بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الائمه والمهديين وسلم تسليما
إدعى غلام أحمد (1839-1908م ) أنه المسيح عليه السلام, والمهدي عليه السلام, وانه نبي من الانبياء ويوحى له.
القادياني والقاديانية :
القاديانية والأحمدية إسمان لجماعة واحدة تنسب إلى الميرزا غلام أحمد ابن غلام مرتضى بن عطا بن الميرزا گل محمد القادياني . ولد في قرية ” قاديان ” في مديرية ” جورداسبور ” في أقليم ” البنجاب ” سنة 1251 ه = 1835 ، ، وتلقى دروسه في منزل أبيه على الطريقة القديمة وكان والده طبيبا ، وقد جلب لولده المعلمين ، فتعلم القراءة والكتابة ، وقرأ القرآن ودرس النحو والصرف والمنطق والحكمة ، ودخل ” الكلية الشرقية ” في البنجاب ، وعين كاتبا في محكمة مدينة ” سيالكوت ” وشغل وظائف أخرى حرة مدة أربع سنوات ثم تركها . وكان ذا شغف بالقراءة والمطالعة منذ نشأته يقضي فيها معظم وقته ، وقد تفرغ لدراسة الكتب الدينية والصوفية ، وغلبت عليه نزعة التصوف ، وكانت سائدة يومئذ بين كثير من علماء المسلمين في الهند ، وكان لها طرقها ورجالها ومؤلفاتهم ، كما كان لهم خصومهم الذين يتظاهرون بنقدهم ومعارضتهم . وكانت يومذاك
- أيضا – حركة تجديدية هندوكية باسم ” آريه سماج ” وكان لها زعماء بارزون وعلماء ينطقون باسمها ، وقد كثرت المناظرات بينها وبين خصومها ، كما كانت بعثات تبشيرية تتألف من القسس والرهبان ، وكان الصراع على أشده بينهم وبين علماء المسلمين ، فظهر القادياني على الساحة في تلك الفترة ، وعد في النابهين من المسلمين ، وكانت له مع كبار المناظرين من الفئتين مواقف مشهورة وتفوق بارز اعترف به علماء عصره ، فقد قال السيد عبد الحي الحسني : ” . . . واشتغل بالكلام وكان يباحث أحبار الآرية والنصارى ويفحمهم في مباحثاته ، ويصرف أوقاته كلها في الذب عن الحنفية البيضاء ، ويصنف الكتب في ذلك ، وكانت مساعيه مشكورة عند أهل الملة الإسلامية . . . ” و ” قد أورد في كتابه ( براهين أحمدية ” على إحقاق الإسلام ثلاثمئة دليل عقلي “الثقافة الإسلامية في الهند / 228 و 230. وقد واصل مطالعة كتب العرفان والتصوف والفلسفة ، وثقف نفسه ثقافة عالية أهلته للصدارة والتأليف ، فأنتج آثارا قيمة قوبلت بالإعجاب والإكبار من قبل الطبقات المتنورة ، ولم يكن لما أشاعه عنه خصومه وكتبه عنه البعض من أنه كان محدود الذكاء وأنه رسب في امتحان ” مولوي فاضل ” الذي يعادل ‹ صفحة 21 › الصف الثاني من الكلية نصيب من الصحة ، وكذلك ما كان يقال عنه من أنه مصاب بنوع خطير من ” الهستيريا ” و ” القطرب ” وهو من أمراض الدماغ.
ادعاءاته :
وبعد فترة ادعى أنه ” مجدد ” للإسلام لما أشاع بين المسلمين من أن الله يبعث مجددا على رأس كل مئة سنة ، وهو مجدد القرن الرابع عشر الهجري ، وظل يؤكد ذلك في تصريحاته وخطبه ومؤلفاته فترة ، ثم ادعى أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود في وقت واحد ، استنادا إلى ما رواه ابن ماجة من حديث “ لا مهدي إلا المسيح ” واستمر يبرهن على ذلك ويؤكد أن العلامات التي ذكرت لظهور المهدي منطبقة على زمانه ، وأن له شبها كبيرا بالمسيح ، وأخذ يتكلم في المغيبات والمنامات وتفسير بعض الأخبار والآيات القرآنية بما ينطبق عليه ويقرب ذلك إلى الأذهان الساذجة ، وادعى أنه ملهم ، ومن تصريحاته الخطيرة في هذه المرحلة قوله : “ أنا مهدي وأفضل من الأنبياء ” معيار الأخبار / 11.
