رد: كتب تفسير القرآن_ تفسير "القمي" ج 1-2 [قرائة ]
===============
(241)
يعني لا يتكلم العجل وليس له منطق واما قوله (ولما سقط في ايديهم) يعني لما جاءهم موسى (1) واحرق العجل قالوا (لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين) ولما رجع موسى إلى قومه غضبان اسفا قال بئس ما خلفتموني من بعدي اعجلتم امر ربكم والقى الالواح واخذ برأس اخيه يجره اليه ـ إلى قوله ـ ان ربك من بعدها لغفور رحيم) فانه محكم وقوله (واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما اخذتهم الرجفة قال رب لو شئت اهلكتهم من قبل واياي) فان موسى (عليه السلام) لما قال لبني اسرائيل ان الله يكلمني ويناجيني لم يصدقوه، فقال لهم اختاروا منكم من يجئ معي حتى يسمع كلامه، فاختاروا سبعين رجلا من خيارهم وذهبوا مع موسى إلى الميقات فدنا موسى فناجا ربه وكلمه الله تعالى، فقال موسى لاصحابه اسمعوا واشهدوا عند بني اسرائيل بذلك فقالوا له لن نؤمن "، حتى نرى الله جهرة فاسئله ان يظهر لنا، فانزل الله عليهم صاعقة فاحترقوا وهو قوله " واذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فاخذتهم الصاعقة وانتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون " فهذه الآية في سورة البقرة وهى مع هذه الآية في سورة الاعراف فنصف الآية
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) قال في مجمع البحرين: فلما سقط في ايديهم بالبناء للمفعول والظرف نائبه يقال لكل من ندم وعجز عن الشئ، قد سقط في يده واسقط في يده لغتان ومعنى سقط في ايديهم ندموا على ما فاتهم، وقرأ بعضهم سقط بالفتح كانه اضمر لندم انتهى فعلى هذا يكون معنى الآية الشريفة: لما لحقتهم الندامة، وكذا في مجمع البيان، اما على ما فسر به المصنف (رح) فهو " سقط " بالفتح مبني للفاعل، ومعناه جاء موسى نازلا من الجبل بين ايديهم، يقال على الخبير سقطت اي نزلت عنده وجئت عنده. ج. ز (*)
===============
(242)
في سورة البقرة ونصفها في سورة الاعراف ههنا، فلما نظر موسى إلى اصحابه قد هلكوا حزن عليهم فقال (رب لو شئت اهلكتهم من قبل واياي اتهلكنا بما فعل السفهاء منا) وذلك ان موسى (عليه السلام) ظن ان هؤلاء هلكوا بذنوب بني اسرائيل فقال (ان هى الا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء انت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الغافرين واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة انا هدنا اليك) فقال الله تبارك وتعالى (عذابي اصيب به من اشاء ورحمتي وسعت كل شئ، فساكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون) ثم ذكر فضل النبي (صلى الله عليه وآله) وفضل من تبعه فقال (الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم) يعني الثقل الذي كان على بني اسرائيل وهو انه فرض الله عليهم الغسل والوضوء بالماء ولم يحل لهم التيمم ولا يحل لهم الصلاة الا في البيع والكنايس والمحاريب، وكان الرجل اذا اذنب خرج نفسه منتنا فيعلم انه اذنب، واذا اصاب شيئا من بدنه البول قطعوه، ولم يحل لهم المغنم فرفع ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن امته ثم قال (فالذين آمنوا به) يعني برسول الله (صلى الله عليه وآله) (وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه) يعني امير المؤمنين (عليه السلام) (اولئك هم المفلحون) فاخذ الله ميثاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الانبياء ان بخبروا اممهم وينصرونه، فقد نصروه بالقول وامروا اممهم بذلك وسيرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويرجعون وبنصرونه في الدنيا.
حدثني ابي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفض ابن غياث عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال جاء ابليس لعنه الله إلى موسى (عليه السلام) وهو يناجي ربه، فقال له ملك من الملائكة ويلك ما ترجو منه وهو على هذه الحالة يناجي ربه، فقال ارجو منه ما رجوت من ابيه آدم وهو في الجنة، وكان
===============
(243)
مما ناجى الله موسى (عليه السلام) ياموسى اني لا اقبل الصلاة الا لمن تواضع لعظمتي والزم قلبه خوفي وقطع نهاره بذكري ولم يبت مصرا على الخطيئة وعرف حق اوليائي واحبائي، فقال موسى يا رب تعني باوليائك واحبائك ابراهيم واسحاق ويعقوب؟ قال هو كذلك الا اني اردت بذلك من من اجله خلقت آدم وحواء ومن اجله خلقت الجنة والنار، فقال ومن هو يارب؟ فقال محمد احمد شققت اسمه من اسمي لاني انا المحمود، وهو محمد فقال موسى يا رب اجعلني من امته.
فقال يا موسى انت من امته اذا عرفته وعرفت منزلته ومنزلة اهل بيته وان مثله ومثل اهل بيته فيمن خلقت كمثل الفردوس في الجنان لا ينتشر ورقها ولا يتغير طعمها، فمن عرفهم وعرف حقهم جعلت له عند الجهل علما وعند الظلمة نورا اجيبنه قبل ان يدعوني واعطينه قبل ان يسألني.
يا موسى اذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين، واذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب تعجلت عقوبته.
يا موسى ان الدنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم عند خطيئته وجعلتها ملعونة ملعونة بمن فيها الا ما كان فيها لي.
يا موسى ان عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم وسائرهم من خلقي رغبوا فيها بقدر جهلهم، وما احد من خلقي عظمها فقرت عيناه فيها، ولم يحقرها الا تمتع بها، ثم قال ابوعبدالله (عليه السلام) ان قدرتم ان لا تعرفوها فافعلوا وما عليك ان لم يثن عليك الناس وما عليك ان تكون مذموما عند الناس وكنت عند الله محمودا، ان امير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: لا خير في الدنيا الا لاحد رجلين، رجل يزداد كل يوم احسانا، ورجل يتدارك منيته بالتوبة، وانى له بالتوبة والله ان سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله منه الا بولايتنا اهل البيت، الا ومن عرف حقنا ورجا الثواب فينا رضي بقوته نصف مد كل يوم وما يستر
===============
(244)
به عورته وما اكن رأسه وهم في ذلك والله خائفون وجلون.
واما قوله (وقطعناهم اثنتي عشرة اسباطا امما) اي ميزناهم به (وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر اذ يعدون في السبت اذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم) فانها قرية كانت لبني اسرائيل قريبا من البحر، وكان الماء يجري عليها في المد والجزر فيدخل انهارهم وزروعهم، وبخرج السمك من البحر حتى يبلغ آخر زرعهم، وقد كان الله قد حرم عليهم الصيد يوم السبت وكانوا يضعون الشباك في الانهار ليلة الاحد يصيدون بها السمك وكان السمك يخرج يوم السبت ويوم الاحد لا يخرج وهو وقوله (اذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم) فنهاهم علماؤهم عن ذلك فلم ينتهوا فمسخوا قردة وخنازير، وكانت العلة في تحريم الصيد عليهم يوم السبت ان عيد جميع المسلمين وغيرهم كان يوم الجمعة فخالفت اليهود وقالوا عيدنا يوم السبت فحرم الله عليهم الصيد يوم السبت ومسخوا قردة وخنازير.
حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن ابي عبيدة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال وجدنا في كتاب علي (عليه السلام) ان قوما من اهل ايكة من قوم ثمود وان الحيتان كانت سبقت اليهم يوم السبت ليختبر الله طاعتهم في ذلك فشرعت اليهم يوم سبتهم في ناديهم وقدام ابوابهم في انهارهم وسواقيهم فبادروا اليها فاخذوا يصطادونها فلبثوا في ذلك ما شاء الله لاينهاهم عنها الاحبار ولا يمنعهم العلماء من صيدها، ثم ان الشيطان اوحى إلى طائفة منهم انما نهيتم عن اكلها يوم السبت فلم تنهوا عن صيدها، فاصطادوا يوم السبت وكلوها فيما سوى ذلك من الايام، فقالت طائفة منهم الآن نصطادها، فعتت، وانحازت طائفة اخرى منهم ذات اليمين فقالوا ننهاكم عن عقوبة الله ان تتعرضوا لخلاف امره واعتزلت طائفة منهم ذات اليسار فسكتت فلم تعظهم، فقالت للطائفة التي وعظتهم
===============
(245)
لم تعظون قوما الله مهلكم او معذبهم عذابا شديدا، فقالت الطائفة التي وعظتهم (معذرة إلى ربكم لعلهم يتقون) قال فقال الله عزوجل فلما (نسوا ما ذكروا به) يعنى لما تركوا ما وعظوا به مضوا على الخطيئة، فقالت الطائفة التي وعظتهم لا والله لا نجامعكم ولا نبايتكم الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم الله فيها مخافة ان ينزل بكم البلاء فيعمنا معكم، قال فخرجوا عنهم من المدينة مخافة ان يصيبهم البلاء فنزلوا قريبا من المدينة فباتوا تحت السماء فلما اصبح اولياء الله المطيعون لامر الله غدوا لينظروا ما حال اهل المعصية، فاتوا باب المدينة فاذا هو مصمت، فدقوه فلم يجابوا ولم يسمعوا منها خبر واحد فوضعوا سلما على سور المدينة ثم اصعدوا رجلا منهم فاشرف على المدينة فنظر فاذا هو بالقوم قردة يتعاوون، فقال الرجل لاصحابه يا قوم ارى والله عجبا، قالوا وما ترى قال أرى القوم قد صاروا قردة يتعاوون ولها اذناب، فكسروا الباب قال فعرفت القردة انسابها من الانس ولم تعرف الانس انسابها من القردة، فقال القوم للقردة الم ننهكم فقال علي (عليه السلام) والذي فلق الحبة وبرأ النسمة اني لاعرف انسابها من هذه الامة لا ينكرون ولا يغيرون بل تركوا ما امروا به فتفرقوا وقد قال الله عزوجل (فبعدا للقوم الظالمين)، فقال الله (وانجينا الذين ينهون عن السوء واخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون) واما قوله (واذ تأذن ربك ليبعثن عليهم) يعني يعلم ربك (إلى يوم القيمة من يسومهم سوء العذاب ان ربك لسريع العقاب وانه لغفور رحيم) نزلت في اليهود لا يكون لهم دولة ابدا (1) وقوله (وقطعناهم في
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) وما حصل لاسرائيل من الملك الحقير الآن فهو بالنسبة إلى سعة الارض وطول الزمان ليس بشئ وان هو الا كشعرة سوداء في بقرة بيضاء. ج. ز. (*)
===============
(246)
الارض) اي ميزهم (امما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم) اي اختبرناهم (بالحسنات والسيئات) يعني بالسعة والامن والفقر والفاقة والشدة (لعلهم يرجعون) يعني كي يرجعوا وقوله (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الادنى) يعني ما يعرض لهم من الدنيا (ويقولون سيغفر لنا وان يأتهم عرض مثله ياخذوه الم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لا يقولوا على الله الا الحق ودرسوا ما فيه) يعني ضيعوه ثم قال (والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا ـ تعقلون والذين يمسكون بالكتاب واقاموا الصلوة انا لا نضيع اجر المصلحين) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في وقوله الذين يمسكون بالكتاب قال نزلت في آل محمد واشياعهم واما قوله (واذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيمة من يسومهم سوء العذاب) فهم في امة محمد يسومون اهل الكتاب سوء العذاب ياخذون منهم الجزية.
واما قوله (واذا نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا انه واقع بهم) قال الصادق (عليه السلام) لما انزل الله التوراة على بني اسرائيل لم يقبلوه فرفع الله عليهم جبل طور سيناء، فقال لهم موسى (عليه السلام) ان لم تقبلوه وقع عليكم الجبل، فقبلوه وطأطؤا رؤسهم.
واما قوله (واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى) فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن ابن سنان قال قال ابوعبدالله (عليه السلام) اول من سبق من الرسل الي بلى محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك انه كان اقرب الخلق إلى الله تبارك وتعالى، وكان بالمكان الذي قال له جبرئيل لما اسرى به إلى السماء " تقدم يا محمد فقد وطأت موطئا لم يطأه ملك مقرب ولا نبي مرسل " ولولا ان روحه ونفسه كانت من ذلك المكان لما قدر ان يبلغه، فكان من الله عزوجل. كما قال الله قاب قوسين او ادنى اي بل
===============
(247)
ادنى، فلما خرج الامر من الله وقع إلى اوليائه (عليهم السلام)، فقال الصادق (عليه السلام) كان الميثاق مأخوذا عليهم لله بالربوبية ولرسوله بالنبوة ولامير المؤمنين والائمة بالامامة، فقال الست بربكم ومحمد نبيكم وعلي امامكم والائمة الهادون ائمتكم؟
فقالوا بلى شهدنا فقال الله تعالى (ان تقولوا يوم القيمة) اى لئلا تقولوا يوم القيامة (انا كنا عن هذا غافلين) فاول ما اخذ الله عزوجل الميثاق على الانبياء له بالربوبية وهو قوله " واذا اخذنا من النبيين ميثاقهم " فذكر جملة الانبياء ثم ابرز افضلهم بالاسامي فقال ومنك يامحمد، فقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لانه افضلهم ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم، فهؤلاء الخمسة افضل الانبياء ورسول الله (صلى الله عليه وآله) افضلهم، ثم اخذ بعد ذلك ميثاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الانبياء بالايمان به وعلى ان ينصروا امير المؤمنين (عليه السلام) فقال " واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم " (1) يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) " لتؤمنن به ولتنصرنه " يعنى امير المؤمنين (عليه السلام) واخبروا اممكم بخبره وخبر وليه من الائمة (عليهم السلام) حدثني ابي عن محمد بن ابي عمير عن عبدالله بن مسكان عن ابي عبدالله (عليه السلام) وعن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله " لتؤمنن به ولتنصرنه " قال قال ما بعث الله نبيا من لدن آدم فهلم جرا الا ويرجع إلى الدنيا فيقاتل وينصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وامير المؤمنين (عليه السلام) ثم اخذ ايضا ميثاق الانبياء على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال قل يامحمد آمنا بالله وما انزل علينا وما انزل على ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب واالاسباط وما اوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا تفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون (2)
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) آل عمران 81.
