رد: عقائد : عقائد الامامية للمظفر ـ شيخ علاء ـ المرحلة 1 ـ الدروس المكتوبة والتسجيلات
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
التسجيل الصوتي للمحاضرة ــ للاستماع والتحميل اضغط هنــــــــــــــا
النص:
6 - عقيدتنا في التوحيد
ونعتقد بأنه يجب توحيد الله تعالى من جميع الجهات، فكما يجب توحيده في الذات ونعتقد بأنه واحد في ذاته ووجوب وجوده، كذلك يجب - ثانيا - توحيده في الصفات، وذلك بالاعتقاد بأن صفاته عين ذاته كما سيأتي بيان ذلك، وبالاعتقاد بأنه لا شبه له في صفاته الذاتية، فهو في العلم والقدرة لا نظير له وفي الخلق والرزق لا شريك له وفي كل كمال لا ند له.
وكذلك يجب - ثالثا - توحيده في العبادة فلا تجوز عبادة غيره بوجه من الوجوه، وكذا إشراكه في العبادة في أي نوع من أنواع العبادة، واجبة أو غير واجبة، في الصلاة وغيرها من العبادات. ومن أشرك في العبادة غيره فهو مشرك كمن يرائي في عبادته ويتقرب إلى غير الله تعالى، وحكمه حكم من يعبد الأصنام والأوثان، لا فرق بينهما.
أما زيارة القبور وإقامة المآتم فليست هي من نوع التقرب إلى غير الله تعالى في العبادة، كما توهمه بعض من يريد الطعن في طريقة الإمامية، غفلة عن حقيقة الحال فيها، بل هي من نوع التقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة كالتقرب إليه بعيادة المريض وتشييع الجنائز وزيارة الأخوان في الدين ومواساة الفقير، فإن عيادة المريض - مثلا - في نفسها عمل صالح يتقرب به العبد إلى الله تعالى. وليس هو تقربا إلى المريض يوجب أن يجعل عمله عبادة لغير الله تعالى أو الشرك في عبادته. وكذلك باقي أمثال هذه الأعمال الصالحة التي منها زيارة القبور، وإقامة المآتم، وتشييع الجنائز، وزيارة الأخوان. أما كون زيارة القبور وإقامة المآتم من الأعمال الصالحة الشرعية فذلك يثبت في علم الفقه وليس هنا موضع إثباته. والغرض أن إقامة هذه الأعمال ليست من نوع الشرك في العبادة كما يتوهمه البعض. وليس المقصود منها عبادة الأئمة، وإنما المقصود منها إحياء أمرهم، وتجديد ذكرهم، وتعظيم شعائر الله فيهم (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب). فكل هذه أعمال صالحة ثبت من الشرع استحبابها، فإذا جاء الإنسان متقربا بها إلى الله تعالى طالبا مرضاته، استحق الثواب منه ونال جزاءه.
البيــــــــان:
هذه خلاصة ما بينه المظفر في هذه النقطة:
1- انه قسم التوحيد إلى أقسام ثلاثة: التوحيد في الذات، وفي الصفات، وفي العبادة.
2- التوحيد في الذات يعني أن ذاته عز وجل واحدة وليس فيها أي جهة من جهات الكثرة.
3- التوحيد في الصفات (التي لا شبيه له سبحانه فيها فهو في علمه وقدرته وخلقه ورقه لا نظير له ولا شبيه)، والتوحيد فيها: يعني أن صفاته عين ذاته، بخلاف الفرق العقائدية الأخرى كالأشاعرة الذين يقولون بان صفاته زائدة على ذاته، أو المعتزلة الذين ينفون الصفات ويرون أن الذات تنوب عنها ولذا سموا بـ(المعطلة).
4- التوحيد في العبادة: يعني لا يجوز عبادة غيره سبحانه كالأصنام والأوثان، ولا إشراك غيره معه فيها كالرياء، فمن يفعل مثل ذلك يعد مشركا غير موحد.
