مع الشيخ الطوسي في غيبته - 6 / وُلدَ أم لم يلده من أحد أبدا - 3
إبراهيم عبد علي
وها قد وصلنا إلى الروايات الأساسية حول ولادة " مهدي الإثني عشرية " ، والمرويّة كلها عن السيدة حكيمة / خديجة بنت الجواد .. وقد ذكر شيخنا الطوسي ( 5 ) روايات عن هذه السيدة الجليلة ، حول ظروف وطبيعة هذه الولادة ، وما حصل فيها من معاجز ، تُذهل العقل ، وتدعو المرء لإعادة النظر والتأمل .. إثنان من هذه الروايات متطابقتان تماما ( كما يدّعي المؤلف ) ، وكلاهما مرويان عن " أحمد بن علي الرازي " ، إلا أنّ الأولى مسندة ، فيما الثانية يقول أحد رواتها ؛ أنه قد حدّثه الثقة ، ولم يذكر لنا إسم ذلك الثقة .. أمّا الروايات الثلاث الأخرى ؛ فإثنان منها عن محمد بن الحسن بن الوليد ، أمّا الثالثة فهي عن " جماعة من الشيوخ " ، لم يذكر لنا المؤلف شيئا عنهم .. والروايات كلها مختلفة المضمون ، في الكثير من التفاصيل ، إختلافا بيّنا ، على الرغم من أنها ، كلها ، مروية عن شخص واحد .. ولأهمية هذه الروايات ، وإعتماد الإثني عشرية ، عليها ، لإثبات ولادة ابن الحسن ؛ فإننا سنحاول إستعراضها ودراستها ، بشكل تفصيلي ، لنرَ ماذا يمكن أن نستنتج منها ، وهل يمكن لها أن تضعنا على حقيقة الأمر ، وتُنهي هذا الجدل الدائر ، لأكثر من ألف عام ، حول هذا الموضوع ...
( الرواية الأولى ) :
( أخبرني إبن أبي جيد ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن الصفار محمد بن الحسن القمي ، عن أبي عبد الله المطهري ، عن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا قالت : بعثَ إليّ أبو محمد سنة خمس وخمسين ومائتين ، في النصف من شعبان ، وقال : يا عمة اجعلي الليلة إفطارك عندي ، فإنّ الله عز وجل ، سيسرّك بوليّه ، وحجته على خلقه ، خليفتي من بعدي .. قالت حكيمة : فتداخلني لذلك سرور شديد ، وأخذتُ ثيابي عليّ ، وخرجتُ من ساعتي ، حتى انتهيت إلى أبي محمد ، وهو جالس في صحن داره ، وجواريه حوله ، فقلتُ : جعلتُ فداك يا سيدي ، الخلف ممّن هو ؟ .. قال : من سوسن .. فأدرتُ طرفي فيهنّ ، فلم أر جارية عليها أثر غير سوسن .. فلما صليتُ المغرب والعشاء الآخرة ، أتيت بالمائدة فافطرت أنا وسوسن ، وبايتها في بيت واحد ، فغفوت غفوة ثمّ استيقظتُ ، فلم أزل مفكرة فيما وعدني أبو محمد من أمر وليّ الله ، فقمتُ قبل الوقت الذي كنت أقوم به في كل ليلة للصلاة ، فصليت صلاة الليل ، حتى بلغتُ إلى الوتر ، فوثبتْ سوسن ، فزعة ، وخرجتْ فزعة ، فاسبغتْ الوضوء ، ثمّ عادتْ فصلتْ صلاة الليل ، وبلغتْ الوتر ، فوقعَ في قلبي أنّ الفجر ، قد قربْ ، فقمتُ لأنظر فإذا بالفجر الأول قد طلع .. فتداخلَ قلبي الشك من وعد أبي محمد ، فناداني من حجرته ؛ لا تشكّي ، وكأنكِ بالأمر الساعة ، قد رأيتِه إن شاء الله .. فاستحييتُ من أبي محمد ، مما وقع في قلبي ، ورجعتُ إلى البيت ، وأنا خجلة ، فإذا هي " أي سوسن " قد قطعتْ الصلاة ، وخرجتْ فزعة ، فلقيتها على باب البيت ، فقلت لها ؛ بأبي أنتِ وأمي ، هل تحسّين شيئا ؟ قالت ؛ نعم يا عمّة ، إني لأجد أمرا شديدا .. فقلت لها ؛ لا خوف عليكِ أن شاء الله .. وأخذتُ وسادة فألقيتها في وسط البيت وأجلستها عليها ، وجلستُ منها حيث تقعد المرأة من المرأة للولادة ، فقبضتْ على كفي ، وغمزتْ غمزة شديدة ، ثم أنّتْ ، وتشهّدتْ .. ونظرتُ تحتها فإذا أنا بولي الله صلوات الله عليه ، متلقيا الأرض بمساجده ، فأخذتُ بكتفيه ، فأجلسته في حجري ، فإذا هو نظيف ، مفروغ منه .. فناداني أبو محمد ؛ يا عمة هلمّي فأتيني بإبني ، فأتيته به ، فتناوله ، وأخرج لسانه ، فمسح عينيه ، ففتحهما ، ثمّ أدخله في فيه ، فحنكه ، ثمّ في أذنيه ، وأجلسَه في راحته اليسرى ، فاستوى وليّ الله جالسا ، فمسحَ يده على رأسه وقال له ؛ يا بني أنطق بقدرة الله .. فاستعاذ " وليّ الله " من الشيطان الرجيم ، واستفتحَ " بسم الله الرحمن الرحيم ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ، ونجعلهم أئمة ، ونجعلهم الوارثين ، ونمكن لهم في الأرض ، ونري فرعون وهامان وجنودهما ، منهم ما كانوا يحذرون " وصلى على رسول الله ، وعلى أمير المؤمنين ، والأئمة واحدا واحدا ، حتى إنتهى إلى أبيه .. فناوَلنيه أبو محمد ، وقال ؛ يا عمّة ردّيه إلى أمه ، حتى " تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أنّ وعد الله حق ، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون " .. فردَدْته إلى أمه ، وقد انفجر الفجر الثاني ، فصليتُ الفريضة ، وعقبتُ إلى أن طلعتْ الشمس ، ثمّ ودّعتُ أبا محمد ، وانصرفتُ إلى منزلي .. فلمّا كان بعد ثلاث ، اشتقتُ إلى " وليّ الله " فصرتُ إليهم ، فبدأتُ بالحجرة التي كانت سوسن فيها ، فلم أرَ أثرا ، ولا سمعتُ ذكرا ، فكرهتُ أن أسأل ، ودخلتُ على أبي محمد ، فاستحييتُ أن أبدأ بالسؤال ، فبدأني فقال ؛ هو يا عمّة في كنف الله وحرزه وستره وغيبه ، حتى يأذن الله له ، فإذا غيّبَ الله شخصي ، وتوفاني ، ورأيتِ شيعتي قد اختلفوا ، فأخبري الثقاة منهم ، وليكن عندكِ ، وعندهم مكتوما ، فإنّ وليّ الله يغيّبه الله عن خلقه ، ويحجبه عن عباده ، فلا يراه أحد ، حتى يقدّم له جبرائيل فرسه ) ـ1ـ
ملاحظات حول الرواية :
1ـ حسب نص الرواية ، فالإمام العسكري ، بعث إلى عمّته حكيمة ، يوم ( 15 ) شعبان وكانت صائمة ، ليكون إفطارها " الليلة " عنده ، وكذلك لترى بعينيها ولادة إبنه ، فسُرّتْ بذلك وذهبت " من ساعتها " مغادرة بيتها ، متوجّهة صوب بيت إبن أخيها ، وهذا يعني ؛ إما أن يكون الإمام هو الذي ذهبَ بنفسه إلى بيت عمته وأخبرها بذلك ، وطلب منها المجيء إلى بيته ، أو أنه بعث إليها بإحدى جواريه لتخبرها بذلك .. كلمة " بعثَ " تعني أنه لم يأتِ بنفسه إلى بيت عمته ، وإنما أرسل أحدا ما لهذه المهمة ، فإن كان هذا هو الواقع ، كما هو واضح من ظاهر النصّ ؛ فليس هنالك من ضرورة تحتّم على الجارية التي أرسلها العسكري ، أن تذكر كل هذه التفاصيل ، والأسرار التي باحت بها لحكيمة ، فقد كان يكفي أن تقولَ لها ؛ يقول لك الإمام أنّ إفطارك الليلة عنده .. أو تقول ؛ يريدك الإمام لأمر مهم هذه الليلة .. لكن سياق النصّ يوحي بأنّ الإمام نفسه هو مَن أخبر حكيمة بكل ذلك ، بدليل قول الرواية ( يا عمّة إجعلي الليلة إفطاركِ عندي ) .. وهذا تناقض غريب ، فإما أن يأتي هو بنفسه ليخبرها ، وحينها لا يكون هنالك داع لكلمة " بعثَ إليّ أبو محمد " ، أو أنه يقتصر على المهم من الكلام في حال إرساله إليها بإحدى جواريه ..