(2) آل عمران 84. (*)
===============
(248)
وحدثني ابي عن ابن ابى عمير عن ابن مسكان عن ابى عبدالله (عليه السلام) " واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم علي انفسهم الست بربكم قالوا بلي " قلت معاينة كان هذا قال نعم (1) فثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه ولولا ذلك لم يدر احد من خالقه ورازقه. فمنهم من اقر بلسانه في الذر ولم يؤمن بقلبه فقال الله " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل " (2) واما قوله (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين) فانها نزلت في بلعم بن باعورا وكان من بني اسرائيل، وحدثني ابى عن الحسن (الحسين ط) بن خالد عن ابى الحسن الرضا (عليه السلام) انه اعطي بلعم بن باعورا الاسم الاعظم، فكان يدعو به فيستجاب له فمال إلى فرعون. فلما مر فرعون في طلب موسى واصحابه قال فرعون لبلعم ادعو الله على موسى واصحابه ليحبسه علينا فركب حمارته ليمر في طلب موسى واصحابه فامتنعت عليه حمارته فاقبل يضربها فانطقها الله عزوجل فقالت ويلك علي ما تضربني اتريد اجئ معك لتدعو على موسى نبي الله وقوم مؤمنين، فلم يزل يضربها حتى قتلها وانسلخ الاسم الاعظم من لسانه، وهو قوله (فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد إلى الارض فاتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث) وهو مثل ضربه، فقال الرضا (عليه السلام) فلا يدخل الجنة من البهائم الا ثلاثة حمارة بلعم وكلب اصحاب الكهف والذئب وكان سبب الذئب انه بعث ملك ظالم رجلا شرطيا ليحشر قوما من المؤمنين وبعذبهم وكان للشرطي ابن يحبه، فجاء ذئب فأكل ابنه فحزن الشرطي عليه
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) اي معاينة لجلال الله تعالى لانفسه لانه منزه عن الجسم والجسمانيات.
(2) الاعراف 101 ج. ز (*)
===============
(249)
فأدخل الله ذلك الذئب الجنة لما احزن الشرطي وقوله (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس) اي خلقنا، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (لهم قلوب لا يفقهون بها) اي طبع الله عليها فلا تعقل (ولهم اعين) عليها غطاء عن الهدى (لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها) اي جعل في آذانهم وقرا فلن يسمعوا الهدى، وقوله (وممن خلقنا امة يهدون بالحق وبه يعدلون) فهذه الآية لآل محمد واتباعهم، وقوله (عسى ان يكون قد اقترب اجلهم) هو هلاكهم وقوله (ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها) قال الرحمن الرحيم وقوله (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) قال تجديد النعم عند المعاصي وقوله (واملي لهم) اي اصبر لهم (ان كيدي متين) اي عذابي شديد ثم قال (او لم يتفكروا) يعني قريش (ما بصاحبهم من جنة) يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) اي ما هو مجنون كما يزعمون (ان هو الا نذير مبين) وقوله (او لم ينظروا في ملكوت السموات والارض وما خلق الله من شئ وان عسي ان يكون قد اقترب اجلهم فباي حديث بعده) يعني بعد القرآن (يؤمنون) اي يصدقون، وقوله (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون) قال يكله الي نفسه.
واما قوله (يسألونك عن الساعة ايان مرساها) فان قريشا بعثت العاص بن وايل السهمي والنضر بن حارث بن كلدة وعتبة بن ابي معيط إلى نجران ليتعلموا من علماء اليهود مسائل ويسألوا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان فيها سلوا محمدا متى تقوم الساعة؟ فان ادعى علم ذلك فهو كاذب، فان قيام الساعة لم يطلع الله عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا. فلما سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) متى تقوم الساعة؟ انزل الله تعالي (يسألونك عن الساعة ايان مرسيها قل انما علمها عند ربى لا يجليها لوقتها الا هو ثقلت في السموات والارض لا تأتيكم الا بغتة يسئلونك كانك حفي عنها)
===============
(250)
اي جاهل بها (1) قل لهم يامحمد (انما علمها عند الله ولكن اكثر الناس لا يعلمون) وقوله (ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) قال كنت اختار لنفسي الصحة والسلامة.
واما قوله (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن اليها فلما تغشيها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما اثقلت دعوا الله ربهما لان آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) لقد خالف المصنف (رح) في معنى هذه الكلمة سائر المفسرين حيث فسرها بالجاهل بها، وفسروها بالعالم بها، فالتفسيران متضادان ظاهرا، ويمكن ان يقال في مقام رفع التنافي بينهما ان معني " حفي عن الشي " انه استقصى في السؤال عنه، فبدؤه الجهل وختامه العلم، لان الجهل بالشئ ينشئ السؤال عنه ونتيجة الاستقصاء في السؤال العلم به غالبا، فكأن نظر المصنف (رح) إلى البداوة ونظر الذي فسرها بالعلم الي النهاية. وكلا المعنيين لهما ربط بالمقام الا ان الاول ارجح لان المستقصي في السؤال عن شئ لا يخلو من الجهل به قبل الاستقصاء وانه قد يخلو من العلم بعده اذا ليس كل مستقص عالما فالمعنى على تعبير المصنف (رح): ان مشركي قريش يسألونك عن الساعة كانهم يحسبونك من الجهلاء الذين مدرك علمهم الناس، وقصدهم ان يعيروك لانك اذا عينت وقتها تكون كاذبا عند اليهود، واذا فحمت عن الجواب يظهر جهلك عندهم والحال انك لست من الجهلاء الذين يسألون الناس عن كل شئ حتى اذا لم تجبهم عن هذه المسألة يكن لك عيبا بل انك كلما تعلم فهو من الله فعدم علمك بوقت الساعة ليس بعيب لك لان الله لم يخبرك به واختصه لنفسه كما قال " انما علمها عند الله لا يجليها لوقتها الا هو " ج. ز (*)
===============
(251)
