مع الشيخ الطوسي في غيبته - 6
وُلدَ أم لم يلده من أحد أبدا - 2
إبراهيم عبد علي
ما زلنا في أجواء ولادة " المنقذ " وإطلالة " المستحفظ من آل محمد " ، منتظرين من المؤلف أن يورد لنا أدلته التأريخية ، حول هذه الولادة " المباركة " ، وقبل الدخول إلى هذا العالم الشائك ، من النصوص النقلية ، والشهادات ، المتعددة المصادر ؛ أحببتُ أن نرى ، معا ، نصّا ذكره الشيخ " رحمه الله " في معرض إستدلاله على أنّ " صاحب هذا الأمر لا يموت حتى يرى عقبه " وإليكم نصّ الرواية " الشريفة " :
( روى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عقبة بن جعفر قال : قلتُ لأبي الحسن ( الهادي ) عليه السلام ؛ قد بلغتَ ما بلغتَ ، وليس لك ولد .. فقال : ( يا عقبة بن جعفر ، إنّ صاحب هذا الأمر ، لا يموت ، حتى يرى وَلده من بعده ) ـ1ـ
ولنحاول ، الآن ، تحليل هذا النصّ ...
سياق الحديث ، يوحي ، وبشكل مؤكد ، أنّ الإمام الهادي " ع " قد بلغَ من العمر مبلغا كبيرا ، ولم يُرزق بوَلد بعد ، ولذا يعتري القلق أحد أصحابه ، فيأتي ليسأل الإمام ، ربما بألم ؛ قد بلغتَ ـ يا سيدي ـ من الكبر في السنّ ما بلغتَ ، وليس لك ، لحد الآن ، من ولد .. فيُطمئنه إمامه بأنه سيرزق ، عما قريب ، بولد ، إن شاء الله ، فما دام هو صاحب هذا الأمر " الإمامة " ، فلا بدّ أن يكون له ولد ، حتى وإن طال به العمر ، ولم يُرزق به بعد ...
ولكنا حينما نتتبع حياة سيدنا الهادي " منه التسليم " بشكل حسابي دقيق ؛ نجد مجموعة حقائق تبطل ، بالضرورة ، هذه الرواية من الأساس ، وبالتالي ، تُبطل الإستدلال بها لإثبات أية قضية ، بل تجعلنا نعجب ، كلَّ العجب ، كيف ارتضى " شيخ الطائفة " الإستدلال بمثل تلك الرواية السقيمة .. وإليك التفصيل :
ولادة الإمام علي الهادي " رض " كانت عام ( 212 هـ ) فيما وفاته كانت عام ( 254 هـ ) مما يعني أن عمره ، حين وفاته ، هو ( 42 ) سنة .. ومن جانب آخر نعرف بأن ولادة وَلده الحسن العسكري " صلوات الله وسلامه عليه " كانت عام ( 232 هـ ) وهذا يعني أنّ عمر أبيه الهادي ، كان ، وقت ولادة ولده العسكري ، هو ( 20 ) عاما ، فإذا أضفنا لذلك حقيقة أخرى ؛ وهي أنّ العسكري ليس أكبر وُلد " الهادي " إنما أكبر وُلده هو السيد محمد ، كما هو معروف ، ولا جدال فيه ، ولو فرضنا أنّ " محمدا " هذا قد وُلد قبل ولادة أخيه العسكري بسنتين ؛ وفي هذه الحالة ، يكون عمر الإمام الهادي " ع " وقت ولادة أكبر وُلده ، هو ( 18 ) سنة فقط .. وبهذه النتيجة ؛ ننذهل لمعرفة أنّ " عقبة بن جعفر " قد قال لإمامه الهادي أنه بلغَ من العمر ما بلغَ ، وليس له وَلد ، قالها له حينما لم يكن لـ " إمامه " من العمر إلا ( 17 ) عاما ، أو ، على أكثر التقادير ( 18 ) عاما .. فهل يُعقل هذا ؟ّ ...