5- استعراض امر عبادي وشرعي، توهم بعض المتسمين بالإسلام (كالوهابيين) انه ينافي التوحيد بالعبادة، بمعنى أن فاعله يعبد غير الله بنظره، وهو: زيارة القبور وإقامة المأتم، وبين المظفر أنها لا تعني الشرك في العبادة بل إنها أعمال صالحة بيَّن الفقه استحبابها وبالتالي فالإتيان بها بنية التقرب يوجب المثوبة.
البحث الاول / أقسام التوحيد كما ذكروها:
ذكر الشيخ المظفر اقساما ثلاثة للتوحيد، وهي: التوحيد الذاتي والصفاتي والعبادي.
وأوصلها بعضهم الى سبعة اقسام، اما الثلاثة الاولى فقد تم بيانها، واما الاربعة الاخرى فهي:
- التوحيد الأفعالي: والمراد به ان كل ما يقع عالم الخلق من أسباب ومسببات واثار وانظمة وتدبيرات بل كل شيء، فكلها بإرادته سبحانه، فهو المؤثر بالوجود لا غير.
- التوحيد التشريعي: والمراد به ان حق التشريع والتقنين بيده سبحانه فقط، وحتى انبيائه ورسله فهم ينقلون قوانينه وشرعه وحتى فيما ورد اذنه سبحانه لهم في تشريعه فهو راجع اليه ايضا.
- التوحيد الاستعاني: أي انه سبحانه من يستعان به لا غير.
- التوحيد الحبي: أي انه سبحانه من يستحق المحبة اصالة لا غير.
وجعلوا من ادلة اثبات وجود الله العقلية هي بنفسها تدل على هذه الاقسام، وكذلك الفطرة.
ومثل هذه التقسيمات قد لا يكون لها فائدة اذا ما عرف الانسان التوحيد الحقيقي وهو التوحيد في مرتبة الكنه والحقيقة. كما ان معرفتها مع جهل التوحيد الحقيقي خسارة كبيرة وتضييع للهدف الذي خلق الانسان لأجله.
البحث الثاني/ مراتب التوحيد:
اقتصر نظر علماء الشيعة العقائديين – بما فيهم الشيخ المظفر - على الذات المقدسة (الله) وجعلوا المعرفة والتوحيد في رتبتها هي الغاية القصوى، فالتوحيد بما ذكروه من اقسام يقف على مرتبة الذات كما راينا. ولكن قد اتضح ان الذات هي باب الكنه والحقيقة وظهور وتجلي لها وقد عرفنا أيضاً سبب تجليه بالألوهية.
قال السيد احمد الحسن (ع) موضحاً مرتبة التوحيد في مرتبة الذات وعدم خلوها من الشرك: (.. الحقيقة أن هذه المرتبة من التوحيد لا تخلو من الشرك في مرتبة ما لجهتين:
الجهة الأولى: هي أننا لا يمكن أن نرفع كثرة الأسماء الملازمة للذات الإلهية عن أوهامنا، وإن كانت كثرة إعتبارية، فالله هو: الرحمن الرحيم القادر القاهر الجبار المتكبر العليم الحكيم ... وهذه الكثرة وإن كانت لا تخل بوحدة الذات الإلهية أو الله ولكنها كثرة، وتحمل معنى الكثرة فهي مخلة بالتوحيد في مرتبة أعلى من هذه، قال أمير المؤمنين (ع): (..... أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف).
