة على مكونها لا لوصف طار يطرء عليها . ومن هنا يظهر أيضا ان المراد بآية الليل كاية النهار نفس الليل كنفس النهار - على أن تكون الإضافة بيانية لا لامية - والمراد بمحو الليل اظلامه واخفاؤه عن الابصار على خلاف النهار . فما ذكره بعضهم ان المراد بآية الليل القمر ومحوها ما يرى في وجهه من الكلف كما أن المراد بآية النهار الشمس وجعلها مبصرة خلو قرصها عن المحو والسواد . ليس بسديد فان الكلام في الآيتين لا آيتي الآيتين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 13 - ص 51 - 52
على أن ما فرع على ذلك من قوله : ( لتبتغوا فضلا من ربكم ) الخ متفرع على ضوء النهار وظلمة الليل لا على ما يرى من الكلف في وجه القمر وخلو قرص الشمس من ذلك . ونظيره في السقوط قول بعضهم : ان المراد بآية الليل ظلمته وباية النهار ضوءه والمراد بمحو آية الليل امحاء ظلمته بضوء النهار ونظيره امحاء ضوء النهار بظلمة الليل وانما اكتفى بذكر أحدهما لدلالته على الاخر . ولا يخفى عليك وجه سقوطه بتذكر ما أشرنا إليه سابقا فان الغرض بيان وجود الفرق بين الآيتين مع كونهما مشتركتين في الآئية والدلالة ، وما ذكره من المعنى يبطل الفرق . وقوله : ( لتبتغوا فضلا من ربكم ) متفرع على قوله : ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) أي جعلناها مضيئة لتطلبوا فيه رزقا من ربكم فان الرزق فضله وعطاؤه تعالى . وذكر بعضهم ان التقدير : لتسكنوا بالليل ولتبتغوا فضلا من ربكم بالنهار الا انه حذف ( لتسكنوا بالليل ) لما ذكره في مواضع اخر وفيه ان التقدير ينافي كون الكلام مسوقا لبيان ترتب الآثار على إحدى الآيتين دون الأخرى مع كونهما معا آيتين . وقوله : ( ولتعلموا عدد السنين والحساب ) أي لتعلموا بمحو الليل وابصار النهار عدد السنين بجعل عدد من الأيام واحدا يعقد عليه ، وتعلموا بذلك حساب الأوقات ‹ صفحة 52 › والآجال ، وظاهر السياق ان علم السنين والحساب متفرع على جعل النهار مبصرا نظير تفرع ما تقدمه من ابتغاء الرزق على ذلك وذلك انا انما نتنبه للاعدام والفقدانات من ناحية الوجودات لا بالعكس والظلمة فقدان النور ولولا النور لم ننتقل لا إلى نور ولا إلى ظلمة ، ونحن وان كنا نستمد في الحساب بالليل والنهار معا ونميز كلا منهما بالآخر ظاهرا لكن ما هو الوجودي منهما أعني النهار هو الذي يتعلق به احساسنا اولا ثم نتنبه لما هو العدمي منها أعني الليل بنوع من القياس ، وكذلك الحال في كل وجودي وعدمي مقيس إليه .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج 8 - ص 419 - 420
وجعلنا الليل والنهار آيتين ثم : فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة . ولنا في ذلك هدفان : الأول : لتبتغوا فضلا من ربكم حيث تنطلقون نهارا في الكسب والعمل والمعاش مستثمرين العطايا الإلهية ، وتنعمون ليلا بالراحة والهدوء والاستقرار . والهدف الثاني فهو : ولتعلموا عدد السنين والحساب لكي لا تبقى شبهة لأحد وكل شئ فصلناه تفصيلا . بين المفسرين كلام كثير حول المقصود من " آية الليل " و " آية النهار " وفيما إذا كان ذلك كناية عن نفس الليل والنهار ، أم أن المقصود من " آية الليل " القمر ، ومن " آية النهار " الشمس ( 1 ) . ولكن التدقيق في الآية يكشف عن رجاحة التفسير الأول ، خصوصا وأن المقصود من قوله تعالى : وجعلنا الليل والنهار آيتين هو أن كل واحد منهما علامة على إثبات وجود الله ، أما محو آية الليل فهو تمزيق ظلمة الليل وحجب الظلمة فيه بواسطة نور النهار ، الذي يكشف ما كان مستورا بظلمة الليل . وإذا كانت آيات أخرى في القرآن [ آية ( 5 ) من