رد: عقائد : عقائد الامامية للمظفر ـ شيخ علاء ـ المرحلة 1 ـ الدروس المكتوبة والتسجيلات
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
التسجيل الصوتي للمحاضرة ـ للاستماع والتحميل اضغط هنـا
النص:
26 ـ عقيدتنا في طاعة الاَئمّة
ونعتقد: أنّ الاَئمة هم أولو الاَمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم، وأنّهم الشهداء على الناس، وأنّهم أبواب الله، والسبل إليه، والاَدلاّء عليه، وأنّهم عيبة علمه، وتراجمة وحيه، وأركان توحيده، وخُزّان معرفته، ولذا كانوا أماناً لاَهل الاَرض كما أنّ النجوم أمان لاَهل السماء ـ على حد تعبيره صلّى الله عليه وآله(5) ـ. وكذلك ـ على حدِّ قوله أيضاً ـ «إنّ مثلهم في هذه الاُمّة كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوى»
وأنّهم ـ حسبما جاء في الكتاب المجيد ـ (بَلْ عِبادٌ مُكرَمُون * لا يَسبِقُونَهُ بالقَولِ وَهُم بأَمرِه يَعمَلُونَ). وأنّهم الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
بل نعتقد: أنّ أمرهم أمر الله تعالى، ونهيهم نهيه، وطاعتهم طاعته، ومعصيتهم معصيته، ووليّهم وليّه، وعدوَّهم عدوّه.
ولا يجوز الرد عليهم والراد عليهم كالراد على الرسول، والراد على الرسول كالراد على الله تعالى. فيجب التسليم لهم والانقياد لاَمرهم والاَخذ بقولهم.
ولهذا نعتقد: أنّ الاَحكام الشرعية الاِلهية لا تستقى إلاّ من نمير مائهم، ولا يصحّ أخذها إلاّ منهم، ولا تفرغ ذمّة المكلَّف بالرجوع إلى غيرهم، ولا يطمئنّ بينه وبين الله إلى أنّه قد أدّى ما عليه من التكاليف المفروضة إلاّ من طريقهم. إنّهم كسفينة نوح؛ من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق في هذا البحر المائج الزاخر بأمواج الشبه والضلالات، والادّعاءات والمنازعات.
ولا يهمّنا من بحث الامامة في هذه العصور إثبات أنّهم هم الخلفاء الشرعيون وأهل السلطة الإلهية؛ فإنّ ذلك أمر مضى في ذمّة التأريخ، وليس في إثباته ما يعيد دورة الزمن من جديد، أو يعيد الحقوق المسلوبة إلى أهلها، وإنّما الذي يهمّنا منه ما ذكرنا من لزوم الرجوع إليهم في الاَخذ بأحكام الله الشرعية، وتحصيل ما جاء به الرسول الاَكرم على الوجه الصحيح الذي جاء به.
وإنّ في أخذ الاَحكام من الرواة والمجتهدين الذين لا يستقون من نمير مائهم، ولا يستضيئون بنورهم، ابتعاداً عن محجّة الصواب في الدين، ولا يطمئن المكلَّف من فراغ ذمته من التكاليف المفروضة عليه من الله تعالى؛ لاَنّه مع فرض وجود الاختلاف في الآراء بين الطوائف والنحل فيما يتعلَّق بالاَحكام الشرعية اختلافاً لا يرجى معه التوفيق، لا يبقى للمكلَّف مجال أن يتخيَّر ويرجع إلى أي مذهب شاء ورأي اختار، بل لا بدَّ له أن يفحص ويبحث، حتى تحصل له الحجة القاطعة بينه وبين الله تعالى على تعيين مذهب خاص يتيقّن أنّه يتوصِّل به إلى أحكام الله، وتفرغ به ذمّته من التكاليف المفروضة؛ فإنّه كما يقطع بوجود أحكام مفروضة عليه يجب أن يقطع بفراغ ذمّته منها؛ فان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
والدليل القطعي دالّ على وجوب الرجوع إلى آل البيت، وأنّهم المرجع الاَصلي بعد النبي لاَحكام الله المنزلة، وعلى الاَقل قوله عليه أفضل التحيات: «إنّي قد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً؛ الثقلين، وأحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الاَرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» وهذا الحديث اتّفقت الرواية عليه من طرق أهل السنَّة والشيعة.
فدقّق النظر في هذا الحديث الجليل تجد ما يقنعك ويدهشك في مبناه ومعناه، فما أبعد المرمى في قوله: «إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً» والذي تركه فينا هما الثقلان معاً؛ إذ جعلهما كأمر واحد، ولم يكتف بالتمسُّك بواحد منهما فقط، فبهما معاً لن نضل بعده أبداً.
وما أوضح المعنى في قوله: «لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»، فلا يجد الهداية أبداً من فرَّق بينهما ولم يتمسّك بهما معاً، فلذلك كانوا «سفينة النجاة»، و«أماناً لاَهل الاَرض»، ومن تخلَّف عنهم غرق في لجج الضلال، ولم يأمن من الهلاك.
وتفسير ذلك بحبّهم فقط من دون الاَخذ بأقوالهم واتّباع طريقهم هروب من الحق، لا يلجىء إليه إلاّ التعصُّب والغفلة عن المنهج الصحيح في تفسير الكلام العربي المبين.
البيان:
هذه خلاصة عقيدة المظفر في طاعة الائمة (ع):
1- ان الائمة (ع) طاعتهم واجبة وهم الهداة والادلاء والشهداء على الناس وعيبة علم الله وتراجمة وحيه وأركان توحيده وهم الامان لأهل الارض وهم المطهرون . وان امرهم امر الله والراد عليهم راد على الله ومن ثم يجب الانقياد لهم والتسليم.
2- بعد كونهم (ع) خلفاء الله فلا يجوز اخذ الدين والأحكام الا منهم وبه يحصل للمكلف فراغ ذمته من التكاليف التي على عاتقه.
3- المهم من بحوث الامامة بنظره هو اثبات رجوع الناس الى الائمة واخذ الدين منهم وليس اثبات ان الائمة خلفاء الهيون بعد النبي (ص)، يقول: (ولا يهمّنا من بحث الامامة في هذه العصور إثبات أنّهم هم الخلفاء الشرعيون وأهل السلطة الإلهية؛ فإنّ ذلك أمر مضى في ذمّة التأريخ، وليس في إثباته ما يعيد دورة الزمن من جديد، أو يعيد الحقوق المسلوبة إلى أهلها، وإنّما الذي يهمّنا منه ما ذكرنا من لزوم الرجوع إليهم في الاَخذ بأحكام الله الشرعية، وتحصيل ما جاء به الرسول الاَكرم على الوجه الصحيح الذي جاء به).
4- لا يصح الرجوع الى الرواة والمجتهدين الذين لا يستضيؤون بنور ال محمد (ع)، وبالتالي فبعد تعدد الاراء واختلاف الاقوال بشكل لا يمكن معه التوفيق ، يجب على المكلف ان يبحث ويفحص حتى تحصل له الحجة القاطعة على اتباع طريق يحصل به امتثال اوامر الله بنحو قطعي فان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
5- ان الدليل القطعي دال على وجوب الرجوع الائتمام بآل محمد (ع) وأنهم المرجع بعد النبي (ص) وحديث الثقلين واضح في بيان هذه الحقيقة.
ملاحظة: ان الترتيب الصحيح والمنهجي للبحوث ان طاعة الائمة ع تكون بعد اثبات إمامتهم وليس العكس كما فعل الشيخ المظفر ، لذا نحن أولاً نبين بعض أدلة امامتهم (ع) ثم بعد اثباتها يثبت وجوب طاعتهم بنحو أكيد.
دليل امامة الائمة (ع):
تقدم بيان القانون الالهي الذي خص الله به خلفاءه وبه احتجوا على الناس، وقانون الله مؤلف من الفقرات الثلاثة (النص والعلم وراية البيعة الله). وعليه فمن أراد ان يعرف امامة ال محمد (ع) فأكيد يجد فيهم هذه الفقرات.
أما النص، فأمام المسلمين جميعاً وصية رسول الله (ص) ليلة وفاته وهو يحدد الاوصياء من بعده الى يوم القيامة. ونص الوصية هو التالي:
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين (ع)، قال: (قال رسول الله ص في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي ع: يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة، فأملا رسول الله ص وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الإثني عشر إمام، سمّاك الله تعالى في سمائه علياً المرتضى وأمير المؤمنين والصديق الأكبر والفاروق الأعظم والمأمون والمهدي فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك.
يا علي، أنت وصيي على أهل بيتي حيّهم وميتهم وعلى نسائي فمن ثبتها لقيتني غداً ومن طلقتها فأنا برئ منها لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي، فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد، فذلك إثنا عشر إماماً.
ثم يكون من بعده إثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى إبنه أول المقربين (المهديين) له ثلاثة أسامي: أسم كاسمي وأسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين) غيبة الطوسي: ص111.
وهذا يعني ان ال محمد الاوصياء هم ((اثنا عشر اماما واثنا عشر مهديا)) .. وهذا النص :
1- متواتر معنى، لأنها تبين قسمين لآل محمد (ع) الاثنا عشر اماما والاثنا عشر مهديا وكلا الصنفين ورد عن ال محمد عشرات الروايات في ذكرهم كما هو واضح، وقد قام انصار الامام المهدي بإخراج بعض تلك الروايات في كتبهم.
2- ان هذه الوصية مقرونة بعدة قرائن قرآنية وروائية تؤكد صدورها، وبعد ثبوت تواترها المعنوي واعتضادها بالقرائن التي توجب العلم بها فبكل تأكيد لا تكون داخلة ضمن التقسيم الرباعي للحديث (صحيح حسن موثق ضعيف) كما صرح كبار العلماء.
الوصية دليل صدق الوصي:
سئل السيد احمد الحسن ع عن قوله تعالى: (( وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ" سورة الزخرف .. ما معني هذا الآية وهل لها علاقة بأصحاب المهدي ع أو المهديين ؟
فكان الجواب هو التالي وهو يوضح الاستدلال بوصية رسول الله ص:
(( ج/ بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
((وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ * وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ )) [الزخرف: 57-61 ].