2ـ العسكري بعث إلى عمته يوم ( 15 ) شعبان ، وكانت صائمة ، فافطرتْ عنده ، ثمّ شهدت ولادة ولده محمدا في فجر اليوم التالي ، أي يوم ( 16 ) شعبان .. وهذا يعني ، كما هو واضح ، أنّ ولادة أبن الحسن كانت في السادس عشر من شعبان ، وليس في الخامس عشر منه ، كما هو المعمول به عند الإثني عشرية المعاصرين ..
3ـ نجد أنّ السيدة حكيمة تسأل الإمام عن أمّ الوليد " الخلف ممّن ؟ " ليجيبها " من سوسن " فتدير الطرف ، فلا ترى فعلا غير سوسن ، عليها أثر الحمل ، وهذا يعني أنّ حكيمة لم يكن لديها علم على الإطلاق ، بالجارية التي ستلد الغلام ، وهذا ـ إن اعتمدنا هذه الرواية ـ يُسقط كل الروايات التي تشير إلى معرفتها بها ، كرواية خطوبة وزواج الإمام العسكري من نرجس " خاتون " ، وتحولها من المسيحية إلى الإسلام ، وعلى العموم ؛ مجمل الرواية التي مرّت بنا سابقا ، حول الزواج ، وكانت حكيمة شاهدة عليها .. وكذلك نجد أنّ الجارية هنا إسمها سوسن ، وليس نرجس ، أو مليكة ، كما مر معنا ، أو صقيل ، أو مريم العلوية ، كما سيمرّ .. ونستنتج ، أيضا ، من هذه الرواية أنّ أثر الحمل كان باديا على سوسن ، وليس كما تدّعي روايات أخرى ، عن حكيمة ذاتها ، من أنّ الله قد أخفى عن أم " القائم " كل أثر للحمل ، حتى لا يتعرّض الإمام للقتل من قبل سلطان الوقت ..
4ـ حكيمة تشكّ بوعد الإمام بولادة الطفل ، لأنّ الفجر الأول قد بزغ ، ولم يبزغ الطفل بعد ، وهنا يناديها العسكري ، وهو في حجرته " لا تشكّي " سيجيء الطفل الآن .. فاستحيت حكيمة ورجعت إلى بيت النساء ، لتجد سوسن ( قد قطعتْ صلاتها ، وخرجتْ فزعة ، فلقيتُها على باب البيت ) ولا أدري كيف علمت حكيمة بأنّ أم الإمام قد قطعتْ صلاتها ، وهي لم تدخل حجرتها بعد ، بل لقيَتْها فزعة على باب البيت ، حينما كانت " أي حكيمة " عائدة للحجرة بعدما سمعتْ ما سمعته من العسكري ؟ .. لمَ لمْ تفترض أنها قد أكملتْ صلاتها وخرجتْ إلى باب البيت ، بعد أن اشتدّ بها الطلق ؟ ..
5ـ نجد أنّ السيدة حكيمة هي مَن أولدتْ سوسن ، وليس ـ كما في رواية لاحقة ـ تلك العجوز مجهولة الهوية ..
6ـ بعد أن تمّتْ الولادة ، وطلع النهار انصرفتْ السيدة حكيمة إلى بيتها ، ثمّ ( لمّا كان بعد ثلاث ، اشتقتُ إلى وليّ الله ) ولا أدري لمَ " ثلاث " ؟ ألم يكن من المفروض والمنطقي أن تأتي حكيمة في اليوم التالي ، لرؤية الوليد والإطمئنان عليه ، وعلى أمّه ؟ ..
7ـ لمّا رجعت حكيمة ، في اليوم الثالث ، لبيت الإمام ، لم ترَ الأمّ ولا ولدها ، فكلاهما قد فُقدا ( فكرهتُ أن أسأل ) وما المانع من السؤال يا سيدتي ؟ فقد كان من المفروض ، في مثل تلك الحالة ، المبادرة إلى السؤال فورا ، لمعرفة حقيقة الأمر ، والإطمئنان على الأم ووليدها ، خصوصا " يا ابنة الجواد " أنكِ تعرفين مسبقا ، حسب الرؤية الشيعية ، أنّ هنالك خطرا على حياته ؟ ..
ثمّ تدخل حكيمة على العسكري ، ليبادرها ( يا عمة ؛ هو في كنف الله وحرزه ، وستره ، وغيبه ، إلى أن يأذن الله ) وهذا يعني أنّ الامام غاب وله من العمر ثلاثة أيام ، وربما يوما واحدا ، لأنّ حكيمة لم تره إلا في اليوم الأول ، والإمام ، كذلك ، لم يخبرها بدقة متى غاب .. ثمّ يُكمل العسكري ( فإذا غيّبَ الله شخصي وتوفاني ، ورأيت شيعتي قد اختلفوا ) لمَ جعلتهم يختلفون ، يا سيدي ، ولم تخبرهم بولادة إبنك ، على الأقل ، الثقاة منهم ؟ .. ويكمل العسكري ( فأخبري الثقاة منهم ، وليكن عندكِ ، وعندهم مكتوما ) ولا أدري لمَ التكتّم ، والخشية ، وهو أساسا قد غاب ، ولم يعرفه ، ولم يعرف مكانه من أحد أبدا ؟ .. ثمّ يكمل العسكري كلامه قائلا ( فإنّ وليّ الله ، يغيّبه الله عن خلقه ، ويحجبه عن عباده ، فلا يراه أحد ) وكان الأولى أن يقول الإمام " غيّبَهُ الله " لا " يغيّبه " وكان من المفروض ، أيضا ، أن يذكر لعمته سبب هذه الغيبة ، وإلى مَن يتجه الناس زمن غيبته ..
8ـ يقول العسكري متحدثا عن ولده أنّ الله يغيّبه عن خلقه ، فلا يراه أحد ، وكان من المفترض أن يجعل هنالك إستثناءً ، وذلك للتلميح لقضية الوكلاء ..
9ـ حكيمة تشير إلى الطفل بعبارة " وليّ الله " لخمسة مرات ، والعسكري كذلك يستخدم ذات المفردة لمرتين .. ! ..