والجهة الثانية: هي جهة الألوهية، فكوننا نتأله في حوائجنا إلى الذات الإلهية فإن علاقتنا معه سبحانه وتعالى غير خالية - والحال هذه - من الطمع والحاجة لسد النقص من جهة معينة، إذن فالعبادة غير خالصة بل هي طلب للكمال وسد النقص في أحسن صورها على هذا الحال، وهذه المرتبة شرك، فالإخلاص الحقيقي هو قطع النظر عمن سواه سبحانه وتعالى حتى عن الأنا والشخصية، وهذا هو الأولى والأحجى بل هو أصل المطلوب، إذن فالتوحيد الحقيقي يتحقق بعد معرفة فناء جميع الأسماء والصفات في الذات الإلهية، ثم فناء الذات الإلهية في الحقيقة أي فناء الألوهية في حقيقته سبحانه، ولا يتحقق هذا الامر الا بفناء الأنا وشخصية الانسان فلا يبقى إلا الشاهد الغائب سبحانه وتعالى عما يشركون، وإذا كان هناك لفظ دال عليه فيكون (هو) ضمير الغائب، والهاء لإثبات الثابت والواو لغيبة الغائب وهذا التوجه - المتحصل من هذه المعرفة - هو التوجه الصحيح لأنه توجه إلى الحقيقة والكنه، وهذا هو التوحيد الحقيقي، توحيد الحقيقة والكنه أو الإسم الأعظم الأعظم الأعظم، أو الإسم المكنون المخزون والذي ينبع من داخل الإنسان بعد فناء الأنا وبقاء الله، وهذه هي المرتبة الأخيرة المقصودة في التوحيد واليها تشير بسملة التوحيد وسورة التوحيد ..).
وقال (ع) أيضاً: (﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾: هو ضمير الغائب يشير إلى الاسم الأعظم الأعظم الأعظم أو الكنه والحقيقة، فالمراد هنا قل لهم إذا كانوا يريدون معرفة حقيقته وكنهه سبحانه وتعالى فهو يعرف بمعرفة الذات الأحدية، فالذات هي حجاب الكنه والحقيقة ولا يعرف ما بعد الحجاب إلا باختراق الحجاب، ولا يخترق الحجاب إلا بالمعرفة، فإذا عرفتم فناء الأسماء الإلهية في الذات أو الله وأحدية الذات ونظرتم فيها ومن خلالها باعتبارها حجاب الكنه والحقيقة عرفتم أن تمام معرفة الحقيقة هي العجز عن المعرفة.
و ﴿هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ تشير إلى معنيين: الأول: هو فناء الأسماء الإلهية في الذات وأحدية الذات في التوحيد الأحدي.
والثاني: هو فناء الألوهية في الحقيقة في المرتبة الأخيرة، لأن الألوهية فيها الكثرة الاعتبارية لأنها تعني الكمال، وبالتالي التأله إليه لسد النقص والحصول على الكمال وللكمال جهات كثيرة.
وفي المعنى الأول مرتبتان:
ففي المرتبة الأولى: الله أحد أي أنه قادر والقدرة ذاته، وراحم والرحمة ذاته، وفي هذه المرتبة الأسماء الإلهية فانية في الذات ولكنها تلاحظ تفصيلاً أي الله القادر العليم الحكيم.
وفي المرتبة الثانية: الله أحد أي أنه كامل يؤله إليه لسد النقص وتحصيل الكمال، والأسماء الإلهية فانية فيه دون ملاحظتها تفصيلاً بل إجمالاً باعتبارها جهات الكمال، أي النظر إلى الله سبحانه وتعالى الكامل دون النظر أو الالتفات إلى الأسماء الكمالية، ولا يخفى أن في هذا الإجمال تبقى الكثرة كالنار تحت الرماد، فالمقصود هو سد النقص وتحصيل الكمال سواء كان هذا القصد تفصيلياً أم إجمالياً.
أما المعنى الثاني: الذي تشير له ﴿هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ فهو فناء الألوهية والكمال في الكنه والحقيقة، فلا ينظر إلا للمعبود سبحانه وتعالى باعتباره معبوداً، فلا يبقى للألوهية في هذه المرتبة من التوحيد وجود، بل لا يبقى إلا النظر إلى الحقيقة والكنه أو الاسم الأعظم الأعظم الأعظم (هو) وهذه هي أعلى مراتب التوحيد، وغاية الإنسان وكماله الحقيقي هو عبادة الحقيقة والكنه، ولذلك وصف الرسول الأكرم في أعلى مراتب الارتقاء بالعبد ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ ..) كتاب التوحيد.
