مع الشيخ الطوسي في غيبته - 8 / أبواب الغائب
إبراهيم عبد علي
الأبواب ، أو الوكلاء " الأربعة " لـ " صاحب العصر والزمان ، عجّلَ الله تعالى فرجه الشريف " ، من الأدلة المهمة التي يعتمد عليها الإثنا عشرية ، بشكل عام ، وشيخنا الطوسي ، بشكل خاص ، على إثبات ولادة ، ووجود " الحجة بن الحسن " فهؤلاء " الأربعة " من الوثاقة لديهم للدرجة التي يمتنع عليهم فيها تعمّد الكذب ، وإتّفاقهم جميعا عليه ، من خلال " إختلاق " قصّة الوليد ، والنيابة ، وإستلام الأموال ، عنه ...
وإنْ كانت حقيقة الأمر تختلف كثيرا ، عمّا يبدو لنا ، في الظاهر ، من الإتفاق على وثاقة هؤلاء النوّاب ، فالمسألة أعقد بكثير ، من هذا التبسيط والتسليم المتعجّل ، فخبر نيابة هؤلاء ووكالتهم عن " المهدي " هو خبر آحاد ، وخبر الآحاد لايفيد الإطمئنان ، فضلاً عن اليقين .. إضافة لذلك ، نجد أنّ الوكالة عن المهدي ، كانت باباً مشرعا للكثير من " المُدّعين " لهذا المنصب " العظيم " حتى وصل عدد " السفراء " إلى أكثر من ( 24 ) سفيرا ، أو وكيلاً ، إقتصر قسمٌ كبير من الإثني عشرية ، بشكل تدريجي ، على وثاقة ( 4 ) منهم ، فيما ذهبَ القسم الآخر منهم ، كـ " الطائفة النّصيريّة المظلومة " إلى وثاقة " السّيد الأجلّ ، والقطب الأكمل ، سيّدنا وهادينا محمد بن نصير " ورفضْ وكالة هؤلاء " الأربعة " عدا " الوكالة المالية فقط " للأول منهم " عثمان بن سعيد العمري " ، فيما ذهب قسم آخر من " الأثني عشرية " إلى وثاقة " سفارة " الشيخ الشلمغاني ، مع الإعتراف بوكالة الأول والثاني ، ورفض وكالة الثالث والرابع ، فيما اكتفى قسم آخر بالإعتراف بوكالة ( الأول ) فقط ، وذهب آخرون إلى " وكالة أبي طاهر بن بلال " رافضين وكالة الثاني ، وذهب آخرون ، وآخرون ، مذاهب شتى ....
إضافة لكل ذلك ، فإننا نجد أنّ مؤلفات " شيعية " مهمّة كـ " فِرَق الشيعة " للنوبختي ( ت 310 هـ ) و " الفرَق والمقالات " للقمّي ( ت 301 هـ ) لم يرد فيهما أيّ ذكر لهؤلاء " الأربعة " وهذا شيء مستغرَب تماما ، لمعاصرتهما هؤلاء الوكلاء ، ولتطرّقهما في كتابيهما لموضوع المهدي بشكل مفصّل ... كما يجب أن لا ننسى الإختلاف الذي حصل لدى " الإثني عشرية " حول هؤلاء " الأربعة " والشكّ في أصل وكالتهم ، وما مرّ معنا ، من الرّواية التي ذكرها لنا " مولانا " الطوسي من إشارة السيدة خديجة بضرورة العودة ـ في غيبة الإمام ـ إلى السيدة " أم العسكري " ، وعدم إشارتها إلى الوكيل الأول " عثمان العمري " مع أنه من المنطقي ، والضروري ، فيما لو صحّتْ وكالته ، أن لا تخفى هذه " الحقيقة " عن السيدة خديجة ، ولأشارتْ بالرجوع إليه ، دون غيره ، لحلّ مشاكل الشيعة ، وإجابة أسئلتهم ..
ثمّ إننا يجب أن لا نتغاضى عن ، أو نستهين بـ " إعتراض " الكثير من الشيعة على وكالة هؤلاء ، خصوصا إذا علمنا أن قسما من هؤلاء المعترضين ، هم مِن أجلاّء علماء وفقهاء " الطائفة " بحيث وصل الأمر بأحدهم ، أنه لا يخلو بيت شيعي من كتبه ومؤلفاته ، ممّا تسبّبَ بخلق مشكلة كبيرة لأحد هؤلاء " الوكلاء " حول طريقة معالجة تلك " المعضلة " ، إضافة لإعتراض العبرتائي ، ومحمد بن علي بن بلال ، و " سيّدنا " محمد بن نصير ، على وكالة " محمد بن عثمان العمري " ، وتكرار الأمر ، مع الوكلاء الأخرين ...
ولنبحر الآن مع شيخنا الطوسي " رحمه الله " وهو يسرد لنا بعضا من قصص وكلاء " مهديّه المنتظر " ...
( أخبرنا جماعة ، عن أبي محمد هارون ، عن محمد بن همام ، عن عبد الله بن جعفر " الحميري " قال : حججنا في بعض السنين ، بعد مُضيّ أبي محمد " ع " فدخلتُ على أحمد بن إسحاق ، بمدينة السلام ، فرأيتُ أبا عمرو عنده " يقصد عثمان بن سعيد العمري " فقلت : إنّ هذا الشيخ ـ وأشرتُ إلى أحمد بن إسحاق ـ وهو عندنا الثقة المرضيّ ، حدّثنا فيك ، بكيت ، وكيت " وذكرتُ له فضل أبي عمرو ومحله " وقلت " له " : أنتَ الآن ممّن لا شكَ في قوله وصدقه ، فأسألكَ بحق الله ، وبحقّ الإمامين الذين وثّقاكَ ؛ هل رأيتَ إبن أبي محمد الذي هو صاحب الزمان ؟.. فبكى ، ثمّ قال : على أن لا تخبر بذلك أحدا ، وأنا حيّ ؟ .. قلت : نعم .. قال : قد رأيته " ع " وعنقه هكذا .. يريد أنها أغلظ الرّقاب حسنا وتماما .. قلتُ : فالإسم ؟ .. قال : نُهيتم عن هذا ) ـ1ـ
وقد مرّتْ بنا هذه الرواية " الشريفة " بتفصيل أكثر ، وإختلاف في بعض نقاطها ، وكانت مرويّة عن ( محمد بن يعقوب عن بعض جماعتنا ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ) وهذه الرواية تؤكد لنا أيضا ، ككثير غيرها ، الشكّ بولادة " خلف " العسكري ، فالسائل ، على الرغم من جلالة قدره لدى الإثني عشرية ، وتبحّره في علومهم ، نراه يسأل الشيخ " العمري " مُقسما عليه بالله ، وبالإمامين الهادي والعسكري " ع " ؛ هل هنالك فعلا إبنا للعسكري رأيته أنتَ بعينك ؟ فيجيبه العمري ، بشرط عدم ذكر الإجابة ما دام العمري حيا ؛ أنه رآه " وعنقه هكذا " يريد أنّ بها غلظة ، ولا أدري ما معنى " شرط العمري " هذا ؟ فكونه هو وكيل الإمام ، فمن الطبيعي أن يعلم الشيعة بذلك ، بل أنه ينبغي عليه أن يدعو الشيعة لذلك ، حسب إستطاعته ، لينقذهم من أن يموتوا " ميتة جاهلية " ، خصوصا أنّ هنالك شكٌ كبير لديهم في أصل القضية برمّتها ، فكيف يطلب من " الحميري " عدم إفشاء رؤيتة " أي العمري " لإمامهم ؟! .. كما لا أظنّ أنّ هنالك داعٍ لذكر غلظة رقبة " المولى " فقد كان يكفي أن يذكر صفات أخرى أنسب ... ثمّ إننا نفهم من سؤال " الحميري " المتكرر ، فمرة يسأل العمري الأب ، وأخرى يسأل إبنه ، أنّ الشكّ ما زال مستمرا ، وعدم الثقة بهذين الشخصين ، ما زال موجودا ، وإلاّ ما الداعي في أن يسألَ الأب " الوكيل الأول الثقة " مقسما عليه بالله ، وبالإمامين العسكريَّين ، ثم يعود ، بعد سنين ، ليسألَ إبنه " الوكيل الثاني الثقة أيضا " .. ثمّ لا أدري ما هو سبب بكاء " العمري " حينما سأله " الحميري " عن رؤيته لـ " صاحب الزمان " من عدمها ؟ .. وما هو المبرّر لعدم ذكر " العمري " لإسم إمامه الذي يجهله " الحميري " المسكين ، والذي يجهل ، بالطبع أيضا ، حديث " الإثنا عشر " إماما ، بالإسم والصّفة ؟! ...
( عن أبي نصر ، هبة الله بن أحمد الكاتب ، إبن بنت أبي جعفر العمري ، قدّسَ الله روحه وأرضاه ، عن شيوخه " ؟ " أنه لمّا مات الحسن بن علي ، عليه السلام ، حضر غسله عثمان بن سعيد ، رضي الله عنه وأرضاه ، وتولى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه وتقبيره ... ) ـ2ـ
وفي هذه الرواية " الجليلة " نكتشف أنّ الذي غسل الإمام العسكري وكفنه ودفنه ، هو " وكيله المالي " عثمان بن سعيد العمري ، وهذا الأمر يناقض " حقيقة " مسلّم بها لدى " الإثنا عشرية " من أنه " لا يلي الإمام ـ غسلا وتكفينا ودفنا ـ إلا إمام " ...
