بقلم شيخ علاء السالم
هلا عرفنا الحقيقة .. حديث صريح مع النفس !!
اسأل الله ان يكون الجميع بخير وعافية.
في فجر يوم عرفة المبارك ارتأيت عرض خلاصة حوار دار بين اثنين من المؤمنين، وهذه عصارته عسى وان يكون فيه نفع لي ولغيري من المؤمنين بفضله ورحمته سبحانه.
"كل من عليها فان"
المفروض بنا كعباد مؤمنين أن نعمل لله ولنصرة خليفته في أرضه ولا نفكر بشيء ثانٍ؛ مهما تراءى لنا قدره، لا إمرة على المؤمنين ولا جاه ولا مال ولا غير ذلك مهما عرضت القائمة وطالت.
ينبغي لي كمؤمن أن أفهم هذا: على كل واحد منا أن يعمل لله مخلصاً ويسأل الله أن يختم له بخير،
حقيقة لابد أن نصارح بها أنفسنا،
لا يوجد غير هذا، وإلا سيكون حالنا كحال من يريد أن يجمع هواء في شبك !!
لنعلم جيداً هذه الحقيقة، وهي:
أن كل شيء في عالم الوجود هذا فاني إلا ما كان لله، ولا يبقى إلا ما قصدت به وجه الله، وكل ما عدا ذلك فهو لا قيمة له.
والله إن من لا يفهم هذه الحقيقة قولاً وفعلاً فهو مخدوع:
((كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام)).
ومثلما جرى الامتحان على غيرنا فهو جاري علينا؛ على الانصار جميعاً، ولأن الله سبحانه كريم فهو يعطي كل منا مراده، وأنت لا تستطيع أن تغلق نوافذ الامتحان عن نفسك، فكيف يمكن لك ان تتصور انك تستطيع اغلاقها عن غيرك إلا بقدر التناصح في الله ؟!!
كيف لك أن تكون كآل محمد (ع) ؟!
كيف لك أن تكون بنفس الحال والسلوك ومستوى التفكير، سواء كنت في أول المسير أم آخره ؟ أول القوم أم آخرهم ؟ سواء كنت تقود جيشاً او انك تحمل امتعتهم او حتى تنظف احذيتهم ؟!
أي تبقى أنت أنت في علاقتك مع ربك ولم تتغير أو يتغير شيء فيك مطلقاً ؟
ربما اذا عرفت أن الوجود الحقيقي لله فقط، وعرفت أنه كل شيء، وما عداه سبحانه إن كان له وجود فهو وجود بفضل الله وجوده، وإلا فواقعه وحقيقته تشهد انه لا شيء، وان لم تقبل فقل مجرد شيء هويته الفناء والاندثار والتلاشي، وما كان هذا واقعه فأكيد أنك ان طلبته بنفسك فطلبك له مجرد طلب لسراب تماماً كما ينخدع العطشان بسراب يحسبه ماء وواقعه ليس كذلك.
وما هذه صفته الحقيقية لا قيمة له ابداً.
وما هذه صفته هو: ما نفعله ولم نقصد الله من ورائه.
ولمن عرف هذا أقول:
اذا كانت الدنيا وما فيها (نعم كل ما فيها) حقيقتها ما عرفناه، فعلام الاختلاف والمشاكل بين المؤمنين مثلاً ؟
علام طلب الجاه والرفعة وما شابه مما يخطر في بالي او بال غيري ؟
إنّ حالنا ونحن مختلفين، كحال ثلة من الناس يتعاركون على الامساك بشبكة وكل واحد منهم يريد تناول اطرافها جميعاً أو لا اقل طرف من اطرفها، وعراكهم على: من منهم يستطيع أن يجمع اكبر كمية ممكنة من الهواء داخل تلك الشبكة ؟!
ولو خيّلت لك نفسك وأنت داخل ميدان العراك هذا فلا اشك أنك تستحي من نفسك، بل هذه الحقيقة تدعو المؤمن الى أن يتألم من نفسه فضلاً عن النظر الى دار بأكملها (أي الدنيا) هذا حال طلابها ؟
لا ابالغ ان قلت ربما يكره الواحد منا نفسه اذا ما اكتشف هذه الحقيقة يوماً ما، بل ورأى حاله داخل حلبة الصراع تلك !!