آتاهما) حدثني ابي قال حدثني الحسن بن محبوب عن محمد بن النعمان الاحول عن بريد العجلي عن ابي جعفر (عليه السلام) لما علقت حواء من آدم وتحرك ولدها في بطنها قالت لآدم ان في بطني شيئا يتحرك، فقال لها آدم الذي في بطنك نطفة مني استقرت في رحمك يخلق الله منها خلقا ليبلونا فيه فاتاها ابليس، فقال لها كيف انت؟ فقالت له اما اني قد علقت وفي بطني من آدم ولد قد تحرك، فقال لها ابليس اما انك ان نويت ان تسميه عبدالحارث ولدتيه غلاما وبقي وعاش وان لم تنو ان تسميه عبدالحارث مات بعدما تلدينه بستة ايام، فوقع في نفسها مما قال لها شئ فاخبرت بما قال آدم، فقال لها آدم قد جاءك الخبيث لا تقبلي منه فاني ارجو ان يبقى لنا ويكون بخلاف ما قال لك، ووقع في نفس آدم مثل ما وقع في نفس حواء من مقالة الخبيث، فلما وضعته غلاما لم يعش الا ستة ايام حتى مات فقالت لآدم قد جاءك الذي قال لنا الحارث فيه، ودخلهما من قول الخبيث ما شككهما، قال فلم تلبث ان علقت من آدم حملا آخر فاتاها ابليس، فقال لها كيف انت؟ فقالت له قد ولدت غلاما ولكنه مات اليوم السادس فقال لها الخبيث اما انك لو كانت نوبت ان تسميه عبدالحارث لعاش وبقي، وانما هو الذي في بطنك كبعض ما في بطون هذه الانعام التى بحضرتكم اما ناقة واما بقرة واما ضان واما معز فدخلها من قول الخبيث ما استمالها إلى تصديقه والركون إلى ما اخبرها الذي كان تقدم اليها في الحمل الاول، واخبرت بمقالته آدم فوقع في قلبه من قول الخبيث مثل ما وقع في قلب حواء " فلما اثقلت دعو الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهم صالحا " اي لم تلد ناقة او بقرة او ضانا أو معزا فاتاهما الخبيث، فقال لها كيف انت؟ فقالت له قد ثقلت وقربت ولادتي، فقال اما انك ستندمين وترين من الذي في بطنك ما تكرهين ويدخل آدم منك ومن ولدك شئ لو قد ولدتيه ناقة او بقرة او ضانا او معزا فاستمالها الي طاعته
===============
(252)
والقبول لقوله، ثم قال لها اعلمي ان انت نويت ان تسميه عبدالحارث وجعلت لي فيه نصيبا ولدتيه غلاما سويا عاش وبقي لكم، فقالت فاني قد نويت ان اجعل لك فيه نصيبا، فقال لها الخبيث لا تدعي آدم حتى ينوي مثل ما نويتي ويجعل لى فيه نصيبا ويسميه عبدالحارث فقالت له نعم، فاقبلت على آدم فاخبرته بمقالة الحارث وبما قال لها ووقع في قلب آدم من مقالة ابليس ما خافه فركن إلى مقالة ابليس، وقالت حواء لآدم ائن انت لم تنو ان تسميه عبدالحارث وتجعل للحارث فيه نصيبا لم ادعك تقربني ولا تغشاني ولم يكن بيني وبينك مودة، فلما سمع ذلك منها آدم قال لها اما انك سبب المعصية الاولى وسيدليك بغرور قد تابعتك واجبت إلى ان اجعل للحارث فيه نصيبا وان اسميه عبدالحارث (1) فاسرا
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يخفى ان الحارث وان كان من اسامي ابليس لعنه الله كما يظهر من هذه الرواية، لكن له معان اخر ايضا كزارع الحرث والكاسب، وليس من قبيل " ابليس " او " الشيطان " المختصين به، فانه لو كان كذلك لم يسم به اخيار الناس كحارث بن همام وحارث بن سراقة الذين كانا صحابيين جليلين لامير المؤمنين عليه السلام، فاذا لم يكن باس في التسمية بنفس الحارث كيف يكون التباس في النسمية بعبد الحارث لامكان ان اراد منه آدم (ع) هو الله لصدق الحارث بمعنى مخرج الحرث، عليه حقيقة واما قوله: اجعل للحارث فيه نصيبا معنا اجعل نصيبا في الطاعة لا في العبادة وهو المراد من شرك الطاعة في قول الامام (ع) الآتي ذكره فان قلت: كيف جاز لآدم ان جعل للشيطان نصيبا في واده؟ واذا جاز لم عاتبه الله تعالى بقوله: فلما آتاهم صالحا جعلا له شركاء قلت: كان ذلك جائزا لان الذي جعل للشيطان نصيبا في ولد آدم هو الله تعالى بقوله: وشاركهم في الاموال والاولاد، فاذا جعل آدم له فيهم نصيبا لم يكن = (*)
===============
(253)
النية بينهما بذلك فلما وضعته سويا فرحا بذلك وامنا ما كان خافا من ان يكون ناقة او بقرة او ضانا او معزا واملا ان يعيش لهما ويبقى ولا يموت في اليوم السادس فلما كان في اليوم السابع سمياه عبدالحارث.
اخبرنا احمد بن ادريس عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن موسى ابن بكر عن الفضل عن ابي جعفر (عليه السلام) في قول الله " فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما " فقال هو آدم وحواء وانما كان شركهما شرك طاعة ولم يكن شرك عبادة فانزل الله على رسوله الله (صلى الله عليه وآله) (هو الذي خلقكم من نفس واحدة ـ إلى قوله ـ فتعالى الله عما يشركون) قال جعلا للحارث نصيبا في خلق الله ولم يكن اشركا ابليس في عبادة الله ثم قال (أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون) ثم احتج على اللمحدين فقال (والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصرا ولا انفسهم ينصرون ـ إلى قوله وتراهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون) ثم ادب الله رسوله (صلى الله عليه وآله) فقال (خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين) ثم قال (واما ينزغنك من الشيطان نزغ) قال ان عرض في قلبك منه شئ ووسوسة (فاستعذ بالله انه سميع عليم) ثم قال (ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون) قال واذا ذكرهم الشيطان المعاصي وحملهم عليها يذكرون الله فاذاهم مبصرون، قال واذا ذكرهم الشيطان واخوانهم من الجن (يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) اي لا يقصرون من
ـــــــــــــــــــــــــ
= مقدوحا الا ان آدم لما لم يكن له مقام كمقام الله حتى يجيز للشيطان في المشاركة كما اجاز الله، لم يكن سائغا له ان يرخصه بكذا خصوصا اذا كان مترشحا منه الانقياد للشيطان والرضا على طاعة ولده له فلذا عاتبه الله تعالى والله العالم. ج. ز (*)
(254)
تضليلهم (واذا لم تأتهم بآية قالوا) قريش (لولا اجتبيتها) وجواب هذا في الانعام في قوله " قل لهم ـ يامحمد ـ لو ان عندي ما تستعجلون به " يعني من الآيات " لقضي الامر بيني وبينكم " وقوله في بني اسرائيل " وما نرسل بالآيات الا تخويفا " وقوله (واذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون) يعني في الصلاة اذا سمعت قراءة الامام الذي تأتم به فانصت (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة) قال في الظهر والعصر (ودون الجهر من القول بالغدو والآصال) قال بالغداة والعشي (ولا تكن من الغافلين ان الذين عند ربك) يعني الانبياء والرسل والائمة (عليهم السلام) (لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون)
===============
(241)