وقد كانت ولاية ” البنجاب ” في معزل عن مراكز الثقافة في الهند ، أكثر من غيرها ، وكانت الخرافات والأوهام والأساطير تعشعش فيها ، والدهماء عادة يتقبلون الأمور الغريبة وخوارق العادات ، وما يظهر من شطحات الصوفية ويدعونه من إلهامات ، وكان للقادياني قبل ذلك رصيد علمي وشهرة كبيرة وأتباع عديدون ، ولذلك بادر الكثير من أهلها إلى الاستجابة لدعوته ، وشكلوا الأغلبية العظمى لمعتنقي ديانته ، فقد بلغ عددهم فيها وحدها إلى ما قبل وفاته بسنة سبعين ألفا ، وكان منهم الشقيق الأكبر للشاعر الفيلسوف الدكتور محمد إقبال ، في الوقت الذي كان فيه أخوه المذكور من أكبر المحاربين للقادياني . وقد قوبلت مزاعمه بالاستنكار الشديد ، فرحل إلى بلدة ” لوديانة ” في البنجاب نفسها ، وأصدر منشورا أعلن فيه أنه ” المسيح المنتظر ” فهب في وجهه العلماء ، وكان من بينهم ” المولوي محمد حسين ” صاحب جريدة ” إشاعت سنت “ فدعا عددا من علماء الهند إلى ” لوديانة ” لمناظرته ، لكن الوالي الانكليزي في تلك المنطقة منع من عقد المناظرة ، وأرغم ” المولوي محمد حسين ” ومن معه من العلماء على مغادرة البلد في اليوم نفسه . واستمر القادياني على نشر دعوته سنين طوالا ، وأكثر من مناقشة المعارضين ومحاججة المستنكرين ، وألف في ذلك الكتب ونشرها في البلاد الإسلامية بصورة واسعة ، واقتنع بها فريق من الناس فاعتنقوها ، وبقي على تلك الحال يواصل الدعوة ولكن لم يرض طموحه ما حصل عليه من إقبال فادعى النبوة وتفاقم الخطب ، وأعلنت دنيا الإسلام ولا سيما في الهند استنكارها بمختلف الوسائل ، وسادت الفوضى وصار حديث الناس والساعة ، فكرست القوى بمختلف أشكالها لتكذيبه وتكفيره ، وأخذ هو وأتباعه يدافعون عن آرائهم واحتدم النزاع . وكان من ادعاءاته أنه المعني بقوله تعالى : ( ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ” [ الصف / 6 ] وأنه يوحى إليه باللغات العربية والفارسية والأردوية والانكليزية ، وأكثر من التأليف في كل تلك اللغات ، وأن كتابه المقدس في مقابل القرآن هو ” الكتاب المبين ” وأن مما أوحي إليه : “ إن الله خاطبني وقال يا أحمدي أنت معي وأنا معك ، إذا غضبت غضبت ، وكل ما أحببت أحببته ، أنا مهين من أراد إهانتك ، وإني معين من أراد إعانتك و ” إن الله خاطبني وبشرني بإكرامي وقبولي في زمن اليأس ، وقال : يحمدك الله في عرشه ” وغير ذلك من التفاهات مواهب الرحمن / 14 و 49 و 50 و 66 و 69 وغيرها.