( عن أبي نصر هبة الله بن أحمد الكاتب قال : قال جعفر بن محمد بن مالك الفزاري البزاز ، عن جماعة من الشيعة ، منهم ؛ علي بن بلال ، وأحمد بن هلال ، ومحمد بن معاوية بن حكيم ، والحسن بن أيوب بن نوح ، قالوا جميعا : إجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي " ع " نسأله عن الحجة من بعده ، وفي مجلسه " ع " أربعون رجلا ، فقام إليه عثمان بن سعيد العمري فقال له : يا بن رسول الله أريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به مني .. فقال له : إجلس يا عثمان .. فقام مغضبا ، ليخرج ، فقال : لا يخرجنّ أحد .. فلم يخرج منا أحد إلى أن كان بعد ساعة ؛ فصاح عليه السلام بعثمان ، فقام على قدميه .. فقال : أخبركم بما جئتم ؟ .. قالوا : نعم يا بن رسول الله .. قال : جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي .. قالوا : نعم .. فإذا غلام كأنه قطعة قمر ، أشبه الناس بأبي محمد " ع " فقال : هذا إمامكم من بعدي ، وخليفتي عليكم ، أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي ، فتهلكوا في أديانكم ، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا ، حتى يتمّ له عمر ، فاقبلوا من عثمان ما يقوله ، وانتهوا إلى أمره ، واقبلوا قوله ، فهو خليفة إمامكم ، والأمر إليه ) ـ3ـ
وهنا نجد أنّ رؤوس الشيعة ، في حوالي ( 40 ) رجلا ، وبضمنهم العمريّ ، أرادوا سؤال العسكري عن " الحجة من بعدي " وهذا يعني عدم معرفتهم به ، أو رؤيتهم له مسبقا .. وفجأة يخرج عليهم غلام ، يشبه أبا محمد ، فيخبرهم الإمام بأن هذا الغلام هو ( خليفتي عليكم ) الذي لن ترونه بعد يومكم هذا ، فأطيعوه ، ولا تتفرقوا ... ولا أدري كيف يطيعونه وهم لن يروه بعد يومهم هذا ؟! .. ثمّ أين كان هذا الغلام إثناء الوقت الذي صمتَ فيه القوم ، وتحدّثوا ؟ وهو بالتأكيد وقت طويل ، وكذلك فالرّواية حينما تصل لمقطع " جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي " لا تشير إلى أنّ الإمام نادى على " الغلام " ليأتيَ إليه ويراه " الحائرون " ، إنما تردف مباشرة " فإذا غلام كأنه قطعة قمر " وهذا يوحي بأنّ الغلام كان مختبئاً خلف الباب كل هذه المدة ليرى أباه يصل إلى هذا المقطع ، فيدخل عليهم " ؟! " ، وكون أنّ الذي خرج إليهم ، هو غلام ؛ فهذا يعني أنّ رؤوس الشيعة هؤلاء ، لم يكن لديهم علم مسبق بوجوده ، أو ولادته ، كل هذه المدّة التي نشأ فيه حتى صار " غلاما " ...
وبعدها يأمر " إمامنا " شيعته بالرجوع إلى " العمري " ( الذي رأيناه من قبلُ ، غاضبا ، يهمّ بالخروج من مجلس الإمام ) فهو " خليفة إمامكم " " والأمر إليه " ونرى أنّ إشارة العسكري للعمري بأنه " خليفة إمامكم " وأنّ " الأمر إليه " لا يتّسع لها مقام الشيخ ، فقد كان يكفي أن يقول أنه وكيل إمامكم ، فإرجعوا إليه في حال غيبته .. ثم ما معنى الشطر الأخير من الرواية " والذي يتحدث عن " الصّاحب " " ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا ، حتى يتمّ له عمُر " ؟! ... وما هذه الركّة في الكلام ، والتكرار السّمِج " فاقبلوا من عثمان ما يقوله .. واقبلوا قوله " ؟ ...
( قال أبو علي بن همام : كان أحمد بن هلال الكرخي من أصحاب أبي محمد " ع " فاجتمعتْ الشيعة على وكالة محمد بن عثمان " رض " بنصّ الحسن " ع " في حياته ، ولمّا مضى الحسن قالت الشيعة الجماعة له : ألا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان ، وترجع إليه ، وقد نصّ عليه الإمام المفترض الطاعة ؟ .. فقال لهم : لمْ أسمعه ينصّ عليه بالوكالة ، وليس " ولستُ " أنكر أباه ، يعني عثمان بن سعيد ، فأمّا أن أقطع أنّ أبا جعفر وكيل صاحب الزمان ؛ فلا أجسر عليه .. فقالوا : قد سمعه غيرك .. فقال : أنتم وما سمعتم .. ووقفَ على أبي جعفر ، فلعنوه ، وتبرأوا منه .. ثمّ ظهرَ التوقيع ، على يد أبي القاسم بن روح بلعنه والبراءة منه ) ـ4ـ
إذن هنالك إختلافٌ على " وكالة " الثاني ، وليس هنالك إجماع على هذه الوكالة ، من قبل الشيعة كلهم ، ولا أدري ما هي جريرة " أحمد بن هلال الكرخي " حتى يستحقّ الطرد واللعن والبراءة ، وكل ما عمله ، هو أنه " متحرّزٌ " في دينه ، ويخشى ربّه ، لدرجة أنه لا يمكنه القبول بوكالة إنسان لا يثق به ، ولا يعتقد أنه قد نُصّبَ من قبَل إمامه العسكري ، لأنه لم يسمع منه ذلك ، فهو قد سمع ، منه ، نصّه على أبيه فقط ، ولم يذكر وَلده بشيء .. ولذا نراه ، في معرض رفضه لوكالة الإبن ، يقول " لا أجسر على القطع بأنّ محمدا بن عثمان هو وكيل صاحب الزمان " فلا أظنّ أنّ الرجل يستحق كل هذا اللعن " فريقاً كذّبتم ، وفريقا تقتلون " ...
( ومنهم ـ أي من المنشقّين والرافضين ـ أبو طاهر محمد بن علي بن بلال ، وقصّته معروفه فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ، نضّرَ الله وجهه ، وتمسّكه بالأموال التي كانت عنده للإمام ، وإمتناعه من تسليمها ، وإدّعائه أنه الوكيل ، حتى تبرأتْ الجماعة " ؟ " منه ، ولعنوه ، وخرجَ فيه من صاحب الزمان ما هو معروف ) ـ5ـ
إذن لدينا هنا " وكيل آخر " في قبال وكالة " العمري الإبن " ولنكمل قصته لنعرف تفاصيل أكثر عنه ...
( حكى أبو غالب الرازي قال : حدّثني أبو الحسن محمد بن محمد بن يحيى المعاذي قال : كان رجل من أصحابنا قد انضوى إلى أبي طاهر بن بلال ، بعدما وقعتْ الفرقة ، ثمّ أنه رجع عن ذلك ، وصار في جملتنا ، فسألناه عن السبب .. فقال : كنتُ عند ابي طاهر بن بلال يوما ، وعنده أخوه أبو الطيّب ، وإبن حرز ، وجماعة من أصحابه ، إذ دخل الغلام فقال : أبو جعفر العمري على الباب ، ففزعتْ الجماعة لذلك ، وأنكرتهُ ، للحال التي كانت " قد " جرتْ ، وقال : يدخل .. فدخلَ أبو جعفر ، رضي الله عنه ، فقام له أبو طاهر والجماعة .. وجلسَ في صدر المجلس ، وجلسَ أبو طاهر ، كالجالس بين يديه ، فأمهلهم ، إلى أن سكتوا ، ثم قال : يا أبا طاهر ، نشدتكَ بالله ، ألم يأمركَ صاحب الزمان " ع " بحمل ما عندك من المال إليّ ؟ .. فقال : اللهمّ نعم .. فنهض أبو جعفر ، رضي الله عنه ، منصرفا ، ووقعتْ على القوم سكتة .. فلمّا تجلّتْ عنهم ، قال له أخوه أبو الطيّب : مِن أين رأيتَ صاحب الزمان ؟ .. فقال أبو طاهر : أدخلني أبو جعفر ، رضي الله عنه ، إلى بعض دوره ، فأشرفَ عليَّ " أي المهدي " مِن علوّ داره ، فأمرني بحمل ما عندي من المال إليه .. فقال له أبو الطيّب : ومِن أينَ علمتَ أنه صاحب الزمان " ع " ؟ .. قال : قد وقعَ عليَّ من الهيبة له ، ودخلني من الرّعب منه ، ما علمتُ أنه صاحب الزمان ... فكان هذا سبب إنقطاعي عنه " أي عن أبي طاهر " ) ـ6ـ
ولنقرأ ، معا ، من جديد ، هذه الرّواية ...