وإلا بربك ! من يعرف أن واقعه وحقيقته لا شيء، وانه إن قُدّر له الوجود فهو بالله سبحانه، وهو من تفضل عليه واعتبر له ذلك، وان كل ما عندك - يبن آدم - هو بفضل الله عليك وبرحمته، وأما حقيقتك وواقعك - لولا الله - فهي صفر، اذن علام كل هذا الضجيج في محضر الله، ومحضر خليفة الله ؟
ما هي القيمة الحقيقية لهذا ؟!
اذا لم يكن ضجيجي لله، فهل اعتقد أنه سيبقى وله قيمة ؟
لا والله، مجرد هواء في شبك، ولا قيمة له، القيمة فقط لما كان لله وما كان خالصاً لوجه الله، هذا الذي يبقى فقط، وما عداه فكله رماد.
هل الرجل جن او اعتراه شيء ما ؟ ربما هذا ما سيقوله البعض.
لكنها الحقيقة.
لا ابالغ ان قلت ان الكثير منا (ولد أدم) احياناً يدعي الالوهية.
اما كيف ؟
لما اختلف مع اخي المؤمن لسببٍ ما، كطريقة عمل يراها هو بطريقة ارى انا خلافها، بالنتيجة ماذا اريد ؟
اريد ان اقدم رأيي، اعتقادي الجازم ان رأيه خطأ يعني اني الصحيح لا غير.
هو في المقابل سيكون أمام امرين:
أن يتذكر الله ويتحملني ويأخذني على قدر عقلي ويحتويني فيكون قد نجى بتذكّره لربه، أو يعاملني بالمثل.
واذا عاملني بالمثل اذا انا وإياه نتخاصم على ألوهية فارغة، لا قيمة لها. اريده ان يسجد لي، وهو يريد مني ان اسجد له، فيظهر ان الخصام كله متلخص في: هل يسجد لأناي (معبودي الفاني) او اسجد لاناه ؟
اما ان كنا معاً لله (الباقي)، فو الله لا يحصل أي اختلاف ولا أي مشكلة ويبقى مجرد تناصح بيننا نريد به وجه الله، والخير ما يختاره الله.
وهل ما كان لله الباقي يحصل فيه اختلاف ؟ هيهات.
والله ان من يختلف مع أخيه المؤمن، ولم يبق الحال على مستوى التناصح في الله، أو أنه يطلب بنفسه شيء من حطام هذه الدنيا، يكون حاله كحال جامع الهواء في شبك لا اكثر ولا أقل،
وإلا أنت الان فهمت:
ان الباقي هو الله فقط،
والباقي ما كان لله،
كما ان ما عداه سبحانه إن قُدّر له بقاء فهو بفضله سبحانه، وإلا فهو فاني في حقيقته، ولكن ولأنه لله تفضل الله عليه بالبقاء.
اذن لماذا تبحث نفسي عن منصب وأنا أعلم ان نهايته الفناء ؟!
لماذا تفكر نفسي بجاه وأنا أعلم ان نهايته الفناء ؟!
لماذا تبحث عن مال وأنا أعلم ان نهايته الفناء ؟!
لماذا .... ولماذا .....
البقاء لله ولما كان خالصاً لله.
كل ما سوى ذلك لا قيمة له.
كل ما سوى ذلك سراب.
كل ما سوى وهم وخداع.
كل ما سوى ذلك ضياع وتيه وعطش.
كل ما سوى الله وما كنت فيه مخلصاً لله فأنت كنت فيه مأكول، أكلك وهمك وتيهك وخداعك لنفسك، ونخر فيك سراب الانا المقيت لا اقل ولا اكثر.
مع الاسف، كم منا مأكول اليوم، والآكل له السراب والوهم والخيال والخداع والشهوات والدنيا وزخرفها !!
قال الله تعالى:
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} آل عمران14.
{وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} آل عمران185
{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} الأنعام32
اياكم ان تنغروا بالحياة الدنيا وما فيها، وتطلبوا فيها غير الله.
فما هي الا متاع الغرور، فلا تنخدعوا.