ولما رأى أن الحملة عليه شعواء ، وأن الأقلام قد أوقفت على محاربته ودحض شبهاته ومزاعمه ، وكشف أمره وحقيقته ، وإعلان خروجه عن الإسلام ، أعلن تمسكه بالشريعة الإسلامية والقرآن والسنة ، وأن نبوته ظلية – حسب تعبيره – وهي انعكاس لنبوة الرسول ، لاعتقاده بالحلول والتناسخ ووحدة الوجود ، فهو يرى أن مراتب الوجود دائرة تضم الله والأنبياء والبشر ، فالله يحل في الأنبياء ، وبدوران الوجود داخل النبوة تنتقل الروح من فرد لآخر لا فرق بين سابق ولاحق ، ويكون الأنبياء نبيا واحدا ، وباتصال أطراف هذا الوجود بعضها بالبعض الآخر يكون الأنبياء جزءا منها ، والانسان ، جزءا آخر من هذه الوحدة التي تضم ملكوت السماء والأرض ، فكمالات الأنبياء المتفرقة قد تجمعت في شخص النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وانعكست ظليا فيه . وقد استفاد من إيمانه ببعض النظريات الفلسفية التي آمن بها ، في زعمه الغوص في ذات الله والبروز عنه إلى الأرض ، والانتهال من علوم الغيب وأسرار الكون ، وغير ذلك من المزاعم الكاذبة والادعاءات الباطلة . بنى مدرسة لأبناء نحلته في ” قاديان ” لئلا يشرف على تعليمهم وتربيتهم غير القاديانيين ، كما بنى لهم مسجدا خاصا للصلاة ، لكن أقاربه المخالفين له في الرأي بنوا جدارا جعل أشياعه لا يتمكنون من الوصول إلى المسجد إلا بعد أن يمشوا مسافة طويلة ، فرفع عليهم دعوى في المحكمة وقضى حكم الانكليز بإزالة الجدار ، وأصدر قانونا يقضي بألا يزوج القاديانيون بناتهم لمن لم يصدق بنبوته ، وأكثر من التطاول على المسلمين وشتمهم سواء في ذلك من عارضه أو سالمه ، لأنه كان يقول بكفر من لم يؤمن برسالته ويتبعه . وفي سنة 1323 ه = 1905 م زعم أنه أوحي إليه بأن أجله قد قرب وألف كتاب ” الوصاية ” إلا أنه عاش بعد ذلك . . . وفي السنة نفسها زعم أنه أوحي إليه إنشاء مقبرة خاصة في ” قاديان ” وفرض على من يريد الدفن فيها أن يهب لخزينة ” القاديانية ” ربع ماله ، وبناها وقدمت له المبالغ ، ومنذ ذلك التاريخ فرض على كل قادياني أن يقدم إلى خزينتهم الدينية ربع ماله واستمر إلى الآن .
وفاته :
أصيب بالهيضة الوبائية وهو في لاهور ، ومات سنة 1326 ه = الساعة العاشرة والنصف صباحا يوم ( 26 ) مارس سنة 1908 م ونقلت جثته إلى قاديان التي تبعد عن لاهور ستين ميلا ، ودفن في المقبرة التي سماها ” بهشتي مقبرة ” = ” مقبرة الجنة ” وكتب على قبره “ ميرزا غلام أحمد الموعود ” وأنزله أتباعه منزلة الأنبياء واتخذوا قبره بمثابة ضريح رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وصرحوا بأن زيارته تعدل زيارة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقالوا : ” إن الله بارك ثلاثة أمكنة وجعلها مقدسة وهي مكة والمدينة وقاديان حيث تلوح تجلياته سبحانه ” . وكان قد ضاقت به الدنيا لشدة مقاومة ” المولوي ثناء الله ” له فكتب له دعاء جاء في آخره : ” يا مرسلي إني أدعوك بحظيرة القدس أن تفصل بيني وبين المولوي ثناء الله ، ومن كان منا مفسدا في نظرك كاذبا عندك فتوفه قبل الصادق منا . . . الخ ” وكان صدور الدعاء في اليوم الأول من ربيع الأول سنة 1325 ه = 25 نيسان سنة 1907 م ، فمات القادياني بعد التاريخ بسنة وعاش ثناء الله بعد ذلك سنين طويلة . وكان للقادياني صديق قديم ذهب إليه في قريته ” قاديان ” وناظره فانتصر عليه ، ثم اتفقا على مباهلة مؤداها أن يموت الكاذب منهما خلال ثلاثة أيام ، فمات القادياني خلال تلك المدة . وقد أوصي أن يتألف مجلس من أتباعه لاختيار خليفة له ، فانتخب ” المولوي حكيم نور الدين ” أول خليفة له ، ولما مات في سنة 1333 ه = 1914 م انتقلت رئاسة الأتباع إلى ولده ” بشير أحمد ” المسمي عندهم بالخليفة الثاني ، ولما مات انتقلت إلى حفيده ” بشير الدين ” بن بشير أحمد بن غلام أحمد القادياني وسمي بالخليفة الثالث .