ونأتي الآن لإستعراض ودراسة الأدلة التاريخية ، حول ولادة " الحجة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف " :
( محمد بن يعقوب الكليني ، عن محمد بن جعفر الأسدي قال : حدّثني أحمد بن إبراهيم قال : دخلتُ على خديجة بنت محمد بن علي الرضا " ع " سنة اثنتين وستين ومائتين ، فكلمتها من وراء حجاب ، وسألتها عن دينها ، فسمّتْ لي من تأتم بهم ، قالت فلان بن الحسن ، فسمّته ، فقلت لها : جعلني الله فداك ، معاينة أو خبرا ؟ فقالت : خبرا عن أبي محمد " ع " كتبَ به إلى أمه .. قلتُ لها : فاين الولد ؟ .. قالت : مستور .. فقلتُ : إلى مَن تفزع الشيعة ؟ .. قالت : إلى الجدة أمّ أبي محمد " ع " .. فقلت : أقتدي بمن وصيّته إلى إمرأة ؟! .. فقالت : إقتد بالحسين بن علي ، عليهما السلام ، أوصى إلى أخته زينب بنت علي " ع " في الظاهر ، وكان ما يخرج من علي بن الحسين " ع " من علم يُنسَب إلى زينب ، سترا على علي بن الحسين ، عليهما السلام .. ثمّ قالت : إنكم أصحاب أخبار ، أما رويتم أنّ التاسع من وُلد الحسين " ع " يقسَّم ميراثه ، وهو في الحياة ؟ .. ) ـ2ـ
( وروى هذا الخبر ، التلعكبري ، عن الحسن بن محمد النهاوندي ، عن الحسن بن جعفر بن مسلم الحنفي ، عن أبي حامد المراغي قال : سألتُ خديجة بنت محمد ، أخت أبي الحسن العسكري ... وذكر مثله ) ـ3ـ
وتعالوا ، لنقرأ من جديد ، تلك الرواية ...
1ـ يوجد لدينا روايتين ، بذات المضمون ، الأولى يكون السائل فيها هو ( أحمد بن إبراهيم ) أما الثانية فهو ( أبو حامد المراغي ) ولا نعرف ، بالتحديد ، مَن منهما ، هو ، حقا ، مَن سأل السيدة خديجة بنت الجواد ، خصوصا أن الروايتين متطابقتان تماما ، فلو كان هنالك إختلاف في المضمون من حيث الأسئلة والأجوبة ، لقلنا أنه من الممكن تعدد السائلين والرواة ، أما في حال التطابق ، وهذا هو الواقع ، كما يشي كلام " الطوسي " بذلك ، فإنه من المتعذر قبول الروايتين معا ...
2ـ زمن الحدث هو عام ( 262 هـ ) أي بعد حوالي سبعة أعوام على ولادة " المنتظر " وعامين على وفاة " العسكري " ...
3ـ يُفهَم من الشطر الأخير للرواية ، أنّ الراوي هو من أصحاب الأخبار ، ومن الموالين ، وأيضا هو من الثقاة ، بالنسبة للسيدة خديجة ، وإلا لم تكن لتسرّه هذا السرّ العظيم ، فكيف لرجل شيعيّ الهوى والمعتقد أن يسأل " سيدته خديجة " عن دينها ؟ أليس مثل هذا السؤال غريبا ، وفي غير محله ؟ ثمّ لنتأمل ، معا ، جوابها له ( فسمّتْ لي مَن تأتمّ به ، قالتْ فلان بن الحسن فسمّته ) ونرى أنّ الجواب لا يتناسب والسؤال ، وكذلك نكتشف من خلال جوابها هذا ، أنّ هنالك تصريحا بالإسم ، يعني أنها قالت وبوضوح ( محمد بن الحسن ) بدليل قوله لمرتين ( فسمّته ) وهذا يعني أنّ الذي تحرّجَ من ذكر الإسم صريحا واستعاض عنه بـ ( فلان بن الحسن ) هو الراوي نفسه ، فهو ، حسب الظاهر ، ممن يعتقد بحرمة التلفظ بإسم " سيدنا صاحب العصر والزمان " لأنه ( لا يحلّ لكم ذكر الأسم ) لروايات عديدة وردتْ بهذا الشأن ، ولا أدري كيف لا يلفظ الراوي إسم ( محمد ) صريحا ، بينما نجده يقول بأنّ السيدة خديجة قد ذكرت الإسم تصريحا لا تلميحا ؟ هل غاب التحريم عن خديجة وكان حاضرا لدى هذا العابر ؟! ..