ما هي الا لعب ولهو، فلا تنخدعوا.
لا تنخدعوا بفناء حتى وان انخدعت بها نفوسنا فترة ورأت فيها العمران والنساء والثروات والجاه والسلطان ووووووو، فو الله ما هو الا متاع المغتر المخدوع، والا فهل يغتر ذو فطنة ببناية يعلم انها بعد يومين تؤول الى رماد منثور يعصف به الريح، بل هل يخطر في باله ولو لحظة ويفكر بالسكن في تلك البناية ؟!!
لا اظن انه عاقل ان فكر بالسكن والاستقرار فيها ولو لحظة.
هذا هو حال الدنيا وحال من فيها وحال طلابها.
البقاء لله ولما كان خالصاً له بفضله سبحانه.
هذه هي الحقيقة التي قالها ويقولها السيد احمد الحسن (ع) باستمرار على حد معرفتي لها. وهنيئا لمن عرفها وعمل بها، والى من لم يعرفها الى الان كحالي اقول: انك مخدوع مأكول، ولا تكاد القصة تنتهي، فلا اله إلا هو سبحانه ينجينا مما نحن فيه.
احياناً كثيرة أقول: اننا وان كنا ندعي الايمان ولكن ربما صدر منا ظلم كبير لخلفاء الله وال محمد (ع) منهم بالخصوص !!
لان خليفة الله طبيب الهي، وهو شخّص مرضنا واعطانا العلاج، ولكن الكثير من الناس لا يقبل ان يأخذ العلاج، او ربما لا يريد ان يفهم ما هو العلاج ؟!
فهل يوجد اكبر ظلم للطبيب من هذا ؟
انك تحتقر علاجه،
او تهينه،
او تدوسه بقدمك،
او او ........
كما يحصل اليوم من الكثير من الخلق وحتى من بعضنا كمؤمنين مع الاسف.
اين المفر ؟
ايها الممتحن لابد أن تنال وتأخذ نصيبك مما اختارته اناك ! او تسلم لربك ولا تلتفت لغيره أبداً.
وبمقدار الانا وتجذرها فيك سيكون عليك تحمل الم الجرعة (الدواء) التي تنجيك من هذا السم القاتل الذي ينخر فيك عصب الحياة !!
احياناً اخاطب النفس هكذا:
الى الان، ولا تقبلين الرضوخ !
وبعد كل كلام خلفاء الله الذي سمعتيه !
اذن ماذا تريدين ؟
دواؤك فيك وما تبصرُ .. وداءك فيك وما تشعرُ
اتحسب انك جرم صغير .. وفيك انطوى العالم الاكبرُ
مرضك فيك، وعلاجه فيك وبيدك أيضاً.
يا سبحان الله.
محمد ص وال محمد ص هم الفائزون بالسباق، وكل من سواهم خاسر ولو بنسب مختلفة، ولكن خسارته على كل حال لا تكاد توصف.
علينا ان نفهم هذا حتى نكف.
وحتى هذا لا نقبل أن نفهمه ؟!
لذلك باعتقادي اننا كمؤمنين المفروض بنا أن نلغي كل ما سوى حسن العاقبة من قاموس تفكيرنا وهمومنا، كل شي غير حسن العاقبة لا يستحق الاهتمام به. كل شيء فاني غير الله وما كان لله.
خذوها خلاصة: كل شيء ليس لله فاني ولا قيمة له.
حتى الزاد الذي نأكله لما يوضع امامنا عندما نجوع، إذا لم نقصد الله ونصرة دينه من ورائه اذن فنحن نتصرف كغيرنا من بقية مخلوقات الله التي تأكل عند الجوع ولا نختلف عنها بشيء، فان كان لفعلها قيمة فلننتظر قيمة لفعلنا حينذاك !!
ومثل ذلك حبنا لآىائنا وأمهاتنا وزوجاتنا وأولادنا وهكذا، فان لم يكن الله في حسبانك فاعلم انه فاني وزائل وليس حاله الا كحال البناية التي اخبرتك عنها قبل قليل !!