1ـ نجد أنّ " المعاذي " يذكر " رجلا " دون ذكره لإسمه ، كان من المؤمنين بوكالة أبي طاهر بن بلال ، رافضا ، بالطبع ، لوكالة العمري الثاني ، ثم رجع إلى صوابه ، وصار في " جملتنا " وذلك بسبب حادثة وقعت ، كان هو شاهد عيان عليها ..
2ـ كان الرجل مع آخرين ، مجتمعين في بيت أبي طاهر بن بلال ، فيُطرَق الباب ، ويأتي الخادم ليُخبرهم أنّ " العمري " يستأذن الدخول .. فيفزع المجتمعون ، ويُنكرون مجيء هذا الشخص ، الذي لا يثقون به ، ولا يؤمنون بوكالته عن إمامهم ..
3ـ يدخل العمري ليجلسَ في صدر المجلس ، ويفاجئنا إبن بلال بالجثوِّ بين يديه ، بكل أدب وإحترام وتبجيل ! ..
4ـ يسألُ " العمريّ " أبا طاهر " ألم يأمركَ الإمام بحمل ما عندك من الأموال إليّ ؟ " فيجيبه إبن بلال ـ ويا للعجب ـ " اللهمّ نعم " ... وهنا ينصرف " أبو جعفر " لتستولي الدهشة على الحضور " ففيمَ كنّا ، إذن ، إن كنتَ تقرّ بأنّ الإمام أمرك بدفع الأموال إلى العمري ، وبالتالي فأنتَ تعترف ، وتقرُّ بوكالته عنه ، فلمَ رفضتَ أساسا دفع الأموال إليه ، وإدّعيتَ أنه ليس الوكيل الحقيقي للـ " الصّاحب " إنما هو أنت ؟.. وهل بمثل تلك السّرعة والبساطة ، وأمام جمع من أنصارك ، والمؤمنين بوكالتك ، توحي للناس بضِعَتِكَ ، وجرمكَ ، وكذبكَ ، وسوء فعلكَ ، من خلال إعترافكَ ـ دونما تعذيب أو إكراه ـ بأنّ الإمام أمركَ بالرجوع إلى إبن العمري ؟ ..
5ـ وسط كل هذا الذهول ، واللاعقلانية في التصرّف ، يتقدّم أخو " بن بلال " ليسألَ أخاه " مِن أينَ رأيتَ صاحبَ الزمان ؟ " .. ألم يكن من الأولى أن يسأله " لمَ فعلتَ بنا ما فعلتَ ، وكيف كذبتَ علينا ، وأضللتنا ، إن كنتَ تقرّ بوكالة أبي جعفر ، وتعترف بأنّ الإمام أمركَ بدفع الأموال إليه ؟ " .. ثمّ إنّ السؤال بذاته غريب نوعا ما ، فكيفَ يُسأل " الوكيل " الذي يؤمن بوكالته السائل نفسه ، والآخرين ، مثل هذا السؤال ، عنيتُ " أينَ رأيتَ صاحب الزمان ؟ " فكونه وكيلا له ، فإنّ هذا يعني رؤيته له ، وإتّصاله به ، وبالتالي فلا داعٍ هنالك لمثل ذلك السؤال الأبله ..
6ـ يجيب إبن بلال بأنه رأى الإمام في أحد دور أبي جعفر.. فيُسألُ ؛ وكيف عرفتَ أنّه هو ؟ فيجيبهم ؛ هِبتُهُ ، وأرعبني ...
7ـ للعمري " الإبن " دور وأملاك ، كما أشارتْ لنا ، هذه الرواية ، ورواية سابقة ذكرها الشيخ الطوسي " رحمه الله " .. " مِن أين لك ، يا هذا ، هذا ؟ " ..
8ـ هنالك تبجيل واضح من قبَل الرّاوي ـ الذي إهتدى بعد ضلال ، كما يدّعي ـ لشخصية العمري ، من خلال إرفاقه لعبارة " رضي الله عنه " لثلاثة مرات عند ذكر إسمه " الشريف " ...
( قال إبن نوح : أخبرني أبو نصر هبة الله ابن بنت أم كلثوم ، بنت أبي جعفر قال : كان لأبي جعفر العمري محمد بن عثمان العمري كتبٌ مصنّفة في الفقه ، ممّا سمعها مِن أبي محمد الحسن ، عليه السلام ، ومن الصّاحب " ع " ومن أبيه عثمان بن سعيد ، عن أبي محمد وعن أبيه علي بن محمد " ع " ، فيها كُتب ، ترجمتها كتب الأشربة .. ذكرَتْ الكبيرة " أم كلثوم بنت أبي جعفر " رضي الله عنه ، أنها وصلتْ " أي الكتب " إلى أبي القاسم الحسين بن روح ، رضي الله عنه ، عند الوصية إليه .. وكانت في يده .. قال أبو نصر : أظنها قالتْ : وصلتْ بعد ذلك إلى أبي الحسن السمّري ، رضي الله عنه وأرضاه ) ـ7ـ
السؤال هو ؛ أين هي هذه الكتب ، ولمَ لمْ ينقلها لنا " الحسين بن روح " أو " السمري " ؟ .. ولمَ لمْ ينقل عنها " الكليني " المعاصر لهما ، والذي لم يكلّف نفسه ، حتى مجرّد اللقاء بهما ؟ .. أو شيخ الطائفة الطوسي ، أو الشيخ الصّدوق ، وغيرهما ممّن كان قريبا لعصرهما ؟ .. علما أنّ كتباً ، كهذه ، من المفترض أن تحتلّ الأهمية القصوى ، بإعتبارها صادرة عن " المعصوم " نفسه ، سواءً كان الهادي ، أو العسكري ، أو ولده " المهدي " أو ، على الأقل ، بإشرافهم ، أو إشراف أحدهم .. إذن ، والحال هذه ، فهي كتب في غاية الأهمية والإعتبار ، ومن الضروري والمنطقي ، أن يهتمّ بها الشيعة أيّما إهتمام ، ويحافظوا عليها ، على الأقل بتلك الفترة الزمنية ، ولكننا لم نجد لها ذكرا أبدا ، وهذا الأمر ، يدعونا للشكّ بوجودها أصلا ..
( قال أبو الحسين بن تمام : حدّثني عبد الله الكوفي ، خادم الشيخ الحسين بن روح ، رضي الله عنه ، قال : سُئلَ الشيخ ـ يعني أبا القاسم رضي الله عنه ـ عن كتب إبن أبي العزاقر ، بعد ما ذُمّ ، وخرجَتْ فيه اللعنة .. فقيلَ له : فكيف " فماذا " نعمل بكتبه ، وبيوتنا منه " ـا " ملاء ؟ .. فقال : أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما ، وقد سُئلَ عن كتب بني فضال ، فقالوا ؛ كيف نعمل بكتبهم ، وبيوتنا منها ملاء ؟ .. فقال صلوات الله عليه : خذوا بما رووا ، وذروا ما رأوا ) ـ8ـ
وهذا الأمر يشير إلى التأثير الهائل الذي أحدثه الشيخ محمد بن علي الشلمغاني ( أُعدِمَ وأحرقتْ جثته عام 322 هـ ) في صفوف الشيعة ، وأنّ له كتبا ، ومؤلفات ، لا يمكن الإستغناء عنها ، وأنها بلغتْ من الكثرة والأهمية والقبول ، بحيث إمتلأتْ بها " بيوت الشيعة " ولا أدري لمَ لمْ تمتلأ بكتب " الوكلاء الثلاث " الذين يستقون علومهم ـ حسب إدّعائهم ـ من منبع العلم والحكمة والتشريع ، وهو الإمام محمد بن الحسن ، الذي هم على إتّصال دائم ، ومباشر معه ، دوناً عن الخلق كلهم ، ومن ضمنهم المرحوم " الشلمغاني " نفسه الذي يقول " إبن روح " أنّ اللعن صدرَ بحقّه من قبَل الإمام نفسه ، حينما كان " الحسين بن روح " في سجن بنيّ العبّاس ..
ولمَ لمْ يدلّهم " إبن روح هذا " على كتب " الوكيل الثاني " المستقاة من الأئمة بشكل مباشر ، والمودَعة لديه ، حسب إدّعاء إبنة العمريّ ، الكبرى " أم كلثوم " ؟ ..
ثمّ أليس من الأولى لإبن روح حينما سُئلَ عن إشكالية كتب الشلمغاني ، أن يقول للناس ، بأنه سيرجع إلى إمامه ليسأله عن ذلك الأمر ، ثمّ يعود إليهم بالجواب .. وهذا ، بالتأكيد ، أفضل من أن " يجتهد " بمثل تلك المسألة المهمة ، والتي هي محلّ إبتلاء ، لأنها تخصّ عقائد الناس وفقههم ... وكيف له أن " يجتهد " في حضور " الإمام " صاحب الرؤية التشريعية ، وصاحب الحق في الفتوى ، وتوجيه الناس ؟ ..