( الرواية الثانية ) :
( وبهذا الإسناد ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن حمويه الرازي ، عن الحسين بن رزق الله ، عن موسى بن محمد بن جعفر قال : حدّثتني حكيمة بنت محمد " ع " ، بمثل معنى الحديث الأول ، إلا أنها قالت : فقال لي ابو محمد : يا عمة إذا كان اليوم السابع ، فأتينا .. فلمّا أصبحتُ ، جئتُ لأسلم على أبي محمد ، وكشفت عنه الستر لأتفقد سيدي ، فلم أره ، فقلتُ له : " جُعلتُ فداك ، ما فعل سيدي ؟ " فقال : يا عمة استودعناه الذي استودعتْ أمّ موسى .. فلمّا كان اليوم السابع ، جئتُ فسملتُ ، وجلستُ ، فقال : هلمّوا إبني .. فجيء بسيدي ، وهو في خرق صفر ، ففعل به كفعله الأول ، ثمّ أدلى لسانه في فيه ، كأنما يغذيه لبنا وعسلا ، ثم قال : تكلم يا بني .. فقال : " أشهد أن لا إله إلا الله " وثنى بالصلاة على محمد وعلى الأئمة " ع " حتى وقف على أبيه ، ثم قرأ " بسم الله الرحمن الرحيم ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ، ونجعلهم أئمة ، ونجعلهم الوارثين " إلى قوله " ما كانوا يحذرون " .. ) ـ2ـ
ملاحظات حول الرواية :
1ـ نجد أنّ محمدا بن الحسن بن الوليد ، هو ذاته مَن روى لنا " الرواية الأولى " إلا أنه هنا ، يرويها عن محمد بن يحيى العطار ، فيما روى الأولى عن محمد بن الحسن القمي ..
2ـ نرى في هذه الرواية " الشريفة " أنّ الإمام العسكري يطلب من عمته حكيمة ، بعد ولادة ابنه أن تذهب إلى البيت ، وتعود في اليوم السابع ، وليس في اليوم الثالث ، كما مرّ معنا في الرواية السابقة ، ثم نفاجأ بمجيء حكيمة إلى بيت إبن أخيها في صبيحة اليوم التالي للولادة ، وليس كما طلب منها الإمام " في اليوم السابع منه " .. وتكمل " حكيمتنا " مقالتها " الحكيمة " قائلة : وكشفتُ عنه الستر لأتفقد سيدي فلم أره ، فقلتُ جعلتُ فداك ، ما فعل سيدي ؟ .. فقال : يا عمة استودعناه الذي استودعتْ أم موسى .. وهنا نجد السيدة حكيمة تفاجأ ، وتفاجئنا نحن أيضا ، بعدم وجود الطفل ، في اليوم التالي لولادته ، بينما في الرواية السابقة ، كان هذ الفقد في اليوم الثالث ، ونجد أيضا أنّ جواب الإمام هو هو لم يختلف في الروايتين معا " يا عمة استودعناه " .. إلا أنه في الرواية الأولى ، يؤكد لعمته حصول الغيبة ، بينما يكتفي في هذه الرواية بـ " استودعناه " .. وأيضا نلاحظ أنّ " حكيمة " قالتْ لإبن أخيها ، بعد أن استولتْ عليها دهشة الغياب : جعلتُ فداكَ ، ما فعلَ سيدي ؟ .. وكان الأولى أن تقول له ؛ أين سيدي ؟ أو ؛ ما فُعِلَ بسيدي ؟ .. وايضا نلاحظ هنا في هذه الرواية أنّ " حكيمة " لا تتحرج من سؤال الإمام حول غياب الطفل ، على العكس من الرواية الأولى ..
3ـ أمّ الوليد هنا إسمها نرجس ، بينما في ( الأولى ) سوسن ..
4ـ الطفل / الإمام في هذه الرواية يتكلم في اليوم السابع لمولده ، بينما كان نطقه ، في الرواية الأولى ، في اليوم الأول لمولده " الشريف " .. كما نجد أن الطفل ملفوفا بخرق صفر ..
5ـ لا تتحدّث الرواية عن غيبة الإمام ، فحكيمة افتقدته في اليوم التالي لولادته ، إلا أنها وجدته في اليوم السابع منه .. ولم تشر الرواية هنا إلى غيبته في اليوم السابع ، بينما نجد أباه في الرواية الأولى ، يؤكد غيابه و " غيبته " في اليوم الثالث ..
( الرواية الثالثة ) :
( أحمد بن علي الرازي ، عن محمد بن علي ، عن علي بن سميع بن بنان ، عن محمد بن علي بن أبي الداري ، عن أحمد بن محمد ، عن أحمد بن عبد الله ، عن أحمد بن روح الأهوازي ، عن محمد بن إبراهم ، عن حكيمة ، بمثل معنى الحديث الأول ، إلا أنه قال : قالت " أي حكيمة " : بعث إليّ أبو محمد ليلة النصف من شهر رمضان ، سنة خمس وخمسين ومائتين ، فقلتُ له : يا ابن رسول الله ، مَن أمّه ؟ قال : نرجس .. قالت : فلمّا كان في اليوم الثالث ، اشتدّ شوقي إلى وليّ الله ، فأتيتهم عائدة ، فبدأت بالحجرة التي فيها الجارية ، فإذا أنا بها جالسة ، في مجلس المرأة النفساء ، وعليها أثواب صفر ، وهي معصّبة الرأس ، فسلمتُ عليها ، والتفتُ إلى جانب البيت ، وإذا بمهد عليه أثواب خضر ، فعدلتُ إلى المهد ، ورفعتُ عنه الأثواب ، فإذا أنا بوليّ الله ، نائم على قفاه ، غير محزوم ولا مقموط ، ففتح عينيه ، وجعل يضحك ، ويناجيني بإصبعه ، فتناولته وأدنيته إلى فمي ، لأقبّله ، فشممت منه رائحة ، ما شممتُ قط أطيب منها .. وناداني أبو محمد : يا عمتي ، هلمّي فتاي إليّ .. فتناوله وقال : يا بنيّ انطق ...( وذكر الحديث ) قالت : ثمّ تناولته منه ، وهو يقول : يا بنيّ أستودعكَ الذي استودعتْ أم موسى ، كن في دعة الله وستره وكنفه وجواره .. وقال : ردّيه إلى أمه يا عمة ، واكتمي خبر هذا المولود ، علينا ، ولا تخبري به أحدا ، حتى يبلغ الكتاب أجله .. فأتيتُ أمّه ، وودّعتهم ... ) ـ3ـ
ملاحظات حول الرواية :
1ـ في هذه الرواية تذكر " حكيمة " أن الإمام بعث إليها في ليلة النصف من رمضان ، بينما نجدها في الرواية الأولى تذكر أن الليلة كانت منتصف شعبان .. ونجد أيضا أن إسم الجارية هنا هو نرجس ، فيما كان " سوسن " في الرواية الأولى ..
2ـ نجد " حكيمة " تعود في اليوم الثالث من الولادة ، تماما كالرواية الأولى ، إلا أنّ الإختلاف هنا هو ، أنها في هذه الرواية ترى الأم جالسة في مجلس النفساء ، وترى كذلك وليدها ، بينما مرّ معنا ، في الرواية الأولى ، أنها افتقدتهما تماما ، ولم تر لهما من أثر ..
3ـ الطفل هنا " بمهد عليه أثواب خضر " بينما لا يُذكر هذا الأمر في الرواية الأولى ، أما الرواية الثانية فيكون الطفل فيها مغطىً بخرق صفر ..
4ـ الطفل ينطق ، في هذه الرواية ، في اليوم الثالث من مولده ، بينما كان نطقه في ( الأولى ) في اليوم الأول ، وفي ( الثانية ) في اليوم السابع ..