اختلاف أتباعه بعد وفاته :
وكان أتباعه قد انقسموا بعد موته فريقين ، رأس أحدهما ” بشير أحمد ” كما قلنا ، وهذا الفريق يؤيد نبوته ويكفر جميع المسلمين الذين لا يدينون بعقيدتهم ، أما الفريق الثاني فقد رأسه ” الخواجة كمال الدين ” ونائبه ” الشيخ محمد علي
اللاهوري ” الذي فسر القرآن باللغة الانكليزية ، وقد اقتصرت عقيدة هذا الفريق على أن القادياني مجدد مصلح لا مهدي ولا نبي ، وقد أطلق عليهم اسم ” اللاهورية ” . وقد ظل الصراع بينهم وبين المسلمين قائما في الهند وباكستان وغيرهما من البلاد التي وصلت دعوتهم إليها ، وكان كبار العلماء والجمعيات الدينية في الباكستان يقاومونهم بشدة وباستمرار في خطبهم في المساجد والنوادي ومقالاتهم في الصحف ، ويصدرون الفتاوي والنشرات والكتب بتكفيرهم ، وقد ذكر السيد عبد الحي الحسني مجموعة من تلك الكتب بالعربية والفارسية والأردوية الثقافة الإسلامية في الهند / 231 .
وقد حملوا السلطات على محاكمتهم ، وبعد مشاحنات طويلة استمرت سنتين أصدر القاضي ” محمد أكبر خان ” حاكم ” بهاولبور ” في سنة 1354 ه = 1935 م حكما بتكفيرهم وعدم جواز تزوج المسلمات بهم . للبحث بقية.
(صحيفة الصراط المستقيم/عدد 32/سنة 2 في 01/03/2011 – 25 ربيع الاول 1432هـ ق)
اللهم صل على محمد وآل محمد الائمه والمهديين وسلم تسليما
إدعى غلام أحمد (1839-1908م ) أنه المسيح عليه السلام, والمهدي عليه السلام, وانه نبي من الانبياء ويوحى له.
القادياني والقاديانية :
القاديانية والأحمدية إسمان لجماعة واحدة تنسب إلى الميرزا غلام أحمد ابن غلام مرتضى بن عطا بن الميرزا گل محمد القادياني . ولد في قرية ” قاديان ” في مديرية ” جورداسبور ” في أقليم ” البنجاب ” سنة 1251 ه = 1835 ، ، وتلقى دروسه في منزل أبيه على الطريقة القديمة وكان والده طبيبا ، وقد جلب لولده المعلمين ، فتعلم القراءة والكتابة ، وقرأ القرآن ودرس النحو والصرف والمنطق والحكمة ، ودخل ” الكلية الشرقية ” في البنجاب ، وعين كاتبا في محكمة مدينة ” سيالكوت ” وشغل وظائف أخرى حرة مدة أربع سنوات ثم تركها . وكان ذا شغف بالقراءة والمطالعة منذ نشأته يقضي فيها معظم وقته ، وقد تفرغ لدراسة الكتب الدينية والصوفية ، وغلبت عليه نزعة التصوف ، وكانت سائدة يومئذ بين كثير من علماء المسلمين في الهند ، وكان لها طرقها ورجالها ومؤلفاتهم ، كما كان لهم خصومهم الذين يتظاهرون بنقدهم ومعارضتهم . وكانت يومذاك
- أيضا – حركة تجديدية هندوكية باسم ” آريه سماج ” وكان لها زعماء بارزون وعلماء ينطقون باسمها ، وقد كثرت المناظرات بينها وبين خصومها ، كما كانت بعثات تبشيرية تتألف من القسس والرهبان ، وكان الصراع على أشده بينهم وبين علماء المسلمين ، فظهر القادياني على الساحة في تلك الفترة ، وعد في النابهين من المسلمين ، وكانت له مع كبار المناظرين من الفئتين مواقف مشهورة وتفوق بارز اعترف به علماء عصره ، فقد قال السيد عبد الحي الحسني : ” . . . واشتغل بالكلام وكان يباحث أحبار الآرية والنصارى ويفحمهم في مباحثاته ، ويصرف أوقاته كلها في الذب