4ـ يسأل الراوي سيدته خديجة ، هل أنها رأتْ " محمدا بن الحسن " بنفسها ، أم أنّ الأمر يقتصر على مجرّد خبر سمعتْ به ؟ فتجيبه السيدة ، إنها لم ترَ الوليد ، إنما سمعتْ به .. وهذا يعني ؛ أننا ، في حال قبولنا لهذه الرواية ، ينبغي علينا أن نرفض كل الروايات التي تقول بأن السيدة خديجة قد رأتْ " الإمام " بل إنها الشاهد الأكبر والأبرز على ولادته .. أما في حال قبولنا لروايات المشاهدة من قبلها ؛ فلا يسعنا ، حينها ، إلا رفض هذه الرواية ، أمّا أن نقبلهما معا ، فهذا خلاف العقل والمنطق ...
5ـ يسأل الراوي " سيدتنا " خديجة ؛ إلى مَن تفزع الشيعة ، والإمام غائب ، مستور ؟ .. لتجيبه ؛ إلى الجدّة تفزعون ، فعندها جواب أسئلتكم ، وشفاء ما في صدوركم .. وهنا يقول لها ، باستغراب ؛ أقتدي بمن وصيّته إلى إمرأة ؟.. فيما كان من المفترض أن يقول لها " أقتدي بإمرأة " بدلا من قوله " بمن وصيته لإمرأة " .. ثمّ إننا " معشر الرافضة " لم نسمع أن الشيعة كانوا يفزعون إلى الجدة " أم العسكري " لحلّ مشاكلهم ، والبحث عن الأجوبة لمسائلهم ، فلم تردنا رواية واحدة بهذا الشأن ...
6ـ لا نجد في هذه الرواية " الشريفة " و " المقدّسة " ذكرا لوكلاء " الغائب " على الأقلّ الوكيل الأول منهم ، والذي كان من الأولى للسيدة خديجة ، أن تدلّ السائل عليه ، باعتباره وكيل الإمام ، وهو مَن اختُصّ ، دونا عن الخلق كلهم ، برؤيته واللقاء به ، كما يؤكد ذلك أخوتنا " الإثنا عشرية " أنفسهم ...
( أبو هاشم الجعفري قال : قلتُ لأبي محمد " ع " : جلالتك تمنعني عن مسألتك ، " أ " فتأذن لي في أن اسألك ؟ قال : سل .. قلتُ : يا سيدي ، هل لك ولد ؟ .. قال : نعم .. قلتُ : فإن حدتَ حدثْ ، فأين أسأل عنه ؟ .. قال : بالمدينة .. ) ـ4ـ
ولا أدري مَن الذي روى هذه الرواية عن أبي هاشم هذا ، فالشيخ لا يذكر السند ، ولا أرى مبرّرا لعدم سؤال ( الجعفري ) لإمامه حول هذا الولد ، واسمه ، وكيفية اللقاء به ، وأين هو الآن ، ولمَ التكتمّ على أمره ، ثمّ ما هو معنى جواب الإمام المقتضب هذا ( بالمدينة ) ؟ بينما ، تاريخيا ، لا يذكر لنا الشيعة أنّ المهدي متواجد في " المدينة " أو أنه قد تمّ السؤال عنه ، أو اللقاء به هناك .. وبشكل عام ، نفهم من هذه الرواية ، وكثير غيرها ، سيأتي لحاقا ، أنّ هنالك تساؤل من قبل أصحاب الإمام العسكري ، ومقرّبيه ( وهل مثل أبي هاشم في القرب ؟ ) حول مسألة وجود وَلد للإمام ، من عدمه ، وهذا يعني أنّ أمر الولادة ، في حال حصوله ، كان أمرا خفيا ، ولا يعلم به من أحد أبدا .. وعلى العموم ؛ فالرواية السابقة ، لا تؤكد وجود ولد للإمام ، بشكل قطعي ...