قريش والعرب كانوا يجادلون بمغالطة يصيغونها على أنها سؤال يطلبون جوابه من محمد ص وسؤالهم يقارن بين ألوهية أصنامهم التي يدعونها وألوهية عيسى التي يدعيها المسيحيون لعيسى ع في حين أن المسؤول صلى الله عليه وآله الذي ينكر عليهم تأليه الأصنام أيضا لا يقر بألوهية عيسى ع المطلقة بل يقول إن عيسى ع إنسان وعبد من عباد الله وخليفة من خلفاء الله في أرضه ولهذا وصف الله حالهم بأنهم مجادلون حيث أن السؤال مبني على فرض غير صحيح ولا يقره ولا يقول به المسؤول، وهذا الأسلوب يستخدمه أئمة الكفر دائما عندما يجدون أن أدلة الدعوة الإلهية قد أخذت بأعناقهم فيصيغون سؤالا مبنيا على مغالطة وفرض غير صحيح لا يقره ولا يقول به المسؤول ليشكلون على الدعوة الإلهية ويطلبون جواباً لمغالطتهم وسؤالهم الخاطئ والمبني على الخطأ وهؤلاء جوابهم يكون في بيان أن السؤال مبني على فرض خاطئ ليتضح أنهم مجرد مجادلين كما وصفهم القرآن ((مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)).
ومن ثم انتقل النص الإلهي إلى القول ((وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ)): أي لو نشاء لجعلنا منكم خلفاء - كالملائكة معصومين أنقياء أطهار - يخلفون الله سبحانه وتعالى بعد محمد ص ويخلفون محمداً ص بعد انتقاله إلى الملأ الأعلى ويخلف بعضهم بعضا كما انه سبحانه جعل قبل هذا عيسى ع عبد الله خليفة لله في أرضه فالله سبحانه وتعالى قال عن عيسى ع: (وَجَعَلْنَاهُ)) ثم قال (( لَجَعَلْنَا مِنكُم)) والجعل فيهما واحد، ((إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم ....)) أي جعل عيسى ع مثالا وقدوة وقائدا يقتدي به ويتبعه بنو إسرائيل ولو شاء الله لجعل منكم خلفاء في هذه الأمة تقتدون بهم وتتعلمون منهم وتتخذونهم مثالا يحتذى به كما جعل الله عيسى ع (( مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ )).
وحقيقة إن العجب لا ينقضي ممن يسمون أنفسهم مفسري القرآن ويقولون إنّ المراد هنا هو بدلاً منكم فلو كان يمكن أن تقلب المعاني بهذه الصورة القبيحة بإضافة ألفاظ تغير معنى الكلام تماماً بحيث يقلب النفي إيجاباً والإيجاب نفياً، لما بقي للكلام معنى فكيف لعاقل أن يقول إن معنى (منكم) هو (بدلا منكم) هذا كمن يقول إن معنى (نعم) هو (لا) ومعنى (لا) هو (نعم) ؟!!! في حين أن عد فرد من الجن أو الإنس بأنه من الملائكة لسبب، كمشابهتهم في الطاعة أو نقاء وطهارة باطنه أو لارتقائه معهم في السماوات، قد ذكر في القرآن، فالله قد عد إبليس من الملائكة لأنه كان قبل أن يعصي وبحسب ارتقائه في السماوات يحسب من الملائكة ((وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى)) [طه: 116] ((وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)) [البقرة: 34].
والجعل في الآيات المتقدمة هو نفسه الجعل الأول لآدم ع خليفة الله في أرضه ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)) [البقرة : 30]، وهو نفسه جعل الله لداود ع خليفة في الأرض ((يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)) [ص: 26].
فلو رتبنا الآيات وقرأناها بالتوالي سنجد أن القرآن ينص بوضوح أن أمر الاستخلاف بدأ بآدم ع وهو مستمر بعد محمد ص ((.... وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ...... يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ........ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ....... وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ)).
وقد شاء سبحانه وتعالى وفعل ما أراد وجعل ملائكة في الأرض يخلفون بعد محمد ص كما انه جعل عيسى سابقا قبل محمد ص وهؤلاء هم آل محمد ع الأئمة والمهديون لهذا أتم سبحانه بقوله ((وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ)) : أي إن هذا الجعل الإلهي ((لَجَعَلْنَا مِنكُم )) - والذي نقل بنص وصية محمد ص الوحيدة ليلة وفاته - علم يعرف به دين الله الحق إلى يوم القيامة أي كما وصفه رسول الله ص بأنه كتاب عاصم من الضلال أبدا ((وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ))، والله يقول هو كذلك فلا تشكوا بأنه عاصم لكم من الانحراف والضلال عند ساعة القيامة الصغرى وظهور من يحتج بهذا النص فمن يحتج بهذا النص فهو صاحبه وإلا لما صح ان يوصف النص بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به، فلو لم يكن محفوظا من الله أن يدعيه الكاذبون المبطلون حتى يدعيه صاحبه لكان وصفه بأنه عاصم من الضلال كذبا وإغراء للمكلفين بإتباع الباطل وهذا أمر لا يصدر من العالم الصادق القادر الحكيم المطلق سبحانه، إذن فلا تشكوا أنها ساعة القيامة الصغرى عندما يرفع هذا الكتاب صاحبه ((فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا)) فمن يرفع هذا الكتاب فهو صاحبه، فإذا كنتم تريدون النجاة من الضلال والانحراف اتبعوا محمدا ص بقبول وصيته التي أوصاها ليلة وفاته والتي فيها العلم الذي يكفيكم للنجاة أبدا وفيها علم الساعة ومعرفة الحق عند القيام، وتشخيص المدعي عندما يرفع هذا الكتاب الموصوف بأنه عاصم من الضلال ((وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ )) أي اتبعوا محمدا ص في نصه من الله على من يخلفونه من بعده.
والوصية كتاب كتبه رسول الله ص في آخر لحظات حياته امتثالا لقوله تعالى ((كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ)) [البقرة: 180]، ووصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به أبدا، وأُؤكد في آخر لحظات حياته لأنه نبي يوحى له فما يقوله في آخر لحظات حياته هو خلاصة رسالته وما يحفظ الدين بعده، فما بالك إذا كان مع شدة مرضه وأوجاع السم التي كانت تقطع كبده مهتما أشد الاهتمام أن يكتب هذا الكتاب ويصفه بأنه عاصم من الضلال، فهذا الكتاب من الأهمية بمكان بحيث أن الله سبحانه وتعالى الذي كان يرحم محمدا ص إلى درجة انه يشفق عليه من كثرة العبادة التي تتعب بدنه فيخاطبه بقوله (( طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)) نجده سبحانه مع شدة رحمته بمحمد ص وإشفاقه عليه يكلف محمدا ص في آخر لحظات حياته أن يملي كتابا ويصفه بأنه عاصم من الضلال على رؤوس الأشهاد رغم ما كان يعانيه محمد ص من آلام السم الذي كان يسري في بدنه ويقطع كبده .
وهذه بعض النصوص التي وصف فيها الرسول محمد ص كتاب الوصية بأنه عاصم من الضلال وفي آخر لحظات حياته ففي يوم الخميس أراد كتابته لكل الأمة وأراد أن يشهد عليه عامة الناس ولكن منعه جماعة وطعنوا في قواه العقلية وقالوا انه يهجر (أي يهذي ولا يعرف ما يقول) فطردهم وبقي رسول الله بعد يوم الخميس إلى يوم وفاته الاثنين فكتب في الليلة التي كانت فيها وفاته وصيته وأملاها على علي ع وشهدها بعض الصحابة الذين كانوا يؤيدون كتابتها يوم الخميس:
في كتب السنة:
عن ابن عباس قال : (( يوم الخميس وما يوم الخميس ، اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال : ائتوني اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ، فتنازعوا ، ولا ينبغي عند نبي نزاع ، فقالوا ما شأنه ؟ أهجر ، استفهموه ، فذهبوا يردون عليه فقال : دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه ، وأوصاهم بثلاث قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم و سكت عن الثالثة أو قال فنسيتها)) صحيح البخاري (4/4168)
عن ابن عباس قال: (( يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم جعل تسيل دموعه حتى رؤيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:ائتوني بالكتف والدواة، أو اللوح والدواة، أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فقالوا: إن رسول الله يهجر)) صحيح مسلم - كتاب الوصية.
في كتب الشيعة:
عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت سلمان يقول : ((سمعت علياً ع بعد ما قال ذلك الرجل (عمر) ما قال وغضب رسول الله ص ودفع الكتف : ألا نسأل رسول الله ص عن الذي كان أراد أن يكتبه في الكتف مما لو كتبه لم يضل أحد ولم يختلف اثنان ......)) كتاب سليم بن قيس 398.
عن سليم بن قيس الهلالي قال الإمام علي ع (( لطلحة : ألست قد شهدت رسول الله ص حين دعا بالكتف ليكتب فيها مالا تضل الأمة ولا تختلف ، فقال صاحبك ما قال : ( إن نبي الله يهجر) فغضب رسول الله ص .......)) كتاب سليم بن قيس 211.
عن سليم بن قيس إن عليا ع قال ((لطلحة في حديث طويل عند ذكر تفاخر المهاجرين و الأنصار بمناقبهم و فضائلهم يا طلحة أ ليس قد شهدت رسول الله ص حين دعانا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة بعده ولا تختلف فقال صاحبك ما قال إن رسول الله يهجر فغضب رسول الله ص و تركها قال بلى قد شهدته)) الغيبة للنعماني ص81.
وفي كتاب الغيبة للطوسي نقل النص الوحيد المروي للكتاب العاصم من الضلال الذي أراد رسول الله ص كتابته كما ثبت في اصح كتب السنة البخاري ومسلم ومن نقل الوصية عن الرسول محمد ص هم آل محمد ع:
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ، عن أبيه الباقر ، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين ، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد ، عن أبيه أمير المؤمنين ع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - في الليلة التي كانت فيها وفاته - لعلي ع : يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال : يا علي إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماما ومن بعدهم إثنا عشر مهديا ، فأنت يا علي أول الاثني عشر إماما سماك الله تعالى في سمائه: عليا المرتضى ، وأمير المؤمنين ، والصديق الأكبر ، والفاروق الأعظم ، والمأمون ، والمهدي ، فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك. يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيهم وميتهم ، وعلى نسائي : فمن ثبتها لقيتني غدا ، ومن طلقتها فأنا برئ منها ، لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة ، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي فإذا حضرتك الوفاة فسلمها إلى ابني الحسن البر الوصول ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الباقر ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه جعفر الصادق ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه موسى الكاظم ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الرضا ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الثقة التقي ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الناصح ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الحسن الفاضل ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد ع. فذلك اثنا عشر إماما ، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين (وفي مصادر أول المهديين) له ثلاثة أسامي : اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد ، والاسم الثالث : المهدي ، هو أول المؤمنين.)) كتاب الغيبة – الشيخ الطوسي رحمه الله.
