الكتاب الاقدس "كنزا ربّا " آخر صفحات الشعر الرافديني - الدكتور خزعل الماجدي
يعتبر الكتاب المقدس للمندائيين (كنـزا ربّا) أي (الكنـز العظيم) كنـزاً دينياً وأدبياً حقيقياً ، وتمثل نصوصه ، من وجهة نظرنا ، آخر الصفحات المشرقة لحضارات وادي الرافدين، رغم أنه يمتد في أصوله الى أولها. ولكن كتابته باللغة المندائية (وهي لهجة آرامية متأخرة نسبياً ) جعل هذه النصوص تظهر في السياق التاريخي للمرحلة التي تلت نهاية الدولة البابلية الحديثة، أي بعد سقوط بابل عام539 ق.م .
يسمى كتاب الكنـزا أيضاً باسم (سدرا ربّا) أي (الكتاب العظيم) ويسمى أحياناً باسم (كتاب آدم).
تعني كلمة (كنـزا Ginza, Genza,Genzo ) المندائية الـ(كنـز) وهو الشيء الغالي والنادر والثمين المخبأ في مكان بعيد، وعندما نقرأ كتاب الكنـزا نفهم منه بأن هذا الكنـز هو الروح أو الأرواح (نشمثا أو مانا). وهناك مكان مخصص لحفظ هذه الأرواح في عالم النور يسمى دار الكنـز. وهناك حارس إلهي يحرس هذه الدار هو مندا إد هيي (ويظهر أحياناً هيبل زيوا) ويسمى (كنـزاوري) أي (أمين الكنـز)، ومنه اشتقت كلمة (كنـزورا) أو (كنـزبرا) أو (كنـزفرا) وهي درجة دينية كهنوتية. ولهذا الكنـز حراس يحرسونه من الأثري (وهم ملائكة عالم النور ). وقد تكون كلمة (كنـزا ) مشتقة من (جنيزا )، أو (كنيزا ) العبرية، التي تعني الملفوفة الورقية المثبتة بمسندين في أعلاها وفي أسفلها ، وهي الطريقة التي كانت تحفظ فيها المخطوطات اليهودية عادة .
يتكون كتاب الكنـزا ربا من جزئين كبيرين هما : كنـزا اليمين وكنـزا اليسار[i] .
كنزا اليمين
يتكون من ثمانية عشر كتاباً تنقسم فيها بعض الكتب الى أجزاء، ويتناول أغلبه قصة الخليقة المندائية لعوالم النور والظلام والأرض والإنسان في عصوره الأربعة، والصراع بين عالمي النور والظلام، وسيكون من اليسير معرفة مضامين هذه الكتب من معرفة عناوينها، وهي كما يلي :
1.دين آدم: توحيد الخالق(الحي العظيم: هيِّي ربّا ) والوصايا الروحية والأخلاقية
2.كتاب الرب العظيم
1. الوصايا والتحذيرات من المستقبل
2.كتاب النهر
3. كتاب تبشير رسول النور
4.كتاب توجيهات الحياة الزوجية المشتركة
3.كتاب الدين الحي الأول: وهو كتاب الخليقة لعوالم النور والظلام والأرض وآدم وحواء هيـبل وشيتل وأنّوش.
