إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "للدكتور علي شريعتي

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • اختياره هو
    مشرف
    • 23-06-2009
    • 5310

    مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "للدكتور علي شريعتي

    مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "
    للدكتور علي شريعتي
    (1933 –1977)

    ترجمة الدكتور علي شريعتي
    (1933 – 1977 )





    تمهيد :



    الإسلام دين تجلي للبشرية في صورة (لا ) صدع بها وارث إبراهيم ، ومظهر دين توحيد الخالق ، ووحدة الخلق النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، (لا ) بها يبتدئ شعار التوحيد ، ومنها ينطلق الإسلام في مواجهة الشرك والإلحاد ، دين أصحاب المصالح والسلطة والجاه .

    والتشيّع بمثابة (لا ) ثانية صدع بها علي . وإلى العهد الصفوي ، ظلت كلمة الرفض (لا ) هي المعلم الرئيسي الذي يميز بين الموالين لأهل البيت وأنصار علي وأتباعه وبين غيرهم.

    ولكن مع مجيء الصفوية تبلور عندنا تشيّع جديد لا علاقة له بالأئمة ، وإن جعل منهم غطاءً يمرر من خلالهم كل بدعه وانحرافاته .

    ومن أجل ذلك كانت هذه المحاضرات ([1])، واعتذر في البداية لعدم قدرتي حصر الكلام في مدة محدودة ، وسيكون المخاطب الرئيسي في كلامي هو طلبة الجامعة ، والأشخاص الذين في مستواهم الفكر ي وهمّي هو بيان المبادئ العامة لكلا المذهبين والمدرستين ، مدرسة التشيّع العلوي ، ومدرسة التشيّع الصفوي ضمن مواصلتي لسلسلة (تاريخ الأديان ) .



    ولكن دعوني أولاً أن أتعرض لمبدأ من مبادئ علم الاجتماع ، سيكون له دور في توضيح المواضيع اللاحقة:




    مبدأ الحركة والنظام :

    ثمة مبدأ يتم التعاطي معه كثيراً على صعيد علم الاجتماع ، وهو مبدأ تحول الحركة إلى نظام

    ( Movement to Instirtution)، وحاصله أنه تظهر أحياناً في المجتمع حركة تحمل أفكاراً وعقائد وتطلعات عادة ما يكون وراءها عناصر شابه تنشط في التحرك وتميل إلى التغيير والتجديد .

    و يوظف أتباع الحركة أو النهضة كل حركاتهم وأفكارهم لخدمة الهدف الذي يصبون الى تحقيقه ،ويجعلون كل شيء بمنزلة الوسيلة إلى تحقق ذلك الهدف الذي قامت النهضة من أجل الوصول إليه ،

    ولكن هذه النهضة بمجرد وصولها إلى حد معين واصطدامها بعراقيل وموانع ذاتية أو خارجية تبدأ بالتوقف والجمود وتنسلخ عن طابعها الحركي التغييري ، وهاهنا تبدأ الأزمة .

    لقد كان علي مرآة ( العدل المظلوم ) والمجسد الواقعي للحقيقة التي تضافرت الحكومات على خنقها وحكم عليها الدين الرسمي للدولة بالطمس والكتمان ، وأعرض الشيعي عن المساجد الفاخرة والقصور العامرة التي شيدها خلفاء الإسلام ، ووجد ضالّته في بيت فاطمة ، المشيد من الطين .

    الشيعة الأوائل كانوا أقلية محكومة ومضطهدة لا تقدر على ممارسة طقوسها بحرية وعلانية ،ولم يكن يحق للشيعي أن يزور الإمام الحسين في كربلاء أو حتى أن يأتي بإسمه على لسانه، كان دائماً تحت المطاردة وملازماً للتقية خوفاً من خطر القتل والسجن والتعذيب ،أما الآن –أي بعد قيام الدولة الصفوية – فقد تحول الوجود الشيعي إلى قوة كبرى تحكم البلاد وتقع تحت إمرتها أقوى الأجهزة الرسمية ، والحاكم الذي كان يقمع الشيعة بشدة ويعتقل كل من يشك بولائه وحبه لعليّ ويعذبه ويقتله، بات الآن من أكبر المدافعين عن التشيع وأكبر المتظاهرين بالولاء لأهل البيت حتى أنه يفتخر باعتبار نفسه (كلباً) للحضرة الرضوية يا له من انتصار!

    الحاكم الذي كان يطارد الشيعة ويعتبرهم أعدى أعدائه طوال ألف عام ، نراه اليوم يضع نعليه على رقبته ويذهب من أصفهان إلى مشهد – حيث ضريج الإمام الرضا- سيراً على الأقدام ، يا له من انتصار .

    الحاكم الذي كان يحول دون زيارة قبور الأئمة ويحاول مراراً تخريبها ، هو الآن يشيّد مراقدهم بأبهى صورة ، القبة من الذهب والضريح من الفضة والمئذنة من السيراميك ، يا له من انتصار !

    والزيارة التي كان يتلهف الشيعي إليها ويجازف بنفسه متحملاً آلاف الأخطار و الأضرار من قبل الحكومة لأجل أن يوصل نفسه إلى مشهد أو كربلاء ، أمست الآن مظهراً رسمياً تشجع عليه الدولة وتكرم فاعله كما لو أنه ذهب إلى بيت الله الحرام وربّما أفضل ، وتمنحه لقب المشهدي أو الكربلائي أسوة بمن يعود من الحج .. يا له من انتصار !

    أما العلماء ورجال الدين الذين كانوا على الدوام في معرض الخطر والمواجهة مع السلطات ويتعرضون لأبشع أنواع الظلم والتنكيل هاهم اليوم معززون مكرمون مرفهون يعيشون في ظروف جيدة للغاية ويجلسون جنباً إلى جنب السلطان على فراشه الوثير ، وقد يستشيرهم في كثير من الأمور المتعلقة بمستقبل البلاد ،بل إن السلطان لا يرى لنفسه قدرة وسلطة إلاّ بمقدار ما يخوله رجل الدين بالنيابة عن الإمام صاحب الزمان ، ياله من انتصار!

    ومن هذا الموقع العلوي والحافل بالانتصارات بدأت هزيمة التشيع !

    ومن اللحظة التي زالت فيها جميع الموانع والعراقيل بوجه أداء طقوسه العبادية والمذهبية ،وتحول الأعداء إلى أصدقاء ومؤيدين ، توقف الشيعي عن الحركة ليتحول الى وجود اجتماعي غالب وحاكم وجامد وراكد ! وهاهنا يتجسد بوضوح تبدل الحركة إلى نظام .

    للتشيع حقبتان تاريخيتان بينهما تمام الاختلاف ؛ تبدأ الأولى من القرن الأول الهجري حيث كان التشيع معبّراً عن الإسلام الحركي في مقابل الإسلام الرسمي والحكومي الذي كان يتمثل في المذهب السني ، وتمتد هذه الحقبة إلى أوائل العهد الصفوي ، حيث تبدأ الحقبة الثانية التي تحول فيها المذهب الشيعي من تشيع حركة ونهضة إلى تشيع حكومة ونظام .


    [1]([1] ) هذا الكتاب كان في الأصل محاضرة ألقاها د. شريعتي في حسينية الإرشاد بطهران عام 1971 ، ولا شك أن أسلوب الخطابة يختلف جذرياً عن أسلوب الكتابة ، وكذلك بسبب الترجمة من الفارسية بقيت لغة الكتاب غير سهلة دائماً
    السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

  • اختياره هو
    مشرف
    • 23-06-2009
    • 5310

    #2
    رد: مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "للدكتور علي شريعتي

    علاقة الدولة الصفوية بالدولة العثمانية والدول الغربية :



    لماذا حصل ذلك ؟ لماذا أشهر التشيع إفلاسه فجأة وهو في قمة الانتصار ؟ خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر كانت إيران تقع في منطقة خاصة من ناحية التقسيمات والاستقطابات العسكرية والسياسية في العالم . الإسلام والمسيحية كانا يمثّلان آنذاك أكبر قطبين في العالم. النزاع التقليدي بين الشرق والغرب ، وآسيا وأوروبا ، يتجلّى في الصدام الحاصل بين هاتين القوتين العظيمتين . وكانت الإمبراطورية العثمانية تمثل مركز الثقل الرسمي للمحور الإسلامي بينما يتركز مركز الجبهة المسيحية في أوروبا الشرقية . أما دول أوروبا الغربية والمركزية فقد كانت قد خرجت للتوّ من ظلمة القرون الوسطى وهي الآن في طور الازدهار .



    لقد تجلّت الجبهة الإسلامية كأقوى قدرة في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط بحيث هيمن العثمانيون على البحر المتوسط الذي كان يعتبر هو الأهم استراتيجياً وسياسياً وحضارياً في ذلك الزمان ، وما زال يحتفظ إلى يومنا هذا بجزء كبير من هذه الأهمية . وطالما حوصرت (فينّا) عاصمة النمسا من قبل القوات الإسلامية فيما هدّدت إيطاليا بالسقوط أكثر من مرة .أما أوروبا الشرقية فقد كانت منهارة تماماً أمام القوة العثمانية رغم أنها كانت تمثل في ذلك الوقت الطرف الأموي إذا ما قيست إلى أوروبا الشمالية أو حتى الغربية .

    لقد تمكنت الإمبراطورية العثمانية من توحيد مختلف الأقوام والأجناس تحت راية الإسلام وشكلت منها كياناً سياسياً عسكرياً منسجماً ، وأخذت بزمام أمور ذلك الكيان العظيم . لا ينبغي الشك هنا في أن الحكومة العثمانية كانت حكومة فاسدة ولم تكن تليق بحمل وسام الحكومة الإسلامية ، إذا ما قارنّا بمبادئ الإسلام وقيمه الرفيعة ، لكن الأمر يختلف إذا ما كان القياس والمقارنة ينطلقان من منظار كونها دولةً تقف بوجه الاستعمار الغربي والمسيحي الطامع بابتلاع الأمة الإسلامية .والذي وجد الدولة العثمانية سدّاً منيعاً يعترض طريقه و يحول دون تحقيق أطماعه وأمانيه ، بحيث ذاق الأوروبيون هزائم مريرة على أيدي الجيش الإسلامي ما زال طعمها باقيا ً إلى هذا اليوم ،حتى دخلت بطولات المسلمين كقصص و أمثال في الأدب الغربى و احتلت مساحة مهمة من تأريخهم و تراثهم الثقافى و الإجتماعى .

    إن إصدارنا للأحكام يتصف دائما ً وللأسف بأنه ينطلق من نظرة أحادية للأمور ، إننا دائماً ننظر للمسائل بعين واحدة ، والباعث على الأسف والدهشة أكثر أننا نعاني جميعاً من هذه المشكلة سواء كنّا متحجّرين ومتطرّفين أو مستنيرين ومنفتحين ! ويمكن القول أن أحكامنا الصادرة بحق الدولة العثمانية مثال بارز لظاهرة التشابه في أنماط التفكير لدى هذين الفريقين المتضادّين .

    المتطرف عندنا ينظر إلى الكيان العثماني من موقف شيعي متعصّب فيعتبره بالتالي سُنيّاً عمريّاً منكراً للإمامةومخالفاً لوصيّة النبي وغيرمعتقد بصاحب الزمان ..وفي ضوء ذلك هو مدان ! (حتى في مقابل المسيحية )!

    أما الشخصية ذات التوجه المنفتح فإنه ينظر إلى النظام العثماني على أنه نظام إقطاعي منحطّ وطائفي لا يؤمن بالديمقراطية ، فهو أيضاً مدان (حتى في مقابل الغرب ) ! بوسعنا أن نقول أن كلا الفريقين صائب في نظرته ومحقّ في توجيه الانتقاد ، لكن الخطأ يكمن في أن كلا الطرفين ينظر إلى القضية من زاوية ثابتة ومطلقة ، في حال أن من شروط النظرة العلمية الصحيحة أن تكون شاملة ومتعددة الزوايا والأبعاد وذات طابع نسبي ، خلافاً للعوام الذين يميلون عادةً إلى تعميم الأحكام و إضفاء صفة الجزم عليها .

    نعم ! إن النظام العثماني نظام سنّي وغير ديمقراطي وهو فاسد من الناحية الأخلاقية . ولكن إذا تجاوزنا قضية كوننا شيعة أو مؤمنين بالاشتراكية ، فاعتبره الشيعي نظاماً إسلامياً يقف بوجه المدّ المسيحي واعتبره المستنير سدّاً منيعاً بوجه الغزو الاستعماري الغربي الذي يهدّد وجودنا كشرقيين ، فان الحكم عليه ربما سيختلف آنذاك ! من تلك الزاوية سوف يتمنى الشيعي أن يظهر صلاح الدين الأيوبي –المناوئ للشيعة – مرة أخرى في فلسطين ، ويجرّد خالد بن الوليد سيفه للهجوم على عساكر الروم ، وسيتمنّى أن يُبعث السلاجقة من جديد ليلقوا بجحافل الصليبية في عرض البحر المتوسط ، وان ينهض العثمانيون ليطردوا الأجانب الغربيين من أراضي المسلمين في آسيا وأفريقيا .

    إن هذه الحملات الإعلامية المسعورة ضد العثمانيين إنما تعكس وجود عقد قديمة في نفوس المسيحيين والغربيين من الدولة العثمانية ، وهي رد فعل متوقع حيال الجروح العميقة التي خلّفها العثمانيون في الجسد الأوروبي إبان الحروب الطاحنة التي خاضوها معهم .

    لقد دأبت شخصيّاتنا المستنيرة – للأسف- على محاكاة علماء الغرب وكتابه ومثقّفيه في إصدار لأحكام غير المنصفة –سياسياً واجتماعياً- بديننا وحضارتنا ورموزنا التاريخية ، وبالتالي ردّدوا نفس التهم التي ألصقها أولئك بالدولة العثمانية بدوافع مغرضة في الغالب أو ناجمة عن تعصّب وحقد .

    إن النزاع العثماني _الغربي هو في أفقه الأوسع يعكس واقع النزاع بين قوّتي الإسلامية والمسيحية في عالم القرون (15و16و17و18 إلى 19).

    آنذاك كان التقدم على جميع الجبهات لصالح المعسكر العثماني ، وليس للمعسكر الغربي إلاّ التراجع والانسحاب من أراضيه وهو يرى أن الخطر يحدق بكيانه الديني والحضاري من جانب واحد هو جبهة المسلمين !
    السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

    Comment

    • اختياره هو
      مشرف
      • 23-06-2009
      • 5310

      #3
      رد: مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "للدكتور علي شريعتي

      لحظة الهجوم الغادر!

      وبينما كان العثمانيون منهمكين في دحر القوات الغربية وتحقيق الانتصارات المتوالية ، إذا بقوة جديدة تظهر على حدودهم الشرقية وتباغتهم من الخلف ؛ ثورة في إيران يقودها رجل من سلالة الشيخ صفي الدين الأردبيلي أحد أقطاب التصوف . واستطاعت هذه الثورة تأجيج الغضب والسخط والأحقاد التي ظلت تغلي في نفوس الناس لمدة عشرة قرون حيال جور السلطات ، وتوظيفها في خدمة الهدف السياسي الذي تصبو إليه .

      لقد تمكن قادة هذه الثورة من أن يشخّصوا هذا الأمر بدقة فنفذوا من خلاله إلى أعماق الوجدان الشيعي وتغلغلوا في أوساط المجتمع الشيعي ليشيّدوا نظامهم السياسي على دعائم وجدانيّة وعقائدية لأبناء ذلك المجتمع . ومن هنا نرى أن الحكومة الصفويّة هي الحكومة الوحيدة في تاريخ إيران ما بعد الإسلام التي استطاعت أن تمتدّ بجذورها الى عمق الوجدان الشعبي ، ما جعل للشاه عباس وهو من متأخري سلاطين الصفويّة ، مكانة خاصة في نفس الشيعة العوام حوّلته إلى شخصية أسطورية في مستوى الاسكندر والخضر ، مما يؤكد الدور البالغ الذي يلعبه الإعلام في فرض قناعات وطمس أخرى .

      في تلك الحقبة الزمنية حصل تنفيس عن عقد كثيرة ؛ وقد جاء في نسخة مخطوطة في مكتبة البرلمان أنه في مطلع العهد الصفوي كان ( القزلباشية)[1]الصفوية يجوبون شوارع وأزقة المدن وهم يصيحون بصوت واحد : اللعنة على أبي بكر ، اللعنة على عمر ، وكان يتعيّن على المارّة أن يردّدوا هذا الشعار معهم ، وكل من يتردّد في ذلك سيغرز الحراس حرابهم في صدره لإخراجه من حالة الشك والتردّد .الآن ، لا شك أننا نرفض هذا العمل ونعتبره وحشيّاً وإرهابيا ، ولكنه من الناحية الإعلامية

      كان له أثر لا يقبل الإنكار في نفسية الشيعة المعبّأة بالعقد ، وهو بالحقيقة يمثل رد فعل طبيعي على الطعنات والمظالم التي تعرضوا لها طوال التاريخ ، والآن تأتي السلالة الصفوية شاهرة سيفها وهي تنادي بالثأر من السنّة والانتقام لظلامة أهل البيت وشهداء الشيعة ، فما ظنّك بعوام الناس من الشيعة والذين لا يمتلكون عادة القدرة على تحليل المسائل الفكرية والتاريخية والعقائدية بعمق ودراية ، ولا يدركون أن هذا البقال أو العطار السنّي لم يتورط في إحداث السقيفة ولم يشهد كربلاء ، هذا الجهل والتعصب الطائفي كانت القوى السياسية والدينية الرسمية تستثمره في تحقيق أهدافها وتمرير مخططاتها وذلك عن طريق سحب الاختلاف العقائدي من دائرة أهل الخبرة والتخصص إلى دائرة العوام ليتحول من خلاف فكري إلى خصومة واختلاف بين الترك والفرس والعرب والعجم والمسلمين والهندوس وغير ذلك .

      إن الخلاف بين الشيعة والسنّة هو في الأساس خلاف فكري وعلمي وتاريخي يرتبط بطريقة فهم حقيقة الإسلام ،وكل ما يدّعيه الشيعة في هذا المجال –وهو ادعاء وجيه – أنه ينبغي لمعرفة حقيقة الإسلام الاقتداء بأهل بيت النبي وعلي (ع) لأجل أن تكون المعرفة مباشرة ومن دون واسطة ،وهذا بحد ذاته كلام معقول ، كما يدّعي الشيعة أن مواصلة طريق الرسالة وروحها بعد النبي مرهونة باتباع علي (ع) والاعتراف به خليفة بعد النبي دون غيره ممّن عجزوا عن مواصلة الرسالة بروحها حتى آل أمر المسلمين إلى ما آل إليه مما يعرفه الجميع . وهذا أيضاً كلام معقول ، غير أن هذا المعقول أصبح في زماننا هذا لعبة بيد قوتين سياسيتين متشابهتين ومتخالفتين في آن واحد وهما الدولة الصفوية والدولة العثمانية ، وتحول بالتالي إلى أداة لزرع الأحقاد بين رعايا الدولتين والى درجة تثير السخرية .