5ـ نجد العسكري في هذه الرواية ، يقول مخاطبا طفله بحضور حكيمة ونرجس ، في اليوم الثالث من مولده " يا بنيّ أستودعكَ الذي استودعتْ أمّ موسى ، كن في دعة الله وستره " فيما في الرواية ( الأولى ) نجد أنّ حكيمة تهمّ بالسؤال عن غيبة الطفل ، ليجيبها الإمام " استودعناه الذي استودعتْ ... " أما في ( الثانية ) فهي تسال الإمام ليجيبها بـ " استودعناه "
6ـ يطلب الإمام من عمته حكيمة كتم خبر هذا المولود ، ويؤكد على ضرورة عدم إخبارها أي أحد ، مهما كان ، عن ولادته ، بينما رأيناه في ( الرواية الأولى ) يطلب منها أن تخبر الثقاة من شيعته بالأمر ..
( الرواية الرابع ) :
وهي تماما كالرواية الثالثة ، كما يذكر الشيخ " رحمه الله " ، ولم يسردها علينا المؤلف لنرى درجة التطابق بينها وبين الرواية الثالثة .. المهم أنها ، كالرواية الثالثة ، مروية ( عن أحمد بن علي الرازي ، عن محمد بن علي ، عن حنظلة بن زكريا قال : حدّثني الثقة " ؟ " عن محمد بن علي بن بلال عن حكيمة ) ـ4ـ
( الرواية الخامسة ) :
( عن جماعة من الشيوخ ، أنّ حكيمة حدّثتْ بهذا الحديث ، وذكرتْ أنه كان ليلة النصف من شعبان ، وأنّ أمه نرجس ... وساقت الحديث إلى قولها : فإذا أنا بحسّ سيدي ، وصوت أبي محمد وهو يقول : يا عمتي هاتي إبني إليّ ، فكشفتُ عن سيدي ، فإذا هو ساجد ، متلقيا الأرض بمساجده ، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب " جاء الحق وزهق الباطل ، إنّ الباطل كان زهوقا " فضممته إليّ فوجدته مفروغا منه ، فلففته في ثوب ، وحملته إلى أبي محمد ... ( وذكروا الحديث إلى قوله ) : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمدا رسول الله ، وأنّ عليا أمير المؤمنين حقا ... ثمّ لم يزل يعدّ السادة والأوصياء ، إلى أن بلغ إلى نفسه ، ودعا لأوليائه بالفرج على يديه ، ثمّ أحجَمَ .. ثمّ رُفعَ بيني وبين أبي محمد كالحجاب فلم أرَ سيدي ، فقلت لأبي محمد : يا سيدي أين مولاي ؟ .. فقال : أخذه من هو أحق منك ومنا ... فلما كان بعد أربعين يوما ، دخلتُ على أبي محمد ، فإذا مولانا الصاحب يمشي في الدار ، فلم أرَ وجها أحسن من وجهه ، ولا لغة افصح من لغته ، فقال أبو محمد : هذا المولود الكريم على الله عز وجل ، فقلتُ : سيدي ، أرى من أمره ما أرى وله أربعون يوما .. فتبسّمَ وقال : يا عمتي ، أما علمتِ أنّا معاشر الأئمة ، ننشو " أ " في اليوم ما ينشو " أ " غيرنا في السنة ... فقمتُ فقبّلتُ رأسه وانصرفتْ ... ثم عدتُ وتفقدته ، فلم أره ، فقلت لأبي محمد : ما فعلَ مولانا ؟ .. فقال : يا عمة ، استودعناه الذي استودعتْ أم موسى ) ـ5ـ
ملاحظات حول الرواية :
1ـ نجد أنّ الطفل / الإمام هنا ، يسجد لله حال ولادته ، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب " جاء الحق وزهق الباطل " وهذا الأمر يختلف عن الروايات الأربعة السابقة ..
2ـ الطفل يشهد أن " لا إله إلا الله " وأنّ " محمدا رسول الله " وأنّ " عليا أمير المؤمنين حقا " بينما نجده في ( الرواية الأولى ) يكتفي بالصلاة على محمد ، والصلاة على الأئمة واحدا واحدا ، أما ( الرواية الثانية ) فيكتفي بـ " أشهد أن لا إله إلا الله " والصلاة على محمد والأئمة من وُلده ..
3ـ في هذه الرواية نرى " حجابا يُضرَبْ " و" اختفاءً " للوليد يحصل ، في نفس يوم الولادة ، وبحضور واندهاش " حكيمة " ، لا كما مرّ معنا ، في الروايات السابقة من الإختفاء في اليوم ( الثالث ) أو ( السابع ) ..
4ـ في اليوم ( الأربعين ) من الولادة الميمونة ، تعود حكيمة إلى دار إبن أخيها ، لتفاجأ بوجود الطفل المختفي " بعد أن فقدته في يومه الأول " يأكل الطعام ويمشي في " الدار " ويتحدّث بلغة جميلة وفصيحة ، بينما لم تذكر الروايات السابقة ، بأنّ عودة حكيمة كانت في اليوم الأربعين من الولادة ، أو أنها رأته يمشي في الدار ، ولا أدري كيف تسنّى لإبن الأربعين يوما أن يمشي ، ويتكلم بلغة " ليس هنالك أفصح منها ، على حد تعبير حكيمة ؟.. وهذا السؤال لم أطرحه أنا فقط ، إنما " حكيمتنا " أيضا طرحتْ ذات السؤال على إبن أخيها العسكري ، ليجيبها ؛ بأنّ النمو العقلي والجسدي ، للأئمة يختلف ، تماما ، عنه عند باقي الناس ، ولذا لا تعجبي ، يا عمّتي ، إن رأيتِ إبن الأربعين يوما ، منا ، يبدو وكأنه إبن الأربعين سنة .. الغريب هو أنّ السيدة حكيمة هي بنت هذا البيت العلوي الطاهر ، ومن المفترض أنها على علم ، بمثل تلك الحقيقة ، إن صحّتْ ..
5ـ في ختام الرواية نجد " حكيمة " تقبّلُ رأس مولاها الأربعيني ، وتنصرف ، لتعود بعدها ( ولا تذكر لنا الرواية المدة الزمنية الفاصلة ما بين إنصرافها وعودتها ) إلى دار الإمام ، لتستولي عليها ( وعلينا بالطبع ) الدهشة من جديد ، لفقدها الوليد ، مرة أخرى ( فقدَتْه في اليوم الأول ، ثم وجدته في اليوم الأربعين ، ثمّ فقدته الآن ) وهنا تسأل أخاها الذي يجيبها " استودعناه الذي استودعتْ أم موسى " وهنا تكون غيبة الإمام ، بعد أكثر ـ بما لا يُعلم ـ من أربعين يوما من ولادته ..
وهنا نكون قد استوفينا ذكر الروايات الـ ( 5 ) الأساسية ، المهمة والمعتمدة ، لدى أخوتنا الإثني عشرية ، وكلها مروية عن السيدة حكيمة بنت " إمامنا " الجواد ، ورأينا كيف أنها تلتقي ، فيما بينها ، بجوانب ، لتختلف ، وتتناقض ، بأخرى ، مع تغليب ، وسطوة ، عناصر التناقض والإختلاف ، بشكل واضح ، ويدعو للتساؤل ، والشك ، وبقوة ، بأصل الرواية ، أساسا ، خصوصا أنها مروية عن شخص واحد ، إضافة لما قدّمناه من تحليل ونقد لمتن النصوص ذاتها ، وهذا كله ، بغضّ النظر عن رجال السند ، ومدى وثاقتهم ..
ولنرَ الآن ، هل لدى " شيخنا " الطوسي ، من روايات أخرى ، تثبت لنا ولادة ووجود " مهديّه " مَن استودعوه " الذي استودعتْ أمّ موسى " ؟ ...