ووصف الرسول له بأنه عاصم من الضلال أبدا يجعل من المحال أن يدعيه مبطل، ومن يقول أن ادعاءه من المبطلين ممكن فهو يتهم الله سبحانه بالعجز عن حفظ كتاب وصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به أو يتهم الله بالكذب لأنه وصف الكتاب بأنه عاصم من الضلال أبدا ومن ثم لم يكن كذلك أو يتهم الله بالجهل لأنه وصفه بوصف لا ينطبق عليه جاهلا بحاله وحاشاه سبحانه من هذه الأوصاف وتعالى الله علوا كبيرا عما يقول الجاهلون.
فلابد أن يحفظ العالم القادر الصادق الحكيم المطلق سبحانه النص - الذي وصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به - من ادعاء المبطلين له حتى يدعيه صاحبه ويتحقق الغرض منه وإلا لكان جاهلا أو عاجزا أو كاذبا مخادعا ومغريا للمتمسكين بقوله بإتباع الباطل. ومحال أن يكون الله سبحانه جاهلا أو عاجزا لأنه عالم وقادر مطلق ويستحيل أن يصدر من الحق سبحانه وتعالى الكذب لأنه صادق وحكيم ولا يمكن وصفه بالكذب وإلا لما أمكن الركون إلى قوله في شيء ولانتقض الدين.
ونص خليفة الله في أرضه على من بعده مع وصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به - نصا إلهيا - لابد أن يكون محفوظا من الله أن يدعيه الكاذبون المبطلون حتى يدعيه صاحبه وإلا فسيكون كذبا وإغراءً للمكلفين بإتباع الباطل وهذا أمر لا يصدر من العالم الصادق القادر الحكيم المطلق سبحانه.
فلو قال لك إنسان عالم بالغيب ومآل الأمور إذا كنت تريد شرب الماء فاشرب من هنا وأنا الضامن انك لن تسقى السم أبدا من هذا الموضع. ثم انك سُقيت في ذلك الموضع سماً فماذا يكون الضامن؟ هو أما جاهل وأما كاذب من الأساس أو عجز عن الضمان أو اخلف وعده فهل يمكن أن يقبل من يؤمن بالله أن يصف الله بالجهل أو بالكذب أو العجز أو خلف الوعد تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وقد تكفل الله في القرآن وفيما روي عنهم ع بحفظ النص الإلهي من أن يدعيه آهل الباطل، فأهل الباطل مصروفون عن ادعائه، فالأمر ممتنع كما قال تعالى: ((وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46))) [الحاقة].
ومطلق التقول على الله موجود دائما ولم يحصل أن منعه الله وليس ضروريا أن يُهلك الله المتقولين مباشرة بل انه سبحانه أمهلهم حتى حين وهذا يعرفه كل من تتبع الدعوات الظاهرة البطلان كدعوة مسيلمة، فأكيد ليس المراد في الآية مطلق التقول على الله بل المراد التقول على الله بادعاء القول الإلهي الذي تقام به الحجة، عندها يتحتم أن يتدخل الله ليدافع عن القول الإلهي الذي تقام به الحجة وهو النص الإلهي الذي يوصله خليفة الله لتشخيص من بعده والموصوف بأنه عاصم من الضلال حيث أن عدم تدخله سبحانه مخالف للحكمة، ومثال هذا القول أو النص وصية عيسى ع بالرسول محمد ص ووصية الرسول محمد ص بالأئمة والمهديين ع فالآية في بيان أن هذا التقول ممتنع وبالتالي فالنص محفوظ لصاحبه ولا يدعيه غيره، وتوجد روايات تبين أن الآية في النص الإلهي على خلفاء الله بالخصوص فهو نص إلهي لابد أن يحفظه الله حتى يصل الى صاحبه، فهو نص الهي محفوظ من أي تدخل يؤثر عليه سواء كان هذا التدخل في مرحلة نقله إلى الخليفة الذي سيوصله أم في مرحلة - أو مراحل - وصوله إلى الخليفة الذي سيدعيه وهناك روايات بينت هذه الحقيقة وهي أن التقول في هذه الآية هو بخصوص النص الإلهي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ع : (( قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ، قَالَ: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع بِأَفْوَاهِهِمْ. قُلْتُ: وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ، قَالَ: وَاللَّهُ مُتِمُّ الْإِمَامَةِ ...................... قُلْتُ: قَوْلُهُ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، قَالَ: يَعْنِي جَبْرَئِيلَ عَنِ اللَّهِ فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ ع. قَالَ قُلْتُ: وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ، قَالَ: قَالُوا إِنَّ مُحَمَّداً كَذَّابٌ عَلَى رَبِّهِ وَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهَذَا فِي عَلِيٍّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ بِذَلِكَ قُرْآناً فَقَالَ: إِنَّ وَلَايَةَ عَلِيٍّ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا مُحَمَّدٌ بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ)) الكافي ج1 ص434.
كما أن الإمام الصادق ع يقول: (إن هذا الأمر لا يدعيه غير صاحبه إلا تبر الله عمره) الكافي للكليني ج 1 ص 372، فالمبطل مصروف عن ادعاء الوصية الإلهية الموصوفة بأنها تعصم من تمسك بها من الضلال أو أن ادعاءه لها مقرون بهلاكه قبل أن يظهر هذا الادعاء للناس، حيث أن إمهاله مع ادعائه الوصية يترتب عليه إما جهل وإما عجز أو كذب من وعد المتمسكين به بعدم الضلال وهذه أمور محالة بالنسبة للحق المطلق سبحانه ولهذا قال تعالى: (لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) وقال الصادق ع: (تبر الله عمره)، وللتوضيح أكثر أقول إن الآية تطابق الاستدلال العقلي السابق وهو أن الادعاء ممتنع وليس ممكنا فإن قوله تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ)، معناه أن الهلاك ممتنع لامتناع التقول أي انه لو كان متقولاً لهلك، والآية تتكلم مع من لا يؤمنون بمحمد ص والقرآن، وبالتالي فالاحتجاج بالكلام في الآية ليس بها كونها كلام الله لأنهم لا يؤمنون بهذا، بل الاحتجاج هو بمضمون الآية أي احتجاج بما هو ثابت عندهم عقلا وهو أن النص الإلهي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به لا يمكن أن يدعيه غير صاحبه لأن القول بأنه يمكن أن يدعيه غير صاحبه يلزم منه نسب الجهل أو العجز أو الكذب لله سبحانه وتعالى، إذن فلا يمكن - عقلاً وقرآناً وروايةً - أن يحصل ادعاء النص الإلهي التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به أي أن النص محفوظ من الادعاء حتى يدعيه صاحبه ليتحقق الغرض من النص وهو منع الضلال عن المكلف المتمسك به كما وعده الله سبحانه.
وللتوضيح والتفصيل أكثر أقول إن مدعي المنصب الإلهي:
إما أن يكون مدعياً للنص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به فهذا المدع محق ولا يمكن أن يكون كاذباً أو مبطلاً لان هذا النص لابد من حفظه من ادعاء الكاذبين والمبطلين وإلا فسيكون الله قد أمر الناس بالتمسك بما يمكن أن يضلهم ورغم هذا قال عنه بأنه عاصم من الضلال أبدا وهذا كذب يستحيل أن يصدر من الله.
وإما أن يكون مدعياً للمنصب الإلهي ولكنه غير مدع للنص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به وهذا المدعي إما أن يكون ادعاؤه فيه شبهة على بعض المكلفين لجهلهم ببعض الأمور وهذا ربما يمضي الله به الآية ويهلكه رحمة بالعباد وإن كان بعد ادعائه بفترة من الزمن رغم انه لا حجة ولا عذر لمن يتبعه، وإما انه لا يحتمل أن يشتبه به احد إلا إن كان طالبا للباطل فيتبع شخصاً بدون نص تشخيصي كما بينت، ومع هذا تصدر منه سفاهات كثيرة ويجعل الله باطله واضحاً وبيناً للناس وهذا لا داعي أن تطبق عليه الآية بل ربما أمهل فترة طويلة من الزمن فهو يترك لمن يطلبون الباطل بسفاهة. وهذا تقريب ليتوضح الأمر أكثر: نفرض أن هناك ثلاث دوائر بيضاء ورمادية وسوداء فالدائرة البيضاء محمية من آن يدخل لها كاذب وبالتالي فكل من دخلها فهو مدع صادق ويجب تصديقه فالآية (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) واجبة التطبيق في هذه الدائرة ، والرمادية غير محمية من أن يدخل لها الكاذب فلا يصح الاعتماد على من كان فيها وتصديقه ورغم هذا فيمكن أن تحمى بعض الأحيان من الكاذب بعد دخوله رحمة بالعباد رغم أنهم لا عذر لهم بإتباع من كان في هذه الدائرة فالآية ممكنة التطبيق على هذه الدائرة وليس واجبة التطبيق، والثالثة سوداء غير محمية من أن يدخل لها الكاذب بل هي دائرة الكاذبين وواضحة بأنها دائرة الكاذبين فلا داع لحمايتها أصلا من الكاذبين لا قبل دخولهم ولا بعد دخولهم فالآية ليس موضعها هذه الدائرة.