      وانعكس بشكل بارز على شكل تهم وافتراءات وسباب وشتائم يأنف عنها أي إنسان فضلاً عن الإنسان المعتقد بعليّ وبإسلام علي الذي وضع ضوابط أخلاقية رفيعة لأساليب الاحتجاج والمناقشة ومنع من اتباع هذه الأساليب المستهجنة في الدفاع عن المبدأ وإثبات حقانيته[2] وبذلك أصبح سائغاً جداً لدى الشيعي الإيراني أن يدع التركيز على الفضائل الأخلاقية والإنسانية لعليّ ويغفل الإشارة إلى المزايا الاجتماعية الفريدة لمبدأ الإمامة كنظام الهي لقيادة المجتمع ، ويقتصر على اللجوء الى التنفيس عن عقده وأحقاده بلغة سوقية وألفاظ مبتذلة وافتراءات وأقاويل مقززة بحق الخلفاء ، ويعمد الى اختلاق فضائل وكرامات فارغة للأئمة توجب استغفال عقول الناس وتخديرهم ، وتحول دون تمكينهم من معرفة عليّ حقّ معرفته ، وتبقيهم أسرى لأغلال الجهل والمذلّة ، وتشغلهم بذم الخلفاء عن ذم سلاطين الصفوية وانتقاد أعمالهم التي هي -بلا شك – أسوأ بكثير .

      وهنا يكمن السر في عدم تطرق علماء الصفوية وخطبائها إلى الحديث عن شكل حكومة عليّ وطريقة كلامه ، وطريقة سكوته ، متى يتصدى ومتى ينزوي ويعتزل العمل ، كيف يعمل وكيف يفكر ، ما هي علاقته بالناس ، موقفه حيال الظلم ومواقفه من التملق والتزوير والفقر والسرقة واغتصاب الحقوق وإثارة الفتنة، وبدلاً من ذلك يؤلفون المئات من الخطب والمجالس وينشدون الأشعار وينقلون القصص والحكايات في أن علياًّ تمكّن من تحويل الرجل المنافق إلى كلب – على الفور-.وحوّل الآخر بنفخة واحدة إلى امرأة تزوجت وأنجبت لزوجها عدة أولاد وسكنت معه تحت سقف واحد لسنوات مديدة ومن ثم عادت إلى حالتها الأولى ؛ كلّ ذلك في طرفة عين !!



      [1] أفراد عشيرة اعتمد عليها الصفويون في إحكام سيطرتهم على إيران .




      [2] القرآن الكريم يأمر النبي صراحة بالترفع عن سبّ حتى المشركين ، قال تعالى :"ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله " . سورة الأنعام ، الآية 108.

      كما أن القرآن الناطق المتمثل بشخصية علي (ع) ينهى عن السباب والشتيمة معتبراً أن الكلام الفاحش يعبّر عن هبوط شخصية المتكلم قبل السامع ، قال علي لأصحابه في حرب صفين (( إني أكره لكم أن تكونوا سبابين)). =

      = غير أن السباب والشتيمة يمثلان الشكل الأول من أشكال الاستدلال في منطق التشيع الصفوي ،الذي يحاول من جهة أخرى أن يتقمص ثوب التشيّع العلوي فيضطر أحياناً إلى التأويل الذي قد يصل إلى درجة قلب الحقائق ونفي الثابت وإثبات المنفي كما وقع في ذلك مترجم كتاب نهج البلاغة الى الفارسية -وقد تورط الرجل في ترجمة هذا الكتاب ، لأن التشيع الصفوي يحذر كثيراً من الاقتراب من نهج البلاغة وذلك أن قرّاءة هذا الكتاب تبدّد الصورة التي رسمها التشيّع الصفوي لعليّ في أذهان العامة وتحبط كل مخططاتهم في ترسيخ تصوّر مشوّه عن المذهب العلوي الأصيل – على أية حال فقد كان المترجم يلجأ أحياناً الى تأويل بعض النصوص التي يرى أن ترجمتها بشكل طبيعي لا تتسق مع ما هو سائد من النمط الفكري للتشيّع الصفوي ليمرّر ذلك على الناطقين باللغة الفارسية والمحرومين من معرفة زلال نهج البلاغة الذي وصفه المترجم –بحق- بأنه طريق النجاة لعالمنا المعاصر ،وطالب بأن يقرأه الملوك والوزراء ورجال السياسة وأعضاء مجلس النواب ومجلس الأعيان وكل عمدة مدينة وكبار قادة الجيش والضباط والمراتب والجنود ، والظالم والمظلوم والغني والفقير لكي يعرف كل منهم ما للظلم من عقوبة وما للصبر من ثواب ويحصلون فيه على كل ما يريدون !

      هذا الرجل عندما وصل الى مقولة عليّ لأصحابه (( إني أكره لكم أن تكونوا سبابين )) ووجد أنها لا تنسجم مع التوجه العام لدى علماء التشيّع الصفوي لجأ كالعادة الى التأويل وهي الحرفة التي تتجلى فيها المهارة الفائقة للتشيّع العلوي وتجريدها من مضمونها الحقيقي ، فقال فضيلة المترجم :

      ( ليس المراد من هذه العبارة هو عدم جواز شتم المخالف واللعن عليه بل على العكس هذا واجب وتكليف ، غير أنّ المنع جاء هنا من أمير المؤمنين بخصوص سب بني أميّة وذلك خشية أن يسبّوا بالمقابل أمير المؤمنين فيكون السابّ لبني أميّة متسّبباً في سبّ أمير المؤمنين (ع) وهو أمر غير جائز !طبعاً) . نهج البلاغة ، ترجمة فيض الإسلام .

      (شريعتى ) : لاحظوا هنا كيف حوّل المترجم كلام أمير المؤمنين الى قاعدة مقلوبة ،ومفادها أنه لا يجوز السبّ إلاّ إذا كان الطرف المقابل مؤدبّاً لا يردّ بنفس الطريقة !!
      السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

      Comment

      • اختياره هو
        مشرف
        • 23-06-2009
        • 5310

        #4
        رد: مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "للدكتور علي شريعتي

        مثل لمنطق التشيع الصفوي !

        وهو منطق الدفاع عن عليّ والهجوم على الخلفاء وخصوصاً السياسيين الغاصبين لحقه في خلافة النبي بأسلوب تشمئز منه النفوس ويتسبب في نفورها عن التشيّع وطريقة الشيعة في الاستدلال على الأشياء ، وترسم لهذا المذهب الذي يمثل أبهى صور الحقيقة ،صورةً مشوهة يتجسّد عبرها الباطل بأقبح صوره وأشكاله ، وكلا الأمرين صحيحان ، إذ المسافة بين وجهي التشيّع العلوي والصفوي هي عين المسافة بين الجمال والقبح المطلق ، وسوف أورد هنا مثالاً حسيّاً بسند صحيح وبخط واضح من أبرز الوجوه العلمائية المتخصصة في التشيّع الصفوي وهو العلامة المحقّق السيد مرتضى العسكري ، وذلك بهدف إطلاع كل من يتلهف للحقيقة من طلاب مدرسة الإمام الصادق ويتعطش للارتواء من زلال التشيّع العلوي من أبناء الطبقة المستنيرة المتعطشين للإيمان الحقيقي والباحثين عن سر الانحطاط الذي أودى بفكر المجتمع وحضارته وليتمكن هؤلاء من الفرز والتمييز الدقيق بين نوعين متضادّين من التشيّع كل منهما يحمل وجهاً يختلف عن الآخر اختلافاً جوهرياً وله منطق خاص به يُميّزه عن الآخر بشكل واضح ومحدّد.

        والسبب في اختياري لهذه العيّنة بالذات لتكون مصداقاً أوضح لمنطق التشيّع الصفوي هو أن صاحبها يعتبر من أبرز الشخصيّات العلمية والمتخصصة لهذه الفرقة ، هذا أولاً ، وثانياً أنه شخصية معاصرة وبالتالي يعكس واقع علماء العصر الصفوي بلحاظ مدى التشابه والتوافق بين أوضاع المجتمع الإيراني المسلم هذه الأيام وأوضاعه في أيام الصفويين ممّا يعطي انطباعاً حيّاً عن الدور الذي لعبه التشيّع الصفوي وأقطابه ، وذلك لمن يريد أن يبحث القضية تاريخيّاً واجتماعياً ، وثالثاً أنّ هذه العيّنة يدور الحديث فيها حول واحد من أهم أصول التشيّع وهو إدانة الخلفاء الغاصبين لحق عليّ في خلافة النبيّ ، ورابعاً أنّ هذه المسألة مكتوبة بخط يد السيد العسكري ممّا يمنحها قيمة علمية من حيث السند .

        وبغية توضيح خلفية هذا المبحث وتقييم الدور الاجتماعي الذي لعبه التشيّع الصفوي في شقّ صفّ المسلمين أمام الخطر الأجنبي المشترك وموقف علماء التشيّع الصفوي من قضيّة الوحدة والتضامن الإسلامي على الصعيد العالمي بازاء الجبهة المعادية للإسلام والمسلمين ،أرى من الضروري الإشارة إلى مفارقة غريبة حصلت عقب حرب الستّة أيام سنة 1967 واحتلال بيت المقدس من قبل الصهاينة وما رافق ذلك من رفع شعار وحدة الصف بازاء المستعمر .

        من المعلوم أن حسينية (الإرشاد) تبنت منذ بداية تأسيسها (الإسلام الحسيني) وحملت لواء الدفاع عن العترة والإمامة والإشارة إلى الانحرافات التي طرأت على المسيرة بعد غصب الخلافة ، وخصّصت حوالي 200 برنامج من مجموع برامجها ومؤتمراتها وندواتها الدينية والعلمية والتاريخية البالغة زهاء ثلاثمائة وسبعين ، للحديث بشكل مباشر عن أهل البيت والدفاع عنهم ، أما أنا فتشهد جميع آثاري المطبوعة والمسموعة والتي هي الآن في متناول الجميع بأنها كانت تدور في الغالب علىمحور واحد هو الدفاع عن هذا المذهب . ويعزّز ذلك أن أساس نظريتي الفلسفية والاجتماعيةتنبني على رؤية شيعية واضحة و كان أول كتاباتي كتاب صدر قبل ثمانية عشر عاماً حول (أبي ذر) وآخرها كتاب (الشهادة رسالة الحسين ) و( الدعوة رسالة زينب ) وإن ميولي الشيعيّة واضحة جداً سواء في هذا الكتاب أو في غيرها من القضايا الاجتماعية بحيث حرمني علماء الوهابية عام 1950م من إيراد خطبتي في المؤتمر الإسلامي المنعقد بمكة بتهمة كوني شيعياً مغالياً ، مع ذلك كله إذا بي أواجه وحسينية الإرشاد حملة مسعورة منظمة نتعرض من خلالها لاتهامات مدروسة في أكثر من محفل رسمي وعام في طهران وغيرها من المدن ، وذلك تحت شعار (الولاية) المقدّس ومناهضة خطر (الوحدة) ، بحيث اتهمت مؤسسة الإرشاد وأنا بالذات بأننا لا نؤمن بالولاية وننكر أهل بيت الرسالة ، بل إننا سنة ووهابيون !

        وبعد وقفة تأمل اكتشفنا أن هذه الهجمة جاءت بالضبط متزامنة مع الهجوم الصهيوني وبالتحديد بعد شهر من تبنّي حسينيّة الإرشاد مهمة الدعوة لدعم الفلسطينيين ،وإثر ذلك صدر بيان من قبل شخصيات محسوبة على الخط الصفوي في التشيّع يمكن أن يشكل نوع الشخصيات وشكل المنطق الاستدلالي والرؤية الطائفية وحجم الاتهامات ، مصداقاً بارزاً وسنداً محكماً حول ماهية التشيّع الصفوي .

        في هذا البيان تتضح بدقة وجلاء خصائص الاتجاه الصفوي ، وبوسع المحقق المنصف أن يجري مقارنة بين تلك الخصائص والخصائص الموازية لها في منطق التشيّع العلوي وطريقة الاستدلال والانتقاد والتقييم لدى علماء الاتجاه العلوي في التشيّع سواء في الماضي أوالحاضر مما يتيح له إدراك الفارقالجوهري بين الاتجاهين .

        إن رجل الدين الصفوي-ولا أقول العالم الشيعي-متعصب تعصباً أعمى ، بمعنى أنه غير قادر على تحمل رأي المخالف وليس لديه أدنى استعداد للإصغاء إليه وفهم ما يقول ، وليس المراد من ( المخالف) هنا بالضرورة من يخالفه في الدين أو المذهب ، بل حتى من يخالفه في نمط التفكير وطبيعة المزاج ، فإنّه لا يتورّع عن تكفيره بدون تردّد .

        بينما (العالم) في التشيّع العلوي مستثنى من هذه القاعدة بين جميع علماء الأديان وحتى علماء المذاهب الإسلامية الأُخرى ، ونراه مصداقاً بارزاً للعبد الصالح بقوله تعالى في سورة الزمر فبشِّر عبادِ الَّذينَ يستمعُون القولَ فيتَّبعُون أحْسنهُ) أو في قوله تعالى : ( وجادلهُم بالَّتي هي أحسنُ ). ومعناها أنه يتعين اختيار أحسن الأساليب وأجمل الطرق في مقام المحاججة مع الخصم فكرياً وعقائدياً . لقد اشتهر علماء الشيعة على مرّ التاريخ بالانفتاح والتحرر في مجال البحث والمحاججة العلمية وكانوا يحبّون الدخول في المناظرات والمناقشات الفكرية والعقائدية ذلك لأن الأجهزة الإعلامية كلّها بيد المذهب المخالف والشيعي ليس لديه وسيلة لإثبات حقانية مذهبه سوى اللجوء إلى المحاججة والجدل العلمي الذي كان الشيعة يتمتعون بمهارة فائقة فيه بخلاف رجل الدين الصفوي الذي كان يتهرب من مواجهة السؤال وإذا أجابك ذات مرة وعاودت عليه طرح سؤال آخر فإنّ جوابه سيأتي إليك سيلاً من الشتائم والسباب والاتهام بالفسق والتكفير ، كما قال أحدهم في جواب أحد الكتاب الذي زعم أن بعض الأدعية الموجودة في الكتاب الكذائي سندها ضعيف ، فأجابه أحد المشايخ المحسوبين على الخط الصفوي بالقول : وأنت الذي تدّعي بأنك ولد أبيك ، هل لديك سند قوي بذلك ؟

        إن رجل الدين الصفوي وإن كان يرتدي في الظاهر نفس الزيّ الذي يرتديه علماء الشيعة إلاّ أن المخاطب عنده دائماً هو عوام الناس حتى في مجال البحث العلمي ،وهو يتهرب من مواجهة العلماء وأهل التخصص ، ومع أنه يزعم أنه عالم شيعيّ ويدعي أنه مرجع للعوام في معرفة أمور دينهم : لكنه في الحقيقة مقلّد لعوام الناس وليس سوى أداة رسمية لإصدار الأحكام على ضوء ما استنبطه مريدوه تبعاً لأهوائهم ومزاجهم ، وبالتالي هو ببغاء يردّد ما يقوله العوام حتى في مجال الاعتراض على نظرية واردة في بحث أو كتاب ، فتراه يصرّح بأن النظرية الفلانية في الكتاب الفلاني باطلة ومخالفة لموازين الشرع المقدس ، وعندما يستفسر منه عن الموضع الذي استند إليه في إصدار فتواه يقول إنه لم يطلع على تفاصيل الكتاب ولكن عدداً من الوجهاء المعروفين وفدوا عليه وقالوا له إن الكتاب الفلاني ينطوي على أفكار ضلال ويجب أن تفعل شيئاً يحول دون أن يقرأه عوام الناس !
        السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

        Comment

        • اختياره هو
          مشرف
          • 23-06-2009
          • 5310

          #5
          رد: مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "للدكتور علي شريعتي

          مونتاج ((الدين- القومية )) !

          إن حذاقة ودهاء الحركة الصفوية تتجلّى أكثر شيء في أنها أرست دعائم حكومتها على أساسين محكمين :

          1-المذهب الشيعي .

          2-القومية الإيرانية .

          أن توظيف المشاعر والشعائر الخاصة بالشيعة واستثمار الحالة الوطنية والأعراف القومية الإيرانية ، أسهما معاً في عزل إيران عزلاً تاماً عن جسد الأمة الإسلامية الكبير وإخراجها بشكل كامل عن إطار هيمنة الدولة العثمانية التي كانت تتوشح بوشاح الإسلام والتي أصبحت الدولة الصفوية فيما بعد عدوّها اللدود !

          1-القومية : الحركة ((الشعوبية الشيعية))!

          أواخر عهد بني أمية وأوائل عهد بني العباس انحسرت (الخلافة الإسلامية ) تاركةً المجال للحكومة العربية لتحتل محلّها ، ومنذ ذلك الحين أحييت روح الزهو والتفاخر العربي في جهاز الحكم الأموي ، وواكب ذلك بطبيعة الحال احتقار القوميات الأُخرى وبالذات القومية الإيرانية ، وكردّ فعلٍ على ذلك برز الشعور العرقي في نفوس الإيرانيين وتولدت تيارات تدعو لإحياء التراث الوطني القومي والاعتزاز بالهوية الإيرانية ، وقد تبلورت تلك التيارات أكثر شيء في الحركة التي اصطلح عليها بالحركة الشعوبية .

          وقد حملت الشعوبية في بداية ظهورها شعار (التسوية) أي مساواة العجم بالعرب ، وذلك بموجب الآية القرآنية :

          ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )[1]

          ولكن بعد فترة تحولت الحركة الشعوبية تدريجيّاً من حركة (تسوية ) إلى حركة (تفضيل)تدعو إلى تفضيل العجم على العرب ، وعملت عبر ترويج المشاعر القومية وإشاعة اليأس من الإسلام إلى ضرب سلطة الخلافة وفصل الإيرانيين عن تيار النهضة الإسلامية المندفع- رغم الظلم والفساد الحكومي – الى الأمام بقوة ، حيث انصهرت في بوتقة هذا التيار ثقافات شتى لأُمم شتى باستثناء إيران التي حاولت أن تنأى بنفسها وتتخذ منحىً آخر توطّد فيه العلاقة بين إيران الإسلام وبين إيران التراث.