احياناً، اسمع عن سيرة احمد الحسن (ع) في المجالس التي يتواجد فيها بين انصاره لا يخوض معهم في حديث يتعلق بامور الدنيا، بل يسكت. ومرة واحدة لما يصير الحديث بالله وبدينه وبخلفائه تراه يتحدث بل احيانا كان يبدأ بتفسير اية او ايات من بعد صلاة العشاء حتى الفجر، فما هو السبب يا ترى ؟
انه وبكل بساطة يعرف ان الحديث في الدنيا حديث بامور فانية ولا قيمة له، بل الحديث اشبه ما يكون بمن يريد جمع الهواء بشبكة، وهذا خلاف الحكمة التي يتمتع بيها خليفة الله.
ولكن كم هو رحيم بنا لما يتصرف معنا على قدر عقولنا ويتركنا نتحدث بذلك، ولكن على كل حال، الان ربما صرنا نستعشر حاله الذي ينطق رغم صمته: "ذرهم في خوضهم يلعبون" !
هو لا يخوض بما نخوض فيه. نعم، يتدخل ويتكلم لما يصل الامر الى البقاء، الى ما له قيمة، الى الله، تراه يتدخل وتراه يتحدث من المساء حتى الصباح، وفجأة ترى ذلك الرجل الساكت ذا اللسان المطبق لما كان الحديث بالدنيا وما فيها، تراه يتحدث ولا ينقطع ؟!
اذن سكوته لا عن عجز في معرفة بالكلام، ولا عن قصور في اعطاء امثال وما شابه، ولا ولا ...، ولكنه يتحدث بما له قيمة فقط لانه حكيم ويعرف الحقيقة التي جاء بها الى الخلق طراً.
ومع هذا يعاملنا برحمة ويعرفنا الحقيقة بلطف وتدرج، وبالرغم من اننا نخوض بما لا قيمة له، ولكنه مع هذا يتحملنا، اذن كم هو رحيم !
الان صار بوسعنا ربما ان نفهم تفضيله للوحدة في بعض كلماته، ولماذا هو ميت يسير بين الناس، ولماذا يستوحش من اهل الدنيا .. صار بوسعنا ان نفهم بعض الشيء من كلماته ع وسيرته ع ..
اعرف جيدا ان المسألة لم يعد حلها بالكلام فقط، واعلم جيدا ايضاً اني قبلكم لا اعرف تطبيق ما ذكرته في حديثي مع نفسي فلماذا اذن اطالبكم بفعل شيء انا لم افعله، ولكن اختم بهذا:
من عرف ما تقدم سوف يعرف كم هو الرقم الحقيقي لحياته، فلا تغرنكم طول السنين والايام او قصرها كما اعتدنا عليه.
بل ما كان منك لله فأنت حي بقدره،
وأما ما سوى ذلك فهو موت ولا حياة فيه ورب محمد ص.
افرض انك مثلاً كنت تجلس بمجلس يحضره جمع من الناس ودار بينكم كلام بمقدار خمس ساعات، كان منه نصف ساعة لله فقط، والاربعة والنصف الاخرى كانت للدنيا ولم يكن لله فيها نصيب، صدقني ان قلت لك: اطمئن ان الاربعة ساعات ونصف الاخرى كنت فيها ميتا ولا حياة لك فيها !!
لهذا ربما الواحد منا لما يموت يجد ان عمره خمس دقايق فقط، لما يكشف له الغطاء، اما لماذا ؟
لانها نصيبه من الاخلاص لله الذي كان عنده.
وبالمقابل نرى انسانا يموت ولكن حياته يكاد لا تحسب بوقت هذا العالم الزائل، بل يكون له حظ في سجل الحياة الابدية والاخلاص الذي كان بين جوانحه لا يكاد تستوعبه الستين عاماً مثلاً التي قضاها في هذا العالم، بل لا يستوعبه هذا العالم بكل الذي فيه !!
وربما أيضاً يوجد من لا يُكتب له ولا حتى دقيقة حياة واحدة، والعياذ بالله. فليس كل ما تراه امامك من بشر يدب احياء بل اكثرهم اموات ولا يشعرون ايان يبعثون.
طوبى لمن عرف نفسه فعرف ربه.
والحمد لله رب العالمين.
Comment