فلابد إذن من الانتباه إلى أن كلامنا في منع ادعاء النص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال وليس في ادعاء المنصب الإلهي عموما، فادعاء المنصب الإلهي أو النبوة أو خلافة الله في أرضه باطلا بسفاهة ودون الاحتجاج بالوصية (النص التشخيصي) حصل كثيرا وربما بقي حيا من ادعى باطلا فترة من الزمن ومثال لهؤلاء مسيلمة الكذاب ادعى انه نبي في حياة رسول الله محمد ص وبقي مسيلمة حيا بعد موت رسول الله محمد ص فالادعاء بدون شهادة الله ونص الله وبدون الوصية لا قيمة له وهو ادعاء سفيه فمن يصدق هكذا مدع مبطل لا عذر له أمام الله، إذن فالمقصود ليس منع أهل الباطل من الادعاء مطلقا بل منعهم من ادعاء النص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم لمن تمسك به من الضلال وهو وصية خليفة الله للناس وهذا المنع الذي أثبتناه عقلا وأكد عليه النص القرآني والروائي يؤكده أيضا الواقع فمرور مئات السنين على النص دون أن يدعيه احد كاف لإثبات هذه الحقيقة فقد مر على وصايا الأنبياء في التوراة ووصية عيسى ع مئات السنين ولم يدعِها غير محمد ص وأوصيائه من بعده كما ولم يدعِ وصية النبي غير الأئمة ع وقد احتج الإمام الرضا ع بهذا الواقع على الجاثليق فبعد أن بين النص من الأنبياء السابقين على الرسول محمد ص من التوراة والإنجيل احتج الجاثليق بأن النصوص يمكن أن تنطبق على أكثر من شخص فكان احتجاج الإمام الرضا ع على الجاثليق انه لم يحصل أن ادعى الوصايا المبطلون وهذا هو النص موضع الفائدة قال الجاثليق: ((......... ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة إنه محمد هذا فأما إسمه محمد فلا يصح لنا أن نقر لكم بنبوته ونحن شاكون إنه محمدكم ......... فقال الرضا ع : (إحتججتم بالشك فهل بعث الله من قبل أو من بعد من آدم إلى يومنا هذا نبيا اسمه محمد ؟ وتجدونه في شئ من الكتب التي أنزلها على جميع الأنبياء غير محمد ؟) فأحجموا عن جوابه)) [إثبات الهداة: ج1 ص 194 – 195].
فاحتجاج الأوصياء السابقين بهذا النص حجة على من يؤمن بهم وقد احتج عيسى ومحمد صلوات الله عليهما به، فعيسى ع احتج بنص الأنبياء السابقين عليه رغم عدم مباشرتهم له ومحمد ص كما في القرآن احتج بنص عيسى ع عليه ونص الأنبياء قبل عيسى ع عليه قال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ [الصف : 6])) ((الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف : 157])) والله بين في القرآن أن ادعاء محمد ص لو كان باطلا - وحاشاه - لما تركه يدعيه لأن الله متكفل بحفظ النص وصونه من ادعاء المبطلين أو يمكن أن نقول إن الله متكفل بصرفهم عن النص (( فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52 )) [ الحاقة].
وها هو كتاب الوصية الذي كتبه الرسول محمد ص ليلة وفاته موجود منذ أكثر من ألف عام في الكتب ويستطيع أي إنسان أن يقرأه ويطلع عليه ولكن لم يتمكن مبطل من ادعائه مع كثرتهم فالله صرف عنه كل مدع كاذب حيث ادعى كثيرون النبوة والإمامة والمهدوية ولكن أبدا لم يتمكن احدهم من خرق حجاب الله المضروب على هذا الكتاب فيدعيه وهذا الواقع يؤكد ما بينته فيما تقدم من أن وصف هذا الكتاب بأنه عاصم من الضلال بذاته يعني انه لا يدعيه غير صاحبه الذي ذكره الرسول محمد ص ومن يدعيه فهو صادق وهو صاحبه وهذا كاف كدليل تام وحجة قائمة على أحقية هذه الدعوة فمن أراد الحق ومعرفة أحقية هذه الدعوة تكفيه الوصية وادعائي أني المذكور فيها، وهناك أدلة كثيرة غيرها كالعلم بدين الله وبحقائق الخلق والانفراد براية البيعة لله وأيضا النص من الله مباشرة بالوحي لعباده، بالرؤيا وغيرها من سبل شهادة الله عند خلقه لخلفائه في أرضه فكما شهد للملائكة بخلافة آدم ع بالوحي فقد شهد الله عند عدد كبير من الناس المتفرقين بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب بان أحمد الحسن حق وخليفة من خلفاء الله في أرضه وقد قال تعالى : ((وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً )) [النساء : 79 ]
وقال تعالى: (( لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً )) [النساء : 166].
وأيضا بالنسبة للمسلمين السنة فقد حثهم رسول الله ص على نصرة المهدي واسماه خليفة الله المهدي كما في الروايات الصحيحة في كتب السنة، وقد جئتهم واسمي يواطئ اسم رسول الله ص احمد واسم أبي يواطئ اسم أب رسول الله إسماعيل كما نصت الروايات والرسول ص قال أنا ابن الذبيحين عبد الله وإسماعيل، وقد جئتكم بالنص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به وجئت بالعلم والانفراد براية البيعة لله فاتقوا الله يا امة محمد ص وأذعنوا للحق واتبعوا خليفة الله المهدي الذي دعاكم رسول الله ص لنصرته ولو زحفا على الثلج وآمنوا بوصية نبيكم الوحيدة لتنجوا في الدنيا والآخرة.
أحمد الحسن
شوال / 1433 هـ )).
أدلة اخرى تؤكد امامة آل محمد (ع) وفضلهم:
من الادلة الواضحة التي تؤكد امامة ال محمد (ع) هو حديث الثقلين المستفيض ذكره عند كل المسلمين، وهذا نصه:
عن علي عليه السلام ، قال : ( قال النبي ص: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ولن يفترقا حتى يردا على الحوض ) عيون اخبار الرضا ع: ج2 ص68.
وهذا نموذج مما عند اهل السنة: ( عن أبي سعيد قال قال رسول الله ص انى تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ) مسند احمد: ج3 ص14.
وحديث الثقلين يؤكد:
1- ان النبي ص ترك في امته امرين لا ثالث لهما وهما الكتاب والعترة.
2- ان العبد اذا ما اراد الاهتداء وعدم الضلال فما عليه الا التمسك بهما.
3- ان الكتاب والعترة لا ينفك احدهما عن الاخر ابدا.
4- ان الحديث كما يؤكد على وجود الكتاب حتى يوم القيامة فان وجود امام من العترة معه امر يؤكده الحديث بكل وضوح.
5- ان النبي (ص) حدد العترة الذين جعلهم عدلا لكتاب الله، وفي ذلك روايات كثيرة عند جميع المسلمين، ويكفي مراجعة احاديث الكساء وسبب نزول قوله تعالى: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا)، فان النبي (ص) بيّن ان اله هم علي وفاطمة وأولادهما الطاهرين.
وهذه روايات أخرى مما ذكر المظفر مضامينه في بحثه:
فهم الشهداء على خلقه سبحانه، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) البقرة 2: 143. حيث ورد عنهم ع: «نحن الاَمة الوسط، ونحن شهداء الله على خلقه» الكافي: ج1 ص146 ح2 و4.
وهم تراجمة وحي الله وخزان علمه، ورد عن الاِمام الباقر (ع): « نحن خزّان علم الله، ونحن تراجمة وحي الله، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء ومن فوق الاَرض » الكافي: ج1 ص192.
وهم باب الله وصراطه، عن أمير المؤمنين (ع) قوله: « إنّ الله تبارك وتعالى لو شاء لعرّف العباد نفسهُ، ولكن جعلنا أبوابه، وصراطه، وسبيله، والوجه الذي يؤتى منه، فمن عدل عن ولايتنا أو فضّل علينا غيرنا فانّهم عن الصراط لناكبون » الكافي: ج1 ص184.
وهناك روايات كثيرة تبين فضلهم ومقامهم وكمالهم.
وجوب طاعة آل محمد (ع):
لما ثبتت امامة ال محمد (ع) وخلافتهم الربانية وأنهم اوصياء النبي (ص) وعترته الطاهرة، اذن فطاعتهم واجبة بكل تأكيد، فطاعة خليفة الله امر ثابت في دين الله وهو في غاية الوضوح. ولهذا نرى ان الحق سبحانه بعد ان نصب ادم وسلحه بالعلم امر الخلق بطاعته فقال: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ) [الحجر : 29] . والسجود يعني الطاعة بكل وضوح.
وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً) [النساء : 64].
وكذلك حال سادة خلفاء الله اعني محمد واله الطاهرين ع، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ..) [النساء : 59]، وأولي الأمر حددهم رسول الله (ص) في وصيته المقدسة وهم الائمة والمهديين (ع).
عن الامام الصادق (ع) قوله: «نحن ولاة أمر الله، وخزنة علم الله وعيبة وحي الله» الكافي: ج1 ص192.
هل الامامة بحث تاريخي ؟
تقدم بيان ان الامامة هي منصب الهي يخص الله به بعض خلفائه، ولما كانت الاستخلاف الالهي اصل الدين الذي بينه الله سبحانه في يوم الخليقة الاولى ، فستكون الامامة والحال هذه اساس الدين وركنه الركين الذي به تتحقق الغاية من خلق الخلق باعتبار ان المعرفة لا تتحقق الا بطاعة الامام الحق المعرف بدين الله وكتبه ورسالاته.
لذا لا يمكن بحال اعتبار البحث في الامامة بحث تاريخي مضى عليه الزمن ؛ ذلك ان الارض لا تخلوا من وجود هادي الهي يجب على الخلق طاعته قال تعالى : (َيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) [الرعد : 7] وعليه، فالبحث في الامامة وطريق تشخيص الامام في كل زمان يسهم في اهتداء العبد لربه ودينه وبدون ذلك يكون الانسان ضالا غير مهتدي.
كما ان الايمان بان الامامة تنصيب الهي وأمرها بيد الله بدون الايمان بمصداقها ضلالا اخر ، فما قيمة ان يدعي احد انه مؤمن بان الامامة امر الهي ولكنه ينكر الامام الحق ؟! ويبقى سبيل النجاة منحصر بالإيمان بخليفة الله في كل زمن وطاعته والأخذ منه ، هذه هي سنة الله منذ اليوم الاول وحتى اخر يوم على هذه الارض.
الاسئلة:
1- ما هو الدليل على امامة الائمة ع ؟
2- اقم الدليل العقلي والقرآني والروائي على ان الوصية لا يدعيها إلا صاحبها .