          ورغم أن مشاعر الاستعلاء الأموية والعنصرية العربية التي خيّمت على جهاز الخلافة الأموي خلقت مناخاً مناسباً لنموّ المشاعر الوطنية والقومية إلا أن النهضة الشعوبية أخفقت في تحقيق طموحها على الرغم من أنها انطلقت انطلاقة قوية ، و لم تستطع التغلغل في أعماق الضمير الشعبي الإيراني ، لأسباب منها أن الشعب الإيراني كان في ذلك الوقت قد سئم حالة الضياع الديني التي كانت تخيّم عليه بسبب الديانة الزرداشتية والنظام الساساني المتحالف معها وانحسار الأولى لصالح المسيحية والبوذية والمانيّة المزدكية وغيرها من المذاهب والديانات التي لم يلبّ أي منها حاجة الشعب الإيراني الى دين حقيقي يروي عطشه المعنوي وينتشله من الواقع المأساوي الذي يرزح فيه ؛ الأمر الذي استطاع الإسلام من توفيره برغم السلبيات والنواقص التي طرأت على التجربة الإسلامية منذ بداياتها الأولى وخاصة بعد هيمنة بني أمية على مقاليد الأُمور في الدولة الإسلامية .

          إن السبب الرئيسي في عجز الشعوبية عن تحقيق أهدافها يتمثل في أن الشعب في إيران آنذاك كان تواقاً إلى معركة إنقاذ للمجتمع وقد تلمّس وجودها في الإسلام وعقائده السامية خاصة في مضماري القيادة والعدالة ( دعامتي التشيّع الرئيسيتين ) بينما اكتفت الشعوبية بتحفيز المشاعر الوطنية الكامنة في نفوس الإيرانيين وتمجيد الأكاسرة وتجديد الدعوة لقيم ومعايير أسقط الإسلام –من قبل – اعتبارها وقيمتها ، ولذلك لم تنجح الشعوبية إلاّ على نطاق جزئي محدود إذ خلّفت بذور التمسك بالهوية الإيرانية وحالت دون انصهار الإيرانيين بشكل تام مع جسد الأمة الإسلامية .

          أما الآن فالصفوية تريد أن تلعب الدور ذاته في مقابل مركز الخلافة الإسلامية في ( اسلامبول ) وعليها إذن أن تسلك الطريق ذاته في تأجيج الشعور القومي وإحياء السنن والعادات والأعراف الإيرانية القديمة والتفاخر ببطولات الأسلاف كي يتسنى للدولة الصفوية أن توطّد علاقتها بالشعب الإيراني عبر إثارة هذه المشاعر ، ولكي يستعيد الإيراني نزعته الاستقلالية الانفصالية عن الجسد الإسلامي الكبير ، وبدلاً من أن يستند إلى الإسلام الذي يجمعه مع التركي والعربي –إعداء الصفوية – يحاول الاستناد إلى تراثه القومي وانتمائه العرقي الإيراني .

          ولكن هل تكرر الحركة الصفوية الخطأ ذاته الذي وقعت به من قبلها الشعوبية فجفّت عروقها وهي بداية المشوار ؟ كلاّ ! لقد تفادت الصفوية تكرار الخطأ الشعوبي ، وبغية ترسيخ أفكارها وأهدافها في ضمائر الناس وعجنها مع عقائدهم وإيمانهم ، عمدت الصفوية إلى إضفاء طابع ديني على عناصر حركتها وجرها إلى داخل بيت النبي إمعاناً في التضليل ليتمخّض عن ذلك المسعى حركة ( شعوبية- شيعية) موظفةً الشعوبية في تحويل تشيّع الوحدة إلى تشيّع التفرقة ، ومستغلة التشيّع لكي تضفي على الشعوبية طابعاً روحياً ساخناً ومسحة قداسة دينية ، ولم يكن ذلك الهدف الذكي والطموح البعيد متيسراً إلاّ عبر تحويل الدين الإسلامي وشخصية محمد وعلي إلى مذهب عنصري وشخصيات فاشية !تؤمن – أيضاً – بأفضلية الساسانية من بين الفرس!

          هذه هي الخطوة الأُولى ، أما الخطوة الثانية فهي تلفيق رواية مضحكة –لفّقتها دون شك الشعوبية الأم !-ومفادها أن فتاة من السلالة الساسانية قيّض لها الزواج بشاب من سلالة محمد وأهل بيت النبوة عند المسلمين ، وقد أسفر هذا الزواج الميمون عن ولادة صبيّ يمثل ملتقى النبوة بالسلطنة وتتجلى فيه أواصر الارتباط القومي –المذهبي ، وهو ( الإمام الأول ) ( التشيع الشعوبي ) المنبثق عن ( الإسلام الفاشي) الذي جاء به نبي (نازيّ) حاملاً لواء ( الإمامة العنصرية)!

          لقد وحّد نبي الإسلام بين كل الطوائف والقوميات وألغى الفوارق الطبقية والعرقية وسوّى أواصر الدم مع التراب ، ولم يعترف بمعيار للتفاضل غير التقوى ، وحارب مظاهر الفخر والمباهاة وشنّ عليها حرباً شعواء لاهوادة فيها بحيث سرت آثارها إلى سائر مجتمعات الشرق حتى تلك التي لم تعتنق الإسلام فإنها تأثرت بالتعاليم والقيم الإسلامية بفضل احتكاكها بثقافة المسلمين . وكان النبي دائماً يحذر ابنته فاطمة ووريثته الوحيدة وبضعته وواسطة عقد النبوة بالإمامة ، من الاتكال على صلتها القرابية بالنبي ويقول : (( اعملي فلست بمغنٍ عنك شيئًا)).

          النبي محمد بهذه الروح السامية والخلق العظيم ترسم الصفوية له صورة أُخرى متفاوتة تماماً يتباهى فيها بأنّه حين ولد في مكة كان هناك ملك عادل في مكان بعيد ! وأنّه يؤمن بأنّ بعض الأقوام لها مزايا ذاتية وصفات وراثية ، واختارها الله دون سواها من أجل تلك المزايا والصفات ، كلّ تلك الأقاويل هي مقدمات تمهيدية لعقد قران بين الإسلام والقومية الفارسية ، ومجيء العروس من ( المدائن) إلى ( المدينة) وزواج بنت الملك (يزدجرد) آخر حلقة في سلسلة السلطنةمن ابن علي (ع) أول حلقة في سلسلة الإمامة !

          على هذه الوتيرة أثّرت عملية إحياء الخصائص القومية والوطنية في عزل المواطن الإيراني عن العربي والتركي ، وألقت الزيت على نار الاختلاف العرقي والقومي والثقافي بين الإيرانيين وغيرهم ما أدى إلى تراجع الشعور الديني المشترك لصالح الشعور القومي وإضعاف الحس الإسلامي الوحدوي ، وبذلك استطاعت الشعوبية الصفوية –بعد ما اكتست بلباس التشيّع الأخضر –من إيجاد حاجز كبير من المجتمع الإيراني المسلم وسائر المجتمعات الإسلامية برغم محافظة الإيرانيين على هويّتهم الدينية كمسلمين.

          ومع أن التشيّع العلوي كان حريصاً على التحفظ على إثارة مسائل الخلاف مع الأغلبية السنيّة من المسلمين موظّفاً حجاب التقية أروع توظيف لتحقيق ذلك ، بيد أن خصمه اللدود (التشيّع الصفوي) عمد خلافاً لذلك إلى تمزيق هذا الحجاب بل جرّ حالة الاختلاف والتصعيد إلى موارد كانت من موارد الاشتراك والاتفاق بين المسلمين قاطبة!

          إن الظاهرة القومية ( الشوفينية ) هي إطار عرقي للجماعات يعمل دائماً على تقطيع أوصال الإطار الذي يجمع الأمة عقائدياً ، وهو ما لجأ إليه الاستعمار الغربي إبان الحرب العالمية الأولى حيث بثّ الأفكار القومية والنزعات الوطنية في نفوس المسلمين مما سهّل عليه مهمة تدمير العالم الإسلامي من الداخل ، وبمجرد أن عادت المشاعر القومية بعد أن قضى عليها الإسلام ، وجد المارد الإسلامي العظيم نفسه مفتّتاً إلى أجزاء وقطع صغيرة متناثرة بات من السهل على الغول الاستعماري الغربي أن يلتقمها الواحدة بعد الأخرى ، ليلفظها على شكل دول إسلامية مجزأة وصغيرة قائمة على أساس قبلي وطائفي ضيق بحكومات عميلة للأجنبي ناهيك عن المشاكل الحدودية التي زرعها الاستعمار بين تلك الدول كقنابل موقوتة يتاح له تفجيرها وقت شاء . وهذا هو ما يفسر ظهور نهضات عديدة في الدول الإسلامية يطلق عليها مصطلح مشترك هو ( بان) فظهرت البانعربية والبانتركية على المستوى القومي ، ومن ثم لحقتها على المستوى الوطني الأقلّ شمولاً نهضات جديدة كالبانعراقية ( نسبة إلى عراق ما قبل آلاف السنين –بابل وسومر واكد) والبانقبطية في مصر (تنادي بوحدة الأقباط حيال عرب مصر ) والبانبربرية في الجزائر ( وتدعو إلى وحدة البربر بازاء العرب)، والقاسم المشترك بين هذه الحركات والنهضات هو العمل على العودة بثقافات بلدانها إلى تاريخ ما قبل الإسلام ، فيعود الأتراك إلى العهد البيزنطي والمصريون إلى عهود الفراعنة والعراقيون إلى زمان حمورابي وحضارتي بابل وسومر ، وحتى العرب كان لهم نصيب من تلك الدعوات حيث بدأ بعضهم يدعو إلى إحياء التراث العربي قبل الإسلام مستنداً إلى التراث الجاهلي في الشعر والأدب وإلى حضارات اليمن وعاد وثمود، بل تطور الأمر إلى اعتبار العصر الأموي عصر حضارة عربية انتصر فيها الحسّ القومي العربيّ على الحسّ الإسلامي الإنساني وتفوق العرب على سائر الشعوب وبخاصة الإيرانيين ! وتعرفون الدور الذي لعبه البريطاني (لورنس)في هذا الاتجاه!

          بهذه الطريقة تمكنت الصفوية من توظيف المشاعر الصادقة وأحاسيس المذهب الشيعي في خدمة أهداف حركة شعوبية فرضت على إيران طوقاً من القومية عزلها عن العالم الإسلامي وأقامت بين الشعب الإيراني المسلم وسائر شعوب الأمة الإسلامية جداراً أسود من الحقد والضغينة وسوء الظن بالآخر والتهمة والافتراء والطعن واللعن والتحريف والتزييف والتفسيق والتكفير، وظل هذا الجدار يتعالى يوماً بعد يوم بالجهود المريضة التي يبتذلها بسخاء عملاء الأجهزة الدعائية الدينية التابعة لقصر ( عالي قابو)[2].

          ولا يفوتنا التذكير هنا بالمساهمات الكبيرة في ترسيخ هذا الجدار وتكريس وجوده والتي بذلها رجال دين مرتبطون ب(الباب العالي )[3]، كانوا يقتنصون الفرص للنفوذ في هذا السجال وإعانة ( إخوانهم الصفويين ) في تشييد وإحكام هذا الجدار ، لأن الإمبراطورية العثمانية كانت تستثمر (التسنّن) لتحقيق أهدافها ومآربها القومية والتوسعية على غرار ما تفعله الصفوية تجاه التشيّع ، ومثلما استطاعت الصفوية بمعونة وعاظ ( مسجد شاه) في أصفهان من إنتاج التشيّع الشعوبي من المواد الأولية للتشيّع العلوي ، في إسلامبول أيضاً وبمعونة وعاظ ( مسجد سلطان أحمد) تمكن العثمانيون من إنتاج ( تسنّن تركي) على قاعدة (التسنن المحمدي ) وأسهموا بشكل مباشر أو غير مباشر في دعم المساعي الصفوية في إنتاج ( التشيّع الشعوبي) وعزل إيران عن العالم الإسلامي والفصل بين المجتمع الشيعي وعموم المجتمع المسلم وتبديل تشيّع الوحدة العلوي إلى تشيّع الفرقة الصفوي ، وهذا من سنّة التاريخ !




          [1] الحجرات ، الآية 13.


          [2] بلاط الشاه الصفوي .


          [3] بلاط السلطان العثماني.

          السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

          Comment

          • اختياره هو
            مشرف
            • 23-06-2009
            • 5310

            #6
            رد: مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "للدكتور علي شريعتي

            باختصار:

            كان على الحركة الصفوية ورجال الدين المرتبطين بها أن يعملوا كل ما من شأنه التوفيق بين القومية إيرانية والدين الإسلامي ،ولتبدو الوطنية والقومية الإيرانية بوشاح ديني أخضر ، وفي هذا الصدد أعلن بين عشيّة وضحاها أن الصفويين – أحفاد الشيخ صفيّ- هم (سادة) من حيث النسب 6/6 أي من أحفاد للنبي محمد ! وتحول المذهب الصوفي فجأة إلى مذهب شيعي ، وصار الفقيه والمحدّث بدائل عن المرشد والبديل ، ووفد إلى التكايا – لا إلى المساجد طبعاً لأنّ عليها فيتو صفوية! – فريق من (الخانقاهات)[1]عدلوا عن تقديس أولياء التصوف إلى تقديس أوصياء التشيّع ، وتلبّس الصفويّون بلباس ولاية علي ونيابة الإمام والانتقام من أعداء أهل البيت … وفي ظل كل هذه المحاولات كان الهدف الأصلي هو إضفاء طابع مذهبي على الحالة القومية ، وبعث القومية الإيرانية وإحيائها تحت ستار الموالاة والتشيّع ، وتمت عملية فصل الشعب الإيراني عن جسد الأمة الكبير وأجّجت مشاعر العداء بين الإيرانيين من جهة والترك والعرب من جهة أخرى ، وقد وطّأ ذلك فيما بعد لنشوب معركة سياسية وعسكرية طاحنة بين الحكومات الصفوية والعثمانية تحت لافتات شيعية وسنيّة ، وفي الختام اتسعت الفجوة بين التشيّع والتسنّن وطالت جميع وجوه الاتفاق والاشتراك .

            في ضوء ذلك يمكن أن نفهم سرّ تركيز أجهزة الدعاية الصفوية على نقاط الإثارة والاختلاف بين السنة والشيعة وإهمال نقاط الاشتراك أو تأويلها بالشكل الذي يحيلها إلى نقاط خلاف أو يفرّغها عن قدرتها على أن تكون أرضية صلبة لموقف مشترك بين الفريقين … وكنتيجة لهذا الفصل المذهبي حصل فصل اجتماعي وثقافي تبعه فصل على الصعيدين القومي والسياسي وبشكل بارز جداً.

            من هنا نجد أن الشيعي الصفوي قد يبقى متمسكاً بالإسلام ووفيّاً لانتمائه الديني إلاّ أنه كان في الوقت ذاته يزاول أعمالاً من شأنها أن تقطع جميع أواصر الأخوة مع باقي المسلمين ، ولم يحصر الخلاف العقائدي بينه وبين السنّي على مستوى الاعتقاد بالإمامة أو عدم الاعتقاد بها بل تطور الأمر ليشمل جوانب أخرى هي في الأساس ممّا يتفق عليه المسلمون كالتوحيد والنبوة والمعاد حيث صار الشيعي الصفوي ينظر إلى هذه الثوابت من زاوية ومنظار خاص به ويعتقد بها على نحو مختلف بالنسبة لسائر أهل الإسلام ، والكلام نفسه ينسحب على موقف الطرفين من القرآن .

            لقد حرصت الحركة الصفوية على تعطيل أو تبديل الكثير من الشعائر والسنن والطقوس الدينية وإهمال العديد من المظاهر الإسلامية المشتركة بين المسلمين . وفي الموارد التي كانوا يضطرون إلى الأداء المشترك مع السنة كمراسم الحج مثلاً ، حرص الصفويون على تضييق دائرة المشتركات فيها وتوسيع دائرة المختصّات ، تفادياً لاجتماع المسلمين سنة وشيعة في شعيرة دينية أو فريضة جامعة ممّا يكرس الشعور بأن الدين ليس واحداً فالصفوية تخشى من التفاهم والأخوة والوحدة بين المسلمين وتعتبرها خطراً يهدّد وجودها القائم على الاختلاف بينهم ، وهذا الخطر تستشعره الصفوية أكثر شيء في مراسم الحج باعتبار الاجتماع العظيم الذي يضم المسلمين هناك على اختلاف الوانهم.

            ومثلما يعمل الملالي المرتبطون بقصر (عالي قابو )في أصفهان على تحويل المشتركات الإسلامية إلى مختلفات عن طريق الدسّ والتأويل المغرض للفقه والتاريخ والقرآن ، واعتبار الأخير حافلاً بالطعن على الخلفاء والنيل منهم بأسلوب الرمز والكتابة والتشبيه ، وأن هذا الأسلوب اتخذه القرآن من باب (التقية)! خوفاً من أن يمزّقوا القرآن إذا تعرض لهم بشكل صريح ، وهم-أي السنة –قد فعلوا ذلك بالذات بالنسبة للآيات الواردة في مدح (علي ) حيث أسقطوها من القرآن ! ما يعني أن القرآن الحاضر بين أيدينا هو قرآن ناقص ومحرّف ، وأن القرآن الأصلي الصحيح كان بحوزة علي وقد توارثه الأئمة بعضهم من بعض وهو الآن بحوزة الإمام صاحب الزمان وسوف يظهر بظهوره !

            ومثلما يعمل ملالي الصفوية في هذا الاتجاه كان الملالي التابعون لقصر (الباب العالي) في إسلامبول عاكفين على أعمال مشابهة ويصدرون فتاواهم التي تنال من الشيعة بشكل سافر فيفتنون –مثلاً- بأن زواج المسلم بالمرأة الكافرة من أهل الكتاب جائز ، في حال أن زواجه بالمرأة الشيعية حرام!

            والواقع أنه كما كانت الحركة الصفوية بحاجة إلى نوع من التشيّع الإيراني لإعلان الحرب ضد الدولة العثمانية ، كان العثمانيون بحاجة أيضاً إلى نوع من التسنّن التركي لمواجهة الخطر الصفوي ، وهكذا نجم عن الدين الإسلامي الواحد ديانتان مستقلتان متخاصمتان ! وفي حين أن المسيحية كانت تزدهر عبر حركة النهضة والبرجوازية الجديدة وتتسلح بالعلم والتطور التقني لمواجهة الإسلام ، كان الإسلام يتصارع مع نفسه من الداخل غافلاً عن مخطط الأعداء.

            وهكذا أوجد التشيّع الصفوي مع القومية الإيرانية حركة جديدة ، وامتزجت هاتان القوتان معاً حتى بات من الصعب التفكيك بينهما ونجم عنهما مركب جديد يمكن أن نصطلح عليه تارة بأنه ( تشيع شعوبي ) وأُخرى بأنه (شعوبية شيعية)[2]! ومنذ ذلك الحين تبدلت حقائق وأمور كثيرة جداً ، حتى على صعيد التاريخ فشاهدنا "شهربانو" بنت يزدجرد وهي تصبح زوجة للإمام الحسين (ع) وذلك لأجل الربط بين الذرية الساسانية وبين الأئمة التسعة من أولاد الحسين ، وبالتالي تظهر للوجود إمامة جديدة متركبة من النور المحمدي و… الإيزدي وينعقد الاتصال بين ذرية الرسول وذرية ساسان في صلب الإمامة الشيعية ، وهكذا تعود العائلة الساسانية التي طردها عمر من الباب لتدخل بيت الإسلام من الشباك ، ولتستمر خالدة في ذرية الأوصياء والأئمة (ع) إلى أن تتجلى في ظهور صاحب الزمان حفيد محمد وساسان وسليل القومية الإيرانية ، وهكذا تلتحم القومية بالمذهب وينهض التشيّع على أسس قومية وعرقية ومن ثم تتربع السلطة الصفوية على الاثنين معاً !