إضافة لكل ذلك ؛ فإجتهاد " الحسين بن روح " في حلّ تلك المسألة ، قياسا على توجيه العسكري ، لبعض الشيعة في مسألة تشبهها ، في الموضوع ، وقد تختلف عنها في التفاصيل ، والزمن ؛ غير مقنعٍ ، وغير مقبول ، بل غير مجدٍ ابدا ؛ فأنْ أتركَ ما رأى ، آخذاً بما روى ؛ فذا ، لعَمري ، حلٌ غير واقعي ، فما الذي يضمن لي ، أنه لم يحرّف ما روى ، وفقا لِما يرى ؟! ..
وهل أن كتب " الشلمغاني " بهذه الدرجة من الأهمية ، بحيث لا يمكن الإستغناء عنها ، أو الأمر بحرقها ؟ .. ولا أظنّ أنّ ابن روح يجرؤُ على ذلك ، لأنّ الرجل " عنيتُ الشلمغاني " له سطوته الفكرية ، في ذلك الزمن ، وكان له أكثر من كتاب منتشر ، ومعمول به ، بين الشيعة ، منها ، على سبيل المثال ، كتابَي " التكليف " و " التأديب " .. أمّا الأول ؛ فقد قال عنه إبن روح " إعملوا به ، فليس فيه ما يخالف عقيدتنا ، إلا ثلاثة أحاديث ، كذبَ بها اللعين على الأئمة " .. أمّا الكتاب الثاني ؛ وهو كتاب فقهيّ أيضا ، فقد أرسله " إبن روح " إلى قم ليعرضوه على الفقهاء هناك ، وقال لهم ( أنظروا في هذا الكتاب ، وأنظروا ؛ فيهِ شيءٌ يخالفكم ؟ .. فكتبوا إليه : إنه كله صحيح ، وما فيه شيء يخالف ، إلا قوله : الصّاع في الفطرة نصف صاع من طعام ، والطعام عندنا مثل الشعير ، من كل واحد صاع .. ) ـ9ـ
ولا أدري لمَ لم يُرسل " إبن روح " كتاب " التأديب " هذا ، إلى إمامه " محمد بن الحسن " ليعرف منه مدى موافقته للتشريع الإسلامي ؟ .. أليس الإمام هو أدرى الناس بالتشريع والفقه ؟ .. وهل يُعقل من " وكيل الإمام " أن يبعثَ بالكتاب " المُشكل " هذا إلى فقهاء " قم " تاركا مصدر التشريع نفسه ، والذي يلتقي به بشكل مباشر ؟! .. علمُها عند ربّي ، وأكيد عند ابن روح نفسه ...
( ذكر أبو محمد هارون بن موسى قال : قال لي أبو علي بن الجنيد قال لي أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني : " ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين بن روح ـ رضي الله عنه ـ في هذا الأمر ، إلاّ ونحن نعلم فيما دخلنا فيه ؛ لقد كنّا نتهارش على هذا الأمر ، كما تتهارش الكلابُ على الجيَفْ " ) ـ10ـ
وهذا الإعتراف الخطير من قبَل الشلمغاني هو في غاية الأهمية ، وأظنّه ، قد صرّحَ به ، بعد الخلاف الكبير الذي حصل بينهما ، وإدّعاء كلّ واحد منهما أنّه هو الوكيل الحق لـ " صاحب العصر والزمان " للدرجة التي وصلتْ بهما حدّ التلاعن والمباهلة .. وهذا الإعتراف ، يثير التساؤل حول أصل الإدّعاء ، سواءً منه ، أو من رفيقه في التّهارش ، كما الكلاب ، على حدّ تعبيره ...
( أخبرنا جماعة ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قال : حدّثني أبو محمد أحمد بن الحسن المكتب قال : كنتُ بمدينة السلام في السنة التي توفيَ فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري ، قدّس سرّه ، فحضرتُه قبل وفاته بأيام ، فأخرجَ إلى الناس توقيعا نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري ؛ أعظمَ الله أجر إخوانك فيكَ ، فإنّكَ ميتٌ ما بينكَ وبين ستة أيّام ، فاجمع أمرك ، ولا توصِ إلى أحد ، فيقوم مقامك ، بعد وفاتك ، فقد وقعتْ الغيبة التامّة ، فلا ظهور إلا بعد إذن الله ، تعالى ذكره ، وذلك بعد طول المدّة ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جورا ، وسيأتي لشيعتي مَن يدّعي المشاهدة ، ألا فمن إدّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصّيحة ؛ فهو كذاب مفتر ... قال : فنسخنا هذا التوقيع ، وخرجنا من عنده .. فلمّا كان اليوم السادس ، عُدنا إليه ، وهو يجود بنفسه ، فقيل له : مَن وصيّكَ من بعدك ؟ فقال : لله أمرٌ هو بالغه ... ) ـ11ـ
وفي هذه الرواية " الشريفة " نجد أنّ " المهدي " يبعث لوكيله الرابع " السمري " بآخر توقيعاته ، يخبره فيها أنه ـ أي السمري ـ سيموت بعد ستة أيام ، وأنّ الغيبة الكبرى ، أو التامّة ، قد حصلتْ ، فليس هنالك من وكالة بعد الآن " فلا توصِ لأحد من بعدك " .. فينسخ الشيعة هذا " التوقيع " ، وبالتأكيد ، فـ " السمري " أساسا قد أخبر الشيعة بهذا الأمر الجلل ، وأطلعهم على محتوى رسالة " غائبهم المنتظر " ، تماما كما حصل ويحصل ، عند ورود أي " توقيع " للإمام .. ولا ننسى أنّ هذا " التوقيع " بالذات له أهميته البالغة ، ووقعه المحزن ، فهو تصريح واضح ببدأ الغيبة التامّة ، وإنقطاع التواصل المباشر مع " وليّ الله " عن طريق وكلائه ، وبالتالي فلا بدّ أن يحتلّ هذا " الكتاب " وهذا الحدث ، مكانة كبيرة ، ويكون مدعاةً للتساؤل حول أسبابه ، وحول " التكليف الشرعي " للشيعة ، بعد حصول هذه الغيبة الجديدة ، والتي لم يعتادوها من قبل ، خصوصا أنّ هنالك فترة زمنية ممتدّة ، ما بين صدور " التوقيع الأخير " وموت " الوكيل الأخير " هي ( 6 ) أيّام ... ومع ذلك كله ؛ نجد الشيعة ، مع نسخهم ، كما ذكر الراوي ، للكتاب ، ومع كل الضرورات التي ذكرناها ؛ يجتمعون ساعة إحتضار " وكيلهم " ليسألوه " مَن وصيّكَ من بعدك ؟ " !! فيجيبهم " الميّتْ " : " لله أمرٌ هو بالغه " ...
ولا أدري ، والله ، لمَ لمْ يحدّد لهم الإمام " المنتظر " عن طريق آخر وكلائه ـ والذي امتدّتْ وكالته لحوالي سنتين ـ معالم المرحلة المقبلة ، ووظيفتهم الشرعية في " الغيبة الكبرى " ، ويدلّهم على مَن يفزعون إليه ، في هذه المرحلة الحرجة ، ما دامت " الوكالة " التي ضمنتْ لهم التواصل معه ، لأكثر من ( 70 ) عاما ، قد انتهتْ ؟ ..
لمَ لمْ يوضّح لهم ، بما لا مجال للشكّ فيه ، مرجعيّتهم الجديدة ، ويبيّن لهم أمور فقههم وعقيدتهم ، حتى يكونوا على بيّنة من الأمر ، وحتى لا يحصل ما حصل من إختلاف وتشرذم وتشظي ، ما زال الشيعة يعانون منه إلى زمننا هذا ؟ .. هل غاب هذا الأمر عن الإمام ، أم عن وكيله ؟! ..
أحمريّةٌ ، وحلاّجيّة ، عزاقريّةٌ ، ونصيريّة ، أصوليّون ، وأخباريّون ، بابيّة ، وبهائية ، حجّتية ، وسلوكية ، يمانيّة ، وقحطانية ، نبأيّةٌ ، وربّانيّة ، جند السماء ، وأصحاب القضيّة ... مَن يدفن " خمسَه " منتظرا ظهور إمامه ، ومَن يرميه في البحر ، دونما أسفٍ " فالأرض والبحارُ ، ستُخرجُ ، للمنقذِ ، كنوزها " .. ومَن يحرّم " جُمعته" ويشيح بوجهه عنها ، ضاربا ، بجدار الغيبةِ ، قرآنَ ربّه ... ومَن يقلّدُ بوَجلٍ ، ومَن يحرّم تقليدَ " الأوثان " ... ومَن ، ومَن ... حتى يطول بنا المسرى ، فلا ندري إلى أينَ ، ومِن أينَ ، وحتّى مَ تمزّقُ خطوَنا متاهاتُ دروبٍ ، دونما شمعة ؟! ....
