الكوراني وداء الحسد
بقلم: الشيخ ناظم العقيلي
5 /شوال / 1432 هـ
بسم الله الرحمن الرحيمبقلم: الشيخ ناظم العقيلي
5 /شوال / 1432 هـ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين وسلم تسليماً
عندما نجد عالماً ما يتصف بالاعتدال والاتزان والشرف العلمي مع من يحب ومن يبغض، أو مع من يوافق ومن يخالف، فيجب علينا احترام هكذا عالم بغض النظر عن موافقتنا له في الرأي أو الاعتقاد أو مخالفتنا له، فهذا الزمان قد شحَّ علينا بهكذا علماء يقولون الحق وإن كان على أنفسهم، ولا ينقادون لهواهم أو ميولهم التي تجانب الحقيقة، فمن أدمن النظر بعين الهوى والحسد يمسي مطية سهلة لإبليس وجنده الأرجاس، يوجهه حيثما أراد ويسلك به سبل المهالك.
ومن الذين يفتقرون الى الاتزان والاعتدال وشرف الخصومة هو الشيخ علي الكوراني، حيث سمعنا وقرأنا أقواله وكتاباته في محاربة الدعوة اليمانية المباركة، وخصوصاً ميله وحرصه على الطعن في وصية رسول الله (ص) ليلة وفاته التي نص فيها على اثني عشر إماماً واثني عشر مهدياً، وهذا ما سيعرفه كل من يقرأ كتابه (عمليات صهيونية وهابية في العراق)، حيث كتبه بعين الحقد والحسد الذي أفقده صوابه وأنساه ما خطته يده في كتبه عن المهديين من ذرية الإمام المهدي (ع)، وعن وصية رسول الله (ص) بالخصوص !
وهذا التناقض الصارخ والعشوائية المشينة، تدلنا على أن الرجل قد مكَّن الشيطان من نفسه حتى أمسى كحاطب ليل لا يدري أين يضع فأسه !
والآن لنسمع ما كتبه الكوراني عندما كان في معزل عن مواجهة الدعوة اليمانية المباركة:
المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي (ع) ص299:
الشيخ علي الكوراني في المعجم الموضوعي، فصل: يماني كعب يكون بعد المهدي (ع) ويبيد قريش، قال: (أما أحاديث مصادرنا فتدل على أن الدولة الإلهية الموعودة تمتد قروناً على يد المهدي (ع) ثم على يد المهديين من أبنائه، وأن لله تعالى برنامجاً في تطوير الحياة على الأرض، ورجعة النبي (ص) والأئمة (ع) إلى الحياة الدنيا في زيارة أو يحكمون مدداً طويلة. وأن نزول عيسى يكون في زمن المهدي (ع) ويبقى مدة غير طويلة ويتوفى، وأن الدجال يخرج في زمن المهدي (ع) فيعالج ضلالته ويقتله) .
وقال أيضاً تحت عنوان (يحكم بعد المهدي (ع) اثنا عشر من ولده) ص299 – 304، بعد أن ساق الروايات التي تدل على المهديين(ع):
( ...هذا، وقد وقع المرحوم البياضي العاملي رحمه الله في شبهتهم فردَّ حديث الإثني عشر مهدياً بعد الإمام المهدي عليه السلام وناقش الشريف المرتضى في ذلك، قال في الصراط المستقيم:2/152: وفي بعضها: سيكون بعدي اثنا عشر إماماً أولهم أنت، ثم عد أولاده، وأمر أن يسلمها كل إلى ابنه، قال: ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً. قلت: الرواية بالإثني عشر بعد الإثني عشر شاذة ومخالفة للروايات الصحيحة المتواترة الشهيرة بأنه ليس بعد القائم دولة، وأنه لم يمض من الدنيا إلا أربعين يوماً فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات وقيام الساعة. على أن البعدية في قوله من بعدهم، لا تقتضي البعدية الزمانية كما قال تعالى: فمن يهديه من بعد الله، فجاز كونهم في زمان الإمام وهم نوابه عليه السلام. إن قلت: قال في الرواية: فإذا حضرته يعني المهدي الوفاة فليسلمها إلى ابنه، ينفي هذا التأويل؟! قلت: لا