3- كيف تستدل بحديث الثقلين على امامة ال محمد ع واستمرارها بعد الرسول ص ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
التسجيل الصوتي للمحاضرة ـ للاستماع والتحميل اضغط هنـا
النص:
26 ـ عقيدتنا في طاعة الاَئمّة
ونعتقد: أنّ الاَئمة هم أولو الاَمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم، وأنّهم الشهداء على الناس، وأنّهم أبواب الله، والسبل إليه، والاَدلاّء عليه، وأنّهم عيبة علمه، وتراجمة وحيه، وأركان توحيده، وخُزّان معرفته، ولذا كانوا أماناً لاَهل الاَرض كما أنّ النجوم أمان لاَهل السماء ـ على حد تعبيره صلّى الله عليه وآله(5) ـ. وكذلك ـ على حدِّ قوله أيضاً ـ «إنّ مثلهم في هذه الاُمّة كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوى»
وأنّهم ـ حسبما جاء في الكتاب المجيد ـ (بَلْ عِبادٌ مُكرَمُون * لا يَسبِقُونَهُ بالقَولِ وَهُم بأَمرِه يَعمَلُونَ). وأنّهم الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
بل نعتقد: أنّ أمرهم أمر الله تعالى، ونهيهم نهيه، وطاعتهم طاعته، ومعصيتهم معصيته، ووليّهم وليّه، وعدوَّهم عدوّه.
ولا يجوز الرد عليهم والراد عليهم كالراد على الرسول، والراد على الرسول كالراد على الله تعالى. فيجب التسليم لهم والانقياد لاَمرهم والاَخذ بقولهم.
ولهذا نعتقد: أنّ الاَحكام الشرعية الاِلهية لا تستقى إلاّ من نمير مائهم، ولا يصحّ أخذها إلاّ منهم، ولا تفرغ ذمّة المكلَّف بالرجوع إلى غيرهم، ولا يطمئنّ بينه وبين الله إلى أنّه قد أدّى ما عليه من التكاليف المفروضة إلاّ من طريقهم. إنّهم كسفينة نوح؛ من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق في هذا البحر المائج الزاخر بأمواج الشبه والضلالات، والادّعاءات والمنازعات.
ولا يهمّنا من بحث الامامة في هذه العصور إثبات أنّهم هم الخلفاء الشرعيون وأهل السلطة الإلهية؛ فإنّ ذلك أمر مضى في ذمّة التأريخ، وليس في إثباته ما يعيد دورة الزمن من جديد، أو يعيد الحقوق المسلوبة إلى أهلها، وإنّما الذي يهمّنا منه ما ذكرنا من لزوم الرجوع إليهم في الاَخذ بأحكام الله الشرعية، وتحصيل ما جاء به الرسول الاَكرم على الوجه الصحيح الذي جاء به.
وإنّ في أخذ الاَحكام من الرواة والمجتهدين الذين لا يستقون من نمير مائهم، ولا يستضيئون بنورهم، ابتعاداً عن محجّة الصواب في الدين، ولا يطمئن المكلَّف من فراغ ذمته من التكاليف المفروضة عليه من الله تعالى؛ لاَنّه مع فرض وجود الاختلاف في الآراء بين الطوائف والنحل فيما يتعلَّق بالاَحكام الشرعية اختلافاً لا يرجى معه التوفيق، لا يبقى للمكلَّف مجال أن يتخيَّر ويرجع إلى أي مذهب شاء ورأي اختار، بل لا بدَّ له أن يفحص ويبحث، حتى تحصل له الحجة القاطعة بينه وبين الله تعالى على تعيين مذهب خاص يتيقّن أنّه يتوصِّل به إلى أحكام الله، وتفرغ به ذمّته من التكاليف المفروضة؛ فإنّه كما يقطع بوجود أحكام مفروضة عليه يجب أن يقطع بفراغ ذمّته منها؛ فان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
والدليل القطعي دالّ على وجوب الرجوع إلى آل البيت، وأنّهم المرجع الاَصلي بعد النبي لاَحكام الله المنزلة، وعلى الاَقل قوله عليه أفضل التحيات: «إنّي قد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً؛ الثقلين، وأحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الاَرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» وهذا الحديث اتّفقت الرواية عليه من طرق أهل السنَّة والشيعة.
فدقّق النظر في هذا الحديث الجليل تجد ما يقنعك ويدهشك في مبناه ومعناه، فما أبعد المرمى في قوله: «إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً» والذي تركه فينا هما الثقلان معاً؛ إذ جعلهما كأمر واحد، ولم يكتف بالتمسُّك بواحد منهما فقط، فبهما معاً لن نضل بعده أبداً.
وما أوضح المعنى في قوله: «لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»، فلا يجد الهداية أبداً من فرَّق بينهما ولم يتمسّك بهما معاً، فلذلك كانوا «سفينة النجاة»، و«أماناً لاَهل الاَرض»، ومن تخلَّف عنهم غرق في لجج الضلال، ولم يأمن من الهلاك.
وتفسير ذلك بحبّهم فقط من دون الاَخذ بأقوالهم واتّباع طريقهم هروب من الحق، لا يلجىء إليه إلاّ التعصُّب والغفلة عن المنهج الصحيح في تفسير الكلام العربي المبين.
البيان:
هذه خلاصة عقيدة المظفر في طاعة الائمة (ع):
1- ان الائمة (ع) طاعتهم واجبة وهم الهداة والادلاء والشهداء على الناس وعيبة علم الله وتراجمة وحيه وأركان توحيده وهم الامان لأهل الارض وهم المطهرون . وان امرهم امر الله والراد عليهم راد على الله ومن ثم يجب الانقياد لهم والتسليم.
2- بعد كونهم (ع) خلفاء الله فلا يجوز اخذ الدين والأحكام الا منهم وبه يحصل للمكلف فراغ ذمته من التكاليف التي على عاتقه.
3- المهم من بحوث الامامة بنظره هو اثبات رجوع الناس الى الائمة واخذ الدين منهم وليس اثبات ان الائمة خلفاء الهيون بعد النبي (ص)، يقول: (ولا يهمّنا من بحث الامامة في هذه العصور إثبات أنّهم هم الخلفاء الشرعيون وأهل السلطة الإلهية؛ فإنّ ذلك أمر مضى في ذمّة التأريخ، وليس في إثباته ما يعيد دورة الزمن من جديد، أو يعيد الحقوق المسلوبة إلى أهلها، وإنّما الذي يهمّنا منه ما ذكرنا من لزوم الرجوع إليهم في الاَخذ بأحكام الله الشرعية، وتحصيل ما جاء به الرسول الاَكرم على الوجه الصحيح الذي جاء به).
4- لا يصح الرجوع الى الرواة والمجتهدين الذين لا يستضيؤون بنور ال محمد (ع)، وبالتالي فبعد تعدد الاراء واختلاف الاقوال بشكل لا يمكن معه التوفيق ، يجب على المكلف ان يبحث ويفحص حتى تحصل له الحجة القاطعة على اتباع طريق يحصل به امتثال اوامر الله بنحو قطعي فان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
5- ان الدليل القطعي دال على وجوب الرجوع الائتمام بآل محمد (ع) وأنهم المرجع بعد النبي (ص) وحديث الثقلين واضح في بيان هذه الحقيقة.
ملاحظة: ان الترتيب الصحيح والمنهجي للبحوث ان طاعة الائمة ع تكون بعد اثبات إمامتهم وليس العكس كما فعل الشيخ المظفر ، لذا نحن أولاً نبين بعض أدلة امامتهم (ع) ثم بعد اثباتها يثبت وجوب طاعتهم بنحو أكيد.
دليل امامة الائمة (ع):
تقدم بيان القانون الالهي الذي خص الله به خلفاءه وبه احتجوا على الناس، وقانون الله مؤلف من الفقرات الثلاثة (النص والعلم وراية البيعة الله). وعليه فمن أراد ان يعرف امامة ال محمد (ع) فأكيد يجد فيهم هذه الفقرات.
أما النص، فأمام المسلمين جميعاً وصية رسول الله (ص) ليلة وفاته وهو يحدد الاوصياء من بعده الى يوم القيامة. ونص الوصية هو التالي:
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين (ع)، قال: (قال رسول الله ص في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي ع: يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة، فأملا رسول الله ص وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً ومن بعدهم إثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أول الإثني عشر إمام، سمّاك الله تعالى في سمائه علياً المرتضى وأمير المؤمنين والصديق الأكبر والفاروق الأعظم والمأمون والمهدي فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك.
يا علي، أنت وصيي على أهل بيتي حيّهم وميتهم وعلى نسائي فمن ثبتها لقيتني غداً ومن طلقتها فأنا برئ منها لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي، فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد، فذلك إثنا عشر إماماً.
ثم يكون من بعده إثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى إبنه أول المقربين (المهديين) له ثلاثة أسامي: أسم كاسمي وأسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أول المؤمنين) غيبة الطوسي: ص111.
وهذا يعني ان ال محمد الاوصياء هم ((اثنا عشر اماما واثنا عشر مهديا)) .. وهذا النص :
1- متواتر معنى، لأنها تبين قسمين لآل محمد (ع) الاثنا عشر اماما والاثنا عشر مهديا وكلا الصنفين ورد عن ال محمد عشرات الروايات في ذكرهم كما هو واضح، وقد قام انصار الامام المهدي بإخراج بعض تلك الروايات في كتبهم.
2- ان هذه الوصية مقرونة بعدة قرائن قرآنية وروائية تؤكد صدورها، وبعد ثبوت تواترها المعنوي واعتضادها بالقرائن التي توجب العلم بها فبكل تأكيد لا تكون داخلة ضمن التقسيم الرباعي للحديث (صحيح حسن موثق ضعيف) كما صرح كبار العلماء.
الوصية دليل صدق الوصي:
سئل السيد احمد الحسن ع عن قوله تعالى: (( وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ" سورة الزخرف .. ما معني هذا الآية وهل لها علاقة بأصحاب المهدي ع أو المهديين ؟
فكان الجواب هو التالي وهو يوضح الاستدلال بوصية رسول الله ص:
(( ج/ بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا
((وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ * وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ )) [الزخرف: 57-61 ].