وبهذا توضح كيف تكون الذات (الله) باباً وقبلة وحجاباً للكنه والحقيقة وأن المعرفة في (مرتبة الذات الاحدية بعد فناء الصفات فيها) تكون مدعاة لمعرفة العجز عن معرفة الكنه والحقيقة وهي اقصى غايات المعرفة والتوحيد الحقيقي. فـ(الله) هو الكمال المطلق الذي يتأله له الخلق، وإنما تجلى به وظهر به للخلق لحاجتهم وفقرهم .. الآن هو تجلى بالكمال المطلق (الله) ليأله له فلولا الخلق لكان الوجود فقط للكنه والحقيقة بلا قبلة وباب وحجاب لها وهي الذات المقدسة التي ظهر وتجلى بها لخلقه لحاجتهم وفقرهم وتحقيق غاية خلقهم وهو المعرفة "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف".
والحق: أن كل موجود يظن الكمال هو ما يعرفه هو .. فالإنسان يظن أن غاية الكمال هو القدرة الكاملة العلم الكامل وهكذا والسبب انه يملك بعض القدرة وبعض العلم فهو يظن أن عالم قادر التي يتصورها هي غاية ما يمكن أن يصف به الله. ولكن المطلوب منه أن يتحرك باتجاه المعرفة إلى أن يعرف انه عاجز عن المعرفة وان الكمال الذي واجهه به سبحانه إنما أراد منه سبحانه أن يوصله إلى هذه الحقيقة التي هي المعرفة الحقيقية .. إنما واجهنا بالكمال المطلق ليوصلنا لحقيقة أننا عاجزون عن المعرفة .. وبالتالي نعرف أنفسنا ونعرف الحقيقة التي أوجدتنا، نعرفها عندما نعرف عجزنا التام عن معرفتها .. معرفة عجزنا هي معرفة الحقيقة .. "من عرف نفسه عرف ربه" .. وهذه حقائق لا تعرف بالكلام بل عندما يكون الإنسان فيها.
البحث الثالث / صفاته عين ذاته .. يأتي ان شاء الله.
والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وال محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
التسجيل الصوتي للمحاضرة ــ للاستماع والتحميل اضغط هنــــــــــــــا
النص:
6 - عقيدتنا في التوحيد
ونعتقد بأنه يجب توحيد الله تعالى من جميع الجهات، فكما يجب توحيده في الذات ونعتقد بأنه واحد في ذاته ووجوب وجوده، كذلك يجب - ثانيا - توحيده في الصفات، وذلك بالاعتقاد بأن صفاته عين ذاته كما سيأتي بيان ذلك، وبالاعتقاد بأنه لا شبه له في صفاته الذاتية، فهو في العلم والقدرة لا نظير له وفي الخلق والرزق لا شريك له وفي كل كمال لا ند له.
وكذلك يجب - ثالثا - توحيده في العبادة فلا تجوز عبادة غيره بوجه من الوجوه، وكذا إشراكه في العبادة في أي نوع من أنواع العبادة، واجبة أو غير واجبة، في الصلاة وغيرها من العبادات. ومن أشرك في العبادة غيره فهو مشرك كمن يرائي في عبادته ويتقرب إلى غير الله تعالى، وحكمه حكم من يعبد الأصنام والأوثان، لا فرق بينهما.