يدل هذا على البقاء بعده، ويجوز أن يكون لوظيفة الوصية لئلا يكون ميتة جاهلية، ويجوز أن يبقى بعده من يدعو إلى إمامته، ولا يضر ذلك في حصر الإثني عشر فيه وفي آبائه. قال المرتضى: لايقطع بزوال التكليف عند موته عليه السلام بل يجوز أن يبقى حصر الإثني عشر فيه بعد أئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله، ولا يخرجنا هذا القول عن التسمية بالإثني عشرية، لأنا كلفنا بأن نعلم إمامتهم إذ هو موضع الخلاف، وقد بينا ذلك بياناً شافياً فيهم، ولا موافق لنا عليهم فانفردنا بهذا الإسم عن غيرنا من مخالفيهم. وأنا أقول: هذه الرواية آحادية توجب ظناً ومسألة الإمامة علمية، ولأن النبي صلى الله عليه وآله إن لم يبين المتأخرين بجميع أسمائهم، ولا كشف عن صفاتهم مع الحاجة إلى معرفتهم فيلزم تأخير البيان عن الحاجة.وأيضاً فهذه الزيادة شاذة لاتعارض الشائعة الذائعة. إن قلت: لا معارضة بينهما لأن غاية الروايات يكون بعدي اثنا عشر خليفة. الأئمة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل ونحوها. قلت: لو أمكن ذلك لزم العبث والتعمية في ذكر الإثني عشر، ولأن في أكثر الروايات وتسعة من ولد الحسين، ويجب حصر المبتدأ في الخبر، ولأنهم لم يذكروا في التوراة وأشعار قِسٍّ وغيرها ولا أخبر النبي صلى الله عليه وآله برؤيتهم ليلة إسرائه إلى حضرة ربه، ولما عد الأئمة الإثني عشر قال للحسن: لا تخلو الأرض منهم ويعني به زمان التكليف، فلو كان بعدهم أئمة لخلت الأرض منهم، ويبعد حمل الخلو على أن المقصود به أولادهم لأنه من المجاز ولا ضرورة تحوج إليه.انتهى.
ومعنى كلامه رحمه الله: أن الشريف المرتضى رحمه الله دافع عن روايات استمرار التكليف والإمامة العامة بعد الإمام المهدي عليه السلام بأولاده المهديين، وقال إن ذلك لاينافي أن الأئمة عليهم السلام اثنا عشر لا أكثر لأنهم الأصل والباقون من فروعهم وامتدادهم. ولم يردَّ هو كلام المرتضى عليهم السلام بأكثر من الإستبعاد والتكلف في تأويل حديث الإثني عشر مهدياً! أما قوله إنه خبر آحاد، فسببه أنه لم يطلع على الأخبار العديدة التي أوردناها، وقد رأيت في مصادر غيرنا طرفاً منها أيضاً!
وتصوره رحمه الله أن القيامة قريبة من دولة الإمام المهدي عليه السلام لم يأته من أحاديث أهل البيت عليهم السلام بل من غيرها، وكذا تفسيره الخاطئ لعدم وجود دولة بعد دولتهم، فلا نوافقه على أنه يدل على قصر مدة دولتهم عليهم السلام!) انتهى كلام الكوراني.
أقول:
إن رد الكوراني على قول البياضي بأن رواية الوصية خبر آحاد؛ (أما قوله إنه خبر آحاد، فسببه أنه لم يطلع على الأخبار العديدة التي أوردناها، وقد رأيت في مصادر غيرنا طرفاً منها أيضاً!)، يعني أنه يرى أن مضمون الوصية بالأثني عشر مهدياً متواتر معنى، لأنه رد كون رواية الوصية خبر آحاد، وما يقابل الآحاد هو المتواتر، إذن الكوراني يرى بأن معنى رواية الوصية متواتر – وهو الصحيح -، والمتواتر يفيد العلم والقطع وتبنى عليه العقائد، وهو – أي المتواتر – غني عن تتبع أحوال رجال سنده، لأن صحته مأخوذة من تواتره لا من خصوص سنده، والسند يبحث فيه في أخبار الآحاد، فإن صح عندهم فغاية ما يفيده هو الظن، بينما المتواتر يفيد القطع والجزم، فإن تم تحصيل القطع والجزم يكون البحث عن تحصيل الظن تحصيل حاصل، بل مجانب للحكمة والعلم.