ـــــــــــــــ
1ـ الكتاب : 140 ـ 142
2ـ الكتاب : 142 ـ 143
3ـ الكتاب : 143
4ـ الكتاب : 143
5ـ الكتاب : 143 ـ 144
إبراهيم عبد علي
وها قد وصلنا إلى الروايات الأساسية حول ولادة " مهدي الإثني عشرية " ، والمرويّة كلها عن السيدة حكيمة / خديجة بنت الجواد .. وقد ذكر شيخنا الطوسي ( 5 ) روايات عن هذه السيدة الجليلة ، حول ظروف وطبيعة هذه الولادة ، وما حصل فيها من معاجز ، تُذهل العقل ، وتدعو المرء لإعادة النظر والتأمل .. إثنان من هذه الروايات متطابقتان تماما ( كما يدّعي المؤلف ) ، وكلاهما مرويان عن " أحمد بن علي الرازي " ، إلا أنّ الأولى مسندة ، فيما الثانية يقول أحد رواتها ؛ أنه قد حدّثه الثقة ، ولم يذكر لنا إسم ذلك الثقة .. أمّا الروايات الثلاث الأخرى ؛ فإثنان منها عن محمد بن الحسن بن الوليد ، أمّا الثالثة فهي عن " جماعة من الشيوخ " ، لم يذكر لنا المؤلف شيئا عنهم .. والروايات كلها مختلفة المضمون ، في الكثير من التفاصيل ، إختلافا بيّنا ، على الرغم من أنها ، كلها ، مروية عن شخص واحد .. ولأهمية هذه الروايات ، وإعتماد الإثني عشرية ، عليها ، لإثبات ولادة ابن الحسن ؛ فإننا سنحاول إستعراضها ودراستها ، بشكل تفصيلي ، لنرَ ماذا يمكن أن نستنتج منها ، وهل يمكن لها أن تضعنا على حقيقة الأمر ، وتُنهي هذا الجدل الدائر ، لأكثر من ألف عام ، حول هذا الموضوع ...
( الرواية الأولى ) :
( أخبرني إبن أبي جيد ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن الصفار محمد بن الحسن القمي ، عن أبي عبد الله المطهري ، عن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا قالت : بعثَ إليّ أبو محمد سنة خمس وخمسين ومائتين ، في النصف من شعبان ، وقال : يا عمة اجعلي الليلة إفطارك عندي ، فإنّ الله عز وجل ، سيسرّك بوليّه ، وحجته على خلقه ، خليفتي من بعدي .. قالت حكيمة : فتداخلني لذلك سرور شديد ، وأخذتُ ثيابي عليّ ، وخرجتُ من ساعتي ، حتى انتهيت إلى أبي محمد ، وهو جالس في صحن داره ، وجواريه حوله ، فقلتُ : جعلتُ فداك يا سيدي ، الخلف ممّن هو ؟ .. قال : من سوسن .. فأدرتُ طرفي فيهنّ ، فلم أر جارية عليها أثر غير سوسن .. فلما صليتُ المغرب والعشاء الآخرة ، أتيت بالمائدة فافطرت أنا وسوسن ، وبايتها في بيت واحد ، فغفوت غفوة ثمّ استيقظتُ ، فلم أزل مفكرة فيما وعدني أبو محمد من أمر وليّ الله ، فقمتُ قبل الوقت الذي كنت أقوم به في كل ليلة للصلاة ، فصليت صلاة الليل ، حتى بلغتُ إلى الوتر ، فوثبتْ سوسن ، فزعة ، وخرجتْ فزعة ، فاسبغتْ الوضوء ، ثمّ عادتْ فصلتْ صلاة الليل ، وبلغتْ الوتر ، فوقعَ في قلبي أنّ الفجر ، قد قربْ ، فقمتُ لأنظر فإذا بالفجر الأول قد طلع .. فتداخلَ قلبي الشك من وعد أبي محمد ، فناداني من حجرته ؛ لا تشكّي ، وكأنكِ بالأمر الساعة ، قد رأيتِه إن شاء الله .. فاستحييتُ من أبي محمد ، مما وقع في قلبي ، ورجعتُ إلى البيت ، وأنا خجلة ، فإذا هي " أي سوسن " قد قطعتْ الصلاة ، وخرجتْ فزعة ، فلقيتها على باب البيت ، فقلت لها ؛ بأبي أنتِ وأمي ، هل تحسّين شيئا ؟ قالت ؛ نعم يا عمّة ، إني لأجد أمرا شديدا .. فقلت لها ؛ لا خوف عليكِ أن شاء الله .. وأخذتُ وسادة فألقيتها في وسط البيت وأجلستها عليها ، وجلستُ منها حيث تقعد المرأة من المرأة للولادة ، فقبضتْ على كفي ، وغمزتْ غمزة شديدة ، ثم أنّتْ ، وتشهّدتْ .. ونظرتُ تحتها فإذا أنا بولي الله صلوات الله عليه ، متلقيا الأرض بمساجده ، فأخذتُ بكتفيه ، فأجلسته في حجري ، فإذا هو نظيف ، مفروغ منه .. فناداني أبو محمد ؛ يا عمة هلمّي فأتيني بإبني ، فأتيته به ، فتناوله ، وأخرج لسانه ، فمسح عينيه ، ففتحهما ، ثمّ أدخله في فيه ، فحنكه ، ثمّ في أذنيه ، وأجلسَه في راحته اليسرى ، فاستوى وليّ الله جالسا ، فمسحَ يده على رأسه وقال له ؛ يا بني أنطق بقدرة الله .. فاستعاذ " وليّ الله " من الشيطان الرجيم ، واستفتحَ " بسم الله الرحمن الرحيم ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ، ونجعلهم أئمة ، ونجعلهم الوارثين ، ونمكن لهم في الأرض ، ونري فرعون وهامان وجنودهما ، منهم ما كانوا يحذرون " وصلى على رسول الله ، وعلى أمير المؤمنين ، والأئمة واحدا واحدا ، حتى إنتهى إلى أبيه .. فناوَلنيه أبو محمد ، وقال ؛ يا عمّة ردّيه إلى أمه ، حتى " تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أنّ وعد الله حق ، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون " .. فردَدْته إلى أمه ، وقد انفجر الفجر الثاني ، فصليتُ الفريضة ، وعقبتُ إلى أن طلعتْ الشمس ، ثمّ ودّعتُ أبا محمد ، وانصرفتُ إلى منزلي .. فلمّا كان بعد ثلاث ، اشتقتُ إلى " وليّ الله " فصرتُ إليهم ، فبدأتُ بالحجرة التي كانت سوسن فيها ، فلم أرَ أثرا ، ولا سمعتُ ذكرا ، فكرهتُ أن أسأل ، ودخلتُ على أبي محمد ، فاستحييتُ أن أبدأ بالسؤال ، فبدأني فقال ؛ هو يا عمّة في كنف الله وحرزه وستره وغيبه ، حتى يأذن الله له ، فإذا غيّبَ الله شخصي ، وتوفاني ، ورأيتِ شيعتي قد اختلفوا ، فأخبري الثقاة منهم ، وليكن عندكِ ، وعندهم مكتوما ، فإنّ وليّ الله يغيّبه الله عن خلقه ، ويحجبه عن عباده ، فلا يراه أحد ، حتى يقدّم له جبرائيل فرسه ) ـ1ـ
ملاحظات حول الرواية :
1ـ حسب نص الرواية ، فالإمام العسكري ، بعث إلى عمّته حكيمة ، يوم ( 15 ) شعبان وكانت صائمة ، ليكون إفطارها " الليلة " عنده ، وكذلك لترى بعينيها ولادة إبنه ، فسُرّتْ بذلك وذهبت " من ساعتها " مغادرة بيتها ، متوجّهة صوب بيت إبن أخيها ، وهذا يعني ؛ إما أن يكون الإمام هو الذي ذهبَ بنفسه إلى بيت عمته وأخبرها بذلك ، وطلب منها المجيء إلى بيته ، أو أنه بعث إليها بإحدى جواريه لتخبرها بذلك .. كلمة " بعثَ " تعني أنه لم يأتِ بنفسه إلى بيت عمته ، وإنما أرسل أحدا ما لهذه المهمة ، فإن كان هذا هو الواقع ، كما هو واضح من ظاهر النصّ ؛ فليس هنالك من ضرورة تحتّم على الجارية التي أرسلها العسكري ، أن تذكر كل هذه التفاصيل ، والأسرار التي باحت بها لحكيمة ، فقد كان يكفي أن تقولَ لها ؛ يقول لك الإمام أنّ إفطارك الليلة عنده .. أو تقول ؛ يريدك الإمام لأمر مهم هذه الليلة .. لكن سياق النصّ يوحي بأنّ الإمام نفسه هو مَن أخبر حكيمة بكل ذلك ، بدليل قول الرواية ( يا عمّة إجعلي الليلة إفطاركِ عندي ) .. وهذا تناقض غريب ، فإما أن يأتي هو بنفسه ليخبرها ، وحينها لا يكون هنالك داع لكلمة " بعثَ إليّ أبو محمد " ، أو أنه يقتصر على المهم من الكلام في حال إرساله إليها بإحدى جواريه ..