( وروى محمد بن يعقوب ، رفعه عن نسيم الخادم " ـه " ، وخادم أبي محمد " ع " قال " ـتْ " : دخلتُ على صاحب الزمان ، بعد مولده بعشر ليال ، فعطستُ عنده ، فقال : يرحمكِ الله ، ففرحتْ بذلك ، فقال : ألا أبشركِ في العطاس ؟ .. هو أمان من الموت ثلاثة أيام ) ـ5ـ
والخبر ، كما هو واضح ، يرفعه الكليني إلى نسيم الخادمة ، دون ذكر السند ، وهذا ممّا يُضعف الرواية ، بل يُلغي الإستدلال بها أساسا .. أضف إلى ذلك ؛ أننا نجد أنّ " نسيما " الخادمة تدخل على " الصّاحب " بعد عشر ليال من مولده ، وهذا يستبطن ، أنها تعرف تاريخ ولادته ، ومكان تواجده ، تعطس ُ " نسيم " ليقول لها الطفل " يرحمكِ الله " وهذا يعني أن الطفل ـ الإمام تكلّم وله من العمر عشرة أيام فقط ، ولا أدري هل أنّ عطسة الخادمة ، أو الخادم ، تستدعي أن يُنطق الله طفلا ، بمثل هذا العمر ؟! .. فتفرح " نسيمنا " دون أن تتفاجأ بنطق الصغير ، ليُكمل الطفل حديثه قائلا " ألا أبشركِ في العطاس ؟ " أية بشرىً تلك ؟ وهل أنّ تأجيل موت الإنسان لثلاثة أيام يُعدّ بشرى بالنسبة للمرء ؟ .. وهل يُعقل أن تعرف " نسيم " هذه خبر " إمام العصر والزمان " ، وتعرف بدقة تاريخ ولادته ، ومكان تواجده ، فيما يخفى ذلك كله على السيدة خديجة ـ حكيمة عمة العسكري " ع " ، كما مرّ معنا في الرواية السابقة ؟ .. ويخفى أيضا عن أبي هاشم ، وهو مَن هو ، في قربه لأئمة أهل البيت ، ومكانته لديهم ؟ .. وكذا الأمر مع بقية أصحاب الهادي والعسكري " ع " ، فهل يُعقل ، بالله عليكم ، هذا ؟ ...
( وروى محمد بن يعقوب بإسناده ـ والسند هنا ، كما يذكره محمد بن يعقوب الكليني ، هو : قال أبو علي ، محمد ، وأبو عبد الله ، الحسن ، إبنَي علي بن إبراهيم ، كلاهما ، عن علي بن عبد الرحمن العبدي ، عن ضوء بن علي العجلي ، عن رجل من أهل فارس ، سمّاه ، قال : أتيتُ سرّ من رأى ، ولزمتُ باب أبي محمد " ع " ، فدعاني من غير أن استأذن ، فلمّا دخلت ، فسلمتُ ، قال لي : يا فلان ، كيف حالك ؟ .. ثمّ قال : أقعد يا فلان .. ثمّ سألني عن جماعة من رجال ونساء من أهلي ، ثمّ قال لي : ما الذي أقدَمك ؟ .. قلت : رغبة في خدمتك .. قال : فالزم الدار .. قال : فكنت في الدار ، مع الخدم ، ثمّ صرتُ أشتري لهم الحوائج من السوق ، وكنتُ أدخل عليه بغير إذن إذا كان في الدار الرجال ، فدخلتُ يوما ، وهو في دار الرجال ، فسمعتُ حركة في البيت ، وناداني : مكانكَ ، لا تبرح .. فلم أجسر " أن " أخرج " أو " ولا أدخل ، فخرجتْ عليّ جارية معها شيء مُغطى ، ثمّ ناداني : أدخل .. فدخلتْ ، ثمّ نادى الجارية ، فرجعتْ ، فقال لها : إكشفي عمّا معكِ .. فكشفتْ عن غلام أبيض ، حسن الوجه .. فكشفَ عن بطنه ، فإذا شعر نابتْ من لبته إلى سرّته ، أخضر ليس بأسود .. فقال : هذا صاحبكم .. ثمّ أمرها ، فحملتهُ .. فما رأيته بعد ذلك ، حتى مضى أبو محمد " ع " .. فقال ضوء بن علي : قلتُ للفارسي : كم كنتَ تقدّر له من السنين ؟ .. قال : سنتين .. قال العبدي " علي بن عبد الرحمن " : فقلتُ لضوء : كم تقدّر أنت ؟ .. فقال : أربع عشرة سنة .. قال ابو علي وأبو عبد الله " إبنَيّ علي بن إبراهيم " : ونحن نقدّر إحدى وعشرين سنة ) ـ6ـ
ولنا على هذه الرواية مجموعة ملاحظات ، نجملها بالآتي :
1ـ " رجل من أهل فارس " مَن هو هذا الرجل ؟ وهل يمكننا الوثوق بروايته ، ولمَ لم يُذكر إسمه ، ليتسنى لنا تتبّع حاله ، للحكم على وثاقة مقاله ؟ ..
2ـ سلّمنا ، جدلا ، أنّ الإمام العسكري " ع " عرفَ ، وبشكل إعجازي ، إسم الرجل الفارسي ، وسأله عن جماعة من أهل بيته وخاصته ، فهل يُعقل أن يسأله الإمام عن النساء ؟ .. من المقبول سؤاله عن الرجال ، لكن هل من الذوق أن يسأله عن نساء أهل بيته ، وهو مَن هو في جلالة القدر ، وشدّة الورع ، والغضّ عن المحارم ؟ ..
3ـ الفارسي هذا " لعن الله أبا لؤلؤة " يدخل دار الرجال الخاصة بالعسكري ، دون استئذان ، ويوما ما ، يدخل كعادته ، ليسمع حركة في البيت ، توحي بوجود ضيوف ، ليتفاجأ بـ " مكانك ، لا تبرح " فلم يجرؤ على الدخول ، أو الخروج ، وهذا الأمر يعني أن الإمام لم يشأ أن يرى الفارسي هذا ، ما يحصل في الداخل ، وفي هذه الأثناء خرجتْ ، من دار الرجال جارية تحمل شيئا مُغطىً ، بقطعة قماش ، ونفهم من سياق الحديث ، وجوّه العام ، أنّ الإمام لم يُرد أن يرى " الخادم " هذا ما هو مُغطىً ، بين يدي جاريته ، لكننا نُفاجأ ، وبشكل غير منطقي ، بأمر الإمام للفارسي بالدخول إلى حجرة الرجال ، ومناداة الجارية من جديد للعودة للحجرة مع " سرّها " مرة أخرى ( ولا أدري ، أساسا ، كيف فهمتْ الجارية من مناداة الإمام لها ، أن تعود ، بأنها يجب أن تعود ، مع السرّ ، علما أنّ منطق الأحداث ، يستدعي أن تعود لوحدها ، دون " سرّها " خصوصا أنها رأتْ أنّ سيدها لم يشأ أن يرى الفارسي ما كانت تحمله بيديها ، بدليل قوله له " مكانك " ؟ ) .. فرجعتْ ، فقال لها العسكري " إكشفي عمّا معكِ " فكشفتْ الغطاء عن غلام ، أخبرهم الإمام أنه صاحبهم .. ولا أدري لمَ أخبرهم ، مرة أخرى ، بحضور الفارسي ، أنه صاحبهم ، وقد كان من المفترض أن يقول هذا الأمر للفارسي فقط ، بإعتبار أنّ الفارسي هو مَن مُنع من الدخول ، حينما كانت الجارية مع الطفل هناك ، في حجرة الرجال ، وكلهم مجتمعون فيها ، وبالتأكيد ، يكون الإمام ، قد أخبرهم بذلك ، ولمْ يبقَ إلا الفارسي ليخبره .. ثمّ ما هي الحكمة في منع الفارسي من الدخول ، وبعدها ، مباشرة ، الإذن له بالدخول ، وإطلاعه على ما مُنعَ منه قبل لحظات ؟ ..