نعم أحبتي القراء .. هنا الشيخ الكوراني أثبت رواية الوصية وأثبت المهديين من ذرية الإمام المهدي (ع)، ولم يعترض بشيء، بل رد على من اعترض على ذلك، وجزم بحكم المهديين بعد أبيهم الإمام المهدي (ع) .. ولكن هذا حاله عندما يكتب بعيداً عن دعوة السيد أحمد الحسن (ع) .. أما إن عرضت له الدعوة اليمانية المباركة سرعان ما يرتجف قلمه، وينقض غزله بيده، ويناقض ما خطته يده بلا حياء أو خجل .. فهاكم اسمعوا ما قاله في كتابه الذي رد فيه على الدعوة اليمانية، والمعنون بـ (فعاليات صهيونية وهابية في العراق) حيث قال عن رواية الوصية التي أثبتها ودافع عنها بحزم في كتابه (المعجم الموضوعي):
(على أن سند الرواية لا يتم على مباني علماء الجرح والتعديل، فقد قال عنها الحر العاملي: وروى الشيخ في كتاب الغيبة في جملة الأحاديث التي رواها من طرق العامة .. (الإيقاظ من الهجعة: ص ٣٦٢ )، ففيها مجهولون لم يوثقهم أحد من علماء الرجال، مثل: علي بن سنان الموصلي، وأحمد بن محمد بن الخليل، وجعفر بن أحمد البصري).
فما عدا مما بدا يا كوراني ؟! لماذا هذا التلون ؟! وهل تربطك بالحرباء صلة قرابة ؟!
فكيف تثبت في كتابك (المعجم الموضوعي) رواية الوصية وتنفي أنها خبر آحاد – وهذا يعني أنها متواترة معنى – وتثبت المهديين الأثني عشر المذكورين في الوصية المقدسة، ثم تأتي هنا لتشكك بصدور الوصية وسندها!
هل يوجد سبب غير الحسد والحقد الذي يعمي ويصم ويفضح صاحبه على رؤوس الأشهاد ؟!
ثم ألا تعلم يا كوراني – وأنت بهذا العمر – أن الخبر المتواتر والمحفوف بالقرينة أو القرائن القطعية، خارج عن التقسيم الرباعي للخبر بحسب السند الى (الصحيح والحسن والموثق والضعيف)، ويختص هذا التقسيم بالخبر الآحاد المجرد عن القرينة ؟!
إن كنت لا تدري، أقول لك: رحم الله امرءاً عرف حده فوقف عنده.
وبالنسبة الى سند رواية الوصية فيكفيه شهادة الميرزا النوري باعتباره، وتفصيل القول فيه يطلب من كتابيّ: (انتصاراً للوصية) و (دفاعاً عن الوصية).
وقال الكوراني أيضاً في كتابه آنف الذكر: (استدل أحمد إسماعيل لبدعته بأحاديث أنه يحكم بعد المهدي اثنا عشر مهدياً، فادعى أنه ابن الإمام المهدي الذي يحكم بعده، وقد أرسله قبله! أقول: نعم صح عندنا عن أهل البيت أن الذي يتولى مراسم دفن الإمام المهدي هو الحسين وأنه أول من يرجع من الأئمة ويحكم بعد المهدي حتى يسقط حاجباه على عينيه من الكبر، وأنه يحكم بعده اثنا عشر مهديًا من ولد الحسين، وقد يكونون من ولد المهدي).
فانظروا الى الكوراني كيف يحاول تسلق جدار أملس، وقد أعياه الخروج، فراح يطلق سهامه بصورة عشوائية فشجت رأسه، فهو يعلم يقيناً أن الرجعة تكون بعد المهديين من ذرية الإمام المهدي (ع)، ورغم ذلك دفعه حسده وحقده الى مراوغة غير موفقة، ليوحي الى القارئ بأن المهديين أمرهم مردد بين أن يكونوا من مطلق ذرية الحسين (ع)، وقد يكونوا من ذرية الإمام المهدي (ع)، وأن الذي يلي دفن الإمام المهدي (ع) هو الإمام الحسين (ع).