أما زيارة القبور وإقامة المآتم فليست هي من نوع التقرب إلى غير الله تعالى في العبادة، كما توهمه بعض من يريد الطعن في طريقة الإمامية، غفلة عن حقيقة الحال فيها، بل هي من نوع التقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة كالتقرب إليه بعيادة المريض وتشييع الجنائز وزيارة الأخوان في الدين ومواساة الفقير، فإن عيادة المريض - مثلا - في نفسها عمل صالح يتقرب به العبد إلى الله تعالى. وليس هو تقربا إلى المريض يوجب أن يجعل عمله عبادة لغير الله تعالى أو الشرك في عبادته. وكذلك باقي أمثال هذه الأعمال الصالحة التي منها زيارة القبور، وإقامة المآتم، وتشييع الجنائز، وزيارة الأخوان. أما كون زيارة القبور وإقامة المآتم من الأعمال الصالحة الشرعية فذلك يثبت في علم الفقه وليس هنا موضع إثباته. والغرض أن إقامة هذه الأعمال ليست من نوع الشرك في العبادة كما يتوهمه البعض. وليس المقصود منها عبادة الأئمة، وإنما المقصود منها إحياء أمرهم، وتجديد ذكرهم، وتعظيم شعائر الله فيهم (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب). فكل هذه أعمال صالحة ثبت من الشرع استحبابها، فإذا جاء الإنسان متقربا بها إلى الله تعالى طالبا مرضاته، استحق الثواب منه ونال جزاءه.
البيــــــــان:
هذه خلاصة ما بينه المظفر في هذه النقطة:
1- انه قسم التوحيد إلى أقسام ثلاثة: التوحيد في الذات، وفي الصفات، وفي العبادة.
2- التوحيد في الذات يعني أن ذاته عز وجل واحدة وليس فيها أي جهة من جهات الكثرة.
3- التوحيد في الصفات (التي لا شبيه له سبحانه فيها فهو في علمه وقدرته وخلقه ورقه لا نظير له ولا شبيه)، والتوحيد فيها: يعني أن صفاته عين ذاته، بخلاف الفرق العقائدية الأخرى كالأشاعرة الذين يقولون بان صفاته زائدة على ذاته، أو المعتزلة الذين ينفون الصفات ويرون أن الذات تنوب عنها ولذا سموا بـ(المعطلة).
4- التوحيد في العبادة: يعني لا يجوز عبادة غيره سبحانه كالأصنام والأوثان، ولا إشراك غيره معه فيها كالرياء، فمن يفعل مثل ذلك يعد مشركا غير موحد.
5- استعراض امر عبادي وشرعي، توهم بعض المتسمين بالإسلام (كالوهابيين) انه ينافي التوحيد بالعبادة، بمعنى أن فاعله يعبد غير الله بنظره، وهو: زيارة القبور وإقامة المأتم، وبين المظفر أنها لا تعني الشرك في العبادة بل إنها أعمال صالحة بيَّن الفقه استحبابها وبالتالي فالإتيان بها بنية التقرب يوجب المثوبة.
البحث الاول / أقسام التوحيد كما ذكروها:
ذكر الشيخ المظفر اقساما ثلاثة للتوحيد، وهي: التوحيد الذاتي والصفاتي والعبادي.
وأوصلها بعضهم الى سبعة اقسام، اما الثلاثة الاولى فقد تم بيانها، واما الاربعة الاخرى فهي:
- التوحيد الأفعالي: والمراد به ان كل ما يقع عالم الخلق من أسباب ومسببات واثار وانظمة وتدبيرات بل كل شيء، فكلها بإرادته سبحانه، فهو المؤثر بالوجود لا غير.
- التوحيد التشريعي: والمراد به ان حق التشريع والتقنين بيده سبحانه فقط، وحتى انبيائه ورسله فهم ينقلون قوانينه وشرعه وحتى فيما ورد اذنه سبحانه لهم في تشريعه فهو راجع اليه ايضا.
- التوحيد الاستعاني: أي انه سبحانه من يستعان به لا غير.
- التوحيد الحبي: أي انه سبحانه من يستحق المحبة اصالة لا غير.
وجعلوا من ادلة اثبات وجود الله العقلية هي بنفسها تدل على هذه الاقسام، وكذلك الفطرة.
ومثل هذه التقسيمات قد لا يكون لها فائدة اذا ما عرف الانسان التوحيد الحقيقي وهو التوحيد في مرتبة الكنه والحقيقة. كما ان معرفتها مع جهل التوحيد الحقيقي خسارة كبيرة وتضييع للهدف الذي خلق الانسان لأجله.