ــــــــــــــــ
1ـ الكتاب : 215
2ـ الكتاب : 216
3ـ الكتاب : 217
4ـ الكتاب : 245
5ـ الكتاب : 245
6ـ الكتاب : 245 ـ 246
7ـ الكتاب : 221
8ـ الكتاب : 239 ـ 246
9ـ الكتاب : 240
10ـ الكتاب : 241
11ـ الكتاب : 242 ـ 243
إبراهيم عبد علي
الأبواب ، أو الوكلاء " الأربعة " لـ " صاحب العصر والزمان ، عجّلَ الله تعالى فرجه الشريف " ، من الأدلة المهمة التي يعتمد عليها الإثنا عشرية ، بشكل عام ، وشيخنا الطوسي ، بشكل خاص ، على إثبات ولادة ، ووجود " الحجة بن الحسن " فهؤلاء " الأربعة " من الوثاقة لديهم للدرجة التي يمتنع عليهم فيها تعمّد الكذب ، وإتّفاقهم جميعا عليه ، من خلال " إختلاق " قصّة الوليد ، والنيابة ، وإستلام الأموال ، عنه ...
وإنْ كانت حقيقة الأمر تختلف كثيرا ، عمّا يبدو لنا ، في الظاهر ، من الإتفاق على وثاقة هؤلاء النوّاب ، فالمسألة أعقد بكثير ، من هذا التبسيط والتسليم المتعجّل ، فخبر نيابة هؤلاء ووكالتهم عن " المهدي " هو خبر آحاد ، وخبر الآحاد لايفيد الإطمئنان ، فضلاً عن اليقين .. إضافة لذلك ، نجد أنّ الوكالة عن المهدي ، كانت باباً مشرعا للكثير من " المُدّعين " لهذا المنصب " العظيم " حتى وصل عدد " السفراء " إلى أكثر من ( 24 ) سفيرا ، أو وكيلاً ، إقتصر قسمٌ كبير من الإثني عشرية ، بشكل تدريجي ، على وثاقة ( 4 ) منهم ، فيما ذهبَ القسم الآخر منهم ، كـ " الطائفة النّصيريّة المظلومة " إلى وثاقة " السّيد الأجلّ ، والقطب الأكمل ، سيّدنا وهادينا محمد بن نصير " ورفضْ وكالة هؤلاء " الأربعة " عدا " الوكالة المالية فقط " للأول منهم " عثمان بن سعيد العمري " ، فيما ذهب قسم آخر من " الأثني عشرية " إلى وثاقة " سفارة " الشيخ الشلمغاني ، مع الإعتراف بوكالة الأول والثاني ، ورفض وكالة الثالث والرابع ، فيما اكتفى قسم آخر بالإعتراف بوكالة ( الأول ) فقط ، وذهب آخرون إلى " وكالة أبي طاهر بن بلال " رافضين وكالة الثاني ، وذهب آخرون ، وآخرون ، مذاهب شتى ....
إضافة لكل ذلك ، فإننا نجد أنّ مؤلفات " شيعية " مهمّة كـ " فِرَق الشيعة " للنوبختي ( ت 310 هـ ) و " الفرَق والمقالات " للقمّي ( ت 301 هـ ) لم يرد فيهما أيّ ذكر لهؤلاء " الأربعة " وهذا شيء مستغرَب تماما ، لمعاصرتهما هؤلاء الوكلاء ، ولتطرّقهما في كتابيهما لموضوع المهدي بشكل مفصّل ... كما يجب أن لا ننسى الإختلاف الذي حصل لدى " الإثني عشرية " حول هؤلاء " الأربعة " والشكّ في أصل وكالتهم ، وما مرّ معنا ، من الرّواية التي ذكرها لنا " مولانا " الطوسي من إشارة السيدة خديجة بضرورة العودة ـ في غيبة الإمام ـ إلى السيدة " أم العسكري " ، وعدم إشارتها إلى الوكيل الأول " عثمان العمري " مع أنه من المنطقي ، والضروري ، فيما لو صحّتْ وكالته ، أن لا تخفى هذه " الحقيقة " عن السيدة خديجة ، ولأشارتْ بالرجوع إليه ، دون غيره ، لحلّ مشاكل الشيعة ، وإجابة أسئلتهم ..
ثمّ إننا يجب أن لا نتغاضى عن ، أو نستهين بـ " إعتراض " الكثير من الشيعة على وكالة هؤلاء ، خصوصا إذا علمنا أن قسما من هؤلاء المعترضين ، هم مِن أجلاّء علماء وفقهاء " الطائفة " بحيث وصل الأمر بأحدهم ، أنه لا يخلو بيت شيعي من كتبه ومؤلفاته ، ممّا تسبّبَ بخلق مشكلة كبيرة لأحد هؤلاء " الوكلاء " حول طريقة معالجة تلك " المعضلة " ، إضافة لإعتراض العبرتائي ، ومحمد بن علي بن بلال ، و " سيّدنا " محمد بن نصير ، على وكالة " محمد بن عثمان العمري " ، وتكرار الأمر ، مع الوكلاء الأخرين ...
ولنبحر الآن مع شيخنا الطوسي " رحمه الله " وهو يسرد لنا بعضا من قصص وكلاء " مهديّه المنتظر " ...
( أخبرنا جماعة ، عن أبي محمد هارون ، عن محمد بن همام ، عن عبد الله بن جعفر " الحميري " قال : حججنا في بعض السنين ، بعد مُضيّ أبي محمد " ع " فدخلتُ على أحمد بن إسحاق ، بمدينة السلام ، فرأيتُ أبا عمرو عنده " يقصد عثمان بن سعيد العمري " فقلت : إنّ هذا الشيخ ـ وأشرتُ إلى أحمد بن إسحاق ـ وهو عندنا الثقة المرضيّ ، حدّثنا فيك ، بكيت ، وكيت " وذكرتُ له فضل أبي عمرو ومحله " وقلت " له " : أنتَ الآن ممّن لا شكَ في قوله وصدقه ، فأسألكَ بحق الله ، وبحقّ الإمامين الذين وثّقاكَ ؛ هل رأيتَ إبن أبي محمد الذي هو صاحب الزمان ؟.. فبكى ، ثمّ قال : على أن لا تخبر بذلك أحدا ، وأنا حيّ ؟ .. قلت : نعم .. قال : قد رأيته " ع " وعنقه هكذا .. يريد أنها أغلظ الرّقاب حسنا وتماما .. قلتُ : فالإسم ؟ .. قال : نُهيتم عن هذا ) ـ1ـ
وقد مرّتْ بنا هذه الرواية " الشريفة " بتفصيل أكثر ، وإختلاف في بعض نقاطها ، وكانت مرويّة عن ( محمد بن يعقوب عن بعض جماعتنا ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ) وهذه الرواية تؤكد لنا أيضا ، ككثير غيرها ، الشكّ بولادة " خلف " العسكري ، فالسائل ، على الرغم من جلالة قدره لدى الإثني عشرية ، وتبحّره في علومهم ، نراه يسأل الشيخ " العمري " مُقسما عليه بالله ، وبالإمامين الهادي والعسكري " ع " ؛ هل هنالك فعلا إبنا للعسكري رأيته أنتَ بعينك ؟ فيجيبه العمري ، بشرط عدم ذكر الإجابة ما دام العمري حيا ؛ أنه رآه " وعنقه هكذا " يريد أنّ بها غلظة ، ولا أدري ما معنى " شرط العمري " هذا ؟ فكونه هو وكيل الإمام ، فمن الطبيعي أن يعلم الشيعة بذلك ، بل أنه ينبغي عليه أن يدعو الشيعة لذلك ، حسب إستطاعته ، لينقذهم من أن يموتوا " ميتة جاهلية " ، خصوصا أنّ هنالك شكٌ كبير لديهم في أصل القضية برمّتها ، فكيف يطلب من " الحميري " عدم إفشاء رؤيتة " أي العمري " لإمامهم ؟! .. كما لا أظنّ أنّ هنالك داعٍ لذكر غلظة رقبة " المولى " فقد كان يكفي أن يذكر صفات أخرى أنسب ... ثمّ إننا نفهم من سؤال " الحميري " المتكرر ، فمرة يسأل العمري الأب ، وأخرى يسأل إبنه ، أنّ الشكّ ما زال مستمرا ، وعدم الثقة بهذين الشخصين ، ما زال موجودا ، وإلاّ ما الداعي في أن يسألَ الأب " الوكيل الأول الثقة " مقسما عليه بالله ، وبالإمامين العسكريَّين ، ثم يعود ، بعد سنين ، ليسألَ إبنه " الوكيل الثاني الثقة أيضا " .. ثمّ لا أدري ما هو سبب بكاء " العمري " حينما سأله " الحميري " عن رؤيته لـ " صاحب الزمان " من عدمها ؟ .. وما هو المبرّر لعدم ذكر " العمري " لإسم إمامه الذي يجهله " الحميري " المسكين ، والذي يجهل ، بالطبع أيضا ، حديث " الإثنا عشر " إماما ، بالإسم والصّفة ؟! ...
( عن أبي نصر ، هبة الله بن أحمد الكاتب ، إبن بنت أبي جعفر العمري ، قدّسَ الله روحه وأرضاه ، عن شيوخه " ؟ " أنه لمّا مات الحسن بن علي ، عليه السلام ، حضر غسله عثمان بن سعيد ، رضي الله عنه وأرضاه ، وتولى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه وتقبيره ... ) ـ2ـ
وفي هذه الرواية " الجليلة " نكتشف أنّ الذي غسل الإمام العسكري وكفنه ودفنه ، هو " وكيله المالي " عثمان بن سعيد العمري ، وهذا الأمر يناقض " حقيقة " مسلّم بها لدى " الإثنا عشرية " من أنه " لا يلي الإمام ـ غسلا وتكفينا ودفنا ـ إلا إمام " ...