2ـ العسكري بعث إلى عمته يوم ( 15 ) شعبان ، وكانت صائمة ، فافطرتْ عنده ، ثمّ شهدت ولادة ولده محمدا في فجر اليوم التالي ، أي يوم ( 16 ) شعبان .. وهذا يعني ، كما هو واضح ، أنّ ولادة أبن الحسن كانت في السادس عشر من شعبان ، وليس في الخامس عشر منه ، كما هو المعمول به عند الإثني عشرية المعاصرين ..
3ـ نجد أنّ السيدة حكيمة تسأل الإمام عن أمّ الوليد " الخلف ممّن ؟ " ليجيبها " من سوسن " فتدير الطرف ، فلا ترى فعلا غير سوسن ، عليها أثر الحمل ، وهذا يعني أنّ حكيمة لم يكن لديها علم على الإطلاق ، بالجارية التي ستلد الغلام ، وهذا ـ إن اعتمدنا هذه الرواية ـ يُسقط كل الروايات التي تشير إلى معرفتها بها ، كرواية خطوبة وزواج الإمام العسكري من نرجس " خاتون " ، وتحولها من المسيحية إلى الإسلام ، وعلى العموم ؛ مجمل الرواية التي مرّت بنا سابقا ، حول الزواج ، وكانت حكيمة شاهدة عليها .. وكذلك نجد أنّ الجارية هنا إسمها سوسن ، وليس نرجس ، أو مليكة ، كما مر معنا ، أو صقيل ، أو مريم العلوية ، كما سيمرّ .. ونستنتج ، أيضا ، من هذه الرواية أنّ أثر الحمل كان باديا على سوسن ، وليس كما تدّعي روايات أخرى ، عن حكيمة ذاتها ، من أنّ الله قد أخفى عن أم " القائم " كل أثر للحمل ، حتى لا يتعرّض الإمام للقتل من قبل سلطان الوقت ..
4ـ حكيمة تشكّ بوعد الإمام بولادة الطفل ، لأنّ الفجر الأول قد بزغ ، ولم يبزغ الطفل بعد ، وهنا يناديها العسكري ، وهو في حجرته " لا تشكّي " سيجيء الطفل الآن .. فاستحيت حكيمة ورجعت إلى بيت النساء ، لتجد سوسن ( قد قطعتْ صلاتها ، وخرجتْ فزعة ، فلقيتُها على باب البيت ) ولا أدري كيف علمت حكيمة بأنّ أم الإمام قد قطعتْ صلاتها ، وهي لم تدخل حجرتها بعد ، بل لقيَتْها فزعة على باب البيت ، حينما كانت " أي حكيمة " عائدة للحجرة بعدما سمعتْ ما سمعته من العسكري ؟ .. لمَ لمْ تفترض أنها قد أكملتْ صلاتها وخرجتْ إلى باب البيت ، بعد أن اشتدّ بها الطلق ؟ ..
5ـ نجد أنّ السيدة حكيمة هي مَن أولدتْ سوسن ، وليس ـ كما في رواية لاحقة ـ تلك العجوز مجهولة الهوية ..
6ـ بعد أن تمّتْ الولادة ، وطلع النهار انصرفتْ السيدة حكيمة إلى بيتها ، ثمّ ( لمّا كان بعد ثلاث ، اشتقتُ إلى وليّ الله ) ولا أدري لمَ " ثلاث " ؟ ألم يكن من المفروض والمنطقي أن تأتي حكيمة في اليوم التالي ، لرؤية الوليد والإطمئنان عليه ، وعلى أمّه ؟ ..
7ـ لمّا رجعت حكيمة ، في اليوم الثالث ، لبيت الإمام ، لم ترَ الأمّ ولا ولدها ، فكلاهما قد فُقدا ( فكرهتُ أن أسأل ) وما المانع من السؤال يا سيدتي ؟ فقد كان من المفروض ، في مثل تلك الحالة ، المبادرة إلى السؤال فورا ، لمعرفة حقيقة الأمر ، والإطمئنان على الأم ووليدها ، خصوصا " يا ابنة الجواد " أنكِ تعرفين مسبقا ، حسب الرؤية الشيعية ، أنّ هنالك خطرا على حياته ؟ ..
ثمّ تدخل حكيمة على العسكري ، ليبادرها ( يا عمة ؛ هو في كنف الله وحرزه ، وستره ، وغيبه ، إلى أن يأذن الله ) وهذا يعني أنّ الامام غاب وله من العمر ثلاثة أيام ، وربما يوما واحدا ، لأنّ حكيمة لم تره إلا في اليوم الأول ، والإمام ، كذلك ، لم يخبرها بدقة متى غاب .. ثمّ يُكمل العسكري ( فإذا غيّبَ الله شخصي وتوفاني ، ورأيت شيعتي قد اختلفوا ) لمَ جعلتهم يختلفون ، يا سيدي ، ولم تخبرهم بولادة إبنك ، على الأقل ، الثقاة منهم ؟ .. ويكمل العسكري ( فأخبري الثقاة منهم ، وليكن عندكِ ، وعندهم مكتوما ) ولا أدري لمَ التكتّم ، والخشية ، وهو أساسا قد غاب ، ولم يعرفه ، ولم يعرف مكانه من أحد أبدا ؟ .. ثمّ يكمل العسكري كلامه قائلا ( فإنّ وليّ الله ، يغيّبه الله عن خلقه ، ويحجبه عن عباده ، فلا يراه أحد ) وكان الأولى أن يقول الإمام " غيّبَهُ الله " لا " يغيّبه " وكان من المفروض ، أيضا ، أن يذكر لعمته سبب هذه الغيبة ، وإلى مَن يتجه الناس زمن غيبته ..
8ـ يقول العسكري متحدثا عن ولده أنّ الله يغيّبه عن خلقه ، فلا يراه أحد ، وكان من المفترض أن يجعل هنالك إستثناءً ، وذلك للتلميح لقضية الوكلاء ..
9ـ حكيمة تشير إلى الطفل بعبارة " وليّ الله " لخمسة مرات ، والعسكري كذلك يستخدم ذات المفردة لمرتين .. ! ..