4.كتاب نزول رسول النور الى عالم الظلام
5. كتاب هيبل زيوا
1. نزول هيبل زيوا الى عالم الظلام
2.كتاب قلب نظام آلهة العالم كلها
3.كتاب عروج الأرواح الى المطراثا
4.أقوال يهيا يهانا
5. شلمي رب المنـزل
6.كتاب دنانوخت
7.كتاب يحيى بن زكريا
8. كتاب تحذيرات وتوجيهات مندا إد هيّي
9. قلب نظام النجوم السبعة
1. قلب نظام النجوم السبعة
2.الوحيد العادل الكبير
10.الكتاب عن البهاء المتأجِّج في البهثا: رواية ثانية للخليقة
11. السر الكبير وكتاب أنّوش الكبير
12. الكتاب الثاني عشر
1.توضيحات أنّوش
2. الكوشطا
3. في الأثير أنا
4. اللؤلؤة الطاهرة
5. عارياً غادر عريق الأصل
6.ملك الظلام
7.الرياح
13.صلاة الترميذي إلى المؤمنين والأتقياء في الطائفة
14 . الكتاب عن نباط الكبير
15.الكتاب الخامس عشر
1.أنا كلمة
2.أنا كرم لين
3.في بداية نشوء الماء الحي
4.عندما أُ زيح النور
5.إن نداء سام زيوا الطاهر
6.أنا هو يوخابر كوشطا
7.من شكينة الحياة العظمى
8.بقوة البهاء والسندركا
9.أنا هو العبير الطيب من الأثري
10. إني أتحدث مع هيئتي قائلاً
11.عندما جئت أنا أنوّش أثرا
12. في رأس الإكليل الطاهر
13.عندما تكونت أنا بثاهيل
14.التلاميذ يسألون الرجل
15.عندما غادر الطاهر المختار مكانه
16.خلقتني الحياة من علٍ
17.لقد غُرست ثم جئت أنا الصالح
18.صوت الحياة العالي يناديني
19.إني نشأت من عالم النور
20.من يأتي قادماً
16.الكتاب السادس عشر
1. إني أنا حارس تروان الطاهرة
2.من الخارج هتف أحد الأثري
3.إن صوت مندا إد هيِّي ينادي
4.إني خرجت من مقام النور
5.ابتداءً من ذلك اليوم
6.المصطفى يعظ من هناك
7.عند باب دار الحياة
8. من هو ذا؟
9.كوشطا إنني أشهد بك
10.من بين جميع الأصوات
11.إنه صوت مندا إد هيِّي
17.الكتاب السابع عشر
1.على الجانب الآخر
2.جاء قادما ًهو كائن الحياة
18.نهاية العالم.
كنزا اليسار
1.الكتاب الأول (المعاد )
1.صعود شيتل
2.صعود آدم
3.صعود حواء
4. صعود نشمثا
2.الكتاب الثاني : 28 جزء حول صعود الروح
3.الكتاب الثالث :62 جزء حول صعود الروح
وهكذا يكون العدد الإجمالي للكتب المكوِّنة للكنـزا ربا(سيدرا ربا) هي 21 كتاباً بواقع165 جزءاً .
واذا كان السرد القصصي يغلب على كنـزا اليمين فإن الشعر هو الذي يغلب على كنـزا اليسار ، رغم أن الإثنين يتمتعان بلغة أدبية عالية صاغتها العبقريات المندائية، وعكف على تدوينها وتشذيبها شعراء روحانيون كبار .
يميل المندائيون للإعتقاد بأن كتابهم المقدس منـزّلٌ من السماء على آدم بشكل خاص، ليس بالطريقة التقليدية في نزول كتاب مقدس من السماء عن طريق الوحي، بل هو موجود أصلاً في الروح (نشمثا )، وهي نسمة النور التي نزلت على آدم من عالم النور. ولأنهم من الغنوصيين (العرفانيين) الذين يرون بأن المعرفة الإلهية (العرفان) لا تنـزل على الإنسان على شكل كتبٍ مقدسة، أو وحيٍ إلهي، بل تكون هذه المعرفة موجودة ضمناً في الروح (نيشمثا أو مانا) التي تحلّ في جسد الإنسان. أما الكتب أو النصوص المقدسة فلا يكتبها أو ينطقها الأنبياء أو الرسل بل آدم وحده، الذي هو رأس الذرية البشرية، كتب هذه المعرفة التي سكنت في روحه وربما استقى بعضاً منها من رسول النور (مندا إد هيي).