قريش والعرب كانوا يجادلون بمغالطة يصيغونها على أنها سؤال يطلبون جوابه من محمد ص وسؤالهم يقارن بين ألوهية أصنامهم التي يدعونها وألوهية عيسى التي يدعيها المسيحيون لعيسى ع في حين أن المسؤول صلى الله عليه وآله الذي ينكر عليهم تأليه الأصنام أيضا لا يقر بألوهية عيسى ع المطلقة بل يقول إن عيسى ع إنسان وعبد من عباد الله وخليفة من خلفاء الله في أرضه ولهذا وصف الله حالهم بأنهم مجادلون حيث أن السؤال مبني على فرض غير صحيح ولا يقره ولا يقول به المسؤول، وهذا الأسلوب يستخدمه أئمة الكفر دائما عندما يجدون أن أدلة الدعوة الإلهية قد أخذت بأعناقهم فيصيغون سؤالا مبنيا على مغالطة وفرض غير صحيح لا يقره ولا يقول به المسؤول ليشكلون على الدعوة الإلهية ويطلبون جواباً لمغالطتهم وسؤالهم الخاطئ والمبني على الخطأ وهؤلاء جوابهم يكون في بيان أن السؤال مبني على فرض خاطئ ليتضح أنهم مجرد مجادلين كما وصفهم القرآن ((مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)).
ومن ثم انتقل النص الإلهي إلى القول ((وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ)): أي لو نشاء لجعلنا منكم خلفاء - كالملائكة معصومين أنقياء أطهار - يخلفون الله سبحانه وتعالى بعد محمد ص ويخلفون محمداً ص بعد انتقاله إلى الملأ الأعلى ويخلف بعضهم بعضا كما انه سبحانه جعل قبل هذا عيسى ع عبد الله خليفة لله في أرضه فالله سبحانه وتعالى قال عن عيسى ع: (وَجَعَلْنَاهُ)) ثم قال (( لَجَعَلْنَا مِنكُم)) والجعل فيهما واحد، ((إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم ....)) أي جعل عيسى ع مثالا وقدوة وقائدا يقتدي به ويتبعه بنو إسرائيل ولو شاء الله لجعل منكم خلفاء في هذه الأمة تقتدون بهم وتتعلمون منهم وتتخذونهم مثالا يحتذى به كما جعل الله عيسى ع (( مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ )).
وحقيقة إن العجب لا ينقضي ممن يسمون أنفسهم مفسري القرآن ويقولون إنّ المراد هنا هو بدلاً منكم فلو كان يمكن أن تقلب المعاني بهذه الصورة القبيحة بإضافة ألفاظ تغير معنى الكلام تماماً بحيث يقلب النفي إيجاباً والإيجاب نفياً، لما بقي للكلام معنى فكيف لعاقل أن يقول إن معنى (منكم) هو (بدلا منكم) هذا كمن يقول إن معنى (نعم) هو (لا) ومعنى (لا) هو (نعم) ؟!!! في حين أن عد فرد من الجن أو الإنس بأنه من الملائكة لسبب، كمشابهتهم في الطاعة أو نقاء وطهارة باطنه أو لارتقائه معهم في السماوات، قد ذكر في القرآن، فالله قد عد إبليس من الملائكة لأنه كان قبل أن يعصي وبحسب ارتقائه في السماوات يحسب من الملائكة ((وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى)) [طه: 116] ((وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)) [البقرة: 34].
والجعل في الآيات المتقدمة هو نفسه الجعل الأول لآدم ع خليفة الله في أرضه ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)) [البقرة : 30]، وهو نفسه جعل الله لداود ع خليفة في الأرض ((يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)) [ص: 26].
فلو رتبنا الآيات وقرأناها بالتوالي سنجد أن القرآن ينص بوضوح أن أمر الاستخلاف بدأ بآدم ع وهو مستمر بعد محمد ص ((.... وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ...... يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ........ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ....... وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ)).
وقد شاء سبحانه وتعالى وفعل ما أراد وجعل ملائكة في الأرض يخلفون بعد محمد ص كما انه جعل عيسى سابقا قبل محمد ص وهؤلاء هم آل محمد ع الأئمة والمهديون لهذا أتم سبحانه بقوله ((وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ)) : أي إن هذا الجعل الإلهي ((لَجَعَلْنَا مِنكُم )) - والذي نقل بنص وصية محمد ص الوحيدة ليلة وفاته - علم يعرف به دين الله الحق إلى يوم القيامة أي كما وصفه رسول الله ص بأنه كتاب عاصم من الضلال أبدا ((وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ))، والله يقول هو كذلك فلا تشكوا بأنه عاصم لكم من الانحراف والضلال عند ساعة القيامة الصغرى وظهور من يحتج بهذا النص فمن يحتج بهذا النص فهو صاحبه وإلا لما صح ان يوصف النص بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به، فلو لم يكن محفوظا من الله أن يدعيه الكاذبون المبطلون حتى يدعيه صاحبه لكان وصفه بأنه عاصم من الضلال كذبا وإغراء للمكلفين بإتباع الباطل وهذا أمر لا يصدر من العالم الصادق القادر الحكيم المطلق سبحانه، إذن فلا تشكوا أنها ساعة القيامة الصغرى عندما يرفع هذا الكتاب صاحبه ((فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا)) فمن يرفع هذا الكتاب فهو صاحبه، فإذا كنتم تريدون النجاة من الضلال والانحراف اتبعوا محمدا ص بقبول وصيته التي أوصاها ليلة وفاته والتي فيها العلم الذي يكفيكم للنجاة أبدا وفيها علم الساعة ومعرفة الحق عند القيام، وتشخيص المدعي عندما يرفع هذا الكتاب الموصوف بأنه عاصم من الضلال ((وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ )) أي اتبعوا محمدا ص في نصه من الله على من يخلفونه من بعده.
والوصية كتاب كتبه رسول الله ص في آخر لحظات حياته امتثالا لقوله تعالى ((كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ)) [البقرة: 180]، ووصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به أبدا، وأُؤكد في آخر لحظات حياته لأنه نبي يوحى له فما يقوله في آخر لحظات حياته هو خلاصة رسالته وما يحفظ الدين بعده، فما بالك إذا كان مع شدة مرضه وأوجاع السم التي كانت تقطع كبده مهتما أشد الاهتمام أن يكتب هذا الكتاب ويصفه بأنه عاصم من الضلال، فهذا الكتاب من الأهمية بمكان بحيث أن الله سبحانه وتعالى الذي كان يرحم محمدا ص إلى درجة انه يشفق عليه من كثرة العبادة التي تتعب بدنه فيخاطبه بقوله (( طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)) نجده سبحانه مع شدة رحمته بمحمد ص وإشفاقه عليه يكلف محمدا ص في آخر لحظات حياته أن يملي كتابا ويصفه بأنه عاصم من الضلال على رؤوس الأشهاد رغم ما كان يعانيه محمد ص من آلام السم الذي كان يسري في بدنه ويقطع كبده .
وهذه بعض النصوص التي وصف فيها الرسول محمد ص كتاب الوصية بأنه عاصم من الضلال وفي آخر لحظات حياته ففي يوم الخميس أراد كتابته لكل الأمة وأراد أن يشهد عليه عامة الناس ولكن منعه جماعة وطعنوا في قواه العقلية وقالوا انه يهجر (أي يهذي ولا يعرف ما يقول) فطردهم وبقي رسول الله بعد يوم الخميس إلى يوم وفاته الاثنين فكتب في الليلة التي كانت فيها وفاته وصيته وأملاها على علي ع وشهدها بعض الصحابة الذين كانوا يؤيدون كتابتها يوم الخميس:
في كتب السنة:
عن ابن عباس قال : (( يوم الخميس وما يوم الخميس ، اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال : ائتوني اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ، فتنازعوا ، ولا ينبغي عند نبي نزاع ، فقالوا ما شأنه ؟ أهجر ، استفهموه ، فذهبوا يردون عليه فقال : دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه ، وأوصاهم بثلاث قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم و سكت عن الثالثة أو قال فنسيتها)) صحيح البخاري (4/4168)
عن ابن عباس قال: (( يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم جعل تسيل دموعه حتى رؤيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:ائتوني بالكتف والدواة، أو اللوح والدواة، أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فقالوا: إن رسول الله يهجر)) صحيح مسلم - كتاب الوصية.
في كتب الشيعة:
عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت سلمان يقول : ((سمعت علياً ع بعد ما قال ذلك الرجل (عمر) ما قال وغضب رسول الله ص ودفع الكتف : ألا نسأل رسول الله ص عن الذي كان أراد أن يكتبه في الكتف مما لو كتبه لم يضل أحد ولم يختلف اثنان ......)) كتاب سليم بن قيس 398.
عن سليم بن قيس الهلالي قال الإمام علي ع (( لطلحة : ألست قد شهدت رسول الله ص حين دعا بالكتف ليكتب فيها مالا تضل الأمة ولا تختلف ، فقال صاحبك ما قال : ( إن نبي الله يهجر) فغضب رسول الله ص .......)) كتاب سليم بن قيس 211.
عن سليم بن قيس إن عليا ع قال ((لطلحة في حديث طويل عند ذكر تفاخر المهاجرين و الأنصار بمناقبهم و فضائلهم يا طلحة أ ليس قد شهدت رسول الله ص حين دعانا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة بعده ولا تختلف فقال صاحبك ما قال إن رسول الله يهجر فغضب رسول الله ص و تركها قال بلى قد شهدته)) الغيبة للنعماني ص81.
وفي كتاب الغيبة للطوسي نقل النص الوحيد المروي للكتاب العاصم من الضلال الذي أراد رسول الله ص كتابته كما ثبت في اصح كتب السنة البخاري ومسلم ومن نقل الوصية عن الرسول محمد ص هم آل محمد ع:
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ، عن أبيه الباقر ، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين ، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد ، عن أبيه أمير المؤمنين ع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - في الليلة التي كانت فيها وفاته - لعلي ع : يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال : يا علي إنه سيكون بعدي إثنا عشر إماما ومن بعدهم إثنا عشر مهديا ، فأنت يا علي أول الاثني عشر إماما سماك الله تعالى في سمائه: عليا المرتضى ، وأمير المؤمنين ، والصديق الأكبر ، والفاروق الأعظم ، والمأمون ، والمهدي ، فلا تصح هذه الأسماء لأحد غيرك. يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيهم وميتهم ، وعلى نسائي : فمن ثبتها لقيتني غدا ، ومن طلقتها فأنا برئ منها ، لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة ، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي فإذا حضرتك الوفاة فسلمها إلى ابني الحسن البر الوصول ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الباقر ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه جعفر الصادق ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه موسى الكاظم ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الرضا ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الثقة التقي ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الناصح ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الحسن الفاضل ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد ع. فذلك اثنا عشر إماما ، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين (وفي مصادر أول المهديين) له ثلاثة أسامي : اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد ، والاسم الثالث : المهدي ، هو أول المؤمنين.)) كتاب الغيبة – الشيخ الطوسي رحمه الله.