( الرواية الثانية ) :
( وبهذا الإسناد ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن حمويه الرازي ، عن الحسين بن رزق الله ، عن موسى بن محمد بن جعفر قال : حدّثتني حكيمة بنت محمد " ع " ، بمثل معنى الحديث الأول ، إلا أنها قالت : فقال لي ابو محمد : يا عمة إذا كان اليوم السابع ، فأتينا .. فلمّا أصبحتُ ، جئتُ لأسلم على أبي محمد ، وكشفت عنه الستر لأتفقد سيدي ، فلم أره ، فقلتُ له : " جُعلتُ فداك ، ما فعل سيدي ؟ " فقال : يا عمة استودعناه الذي استودعتْ أمّ موسى .. فلمّا كان اليوم السابع ، جئتُ فسملتُ ، وجلستُ ، فقال : هلمّوا إبني .. فجيء بسيدي ، وهو في خرق صفر ، ففعل به كفعله الأول ، ثمّ أدلى لسانه في فيه ، كأنما يغذيه لبنا وعسلا ، ثم قال : تكلم يا بني .. فقال : " أشهد أن لا إله إلا الله " وثنى بالصلاة على محمد وعلى الأئمة " ع " حتى وقف على أبيه ، ثم قرأ " بسم الله الرحمن الرحيم ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ، ونجعلهم أئمة ، ونجعلهم الوارثين " إلى قوله " ما كانوا يحذرون " .. ) ـ2ـ
ملاحظات حول الرواية :
1ـ نجد أنّ محمدا بن الحسن بن الوليد ، هو ذاته مَن روى لنا " الرواية الأولى " إلا أنه هنا ، يرويها عن محمد بن يحيى العطار ، فيما روى الأولى عن محمد بن الحسن القمي ..
2ـ نرى في هذه الرواية " الشريفة " أنّ الإمام العسكري يطلب من عمته حكيمة ، بعد ولادة ابنه أن تذهب إلى البيت ، وتعود في اليوم السابع ، وليس في اليوم الثالث ، كما مرّ معنا في الرواية السابقة ، ثم نفاجأ بمجيء حكيمة إلى بيت إبن أخيها في صبيحة اليوم التالي للولادة ، وليس كما طلب منها الإمام " في اليوم السابع منه " .. وتكمل " حكيمتنا " مقالتها " الحكيمة " قائلة : وكشفتُ عنه الستر لأتفقد سيدي فلم أره ، فقلتُ جعلتُ فداك ، ما فعل سيدي ؟ .. فقال : يا عمة استودعناه الذي استودعتْ أم موسى .. وهنا نجد السيدة حكيمة تفاجأ ، وتفاجئنا نحن أيضا ، بعدم وجود الطفل ، في اليوم التالي لولادته ، بينما في الرواية السابقة ، كان هذ الفقد في اليوم الثالث ، ونجد أيضا أنّ جواب الإمام هو هو لم يختلف في الروايتين معا " يا عمة استودعناه " .. إلا أنه في الرواية الأولى ، يؤكد لعمته حصول الغيبة ، بينما يكتفي في هذه الرواية بـ " استودعناه " .. وأيضا نلاحظ أنّ " حكيمة " قالتْ لإبن أخيها ، بعد أن استولتْ عليها دهشة الغياب : جعلتُ فداكَ ، ما فعلَ سيدي ؟ .. وكان الأولى أن تقول له ؛ أين سيدي ؟ أو ؛ ما فُعِلَ بسيدي ؟ .. وايضا نلاحظ هنا في هذه الرواية أنّ " حكيمة " لا تتحرج من سؤال الإمام حول غياب الطفل ، على العكس من الرواية الأولى ..
3ـ أمّ الوليد هنا إسمها نرجس ، بينما في ( الأولى ) سوسن ..
4ـ الطفل / الإمام في هذه الرواية يتكلم في اليوم السابع لمولده ، بينما كان نطقه ، في الرواية الأولى ، في اليوم الأول لمولده " الشريف " .. كما نجد أن الطفل ملفوفا بخرق صفر ..
5ـ لا تتحدّث الرواية عن غيبة الإمام ، فحكيمة افتقدته في اليوم التالي لولادته ، إلا أنها وجدته في اليوم السابع منه .. ولم تشر الرواية هنا إلى غيبته في اليوم السابع ، بينما نجد أباه في الرواية الأولى ، يؤكد غيابه و " غيبته " في اليوم الثالث ..
( الرواية الثالثة ) :
( أحمد بن علي الرازي ، عن محمد بن علي ، عن علي بن سميع بن بنان ، عن محمد بن علي بن أبي الداري ، عن أحمد بن محمد ، عن أحمد بن عبد الله ، عن أحمد بن روح الأهوازي ، عن محمد بن إبراهم ، عن حكيمة ، بمثل معنى الحديث الأول ، إلا أنه قال : قالت " أي حكيمة " : بعث إليّ أبو محمد ليلة النصف من شهر رمضان ، سنة خمس وخمسين ومائتين ، فقلتُ له : يا ابن رسول الله ، مَن أمّه ؟ قال : نرجس .. قالت : فلمّا كان في اليوم الثالث ، اشتدّ شوقي إلى وليّ الله ، فأتيتهم عائدة ، فبدأت بالحجرة التي فيها الجارية ، فإذا أنا بها جالسة ، في مجلس المرأة النفساء ، وعليها أثواب صفر ، وهي معصّبة الرأس ، فسلمتُ عليها ، والتفتُ إلى جانب البيت ، وإذا بمهد عليه أثواب خضر ، فعدلتُ إلى المهد ، ورفعتُ عنه الأثواب ، فإذا أنا بوليّ الله ، نائم على قفاه ، غير محزوم ولا مقموط ، ففتح عينيه ، وجعل يضحك ، ويناجيني بإصبعه ، فتناولته وأدنيته إلى فمي ، لأقبّله ، فشممت منه رائحة ، ما شممتُ قط أطيب منها .. وناداني أبو محمد : يا عمتي ، هلمّي فتاي إليّ .. فتناوله وقال : يا بنيّ انطق ...( وذكر الحديث ) قالت : ثمّ تناولته منه ، وهو يقول : يا بنيّ أستودعكَ الذي استودعتْ أم موسى ، كن في دعة الله وستره وكنفه وجواره .. وقال : ردّيه إلى أمه يا عمة ، واكتمي خبر هذا المولود ، علينا ، ولا تخبري به أحدا ، حتى يبلغ الكتاب أجله .. فأتيتُ أمّه ، وودّعتهم ... ) ـ3ـ
ملاحظات حول الرواية :
1ـ في هذه الرواية تذكر " حكيمة " أن الإمام بعث إليها في ليلة النصف من رمضان ، بينما نجدها في الرواية الأولى تذكر أن الليلة كانت منتصف شعبان .. ونجد أيضا أن إسم الجارية هنا هو نرجس ، فيما كان " سوسن " في الرواية الأولى ..
2ـ نجد " حكيمة " تعود في اليوم الثالث من الولادة ، تماما كالرواية الأولى ، إلا أنّ الإختلاف هنا هو ، أنها في هذه الرواية ترى الأم جالسة في مجلس النفساء ، وترى كذلك وليدها ، بينما مرّ معنا ، في الرواية الأولى ، أنها افتقدتهما تماما ، ولم تر لهما من أثر ..
3ـ الطفل هنا " بمهد عليه أثواب خضر " بينما لا يُذكر هذا الأمر في الرواية الأولى ، أما الرواية الثانية فيكون الطفل فيها مغطىً بخرق صفر ..
4ـ الطفل ينطق ، في هذه الرواية ، في اليوم الثالث من مولده ، بينما كان نطقه في ( الأولى ) في اليوم الأول ، وفي ( الثانية ) في اليوم السابع ..