( عن أبي نصر هبة الله بن أحمد الكاتب قال : قال جعفر بن محمد بن مالك الفزاري البزاز ، عن جماعة من الشيعة ، منهم ؛ علي بن بلال ، وأحمد بن هلال ، ومحمد بن معاوية بن حكيم ، والحسن بن أيوب بن نوح ، قالوا جميعا : إجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي " ع " نسأله عن الحجة من بعده ، وفي مجلسه " ع " أربعون رجلا ، فقام إليه عثمان بن سعيد العمري فقال له : يا بن رسول الله أريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به مني .. فقال له : إجلس يا عثمان .. فقام مغضبا ، ليخرج ، فقال : لا يخرجنّ أحد .. فلم يخرج منا أحد إلى أن كان بعد ساعة ؛ فصاح عليه السلام بعثمان ، فقام على قدميه .. فقال : أخبركم بما جئتم ؟ .. قالوا : نعم يا بن رسول الله .. قال : جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي .. قالوا : نعم .. فإذا غلام كأنه قطعة قمر ، أشبه الناس بأبي محمد " ع " فقال : هذا إمامكم من بعدي ، وخليفتي عليكم ، أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي ، فتهلكوا في أديانكم ، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا ، حتى يتمّ له عمر ، فاقبلوا من عثمان ما يقوله ، وانتهوا إلى أمره ، واقبلوا قوله ، فهو خليفة إمامكم ، والأمر إليه ) ـ3ـ
وهنا نجد أنّ رؤوس الشيعة ، في حوالي ( 40 ) رجلا ، وبضمنهم العمريّ ، أرادوا سؤال العسكري عن " الحجة من بعدي " وهذا يعني عدم معرفتهم به ، أو رؤيتهم له مسبقا .. وفجأة يخرج عليهم غلام ، يشبه أبا محمد ، فيخبرهم الإمام بأن هذا الغلام هو ( خليفتي عليكم ) الذي لن ترونه بعد يومكم هذا ، فأطيعوه ، ولا تتفرقوا ... ولا أدري كيف يطيعونه وهم لن يروه بعد يومهم هذا ؟! .. ثمّ أين كان هذا الغلام إثناء الوقت الذي صمتَ فيه القوم ، وتحدّثوا ؟ وهو بالتأكيد وقت طويل ، وكذلك فالرّواية حينما تصل لمقطع " جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي " لا تشير إلى أنّ الإمام نادى على " الغلام " ليأتيَ إليه ويراه " الحائرون " ، إنما تردف مباشرة " فإذا غلام كأنه قطعة قمر " وهذا يوحي بأنّ الغلام كان مختبئاً خلف الباب كل هذه المدة ليرى أباه يصل إلى هذا المقطع ، فيدخل عليهم " ؟! " ، وكون أنّ الذي خرج إليهم ، هو غلام ؛ فهذا يعني أنّ رؤوس الشيعة هؤلاء ، لم يكن لديهم علم مسبق بوجوده ، أو ولادته ، كل هذه المدّة التي نشأ فيه حتى صار " غلاما " ...
وبعدها يأمر " إمامنا " شيعته بالرجوع إلى " العمري " ( الذي رأيناه من قبلُ ، غاضبا ، يهمّ بالخروج من مجلس الإمام ) فهو " خليفة إمامكم " " والأمر إليه " ونرى أنّ إشارة العسكري للعمري بأنه " خليفة إمامكم " وأنّ " الأمر إليه " لا يتّسع لها مقام الشيخ ، فقد كان يكفي أن يقول أنه وكيل إمامكم ، فإرجعوا إليه في حال غيبته .. ثم ما معنى الشطر الأخير من الرواية " والذي يتحدث عن " الصّاحب " " ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا ، حتى يتمّ له عمُر " ؟! ... وما هذه الركّة في الكلام ، والتكرار السّمِج " فاقبلوا من عثمان ما يقوله .. واقبلوا قوله " ؟ ...
( قال أبو علي بن همام : كان أحمد بن هلال الكرخي من أصحاب أبي محمد " ع " فاجتمعتْ الشيعة على وكالة محمد بن عثمان " رض " بنصّ الحسن " ع " في حياته ، ولمّا مضى الحسن قالت الشيعة الجماعة له : ألا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان ، وترجع إليه ، وقد نصّ عليه الإمام المفترض الطاعة ؟ .. فقال لهم : لمْ أسمعه ينصّ عليه بالوكالة ، وليس " ولستُ " أنكر أباه ، يعني عثمان بن سعيد ، فأمّا أن أقطع أنّ أبا جعفر وكيل صاحب الزمان ؛ فلا أجسر عليه .. فقالوا : قد سمعه غيرك .. فقال : أنتم وما سمعتم .. ووقفَ على أبي جعفر ، فلعنوه ، وتبرأوا منه .. ثمّ ظهرَ التوقيع ، على يد أبي القاسم بن روح بلعنه والبراءة منه ) ـ4ـ
إذن هنالك إختلافٌ على " وكالة " الثاني ، وليس هنالك إجماع على هذه الوكالة ، من قبل الشيعة كلهم ، ولا أدري ما هي جريرة " أحمد بن هلال الكرخي " حتى يستحقّ الطرد واللعن والبراءة ، وكل ما عمله ، هو أنه " متحرّزٌ " في دينه ، ويخشى ربّه ، لدرجة أنه لا يمكنه القبول بوكالة إنسان لا يثق به ، ولا يعتقد أنه قد نُصّبَ من قبَل إمامه العسكري ، لأنه لم يسمع منه ذلك ، فهو قد سمع ، منه ، نصّه على أبيه فقط ، ولم يذكر وَلده بشيء .. ولذا نراه ، في معرض رفضه لوكالة الإبن ، يقول " لا أجسر على القطع بأنّ محمدا بن عثمان هو وكيل صاحب الزمان " فلا أظنّ أنّ الرجل يستحق كل هذا اللعن " فريقاً كذّبتم ، وفريقا تقتلون " ...
( ومنهم ـ أي من المنشقّين والرافضين ـ أبو طاهر محمد بن علي بن بلال ، وقصّته معروفه فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ، نضّرَ الله وجهه ، وتمسّكه بالأموال التي كانت عنده للإمام ، وإمتناعه من تسليمها ، وإدّعائه أنه الوكيل ، حتى تبرأتْ الجماعة " ؟ " منه ، ولعنوه ، وخرجَ فيه من صاحب الزمان ما هو معروف ) ـ5ـ
إذن لدينا هنا " وكيل آخر " في قبال وكالة " العمري الإبن " ولنكمل قصته لنعرف تفاصيل أكثر عنه ...
( حكى أبو غالب الرازي قال : حدّثني أبو الحسن محمد بن محمد بن يحيى المعاذي قال : كان رجل من أصحابنا قد انضوى إلى أبي طاهر بن بلال ، بعدما وقعتْ الفرقة ، ثمّ أنه رجع عن ذلك ، وصار في جملتنا ، فسألناه عن السبب .. فقال : كنتُ عند ابي طاهر بن بلال يوما ، وعنده أخوه أبو الطيّب ، وإبن حرز ، وجماعة من أصحابه ، إذ دخل الغلام فقال : أبو جعفر العمري على الباب ، ففزعتْ الجماعة لذلك ، وأنكرتهُ ، للحال التي كانت " قد " جرتْ ، وقال : يدخل .. فدخلَ أبو جعفر ، رضي الله عنه ، فقام له أبو طاهر والجماعة .. وجلسَ في صدر المجلس ، وجلسَ أبو طاهر ، كالجالس بين يديه ، فأمهلهم ، إلى أن سكتوا ، ثم قال : يا أبا طاهر ، نشدتكَ بالله ، ألم يأمركَ صاحب الزمان " ع " بحمل ما عندك من المال إليّ ؟ .. فقال : اللهمّ نعم .. فنهض أبو جعفر ، رضي الله عنه ، منصرفا ، ووقعتْ على القوم سكتة .. فلمّا تجلّتْ عنهم ، قال له أخوه أبو الطيّب : مِن أين رأيتَ صاحب الزمان ؟ .. فقال أبو طاهر : أدخلني أبو جعفر ، رضي الله عنه ، إلى بعض دوره ، فأشرفَ عليَّ " أي المهدي " مِن علوّ داره ، فأمرني بحمل ما عندي من المال إليه .. فقال له أبو الطيّب : ومِن أينَ علمتَ أنه صاحب الزمان " ع " ؟ .. قال : قد وقعَ عليَّ من الهيبة له ، ودخلني من الرّعب منه ، ما علمتُ أنه صاحب الزمان ... فكان هذا سبب إنقطاعي عنه " أي عن أبي طاهر " ) ـ6ـ
ولنقرأ ، معا ، من جديد ، هذه الرّواية ...