أقول: الظاهر أن الكوراني مبتلى بتشتت الأفكار وصعوبة التجميع، فقد أفرد في كتابه المعجم الموضوعي عنواناً مستقلاً باسم (يحكم بعد المهدي (ع) اثنا عشر من ولده) وساق روايات عديدة تدل وتنص على ذلك، وأيضاً رد على البياضي في نفيه للمهديين من ولد الإمام المهدي (ع)، ثم يأتي هنا بعد أن أثمله الحسد والحقد ليقول: (وأنه يحكم بعده اثنا عشر مهديًا من ولد الحسين، وقد يكونون من ولد المهدي)، ليوحي للقارئ بأن الأمر غير ثابت فقد يكون وقد لا يكون، كما هو شأن (قد) عند دخولها على الفعل المضارع !
أما الروايات التي تنص على أن الحسين (ع) هو من يلي دفن القائم (ع)، فهي لم تنص على أن هذا القائم هو محمد بن الحسن العسكري (ع)، وبذلك فهي قابلة للانطباق على المهديين من ذرية الإمام المهدي (ع)، فقد وصفتهم الروايات بـ (القوَّام)، كما وصفتهم بـ (المهديين)، وبالتالي فالقضية واضحة كالشمس لا يسترها حجاب الحقد والحسد والجهل، بأن الرجعة سوف تبدأ في نهاية حكم المهدي الثاني عشر من ذرية الإمام المهدي (ع)، وإن القائم الذي يدفنه الحسين (ع) هو آخر المهديين الاثني عشر لا الإمام المهدي الحجة بن الحسن (ع).
وهل نسيت يا كوراني تفسيرك للرواية التي تقول: (... فلذلك إذا رحل قائمنا، لم يبق أثر من الإسلام، وإذا لم يبق أثر من الإسلام، لم يبق أثر من الدنيا)، إذ فسَّرت القائم في هذه الرواية بأنه لا يعني الإمام المهدي (ع)، بل هو من حكام أهل البيت (ع) الذين يأتون بعد الإمام المهدي (ع)، أم كان استبسالك هذا في إثبات المهديين من ولد القائم (ع) قبل أن تبتلى بالعمى وتشتت الفكر ؟!
واليكم نص ما ذكره الكوراني في كتابه (المعجم الموضوعي) ص305:
(ووى الخاتون آبادي في أربعينه/203، عن الفضل بن شاذان بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: الإسلام والسلطان العادل أخوان لا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه، الإسلام أس، والسلطان العادل حارس، وما لا أس له فمنهدم، وما لا حارس له فضايع، فلذلك إذا رحل قائمنا، لم يبق أثر من الإسلام، وإذا لم يبق أثر من الإسلام، لم يبق أثر من الدنيا.انتهى.
والجواب: أن القائم هنا ليس بمعنى الإمام المهدي المنتظر عليه السلام بل بمعنى الحاكم من أهل البيت عليهم السلام في دولتهم التي يؤسسها المهدي عليه السلام، فهذه الرواية لا تنفي استمرار دولتهم الى يوم القيامة عليهم السلام بل تؤكده) انتهى.
بل نجد الكوراني في كتابه عصر الظهور قد اعترف بأن الروايات ذكرت أن الرجعة تبدأ بعد حكم الإمام المهدي وحكم المهديين من بعده، ومن المعلوم أن الرجعة تبدأ بخروج الحسين (ع)، إذن الحسين (ع) يرجع بعد حكم المهدي وبعد حكم المهديين من ولده، فما الذي دهاك يا كوراني حتى تفقأ عينك بيدك ؟!
عصر الظهور للكوراني ص332 – 333:
(... ويذكر بعضها أن الرجعة تبدأ بعد حكم المهدي عليه السلام وحكم أحد عشر مهديا بعده ، ففي غيبة الطوسي ص299 عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إن منا بعد القائم أحد عشر مهديا من ولد الحسين عليه السلام").
وبعد ما تقدم أليس حرّيٌ بنا أن نختم بقول الشاعر:
لا تلتمسْ يوماً رجاءً عندَ مَنْ جـــرَّبــتَــــهُ فــوجدتَـــــــــــهُ لــم يشعــــرِ
والحمد لله على نعمة العقل والفهم.
Comment