بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ
هل المحراب سور؟
وكيف دخل الخصمان المتنازعان على داوود (ع) ؟ وما قصتهما ؟
نقرا جميعا ما خطته يد القائم المباركة في بيان معاني القرآن الكريم :
قال تعالى في قص حادثة امتحان داود (ع) : ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ * يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ ([1])
وهنا يجب الالتفات إلى أن التسوّر أي عبور الجدار لا يصح على من يقف في المحراب، لأنه ليس سوراً بل داخل بيت العبادة.
ثم إنّ مكان داود (ع) كان عليه حراسة شديدة، فلا يمكن اجتيازها؛ لأنه من ضمن الحرس ملائكة الله. ولذا فداود (ع) فزع منهم وهم طمئنوه ﴿قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾([2]).
وكون المحراب (مكان الصلاة) هو مكان ظهور الخصمين، يدل على أنهما أتيا من جهة الله سبحانه وتعالى، أي من الغيب فهما ملكان وليسا إنسانين. فتسورهما من الآخرة إلى الدنيا من جهة العبادة (المحراب).
فالسؤال: كيف يدَّعي ملك أنه يملك نعاجاً، ومال الملائكة ومال النعاج ؟ ولماذا اختصما وما هي خصومتهما ؟
إذن، القضية ليست قضية نعاج، كما يتوهم من يسمع قصة الملكين مع داود (ع)، فالملائكة معصومون ولا يمكن أن يكون كلامهم فيه كذب، كما أنهم من عالم الملكوت فلا يمكن أن يكونوا رعاة أغنام ويختصمون في نعجة.
والحقيقة، أن الملكين جاءا لامتحان داود (ع)، كما أمرهم الله سبحانه وتعالى وأحدهما خُلِق من تسعة وتسعين اسماً من أسماء الله سبحانه وتعالى، (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) ([3])، فالملائكة خُلقوا من أسماء الله، كما قدمت فيما مضى من المتشابهات([4])، وكل اسم جناح ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([5])، والثاني خُلق من اسم واحد من أسماء الله غير التسعة والتسعين، وتحت كل من هذين الملكين ملائكة، فهما قادة لملائكة دونهم، فصاحب التسعة والتسعين اسماً يقود تسعة وتسعين نوعاً من الملائكة، لأنه يعرف أسماءهم، ولا أقصد بالاسم هنا اللفظ أو المعنى، بل حقيقة الاسم الممكنة للمخلوق. وهذا الملك طلب من الملك الآخر أن يعلمه ويعرفه حقيقة اسم الملك الذي يقوده هو، وهذا يستلزم معرفة اسم الله الذي خلق منه الملك، وبما انه - أي الملك صاحب التسعة والتسعين اسماً - لم يكن مخلوقاً من هذا الاسم، فهو غير قادر على معرفته، لأن فطرته لم يودع فيها هذا الاسم. إذن، فهو غير قادر على قيادة الملك الذي يقوده الملك الثاني والذي خُلق من اسم يجهله الملك الأول.
وقد طلب الملك الأول من الملك الثاني تعريفه الاسم بأمر الله ﴿لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾([6]).
وعبّر الملك عن الملائكة التسعة والتسعين وعن الملك الذي يقوده بالنعاج؛ لأن الأغنام هي أكثر الحيوانات المرعية سلاسة في القيادة وطاعة لراعيها وقائدها، كما أن الملائكة سلسو القيادة ولا يعصون قائدهم، وهذا هو أسلوب إيصال العلم من الملكوت إلى هذا العالم الجسماني، وهو عملية التمثل بما هو موجود في هذا العالم، ليسهل فهم المعلومة والخبر الملكوتي، كما هو حال الرؤيا التي يريها الملائكة (ع) لإنسان، فهم يستخدمون هذه الأمور النعاج للتعبير عن الرعية والأتباع، والشمس والقمر للتعبير عن الهادي، والشاي للتعبير عن الهم، وهكذا يستخدمون رموزاً من هذا العالم الجسماني لبيان المعاني، فالنعاج ترمز إلى ملائكة يقودهم هذان الملكان.
هذا بالنسبة لكلام الأنبياء والملائكة، أما القرآن فهو كلام الله سبحانه وتعالى والله ليس كمثله شيء، فكلامه سبحانه ليس ككلام البشر ولا تجري عليه قواعد كلام البشر، بل كلامه سبحانه ليس كمثله كلام كما أنه ليس كمثله شيء.
*إضـــاءة* ـ إضاءات من دعوات المرسلين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) صّ: 21 - 26.
([2]) صّ: 22.
([3]) عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب ، قال: (قال رسول الله : إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة ..) التوحيد - الشيخ الصدوق: ص194.
([4]) انظر: المتشابهات: الجزء الثاني/ جواب سؤال (64).
([5]) فاطر: 1.
([6]) الأنبياء: 27.