وُلدَ أم لم يلده من أحد أبدا - 2
إبراهيم عبد علي
ما زلنا في أجواء ولادة " المنقذ " وإطلالة " المستحفظ من آل محمد " ، منتظرين من المؤلف أن يورد لنا أدلته التأريخية ، حول هذه الولادة " المباركة " ، وقبل الدخول إلى هذا العالم الشائك ، من النصوص النقلية ، والشهادات ، المتعددة المصادر ؛ أحببتُ أن نرى ، معا ، نصّا ذكره الشيخ " رحمه الله " في معرض إستدلاله على أنّ " صاحب هذا الأمر لا يموت حتى يرى عقبه " وإليكم نصّ الرواية " الشريفة " :
( روى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عقبة بن جعفر قال : قلتُ لأبي الحسن ( الهادي ) عليه السلام ؛ قد بلغتَ ما بلغتَ ، وليس لك ولد .. فقال : ( يا عقبة بن جعفر ، إنّ صاحب هذا الأمر ، لا يموت ، حتى يرى وَلده من بعده ) ـ1ـ
ولنحاول ، الآن ، تحليل هذا النصّ ...
سياق الحديث ، يوحي ، وبشكل مؤكد ، أنّ الإمام الهادي " ع " قد بلغَ من العمر مبلغا كبيرا ، ولم يُرزق بوَلد بعد ، ولذا يعتري القلق أحد أصحابه ، فيأتي ليسأل الإمام ، ربما بألم ؛ قد بلغتَ ـ يا سيدي ـ من الكبر في السنّ ما بلغتَ ، وليس لك ، لحد الآن ، من ولد .. فيُطمئنه إمامه بأنه سيرزق ، عما قريب ، بولد ، إن شاء الله ، فما دام هو صاحب هذا الأمر " الإمامة " ، فلا بدّ أن يكون له ولد ، حتى وإن طال به العمر ، ولم يُرزق به بعد ...
ولكنا حينما نتتبع حياة سيدنا الهادي " منه التسليم " بشكل حسابي دقيق ؛ نجد مجموعة حقائق تبطل ، بالضرورة ، هذه الرواية من الأساس ، وبالتالي ، تُبطل الإستدلال بها لإثبات أية قضية ، بل تجعلنا نعجب ، كلَّ العجب ، كيف ارتضى " شيخ الطائفة " الإستدلال بمثل تلك الرواية السقيمة .. وإليك التفصيل :
ولادة الإمام علي الهادي " رض " كانت عام ( 212 هـ ) فيما وفاته كانت عام ( 254 هـ ) مما يعني أن عمره ، حين وفاته ، هو ( 42 ) سنة .. ومن جانب آخر نعرف بأن ولادة وَلده الحسن العسكري " صلوات الله وسلامه عليه " كانت عام ( 232 هـ ) وهذا يعني أنّ عمر أبيه الهادي ، كان ، وقت ولادة ولده العسكري ، هو ( 20 ) عاما ، فإذا أضفنا لذلك حقيقة أخرى ؛ وهي أنّ العسكري ليس أكبر وُلد " الهادي " إنما أكبر وُلده هو السيد محمد ، كما هو معروف ، ولا جدال فيه ، ولو فرضنا أنّ " محمدا " هذا قد وُلد قبل ولادة أخيه العسكري بسنتين ؛ وفي هذه الحالة ، يكون عمر الإمام الهادي " ع " وقت ولادة أكبر وُلده ، هو ( 18 ) سنة فقط .. وبهذه النتيجة ؛ ننذهل لمعرفة أنّ " عقبة بن جعفر " قد قال لإمامه الهادي أنه بلغَ من العمر ما بلغَ ، وليس له وَلد ، قالها له حينما لم يكن لـ " إمامه " من العمر إلا ( 17 ) عاما ، أو ، على أكثر التقادير ( 18 ) عاما .. فهل يُعقل هذا ؟ّ ...