يعني لا يتكلم العجل وليس له منطق واما قوله (ولما سقط في ايديهم) يعني لما جاءهم موسى (1) واحرق العجل قالوا (لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين) ولما رجع موسى إلى قومه غضبان اسفا قال بئس ما خلفتموني من بعدي اعجلتم امر ربكم والقى الالواح واخذ برأس اخيه يجره اليه ـ إلى قوله ـ ان ربك من بعدها لغفور رحيم) فانه محكم وقوله (واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما اخذتهم الرجفة قال رب لو شئت اهلكتهم من قبل واياي) فان موسى (عليه السلام) لما قال لبني اسرائيل ان الله يكلمني ويناجيني لم يصدقوه، فقال لهم اختاروا منكم من يجئ معي حتى يسمع كلامه، فاختاروا سبعين رجلا من خيارهم وذهبوا مع موسى إلى الميقات فدنا موسى فناجا ربه وكلمه الله تعالى، فقال موسى لاصحابه اسمعوا واشهدوا عند بني اسرائيل بذلك فقالوا له لن نؤمن "، حتى نرى الله جهرة فاسئله ان يظهر لنا، فانزل الله عليهم صاعقة فاحترقوا وهو قوله " واذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فاخذتهم الصاعقة وانتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون " فهذه الآية في سورة البقرة وهى مع هذه الآية في سورة الاعراف فنصف الآية
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) قال في مجمع البحرين: فلما سقط في ايديهم بالبناء للمفعول والظرف نائبه يقال لكل من ندم وعجز عن الشئ، قد سقط في يده واسقط في يده لغتان ومعنى سقط في ايديهم ندموا على ما فاتهم، وقرأ بعضهم سقط بالفتح كانه اضمر لندم انتهى فعلى هذا يكون معنى الآية الشريفة: لما لحقتهم الندامة، وكذا في مجمع البيان، اما على ما فسر به المصنف (رح) فهو " سقط " بالفتح مبني للفاعل، ومعناه جاء موسى نازلا من الجبل بين ايديهم، يقال على الخبير سقطت اي نزلت عنده وجئت عنده. ج. ز (*)
===============
(242)
في سورة البقرة ونصفها في سورة الاعراف ههنا، فلما نظر موسى إلى اصحابه قد هلكوا حزن عليهم فقال (رب لو شئت اهلكتهم من قبل واياي اتهلكنا بما فعل السفهاء منا) وذلك ان موسى (عليه السلام) ظن ان هؤلاء هلكوا بذنوب بني اسرائيل فقال (ان هى الا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء انت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الغافرين واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة انا هدنا اليك) فقال الله تبارك وتعالى (عذابي اصيب به من اشاء ورحمتي وسعت كل شئ، فساكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون) ثم ذكر فضل النبي (صلى الله عليه وآله) وفضل من تبعه فقال (الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم) يعني الثقل الذي كان على بني اسرائيل وهو انه فرض الله عليهم الغسل والوضوء بالماء ولم يحل لهم التيمم ولا يحل لهم الصلاة الا في البيع والكنايس والمحاريب، وكان الرجل اذا اذنب خرج نفسه منتنا فيعلم انه اذنب، واذا اصاب شيئا من بدنه البول قطعوه، ولم يحل لهم المغنم فرفع ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن امته ثم قال (فالذين آمنوا به) يعني برسول الله (صلى الله عليه وآله) (وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه) يعني امير المؤمنين (عليه السلام) (اولئك هم المفلحون) فاخذ الله ميثاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الانبياء ان بخبروا اممهم وينصرونه، فقد نصروه بالقول وامروا اممهم بذلك وسيرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويرجعون وبنصرونه في الدنيا.
حدثني ابي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفض ابن غياث عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال جاء ابليس لعنه الله إلى موسى (عليه السلام) وهو يناجي ربه، فقال له ملك من الملائكة ويلك ما ترجو منه وهو على هذه الحالة يناجي ربه، فقال ارجو منه ما رجوت من ابيه آدم وهو في الجنة، وكان
===============
(243)
مما ناجى الله موسى (عليه السلام) ياموسى اني لا اقبل الصلاة الا لمن تواضع لعظمتي والزم قلبه خوفي وقطع نهاره بذكري ولم يبت مصرا على الخطيئة وعرف حق اوليائي واحبائي، فقال موسى يا رب تعني باوليائك واحبائك ابراهيم واسحاق ويعقوب؟ قال هو كذلك الا اني اردت بذلك من من اجله خلقت آدم وحواء ومن اجله خلقت الجنة والنار، فقال ومن هو يارب؟ فقال محمد احمد شققت اسمه من اسمي لاني انا المحمود، وهو محمد فقال موسى يا رب اجعلني من امته.
فقال يا موسى انت من امته اذا عرفته وعرفت منزلته ومنزلة اهل بيته وان مثله ومثل اهل بيته فيمن خلقت كمثل الفردوس في الجنان لا ينتشر ورقها ولا يتغير طعمها، فمن عرفهم وعرف حقهم جعلت له عند الجهل علما وعند الظلمة نورا اجيبنه قبل ان يدعوني واعطينه قبل ان يسألني.
يا موسى اذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين، واذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب تعجلت عقوبته.
يا موسى ان الدنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم عند خطيئته وجعلتها ملعونة ملعونة بمن فيها الا ما كان فيها لي.
يا موسى ان عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم وسائرهم من خلقي رغبوا فيها بقدر جهلهم، وما احد من خلقي عظمها فقرت عيناه فيها، ولم يحقرها الا تمتع بها، ثم قال ابوعبدالله (عليه السلام) ان قدرتم ان لا تعرفوها فافعلوا وما عليك ان لم يثن عليك الناس وما عليك ان تكون مذموما عند الناس وكنت عند الله محمودا، ان امير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: لا خير في الدنيا الا لاحد رجلين، رجل يزداد كل يوم احسانا، ورجل يتدارك منيته بالتوبة، وانى له بالتوبة والله ان سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله منه الا بولايتنا اهل البيت، الا ومن عرف حقنا ورجا الثواب فينا رضي بقوته نصف مد كل يوم وما يستر
===============
(244)
به عورته وما اكن رأسه وهم في ذلك والله خائفون وجلون.
واما قوله (وقطعناهم اثنتي عشرة اسباطا امما) اي ميزناهم به (وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر اذ يعدون في السبت اذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم) فانها قرية كانت لبني اسرائيل قريبا من البحر، وكان الماء يجري عليها في المد والجزر فيدخل انهارهم وزروعهم، وبخرج السمك من البحر حتى يبلغ آخر زرعهم، وقد كان الله قد حرم عليهم الصيد يوم السبت وكانوا يضعون الشباك في الانهار ليلة الاحد يصيدون بها السمك وكان السمك يخرج يوم السبت ويوم الاحد لا يخرج وهو وقوله (اذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم) فنهاهم علماؤهم عن ذلك فلم ينتهوا فمسخوا قردة وخنازير، وكانت العلة في تحريم الصيد عليهم يوم السبت ان عيد جميع المسلمين وغيرهم كان يوم الجمعة فخالفت اليهود وقالوا عيدنا يوم السبت فحرم الله عليهم الصيد يوم السبت ومسخوا قردة وخنازير.
حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن ابي عبيدة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال وجدنا في كتاب علي (عليه السلام) ان قوما من اهل ايكة من قوم ثمود وان الحيتان كانت سبقت اليهم يوم السبت ليختبر الله طاعتهم في ذلك فشرعت اليهم يوم سبتهم في ناديهم وقدام ابوابهم في انهارهم وسواقيهم فبادروا اليها فاخذوا يصطادونها فلبثوا في ذلك ما شاء الله لاينهاهم عنها الاحبار ولا يمنعهم العلماء من صيدها، ثم ان الشيطان اوحى إلى طائفة منهم انما نهيتم عن اكلها يوم السبت فلم تنهوا عن صيدها، فاصطادوا يوم السبت وكلوها فيما سوى ذلك من الايام، فقالت طائفة منهم الآن نصطادها، فعتت، وانحازت طائفة اخرى منهم ذات اليمين فقالوا ننهاكم عن عقوبة الله ان تتعرضوا لخلاف امره واعتزلت طائفة منهم ذات اليسار فسكتت فلم تعظهم، فقالت للطائفة التي وعظتهم
===============
(245)
لم تعظون قوما الله مهلكم او معذبهم عذابا شديدا، فقالت الطائفة التي وعظتهم (معذرة إلى ربكم لعلهم يتقون) قال فقال الله عزوجل فلما (نسوا ما ذكروا به) يعنى لما تركوا ما وعظوا به مضوا على الخطيئة، فقالت الطائفة التي وعظتهم لا والله لا نجامعكم ولا نبايتكم الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم الله فيها مخافة ان ينزل بكم البلاء فيعمنا معكم، قال فخرجوا عنهم من المدينة مخافة ان يصيبهم البلاء فنزلوا قريبا من المدينة فباتوا تحت السماء فلما اصبح اولياء الله المطيعون لامر الله غدوا لينظروا ما حال اهل المعصية، فاتوا باب المدينة فاذا هو مصمت، فدقوه فلم يجابوا ولم يسمعوا منها خبر واحد فوضعوا سلما على سور المدينة ثم اصعدوا رجلا منهم فاشرف على المدينة فنظر فاذا هو بالقوم قردة يتعاوون، فقال الرجل لاصحابه يا قوم ارى والله عجبا، قالوا وما ترى قال أرى القوم قد صاروا قردة يتعاوون ولها اذناب، فكسروا الباب قال فعرفت القردة انسابها من الانس ولم تعرف الانس انسابها من القردة، فقال القوم للقردة الم ننهكم فقال علي (عليه السلام) والذي فلق الحبة وبرأ النسمة اني لاعرف انسابها من هذه الامة لا ينكرون ولا يغيرون بل تركوا ما امروا به فتفرقوا وقد قال الله عزوجل (فبعدا للقوم الظالمين)، فقال الله (وانجينا الذين ينهون عن السوء واخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون) واما قوله (واذ تأذن ربك ليبعثن عليهم) يعني يعلم ربك (إلى يوم القيمة من يسومهم سوء العذاب ان ربك لسريع العقاب وانه لغفور رحيم) نزلت في اليهود لا يكون لهم دولة ابدا (1) وقوله (وقطعناهم في
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) وما حصل لاسرائيل من الملك الحقير الآن فهو بالنسبة إلى سعة الارض وطول الزمان ليس بشئ وان هو الا كشعرة سوداء في بقرة بيضاء. ج. ز. (*)
===============
(246)
الارض) اي ميزهم (امما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم) اي اختبرناهم (بالحسنات والسيئات) يعني بالسعة والامن والفقر والفاقة والشدة (لعلهم يرجعون) يعني كي يرجعوا وقوله (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الادنى) يعني ما يعرض لهم من الدنيا (ويقولون سيغفر لنا وان يأتهم عرض مثله ياخذوه الم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لا يقولوا على الله الا الحق ودرسوا ما فيه) يعني ضيعوه ثم قال (والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا ـ تعقلون والذين يمسكون بالكتاب واقاموا الصلوة انا لا نضيع اجر المصلحين) وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في وقوله الذين يمسكون بالكتاب قال نزلت في آل محمد واشياعهم واما قوله (واذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيمة من يسومهم سوء العذاب) فهم في امة محمد يسومون اهل الكتاب سوء العذاب ياخذون منهم الجزية.
واما قوله (واذا نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا انه واقع بهم) قال الصادق (عليه السلام) لما انزل الله التوراة على بني اسرائيل لم يقبلوه فرفع الله عليهم جبل طور سيناء، فقال لهم موسى (عليه السلام) ان لم تقبلوه وقع عليكم الجبل، فقبلوه وطأطؤا رؤسهم.
واما قوله (واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى) فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن ابن سنان قال قال ابوعبدالله (عليه السلام) اول من سبق من الرسل الي بلى محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك انه كان اقرب الخلق إلى الله تبارك وتعالى، وكان بالمكان الذي قال له جبرئيل لما اسرى به إلى السماء " تقدم يا محمد فقد وطأت موطئا لم يطأه ملك مقرب ولا نبي مرسل " ولولا ان روحه ونفسه كانت من ذلك المكان لما قدر ان يبلغه، فكان من الله عزوجل. كما قال الله قاب قوسين او ادنى اي بل
===============
(247)
ادنى، فلما خرج الامر من الله وقع إلى اوليائه (عليهم السلام)، فقال الصادق (عليه السلام) كان الميثاق مأخوذا عليهم لله بالربوبية ولرسوله بالنبوة ولامير المؤمنين والائمة بالامامة، فقال الست بربكم ومحمد نبيكم وعلي امامكم والائمة الهادون ائمتكم؟
فقالوا بلى شهدنا فقال الله تعالى (ان تقولوا يوم القيمة) اى لئلا تقولوا يوم القيامة (انا كنا عن هذا غافلين) فاول ما اخذ الله عزوجل الميثاق على الانبياء له بالربوبية وهو قوله " واذا اخذنا من النبيين ميثاقهم " فذكر جملة الانبياء ثم ابرز افضلهم بالاسامي فقال ومنك يامحمد، فقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لانه افضلهم ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم، فهؤلاء الخمسة افضل الانبياء ورسول الله (صلى الله عليه وآله) افضلهم، ثم اخذ بعد ذلك ميثاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الانبياء بالايمان به وعلى ان ينصروا امير المؤمنين (عليه السلام) فقال " واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم " (1) يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) " لتؤمنن به ولتنصرنه " يعنى امير المؤمنين (عليه السلام) واخبروا اممكم بخبره وخبر وليه من الائمة (عليهم السلام) حدثني ابي عن محمد بن ابي عمير عن عبدالله بن مسكان عن ابي عبدالله (عليه السلام) وعن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله " لتؤمنن به ولتنصرنه " قال قال ما بعث الله نبيا من لدن آدم فهلم جرا الا ويرجع إلى الدنيا فيقاتل وينصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وامير المؤمنين (عليه السلام) ثم اخذ ايضا ميثاق الانبياء على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال قل يامحمد آمنا بالله وما انزل علينا وما انزل على ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب واالاسباط وما اوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا تفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون (2)
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) آل عمران 81.