عن الحنفية البيضاء ، ويصنف الكتب في ذلك ، وكانت مساعيه مشكورة عند أهل الملة الإسلامية . . . ” و ” قد أورد في كتابه ( براهين أحمدية ” على إحقاق الإسلام ثلاثمئة دليل عقلي “الثقافة الإسلامية في الهند / 228 و 230. وقد واصل مطالعة كتب العرفان والتصوف والفلسفة ، وثقف نفسه ثقافة عالية أهلته للصدارة والتأليف ، فأنتج آثارا قيمة قوبلت بالإعجاب والإكبار من قبل الطبقات المتنورة ، ولم يكن لما أشاعه عنه خصومه وكتبه عنه البعض من أنه كان محدود الذكاء وأنه رسب في امتحان ” مولوي فاضل ” الذي يعادل ‹ صفحة 21 › الصف الثاني من الكلية نصيب من الصحة ، وكذلك ما كان يقال عنه من أنه مصاب بنوع خطير من ” الهستيريا ” و ” القطرب ” وهو من أمراض الدماغ.
ادعاءاته :
وبعد فترة ادعى أنه ” مجدد ” للإسلام لما أشاع بين المسلمين من أن الله يبعث مجددا على رأس كل مئة سنة ، وهو مجدد القرن الرابع عشر الهجري ، وظل يؤكد ذلك في تصريحاته وخطبه ومؤلفاته فترة ، ثم ادعى أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود في وقت واحد ، استنادا إلى ما رواه ابن ماجة من حديث “ لا مهدي إلا المسيح ” واستمر يبرهن على ذلك ويؤكد أن العلامات التي ذكرت لظهور المهدي منطبقة على زمانه ، وأن له شبها كبيرا بالمسيح ، وأخذ يتكلم في المغيبات والمنامات وتفسير بعض الأخبار والآيات القرآنية بما ينطبق عليه ويقرب ذلك إلى الأذهان الساذجة ، وادعى أنه ملهم ، ومن تصريحاته الخطيرة في هذه المرحلة قوله : “ أنا مهدي وأفضل من الأنبياء ” معيار الأخبار / 11.
وقد كانت ولاية ” البنجاب ” في معزل عن مراكز الثقافة في الهند ، أكثر من غيرها ، وكانت الخرافات والأوهام والأساطير تعشعش فيها ، والدهماء عادة يتقبلون الأمور الغريبة وخوارق العادات ، وما يظهر من شطحات الصوفية ويدعونه من إلهامات ، وكان للقادياني قبل ذلك رصيد علمي وشهرة كبيرة وأتباع عديدون ، ولذلك بادر الكثير من أهلها إلى الاستجابة لدعوته ، وشكلوا الأغلبية العظمى لمعتنقي ديانته ، فقد بلغ عددهم فيها وحدها إلى ما قبل وفاته بسنة سبعين ألفا ، وكان منهم الشقيق الأكبر للشاعر الفيلسوف الدكتور محمد إقبال ، في الوقت الذي كان فيه أخوه المذكور من أكبر المحاربين للقادياني . وقد قوبلت مزاعمه بالاستنكار الشديد ، فرحل إلى بلدة ” لوديانة ” في البنجاب نفسها ، وأصدر منشورا أعلن فيه أنه ” المسيح المنتظر ” فهب في وجهه العلماء ، وكان من بينهم ” المولوي محمد حسين ” صاحب جريدة ” إشاعت سنت “ فدعا عددا من علماء الهند إلى ” لوديانة ” لمناظرته ، لكن الوالي الانكليزي في تلك المنطقة منع من عقد المناظرة ، وأرغم ” المولوي محمد حسين ” ومن معه من العلماء على مغادرة البلد في اليوم نفسه . واستمر القادياني على نشر دعوته سنين طوالا ، وأكثر من مناقشة المعارضين ومحاججة المستنكرين ، وألف في ذلك الكتب ونشرها في البلاد الإسلامية بصورة واسعة ، واقتنع بها فريق من الناس فاعتنقوها ، وبقي على تلك الحال يواصل الدعوة ولكن لم يرض طموحه ما حصل عليه من إقبال فادعى النبوة