اللهم صل على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ
هل المحراب سور؟
وكيف دخل الخصمان المتنازعان على داوود (ع) ؟ وما قصتهما ؟
نقرا جميعا ما خطته يد القائم المباركة في بيان معاني القرآن الكريم :
قال تعالى في قص حادثة امتحان داود (ع) : ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ * يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ ([1])
وهنا يجب الالتفات إلى أن التسوّر أي عبور الجدار لا يصح على من يقف في المحراب، لأنه ليس سوراً بل داخل بيت العبادة.
ثم إنّ مكان داود (ع) كان عليه حراسة شديدة، فلا يمكن اجتيازها؛ لأنه من ضمن الحرس ملائكة الله. ولذا فداود (ع) فزع منهم وهم طمئنوه ﴿قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾([2]).
وكون المحراب (مكان الصلاة) هو مكان ظهور الخصمين، يدل على أنهما أتيا من جهة الله سبحانه وتعالى، أي من الغيب فهما ملكان وليسا إنسانين. فتسورهما من الآخرة إلى الدنيا من جهة العبادة (المحراب).
فالسؤال: كيف يدَّعي ملك أنه يملك نعاجاً، ومال الملائكة ومال النعاج ؟ ولماذا اختصما وما هي خصومتهما ؟
إذن، القضية ليست قضية نعاج، كما يتوهم من يسمع قصة الملكين مع داود (ع)، فالملائكة معصومون ولا يمكن أن يكون كلامهم فيه كذب، كما أنهم من عالم الملكوت فلا يمكن أن يكونوا رعاة أغنام ويختصمون في نعجة.
والحقيقة، أن الملكين جاءا لامتحان داود (ع)، كما أمرهم الله سبحانه وتعالى وأحدهما خُلِق من تسعة وتسعين اسماً من أسماء الله سبحانه وتعالى، (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) ([3])، فالملائكة خُلقوا من أسماء الله، كما قدمت فيما مضى من المتشابهات([4])، وكل اسم جناح ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([5])، والثاني خُلق من اسم واحد من أسماء الله غير التسعة والتسعين، وتحت كل من هذين الملكين ملائكة، فهما قادة لملائكة دونهم، فصاحب التسعة والتسعين اسماً يقود تسعة وتسعين نوعاً من الملائكة، لأنه يعرف أسماءهم، ولا أقصد بالاسم هنا اللفظ أو المعنى، بل حقيقة الاسم الممكنة للمخلوق. وهذا الملك طلب من الملك الآخر أن يعلمه ويعرفه حقيقة اسم الملك الذي يقوده هو، وهذا يستلزم معرفة اسم الله الذي خلق منه الملك، وبما انه - أي الملك صاحب التسعة والتسعين اسماً - لم يكن مخلوقاً من هذا الاسم، فهو غير قادر على معرفته، لأن فطرته لم يودع فيها هذا الاسم. إذن، فهو غير قادر على قيادة الملك الذي يقوده الملك الثاني والذي خُلق من اسم يجهله الملك الأول.
وقد طلب الملك الأول من الملك الثاني تعريفه الاسم بأمر الله ﴿لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾([6]).
وعبّر الملك عن الملائكة التسعة والتسعين وعن الملك الذي يقوده بالنعاج؛ لأن الأغنام هي أكثر الحيوانات المرعية سلاسة في القيادة وطاعة لراعيها وقائدها، كما أن الملائكة سلسو القيادة ولا يعصون قائدهم، وهذا هو أسلوب إيصال العلم من الملكوت إلى هذا العالم الجسماني، وهو عملية التمثل بما هو موجود في هذا العالم، ليسهل فهم المعلومة والخبر الملكوتي، كما هو حال الرؤيا التي يريها الملائكة (ع) لإنسان، فهم يستخدمون هذه الأمور النعاج للتعبير عن الرعية والأتباع، والشمس والقمر للتعبير عن الهادي، والشاي للتعبير عن الهم، وهكذا يستخدمون رموزاً من هذا العالم الجسماني لبيان المعاني، فالنعاج ترمز إلى ملائكة يقودهم هذان الملكان.
هذا بالنسبة لكلام الأنبياء والملائكة، أما القرآن فهو كلام الله سبحانه وتعالى والله ليس كمثله شيء، فكلامه سبحانه ليس ككلام البشر ولا تجري عليه قواعد كلام البشر، بل كلامه سبحانه ليس كمثله كلام كما أنه ليس كمثله شيء.
*إضـــاءة* ـ إضاءات من دعوات المرسلين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) صّ: 21 - 26.
([2]) صّ: 22.
([3]) عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب ، قال: (قال رسول الله : إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة ..) التوحيد - الشيخ الصدوق: ص194.
([4]) انظر: المتشابهات: الجزء الثاني/ جواب سؤال (64).
([5]) فاطر: 1.
([6]) الأنبياء: 27.
Comment