(2) آل عمران 84. (*)
===============
(248)
وحدثني ابي عن ابن ابى عمير عن ابن مسكان عن ابى عبدالله (عليه السلام) " واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم علي انفسهم الست بربكم قالوا بلي " قلت معاينة كان هذا قال نعم (1) فثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه ولولا ذلك لم يدر احد من خالقه ورازقه. فمنهم من اقر بلسانه في الذر ولم يؤمن بقلبه فقال الله " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل " (2) واما قوله (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين) فانها نزلت في بلعم بن باعورا وكان من بني اسرائيل، وحدثني ابى عن الحسن (الحسين ط) بن خالد عن ابى الحسن الرضا (عليه السلام) انه اعطي بلعم بن باعورا الاسم الاعظم، فكان يدعو به فيستجاب له فمال إلى فرعون. فلما مر فرعون في طلب موسى واصحابه قال فرعون لبلعم ادعو الله على موسى واصحابه ليحبسه علينا فركب حمارته ليمر في طلب موسى واصحابه فامتنعت عليه حمارته فاقبل يضربها فانطقها الله عزوجل فقالت ويلك علي ما تضربني اتريد اجئ معك لتدعو على موسى نبي الله وقوم مؤمنين، فلم يزل يضربها حتى قتلها وانسلخ الاسم الاعظم من لسانه، وهو قوله (فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد إلى الارض فاتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث) وهو مثل ضربه، فقال الرضا (عليه السلام) فلا يدخل الجنة من البهائم الا ثلاثة حمارة بلعم وكلب اصحاب الكهف والذئب وكان سبب الذئب انه بعث ملك ظالم رجلا شرطيا ليحشر قوما من المؤمنين وبعذبهم وكان للشرطي ابن يحبه، فجاء ذئب فأكل ابنه فحزن الشرطي عليه
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) اي معاينة لجلال الله تعالى لانفسه لانه منزه عن الجسم والجسمانيات.
(2) الاعراف 101 ج. ز (*)
===============
(249)
فأدخل الله ذلك الذئب الجنة لما احزن الشرطي وقوله (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس) اي خلقنا، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (لهم قلوب لا يفقهون بها) اي طبع الله عليها فلا تعقل (ولهم اعين) عليها غطاء عن الهدى (لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها) اي جعل في آذانهم وقرا فلن يسمعوا الهدى، وقوله (وممن خلقنا امة يهدون بالحق وبه يعدلون) فهذه الآية لآل محمد واتباعهم، وقوله (عسى ان يكون قد اقترب اجلهم) هو هلاكهم وقوله (ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها) قال الرحمن الرحيم وقوله (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) قال تجديد النعم عند المعاصي وقوله (واملي لهم) اي اصبر لهم (ان كيدي متين) اي عذابي شديد ثم قال (او لم يتفكروا) يعني قريش (ما بصاحبهم من جنة) يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) اي ما هو مجنون كما يزعمون (ان هو الا نذير مبين) وقوله (او لم ينظروا في ملكوت السموات والارض وما خلق الله من شئ وان عسي ان يكون قد اقترب اجلهم فباي حديث بعده) يعني بعد القرآن (يؤمنون) اي يصدقون، وقوله (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون) قال يكله الي نفسه.
واما قوله (يسألونك عن الساعة ايان مرساها) فان قريشا بعثت العاص بن وايل السهمي والنضر بن حارث بن كلدة وعتبة بن ابي معيط إلى نجران ليتعلموا من علماء اليهود مسائل ويسألوا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان فيها سلوا محمدا متى تقوم الساعة؟ فان ادعى علم ذلك فهو كاذب، فان قيام الساعة لم يطلع الله عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا. فلما سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) متى تقوم الساعة؟ انزل الله تعالي (يسألونك عن الساعة ايان مرسيها قل انما علمها عند ربى لا يجليها لوقتها الا هو ثقلت في السموات والارض لا تأتيكم الا بغتة يسئلونك كانك حفي عنها)
===============
(250)
اي جاهل بها (1) قل لهم يامحمد (انما علمها عند الله ولكن اكثر الناس لا يعلمون) وقوله (ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) قال كنت اختار لنفسي الصحة والسلامة.
واما قوله (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن اليها فلما تغشيها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما اثقلت دعوا الله ربهما لان آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) لقد خالف المصنف (رح) في معنى هذه الكلمة سائر المفسرين حيث فسرها بالجاهل بها، وفسروها بالعالم بها، فالتفسيران متضادان ظاهرا، ويمكن ان يقال في مقام رفع التنافي بينهما ان معني " حفي عن الشي " انه استقصى في السؤال عنه، فبدؤه الجهل وختامه العلم، لان الجهل بالشئ ينشئ السؤال عنه ونتيجة الاستقصاء في السؤال العلم به غالبا، فكأن نظر المصنف (رح) إلى البداوة ونظر الذي فسرها بالعلم الي النهاية. وكلا المعنيين لهما ربط بالمقام الا ان الاول ارجح لان المستقصي في السؤال عن شئ لا يخلو من الجهل به قبل الاستقصاء وانه قد يخلو من العلم بعده اذا ليس كل مستقص عالما فالمعنى على تعبير المصنف (رح): ان مشركي قريش يسألونك عن الساعة كانهم يحسبونك من الجهلاء الذين مدرك علمهم الناس، وقصدهم ان يعيروك لانك اذا عينت وقتها تكون كاذبا عند اليهود، واذا فحمت عن الجواب يظهر جهلك عندهم والحال انك لست من الجهلاء الذين يسألون الناس عن كل شئ حتى اذا لم تجبهم عن هذه المسألة يكن لك عيبا بل انك كلما تعلم فهو من الله فعدم علمك بوقت الساعة ليس بعيب لك لان الله لم يخبرك به واختصه لنفسه كما قال " انما علمها عند الله لا يجليها لوقتها الا هو " ج. ز (*)
===============
(251)