البحث الثاني/ مراتب التوحيد:
اقتصر نظر علماء الشيعة العقائديين – بما فيهم الشيخ المظفر - على الذات المقدسة (الله) وجعلوا المعرفة والتوحيد في رتبتها هي الغاية القصوى، فالتوحيد بما ذكروه من اقسام يقف على مرتبة الذات كما راينا. ولكن قد اتضح ان الذات هي باب الكنه والحقيقة وظهور وتجلي لها وقد عرفنا أيضاً سبب تجليه بالألوهية.
قال السيد احمد الحسن (ع) موضحاً مرتبة التوحيد في مرتبة الذات وعدم خلوها من الشرك: (.. الحقيقة أن هذه المرتبة من التوحيد لا تخلو من الشرك في مرتبة ما لجهتين:
الجهة الأولى: هي أننا لا يمكن أن نرفع كثرة الأسماء الملازمة للذات الإلهية عن أوهامنا، وإن كانت كثرة إعتبارية، فالله هو: الرحمن الرحيم القادر القاهر الجبار المتكبر العليم الحكيم ... وهذه الكثرة وإن كانت لا تخل بوحدة الذات الإلهية أو الله ولكنها كثرة، وتحمل معنى الكثرة فهي مخلة بالتوحيد في مرتبة أعلى من هذه، قال أمير المؤمنين (ع): (..... أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف).
والجهة الثانية: هي جهة الألوهية، فكوننا نتأله في حوائجنا إلى الذات الإلهية فإن علاقتنا معه سبحانه وتعالى غير خالية - والحال هذه - من الطمع والحاجة لسد النقص من جهة معينة، إذن فالعبادة غير خالصة بل هي طلب للكمال وسد النقص في أحسن صورها على هذا الحال، وهذه المرتبة شرك، فالإخلاص الحقيقي هو قطع النظر عمن سواه سبحانه وتعالى حتى عن الأنا والشخصية، وهذا هو الأولى والأحجى بل هو أصل المطلوب، إذن فالتوحيد الحقيقي يتحقق بعد معرفة فناء جميع الأسماء والصفات في الذات الإلهية، ثم فناء الذات الإلهية في الحقيقة أي فناء الألوهية في حقيقته سبحانه، ولا يتحقق هذا الامر الا بفناء الأنا وشخصية الانسان فلا يبقى إلا الشاهد الغائب سبحانه وتعالى عما يشركون، وإذا كان هناك لفظ دال عليه فيكون (هو) ضمير الغائب، والهاء لإثبات الثابت والواو لغيبة الغائب وهذا التوجه - المتحصل من هذه المعرفة - هو التوجه الصحيح لأنه توجه إلى الحقيقة والكنه، وهذا هو التوحيد الحقيقي، توحيد الحقيقة والكنه أو الإسم الأعظم الأعظم الأعظم، أو الإسم المكنون المخزون والذي ينبع من داخل الإنسان بعد فناء الأنا وبقاء الله، وهذه هي المرتبة الأخيرة المقصودة في التوحيد واليها تشير بسملة التوحيد وسورة التوحيد ..).
وقال (ع) أيضاً: (﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾: هو ضمير الغائب يشير إلى الاسم الأعظم الأعظم الأعظم أو الكنه والحقيقة، فالمراد هنا قل لهم إذا كانوا يريدون معرفة حقيقته وكنهه سبحانه وتعالى فهو يعرف بمعرفة الذات الأحدية، فالذات هي حجاب الكنه والحقيقة ولا يعرف ما بعد الحجاب إلا باختراق الحجاب، ولا يخترق الحجاب إلا بالمعرفة، فإذا عرفتم فناء الأسماء الإلهية في الذات أو الله وأحدية الذات ونظرتم فيها ومن خلالها باعتبارها حجاب الكنه والحقيقة عرفتم أن تمام معرفة الحقيقة هي العجز عن المعرفة.
و ﴿هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ تشير إلى معنيين: الأول: هو فناء الأسماء الإلهية في الذات وأحدية الذات في التوحيد الأحدي.