ونأتي الآن لإستعراض ودراسة الأدلة التاريخية ، حول ولادة " الحجة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف " :
( محمد بن يعقوب الكليني ، عن محمد بن جعفر الأسدي قال : حدّثني أحمد بن إبراهيم قال : دخلتُ على خديجة بنت محمد بن علي الرضا " ع " سنة اثنتين وستين ومائتين ، فكلمتها من وراء حجاب ، وسألتها عن دينها ، فسمّتْ لي من تأتم بهم ، قالت فلان بن الحسن ، فسمّته ، فقلت لها : جعلني الله فداك ، معاينة أو خبرا ؟ فقالت : خبرا عن أبي محمد " ع " كتبَ به إلى أمه .. قلتُ لها : فاين الولد ؟ .. قالت : مستور .. فقلتُ : إلى مَن تفزع الشيعة ؟ .. قالت : إلى الجدة أمّ أبي محمد " ع " .. فقلت : أقتدي بمن وصيّته إلى إمرأة ؟! .. فقالت : إقتد بالحسين بن علي ، عليهما السلام ، أوصى إلى أخته زينب بنت علي " ع " في الظاهر ، وكان ما يخرج من علي بن الحسين " ع " من علم يُنسَب إلى زينب ، سترا على علي بن الحسين ، عليهما السلام .. ثمّ قالت : إنكم أصحاب أخبار ، أما رويتم أنّ التاسع من وُلد الحسين " ع " يقسَّم ميراثه ، وهو في الحياة ؟ .. ) ـ2ـ
( وروى هذا الخبر ، التلعكبري ، عن الحسن بن محمد النهاوندي ، عن الحسن بن جعفر بن مسلم الحنفي ، عن أبي حامد المراغي قال : سألتُ خديجة بنت محمد ، أخت أبي الحسن العسكري ... وذكر مثله ) ـ3ـ
وتعالوا ، لنقرأ من جديد ، تلك الرواية ...
1ـ يوجد لدينا روايتين ، بذات المضمون ، الأولى يكون السائل فيها هو ( أحمد بن إبراهيم ) أما الثانية فهو ( أبو حامد المراغي ) ولا نعرف ، بالتحديد ، مَن منهما ، هو ، حقا ، مَن سأل السيدة خديجة بنت الجواد ، خصوصا أن الروايتين متطابقتان تماما ، فلو كان هنالك إختلاف في المضمون من حيث الأسئلة والأجوبة ، لقلنا أنه من الممكن تعدد السائلين والرواة ، أما في حال التطابق ، وهذا هو الواقع ، كما يشي كلام " الطوسي " بذلك ، فإنه من المتعذر قبول الروايتين معا ...
2ـ زمن الحدث هو عام ( 262 هـ ) أي بعد حوالي سبعة أعوام على ولادة " المنتظر " وعامين على وفاة " العسكري " ...
3ـ يُفهَم من الشطر الأخير للرواية ، أنّ الراوي هو من أصحاب الأخبار ، ومن الموالين ، وأيضا هو من الثقاة ، بالنسبة للسيدة خديجة ، وإلا لم تكن لتسرّه هذا السرّ العظيم ، فكيف لرجل شيعيّ الهوى والمعتقد أن يسأل " سيدته خديجة " عن دينها ؟ أليس مثل هذا السؤال غريبا ، وفي غير محله ؟ ثمّ لنتأمل ، معا ، جوابها له ( فسمّتْ لي مَن تأتمّ به ، قالتْ فلان بن الحسن فسمّته ) ونرى أنّ الجواب لا يتناسب والسؤال ، وكذلك نكتشف من خلال جوابها هذا ، أنّ هنالك تصريحا بالإسم ، يعني أنها قالت وبوضوح ( محمد بن الحسن ) بدليل قوله لمرتين ( فسمّته ) وهذا يعني أنّ الذي تحرّجَ من ذكر الإسم صريحا واستعاض عنه بـ ( فلان بن الحسن ) هو الراوي نفسه ، فهو ، حسب الظاهر ، ممن يعتقد بحرمة التلفظ بإسم " سيدنا صاحب العصر والزمان " لأنه ( لا يحلّ لكم ذكر الأسم ) لروايات عديدة وردتْ بهذا الشأن ، ولا أدري كيف لا يلفظ الراوي إسم ( محمد ) صريحا ، بينما نجده يقول بأنّ السيدة خديجة قد ذكرت الإسم تصريحا لا تلميحا ؟ هل غاب التحريم عن خديجة وكان حاضرا لدى هذا العابر ؟! ..