            ذات سنة ، صادف أن يجتمع يوم عاشوراء من التاريخ القمري الهجري مع يوم النوروز من التاريخ الشمسي الإيراني ، وهنا سوف تتجلى الحذاقة والمهارة الفائقة في التلفيق بين القومية والمذهب ، حيث يأمر السلطان الصفوي بأن يعتبر ذلك اليوم عاشوراء ، وفي اليوم التالي سيكون نوروز ! وقد انطلت هذه القضية على الناس بل و تلقوها برحابة صدر فأقاموا مراسم العزاء في اليوم الأول وخرجوا إلى العيد في اليوم الذي يليه ! واجتمع العزاء والفرح في يومين متجاورين ، وهذا هو الوجه الآخر من تلاقح العنصرين المتضادّين ((التشيّع الحسيني)) و((حكومة شاه سلطان الحسيني))اللذين اتّحدا بسيف الملك وسبحة الملاّ ، ويمكن أن ترى هذه الخريطة متجسدة في ساحة ((نقش جهان =خارطة العالم )) في أصفهان حيث يلتئم هناك ((مسجد شاه ))و((مسجد شيخ)) وقصر ((عالي قابو))وفي الوسط (( ميدان بازي =ساحة اللعب))!

            والشاه هنا هو صهر الشيخ ( شيخ لطف الله ) والشيخ هنا صهر الشيخ (الميرداماد) وتحقق الغرض!






            [1] الخانقاه ، مكان الدراويش ، ويبدو أن الصفوية شجّعت هذه الأماكن على حساب المساجد .




            [2] يزعم أشباه المحقّقين والمنظّرين الكسرويين بأن المذهب الشيعي ظهر بظهور الصفوية ، ويبدو أن هؤلاء لا يميزون بين التشيّع الصفوي وبين التشيّع العلوي الذي ظهر بظهور الإسلام ، أو أنهم لا يريدون أن يميزوا بينهما لئلاّ تسمع الناس بوجود شيء اسمه التشيّع العلوي!.
            السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

            Comment

            • اختياره هو
              مشرف
              • 23-06-2009
              • 5310

              #7
              رد: مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "للدكتور علي شريعتي

              الحيلة الشرعية = خدعة الله !

              الروحاني الصفوي حلاّل مشكلات لا نظير له في هذا المجال ، إنه قادر على قلب الحلال إلى الحرام والحرام إلى حلال بطريقة يشيب منها رأسك ، دون أن تتمكن من تسجيل هدف في مرماه لا قانوني ولا شرعي !

              ألا ترى إلى الربا الذي عدّه القرآن من أعظم حرمات الله سبحانه ، يتحايل الروحاني الصفوي للالتفاف على الحكم الشرعي للربا بحذاقة ورشاقة بحيث يعجز أكبر خبير في الأحكام الشرعية عن تسجيل إيراد قانوني عليه بالرغم من علمه وجداناً بأن القضية لا تعدو كونها حيلة ! أمّا كيف تسنى لهم ذلك ؟

              الجواب: بسهولة تامة ، أولاً بزعم أن العملة الورقية ليست من النقدين وانتهى الأمر إذ أن الربا لا يتحقق له مصداق إلاّ عندما يتضمن المورد مبادلة للنقدين ، وعليه فمبادلة العملات الورقية والأوراق المالية أمر جائز ولا إشكال فيه.[1]

              وثانياً ، ما هو الربا أصلاً ؟ أنه الفائدة المأخوذة عن رأس المال ، فلو أقرضت شخصاً مبلغ مئة ألف تومان على أن يعيدها إليك آخر السنة مئة وعشرين ألف تومان ، فإن المبلغ العشرين ألف تومان الزائد سيكون ربا وهو حرام إذا كان القرض بهذه النيّة منذ البداية ، بل من أشدّ أنواع الحرام وهو بمنزلة إعلان الحرب على الله ورسوله بمقتضى الآية القرآنية .[2]

              ولكن عقد المعاملات ليس بحرام بل هم مستحب ، والكاسب حبيب الله ، حسناً جداً اذهب إلى (الآقا) ليعلمك طرق تبديل الربا إلى معاملة لكي تتجنب الوقوع في الإشكال الشرعي ، كيف؟ بمنتهى السهولة ولا يحتاج ذلك إلى عبقرية ، هذه المرة إذا أردت أن تستريح ما عليك إلا أن تحوّل نيّتك من الربا إلى البيع المشروط ، تقرض صاحبك قرضاً (حسناً) قدره مئة ألف تومان ، ومقابل العشرين ألف تومان الإضافية عليك أن تبيع له مثقالاً من ملح الطعام![3]

              أرأيت كيف تم ذلك بمنتهى السلطة ؟ والآن افترض أنه قامت القيامة ووقفت أمام محكمة العدل الإلهي ، ماذا بوسعهم أن يقولوا لك ، هل بوسعهم أن يقولوا أن معاملة البيع المشروط حرام ؟ كلا بالطبع ! هل سيقولون أن ليس من حق الإنسان أن يبيع بضاعته بالسعر الذي يروق له ، لن يقولوا ذلك بالطبع ، لأن بمقدورك أن تجيبهم فوراً بأن البضاعة هي ملكك ومن حقك أن تفعل بها ما تشاء والشريعة ليست شرطياً يعمل على مراقبة الأسعار !

              وإذن فالشخص الذي يبتاع بضاعة من مؤمن هو داخل معه في معاملة ، ولا يحق لأحد أن يقول خلاف ذلك ، بالعكس هذا الشخص متفضل على الدين لأنه تحول من مرابٍ إلى كاسب والكاسب حبيب الله ويستحق الثواب وليس عدواً لله ورسوله !

              هل يستطيع أحد أعضاء محكمة العدل الإلهي أن يعترض على هذه المسرحية ، إن اللغة الشرعية للروحاني الصفوي توصد كل الأبواب وتلجم كل الألسنة !

              ربما تقول أنك تعمل في جهاز تابع للسلطة الظالمة وبالتالي تواجه مشكلة إعانة الظالم وأخذ الأجرة لقاء ذلك ، هل في عملك هذا إشكال ؟ نعم ، بالطبع فهذا العمل مشكل جداً ، فالإسلام يستنكر على الفرد المسلم أن يرى الظلم يقع على الآخرين ويقف مكتوف الأيدي ، وهذا هو السّر في أن الشيعة ما زالوا بعد أربعة عشر قرناً يلعنون كل من سكتوا أمام جريمة قتل الحسين ولم يتحركوا للدفاع عنه ، ويعتبرونهم شركاء في دم الإمام [4]، فكيف يمكن أن يسمح بالعمل رسمياً ضمن أجهزة الحكم الظالم أو أن يصبح المسلم مرتزقاً في جهاز الخلافة الغاصب ، وكيف يمكن تجويز استلام الأجرة غير المشروعة من يد غير مشروعة بطرق غير مشروعة ولقاء عمل غير مشروع ! – إذن ماذا أصنع ؟ هل أنسحب؟

              كلا هناك طريقة للحل ،ما هي ؟ - التدوير – وماذا يعنى ذلك ؟

              إنها عملية سهلة للغاية و لا يتقنها سوى الروحانى الصفوي وهي أنه فور استلام الأجر الذى يمنح لك ستذعن لحقيقة أن هذا المال غير مشروع و مجهول المالك ، إذن ما من الذى يجب أن يستلمه ؟ لا شك أنه الحاكم الشرعي وهو الروحانى الذى تصبح الأموال بحوزته ،وبعد ذلك سوف يرى أنك مستحق و لديك زوجة وأطفال فيقرر منحك ما يكفيك من بيت مال المسلمين ، وسوف ترى فجأة أن نفس الأجر الذى استلمته بالأمس من جهاز الحكم الظالم يأتيك بعنوان مساعدة من الشرع ! جل البارى تعالى !

              لم يعد هناك مشكلة شرعية إلا ولها حل عند التشيع الصفوي ، و قد ترسخت هذه القناعة لدى الؤمنين حتى صارت مضربا ً للمثل وموردا ً من موارد التندر ، ويقال في هذا الصدد أن أحدهم جاء إلى فقيه من فقهاء التشيع الصفوي و أدى رسوم الطاعة والولاء – و بتعبير العلامة النائينى رسوم الاستبداد الدينى – فركع أمام الفقيه وقبل يديه وعاد القهقرى ، وما أن بلغ الباب إذا به يخرج من جيبه قارورة خمر ، وقال للشيخ الفقيه : أنتم الذين تحللون الحرام وتحرمون الحلال ، فلماذا لا تمن علي بتحليل هذه القارورة الصغيرة ؟!

              وثمة أمر أخر يتعلق بقضية استرقاق العبيد التى حاربها النبي وعلي بشدة ، ومع ذلك استمرت الروحانية الأموية والعباسية و الصفوية بتدريسها لقرون ذلك أن الحكام و السلاطين والتجار والإقطاعيين ما زالوا بحاجة ماسة إلى الغلمان و الجوارى لإستخدامهم كحيوانات صامتة تمشى على رجلين لتسيير أمور مزارعهم و قصورهم وتلبية حاجاتهم ( النفسية والجسدية ) .

              إننا اليوم أمام مفارقة غريبة تقول أن العملات الورقية ليست نقداً ، ولكن العبيد هم بضاعة تباع وتشترى ! ( سبحان الله !)

              لا يوجد كلام حول حقوق الشعب في نفطه بينما يكثر الحديث عن حقوق السيّد على عبده ! الفقه الإسلامي ليس له حضور في مجال الدراسات حول الرأسمالية والبرجوازية والاقتصاد الاستعماري والعلاقات الطبقية وحقوق العامل والمستثمر ، والفلاح وصاحب الأرض والمنتج والمستهلك وفوائد رؤوس الأموال وغير ذلك ، بينما نجد مئات النظريات والبحوث الفقهية الدقيقة حول مسائل غير عملية من قبيل حكم العبد الذي اشترك في شرائه سيدان وقرّرا أن يعمل لأحدهما يوماً وللآخر يوماً ، وكيف يتم توزيع الدية بين السيّدين فيما إذا وقعت أثناء العمل صخرة على رأس العبد المسكين فمات!

              أعرف أن هذه التجاوزات تثير حفيظة البعض من الأكابر وعلماء الدين ، واعتذر عن ذلك ، ولكن أرجو أن ينصفوني ويعطوا الحق لي وأمثالي في أننا وكثير من الأحرار في العالم نتوسم في الإسلام وفي الله ورسول الله وفي عليّ وتشيّع عليّ مفاهيم الحرية والعدالة والنجاة . ونعتقد أن هذا الدين وهذه الأسماء اللامعة لها قصب السبق والريادة في مجال الدعوة لتحرير الإنسان واحترام كرامته ، ومع ذلك نرى وبكل حسرة وألم أن شرف تحرير العبيد صار من نصيب العالم الغربي وأن فتوى تحريم الاسترقاق يصدرها الرئيس الأمريكي وليس مرجعاً من مراجع المسلمين ؟ وما زالت هناك أصوات تعلو في الحوزات الإسلامية تتحدث عن السيد والعبد والجارية والغلام ، والأغرب من هذا وذاك أن أسواق المسلمين خلت من الرقيق ولم يعد العوام يستسيغون هذا النوع من المعاملات بينما ما زالت جامعة الإمام الصادق منهمكة في البحث عن هذه الأمور !

              الكيمياء القديمة حولت النحاس إلى ذهب والبتروكيمياء الحديثة حولت النفط إلى أسمدة ، أما بترو كيمياء الاستحمار الصفوي فقد صنعت من الدم ترياقاً ! ومن الشهادة عوامل ذل، ومن الشهيد

              الحيّ لحدَ ميّت ، ومن تشيّع الجهاد والاجتهاد والاعتراض تشيّع تقية وتقليد وانتظار قوامه الهرب من المسؤولية والخوف من مواجهة الحياة والفراغ من المحتوى والمضمون !

              ما الذي لم يصنعه هذا السحر الأسود ؟! لقد حوّل عليّ إلى رستم في الشاهنامه !ليس في ميدان الحرب بل في الخانقاه [5].

              ومن فاطمة صنعت الكيمياء الصفوية امرأة لا يشغلها شاغل عن الندب والبكاء على قطعة أرض صادرتها الحكومة بغير حق ، وهي مشغولة إذن باللعن والدعاء بالويل والثبور ولا غير !

              أما الحسن ، فأستحي أن أقول !

              والحسين لا أطيق الكلام بشأنه !

              بعد شهادة جميع أصحابه وأهل بيته واختيارهم للموت بعزّ وشرف رافضين للذلّ والهوان ، يخرج الحسين بعد ذلك كله وبين يديه طفله الرضيع ليتحدث إلى القوم بلهجة استرحام ويلتمس الماء من مرتزقة الجهاز الأموي وأتباع يزيد !

              أما زينب ، المرأة التي علّمت الرجال معنى الجولة ، المرأة التي أدركت أن الثورة قد انطلقت فبادرت إلى تطليق زوجها والتضحية بولديها ، ومن ثم تجهزت بلسان عليّ ورسالة الحسين وعبء الأسرى وانقضّت كالصاعقة على عاصمة الفسق والفجور والقساوة وأطلقت صيحتها المدوية والتي ظلّت طوال ألف سنة تقض مضاجع بني أمية والعباس وسلاطين الترك والتتر والغزاونة والسلاجقة والمغول وبعد أن عجزوا بأجمعهم عن خنق نطاق هذه الصيحة جاءت منابر العزاء الصفوية وتمكنت من ذلك عبر تحويل هذه الصيحة إلى نوحة !

              وماذا بالنسبة للعباس بن علي أخ الحسين وبطل المعارك الفريد ، الوجه الذي لم يسجل له التاريخ إلاّ وقفات العزّ والشرف والحماسة ! لقد حوّلوه إلى بطل رمزي في محافل النسوة !

              والإمام زين العابدين الرجل الذي جعل من الدعاء خندقاً للجهاد والمواجهة تحوّل إلى إنسان عليل لا يجيد إلاّ النوح والأنين حتّى أن المجلسيّ وهو أبرز وجوه التشيّع الصفوي يرسم له صورة اعتقد أن أعداء عليّ الذين نصبوا لهم السيف يخجلون من نسبتها إليه فإن العزّ والوقار والهيبة والبهاء صفات معروفة لبني هاشم لا تنكرها حتى جاهلية العرب !

              و… لا أطيق مواصلة الحديث ليس فقط عمّا صنعته الصفوية من صور مشوهة للأئمة على لسان عوام الناس ، بل لست أستطيع تجسيم صور للأئمة تتضمنها كتب معروفة ومعتبرة لدى الشيعة !






              [1] وذلك لأن قوام المعاملات في زمن النبي والأئمة هما الدينار والدرهم ( النقدان=الذهب والفضة ) أما النقد الحالي فهو من الورق والورق ليس من النقدين !

              ربما ستعترض وتقول : إذن ما حال المعاملات التي تجري بواسطة العملات الورقية وكيف تؤخذ الحقوق الشرعية إذن بهذه العملات ، وهل يرفض (الآقا ) الاعتراف بكل الصفقات الجارية في عصرنا ؟ ولكن لماذا تعترض عليّ أنا ؟ !


              [2] ( فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) تراجع الآيات 274-279 من سورة البقرة .


              [3] ثمة حيل شرعية كثيرة اخترعوها للتملّص من الربا والاحتيال على الشرع من قبيل بيع الشرط والصلح والرهن وبيع السلف والهبة المعوضة .. لاحظ هنا أن ملالي الصفوية الذين هم بالأساس أناس متحجرون ويرفضون الاجتهاد والتحرك والتحرر ، عندما اقتضت المصالح نوعاً من آخر من التعامل تجدهم أذكياء ومبدعين وممّن ينادون بمواكبة الدين لمتطلبات الزمان ، ولكن أي زمان وأي متطلبات إنها متطلبات الطبقة الحاكمة ، الطبقة المستفيدة من الخمس والزكاة والصدقات . وذلك لأن السوق هو مصدر عيش و ديمومة الصفوية .


              [4] لعن الله أمة قتلتك ، ولعن الله أمة ظلمتك ، ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به!


              [5] مكان تجمع الدراويش.

              السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

              Comment

              • اختياره هو
                مشرف
                • 23-06-2009
                • 5310

                #8
                رد: مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "للدكتور علي شريعتي

                إلغاء التشيّع بواسطة التشيّع !

                إنّ أكبر الأخطار التي كان من الممكن لها القضاء على الصفوية كانت وليدة التناقضات التي تحمل الحركة الصفوية بذورها في الداخل ، لأنه كان على الصفوية أن تحمل شعار الإسلام في حال كونها كياناً استبدادياً قاسياً على غرار الأنظمة الكسروية والقيصرية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ، كانت الصفوية تصرّ على حمل لواء التشيّع في حين أنها تعتمد نظام خلافة شبيهاً بأنظمة الخلافة الأموية والعباسية ، وكان هذا التناقض يتجلّى في اتجاهين يدعو الأول منهما الحركة الصفوية إلى العمل من أجل بناء إسلام خالٍ من الإسلام ،فيما يدعو الثاني منها الى تحقيق مهمة أكثر صعوبة تتمثل في العمل على إلغاء التشّيع ولكن باسم التشّيع نفسه !

                والسؤال الذي يطرح نفسه حينئذ: ما هو السبيل إلى تحقيق هذين الغرضين المتهافتين ؟!