إن الإنسان يكتشف الله عن طريق المعرفة، وليس عن طريق الوحي، هذا ما يقرره المندائيون والغنوصيون بشكل عام. ولذلك يكون العرفان(الغنوص في اليونانية ومندا في الآرامية ) هو السبيل إلى كشف الإله الواحد الأحد والاتصال به أو حتى الوصول إليه أثناء الحياة أو بعدها.
فالوصول أثناء الحياة يتم عند بعض الغنوصيين، والمتصوفة بشكل خاص، في لحظة النشوة الصوفية التي هي لحظة المعرفة الكبرى حيث ترتقي روح المتصوف إلى الخالق وتتصل بها فتحدث النشوة الروحية. أما الوصول إلى الخالق بعد الموت فيصير عندما تغادر الروح جسد الإنسان وتصعد إلى خالقها وتذوب فيه.
المندائيون يتفقون مع الحالة الثانية التي هي حالة ارتقاء الروح، ولكنهم لا يرون في الزهد أو التصوف سبيلاً إلى الوصول للخالق أثناء الحياة، بل يرون ضرورة إبقاء الروح عارفةً بالخالق عن طريق التعميد والإيمان والناصورائية التي هي أسلحة الروح ضد النسيان والخطيئة.
يأتي كتاب الكنـزا ليشرح كل هذه الأمور، وليؤكد على الخليقة النورانية للإنسان من خلال نزول الـ(مانا) في جسد الإنسان من عالم النور لتكون وسيلةً لربط الإنسان بهذا العالم من جهةٍ ولإكتساح ظلام الجسد والأرض والعالم من حولها من جهةٍ أخرى.
تاريخ كتابة الكنزا
يرى كوندوز أن الكنـزا ربما يكون قد جُمع في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي [ii] .
ويرى ليدزبارسكي أن نشأة كتاب الكنـزا بشكله الحالي تمت بعد ظهور الإسلام حيث بدأ المندائيون بجمعه في كتاب واحد ليكون الكتاب المقدس لهم أسوة بـ(أهل الكتاب)، من يهود ومسيحيين،
والذين كان الإسلام يعترف بتوحيدهم وبكونهم أصحاب أديان موحّدة معروفة[iii].
وتبرز مجموعة من كبار رجال الدين من الناصورائيين العظام الذين ساهموا بتدوين الكنـزا عبر العصور بعدما ظلّ الكتاب مجموعاً ومكتوباً بالأرامية المندائية حتى ترجم لأول مرة على يد السويدي ماثيس نوربيرج في مستهل القرن التاسع عشر ترجمة غير دقيقة، ثم ترجمه بيترمان سنة 1867م ترجمة غير دقيقة هي الأخرى، أما ليدزبارسكي فقد ترجمه إلى الالمانية 1925ترجمة دقيقة تعدّ اليوم الأفضل في كل الترجمات.
أما الترجمات العربية للكتاب فقد ظهرت حتى الآن ترجمتان في عام 2000 كانت الأولى عن المندائية في بغداد من قبل الاستاذ الدكتور يوسف متي قوزي والاستاذ الدكتور صبيح مدلول السهيري. لكن، إعادة صياغتها الأدبية من قبل الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد ذهبت بترجمتها الحرفية الدقيقة وحذفت منها الكثير ولذلك نعدها، ترجمةً وصياغة، غير دقيقة ولايمكن لأي باحث علمي أن يأخذ بها.
أما الترجمة الثانية فكانت في سدني/استراليا من قبل كارلوس جلبرت(خالد عبد الرزاق ) وكانت عن الترجمة الألمانية لمارك ليدزبارسكي وقد حفلت بأغلب التفاصيل دون تحوير ويبدو أن هناك القليل من الأصل المندائي لم تطاله الترجمة .
إن الميزة المدهشة لنصوص الكنـزا هي في اسلوبها القريب من النصوص الرافدينية، فقد اشرنا في اكثر من مكان إلى التناظر الكبير بين بعض نصوص الكنـزا مع نصوص رافدينية من حيث الأسلوب وطريقة الكتابة والبلاغة والتكرار وغير ذلك. وهو ما يعزز رأينا في أن هذه النصوص هي امتداد للنصوص الرافدينية فهي الطبقة الآرامية المندائية لها النابضة من أعمق طبقاتها إلى سطح تحولاتها الكبرى.