وتفاقم الخطب ، وأعلنت دنيا الإسلام ولا سيما في الهند استنكارها بمختلف الوسائل ، وسادت الفوضى وصار حديث الناس والساعة ، فكرست القوى بمختلف أشكالها لتكذيبه وتكفيره ، وأخذ هو وأتباعه يدافعون عن آرائهم واحتدم النزاع . وكان من ادعاءاته أنه المعني بقوله تعالى : ( ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ” [ الصف / 6 ] وأنه يوحى إليه باللغات العربية والفارسية والأردوية والانكليزية ، وأكثر من التأليف في كل تلك اللغات ، وأن كتابه المقدس في مقابل القرآن هو ” الكتاب المبين ” وأن مما أوحي إليه : “ إن الله خاطبني وقال يا أحمدي أنت معي وأنا معك ، إذا غضبت غضبت ، وكل ما أحببت أحببته ، أنا مهين من أراد إهانتك ، وإني معين من أراد إعانتك و ” إن الله خاطبني وبشرني بإكرامي وقبولي في زمن اليأس ، وقال : يحمدك الله في عرشه ” وغير ذلك من التفاهات مواهب الرحمن / 14 و 49 و 50 و 66 و 69 وغيرها.
ولما رأى أن الحملة عليه شعواء ، وأن الأقلام قد أوقفت على محاربته ودحض شبهاته ومزاعمه ، وكشف أمره وحقيقته ، وإعلان خروجه عن الإسلام ، أعلن تمسكه بالشريعة الإسلامية والقرآن والسنة ، وأن نبوته ظلية – حسب تعبيره – وهي انعكاس لنبوة الرسول ، لاعتقاده بالحلول والتناسخ ووحدة الوجود ، فهو يرى أن مراتب الوجود دائرة تضم الله والأنبياء والبشر ، فالله يحل في الأنبياء ، وبدوران الوجود داخل النبوة تنتقل الروح من فرد لآخر لا فرق بين سابق ولاحق ، ويكون الأنبياء نبيا واحدا ، وباتصال أطراف هذا الوجود بعضها بالبعض الآخر يكون الأنبياء جزءا منها ، والانسان ، جزءا آخر من هذه الوحدة التي تضم ملكوت السماء والأرض ، فكمالات الأنبياء المتفرقة قد تجمعت في شخص النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وانعكست ظليا فيه . وقد استفاد من إيمانه ببعض النظريات الفلسفية التي آمن بها ، في زعمه الغوص في ذات الله والبروز عنه إلى الأرض ، والانتهال من علوم الغيب وأسرار الكون ، وغير ذلك من المزاعم الكاذبة والادعاءات الباطلة . بنى مدرسة لأبناء نحلته في ” قاديان ” لئلا يشرف على تعليمهم وتربيتهم غير القاديانيين ، كما بنى لهم مسجدا خاصا للصلاة ، لكن أقاربه المخالفين له في الرأي بنوا جدارا جعل أشياعه لا يتمكنون من الوصول إلى المسجد إلا بعد أن يمشوا مسافة طويلة ، فرفع عليهم دعوى في المحكمة وقضى حكم الانكليز بإزالة الجدار ، وأصدر قانونا يقضي بألا يزوج القاديانيون بناتهم لمن لم يصدق بنبوته ، وأكثر من التطاول على المسلمين وشتمهم سواء في ذلك من عارضه أو سالمه ، لأنه كان يقول بكفر من لم يؤمن برسالته ويتبعه . وفي سنة 1323 ه = 1905 م زعم أنه أوحي إليه بأن أجله قد قرب وألف كتاب ” الوصاية ” إلا أنه عاش بعد ذلك . . . وفي السنة نفسها زعم أنه أوحي إليه إنشاء مقبرة خاصة في ” قاديان ” وفرض على من يريد الدفن فيها أن يهب لخزينة ” القاديانية ” ربع ماله ، وبناها وقدمت له المبالغ ، ومنذ ذلك التاريخ فرض على كل قادياني أن يقدم إلى خزينتهم الدينية ربع ماله واستمر إلى الآن .