                بشكل إجمالي يمكن القول أن الإسلام هو دين التوعية والعقل والمسؤولية ، وله أبعاد وجوانب اجتماعية و اقتصادية ونظرة واقعية معاصرة للأمور ، ومن ثم فهو يدعو إلى العزة والشرف والاقتدار والمركزية السياسية ويعترف بشخصية الإنسان وبحقّه في العيش الكريم والحرية الفكرية وتحمّل الوظائف الاجتماعية اللائقة به كموجود اجتماعي ، وبالتالي فإن الإسلام دين لا يقبل التفكيك عن السياسة ، ما يجعله غير مناسب بهذه المواصفات لأن يكون ديناً رسمياً للأنظمة والحكومات الاستبدادية الوريثة لأنظمة كسرى وقيصر والقائمة على أساس التضاد الطبقي والتميز العرقي ، وتبعاً لذلك يجب العمل لتهميش دوره وإلغاء أثره الاجتماعي وجر الناس إلى اعتناق دين يحضّ الأفراد على الاقتصار بالحديث على ما يتعلق بعالم ما بعد الموت ويغذّي التوجهات الاجتماعية ذات النزعة الباطنية في التعاطي مع الأشياء والداعية إلى إشاعة المنحى الأخلاقي الفردي والسلوك الرهباني والاتجاه السلبي في ترويض النفس على القناعة والزهد والكفّ عن التدخل بأمور الدنيا وبدلاً من الانشغال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واحترام مبدأ الجماعة ، عكفت الصفوية على إيجاد منهج انعزالي صوفي يميل إلى تجاهل الواقع والغياب عن مسرح الأحداث بنحو ينهمك فيه كل إنسان بمشاكله وهمومه الذاتيّة وتكون رسالته في الحياة هي العمل على إنقاذ نفسه من سجن الدنيا والفرار بها من جهنم الحياة ! ولا ريب في أن هذه الحالة تعدّ حالة مثالية لمثلّث التحكم بالناس والمؤلفة أضلاعه الثلاث من الاستبداد والاستعمار والاستحمار:

                (( الأول يربط الإنسان من رأسه والثاني يقوم بتنظيف جيبه والشريك الثالث يشرع بتقديم النصائح والمواعظ قائلاً بلسانه الرّباني العطوف : اصبر يا أخي ! افرغ جوفك من الطعام واجعل من جوعك

                رصيداً لك يوم القيامة ليخفّف لك من ذنوبك ، وبالله استعن على هؤلاء فسوف يلقون جزاءهم في الآخرة !)).

                إن لوعاظ السلاطين وخدّام أروقة البلاط سياقاً عاماً مشتركاً في خلق توجّه ديني تخديري من شأنه شلّ الحركة الاجتماعية الهادفة ، ويعتمد هذا السياق عادة على تحريف المفاهيم الدينية وتفسيرها تفسيراً سلبياً يفرغها من مضمونها الحقيقي ، وبالطبع فإن لكل حركة دينية طيفاً من المفاهيم والقضايا العقائدية ذات الطابع الإيجابي البنّاء على صعيد الحركة الاجتماعية العامة ، كما أن لها قضايا ومفاهيم ذات طابع فردي ، وفي حالة كهذه تعمد أجهزة الإعلام والدعاية الدينية التابعة للسلطات على تسليط الأضواء أكثر على النوع الثاني من القضايا والمفاهيم وترويجها على حساب قضايا ومفاهيم النوع الأول حتى تتلاشى الأخيرة تدريجياً ولا يبقى في أذهان أتباع الدين أو المذهب سوى المفاهيم السلبية المندرجة تحت إطار النوع الثاني من القضايا المشار إليها أعلاه.

                وما نراه اليوم على صعيد الإسلام ، هو مصداق بارز لهذه الظاهرة ، إذ من الواضح أن الأحكام والمسائل الفردية لهذا الدين من قبيل الطهارات والنجاسات والعبادات والمعاملات الفردية تطرح باهتمام مركّز أكثر من الاهتمام الذي يولى لسائر القضايا ذات الطابع الفكري والعقائدي ، أو المسائل الاجتماعية والسياسية والتاريخية بما في ذلك سيرة النبي والأئمة ، بيْدَ أنّ مشكلة الصفوية كانت تكمن في حاجتها هي بالذات إلى عناصر التأليب وتأجيج المشاعر والنعرات الطائفية والمذهبية وعلى خلاف بقية الأنظمة وهياكل الحكم ، لم تكن الصفوية تقتنع وتكتفي بدور الدين والمذهب في تبرير الوضع القائم وإضفاء القدسية على ما هو كائن وموجود ، بل كانت تطمح إلى ما هو أبعد من ذلك في استخدام المذهب كقوة تحريكية وآلة للانتقام من المذهب السنّي الحاكم في الدولة العثمانية ، ومن هنا وجدت الصفوية نفسها مضطرة للحفاظ على التشيّع بشكله العلويّ الأصيل وتسليط الضوء على أكثر منعطفاته وقضاياه خُطورةً وحساسية بدلاً من الانشغال بالقضايا الجُزئية أو المنعطفات غير الحادة !

                للوهلة الأولى ربما يقول قائل أنه كان على الصفوية أن تعتّم على حادثة كربلاء وكل ما يرتبط بها لتزول من الأذهان تدريجياً ، وكان ينبغي لها بالمقابل أن تسلّط الضوء أكثر على موقف الإمام الحسن في الصلح مع معاوية ولن تحتاج حينئذ إلى أكثر من تحريف فلسفته وتجريدها من العمق وتحويلها إلى آلة تخدير والتعاطي مع الصلح من زاوية تساوميّة محضة ! غير أن الصفوية لم تقنع بهذا المستوى من التوظيف الديني وسعت إلى تحقيق هدف إعجازي عظيم تمكنت خلاله من الإبقاء على تشيّع الدم والشهادة والثورة والرفض وجعلت من الحسين محوراً لكل نشاطاتها الدعائية ومن عليّ شعاراً لكل النهضة ، وحافظت على الحالة الثورية وعلى نزعة التمرّد والعصيان لدى الإنسان الشيعي ، واستمرت في شحذ الهمم وتأجيج المشاعر على مدى شهرين كل عام ( محرم وصفر) بل على مدى عام كامل وأصبح كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء ، وروّجت لعليّ وشخصيّة عليّ وخصاله المتجسدة في الثورة والشهادة والجهاد ورفض خلافة الجور ، ولكنها في الوقت ذاته، عملت بذكاء على توجيه كل المشاعر الانتقامية والعواطف الملتهبة للتيار الشيعي الرافض للاستبداد والتمييز نحو الجبهة التركية وضد عموم أبناء الأمة الإسلامية !

                وبغية تحقيق هذا الغرض كان على التشيّع الصفوي أن يلجأ إلى أسلوب معقد وشائك يجمع فيه بين تعظيم، وتقزيم أئمة الشيعة الذين قادوا نهضة المقاومة على مدى قرنين ونصف من الزمن وقد قضوا ما بين مقتول أو مسموم في هذا الطريق الجهادي الرامي إلى تخليص الناس من ممارسات الجهل والجور .

                كان عليهم أن (يعظموا) هؤلاء الأئمة لكي يظهروا أمام الناس بمظهر المدافع عن أهل البيت والمطالب بإرجاع حقهم وإحياء مذهبهم ، وكان عليهم في ذات الوقت أن (يقزّموا) أهل البيت لكي يفقدوهم الطابع والصفة الرمزية بين الشيعة والتي من شأنها أن تلهمهم السير على خطاهم والتأسي بسيرتهم في رفض الذل والعبودية والمطالبة بإقامة العدل وتحكيم الحق والالتزام بمظاهر الورع والتقوى ونبذ الظلم والحيف والتمييز الطبقي والعرقي والتأكيد على ممارسة الفرد لدوره الإيجابي البنّاء على الصعيد الاجتماعي … وفي ظل ذلك سوف يصبح بوسع الشيعي أن يُنادي بالأئمة ويعتقد بمحمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وينتظر ظهور منجي البشرية والثائر المصلح الكبير ويمضي ليله ونهاره في الحديث عنهم وعن بطولاتهم وإيثارهم وسيرتهم ، ومع ذلك لا يشعر بأي ضرورة تدعو للتأسي بهم والعمل بوصاياهم والإقتداء بمنهجهم في مقاومة أو على الأقل مشاكسة النظام الصفوي الوارث لأنظمة الخلافة في الحقبتين الأموية والعباسية سواء على صعيد النمط المعاشي أو على صعيد العلاقة بالناس ، وتلك- لعمري – كانت مسؤولية شاقة تحملتها الكنيسة الصفوية في الجمع بين النقيضين : تعظيم أئمة الشيعة وتقزيم أئمة الشيعة!

                أما كيف تم ذلك ؟ فوفق معادلة دقيقة محسوبة على وتيرة واحدة ومنوال ثابت :
                السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

                Comment

                • اختياره هو
                  مشرف
                  • 23-06-2009
                  • 5310

                  #9
                  رد: مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "للدكتور علي شريعتي

                  فمن جهة يجري العمل على رفع مقام ومنزلة الإمام إلى مرتبة الألوهية ، ويتحول الإمام الذي هو وصيّ النبي في التشيّع العلوي وهو الأتقى والأعلم الذي يتولى مهمة مواصلة قيادة المسيرة بعد النبي وهو الشخص الذي يجب أن يكون المرجع في الفهم الصحيح للقرآن والسنة ( الإسلام بمعنى آخر )،يتحول هذا الإمام من عبد طاهر وقائد من جنس البشر إلى موجود غير بشري شبيه بالآلهة الصغار الذين يحيطون بالإله الأكبر في الأساطير وفي معتقدات الأديان الوثنية ولهذا الموجود خصائص إلهية كالخالق والرازق والمدبّر والمهيمن على مصائر الناس ، ويتمتع بولاية تكوينية على حدّ ولاية الله !

                  ومن جهة أُخرى ، فإن إمام الشيعة الذي يشهد له التاريخ كله والناس قاطبة ، مؤمنهم وكافرهم ، بأنه مظهر التقوى والورع والعدل والحق والعلم والحرية والجدارة في قيادة النهضة ومقاومة الظلم والجهل والجور والترف والاستبداد ، وهو المرآة التي تتجلّى فيها مضامين الإنسانية والفخر والاعتزاز والفضيلة والشرف والنزاهة والوعي والصمود والتحرر وعدم المساومة على الحق ، هكذا شخصية بهذه المواصفات السامية يتحول بفعل الجهد الصفوي إلى كائن ضعيف عاجز مساوم خائف أناني انتهازي منعزل ، يعارض منطق الشهادة ويستنكر على الناس تفكيرهم بالخروج على النظام الفاسد ومقارعة الظلم ، ويدعو إلى الحفاظ على موقع الخليفة حيال التيارات المتطرفة حتى ما كان شيعياً منها ، ويروج مبدأ الرضا والتسليم للأمر الواقع ويفتي لمصلحة الجهاز الحاكم ولو كان ذلك على خلاف الشرع عملاً بالتقية ! وهو في نهاية المطاف إنسان محتقر عديم الشأن ينظر إليه الخليفة نظرة احتقار وسوء ظن ، وهو بالمقابل مستعدّ للقيام بأي شيء لمجرد إرضاء الخليفة وتغيير نظرته إليه ! يتشرّف بالانتساب إلى الخليفة أكثر من انتسابه إلى النبي ، ولا يتورع عن الانضمام إلى قافلة المتزلّفين إلى الخليفة ممّن يتأملون أن يجود عليهم الخليفة بالعطايا والهبات ، يتشرّف بالوقوف على بلاط(أمير المؤمنين يسبّح بالثناء عليه و تقديس موقعه والدعاء له واستلام الثمن ![1]

                  وبغية إرساء قواعد حكم رجعي على دعائم نهج ثوري وتأسيس حكومة الزور والزيف والاستبداد السياسي والاستغلال الطبقي على دعامتي (العدل) و(الإمامة) !…

                  وبغية تبديل ماهية ( التشيّع الأحمر )- وذلك لونه على الدوام – إلى تشيّع أسود –وذلك لون الموت الذي ارتدته الصفوية بحجة العزاء – ومن أجل أن يتخذوا من ( الولاية ) سنداً قوياً ومقدساً (للخلافة) وسيفاً قاطعاً بيد (الخليفة )، ومن( عاشوراء)[2] أفيوناً مخدّراً للإيرانيين ومادّةً لتأليبهم على العثمانيين !…[3]

                  نعم من أجل هذا وغيره كان على ماكنة السحر الأسود الصفوي أن تنتج سائلاً يصلح لجعل الشيعي قوياً وضعيفاً في آن ، وحاضراً وغائباً في كل مكان ! وينجح في إدخال أكثرية الناس في المدن والقرى إلى المذهب الشيعي جبراً أو اختياراً بالعدول عنه إلى مذهب آخر ! في ظل هذا النتاج الغريب سوف تظلّ المنابر تلهج باسم (كربلاء) ليل نهار وفي كل عصر ومصر ، وفي نفس الوقت لا يُسمع هذا الاسم من على تلك المنابر إطلاقاً ![4]

                  الشيعي بفضل هذا الإكسير الكيميائي ، يستغرق الوقت ليل نهار في إنشاد الشعر وكتابة النثر في مدح الأئمة والثناء عليهم والإشادة بخصالهم ونقل مناقبهم وكراماتهم وأفعالهم الخارقة والخصوصيات الغيبية والمعجزات التي ظهرت على أيديهم قبل الخلقة وبعدها وقبل الولادة أو أثناءها وعند الموت وفي القبر وفي عالم الرؤيا والمنام واليقظة والانتباه … ولكن هذا الشيعي لا ينبغي له –تحت مفعول هذا الإكسير – أن يتطرق لذكر حديث تربوي عن الأئمة يوضّح طريقة عيشهم ومنهجهم في التفكير والسلوك والتعاطي مع قضايا المجتمع والزمان ، وما هو الأثر الذي خلّفه كل واحد منهم بعد الوفاة والرسالة التي حملها أثناء الحياة…

                  وهكذا نجد أن كل إيراني لا بدّ وأن يكون سمع أو يسمع مئات أو آلاف المرّات بأن الإمام الجواد يدخل الغرفة وبابها مغلق! ولكن أياً من هؤلاء لم يحفظ حديثاً واحداً عن الإمام ولم يحدّثه أحد بشيء حول الأنشطة التي كان يزاولها الإمام في سياق رفضه لنظام الخلافة القائم . الجميع يبكون في كل عام بمناسبة استشهاد الإمام الجواد ، ولكن أحداً لا يعرف لماذا استشهد الإمام الجواد؟

                  كان لا بد من سلوك منهج خاص من أجل تحقيق هذا الهدف المتناقض الذي تريد الروحانية الصفوية من ورائه أن يتحدث الناس دائماً عن الإمام دون أن يعرفوا شيئاً عنه ، ويتمثل هذا المنهج في ترويج مبدأ تقديس الإمام دون معرفته !

                  إن الفن الأكبر للروحانية الصفوية تجلّى في إبدال علاقة الناس بالإمام من (المعرفة) إلى ( المحبة) !

                  دون شك إن المحبة هي حالة طبيعية وشعور إنسانيّ سامٍ ينبثق في الروح في ضوء معرفة الإمام ، وهذه المحبة وليدة المعرفة والإتصال المباشر مع أناس نموذجيين ذوي نفوس سامية وزكيه ،وهي –المعرفة-نوع من الإحساس الوجداني الفطري وعامل من عوامل التربية على الفضيلة وعنصر تحرك واقتدار من شأنه أن يشكل خطراً على قلاع الظلم والرذيلة بيد أن المحبة تحتلّ – في التشيّع الصفوي مكان المعرفة ، هي محبة قبل المعرفة لا بعدها . والغرض الداعي إلى ترويج هذا النوع من المحبة هو تجريدها من آثارها ، ذلك لأن حبّ الإمام المجهول –ولو كان هذا الإمام هو عليّ –لن يكون له أي فائدة أو ضرر أو تأثير ، ومن هنا فإن النظام الصفوي وأجهزته الدعائية تسعى عبر تلقين المواعظ والخطب والمراثي والأشعار إلى مضاعفة حبّ الإمام في القلوب وتضعيف معرفته في العقول .




                  [1] إنني أخجل من التصريح بمثل هذه الكلمات ، ولكن ماذا بوسعي أن أصنع وأنا أرى هذه الصور المشوّهة ترسم بدقة وتنسب زوراً إلى المعصومين من شهداء الفضيلة وقدوات الإنسانية ، أعني أئمة الشيعة ، وتعرض على الخلائق ليل نهار ، كيف يمكن لنا أن نبقى نتفرج على هذه المعصية مكتوفي الأيدي ؟!


                  [2] كم هو باعث على التأمل والتفكر العميق أن نرى أن أول إمام للشيعة استشهد في المحراب ، ومنذ ذلك الحين بدأت قصة الاستشهاد وسوف يستمر التاريخ الشيعي على هذا المنوال إلى حين ظهور صاحب الزمان والمهدي الموعود الذي يحقق كل الآمال والتطلعات الإسلامية والإنسانية ، ومع ذلك فهو على عهد مع الشهادة ويأبى أن يموت حتف أنفه ، أو يرتقي بطريقة غيبية نحو السماء ، بل سيموت هو الآخر شهيداً ! ما أثرى هذا المذهب وما أعمقه وما أغناه ، مبدأ وحركة وعي وقيم ومال وكمال ! ما أروع الإسلام من منطلق التشيّع وما أعظمه على طريق عليّ … بشرط أن تزاح الصفوية من هذا الطريق !


                  [3] إن الكيمياء المعاصرة على رغم تطورها الهائل الذي أهّلها لأن تصنع من النفط الأسود مواد تجميل، وتستخدم الكهرباء تارة في تجميد الماء وأخرى في تبخيره ، هذه الكيمياء الغربية عجزت لحد الآن عن إنتاج مادة قادرة على التخدير وفي نفس الوقت هي منبهة للإنسان ومهيّجة له ! إن جميع الوحدات الثماني لتحقق التناقض متوفرة هنا ، ومع ذلك استطاعت بتر وكيمياء الاستحمار الصفوي أن تنتج معجوناً غريب الأطوار مركباً من العناصر الثلاث =التصوف الإسلامي والقومية الإيرانية والسلطنة الصفوية واجتمعت بها الأضداد والنقائض ، ورغم استحالة ذلك عقلياً ، فلقد تحقق عملياً وجرى الاختبار بنجاح في مجتمعنا الديني على مدى ثلاثة قرون حتى اعتاد الناس عليه !


                  [4] هذا هو الفن الإعجازي العجيب الذي لا يتقنه في هذا العالم الفسيح سوانا نحن الإيرانيين –وهو بالطبع الفن الوحيد الذي نتقنه !-وما زالت بعض الأبواق الصفوية تستخدم هذا الفن (الأصيل ) الذي يمكن أن نسميه بفنّ( الكلام بلا كلام)!
                  السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

                  Comment

                  • اختياره هو
                    مشرف
                    • 23-06-2009
                    • 5310

                    #10
                    رد: مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "للدكتور علي شريعتي

                    المبدأ الأساس في التشيّع العلوي يقول :

                    (( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية )).

                    غير أن هذا المبدأ ، تعرّض لعملية تحريف (بسيطة ) فأصبح هكذا : (( من مات ولم يحب إمام زمانه مات ميتة جاهلية))[1] .