لقد حملت هذه النصوص خميرة الروح الرافديني وشكّلت في الوقت نفسه، المنطقة الحرجة للتحول من القص المقدس إلى النص المقدس. هذه المنطقة التي جرت فيها أعظم التحولات من أساطير الأديان متعددة الآلهة إلى الكتب المقدسة للأديان الموحِّدة (السماوية).
تنقسم الأبجديات الآرامية (الكتابة الآرامية) إلى مجموعتين أساسيتين هما الشرقية والغربية.[iv] وتنقسم كلٌّ منهما إلى أبجديات فرعية كما هي هذا الجدول المبسط:
الأبجديات (الكتابة) الآرامية
وصلتنا الأبجدية المندائية من خلال قنوات مختلفة، أقدمها ما نقش على نقود مسكوكة في الكرخة (ميسان). ومنقوشة على رقىً أو عوذ (حروز) كما تدعى بالعامية العراقية أيضاً أو( قماهي) كما تسمى بالمندائية وكانت من الرصاص ومخطوطة على أوانٍ فخارية وأخيراً مخطوطة على الورق في الكتب الدينية المندائية. وباستثناء الكتب الدينية المحفوظة لدى المنداييين أو لدى بعض المتاحف والمكتبات في أوروبا وأمريكا والمتحف العراقي، وأقدمها استنسخ في القرن السادس عشر من مخطوطات أقدم لم يعثر عليها إلى الآن، ولا يثير استنساخها على هذا النحو خلافاً بين الباحثين، فإن تحديد تاريخ الأخريات أثار جدلاً لم يحسم تماماً. [v]
في الكنـزا اليسار نفحات شعرية وروحية تبوح بها الروح وهي تدخل في معراج هبوطها من عالم النور الى الأرض ثم صعودها من الجسد الى عالم النور في دورة المبدأ والمعاد الغنوصية المعروفة ، وتـنضح من هذه الرحلة الدائرية قصائد روحانية قلّ نظيرها في الأدب القديم.
الحياة الكبرى ،التي هي بمثابة قبس من الحي العظيم ، تشتكي للروح الكبرى (مانا ) من الحرارة الآكلة غير الخلاقة في عالم الأرض والجسد و توضح له أن حرارة هذا العالم أصبحت شديدة، الاضطرام، وتتلضى مستعرةً وتتوهج بالجمر، ويرد المانا على الحياة الكبرى ويطلب منها أن توضِّح أي نوع من الأعمال تطلب منه أن ينجزها فتقول:
"ارتحل ذاهبا، إهبط إلى العالم نازلاً
وخُذ أنت جسماً يكون لكَ رداءً
إذهب واجعل لك من الجسم كساءً
ذلك الجسم الذي أمرك المرء بأن تتحلى به
إمضِ وترعرع تحت أجواء الأسرار
بحيث أن الأسرار تمسي مضيئةً وتتلألأ بواسطتكَ
يتعين عليك أنتَ أن تنال وتنير الأسرار
وينبغي أن تنال سلالتكَ حظاً من القوة والثبات
إن سلالتك ينبغي أن تصعد عالياً إلى مكانها
وينبغي أن يمسي كأس العالم مترعاً
إن كأس العالم يصبح فائضاً بعد أن يبلغ السيلُ الزُبى
وينبغي أن يقوم بحراسته مصباحان
إن مصباحين يقومان على حراسته
وعلى هذا ينشأ بهاءٌ لا حدود أو نهاية له
بواسطة بهائك سوف يكون البيت محمياً
وبكَ سوف ينهض العالم ويقوم
ينبغي أن يكلأكَ خفراءٌ نقيون برعايتهم
وجذر أصلك يتسلق مرتفعاً إلى ما فوق ويصعد شامخاً
ليصعد النصرُ عالياً
الذي ناولته (وزّعته) أنا بنفسي في مكانكَ[vi]
في هذا المقطع الواضح والصريح تطلب الحياة الكبرى من الروح أن تذهب لكي تتخذ الجسمَ رداءً لها. وتكتسب مسألة ارتداء الرداء أهمية كبرى في الأدب الديني المندائي، لأن الشروع بأي عمل يفرض على الأثري الذي سيقوم به أن يتعمد أولاً ثم يرتدي الرداء ليشع ويزداد ضياءً، وكذلك ليتّضح، لأن ارتداء الرداء يعني الخروج من حالة الكمون إلى حالة الظهور.
