المؤسسة السيستانية تبرر وجودها المشؤوم بدعوى النيابة
أبو محمد الأنصاري إن أخطر ما يمكن أن يجري على الفكر أو العقيدة ، ويصيبهما في مقتل هو اللحظة التي يتحول فيها الفكر الى مؤسسة .
فالمؤسسة تحول الفكر الى صيغ جاهزة ، وتقاليد وقيم ترفض كل ما هو مغاير أو مختلف ، وبكلمة أخرى تقتل المؤسسة في الفكر روحه الثوري الحركي الذي أنبثق عنه لتحيله الى وثنية شبيهة بالوثنية التي سبقت مرحلة ثورة الفكر نفسه .
وإذا كان الفكر يتحرك بفعل المحفز اليوتوبي ، أي يحركه الشعور أو التطلع الى العالم الأكثر كمالاً ، فإن المؤسسة في الحقيقة هي يوتوبيا مضادة ، أو هي موت اليوتوبيا بكلمة أوضح . إن الوعي الإنساني يتطلع بفطرته الى العالم الأكثر كمالاً ، ولكن حيث أن العقل الإنساني هو ظل العقل في الحقيقة أو هو عقل قاصر فإنه ما أن يحاول عقلنة تصوراته أو مأسستها بتعبير آخر حتى يقتلها في الحقيقة .
ذلك أن المنطلق الفطري للتطلع أو الشوق الإنساني الى الكمال متعال عن الزمن والتأريخ ، فهو شوق بالمطلق وللمطلق ، بينما العقل الإنساني المحدود بواقعه في دائرة الزمني والتأريخي يعمل على تقييد هذا المطلق في إطار دائرته المشار إليها ، الأمر الذي يعني إنه يخنقه ويقتله ، أي ينتج ما هو ضد له بالتحديد في الوقت الذي يتوهم أنه يعمل على استحضاره فعلياً !
هذه المفارقة – بحسب ما أتصور – تصلح لئن تكون مقاربة نتصور من خلالها المنظومات الفكرية المؤسسة التي أنتجها العقل الإنساني عبر تأريخه الطويل من أحزاب وفلسفات وتصورات حضارية معينة ، فهذه المنظومات في الحقيقة ليست سوى جهد إنساني سيزيفي حاول تحقيق اليوتوبيا أو تجسيدها ، ولكنه جهد عبثي لأنه وإن كان يعبر عن التطلع الى الكمال ، وينطلق بتحفيز منه إلا أنه وهذا ما كان ينبغي الإلتفات إليه ، كان دائما يحيّز الكمال ويحصره في خانة التأريخي . فالإنسان التأريخي المحدود لا يسعه غير تقريب أشواقه عبر جهاز مفاهيمي مستل من واقعه التأريخي ، وهنا يقع في التناقض القاتل دون شعور منه على الأرجح ، فالخلل في التعريف يستتبعه دون شك خلل في التطبيق .
وهكذا بالعودة الى المؤسسة السيستانية نجدها تقتل الدين بتحويله الى صيغ سيستانية جاهزة ، فالدين يستحيل على يد المؤسسة السيستانية الى تصورات محددة هي التصورات التي تؤمن بها هذه المؤسسة ، دون سواها ، وحيث أن العقول التي أنشأت هذه المؤسسة عقول قاصرة بالضرورة فتصورها للدين قاصر بالضرورة ، بل قاتل للدين ومحرف لمقولاته .
فالمؤسسة لا تسوق مقرراتها أو تصوراتها الدينية من منطلق أنها واقع خاضع للبرهان ومنفتح على البرهان بالنتيجة بل بوصفها فرمانات سلطوية ، لا تقبل جدلاً ولا أخذاً ولا رداً ، فهي ترى نفسها الممثل الحقيقي للدين بل إنها هي الدين ، وبيدها تفسير نصوصه وتحديد دلالاتها ، وترفض رفضاً قاطعاً كل تفسير آخر ، وإن كان مرتكزاً على البرهان الناصع الواضح وتعده مروقاً وانحرافاً ، وأصحابه مارقين منحرفين ، يستحقون القتل و التسقيط وقول البهتان .
على سبيل المثال ترى المؤسسة السيستانية أن السفارة أو النيابة الخاصة قد انعدمت نهائياً بعد السفير الرابع علي بن محمد السمري رحمه الله ، وعلى الرغم من إنها لا تقدم دليلاً على زعمها هذا ، بل إنها حتى لا تفهم السبب الحقيقي للغيبة وسبب انقطاع – وليس انعدام – السفارة في بعض الأوقات ، كما حدث بعد وفاة السفير الرابع ، على الرغم من كل هذا إلا أنها تصر على صم أذنيها عن كل قول مغاير وترفض السماع لدليله ، ولعل الأخوة القراء يعرفون أننا قدمنا الدليل في بعض المقالات على أن السفارة لم تنعدم ، بل انقطعت لفترة من الزمن ، وقلنا هناك إن الغيبة تأديب للشيعة ، وعدم وجود الإمام أو السفير سببه إن الأمة لا تريد ولي الله وإنها قد أعرضت عنه ، ذلك أن وجوده لطف من الله وارتفاعه نقيض ذلك ، وهكذا إذا وُجد جيل في الأمة يستحق وجود الإمام أو السفير يرتفع مانع الغيبة أو انقطاع السفارة .
والحقيقة إن المؤسسة السيستانية لم يعد هاجسها الحقيقة ، فهي تعلم جيداً ضلالها ولكنها لم تعد تستطيع الرجوع الى جادة الصواب بعد أن وقعت أسيرة لدنيا عريضة لم يتحصل على ملذاتها بعض الملوك ، وكل هذه الدنيا العريضة تؤسس بقاءها على دعوى النيابة العامة المزعومة ، وهذه النيابة يؤسسون فكرتها على قاعدة أن عدم وجود نائب خاص للإمام المهدي (ع) يستلزم بزعمهم أن تكون الولاية للفقيه الجامع لشرائط الفتوى ، وهذه قضية غريبة سبق أن ناقشنا مضامينها ، وهي في الواقع تنطوي على عقيدة منحرفة تقول بأن الإمام (ع) مات أو هلك في أي واد سلك كما ورد في بعض الروايات ، فلو كانوا يعتقدون أن الإمام (ع) غائب وليس ميتاً ، لالتفتوا الى أن بإمكانه (ع) أن يوكل شخصاً منهم أو من غيرهم ولا يوجد مانع لهذا الأمر ، لاسيما إذا ما وضعنا بالإعتبار حجم المفاسد الكبيرة المترتبة على صراعاتهم على المنصب واستئثارهم بأموال الخمس وهي أموال ضخمة ، يلعب بها اليوم الصبيان من آل الخوئي والسيستاني ومن لف لفهم ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
والأغرب أن ترى بعض المنتفعين الصغار أو المغفلين يدافع عن هذه المؤسسة المنحرفة الفاسدة ، ويطلب من الناس أن يعرفوا الإمام المهدي (ع) من طريقها ، بل لعله يطالب الإمام