                    وهكذا تم بمهارة إنتاج هذا الإكسير السحري المتناقض في التركيبات (( المعجون الثلاثي الصفوي )) وقامت الروحانية الصفوية بتعبئته في كبسولة التشّيع ومهره بختم (ولاية علي ) وتوزيعه لى محبّي أهل البيت وعشاق علي وكل معتقد ب(الإمامة)وذلك لضمان تخدير الشيعة وتثويرهم ! وتعظيم الأئمة وتقزيمهم في آن واحد ، وبذلك تكون الروحانية الصفوية قد اكتشفت معادلة تركيبية دقيقة شكّلت في الواقع سرّ نجاح التشيّع الصفوي وفي الوقت ذاته سبب انكسار التشيّع العلوي والعلة الرئيسية في انقلاب وجه التشيّع بشكل مروّع ، وهي العامل الأساس في قدرة الصفوية على تسويد لون التشيّع الأحمر وتبديل ثقافة الاستشهاد بثقافة الموت ومذهب الإمام الحسين بمذهب الشاه سلكان حسين ! ليتحول التشيّع الذي ظلّ مظلوماً عبر ألف عام إلى تشيّع يقف في خندق الظالم ويسنده ويعتمد عليه!

                    هذه المعادلة معادلة ثنائية الأبعاد ، معادلة متضادة ذات معلومين !

                    الإمام في السماء :شريك الله !

                    وهو في الأرض : أجير للخليفة !

                    الإمام في الحضرة الإلهية : ظلّ للإله وربّ للنوع (وربّما أسمى !)

                    وهو في حضرة السلطان : أحد أفراد الحاشية ، ومستشار ديني للشاه ، مساوم متزلّف متملّق (وربما أخس!).




                    الإمام في السماء مع الله وفي الأرض مع الخليفة






                    أود هنا أن أنقل إليكم التناقض الشديد في تصوير (الأئمة) في التشيع الصفوي ، فتارةً يصوّرون (الأئمة ) آلهة يخلقون ويرزقون ويعلمون الغيب ، وتارةً أخرى يصورونهم تابعين ومتذللين للحكام والخلفاء .

                    وقد حرصت على أن أنقل هذه الصورة من مصدرين هامين من مصادر التشيّع الصفوي لأعلام هذه الحقبة وهما :

                    1-بحار الأنوار للعلامة المجلسي وهو من أوائل حقبة التشيّع الصفوي .

                    2-جواهر الولاية لآية الله البروجردي الكاظميني وهو من أواخر هذه الحقبة ، وكذلك من بعض آثار آية الله الآقا الشيخ علي أكبر النهاوندي ، وهو من المعاصرين .

                    واختياري نموذجين أحدهما من أوائل هذه الحقبة ، والآخر من آخرها ، فرصة للقارئ والباحث الكريم أن يدرك حجم التحول الذي طرأ على التشيّع الصفوي في غضون القرون الثلاثة حيث نرى المجلسي وهو من المتقدمين يورد نصوصاً تصور الأئمة بمظهر الخانع الذليل ، في حين تنقلب الصورة رأساً على عقب عندما يصور البروجردي الكاظميني وهو من المتأخرين –الأئمة آلهة يخلقون ويرزقون ويعلمون الغيب .

                    وإذا كان لدى البعض تحفظ وانتقاد حيال ما سأنقله بدعوى أنه غير مطروح الأن ، فإننى أعتقد خلاف ذلك ، وأرى أن هذا موجود وبقوة ، وخاصة هذه الأيام .



                    1- الإمام في السماء مع الله !

                    v الإمام يوحى إليه : ((أنه محدث ، يسمع صوت ملك الوحي (جبرائيل) ولكن لا يراه ! لأنه من اللازم كلٌّ من الرسول والإمام مستوي الخلقة والهيئة . وفي ضوء ذلك يجب أن يولد كل منهما مختوناً ، ويكون على طهارة دائمية وليس له ظلّ ! وله قدرة على رؤية الأشياء من جميع الجهات وبنفس الوضوح ، تنام عينه ولا ينام القلب ولا يجوز عليه الأحلام!))

                    (جواهر الولاية –ص101)

                    v ((عندما يولد الإمام يهوي فوراً إلى السجود ويشهد الشهادتين وتحدّثه الملائكة وينطبق درعه على بدنه ، ومعه صحيفة فيها أسماء كل أتباعه إلى يوم القيامة ..

                    ((نحن أسرار الله المودعة في هياكل البشرية ، نزّلونا عن الربوبية وادفعوا عنّا خطوط البشرية فإنا عنها مبعدون وعما يجوز عليكم منزّهون ، ثم قولوا فينا ما استطعتم!)).

                    (جواهر الولاية ص98)

                    v لا تنحصر قدرة أولياء الله بموارد معينة ونقاط محددة وكيفية خاصة بل إن تسلطهم شامل لكل مسرح الوجود ، وقد شبّه الحكماء الإلهيون ذلك بالقول إن هيولى العالم ومادته الأولى تكون في أيدي أولياء الله مثلما يكون الشمع بيد الإنسان يصوّره كيف يشاء ، وفي الحديث المشهور عن المعصوم :

                    (( إن رجالاً إذا أرادوا أراد وإذا أراد أرادوا )).

                    (جواهر الولاية-125)

                    ومن ثم فإن موضوع الولاية يكون على هذه الشاكلة بلا أدنى تفاوت ، لأن هذا هو مقتضى عمل الوليّ والمدبّر للأمور الإلهية بأمر من الله والموكل إليه مهمة الوزارة والنظارة على مملكة الوجود من علم ورزق وموت وحياة …

                    عن الصادق(ع) ما مضمونه أن جميع أمور القيامة هي بيد النبي محمد (ص)والإمام علي(ع) ،إذ أن تدبير الأمور يكون بأمر النبي (ص) كما أن مالك ورضوان (خادمي النار والجنة ) يأتمران بأمر علي(ع) ، وهذه المنازل من مكنون العلم فاحفظها !

                    … أما نواب الإمام العامّون (مراجع التقليد) فليس لديهم ولاية مطلقة ، غير أنه من الممكن أن يجري على أيديهم بواسطة الإمام كرامة أو عمل خارق للعادة وذلك من أجل إثبات النيابة وتصحيح انتسابهم للإمام ، وتبقى المرتبة الأعلى والأعظم هي الولاية الكلية المطلقة التامة الحقيقية على مسرح الكائنات منحصرة في كل زمان بفرد واحد هو واسطة الفيض الذي له ولاية وسلطنة –نيابة عن الله – على جميع ما سواه ، ولا يشاركه أحد في هذه المرتبة ، وهو الإمام وحجة الله على الخلق أجمعين .

                    (الجواهر –126)

                    v منصب الزعامة على الأمور التكوينية لا يمكن رؤيته عند أولياء الله ، إلاّ إذا هم أرادوا ذلك، كما لو أعادوا الشمس بعد مغيبها بإشارة واحدة ، أو أمروا السماء بأن تمطر ، أو التجاء الغزال إلى الإمام الرضا خوفاً من الصيّاد ، وهذا يعني أن الشمس والغيوم تتحرك دائماً على سبيل الامتثال لإرادة الولي والحجة في كل زمان ، وأن جميع الحيوانات تعرض حاجاتها على أولياء الله ولا تتحرك إلاّ تبعاً لأوامرهم .

                    v في بعض الأحايين يستخدم أولياء الله إرادتهم الولائية للحيلولة دون تأثير السمّ أو السيف في أبدانهم ، كما روى ذلك العلامة المجلسي في المجلد التاسع من البحار بشأن أمير المؤمنين (ع) في قصة الطبيب اليوناني الذي طلب منه المعجزة فتناول (ع) السمّ دون أن يؤثر في بدنه ..ومثل ذلك ما يروى من أن المأمون أمر ثلاثين شخصاً من جلاّدي قصره بأن يقطّعوا أوصال الإمام الرضا (ع) بالسيوف وقد فعلوا ذلك دون أن يلحق الإمام أي ضرر!

                    v ثمة أفراد يتمرّدون على الأوامر الإلهية ويخالفون الأئمة ، ومع ذلك فإن أمورهم التكوينية تبقى تحت هيمنة أمراء الحق (الأئمة ) سواء على مستوى الجهاز التنفسي أو الجهاز الهضمي أو الدورة الدموية . وفي هذا يقول القرآن :

                    (لله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً ).[2]

                    ويقول أمير المؤمنين في حديث النورانية :

                    (( ويطيعنا كل شيء حتى السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم ولجبال والبحار والشجر والدواب والجنة والنار)).

                    (الجواهر-159)

                    v روى صاحب كتاب (بصائر الدرجات ) عن الإمام الخامس محمد الباقر (ع) أنه قال أن كل شيء فيه روح فهو يطيعنا ويسمع لنا أكثر من بني آدم .

                    وعندما استعرض المتوكل جيوشه قبال الإمام الهادي (ع) بقصد إرعابه وتخويفه ، ما كان من الإمام إلاّ أن أمر جيوش الغيب والملائكة فظهرت للمتوكل حتى غشي عليه.

                    ويروى أن هارون بعث بجارية إلى الإمام موسى الكاظم (ع) لتخدمه وهو في السجن !، فأشار الإمام بيده فظهر أمامها عدد ضخم من الجواري والغلمان يؤدون الطاعة للإمام ، فغشي على الجارية أيضاً .

                    v وذات يوم كان الإمام الصادق مع بعض أصحابه في البيداء وأصابهم عطش شديد فوضع الإمام (ع) رأس عصاه المباركة في حلقه فجرى الماء!

                    v نظير ذلك قصة الإمام الرضا مع المأمون إذ لجأ (ع) إلى استخدام ولايته التكوينية ضد سعيد بن مهران الذي أراد أن يسخر من الإمام في مجلس المأمون فأشار (ع) إلى صورة أسد في سجادة معلقة على الجدار فتحولت الصورة إلى أسد حقيقي هجم على سعيد وابتلعه !

                    عندها تدخل المأمون لدى الإمام الرضا طالباً منه أن يأمر الأسد باسترجاع الفريسة ! فقال الإمام لو أن عصا موسى النبيّ أرجعت أفاعي السحرة لكان ثمة أمل بأن يعود ابن مهران ، أي أن المسألة مسألة معجزة إلهية .

                    ( لاحظ عزيزي القارئ أن هذا الأسد يهجم على (سعيد) المسكين ويترك الرجل الذي بجنبه (المأمون) مع أنه غاصب للولاية !)

                    v وفي رواية أخرى أن أمير المؤمنين قال لعمار بن ياسر أن يأخذ حفنة من التراب بأمر منه ويذكر عليها اسم الأمير فتتبدل إلى ذهب !

                    v وحينما طلب علي الأكبر من أبيه وهو في المسجد أن يأتي له بشيء من العنب مدّ الإمام الحسين يده إلى أحد أعمدة المسجد وأخرج منه عنقود عنب !

                    v ذات يوم وفد المعلّى بن خنيس على الإمام الصادق في المدينة ، فمسح الإمام بيده على عيني المعلّى فرأى أنه ذهب إلى الكوفة ودخل منزله والتقى بزوجته وأبنائه وتحدّث إليهم ، ثم مسح الإمام بيده مرة أُخرى على عيني المعلّى فوجد نفسه بجنب الإمام في المدينة!

                    v (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً)[3].

                    المقصود هو ولاية محمد وآل محمد تكويناً وتشريعاً ، وقد روى المفضّل بن عمر، عن الصادق (ع) أن الله خلق الأرواح قبل خلق الأجساد بألفي عام … ومن ثم عرض ولاية أهل البيت على السموات والأرض ، وقال من الذي يدعي القدرة على حمل هذه الأمانة فتخلّى عن حملها السموات والأرض وتخوّفوا من حمل هذه الأمانة الثقيلة وكان آدم وحواء في الجنة… فوقع نظرهم فجأة على مقام المعصومين الأربعة عشر فسألوا : لمن هذا المقام ؟

                    فجاءهم الجواب من الجليل بأن هذا المقام لمحمد وفاطمة والحسنين والأئمة إلى المهدي (عج)ولولا هؤلاء لما خلقتكم … وحذار أن تنظرا إليهم بعين الحسد وتتمنّيا المقام الذي أعطاه الله إليهم . لكن الشيطان وسوس لهما فتمنّيا مقام الولاية المطلقة الكلية … وعندما أرادا التوبة أمرهما الله سبحانه بأن يتوسلا إليه بتلك الأنوار المقدسة ففعلا وتاب عليهما.

                    وفي مضمون كثير من الروايات أن ولاية أهل البيت عرضت على المياه ، فكل ماء رضي بهذه الولاية صار عذباً سائغاً شرابه وكل ماء أبى قبول الولاية صار ملحاً أجاجاً ، وقد عرضت الولاية أيضاً على الثمار ، فكل ثمر قبل الولاية صار حلواً طيباً وكل ثمر رفض الولاية صار مرّاً ، وكل نبات لم يقبلها كان كريه الشكل والرائحة والطعم . وأخيراً فإن كل حجر قبل الولاية صار حجراً جيداً كالعقيق والفيروز والحجر الأسود .






                    [1] يقول أحد العلماء الواعين ومن الوجوه البارزة في دائرة التشيّع العلوي : ذات مرة ذهبت إلى مشهد لإجراء تحقيق حول ما يباع في المكتبات والأكشاك المحيطة بالمرقد الرضوي الشريف فلم أجد سوى المسبحات والترب بمئات الأشكال والموديلات مضافاً إلى رقيّة أبي جهل ،( نوع من الأعشاب ينبت على القبة الطاهرة )، والستائر التي يغطّي بها الضريح فإذا بليت قامت إدارة الحرم بتقطيعها إلى أوصال صغيرة وبيعها على الزوار ، وغير ذلك من الأشياء المقدسة في المذهب الصفوي وهي كثيرة ، ولكني لم أعثر على أي كتاب أو ملزمة تتضمن إشارة إلى فكر الشخص المدفون ها هنا ودوره في عصره ، وتفاصيل سيرته الاجتماعية وما شابه ذلك ، والسبب واضح ؛ إن الشيعي الصفوي عليه أن يمدح فقط لا أن يعرف !




                    [2] الرعد:17.


                    [3] الأحزاب:73.

                    السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

                    Comment

                    • اختياره هو
                      مشرف
                      • 23-06-2009
                      • 5310

                      #11
                      رد: مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "للدكتور علي شريعتي

                      أفضلية الأئمة على أنبياء أولي العزم :

                      v في كتاب الإرشاد للديلمي : أنّ الإمام الرضا قال لسماعة ضمن حديث : (( إذا كان يوم القيامة لم يبق ملك مقرب ولا نبيّ مرسل ولا مؤمن ممتحن إلاّ وهو يحتاج إليهما (محمد وعليّ) في ذلك اليوم ))[1].

                      وكثيراً ما لجأ الأنبياء إلى التوسل إلى الله بأهل البيت لتقضى لهم حوائج الدنيا والآخرة ، كما ورد بشأن توبة آدم ونجاة نوح من الغرق وإبراهيم من النار وموسى من فرعون ويوسف من السجن ويعقوب من فراق يوسف و زكريا في طلب الولد ويونس في الخروج من قعر البحر حيث تمسّك هؤلاء بشفاعة أهل البيت (ع) . وربما استشفع هؤلاء الأنبياء بأولي العزم فلم يستجب الله لهم دعاءهم !

                      وتتصاعد لغة الاستهانة بالأنبياء إلى أن يذكر مؤلف كتاب (جواهر الولاية ) هذه الرواية وفيها أنّ النبي يوسف(ع) شعر بأن ذنوبه لا تؤهله لمواجهة ربه بالدعاء فلجأ إلى الدعاء بهذه الطريقة : عليّ أن كان أبوك آدم خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي وأسكنته جنتي وأمرت أن لا يقرب شجرة منها فعصاني وسألني فتبت عليه وان كان أبوك نوح انتجبته من بين خلقي وجعلته رسولاً إليهم فلما عصوا دعاني استجبت له وأغرقتهم وأنجيته ومن معه في الفلك وان كان أبوك إبراهيم اتخذته خليلاً وأنجيته من النار وجعلتها عليه برداً وسلاماً وان كان أبوك يعقوب وهبت له اثني عشر ولداً فغيّبت عنه واحداً فما زال يبكي حتى ذهب بصره وقعد على الطريق يشكوني فأي حق لآبائك عليّ؟!



                      توضيح:

                      المقصود الأصليمن الخلق في هذا النص هو الأنوار القدسية للمعصومين الأربعة عشر والتي انفصلت عن الأنوار الإلهية ! قبل خلق السموات والأرض من أجل أن تكون وسيلة لتوسّل جميع الموجودات من الأنبياء وغيرهم بالله سبحانه …



                      تفسير قرآني:

                      معنى قوله تعالى يوم يقول الكافر يا ليتني كنت تراباً )[2].

                      هو أن الكافر يرى يوم القيامة الثواب والكرامة التي يحظى بها شيعة عليّ فيتمنى لو كان تراباً وذلك لأن كنية عليّ هي أبو تراب ! وهو الذي بيده ثبات الأرض وسكونها .

                      (الجواهر-266)

                      (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً)[3].

                      المقصود من الوالدين في الآية الكريمة هما محمد (ص)وعلي (ع) ، يقول العلامة المجلسي في هذا الصدد : إن المراد أن محمداً وعلياً هما الأبوان الروحيان للبشر .

                      غير أن العلامة السيد محمد علي الكاظميني البر وجردي صاحب كتاب( منشورات النور من درسنا في دار الشفاء مسجد ميدان خراسان ) يذهب أبعد من ذلك ويقول : بل يمكن القول أن محمد وآل محمد هم آباء روحانيون وجسما نيون للبشر… وهم الوالد الحقيقي للبشر ).



                      خلق الأئمة

                      كتب الإمام الغائب جواباً على رسالة بعث بها جماعة جاء فيها : ونحن صنائع ربنا والخلق بعد صنائعنا .

                      - وهذه العبارة تثبت الولاية الكلية مضافاً إلى كلام النبي في بحث (أنا وعليّ أبوا هذه الأمة)، و لأن كلمة(خلق) أعم من البشر والجماد والأرض والسماء … فينتج أن المراد بالحديث أننا من صنع الله وبقية الموجودات من صنعنا نحن !

                      (الجواهر –241 )

                      v وقال علي في حديث طويل : كنت أنا ومحمد نوراً واحداً من نور الله عزّ وجلّ ، فأمر الله تبارك وتعالى ذلك النور أن يشق فقال للنصف : كن محمداً وقال للنصف كن علياً … وصار محمد الناطق وصرت أنا الصامت،… ثمّ ضرب (ع) بيده على أُخرى وقال : صار محمد صاحب الجمع وصرت أنا صاحب النشر ، وصار محمد صاحب الجنة وصرت أنا صاحب النار ، أقول لها : خذي هذا وذري هذا … وأنا صاحب اللوح المحفوظ ألهمني الله عز وجل علم ما فيه … وصار محمد خاتم النبيين وصرت أنا خاتم الوصيّين …إلى أن قال : أنا الذي حملت نوحاً في السفينة بأمر ربي ،وأنا الذي أخرجت يونس من بطن الحوت بإذن ربي ، وأنا الذي جاوزت بموسى بن عمران البحر بأمر ربي، وأنا الذي أخرجت إبراهيم من النار بإذن ربي… قال (ع): أنا أحيي وأميت بإذن ربي ، وأنبئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم بإذن ربي ، وأنا عالم بضمائر قلوبكم والأئمة من أولادي (ع) يعلمون ويفعلون هذا إذا أحبوا وأرادوا لأنا كلنا واحد ، أوّلنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد وكلنا محمد …[4] إلى آخر الحديث الذي نقله المؤلف بصورة مشوشة فيها تقديم وتأخير .