ووصف الرسول له بأنه عاصم من الضلال أبدا يجعل من المحال أن يدعيه مبطل، ومن يقول أن ادعاءه من المبطلين ممكن فهو يتهم الله سبحانه بالعجز عن حفظ كتاب وصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به أو يتهم الله بالكذب لأنه وصف الكتاب بأنه عاصم من الضلال أبدا ومن ثم لم يكن كذلك أو يتهم الله بالجهل لأنه وصفه بوصف لا ينطبق عليه جاهلا بحاله وحاشاه سبحانه من هذه الأوصاف وتعالى الله علوا كبيرا عما يقول الجاهلون.
فلابد أن يحفظ العالم القادر الصادق الحكيم المطلق سبحانه النص - الذي وصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به - من ادعاء المبطلين له حتى يدعيه صاحبه ويتحقق الغرض منه وإلا لكان جاهلا أو عاجزا أو كاذبا مخادعا ومغريا للمتمسكين بقوله بإتباع الباطل. ومحال أن يكون الله سبحانه جاهلا أو عاجزا لأنه عالم وقادر مطلق ويستحيل أن يصدر من الحق سبحانه وتعالى الكذب لأنه صادق وحكيم ولا يمكن وصفه بالكذب وإلا لما أمكن الركون إلى قوله في شيء ولانتقض الدين.
ونص خليفة الله في أرضه على من بعده مع وصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به - نصا إلهيا - لابد أن يكون محفوظا من الله أن يدعيه الكاذبون المبطلون حتى يدعيه صاحبه وإلا فسيكون كذبا وإغراءً للمكلفين بإتباع الباطل وهذا أمر لا يصدر من العالم الصادق القادر الحكيم المطلق سبحانه.
فلو قال لك إنسان عالم بالغيب ومآل الأمور إذا كنت تريد شرب الماء فاشرب من هنا وأنا الضامن انك لن تسقى السم أبدا من هذا الموضع. ثم انك سُقيت في ذلك الموضع سماً فماذا يكون الضامن؟ هو أما جاهل وأما كاذب من الأساس أو عجز عن الضمان أو اخلف وعده فهل يمكن أن يقبل من يؤمن بالله أن يصف الله بالجهل أو بالكذب أو العجز أو خلف الوعد تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وقد تكفل الله في القرآن وفيما روي عنهم ع بحفظ النص الإلهي من أن يدعيه آهل الباطل، فأهل الباطل مصروفون عن ادعائه، فالأمر ممتنع كما قال تعالى: ((وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46))) [الحاقة].
ومطلق التقول على الله موجود دائما ولم يحصل أن منعه الله وليس ضروريا أن يُهلك الله المتقولين مباشرة بل انه سبحانه أمهلهم حتى حين وهذا يعرفه كل من تتبع الدعوات الظاهرة البطلان كدعوة مسيلمة، فأكيد ليس المراد في الآية مطلق التقول على الله بل المراد التقول على الله بادعاء القول الإلهي الذي تقام به الحجة، عندها يتحتم أن يتدخل الله ليدافع عن القول الإلهي الذي تقام به الحجة وهو النص الإلهي الذي يوصله خليفة الله لتشخيص من بعده والموصوف بأنه عاصم من الضلال حيث أن عدم تدخله سبحانه مخالف للحكمة، ومثال هذا القول أو النص وصية عيسى ع بالرسول محمد ص ووصية الرسول محمد ص بالأئمة والمهديين ع فالآية في بيان أن هذا التقول ممتنع وبالتالي فالنص محفوظ لصاحبه ولا يدعيه غيره، وتوجد روايات تبين أن الآية في النص الإلهي على خلفاء الله بالخصوص فهو نص إلهي لابد أن يحفظه الله حتى يصل الى صاحبه، فهو نص الهي محفوظ من أي تدخل يؤثر عليه سواء كان هذا التدخل في مرحلة نقله إلى الخليفة الذي سيوصله أم في مرحلة - أو مراحل - وصوله إلى الخليفة الذي سيدعيه وهناك روايات بينت هذه الحقيقة وهي أن التقول في هذه الآية هو بخصوص النص الإلهي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ع : (( قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ، قَالَ: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع بِأَفْوَاهِهِمْ. قُلْتُ: وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ، قَالَ: وَاللَّهُ مُتِمُّ الْإِمَامَةِ ...................... قُلْتُ: قَوْلُهُ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، قَالَ: يَعْنِي جَبْرَئِيلَ عَنِ اللَّهِ فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ ع. قَالَ قُلْتُ: وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ، قَالَ: قَالُوا إِنَّ مُحَمَّداً كَذَّابٌ عَلَى رَبِّهِ وَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهَذَا فِي عَلِيٍّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ بِذَلِكَ قُرْآناً فَقَالَ: إِنَّ وَلَايَةَ عَلِيٍّ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا مُحَمَّدٌ بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ)) الكافي ج1 ص434.
كما أن الإمام الصادق ع يقول: (إن هذا الأمر لا يدعيه غير صاحبه إلا تبر الله عمره) الكافي للكليني ج 1 ص 372، فالمبطل مصروف عن ادعاء الوصية الإلهية الموصوفة بأنها تعصم من تمسك بها من الضلال أو أن ادعاءه لها مقرون بهلاكه قبل أن يظهر هذا الادعاء للناس، حيث أن إمهاله مع ادعائه الوصية يترتب عليه إما جهل وإما عجز أو كذب من وعد المتمسكين به بعدم الضلال وهذه أمور محالة بالنسبة للحق المطلق سبحانه ولهذا قال تعالى: (لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) وقال الصادق ع: (تبر الله عمره)، وللتوضيح أكثر أقول إن الآية تطابق الاستدلال العقلي السابق وهو أن الادعاء ممتنع وليس ممكنا فإن قوله تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ)، معناه أن الهلاك ممتنع لامتناع التقول أي انه لو كان متقولاً لهلك، والآية تتكلم مع من لا يؤمنون بمحمد ص والقرآن، وبالتالي فالاحتجاج بالكلام في الآية ليس بها كونها كلام الله لأنهم لا يؤمنون بهذا، بل الاحتجاج هو بمضمون الآية أي احتجاج بما هو ثابت عندهم عقلا وهو أن النص الإلهي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به لا يمكن أن يدعيه غير صاحبه لأن القول بأنه يمكن أن يدعيه غير صاحبه يلزم منه نسب الجهل أو العجز أو الكذب لله سبحانه وتعالى، إذن فلا يمكن - عقلاً وقرآناً وروايةً - أن يحصل ادعاء النص الإلهي التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به أي أن النص محفوظ من الادعاء حتى يدعيه صاحبه ليتحقق الغرض من النص وهو منع الضلال عن المكلف المتمسك به كما وعده الله سبحانه.
وللتوضيح والتفصيل أكثر أقول إن مدعي المنصب الإلهي:
إما أن يكون مدعياً للنص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به فهذا المدع محق ولا يمكن أن يكون كاذباً أو مبطلاً لان هذا النص لابد من حفظه من ادعاء الكاذبين والمبطلين وإلا فسيكون الله قد أمر الناس بالتمسك بما يمكن أن يضلهم ورغم هذا قال عنه بأنه عاصم من الضلال أبدا وهذا كذب يستحيل أن يصدر من الله.
وإما أن يكون مدعياً للمنصب الإلهي ولكنه غير مدع للنص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به وهذا المدعي إما أن يكون ادعاؤه فيه شبهة على بعض المكلفين لجهلهم ببعض الأمور وهذا ربما يمضي الله به الآية ويهلكه رحمة بالعباد وإن كان بعد ادعائه بفترة من الزمن رغم انه لا حجة ولا عذر لمن يتبعه، وإما انه لا يحتمل أن يشتبه به احد إلا إن كان طالبا للباطل فيتبع شخصاً بدون نص تشخيصي كما بينت، ومع هذا تصدر منه سفاهات كثيرة ويجعل الله باطله واضحاً وبيناً للناس وهذا لا داعي أن تطبق عليه الآية بل ربما أمهل فترة طويلة من الزمن فهو يترك لمن يطلبون الباطل بسفاهة. وهذا تقريب ليتوضح الأمر أكثر: نفرض أن هناك ثلاث دوائر بيضاء ورمادية وسوداء فالدائرة البيضاء محمية من آن يدخل لها كاذب وبالتالي فكل من دخلها فهو مدع صادق ويجب تصديقه فالآية (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) واجبة التطبيق في هذه الدائرة ، والرمادية غير محمية من أن يدخل لها الكاذب فلا يصح الاعتماد على من كان فيها وتصديقه ورغم هذا فيمكن أن تحمى بعض الأحيان من الكاذب بعد دخوله رحمة بالعباد رغم أنهم لا عذر لهم بإتباع من كان في هذه الدائرة فالآية ممكنة التطبيق على هذه الدائرة وليس واجبة التطبيق، والثالثة سوداء غير محمية من أن يدخل لها الكاذب بل هي دائرة الكاذبين وواضحة بأنها دائرة الكاذبين فلا داع لحمايتها أصلا من الكاذبين لا قبل دخولهم ولا بعد دخولهم فالآية ليس موضعها هذه الدائرة.