وفاته :
أصيب بالهيضة الوبائية وهو في لاهور ، ومات سنة 1326 ه = الساعة العاشرة والنصف صباحا يوم ( 26 ) مارس سنة 1908 م ونقلت جثته إلى قاديان التي تبعد عن لاهور ستين ميلا ، ودفن في المقبرة التي سماها ” بهشتي مقبرة ” = ” مقبرة الجنة ” وكتب على قبره “ ميرزا غلام أحمد الموعود ” وأنزله أتباعه منزلة الأنبياء واتخذوا قبره بمثابة ضريح رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وصرحوا بأن زيارته تعدل زيارة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقالوا : ” إن الله بارك ثلاثة أمكنة وجعلها مقدسة وهي مكة والمدينة وقاديان حيث تلوح تجلياته سبحانه ” . وكان قد ضاقت به الدنيا لشدة مقاومة ” المولوي ثناء الله ” له فكتب له دعاء جاء في آخره : ” يا مرسلي إني أدعوك بحظيرة القدس أن تفصل بيني وبين المولوي ثناء الله ، ومن كان منا مفسدا في نظرك كاذبا عندك فتوفه قبل الصادق منا . . . الخ ” وكان صدور الدعاء في اليوم الأول من ربيع الأول سنة 1325 ه = 25 نيسان سنة 1907 م ، فمات القادياني بعد التاريخ بسنة وعاش ثناء الله بعد ذلك سنين طويلة . وكان للقادياني صديق قديم ذهب إليه في قريته ” قاديان ” وناظره فانتصر عليه ، ثم اتفقا على مباهلة مؤداها أن يموت الكاذب منهما خلال ثلاثة أيام ، فمات القادياني خلال تلك المدة . وقد أوصي أن يتألف مجلس من أتباعه لاختيار خليفة له ، فانتخب ” المولوي حكيم نور الدين ” أول خليفة له ، ولما مات في سنة 1333 ه = 1914 م انتقلت رئاسة الأتباع إلى ولده ” بشير أحمد ” المسمي عندهم بالخليفة الثاني ، ولما مات انتقلت إلى حفيده ” بشير الدين ” بن بشير أحمد بن غلام أحمد القادياني وسمي بالخليفة الثالث .
اختلاف أتباعه بعد وفاته :
وكان أتباعه قد انقسموا بعد موته فريقين ، رأس أحدهما ” بشير أحمد ” كما قلنا ، وهذا الفريق يؤيد نبوته ويكفر جميع المسلمين الذين لا يدينون بعقيدتهم ، أما الفريق الثاني فقد رأسه ” الخواجة كمال الدين ” ونائبه ” الشيخ محمد علي
اللاهوري ” الذي فسر القرآن باللغة الانكليزية ، وقد اقتصرت عقيدة هذا الفريق على أن القادياني مجدد مصلح لا مهدي ولا نبي ، وقد أطلق عليهم اسم ” اللاهورية ” . وقد ظل الصراع بينهم وبين المسلمين قائما في الهند وباكستان وغيرهما من البلاد التي وصلت دعوتهم إليها ، وكان كبار العلماء والجمعيات الدينية في الباكستان يقاومونهم بشدة وباستمرار في خطبهم في المساجد والنوادي ومقالاتهم في الصحف ، ويصدرون الفتاوي والنشرات والكتب بتكفيرهم ، وقد ذكر السيد عبد الحي الحسني مجموعة من تلك الكتب بالعربية والفارسية والأردوية الثقافة الإسلامية في الهند / 231 .
وقد حملوا السلطات على محاكمتهم ، وبعد مشاحنات طويلة استمرت سنتين أصدر القاضي ” محمد أكبر خان ” حاكم ” بهاولبور ” في سنة 1354 ه = 1935 م حكما بتكفيرهم وعدم جواز تزوج المسلمات بهم . للبحث بقية.
(صحيفة الصراط المستقيم/عدد 32/سنة 2 في 01/03/2011 – 25 ربيع الاول 1432هـ ق)
Comment