1ـ نجد أنّ " المعاذي " يذكر " رجلا " دون ذكره لإسمه ، كان من المؤمنين بوكالة أبي طاهر بن بلال ، رافضا ، بالطبع ، لوكالة العمري الثاني ، ثم رجع إلى صوابه ، وصار في " جملتنا " وذلك بسبب حادثة وقعت ، كان هو شاهد عيان عليها ..
2ـ كان الرجل مع آخرين ، مجتمعين في بيت أبي طاهر بن بلال ، فيُطرَق الباب ، ويأتي الخادم ليُخبرهم أنّ " العمري " يستأذن الدخول .. فيفزع المجتمعون ، ويُنكرون مجيء هذا الشخص ، الذي لا يثقون به ، ولا يؤمنون بوكالته عن إمامهم ..
3ـ يدخل العمري ليجلسَ في صدر المجلس ، ويفاجئنا إبن بلال بالجثوِّ بين يديه ، بكل أدب وإحترام وتبجيل ! ..
4ـ يسألُ " العمريّ " أبا طاهر " ألم يأمركَ الإمام بحمل ما عندك من الأموال إليّ ؟ " فيجيبه إبن بلال ـ ويا للعجب ـ " اللهمّ نعم " ... وهنا ينصرف " أبو جعفر " لتستولي الدهشة على الحضور " ففيمَ كنّا ، إذن ، إن كنتَ تقرّ بأنّ الإمام أمرك بدفع الأموال إلى العمري ، وبالتالي فأنتَ تعترف ، وتقرُّ بوكالته عنه ، فلمَ رفضتَ أساسا دفع الأموال إليه ، وإدّعيتَ أنه ليس الوكيل الحقيقي للـ " الصّاحب " إنما هو أنت ؟.. وهل بمثل تلك السّرعة والبساطة ، وأمام جمع من أنصارك ، والمؤمنين بوكالتك ، توحي للناس بضِعَتِكَ ، وجرمكَ ، وكذبكَ ، وسوء فعلكَ ، من خلال إعترافكَ ـ دونما تعذيب أو إكراه ـ بأنّ الإمام أمركَ بالرجوع إلى إبن العمري ؟ ..
5ـ وسط كل هذا الذهول ، واللاعقلانية في التصرّف ، يتقدّم أخو " بن بلال " ليسألَ أخاه " مِن أينَ رأيتَ صاحبَ الزمان ؟ " .. ألم يكن من الأولى أن يسأله " لمَ فعلتَ بنا ما فعلتَ ، وكيف كذبتَ علينا ، وأضللتنا ، إن كنتَ تقرّ بوكالة أبي جعفر ، وتعترف بأنّ الإمام أمركَ بدفع الأموال إليه ؟ " .. ثمّ إنّ السؤال بذاته غريب نوعا ما ، فكيفَ يُسأل " الوكيل " الذي يؤمن بوكالته السائل نفسه ، والآخرين ، مثل هذا السؤال ، عنيتُ " أينَ رأيتَ صاحب الزمان ؟ " فكونه وكيلا له ، فإنّ هذا يعني رؤيته له ، وإتّصاله به ، وبالتالي فلا داعٍ هنالك لمثل ذلك السؤال الأبله ..
6ـ يجيب إبن بلال بأنه رأى الإمام في أحد دور أبي جعفر.. فيُسألُ ؛ وكيف عرفتَ أنّه هو ؟ فيجيبهم ؛ هِبتُهُ ، وأرعبني ...
7ـ للعمري " الإبن " دور وأملاك ، كما أشارتْ لنا ، هذه الرواية ، ورواية سابقة ذكرها الشيخ الطوسي " رحمه الله " .. " مِن أين لك ، يا هذا ، هذا ؟ " ..
8ـ هنالك تبجيل واضح من قبَل الرّاوي ـ الذي إهتدى بعد ضلال ، كما يدّعي ـ لشخصية العمري ، من خلال إرفاقه لعبارة " رضي الله عنه " لثلاثة مرات عند ذكر إسمه " الشريف " ...
( قال إبن نوح : أخبرني أبو نصر هبة الله ابن بنت أم كلثوم ، بنت أبي جعفر قال : كان لأبي جعفر العمري محمد بن عثمان العمري كتبٌ مصنّفة في الفقه ، ممّا سمعها مِن أبي محمد الحسن ، عليه السلام ، ومن الصّاحب " ع " ومن أبيه عثمان بن سعيد ، عن أبي محمد وعن أبيه علي بن محمد " ع " ، فيها كُتب ، ترجمتها كتب الأشربة .. ذكرَتْ الكبيرة " أم كلثوم بنت أبي جعفر " رضي الله عنه ، أنها وصلتْ " أي الكتب " إلى أبي القاسم الحسين بن روح ، رضي الله عنه ، عند الوصية إليه .. وكانت في يده .. قال أبو نصر : أظنها قالتْ : وصلتْ بعد ذلك إلى أبي الحسن السمّري ، رضي الله عنه وأرضاه ) ـ7ـ
السؤال هو ؛ أين هي هذه الكتب ، ولمَ لمْ ينقلها لنا " الحسين بن روح " أو " السمري " ؟ .. ولمَ لمْ ينقل عنها " الكليني " المعاصر لهما ، والذي لم يكلّف نفسه ، حتى مجرّد اللقاء بهما ؟ .. أو شيخ الطائفة الطوسي ، أو الشيخ الصّدوق ، وغيرهما ممّن كان قريبا لعصرهما ؟ .. علما أنّ كتباً ، كهذه ، من المفترض أن تحتلّ الأهمية القصوى ، بإعتبارها صادرة عن " المعصوم " نفسه ، سواءً كان الهادي ، أو العسكري ، أو ولده " المهدي " أو ، على الأقل ، بإشرافهم ، أو إشراف أحدهم .. إذن ، والحال هذه ، فهي كتب في غاية الأهمية والإعتبار ، ومن الضروري والمنطقي ، أن يهتمّ بها الشيعة أيّما إهتمام ، ويحافظوا عليها ، على الأقل بتلك الفترة الزمنية ، ولكننا لم نجد لها ذكرا أبدا ، وهذا الأمر ، يدعونا للشكّ بوجودها أصلا ..
( قال أبو الحسين بن تمام : حدّثني عبد الله الكوفي ، خادم الشيخ الحسين بن روح ، رضي الله عنه ، قال : سُئلَ الشيخ ـ يعني أبا القاسم رضي الله عنه ـ عن كتب إبن أبي العزاقر ، بعد ما ذُمّ ، وخرجَتْ فيه اللعنة .. فقيلَ له : فكيف " فماذا " نعمل بكتبه ، وبيوتنا منه " ـا " ملاء ؟ .. فقال : أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما ، وقد سُئلَ عن كتب بني فضال ، فقالوا ؛ كيف نعمل بكتبهم ، وبيوتنا منها ملاء ؟ .. فقال صلوات الله عليه : خذوا بما رووا ، وذروا ما رأوا ) ـ8ـ
وهذا الأمر يشير إلى التأثير الهائل الذي أحدثه الشيخ محمد بن علي الشلمغاني ( أُعدِمَ وأحرقتْ جثته عام 322 هـ ) في صفوف الشيعة ، وأنّ له كتبا ، ومؤلفات ، لا يمكن الإستغناء عنها ، وأنها بلغتْ من الكثرة والأهمية والقبول ، بحيث إمتلأتْ بها " بيوت الشيعة " ولا أدري لمَ لمْ تمتلأ بكتب " الوكلاء الثلاث " الذين يستقون علومهم ـ حسب إدّعائهم ـ من منبع العلم والحكمة والتشريع ، وهو الإمام محمد بن الحسن ، الذي هم على إتّصال دائم ، ومباشر معه ، دوناً عن الخلق كلهم ، ومن ضمنهم المرحوم " الشلمغاني " نفسه الذي يقول " إبن روح " أنّ اللعن صدرَ بحقّه من قبَل الإمام نفسه ، حينما كان " الحسين بن روح " في سجن بنيّ العبّاس ..
ولمَ لمْ يدلّهم " إبن روح هذا " على كتب " الوكيل الثاني " المستقاة من الأئمة بشكل مباشر ، والمودَعة لديه ، حسب إدّعاء إبنة العمريّ ، الكبرى " أم كلثوم " ؟ ..
ثمّ أليس من الأولى لإبن روح حينما سُئلَ عن إشكالية كتب الشلمغاني ، أن يقول للناس ، بأنه سيرجع إلى إمامه ليسأله عن ذلك الأمر ، ثمّ يعود إليهم بالجواب .. وهذا ، بالتأكيد ، أفضل من أن " يجتهد " بمثل تلك المسألة المهمة ، والتي هي محلّ إبتلاء ، لأنها تخصّ عقائد الناس وفقههم ... وكيف له أن " يجتهد " في حضور " الإمام " صاحب الرؤية التشريعية ، وصاحب الحق في الفتوى ، وتوجيه الناس ؟ ..