سورة يونس ] تفيد أن الغاية من خلق الشمس والقمر هو تنظيم الحساب إلى سنين وأشهر ، فليس ثمة تنافي بين الآيتين ، إذ من الممكن أن تنتظم حياة الإنسان وحسابه على أساس الليل والنهار ، وعلى أساس الشمس والقمر من دون أي تناف بين الاثنين . في نهج البلاغة نقرأ للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قوله : " وجعل شمسها آية مبصره لنهارها ، وقمرها آية ممحوه من ليلها ، وأجراهما في مناقل مجراهما ، وقدر سيرهما في مدارج درجهما ، ليميز بين الليل والنهار بهما ، وليعلم ‹ صفحة 420 › عدد السنين والحساب بمقاديرهما " ( 1 ) . إن كلام الإمام هنا لا ينافي التفسير الأول ، لأن حساب السنين يمكن أن يكون على أساس الأيام والليالي ، كما يمكن أن يتم ذلك على أساس الشمس والقمر .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جامع البيان - إبن جرير الطبري - ج 15 - ص 63 - 65
القول في تأويل قوله تعالى : * ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا ) * . يقول تعالى ذكره : ومن نعمه عليكم أيها الناس ، مخالفته بين علامة الليل وعلامة النهار ، بإظلامه علامة الليل ، وإضاءته علامة النهار ، لتسكنوا في هذا ، وتتصرفوا في ابتغاء رزق الله الذي قدره لكم بفضله في هذا ، ولتعلموا باختلافهما عدد السنين وانقضاءها ، وابتداء دخولها ، وحساب ساعات النهار والليل وأوقاتها ( وكل شئ فصلنه تفصيلا ) يقول : وكل شئ بيناه بيانا شافيا لكم أيها الناس لتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من نعمه ، وتخلصوا له العبادة ، دون الآلهة والأوثان ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، ذكر من قال ذلك : 16699 - حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي ‹ صفحة 64 › الطفيل ، قال : قال ابن الكواء ( 1 ) لعلي : يا أمير المؤمنين ، ما هذه اللطخة التي في القمر ؟ فقال : ويحك أما تقرأ القرآن ( فمحونا آية الليل ) ، فهذه محوه . 16700 - حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا طلق ، عن زائدة ، عن عاصم ، عن علي بن ربيعة ، قال : سأل ابن الكواء عليا فقال : ما هذا السواد في القمر ؟ فقال علي : ( فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) هو المحو . 16701 - حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن عمر ، قال : كنت عند علي ، فسأله ابن الكواء عن السواد الذي في القمر ؟ فقال : ذاك آية الليل محيت . 16702 - حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا عمران بن حدير ، عن رفيع بن أبي كثير قال : قال علي بن أبي طالب رضوان الله عليه : سلوا عما شئتم ، فقام ابن الكواء فقال : ما السواد الذي في لقمر ، فقال : قاتلك الله ، هلا سألت عن أمر دينك وآخرتك ؟ قال : ذلك محو الليل . 16703 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري ، قال : ثنا ابن عفير ، قال : ثنا ابن لهيعة ، عن حيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن رجلا قال لعلي : ما السواد الذي في القمر ؟ قال : إن الله يقول : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) . 16704 - حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل ) قال : هو السواد بالليل . * - حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريح ، قال : قال ابن عباس : كان القمر تضئ الشمس ، والقمر آية الليل ، والشمس آية النهار ، فمحونا آية الليل : السواد الذي في القمر . 