الدرفش (شعار الدين المندائي ) ويظهر رداء الكهنوتية معلقاً على صليب خشبي
وتتضح في هذا المقطع تلك اللغة التي نعرفها في الأساطير الرافدينية المعروفة .
وفي المقطع التالي تتضح تقنية التكرار المعروفة والتي هي إحدى أهم التقنيات في القصائد السومرية والبابلية .
"إني أنا مانا الحياة الكبرى
إني كنتُ في دار الكنزا المستترة
في دار الكنز المستـترة كنت انا
بين أمناء الكنـز الكرماء
لم أكن قد رأيت الكنز بعد
الذي فتحه خالقي وأُعجب به إعجاباً شديداً
لم أكن قد رأيت الكنـز بعد
ولم أهتف في تنويري بعد
لم أكن قد رأيت الكنـز بعد
فما كان منهم إلاّ أن جلبوني وبعثوا بي إلى هذا العالم
كم هو جميل ما كنتُ أنا قد رأيته
وكم هو بغيضٌ ما عرضتم أنتم عليّ للمشاهدة
متى يتهيأ لي أن أفر هارباً
من الظلمات التي عرضتم أنتم إياها عليّ للرؤية؟
متى يتهيأ لي أن أفرَّ هارباً
حتى أذهب إلى هناك وأرى ما كنتُ أنا قد رأيته على الجانب الآخر؟[vii]
وهناك أيضا الحواريات وتقنيات المناضرة ، ففي كنزا اليسار حوار بين الروها ونشمتا (النفس والروح) تطلب فيه الروها من نشمتا الصاعدة إلى أعلى أن تأخذها معها وتخاطبها بكملة (يا أختي) وتبدأ المقطوعة لتقول بأن هناك صدىً يُسمع من صوتين إثنين:
"الصدى الصدى من الصدى
إنني اسمعُ صوتين اثنين
اللذين يجلسان معاً ويتبادلان الأفكار
إن صوت الروها وصوت الروح (نيشمتا)
هما اللذان يجلسان معاً ويعلّمان أحدهما الآخر
الروها تتكلم إلى الروح (نيشمتا)
إن الروها تتكلم إلى الروح (نيشمتا) قائلةً:
(وحياتك، يا أختي
خذيني معكِ إذا انطلقتِ أنتِ خارجةً)
كيف تريدين مني آخذكِ معي
ولستِ أنت إلاّ روها كاذبة؟
إنكِ لستِ إلا روها كاذبة
تنتحلين ما لم تكوني قد رأيتِ أنتِ بأُمِّ عينيكِ
كيف تريدين مني أن آخذكِ معي، أيتها الأخت،
والرجل ذو الميزان يقف حارساً هناكَ؟
إن الرجل ذا الميزان يقفُ منتصباً هناك
وهو يزن الأعمال والأجر
ويوحِّد جامعاً ما بين الروح (نيشمتا) والروها
إذا وضعَ هو أحداً في الميزان وأثبت هذا أنه مستوفٍ للشروط
فسوف يرفعه المرؤ عالياً ويمنح إياه دعامةً في الحياة
أما إذا وضَعَ هو أحداً في الميزان وأثبتَ هذا أنه غير مستوفٍ للشروط
فسوف يجري له المرؤ على الفور محاكمةً.[viii]
