طائفة الأميش: نبذ للتكنولوجيا وانعزال عن العالم
يبدو العديد من أعضاء طائفة الأميش عند النظرة الأولى كأنهم أتوا من مشهد عائد إلى القرن التاسع عشر.
الأكبر والأكثر محافظة بين أعضاء هذه الطائفة الانعزالية المتدينة يركبون الخيل والعربات بدل السيارات، كما أن العديد منهم لا يملكون هواتف أو كهرباء في بيوتهم.
يرسلون أولادهم إلى مدارس خاصة مكونة من غرفة واحدة حتى سن الـ13.
يبتعدون عن التكنولوجيا ويبشرون بالانعزال عن العالم الحديث. لا ينضمون إلى الجيش ولا يقبلون أي عون من الحكومة.
وتختبر مجتمعات الأميش الكثير من المشاكل التي تواجهها مجتمعات أخرى، لكنها لا تخرجها إلى العلن.
اضطهاد في أوروبا
ويعيش حوالي 200 ألف منهم في أكثر من 20 ولاية أميركية وفي إقليم أونتاريو في كندا.
وتعيش الجماعة الأقدم منهم المكونة من بين 16 و18 ألفا في مقاطعة لانكستر، وهي منطقة زراعية نائية استوطنها الأميشيون الأول في العشرينات من القرن الثامن عشر، وقد لجأ الكثير منهم إلى هناك هربا من الاضطهاد الديني في أوروبا.
وتنقسم الطائفة إلى عشرات التجمعات يعيش كل منها باستقلالية تامة وفقا لقوانينها الخاصة غير المكتوبة، المعروفة بـ"أوردنانغ."
ويعتبر "التنظيم القديم" في لانكاستر الأكثر محافظة بين كل الجماعات الأميشية، ويطبق قوانين صارمة على الملابس والتصرفات واستخدام التكنولوجيا، ويؤمنون بأن ذلك يشجع على التواضع والانفصال عن العالم.
ويرتدي النساء بينهم الثياب المحتشمة والطويلة والمرايل ويقمن بقص الشعر ويربطنه خلف الرأس.
أما الرجال والصبيان فيرتدون البدلات الداكنة اللون والمعاطف والقبعات السوداء أو قبعات القش العريضة. ويطلقون اللحى بعد أن يتزوجوا.
لكنهم لا يرفضون التكنولوجيا بالمطلق، فبعض المزارعين يستخدمون التلفونات وبعض الجماعات المحلية تسمح باستخدام الكهرباء في بعض الظروف.
معظم الأميشيين يتحدثون ثلاث لغات: لغة قريبة من الألمانية تسمى "بنسلفانيا داتش" في منازلهم، ولغة قريبة أيضا من الألمانية تدعى "هاي جيرمان" في صلواتهم، والانكليزية في المدارس.
يشعر الأميشيون أحيانا بضغوط العالم المتقدم. ويقول معلقون إن قوانين عمل الأطفال، على سبيل المثال، تهدد طريقة عيشهم وتقاليدهم القديمة.
وفي حين يملك العديد منهم الأسلحة الشخصية التي يستخدمونها للصيد ولقتل الحيوانات البرية، تعيش مجتمعاتهم حتى الآن دون أي عنف ناتج عن استخدام السلاح.
طائفة الأميش الأميركية في تكاثر مستمر وعزلة عن العالم
طائفة الأميش في الولايات المتحدة ما زالت تعيش بدون كهرباء وتتنقل بعربات تجرها الخيول.
وقد شهدت طائفة الأميش رواجا وسط المجتمع الأميركي العصري حيث تضاعف عددها منذ 16 سنة.
ويعيش أعضاء هذه الطائفة المنحدرة من البروتستانت في عزلة عن العالم ويتنقلون بعربات تجرها الخيول وينبذون التلفزيون والكمبيوتر والكهرباء.