16705 - حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن أبي زائدة ، قال : ذكر ابن جريح ، عن ‹ صفحة 65 › مجاهد ، في قوله : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) قال : الشمس آية النهار ، والقمر آية الليل ( فمحونا آية الليل ) قال : السواد الذي في القمر ، وكذلك خلقه الله . * - حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريح ، عن مجاهد ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) قال : ليلا ونهارا ، كذلك خلقهما الله . 16706 - قال ابن جريح : وأخبرنا عبد الله بن كثير ، قال : ( فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) قال : ظلمة الليل وسدفة ( 1 ) النهار . 16707 - حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) : أي منيرة ، وخلق الشمس أنور من القمر وأعظم . * - حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، وحدثني الحرث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) قال : ليلا ونهارا ، كذلك جعلهما الله . واختلف أهل العربية في معنى قوله : ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) فقال بعض نحويي الكوفة معناها : مضيئة ، وكذلك قوله : ( والنهار مبصرا ) ( 2 ) معناه : مضيئا ، كأنه ذهب إلى أنه قيل مبصرا ، لإضاءته للناس البصر ، وقال آخرون : بل هو من أبصر النهار : إذا صار الناس يبصرون فيه فهو مبصر ، كقوله : رجل مجبن : إذا كان أهله وأصحابه جبناء ، ورجل مضعف : إذا كانت رواته ضعفاء ، فكذلك النهار مبصرا : إذا كان أهله بصراء
تفسير الامام احمد الحسن ع :
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وال محمد الأئمة والمهديين
وكذلك عن أمير المؤمنين (ع) : ( عندما سئُل عن السواد الذي في القمر قال (ع) هو قوله تعالى (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ))[2] .
آية الليل : هي القمر، وآية النهار : هي الشمس.
والقمر : كوكب مظلم يأخذ نوره من الشمس ، والشمس : نجم مضيء . وفي وجود آيتي الشمس والقمر ، والليل والنهار المترتب على غياب أحداهما وبزوغ الأخرى دليل واضح على التنظيم التفصيلي الدقيق (وَ كُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً)
وفي باطن الآية:- فأن الشمس هو الحجة على الخلق ، والقمر وصيه، فرسول الله (ص) هو الشمس ، وعلي (ع) هو القمر، وهكذا في كل زمان الشمس الحجة على الخلق ، والقمر الوصي الذي يأخذ من الحجة على الخلق . والليل هو الظلام والظلم ودولة الظالمين ، والنهار هو النور والعدل ودولة الحق.
(فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْل):- آية الليل هو القمر وهو الوصي والحجة على الخلق أيضاً ومحوه أي أن الظلم والظلام يغطي حقه ويمنعه إياه ، ولا يجري شيء إلا بأمر الله سبحانه وتعالى ولذلك نسب هذا الأمر إليه سبحانه وتعالى ، فلو شاء سبحانه أظهر آية الليل وهو القمر والوصي كما هو الحال في زمن الإمام المهدي (ع).
(وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ):-وهي الشمس والحجة على الخلق عندما يظهر أمره على رؤوس الأشهاد ، وتطأطأ له الرؤوس ، وتنصاع لحقه الناس.
( لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ):- فضل الله سبحانه وتعالى هو : الفضل الأخروي ، وهو الفضل الحقيقي. فلتبتغوا فضلاً من ربكم أي بالعمل الصالح مع الإمام الحجة (ع) ، والجهاد بين يديه . ومن فضل الله العلم والمعرفة بالله سبحانه وتعالى وبأنبيائه ورسله وبكتبه وقصص الأمم السالفة وحساب يوم القيامة ، وعلم كل شيء فصله الله في كتابه تفصيلا.
[1]- العياشي ج2 : ص283 .
[2]- العياشي ج2 : ص283 .
والحمد لله مالك الملك
Comment