5ـ نجد العسكري في هذه الرواية ، يقول مخاطبا طفله بحضور حكيمة ونرجس ، في اليوم الثالث من مولده " يا بنيّ أستودعكَ الذي استودعتْ أمّ موسى ، كن في دعة الله وستره " فيما في الرواية ( الأولى ) نجد أنّ حكيمة تهمّ بالسؤال عن غيبة الطفل ، ليجيبها الإمام " استودعناه الذي استودعتْ ... " أما في ( الثانية ) فهي تسال الإمام ليجيبها بـ " استودعناه "
6ـ يطلب الإمام من عمته حكيمة كتم خبر هذا المولود ، ويؤكد على ضرورة عدم إخبارها أي أحد ، مهما كان ، عن ولادته ، بينما رأيناه في ( الرواية الأولى ) يطلب منها أن تخبر الثقاة من شيعته بالأمر ..
( الرواية الرابع ) :
وهي تماما كالرواية الثالثة ، كما يذكر الشيخ " رحمه الله " ، ولم يسردها علينا المؤلف لنرى درجة التطابق بينها وبين الرواية الثالثة .. المهم أنها ، كالرواية الثالثة ، مروية ( عن أحمد بن علي الرازي ، عن محمد بن علي ، عن حنظلة بن زكريا قال : حدّثني الثقة " ؟ " عن محمد بن علي بن بلال عن حكيمة ) ـ4ـ
( الرواية الخامسة ) :
( عن جماعة من الشيوخ ، أنّ حكيمة حدّثتْ بهذا الحديث ، وذكرتْ أنه كان ليلة النصف من شعبان ، وأنّ أمه نرجس ... وساقت الحديث إلى قولها : فإذا أنا بحسّ سيدي ، وصوت أبي محمد وهو يقول : يا عمتي هاتي إبني إليّ ، فكشفتُ عن سيدي ، فإذا هو ساجد ، متلقيا الأرض بمساجده ، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب " جاء الحق وزهق الباطل ، إنّ الباطل كان زهوقا " فضممته إليّ فوجدته مفروغا منه ، فلففته في ثوب ، وحملته إلى أبي محمد ... ( وذكروا الحديث إلى قوله ) : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمدا رسول الله ، وأنّ عليا أمير المؤمنين حقا ... ثمّ لم يزل يعدّ السادة والأوصياء ، إلى أن بلغ إلى نفسه ، ودعا لأوليائه بالفرج على يديه ، ثمّ أحجَمَ .. ثمّ رُفعَ بيني وبين أبي محمد كالحجاب فلم أرَ سيدي ، فقلت لأبي محمد : يا سيدي أين مولاي ؟ .. فقال : أخذه من هو أحق منك ومنا ... فلما كان بعد أربعين يوما ، دخلتُ على أبي محمد ، فإذا مولانا الصاحب يمشي في الدار ، فلم أرَ وجها أحسن من وجهه ، ولا لغة افصح من لغته ، فقال أبو محمد : هذا المولود الكريم على الله عز وجل ، فقلتُ : سيدي ، أرى من أمره ما أرى وله أربعون يوما .. فتبسّمَ وقال : يا عمتي ، أما علمتِ أنّا معاشر الأئمة ، ننشو " أ " في اليوم ما ينشو " أ " غيرنا في السنة ... فقمتُ فقبّلتُ رأسه وانصرفتْ ... ثم عدتُ وتفقدته ، فلم أره ، فقلت لأبي محمد : ما فعلَ مولانا ؟ .. فقال : يا عمة ، استودعناه الذي استودعتْ أم موسى ) ـ5ـ
ملاحظات حول الرواية :
1ـ نجد أنّ الطفل / الإمام هنا ، يسجد لله حال ولادته ، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب " جاء الحق وزهق الباطل " وهذا الأمر يختلف عن الروايات الأربعة السابقة ..
2ـ الطفل يشهد أن " لا إله إلا الله " وأنّ " محمدا رسول الله " وأنّ " عليا أمير المؤمنين حقا " بينما نجده في ( الرواية الأولى ) يكتفي بالصلاة على محمد ، والصلاة على الأئمة واحدا واحدا ، أما ( الرواية الثانية ) فيكتفي بـ " أشهد أن لا إله إلا الله " والصلاة على محمد والأئمة من وُلده ..
3ـ في هذه الرواية نرى " حجابا يُضرَبْ " و" اختفاءً " للوليد يحصل ، في نفس يوم الولادة ، وبحضور واندهاش " حكيمة " ، لا كما مرّ معنا ، في الروايات السابقة من الإختفاء في اليوم ( الثالث ) أو ( السابع ) ..
4ـ في اليوم ( الأربعين ) من الولادة الميمونة ، تعود حكيمة إلى دار إبن أخيها ، لتفاجأ بوجود الطفل المختفي " بعد أن فقدته في يومه الأول " يأكل الطعام ويمشي في " الدار " ويتحدّث بلغة جميلة وفصيحة ، بينما لم تذكر الروايات السابقة ، بأنّ عودة حكيمة كانت في اليوم الأربعين من الولادة ، أو أنها رأته يمشي في الدار ، ولا أدري كيف تسنّى لإبن الأربعين يوما أن يمشي ، ويتكلم بلغة " ليس هنالك أفصح منها ، على حد تعبير حكيمة ؟.. وهذا السؤال لم أطرحه أنا فقط ، إنما " حكيمتنا " أيضا طرحتْ ذات السؤال على إبن أخيها العسكري ، ليجيبها ؛ بأنّ النمو العقلي والجسدي ، للأئمة يختلف ، تماما ، عنه عند باقي الناس ، ولذا لا تعجبي ، يا عمّتي ، إن رأيتِ إبن الأربعين يوما ، منا ، يبدو وكأنه إبن الأربعين سنة .. الغريب هو أنّ السيدة حكيمة هي بنت هذا البيت العلوي الطاهر ، ومن المفترض أنها على علم ، بمثل تلك الحقيقة ، إن صحّتْ ..
5ـ في ختام الرواية نجد " حكيمة " تقبّلُ رأس مولاها الأربعيني ، وتنصرف ، لتعود بعدها ( ولا تذكر لنا الرواية المدة الزمنية الفاصلة ما بين إنصرافها وعودتها ) إلى دار الإمام ، لتستولي عليها ( وعلينا بالطبع ) الدهشة من جديد ، لفقدها الوليد ، مرة أخرى ( فقدَتْه في اليوم الأول ، ثم وجدته في اليوم الأربعين ، ثمّ فقدته الآن ) وهنا تسأل أخاها الذي يجيبها " استودعناه الذي استودعتْ أم موسى " وهنا تكون غيبة الإمام ، بعد أكثر ـ بما لا يُعلم ـ من أربعين يوما من ولادته ..
وهنا نكون قد استوفينا ذكر الروايات الـ ( 5 ) الأساسية ، المهمة والمعتمدة ، لدى أخوتنا الإثني عشرية ، وكلها مروية عن السيدة حكيمة بنت " إمامنا " الجواد ، ورأينا كيف أنها تلتقي ، فيما بينها ، بجوانب ، لتختلف ، وتتناقض ، بأخرى ، مع تغليب ، وسطوة ، عناصر التناقض والإختلاف ، بشكل واضح ، ويدعو للتساؤل ، والشك ، وبقوة ، بأصل الرواية ، أساسا ، خصوصا أنها مروية عن شخص واحد ، إضافة لما قدّمناه من تحليل ونقد لمتن النصوص ذاتها ، وهذا كله ، بغضّ النظر عن رجال السند ، ومدى وثاقتهم ..
ولنرَ الآن ، هل لدى " شيخنا " الطوسي ، من روايات أخرى ، تثبت لنا ولادة ووجود " مهديّه " مَن استودعوه " الذي استودعتْ أمّ موسى " ؟ ...
ـــــــــــــــ
1ـ الكتاب : 140 ـ 142
2ـ الكتاب : 142 ـ 143
3ـ الكتاب : 143
4ـ الكتاب : 143
5ـ الكتاب : 143 ـ 144