والثاني: هو فناء الألوهية في الحقيقة في المرتبة الأخيرة، لأن الألوهية فيها الكثرة الاعتبارية لأنها تعني الكمال، وبالتالي التأله إليه لسد النقص والحصول على الكمال وللكمال جهات كثيرة.
وفي المعنى الأول مرتبتان:
ففي المرتبة الأولى: الله أحد أي أنه قادر والقدرة ذاته، وراحم والرحمة ذاته، وفي هذه المرتبة الأسماء الإلهية فانية في الذات ولكنها تلاحظ تفصيلاً أي الله القادر العليم الحكيم.
وفي المرتبة الثانية: الله أحد أي أنه كامل يؤله إليه لسد النقص وتحصيل الكمال، والأسماء الإلهية فانية فيه دون ملاحظتها تفصيلاً بل إجمالاً باعتبارها جهات الكمال، أي النظر إلى الله سبحانه وتعالى الكامل دون النظر أو الالتفات إلى الأسماء الكمالية، ولا يخفى أن في هذا الإجمال تبقى الكثرة كالنار تحت الرماد، فالمقصود هو سد النقص وتحصيل الكمال سواء كان هذا القصد تفصيلياً أم إجمالياً.
أما المعنى الثاني: الذي تشير له ﴿هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ فهو فناء الألوهية والكمال في الكنه والحقيقة، فلا ينظر إلا للمعبود سبحانه وتعالى باعتباره معبوداً، فلا يبقى للألوهية في هذه المرتبة من التوحيد وجود، بل لا يبقى إلا النظر إلى الحقيقة والكنه أو الاسم الأعظم الأعظم الأعظم (هو) وهذه هي أعلى مراتب التوحيد، وغاية الإنسان وكماله الحقيقي هو عبادة الحقيقة والكنه، ولذلك وصف الرسول الأكرم في أعلى مراتب الارتقاء بالعبد ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ ..) كتاب التوحيد.
وبهذا توضح كيف تكون الذات (الله) باباً وقبلة وحجاباً للكنه والحقيقة وأن المعرفة في (مرتبة الذات الاحدية بعد فناء الصفات فيها) تكون مدعاة لمعرفة العجز عن معرفة الكنه والحقيقة وهي اقصى غايات المعرفة والتوحيد الحقيقي. فـ(الله) هو الكمال المطلق الذي يتأله له الخلق، وإنما تجلى به وظهر به للخلق لحاجتهم وفقرهم .. الآن هو تجلى بالكمال المطلق (الله) ليأله له فلولا الخلق لكان الوجود فقط للكنه والحقيقة بلا قبلة وباب وحجاب لها وهي الذات المقدسة التي ظهر وتجلى بها لخلقه لحاجتهم وفقرهم وتحقيق غاية خلقهم وهو المعرفة "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف".
والحق: أن كل موجود يظن الكمال هو ما يعرفه هو .. فالإنسان يظن أن غاية الكمال هو القدرة الكاملة العلم الكامل وهكذا والسبب انه يملك بعض القدرة وبعض العلم فهو يظن أن عالم قادر التي يتصورها هي غاية ما يمكن أن يصف به الله. ولكن المطلوب منه أن يتحرك باتجاه المعرفة إلى أن يعرف انه عاجز عن المعرفة وان الكمال الذي واجهه به سبحانه إنما أراد منه سبحانه أن يوصله إلى هذه الحقيقة التي هي المعرفة الحقيقية .. إنما واجهنا بالكمال المطلق ليوصلنا لحقيقة أننا عاجزون عن المعرفة .. وبالتالي نعرف أنفسنا ونعرف الحقيقة التي أوجدتنا، نعرفها عندما نعرف عجزنا التام عن معرفتها .. معرفة عجزنا هي معرفة الحقيقة .. "من عرف نفسه عرف ربه" .. وهذه حقائق لا تعرف بالكلام بل عندما يكون الإنسان فيها.
البحث الثالث / صفاته عين ذاته .. يأتي ان شاء الله.
والحمد لله رب العالمين.
Comment