إضافة لكل ذلك ؛ فإجتهاد " الحسين بن روح " في حلّ تلك المسألة ، قياسا على توجيه العسكري ، لبعض الشيعة في مسألة تشبهها ، في الموضوع ، وقد تختلف عنها في التفاصيل ، والزمن ؛ غير مقنعٍ ، وغير مقبول ، بل غير مجدٍ ابدا ؛ فأنْ أتركَ ما رأى ، آخذاً بما روى ؛ فذا ، لعَمري ، حلٌ غير واقعي ، فما الذي يضمن لي ، أنه لم يحرّف ما روى ، وفقا لِما يرى ؟! ..
وهل أن كتب " الشلمغاني " بهذه الدرجة من الأهمية ، بحيث لا يمكن الإستغناء عنها ، أو الأمر بحرقها ؟ .. ولا أظنّ أنّ ابن روح يجرؤُ على ذلك ، لأنّ الرجل " عنيتُ الشلمغاني " له سطوته الفكرية ، في ذلك الزمن ، وكان له أكثر من كتاب منتشر ، ومعمول به ، بين الشيعة ، منها ، على سبيل المثال ، كتابَي " التكليف " و " التأديب " .. أمّا الأول ؛ فقد قال عنه إبن روح " إعملوا به ، فليس فيه ما يخالف عقيدتنا ، إلا ثلاثة أحاديث ، كذبَ بها اللعين على الأئمة " .. أمّا الكتاب الثاني ؛ وهو كتاب فقهيّ أيضا ، فقد أرسله " إبن روح " إلى قم ليعرضوه على الفقهاء هناك ، وقال لهم ( أنظروا في هذا الكتاب ، وأنظروا ؛ فيهِ شيءٌ يخالفكم ؟ .. فكتبوا إليه : إنه كله صحيح ، وما فيه شيء يخالف ، إلا قوله : الصّاع في الفطرة نصف صاع من طعام ، والطعام عندنا مثل الشعير ، من كل واحد صاع .. ) ـ9ـ
ولا أدري لمَ لم يُرسل " إبن روح " كتاب " التأديب " هذا ، إلى إمامه " محمد بن الحسن " ليعرف منه مدى موافقته للتشريع الإسلامي ؟ .. أليس الإمام هو أدرى الناس بالتشريع والفقه ؟ .. وهل يُعقل من " وكيل الإمام " أن يبعثَ بالكتاب " المُشكل " هذا إلى فقهاء " قم " تاركا مصدر التشريع نفسه ، والذي يلتقي به بشكل مباشر ؟! .. علمُها عند ربّي ، وأكيد عند ابن روح نفسه ...
( ذكر أبو محمد هارون بن موسى قال : قال لي أبو علي بن الجنيد قال لي أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني : " ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين بن روح ـ رضي الله عنه ـ في هذا الأمر ، إلاّ ونحن نعلم فيما دخلنا فيه ؛ لقد كنّا نتهارش على هذا الأمر ، كما تتهارش الكلابُ على الجيَفْ " ) ـ10ـ
وهذا الإعتراف الخطير من قبَل الشلمغاني هو في غاية الأهمية ، وأظنّه ، قد صرّحَ به ، بعد الخلاف الكبير الذي حصل بينهما ، وإدّعاء كلّ واحد منهما أنّه هو الوكيل الحق لـ " صاحب العصر والزمان " للدرجة التي وصلتْ بهما حدّ التلاعن والمباهلة .. وهذا الإعتراف ، يثير التساؤل حول أصل الإدّعاء ، سواءً منه ، أو من رفيقه في التّهارش ، كما الكلاب ، على حدّ تعبيره ...
( أخبرنا جماعة ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قال : حدّثني أبو محمد أحمد بن الحسن المكتب قال : كنتُ بمدينة السلام في السنة التي توفيَ فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري ، قدّس سرّه ، فحضرتُه قبل وفاته بأيام ، فأخرجَ إلى الناس توقيعا نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري ؛ أعظمَ الله أجر إخوانك فيكَ ، فإنّكَ ميتٌ ما بينكَ وبين ستة أيّام ، فاجمع أمرك ، ولا توصِ إلى أحد ، فيقوم مقامك ، بعد وفاتك ، فقد وقعتْ الغيبة التامّة ، فلا ظهور إلا بعد إذن الله ، تعالى ذكره ، وذلك بعد طول المدّة ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جورا ، وسيأتي لشيعتي مَن يدّعي المشاهدة ، ألا فمن إدّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصّيحة ؛ فهو كذاب مفتر ... قال : فنسخنا هذا التوقيع ، وخرجنا من عنده .. فلمّا كان اليوم السادس ، عُدنا إليه ، وهو يجود بنفسه ، فقيل له : مَن وصيّكَ من بعدك ؟ فقال : لله أمرٌ هو بالغه ... ) ـ11ـ
وفي هذه الرواية " الشريفة " نجد أنّ " المهدي " يبعث لوكيله الرابع " السمري " بآخر توقيعاته ، يخبره فيها أنه ـ أي السمري ـ سيموت بعد ستة أيام ، وأنّ الغيبة الكبرى ، أو التامّة ، قد حصلتْ ، فليس هنالك من وكالة بعد الآن " فلا توصِ لأحد من بعدك " .. فينسخ الشيعة هذا " التوقيع " ، وبالتأكيد ، فـ " السمري " أساسا قد أخبر الشيعة بهذا الأمر الجلل ، وأطلعهم على محتوى رسالة " غائبهم المنتظر " ، تماما كما حصل ويحصل ، عند ورود أي " توقيع " للإمام .. ولا ننسى أنّ هذا " التوقيع " بالذات له أهميته البالغة ، ووقعه المحزن ، فهو تصريح واضح ببدأ الغيبة التامّة ، وإنقطاع التواصل المباشر مع " وليّ الله " عن طريق وكلائه ، وبالتالي فلا بدّ أن يحتلّ هذا " الكتاب " وهذا الحدث ، مكانة كبيرة ، ويكون مدعاةً للتساؤل حول أسبابه ، وحول " التكليف الشرعي " للشيعة ، بعد حصول هذه الغيبة الجديدة ، والتي لم يعتادوها من قبل ، خصوصا أنّ هنالك فترة زمنية ممتدّة ، ما بين صدور " التوقيع الأخير " وموت " الوكيل الأخير " هي ( 6 ) أيّام ... ومع ذلك كله ؛ نجد الشيعة ، مع نسخهم ، كما ذكر الراوي ، للكتاب ، ومع كل الضرورات التي ذكرناها ؛ يجتمعون ساعة إحتضار " وكيلهم " ليسألوه " مَن وصيّكَ من بعدك ؟ " !! فيجيبهم " الميّتْ " : " لله أمرٌ هو بالغه " ...
ولا أدري ، والله ، لمَ لمْ يحدّد لهم الإمام " المنتظر " عن طريق آخر وكلائه ـ والذي امتدّتْ وكالته لحوالي سنتين ـ معالم المرحلة المقبلة ، ووظيفتهم الشرعية في " الغيبة الكبرى " ، ويدلّهم على مَن يفزعون إليه ، في هذه المرحلة الحرجة ، ما دامت " الوكالة " التي ضمنتْ لهم التواصل معه ، لأكثر من ( 70 ) عاما ، قد انتهتْ ؟ ..
لمَ لمْ يوضّح لهم ، بما لا مجال للشكّ فيه ، مرجعيّتهم الجديدة ، ويبيّن لهم أمور فقههم وعقيدتهم ، حتى يكونوا على بيّنة من الأمر ، وحتى لا يحصل ما حصل من إختلاف وتشرذم وتشظي ، ما زال الشيعة يعانون منه إلى زمننا هذا ؟ .. هل غاب هذا الأمر عن الإمام ، أم عن وكيله ؟! ..
أحمريّةٌ ، وحلاّجيّة ، عزاقريّةٌ ، ونصيريّة ، أصوليّون ، وأخباريّون ، بابيّة ، وبهائية ، حجّتية ، وسلوكية ، يمانيّة ، وقحطانية ، نبأيّةٌ ، وربّانيّة ، جند السماء ، وأصحاب القضيّة ... مَن يدفن " خمسَه " منتظرا ظهور إمامه ، ومَن يرميه في البحر ، دونما أسفٍ " فالأرض والبحارُ ، ستُخرجُ ، للمنقذِ ، كنوزها " .. ومَن يحرّم " جُمعته" ويشيح بوجهه عنها ، ضاربا ، بجدار الغيبةِ ، قرآنَ ربّه ... ومَن يقلّدُ بوَجلٍ ، ومَن يحرّم تقليدَ " الأوثان " ... ومَن ، ومَن ... حتى يطول بنا المسرى ، فلا ندري إلى أينَ ، ومِن أينَ ، وحتّى مَ تمزّقُ خطوَنا متاهاتُ دروبٍ ، دونما شمعة ؟! ....
ــــــــــــــــ
1ـ الكتاب : 215
2ـ الكتاب : 216
3ـ الكتاب : 217
4ـ الكتاب : 245
5ـ الكتاب : 245
6ـ الكتاب : 245 ـ 246
7ـ الكتاب : 221
8ـ الكتاب : 239 ـ 246
9ـ الكتاب : 240
10ـ الكتاب : 241
11ـ الكتاب : 242 ـ 243