فلابد إذن من الانتباه إلى أن كلامنا في منع ادعاء النص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال وليس في ادعاء المنصب الإلهي عموما، فادعاء المنصب الإلهي أو النبوة أو خلافة الله في أرضه باطلا بسفاهة ودون الاحتجاج بالوصية (النص التشخيصي) حصل كثيرا وربما بقي حيا من ادعى باطلا فترة من الزمن ومثال لهؤلاء مسيلمة الكذاب ادعى انه نبي في حياة رسول الله محمد ص وبقي مسيلمة حيا بعد موت رسول الله محمد ص فالادعاء بدون شهادة الله ونص الله وبدون الوصية لا قيمة له وهو ادعاء سفيه فمن يصدق هكذا مدع مبطل لا عذر له أمام الله، إذن فالمقصود ليس منع أهل الباطل من الادعاء مطلقا بل منعهم من ادعاء النص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم لمن تمسك به من الضلال وهو وصية خليفة الله للناس وهذا المنع الذي أثبتناه عقلا وأكد عليه النص القرآني والروائي يؤكده أيضا الواقع فمرور مئات السنين على النص دون أن يدعيه احد كاف لإثبات هذه الحقيقة فقد مر على وصايا الأنبياء في التوراة ووصية عيسى ع مئات السنين ولم يدعِها غير محمد ص وأوصيائه من بعده كما ولم يدعِ وصية النبي غير الأئمة ع وقد احتج الإمام الرضا ع بهذا الواقع على الجاثليق فبعد أن بين النص من الأنبياء السابقين على الرسول محمد ص من التوراة والإنجيل احتج الجاثليق بأن النصوص يمكن أن تنطبق على أكثر من شخص فكان احتجاج الإمام الرضا ع على الجاثليق انه لم يحصل أن ادعى الوصايا المبطلون وهذا هو النص موضع الفائدة قال الجاثليق: ((......... ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة إنه محمد هذا فأما إسمه محمد فلا يصح لنا أن نقر لكم بنبوته ونحن شاكون إنه محمدكم ......... فقال الرضا ع : (إحتججتم بالشك فهل بعث الله من قبل أو من بعد من آدم إلى يومنا هذا نبيا اسمه محمد ؟ وتجدونه في شئ من الكتب التي أنزلها على جميع الأنبياء غير محمد ؟) فأحجموا عن جوابه)) [إثبات الهداة: ج1 ص 194 – 195].
فاحتجاج الأوصياء السابقين بهذا النص حجة على من يؤمن بهم وقد احتج عيسى ومحمد صلوات الله عليهما به، فعيسى ع احتج بنص الأنبياء السابقين عليه رغم عدم مباشرتهم له ومحمد ص كما في القرآن احتج بنص عيسى ع عليه ونص الأنبياء قبل عيسى ع عليه قال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ [الصف : 6])) ((الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف : 157])) والله بين في القرآن أن ادعاء محمد ص لو كان باطلا - وحاشاه - لما تركه يدعيه لأن الله متكفل بحفظ النص وصونه من ادعاء المبطلين أو يمكن أن نقول إن الله متكفل بصرفهم عن النص (( فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52 )) [ الحاقة].
وها هو كتاب الوصية الذي كتبه الرسول محمد ص ليلة وفاته موجود منذ أكثر من ألف عام في الكتب ويستطيع أي إنسان أن يقرأه ويطلع عليه ولكن لم يتمكن مبطل من ادعائه مع كثرتهم فالله صرف عنه كل مدع كاذب حيث ادعى كثيرون النبوة والإمامة والمهدوية ولكن أبدا لم يتمكن احدهم من خرق حجاب الله المضروب على هذا الكتاب فيدعيه وهذا الواقع يؤكد ما بينته فيما تقدم من أن وصف هذا الكتاب بأنه عاصم من الضلال بذاته يعني انه لا يدعيه غير صاحبه الذي ذكره الرسول محمد ص ومن يدعيه فهو صادق وهو صاحبه وهذا كاف كدليل تام وحجة قائمة على أحقية هذه الدعوة فمن أراد الحق ومعرفة أحقية هذه الدعوة تكفيه الوصية وادعائي أني المذكور فيها، وهناك أدلة كثيرة غيرها كالعلم بدين الله وبحقائق الخلق والانفراد براية البيعة لله وأيضا النص من الله مباشرة بالوحي لعباده، بالرؤيا وغيرها من سبل شهادة الله عند خلقه لخلفائه في أرضه فكما شهد للملائكة بخلافة آدم ع بالوحي فقد شهد الله عند عدد كبير من الناس المتفرقين بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب بان أحمد الحسن حق وخليفة من خلفاء الله في أرضه وقد قال تعالى : ((وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً )) [النساء : 79 ]
وقال تعالى: (( لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً )) [النساء : 166].
وأيضا بالنسبة للمسلمين السنة فقد حثهم رسول الله ص على نصرة المهدي واسماه خليفة الله المهدي كما في الروايات الصحيحة في كتب السنة، وقد جئتهم واسمي يواطئ اسم رسول الله ص احمد واسم أبي يواطئ اسم أب رسول الله إسماعيل كما نصت الروايات والرسول ص قال أنا ابن الذبيحين عبد الله وإسماعيل، وقد جئتكم بالنص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به وجئت بالعلم والانفراد براية البيعة لله فاتقوا الله يا امة محمد ص وأذعنوا للحق واتبعوا خليفة الله المهدي الذي دعاكم رسول الله ص لنصرته ولو زحفا على الثلج وآمنوا بوصية نبيكم الوحيدة لتنجوا في الدنيا والآخرة.
أحمد الحسن
شوال / 1433 هـ )).
أدلة اخرى تؤكد امامة آل محمد (ع) وفضلهم:
من الادلة الواضحة التي تؤكد امامة ال محمد (ع) هو حديث الثقلين المستفيض ذكره عند كل المسلمين، وهذا نصه:
عن علي عليه السلام ، قال : ( قال النبي ص: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ولن يفترقا حتى يردا على الحوض ) عيون اخبار الرضا ع: ج2 ص68.
وهذا نموذج مما عند اهل السنة: ( عن أبي سعيد قال قال رسول الله ص انى تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ) مسند احمد: ج3 ص14.
وحديث الثقلين يؤكد:
1- ان النبي ص ترك في امته امرين لا ثالث لهما وهما الكتاب والعترة.
2- ان العبد اذا ما اراد الاهتداء وعدم الضلال فما عليه الا التمسك بهما.
3- ان الكتاب والعترة لا ينفك احدهما عن الاخر ابدا.
4- ان الحديث كما يؤكد على وجود الكتاب حتى يوم القيامة فان وجود امام من العترة معه امر يؤكده الحديث بكل وضوح.
5- ان النبي (ص) حدد العترة الذين جعلهم عدلا لكتاب الله، وفي ذلك روايات كثيرة عند جميع المسلمين، ويكفي مراجعة احاديث الكساء وسبب نزول قوله تعالى: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا)، فان النبي (ص) بيّن ان اله هم علي وفاطمة وأولادهما الطاهرين.
وهذه روايات أخرى مما ذكر المظفر مضامينه في بحثه:
فهم الشهداء على خلقه سبحانه، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) البقرة 2: 143. حيث ورد عنهم ع: «نحن الاَمة الوسط، ونحن شهداء الله على خلقه» الكافي: ج1 ص146 ح2 و4.
وهم تراجمة وحي الله وخزان علمه، ورد عن الاِمام الباقر (ع): « نحن خزّان علم الله، ونحن تراجمة وحي الله، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء ومن فوق الاَرض » الكافي: ج1 ص192.
وهم باب الله وصراطه، عن أمير المؤمنين (ع) قوله: « إنّ الله تبارك وتعالى لو شاء لعرّف العباد نفسهُ، ولكن جعلنا أبوابه، وصراطه، وسبيله، والوجه الذي يؤتى منه، فمن عدل عن ولايتنا أو فضّل علينا غيرنا فانّهم عن الصراط لناكبون » الكافي: ج1 ص184.
وهناك روايات كثيرة تبين فضلهم ومقامهم وكمالهم.
وجوب طاعة آل محمد (ع):
لما ثبتت امامة ال محمد (ع) وخلافتهم الربانية وأنهم اوصياء النبي (ص) وعترته الطاهرة، اذن فطاعتهم واجبة بكل تأكيد، فطاعة خليفة الله امر ثابت في دين الله وهو في غاية الوضوح. ولهذا نرى ان الحق سبحانه بعد ان نصب ادم وسلحه بالعلم امر الخلق بطاعته فقال: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ) [الحجر : 29] . والسجود يعني الطاعة بكل وضوح.
وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً) [النساء : 64].
وكذلك حال سادة خلفاء الله اعني محمد واله الطاهرين ع، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ..) [النساء : 59]، وأولي الأمر حددهم رسول الله (ص) في وصيته المقدسة وهم الائمة والمهديين (ع).
عن الامام الصادق (ع) قوله: «نحن ولاة أمر الله، وخزنة علم الله وعيبة وحي الله» الكافي: ج1 ص192.
هل الامامة بحث تاريخي ؟
تقدم بيان ان الامامة هي منصب الهي يخص الله به بعض خلفائه، ولما كانت الاستخلاف الالهي اصل الدين الذي بينه الله سبحانه في يوم الخليقة الاولى ، فستكون الامامة والحال هذه اساس الدين وركنه الركين الذي به تتحقق الغاية من خلق الخلق باعتبار ان المعرفة لا تتحقق الا بطاعة الامام الحق المعرف بدين الله وكتبه ورسالاته.
لذا لا يمكن بحال اعتبار البحث في الامامة بحث تاريخي مضى عليه الزمن ؛ ذلك ان الارض لا تخلوا من وجود هادي الهي يجب على الخلق طاعته قال تعالى : (َيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) [الرعد : 7] وعليه، فالبحث في الامامة وطريق تشخيص الامام في كل زمان يسهم في اهتداء العبد لربه ودينه وبدون ذلك يكون الانسان ضالا غير مهتدي.
كما ان الايمان بان الامامة تنصيب الهي وأمرها بيد الله بدون الايمان بمصداقها ضلالا اخر ، فما قيمة ان يدعي احد انه مؤمن بان الامامة امر الهي ولكنه ينكر الامام الحق ؟! ويبقى سبيل النجاة منحصر بالإيمان بخليفة الله في كل زمن وطاعته والأخذ منه ، هذه هي سنة الله منذ اليوم الاول وحتى اخر يوم على هذه الارض.
الاسئلة:
1- ما هو الدليل على امامة الائمة ع ؟
2- اقم الدليل العقلي والقرآني والروائي على ان الوصية لا يدعيها إلا صاحبها .
3- كيف تستدل بحديث الثقلين على امامة ال محمد ع واستمرارها بعد الرسول ص ؟
Comment