آتاهما) حدثني ابي قال حدثني الحسن بن محبوب عن محمد بن النعمان الاحول عن بريد العجلي عن ابي جعفر (عليه السلام) لما علقت حواء من آدم وتحرك ولدها في بطنها قالت لآدم ان في بطني شيئا يتحرك، فقال لها آدم الذي في بطنك نطفة مني استقرت في رحمك يخلق الله منها خلقا ليبلونا فيه فاتاها ابليس، فقال لها كيف انت؟ فقالت له اما اني قد علقت وفي بطني من آدم ولد قد تحرك، فقال لها ابليس اما انك ان نويت ان تسميه عبدالحارث ولدتيه غلاما وبقي وعاش وان لم تنو ان تسميه عبدالحارث مات بعدما تلدينه بستة ايام، فوقع في نفسها مما قال لها شئ فاخبرت بما قال آدم، فقال لها آدم قد جاءك الخبيث لا تقبلي منه فاني ارجو ان يبقى لنا ويكون بخلاف ما قال لك، ووقع في نفس آدم مثل ما وقع في نفس حواء من مقالة الخبيث، فلما وضعته غلاما لم يعش الا ستة ايام حتى مات فقالت لآدم قد جاءك الذي قال لنا الحارث فيه، ودخلهما من قول الخبيث ما شككهما، قال فلم تلبث ان علقت من آدم حملا آخر فاتاها ابليس، فقال لها كيف انت؟ فقالت له قد ولدت غلاما ولكنه مات اليوم السادس فقال لها الخبيث اما انك لو كانت نوبت ان تسميه عبدالحارث لعاش وبقي، وانما هو الذي في بطنك كبعض ما في بطون هذه الانعام التى بحضرتكم اما ناقة واما بقرة واما ضان واما معز فدخلها من قول الخبيث ما استمالها إلى تصديقه والركون إلى ما اخبرها الذي كان تقدم اليها في الحمل الاول، واخبرت بمقالته آدم فوقع في قلبه من قول الخبيث مثل ما وقع في قلب حواء " فلما اثقلت دعو الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهم صالحا " اي لم تلد ناقة او بقرة او ضانا أو معزا فاتاهما الخبيث، فقال لها كيف انت؟ فقالت له قد ثقلت وقربت ولادتي، فقال اما انك ستندمين وترين من الذي في بطنك ما تكرهين ويدخل آدم منك ومن ولدك شئ لو قد ولدتيه ناقة او بقرة او ضانا او معزا فاستمالها الي طاعته
===============
(252)
والقبول لقوله، ثم قال لها اعلمي ان انت نويت ان تسميه عبدالحارث وجعلت لي فيه نصيبا ولدتيه غلاما سويا عاش وبقي لكم، فقالت فاني قد نويت ان اجعل لك فيه نصيبا، فقال لها الخبيث لا تدعي آدم حتى ينوي مثل ما نويتي ويجعل لى فيه نصيبا ويسميه عبدالحارث فقالت له نعم، فاقبلت على آدم فاخبرته بمقالة الحارث وبما قال لها ووقع في قلب آدم من مقالة ابليس ما خافه فركن إلى مقالة ابليس، وقالت حواء لآدم ائن انت لم تنو ان تسميه عبدالحارث وتجعل للحارث فيه نصيبا لم ادعك تقربني ولا تغشاني ولم يكن بيني وبينك مودة، فلما سمع ذلك منها آدم قال لها اما انك سبب المعصية الاولى وسيدليك بغرور قد تابعتك واجبت إلى ان اجعل للحارث فيه نصيبا وان اسميه عبدالحارث (1) فاسرا
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يخفى ان الحارث وان كان من اسامي ابليس لعنه الله كما يظهر من هذه الرواية، لكن له معان اخر ايضا كزارع الحرث والكاسب، وليس من قبيل " ابليس " او " الشيطان " المختصين به، فانه لو كان كذلك لم يسم به اخيار الناس كحارث بن همام وحارث بن سراقة الذين كانا صحابيين جليلين لامير المؤمنين عليه السلام، فاذا لم يكن باس في التسمية بنفس الحارث كيف يكون التباس في النسمية بعبد الحارث لامكان ان اراد منه آدم (ع) هو الله لصدق الحارث بمعنى مخرج الحرث، عليه حقيقة واما قوله: اجعل للحارث فيه نصيبا معنا اجعل نصيبا في الطاعة لا في العبادة وهو المراد من شرك الطاعة في قول الامام (ع) الآتي ذكره فان قلت: كيف جاز لآدم ان جعل للشيطان نصيبا في واده؟ واذا جاز لم عاتبه الله تعالى بقوله: فلما آتاهم صالحا جعلا له شركاء قلت: كان ذلك جائزا لان الذي جعل للشيطان نصيبا في ولد آدم هو الله تعالى بقوله: وشاركهم في الاموال والاولاد، فاذا جعل آدم له فيهم نصيبا لم يكن = (*)
===============
(253)
النية بينهما بذلك فلما وضعته سويا فرحا بذلك وامنا ما كان خافا من ان يكون ناقة او بقرة او ضانا او معزا واملا ان يعيش لهما ويبقى ولا يموت في اليوم السادس فلما كان في اليوم السابع سمياه عبدالحارث.
اخبرنا احمد بن ادريس عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن موسى ابن بكر عن الفضل عن ابي جعفر (عليه السلام) في قول الله " فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما " فقال هو آدم وحواء وانما كان شركهما شرك طاعة ولم يكن شرك عبادة فانزل الله على رسوله الله (صلى الله عليه وآله) (هو الذي خلقكم من نفس واحدة ـ إلى قوله ـ فتعالى الله عما يشركون) قال جعلا للحارث نصيبا في خلق الله ولم يكن اشركا ابليس في عبادة الله ثم قال (أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون) ثم احتج على اللمحدين فقال (والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصرا ولا انفسهم ينصرون ـ إلى قوله وتراهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون) ثم ادب الله رسوله (صلى الله عليه وآله) فقال (خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين) ثم قال (واما ينزغنك من الشيطان نزغ) قال ان عرض في قلبك منه شئ ووسوسة (فاستعذ بالله انه سميع عليم) ثم قال (ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون) قال واذا ذكرهم الشيطان المعاصي وحملهم عليها يذكرون الله فاذاهم مبصرون، قال واذا ذكرهم الشيطان واخوانهم من الجن (يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) اي لا يقصرون من
ـــــــــــــــــــــــــ
= مقدوحا الا ان آدم لما لم يكن له مقام كمقام الله حتى يجيز للشيطان في المشاركة كما اجاز الله، لم يكن سائغا له ان يرخصه بكذا خصوصا اذا كان مترشحا منه الانقياد للشيطان والرضا على طاعة ولده له فلذا عاتبه الله تعالى والله العالم. ج. ز (*)
(254)
تضليلهم (واذا لم تأتهم بآية قالوا) قريش (لولا اجتبيتها) وجواب هذا في الانعام في قوله " قل لهم ـ يامحمد ـ لو ان عندي ما تستعجلون به " يعني من الآيات " لقضي الامر بيني وبينكم " وقوله في بني اسرائيل " وما نرسل بالآيات الا تخويفا " وقوله (واذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون) يعني في الصلاة اذا سمعت قراءة الامام الذي تأتم به فانصت (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة) قال في الظهر والعصر (ودون الجهر من القول بالغدو والآصال) قال بالغداة والعشي (ولا تكن من الغافلين ان الذين عند ربك) يعني الانبياء والرسل والائمة (عليهم السلام) (لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون)
Comment