وكان أجدادهم قد هاجروا من جنوب ألمانيا وسويسرا والألزاس بشرق فرنسا في نهاية القرن الثامن عشر. وبلغ عدد أعضائها 231 ألف خلال 2008 مقابل 125 ألفا عام 1992 أي بزيادة قدرها 84%، حسب دراسة أجريت عليها.
وأفاد تحقيق من مركز دراسات تجديدية العماد من معهد إليزابيث تاون في بنسلفانيا، أن طائفة الأميش التي استقرت بداية في بنسلفانيا بشمال شرق أميركا وأوهايو وأنديانا بشمال أميركا أصبحت منتشرة الآن في 28 ولاية أميركية إضافة إلى مقاطعة أونتاريو الكندية.
ومنذ 1992 وبحثا عن أراض زراعية منخفضة الأسعار والابتعاد عن حضارة المدن استقر الأميش في سبع ولايات جديدة مثل أركنسو وكولورادو ومين وميسيسيبي وفرجينيا الغربية.
وارتفع عدد الأميش في عشر ولايات بشكل كبير مثل فرجينيا (+400%) وكنتاكي (+200%) ومونتانا (+150%).
ويرى دونالد كرايبل الذي أجرى الدراسة أن تزايد عدد أعضاء الطائفة عائد أولا إلى تكاثر عدد أفراد عائلاتها تقليديا حيث تضم ما معدله خمسة أطفال.
كما تعود الكثافة إلى نسبة كبيرة من الشبان الذين يميلون إلى "الاستقرار" في الطائفة، إذ إن أربعة من خمسة شبان، ممن تتاح لهم في الثامنة عشر فرصة اكتشاف العالم الخارجي واختيار طريقهم، يقررون البقاء ضمن الأميش.
ويقول كرايبل الذي ألف كتابا بعنوان "الأميش: لغز للعالم العصري" إن "السببين الأساسيين لهذه الزيادة هو ارتفاع معدل الإنجاب واستقرار الشبان (...) لأنهم يشعرون بالارتياح لنمط عيش الطائفة الذي يمنحهم شعورا قويا بالهوية والانتماء إلى مجموعة وبعد ديني".
وأوضح كرايبل أن بين طائفة الأميش أثرياء لكن عددهم اليوم قليل لا يتجاوز مائة، كما أن استقرارهم في مجموعات جديدة لا يتم دائما بسهولة إذ إنهم "غالبا ما يلقون صعوبات عندما يصلون إلى ولاية جديدة لأن سكانها لا يتفهمون ممارساتهم".
فتنقل العربات السوداء التي تجرها خيول بدون أنوار أو عادة إقامة الجد والجدة في مسكن مجاور للمنزل الرئيسي واستخدام غرف خشبية خارج المنزل مراحيض كما يفعل المحافظون منهم، يؤدي في أغلب الأحيان إلى نزاعات حول تراخيص البناء وقوانين السير ومجاري المياه.
ويحترم أفراد الأميش، الذين اكتسبوا شهرة بعد فيلم "ويتنس" الذي لعب فيه فورد هاريسون دورا في 1984، مدونة سلوك خاصة بهم تتركز على القيم الإنجيلية وتحدد الممارسات الممنوعة وتلك المسموح بها.
ويضع رجال الطائفة الذين يرتدون دائما ملابس سواء، قبعات واسعة الأطراف على رؤوسهم ويثبتون سراويلهم بحمالات، في حين تذكر أزياء النساء والفتيات بالعادات الريفية الأوروبية في القرن السابع عشر، إذ يجمعن شعورهن تحت قبعة بيضاء ويرتدين فساتين طويلة فوقها سترة بيضاء.
وأكد كرايبل أن الطائفة التي تعاني منذ سنوات من ارتفاع أسعار الأراضي الزراعية تبحث عن آفاق جديدة، موضحا أن هذا يعني في الواقع "أنهم يبحثون عن أراض أقل تكلفة وأكثر عزلة في الأرياف".
وتوقع الخبير نفسه أن تزدهر طائفة الأميش وأن يتضاعف عدد أفرادها خلال السنوات الـ18 المقبلة
Comment