                      النتيجة النهائية

                      من المشهور عن أحد العلماء الكبار وهو المقدس الأردبيلي (ره ) أن أحدهم رآه في المنام بحلة بهية في المرقد الطاهر لأمير المؤمنين عليّ (ع) ، فسأله عن أوضاع ذلك العالم ، فأجابه بالقول إن أعمال وعبادات هذه النشأة (الدنيا ) لا تنفع صاحبها كثيراً وأنه لم ينتفع إلاّ بمحبّة صاحب هذا القبر ، وأشار إلى ضريح أمير المؤمنين (ع).

                      (الجواهر-184 )


                      [1] الكافي ،ج2،ص562.


                      [2] النبأ:42.


                      [3] النساء: 41


                      [4] بحار الأنوار ، ج26 ، ص 5.
                      السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

                      Comment

                      • اختياره هو
                        مشرف
                        • 23-06-2009
                        • 5310

                        #12
                        رد: مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "للدكتور علي شريعتي

                        2- الإمام في الأرض مع الخليفة !



                        وإزاء ما نقلناه لكم عن غلو الصفوية في الأئمة ، ووضعهم في مرتبة الربوبية ، أضع أمامكم صورة مناقضة تماماً ، حيث الإمام أجير و ذليل للحاكم :





                        الإمام زين العابدين مع عبد الملك:

                        طلب الحجاج من الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أن يقتل الإمام زين العابدين ، فأجابه

                        عبد الملك بكتاب أعلن فيه رفضه للاقتراح ، فكتب الإمام زين العابدين إثر ذلك رسالة إلى عبد الملك مطلعها :

                        إلى عبد الملك بن مروان ؛ أمير المؤمنين !

                        من علي بن الحسين : أما بعد !

                        وجاء في الرسالة أنّ رسول الله أخبر الإمام بما فعله عبد الملك وأن اللّه قد شكر ذلك لعبد الملك ومدّ في سلطانه!

                        فما كان من عبد الملك إلاّ أن حمّل البعير الذي جاء بحامل رسالة الإمام بالدنانير![1]

                        v الإمام الرضا و المأمون :

                        بعد انتشار خبر مقتل الفضل بن سهل في الحمام دخل المأمون من الباب الذي كان إلى داره من دار أبي الحسن (الإمام الرضا) وهو يقول : يا سيّدي يا أبا الحسن آجرك الله في الفضل فإنه قد أبى وكان دخل الحمام فدخل عليه قوم بالسيوف فقتلوه ، وقد أخذ ممّن دخل عليه ثلاثة نفر كان أحدهم ابن خاله الفضل بن ذي القلمين ، قال (الراوي) فاجتمع الجند والقواد ومن كان من رجال الفضل على باب المأمون وقالوا هذا اغتاله وقتله –يعنون المأمون – ولنطلبنّ بدمه وجاءوا بالنيران ليحرقوا الباب ، فقال المأمون لأبي الحسن (ع) : يا سيدي ترى أن تخرج إليه وتفرقهم ، فركب أبو الحسن فلما خرجنا من الدار نظر إلى الناس وقد تزاحموا على بعض وأشار إلى أحد إلاّ ركض ومرّ[2].

                        ويقال أن المأمون جاء إلى الإمام بعد مقتل الفضل بن سهل وهو يبكي طالباً من الإمام أن يعينه على تجاوز (المحنة )!

                        فقال له الإمام : منك التدبير ومنا الدعاء ![3]

                        إن أي قارئ يقرأ هذه النصوص في كتاب البحار للعلامة المجلسي والذي يعد بمثابة الموسوعة الحديثة الكبرى للشيعة يتوصل إلى نتيجة مفادها أن أهل خراسان كانوا في حالة هيجان وسخط ضد حكومة الجور للمأمون ومن قبله أبوه هارون ، ولا شك في أن حالة الرفض هذه هي السبب الرئيسي في إصرار المأمون على تعيين الإمام الرضا (ع) في منصب ولي العهد ، كما أن هناك علاقة واضحة بين قتل الإمام وقتل وزير المأمون الفضل بن سهل الذي كان له دور مؤثر في تعيين الإمام الرضا وليّاً للعهد وكان يتعاطف مع الإمام ويميل إليه وهذا هو السبب في إقدام المأمون على قتله في الحمام مما أثار سخط الناس وغضبهم فحاصروا دار الخلافة متهمين المأمون بأنه المدبر لعملية اغتيال الفضل بن سهل ، وفى أوضاع كهذه يتدخل الإمام مستغلا ً مكانته الروحية و الاجتماعية بين الناس لتهدئة الموقف لصالح الخليفة وعلى حساب إنسان قتل بسبب الولاء للإمام !

                        هذا هو الاستنتاج المنطقي من القصة أعلاه ن ولا شك أن كل من يثق بالعلامة المجلسي و يعتمد عليه سيكون مضطراً إلى سلب اعتماده و ثقته بالإمام (ع)!

                        أما إذا بقي إيمانه بالإمام ثابتاً لا يتزعزع فلن يجد محيصاً من إدانة المجلسي وجميع من أسهم في اختلاق أو نقل أمثال هذه القصص المشينة والتي من شأنها إظهار الإمام بمظهر المدافع عن الجور والمؤيد لأهل الزور لكي يفضي نوعاً من الشرعية على هذا النمط من السلوك ولا يشعر الشيعي الصفوي بالعار أو بتأنيب الضمير عندما يعمل مرتزقاً في أجهزة السلطة الصفوية الجائرة! إذ ما هو الضير في أن يعمل مع هذه الأجهزة إذا كان الإمام عمل مع أجهزة ظالمة مثلها ناهيك عن كونها (سنيّة)وهذه (شيعيّة)!

                        والواقع أن الروحانية الصفوية تبنّت هذه النتيجة رسمياً وقامت بفرضها وإملائها على الناس ، ففي ذيل هذه القصة وتحت عنوان (رجعٌ فيه نجع) علّق المرجوم آية الله الشيخ علي أكبر النهاوندي وهو من الوجوه اللامعة للروحانية الصفوية في عصرنا الحاضر وله مؤلفات تعدّ من أبرز نماذج ومصاديق التراث العلمي الديني الصفوي [4]. قال الشيخ (ره):

                        (( ومع اجتماع هذه الأسباب والعوامل الظاهرية للإمام (الرضا ) بقلب الأمور وعكس القضية لصالحه فإن وقوف الإمام مكتوف اليدين ورضاه بالقضاء الإلهي المقدّر ربما يكون هو السرّ والسبب في تلقيبه (ع) بلقب (الرضا) حيث كان سلوكه موجباً لرضا النبي وأئمة الهدى وأنصاره ومخالفيه ، فافهم واغتنم !)).

                        ( تأمل قليلاً في هاتين الدعوتين اللتين ذيّل بهما التعليق الفريد ، فافهم واغتنم!)

                        شكراً جزيلاً ! لقد أجدتم وأحسنتم في تبيين حقيقة منهج أهل البيت من خلال هذه الكتب التي تطبع على نفقة (سهم الإمام ) من أموال الناس ، ماذا تصنع الروحانية الصفوية مع الإمام ومع الناس ؟! إنها تجعل الناس تبعاً للإمام والإمام تبعاً للمأمون !

                        إن الأموال المرصودة لإجراء هذا المشروع الضخم كانت تدفع من قبل الصفوية في البداية أما الآن فيدفعها الناس من سهم الإمام !




                        [1] البحار ،ج11 ، ص7 ، 14 .


                        [2] الكافي ، ج1 ، ص 491




                        1 السبع المثاني في نكت أخبار مناقب الحسن الأول إلى الحسن الثاني ، آية الله النهاوندي .




                        2 من قبيل ( الجواهر الرزينة ) و ( العسل المصفى في نكت أخبار المصطفى ) و ( اليد البيضاء في نكت أخبار مناقب الزهراء ) و ( والكوكب الدرى في نكت اخبار مناقب العلي ) و 0 السبع المثانى في نكت أخبار الحسن الأول إلى الحسن الثانى ) .
                        السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

                        Comment

                        • اختياره هو
                          مشرف
                          • 23-06-2009
                          • 5310

                          #13
                          رد: مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "للدكتور علي شريعتي

                          الإمام موسى بن جعفر مع الرشيد :

                          عن الإمام موسى بن جعفر قال :

                          لما أمر هارون الرشيد بحملي ، دخلت عليه فسلّمت فلم يرد السلام ورأيته مغضباً ، فرمى إليّ بطومار فقال : اقرأه ، فإذا فيه كلام ، قد علم الله عزّ وجلّ براءتي منه ، وفيه إن موسى بن جعفر يجبى إليه خراج الآفاق من غلاة الشيعة ممّن يقول بإمامته ، يدينون الله بذلك ويزعمون أنه فرض عليهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، ويزعمون أنه من لم يذهب إليه بالعشر ولم يصلّ بإمامتهم ، ولم يحجّ بإذنهم ،ويجاهد بأمرهم ، ويحمل الغنيمة إليهم ، ويفضل الأئمة على جميع الخلق ، ويفرض طاعتهم مثل طاعة الله وطاعة رسوله ، فهو كافر حلال ماله ، ودمه …

                          والكتاب طويل وأنا قائم أقرأ وهو ساكت ، فرفع رأسه وقال : اكتفيت بما قرأت فكلّم بحجّتك بما قرأته .

                          قلت يا أمير المؤمنين والذي بعث محمداً 0ص) بالنبوة ما حمل إليّ أحد درهماً ولا ديناراً من طريق الخراج لكنّا معاشر آل أبي طالب نقبل الهدية التي أحلها الله عزّ وجلّ لنبيه (ص) في قوله :لو أهدي إلي كراع لقبلت ، ولو دعيت إلى ذراع لأجبت )، وقد علم أمير المؤمنين ضيق ما نحن فيه ، وكثرة عدونا ، وما منعنا السلف من الخمس الذي نطق لنا به الكتاب فضاق بنا الأمر ، وحرمت علينا الصدقة وعوضنا الله عزّ وجلّ عنها الخمس واضطررنا إلى قبول الهدية ، وكلّ ذلك ممّا علمه أمير المؤمنين ، فلما تم كلامي سكت .

                          ثم قلت : إن رأي أمير المؤمنين أن يأذن لابن عمّه في حديث عن آبائه ، عن النبي (ص) فكأنه اغتنمها ، فقال : مأذون لك ، هاته ! فقلت : حدثني أبي ،عن جدي يرفعه إلى النبي (ص) : ( أن الرحم إذا مست رحماً تحركت و اضطربت ) فإن رأيت تناولني يدك ، فأشار بيده إليّ.

                          ثم قال : ادن ، فدنوت فصافحني وجذبني إلى نفسه مليًّا ثم فارقني وقد دمعت عيناه ، فقال لي : اجلس يا موسى ، فليس عليك بأس ، صدقت وصدق جدّك وصدق النبي (ص) لقد تحرك دمي، واضطربت عروقي وأعلم أنك لحمي ودمي وأن الذي حدثتني به صحيح .

                          وبعد طرح مجموعة أسئلة على الإمام قال هارون للإمام :

                          أحسنت هو كلام موجز جامع ، فارفع حوائجك يا موسى ! فقال : يا أمير المؤمنين أوّل حاجتي إليك أن تأذن لي في الانصراف إلى أهلي ، فإنّي تركتهم باكين آيسين من أن يروني فقال: مأذون لك ، ازدد ؟ فقلت : يبقي الله أمير المؤمنين لنا معاشر بني عمّه فقال : ازدد ؟ فقلت علي عيال كثير ، وأعيننا بعد الله ممدودة إلى فضل أمير المؤمنين وعادته ، فأمر لي بمائة ألف درهم ، وكسوة…



                          عن المأمون قال :

                          لقد حججت معه (هارون) سنة ، فلمّا صار إلى المدينة تقدم إلى حجابه وقال : لا يدخلنّ علي رجل من أهل المدينة ومكة من أبناء المهاجرين والأنصار وبني هاشم وسائر بطون قريش إلاّ نسب نفسه ، فكان الرجل إذا دخل عليه قال : أنا فلان بن فلان حتى ينتهي إلى جدّه من هاشمي أو قرشي أو مهاجري أو أنصاري ، فيصله من المائة بخمسة آلاف درهم وما دونها إلى مائتي دينار ، على قدر شرفه ، وهجرة آبائه .

                          فأنا ذات يوم واقف إذ دخل الفضل بن الربيع فقال: يا أمير المؤمنين على الباب رجل زعم أنه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فأقبل علينا ونحن قيام على رأسه ، والأمين والمؤتمن وسائر القواد فقال: احفظوا على أنفسكم ، ثم قال لآذنه ائذن له ، ولا ينزل إلاّ على بساطي ، فأنا كذلك إذ دخل شيخ مسخّد قد انهكته العبادة ، كأنه شن بال ، قد كلّم السجود وجهه وأنفه ، فلما رأى الرشيد رمى بنفسه عن حمار كان راكبه فصاح الرشيد : لا والله إلاّ على بساطي فمنعه الحجاب من الترجل ونظرنا إليه بأجمعنا بالإجلال والإعظام ، فما زال يسير على حماره حتى سار إلى البساط ، والحجاب والقواد محدقون به ، فنزل فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط وقبّل وجهه ، وعينيه ، وأخذ بيده حتى صيّره في صدر المجلس ، وأجلسه معه فيه ، وجعل يحدّثه ويقبل بوجهه عليه ، ويسأله عن أحواله .

                          ثم قال يا أبا الحسن ما عليك من العيال ؟ فقال : يزيدون عن الخمسمائة ، قال : أولاد كلّهم ؟ قال : لا ، أكثرهم موالي وحشم ، فأما الولد فلي كذا وكذا …

                          فلمّا أراد (هارون)الرحيل من المدينة إلى مكة أمر بصرّة سوداء ، فيها مائتا دينار ثم أقبل على الفضل بن الربيع فقال له : اذهب بهذه إلى موسى بن جعفر وقل له : يقول لك أمير المؤمنين : نحن في ضيقة وسيأتيك برّنا بعد هذا الوقت .

                          فقال المأمون : فقمت في صدره فقلت يا أمير المؤمنين تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر بطون قريش ، وبني هاشم ، ومن لا يعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار إلى مادونها وتعطي موسى بن جعفر وقد أعظمته وأجللته مائتي دينار ؟! أخس عطية أعطيتها أحداً من الناس ؟فقال اسكت لا أُم لك ، فإني لو أعطيت هذا ما ضمنته له ، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه ، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم![1]



                          الإمام زين العابدين عبد ليزيد

                          عن الباقر (ع) إن يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج ، فبعث إلى رجل من قريش فأتاه ، فقال له يزيد : أتقرّ لي أنك عبد لي إن شئت بعتك وإن شئت استرققتك !فقال له الرجل ، والله يا يزيد ما أنت بأكرم مني في قريش حسباً ، ولا كان أبوك أفضل من أبي في الجاهلية والإسلام ، وما أنت بأفضل مني في الدين ولا بخير مني ، فكيف أقرّ لك بما سألت !؟

                          فقال له يزيد : إن لم تقرّ لي والله قتلتك ، فقال له الرجل : ليس قتلك إياي بأعظم من قتلك الحسين بن عليّ ابن رسول الله (ص) ، فأمر به فقتل ! ثم أرسل إلى علي بن الحسين فقال له مثل مقالته للقرشي ، فقال له علي بن الحسين (ع) : أرأيت إن لم أقرّ لك أليس تقتلني كما قتلت الرجل بالأمس ؟ فقال له يزيد : بلى ، فقال له علي بن الحسين : قد أقررت لك بما سألت ، أنا عبد مكره فإن شئت فأمسك ، وإن شئت فبع![2]

                          الغريب هنا أن العلامة المجلسي لم يكتف هنا بنقل هذه الملفات القذرة التي صنعتها أياد مأجورة لبني أمية ، بل راح يذبّ عن هذا الخبر وعن الإشكالات التي يمكن أن تورد عليه، وأشار إلى أشكال يورده المؤرخون على هذا الخبر مقتضاه أن يزيد لم يذهب للحج بل لم يخرج من حدود الشام طوال مدة خلافته.

                          وهذا صحيح ، خاصة أن يزيد لم يكن يتاح له الذهاب إلى مكة بسبب سيطرة عبد الله بن الزبير عليها ، وكان عبد الله قد قصد مكة كما فعل الإمام الحسين رفضاً للبيعة ليزيد غير أن الإمام الحسين ترك مكة قاصداً الكوفة بينما بقي عبد الله مرابطاً في مكة متخذاً إياها مركزاً لقوته ، وقد استلم الزعامة فيها من بعده أخوه مصعب ، فكيف ومتى تمكن يزيد من الذهاب للحج ؟!


                          [1] البحار ، ج11 ، ص270.


                          [2] البحار ، ج 42 ، ص 138.

                          السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

                          Comment

                          • اختياره هو
                            مشرف
                            • 23-06-2009
                            • 5310

                            #14
                            رد: مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "للدكتور علي شريعتي

                            الإمام موسى بن جعفر مع الرشيد :

                            عن الإمام موسى بن جعفر قال :

                            لما أمر هارون الرشيد بحملي ، دخلت عليه فسلّمت فلم يرد السلام ورأيته مغضباً ، فرمى إليّ بطومار فقال : اقرأه ، فإذا فيه كلام ، قد علم الله عزّ وجلّ براءتي منه ، وفيه إن موسى بن جعفر يجبى إليه خراج الآفاق من غلاة الشيعة ممّن يقول بإمامته ، يدينون الله بذلك ويزعمون أنه فرض عليهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، ويزعمون أنه من لم يذهب إليه بالعشر ولم يصلّ بإمامتهم ، ولم يحجّ بإذنهم ،ويجاهد بأمرهم ، ويحمل الغنيمة إليهم ، ويفضل الأئمة على جميع الخلق ، ويفرض طاعتهم مثل طاعة الله وطاعة رسوله ، فهو كافر حلال ماله ، ودمه …

                            والكتاب طويل وأنا قائم أقرأ وهو ساكت ، فرفع رأسه وقال : اكتفيت بما قرأت فكلّم بحجّتك بما قرأته .