لكن الغريب في الأمر أن ما يجري على الميزان يوحِّد أخيراً بين روها ونيشمتا وهو ما يشير، من وجهة نظرنا، إلى أن الأصل الواحد لهما والذي أثبتنه عبر توحد روها ومانا في التناظرات الثيوغونية حتى بديا وكأنهما قطبين (سالب وموجب) لقطعة واحدة خلقها (الحي العظيم). ومن الجدير بالذكر أن فكرة الميزان (ميزان أباثر) ووزن الأرواح تظهر واضحةً في الديانة المصريةعندما تحين ساعة الحساب في الآخرة ويقوم أوزوريس بوزن الأرواح:
"خذيني معكِ إلى الخارج
إلى ذلك الحدّ حيث يوجد الميزان
دعيهم يضعوني على الميزان
ويطلبون مني الأعمال والأجر
إذا وجدوا هم إنني مستوفٍ للشروط
فما عليهم إلاّ أن يوحِّدوا ما بين الروح (نيشمتا) والروها
أما إذا ودوا هم إنني ناقص وغير مستوفٍ للشروط
فينبغي عليهم أن يقطعوني منك ويخلفوني وراءك
ما أحلاك أنتِ، أختي، أيتها الروح (نيشمتا)
إذ أنك تأخذينني معكِ عندما ترحلين
إلى ذلك الحدِّ حيثُ يقوم الميزان منتصباً
ذلك الذي يزن الأعمال والأجر
إنهم وجدوا عند الوزن إنني مستوفٍ للشروط
لذا جلبوا هم الروح (نيشمتا) مع الروها معاً.
كم فرحت الروح (نيشمتا) وابتهجت
لأنهم وحّدوا ما بين الروح (نيشمتا) والروها.
إن الحياة أسندت الحياة
والحياة وجدت نفسها
والحياة منتصرة.[ix]
الروح هي التي تطيرُ عالياً وتخرج مسرعة إلى العالم الأعلى وقد تأخذ معها النفس (غير المثقلة بالذنوب) وترفعها إلى بيت أباثر (وازن الأرواح) وهناك توزن الروح أولاً ثم توزن النفس وإذا وجدتا خفيفتين (مستوفيتين للشروط) فإنهم سيوحِّدون بينهما وتعود الروح الكاملة (نيشمتا و روها) إلى عالم النور.
إن العلاقة بين الروح والنفس داخل الجسد هي علاقة تكامل حيث تضيء الروح الجسد باتجاه الاعالي، أما النفس فتلبي حاجاته الدنيوية. الروح تذكِّر بالمرجع النوراني بينما النفس تمنح الجسد طاقة الحب والغريزة والانفعال والحيوية.
المراجع
كنـزا ربّا (كنـز الربّ العظيم): كتاب المندائيين الكبير نقله عن الألمانية إلى اللغة العربية المعاصرة Carlos Gelbert، منشورات الماء الحي، سدني-استراليا. الطبعة الثانية/2000 December.
كوندوز، س: معرفة الحياة، ترجمة الدكتور سعدي السعدي، مركز الحرف العربي، غوتنبرغ. السويد، 1996،ص72.
ليدزبارسكي، مارك: كنـزا ربا (كلمة عن الدين المندائي)، ترجمة كارلوس جلبرت، منشورات الماء الحي، سدني/ استراليا 2000 ص687.
Naveh, Joseph, Early History of the Alphabet, Leiden, Brill 1922, p.125-126
سباهي، عزيز: أصول الصابئة (المندائيين) ومعتقداتهم الدينية، منشورات دار المندى، دمشق/1996 ص182.
كنـزا ربا اليسار :2: 16 ص509
نفسه: 2: 22 ص552
نفسه: 3: 28 ص627
نفسه: 2: 5 ص478.
كنـزا ربّا