                            قلت يا أمير المؤمنين والذي بعث محمداً 0ص) بالنبوة ما حمل إليّ أحد درهماً ولا ديناراً من طريق الخراج لكنّا معاشر آل أبي طالب نقبل الهدية التي أحلها الله عزّ وجلّ لنبيه (ص) في قوله :لو أهدي إلي كراع لقبلت ، ولو دعيت إلى ذراع لأجبت )، وقد علم أمير المؤمنين ضيق ما نحن فيه ، وكثرة عدونا ، وما منعنا السلف من الخمس الذي نطق لنا به الكتاب فضاق بنا الأمر ، وحرمت علينا الصدقة وعوضنا الله عزّ وجلّ عنها الخمس واضطررنا إلى قبول الهدية ، وكلّ ذلك ممّا علمه أمير المؤمنين ، فلما تم كلامي سكت .

                            ثم قلت : إن رأي أمير المؤمنين أن يأذن لابن عمّه في حديث عن آبائه ، عن النبي (ص) فكأنه اغتنمها ، فقال : مأذون لك ، هاته ! فقلت : حدثني أبي ،عن جدي يرفعه إلى النبي (ص) : ( أن الرحم إذا مست رحماً تحركت و اضطربت ) فإن رأيت تناولني يدك ، فأشار بيده إليّ.

                            ثم قال : ادن ، فدنوت فصافحني وجذبني إلى نفسه مليًّا ثم فارقني وقد دمعت عيناه ، فقال لي : اجلس يا موسى ، فليس عليك بأس ، صدقت وصدق جدّك وصدق النبي (ص) لقد تحرك دمي، واضطربت عروقي وأعلم أنك لحمي ودمي وأن الذي حدثتني به صحيح .

                            وبعد طرح مجموعة أسئلة على الإمام قال هارون للإمام :

                            أحسنت هو كلام موجز جامع ، فارفع حوائجك يا موسى ! فقال : يا أمير المؤمنين أوّل حاجتي إليك أن تأذن لي في الانصراف إلى أهلي ، فإنّي تركتهم باكين آيسين من أن يروني فقال: مأذون لك ، ازدد ؟ فقلت : يبقي الله أمير المؤمنين لنا معاشر بني عمّه فقال : ازدد ؟ فقلت علي عيال كثير ، وأعيننا بعد الله ممدودة إلى فضل أمير المؤمنين وعادته ، فأمر لي بمائة ألف درهم ، وكسوة…



                            عن المأمون قال :

                            لقد حججت معه (هارون) سنة ، فلمّا صار إلى المدينة تقدم إلى حجابه وقال : لا يدخلنّ علي رجل من أهل المدينة ومكة من أبناء المهاجرين والأنصار وبني هاشم وسائر بطون قريش إلاّ نسب نفسه ، فكان الرجل إذا دخل عليه قال : أنا فلان بن فلان حتى ينتهي إلى جدّه من هاشمي أو قرشي أو مهاجري أو أنصاري ، فيصله من المائة بخمسة آلاف درهم وما دونها إلى مائتي دينار ، على قدر شرفه ، وهجرة آبائه .

                            فأنا ذات يوم واقف إذ دخل الفضل بن الربيع فقال: يا أمير المؤمنين على الباب رجل زعم أنه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فأقبل علينا ونحن قيام على رأسه ، والأمين والمؤتمن وسائر القواد فقال: احفظوا على أنفسكم ، ثم قال لآذنه ائذن له ، ولا ينزل إلاّ على بساطي ، فأنا كذلك إذ دخل شيخ مسخّد قد انهكته العبادة ، كأنه شن بال ، قد كلّم السجود وجهه وأنفه ، فلما رأى الرشيد رمى بنفسه عن حمار كان راكبه فصاح الرشيد : لا والله إلاّ على بساطي فمنعه الحجاب من الترجل ونظرنا إليه بأجمعنا بالإجلال والإعظام ، فما زال يسير على حماره حتى سار إلى البساط ، والحجاب والقواد محدقون به ، فنزل فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط وقبّل وجهه ، وعينيه ، وأخذ بيده حتى صيّره في صدر المجلس ، وأجلسه معه فيه ، وجعل يحدّثه ويقبل بوجهه عليه ، ويسأله عن أحواله .

                            ثم قال يا أبا الحسن ما عليك من العيال ؟ فقال : يزيدون عن الخمسمائة ، قال : أولاد كلّهم ؟ قال : لا ، أكثرهم موالي وحشم ، فأما الولد فلي كذا وكذا …

                            فلمّا أراد (هارون)الرحيل من المدينة إلى مكة أمر بصرّة سوداء ، فيها مائتا دينار ثم أقبل على الفضل بن الربيع فقال له : اذهب بهذه إلى موسى بن جعفر وقل له : يقول لك أمير المؤمنين : نحن في ضيقة وسيأتيك برّنا بعد هذا الوقت .

                            فقال المأمون : فقمت في صدره فقلت يا أمير المؤمنين تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر بطون قريش ، وبني هاشم ، ومن لا يعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار إلى مادونها وتعطي موسى بن جعفر وقد أعظمته وأجللته مائتي دينار ؟! أخس عطية أعطيتها أحداً من الناس ؟فقال اسكت لا أُم لك ، فإني لو أعطيت هذا ما ضمنته له ، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه ، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم![1]



                            الإمام زين العابدين عبد ليزيد

                            عن الباقر (ع) إن يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج ، فبعث إلى رجل من قريش فأتاه ، فقال له يزيد : أتقرّ لي أنك عبد لي إن شئت بعتك وإن شئت استرققتك !فقال له الرجل ، والله يا يزيد ما أنت بأكرم مني في قريش حسباً ، ولا كان أبوك أفضل من أبي في الجاهلية والإسلام ، وما أنت بأفضل مني في الدين ولا بخير مني ، فكيف أقرّ لك بما سألت !؟

                            فقال له يزيد : إن لم تقرّ لي والله قتلتك ، فقال له الرجل : ليس قتلك إياي بأعظم من قتلك الحسين بن عليّ ابن رسول الله (ص) ، فأمر به فقتل ! ثم أرسل إلى علي بن الحسين فقال له مثل مقالته للقرشي ، فقال له علي بن الحسين (ع) : أرأيت إن لم أقرّ لك أليس تقتلني كما قتلت الرجل بالأمس ؟ فقال له يزيد : بلى ، فقال له علي بن الحسين : قد أقررت لك بما سألت ، أنا عبد مكره فإن شئت فأمسك ، وإن شئت فبع![2]

                            الغريب هنا أن العلامة المجلسي لم يكتف هنا بنقل هذه الملفات القذرة التي صنعتها أياد مأجورة لبني أمية ، بل راح يذبّ عن هذا الخبر وعن الإشكالات التي يمكن أن تورد عليه، وأشار إلى أشكال يورده المؤرخون على هذا الخبر مقتضاه أن يزيد لم يذهب للحج بل لم يخرج من حدود الشام طوال مدة خلافته.

                            وهذا صحيح ، خاصة أن يزيد لم يكن يتاح له الذهاب إلى مكة بسبب سيطرة عبد الله بن الزبير عليها ، وكان عبد الله قد قصد مكة كما فعل الإمام الحسين رفضاً للبيعة ليزيد غير أن الإمام الحسين ترك مكة قاصداً الكوفة بينما بقي عبد الله مرابطاً في مكة متخذاً إياها مركزاً لقوته ، وقد استلم الزعامة فيها من بعده أخوه مصعب ، فكيف ومتى تمكن يزيد من الذهاب للحج ؟!


                            [1] البحار ، ج11 ، ص270.


                            [2] البحار ، ج 42 ، ص 138.

                            السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

                            Comment

                            • اختياره هو
                              مشرف
                              • 23-06-2009
                              • 5310

                              #15
                              رد: مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي "للدكتور علي شريعتي

                              غير أن العلامة المجلسي لم يقبل الاعتراف بحقيقة أن الخبر مختلق ، بل ذهب أكثر من ذلك إلى تضعيف رأي المؤرخين بالرواية بدعوى أن كلام المؤرخ لا يمكن الركون إليه ، وبذلك أبطل كل الأدلة العقلية والنقلية التي تضعّف الخبر مدّعياً أنه بذلك يندفع الإشكال عن الخبر ، وليته اكتفى بذلك ، ولم يتبرع بوجهة النظر العجيبة والاستنتاج الغريب الذي توصل إليه بخصوص الخبر المذكور ، هذا الاستنتاج الذي أثار حفيظتي إلى درجة كبيرة بحيث لم أستطع تلك الليلة الخلود إلى النوم حتى الصباح ، وبقيت أتقلّب في الفراش كمن لدغته أفعى وأصيح في نفسي : ليس بإمام ! ولا بولي ّ ، وليس ابناً للحسين وعلي وفاطمة ومحمد ، لكنه رجل عربي من قريش !

                              … وأنت يا من تدعي ذلك ، لا تكن عالماً ولا روحانياً ولا شيعياً ولا مسلماً ، لكنك إنسان! فكيف تتجرّأ على اتهام الإمام بهذه التهمة الوضعية ؟ وأنتم أيها العلماء الكبار ! وفضلاء حوزة الإمام الصادق ووعاظ شيعة أهل البيت ، أنتم يا حماة الدين والمذهب والولاية و العصمة لآل محمد ، أيها المروّجون لمناقب الأئمة وكرامتهم وفضائلهم ، يا من ورثتم حصيلة مئتين وخمسين عاماً من الجهاد المتواصل والشهادة من أجل الحرية والكرامة الإنسانية ( فترة ولاية الأئمة إلى حين الغيبة ) وألف عام من الكفاح المستمر للعلماء والكتاب والشعراء والمجاهدين في تاريخ الشيعة ( ما بعد الغيبة ) . وإذا كان جهاز الحكم للشاه سلطان حسين يشجع في الماضي هذا الطراز من الكتاب ويحوّلهم إلى ملالي رسميين ليكتبوا له الموسوعة الفقهية الشيعية على النحو الذي يرتضيه ويلبّي له طموحه ، فما هو المبرر لسكوتكم اليوم ؟! لماذا تتحملون هذه الإهانات الفظيعة للتشيع ؟ وأنتم أيها العلماء المفكرون الأحرار في الحوزة العلمية الشيعية لماذا تراعون حرمة تشيّع الشاه سلطان حسين ، مَنْ الأجدر بمراعاة الحرمة : كرامة الملالي الصفويين أم كرامة الأئمة ؟ وإلى متى تبقى المصالح الفئوية أهم من الحقائق الدينية ؟

                              لماذا تحاربونني أنا حينما اكتب و اثبت أن التشيّع هو إسلام الرعية والثاني هو إسلام الحكام ، وأن الضمير العالمي اليوم بحاجة ماسة إلى التشيّع بركنيه الأساسيين ( العدل والإمامة ) وأن قرننا الحالي يبحث عن عليّ وأن علي هو الصورة الأبهى لما ينبغي أن يكون الإنسان… وأن فاطمة أجلّ وأعلى بكثير من أن تكون مجرد ابنة خديجة والنبي محمد وزوجة علي وأم الحسنين وزينب وأن الإمام الرابع هو إمام غير جبار وإنما خاضع سجّاد متواضع يتحلّى بأحلى صور العبودية (زين العابدين ) وهو أول من حول الدعاء على أسلوب جهادى فاعل في عصر سادت فيه الانهزامية و العجز المطلق .

                              و انتم تقرأون كل ذلك ، ومع ذلك تشنون علي حملات شعواء لأننى لا أضع علامة (ع) أمام أسمائهم وذلك إهانة لهم !

                              و لا أدرى حقا هل هذه إهانة أم أن الأهانة تكمن في تسويق مثل تلك التهم والشائعات والأخبار المختلقة المسيئة إلى الأئمة والتي تخدم فقط توجهات أجهزة الدعاية الأموية والعباسية ، والخرافات المشينة والافتراءات التي يصنعها أعداء الإسلام الحاقدون عليه وعلى أهل البيت بالذات وعلى كل إنسان خيّر يدعو إلى إقامة العدل وسيادة الحرية و ترسيخ دعائم المنهج الشيعي الحق ، فلماذا تعلنون الحرب عليَّ وعلى أمثالي بينما تقدّسون هؤلاء وترفعونهم إلى مستوى الإمام الثالث عشر و المعصوم الخامس عشر !

                              دعونا من ذلك ! فربما ما زالت ثمة مصالح خاصة تقتضي أن يبقى التشيّع الصفوي هو الحاكم على ضمير الأمة وعقلها الجمعي ووجدانها بغية عزل المجتمع الشيعي عن (أتباع )محمد وعن (اتّباع) علي ، ولعلّ حرمة رؤوس الطائفة وحفظ مناصبهم أهم في نظر البعض من حرمة الإمام وصيانة الحقيقة الدينية ، ولكنني أعلن هنا باسم جميع المفكرين و الأحرار وأمام جميع المفكرين المؤمنين بالمناهج اللادينية بأن منهج عليّ قادر على جعلنا في غنىً عن أي أيديولوجية أخرى في مضمار العمل من أجل تحقيق العدالة والإمامة والتقدم على الأصعدة العلمية والاجتماعية والإنسانية وفي إرساء رؤية ثورية تحررية بمستوى الحياة المعاصرة وتحدّيات العصر الحالي و متطلبات الزمان .

                              وأؤكد أيضاً بأن شخصية الأئمة وسيرة حياتهم ومنهجهم في الفكر والسلوك هي مصداق عيني لمفاهيم سامية من قبيل الجهاد والشهادة و الحرية واحترام العلم ومداراة الناس ومقاومة الظلم والتمييز والجهل والخرافة والتخدير ، وأرفع صوتي بالاعتراض على المفكرين الأحرار من علماء التشّيع العلوي مطالباً إياهم بالاعتراض على الوضع القائم وعدم مراعاة المصالح ( الخاصة)، لماذا لم يبذلوا أي جهد يذكر خلال القرنين الماضين – حيث كانت لديهم الفرصة وعليهم المسؤولية – في إنقاذ المجتمع الشيعي من الوباء وتنقية الوجدان العام للأمة وصيانة كرامة الشيعة وحفظ ماء وجه التشيّع وتحطيم الأصنام التي أحاطت نفسها بهالة قدسية زائفة ، كان عليهم أن يفعلوا ذلك مهما كان الثمن أسوة بأناس عاديين نراهم اليوم يضحون بكل شيء من أجل المبادئ التي يؤمنون بها وهي مبادئ وضعية مادية يواجهون الموت من أجلها ، وليعلم هؤلاء العلماء أنهم الآن شاؤوا أم أبوا – بمثابة النافذة التي يتطلع منها المستشرقون وعلماء السنة وحتى المثقفون الشيعة إلى معرفة حقيقة المذهب الشيعي ، ولا شك أنهم والحالة هذه لن يروا سوى ما سطّرته أقلام علماء التشيع الصفوي في الكتب الشيعية المقدسة من قصص مشينة تسيء إلى التشيع ومن خطب وأشعار ملحمية في التملّق للسلاطين وأذنابهم ، فيقرأ هؤلاء المساكين أن إماماً من أئمة الشيعة له ولاية على جميع الكائنات وهو أفضل من كل الأنبياء وهو بالغ لمرتبة العصمة ومظهر لعلم النبوة ومع ذلك كلّه فهو يتذلل إلى جلاّده كي يخرجه من السجن ويجود عليه بالحرية وآخر يستغيث بأعدائه ويستعطفهم لكي يتصدقوا عليه بشيء من الماء ، والثالث يلتمس من الخليفة مساعدة مؤكداً له بأن عيون أهله وأولاده ترنو إلى كرم الخليفة وجوده ،والرابع إمام عليل يقرّ ليزيد بذلك حتى وإن كلّفه حياته !

                              وعلق العلامة المجلسي في كتابه (البحار ) على هذا الخبر بأن فيه إشكالاً و هو الخبر إشكالاً وهو أن المعروف في السير أن (يزيد) لم يأت المدينة بعد الخلافة ، بل لم يخرج من الشام حتى مات ؟

                              و الجواب أنه قد يكون اشتبه على بعض الرواة أو أن ذلك جرى مع من ارسله يزيد لأخذ البيعة وهو مسلم بن عقبة[1].

                              ثلاثة أشهر ونصف وأنا أتلوّع من حين قرأت هذا الخبر والتعليق عليه في البحار والذي كان وقعه عليّ مثل الصاعقة ، وكنت من يومها إلى الآن بين هاجسين ؛ الأول في كيفية نقلي هذا الخبر ولو في مقام الدفاع عن الإمام السجاد وكيف يتسنى لقلم ألّف كتاب (منهج السجاد )أن ينقل رواية تسيء للإمام السجاد بهذه الدرجة حتى لو كان النقل من أجل تبرئة ساحة الإمام من التهم والافتراءات الواردة في الرواية المذكورة وإثبات أن هذه الرواية وأمثالها إنما هي تهمة سياسية أموية حتى وإن وردت على شكل رواية في موسوعة معارف شيعية ( معتبرة)!

                              وهاجس آخر كنت أعيشه هو أنني إذا كنت عازماً على التعرض للعلاّمة المجلسي فيجب أن أستعدّ أولاً للبلاء وخوض معركة موت وحياة ، وتردّدت في البدء بين حرمة العلاّمة المجلسي وحرمة الإمام ، وفي النهاية اتخذت قراري بترجيح الثاني مهما كلّف الأمر ، ثم إنه ليس لديّ شيء أخشى أن أفقده ، فعلام التردد والسكوت ؟!

                              أخيراً ، ربما تسأل –عزيزي القارئ – عن سرّ هذا التضادّ في التعريف بالإمام ، لماذا يكون الإمام في السماء بمرتبة الإله ويتمتع بنفس الولاية الإلهية على الكائنات ؟ ولماذا هو في الأرض خادم ذليل للخليفة يخضع له في كل شيء ؟ لماذا يصرّ التشيّع الصفوي على رسم صورة مشوهة ومتدنية لا تليق بإنسان عادي ومن ثم ينسبها لأئمة الشيعة العظام المعصومين والذين تتجلى فيهم مظاهر الدعوة للعدل والحرية بأبهى صورها وكانوا على مدى التاريخ هم القدوة والأسوة في الجهاد الشامل والمتواصل ضد سلطات الجور والظلم وراحوا جميعا في هذا الطريق ما بين مقتول ومسموم !

                              إمام الشيعة ذلك الرجل الحرّ الذي لا يقبل المداهنة ولا المساومة على الحق والذي يغيظه مجرد أن يسمع بأن أحد أصحابه قد أقدم على عمل يمكن أن يكون مصداقاً لإعانة الظلمة .

                              وبدلاً من أن أجيبك على هذا التساؤل المشروع أرى من الأفضل أن أقتصر على إيراد نص مأثور من كتاب معتبر ومشهور عند التشيّع الصفوي ، وهو مقدمة كتبها بنفسه العلاّمة المجلسي- صاحب كتاب بحار الأنوار ذائع الصيت –على كتاب الدعاء المعروف (زاد المعاد) المؤلف أساساً من أجل تزكية نفس الإنسان وتربية روحه على العبودية الخالصة لله وحده !





                              [1] البحار، ج42 ، ص138 .

                              السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة

                              Comment

                              Working...
                              X
                              😀
                              🥰
                              🤢
                              😎
                              😡
                              👍
                              👎