4ـ يسأل الراوي سيدته خديجة ، هل أنها رأتْ " محمدا بن الحسن " بنفسها ، أم أنّ الأمر يقتصر على مجرّد خبر سمعتْ به ؟ فتجيبه السيدة ، إنها لم ترَ الوليد ، إنما سمعتْ به .. وهذا يعني ؛ أننا ، في حال قبولنا لهذه الرواية ، ينبغي علينا أن نرفض كل الروايات التي تقول بأن السيدة خديجة قد رأتْ " الإمام " بل إنها الشاهد الأكبر والأبرز على ولادته .. أما في حال قبولنا لروايات المشاهدة من قبلها ؛ فلا يسعنا ، حينها ، إلا رفض هذه الرواية ، أمّا أن نقبلهما معا ، فهذا خلاف العقل والمنطق ...
5ـ يسأل الراوي " سيدتنا " خديجة ؛ إلى مَن تفزع الشيعة ، والإمام غائب ، مستور ؟ .. لتجيبه ؛ إلى الجدّة تفزعون ، فعندها جواب أسئلتكم ، وشفاء ما في صدوركم .. وهنا يقول لها ، باستغراب ؛ أقتدي بمن وصيّته إلى إمرأة ؟.. فيما كان من المفترض أن يقول لها " أقتدي بإمرأة " بدلا من قوله " بمن وصيته لإمرأة " .. ثمّ إننا " معشر الرافضة " لم نسمع أن الشيعة كانوا يفزعون إلى الجدة " أم العسكري " لحلّ مشاكلهم ، والبحث عن الأجوبة لمسائلهم ، فلم تردنا رواية واحدة بهذا الشأن ...
6ـ لا نجد في هذه الرواية " الشريفة " و " المقدّسة " ذكرا لوكلاء " الغائب " على الأقلّ الوكيل الأول منهم ، والذي كان من الأولى للسيدة خديجة ، أن تدلّ السائل عليه ، باعتباره وكيل الإمام ، وهو مَن اختُصّ ، دونا عن الخلق كلهم ، برؤيته واللقاء به ، كما يؤكد ذلك أخوتنا " الإثنا عشرية " أنفسهم ...
( أبو هاشم الجعفري قال : قلتُ لأبي محمد " ع " : جلالتك تمنعني عن مسألتك ، " أ " فتأذن لي في أن اسألك ؟ قال : سل .. قلتُ : يا سيدي ، هل لك ولد ؟ .. قال : نعم .. قلتُ : فإن حدتَ حدثْ ، فأين أسأل عنه ؟ .. قال : بالمدينة .. ) ـ4ـ
ولا أدري مَن الذي روى هذه الرواية عن أبي هاشم هذا ، فالشيخ لا يذكر السند ، ولا أرى مبرّرا لعدم سؤال ( الجعفري ) لإمامه حول هذا الولد ، واسمه ، وكيفية اللقاء به ، وأين هو الآن ، ولمَ التكتمّ على أمره ، ثمّ ما هو معنى جواب الإمام المقتضب هذا ( بالمدينة ) ؟ بينما ، تاريخيا ، لا يذكر لنا الشيعة أنّ المهدي متواجد في " المدينة " أو أنه قد تمّ السؤال عنه ، أو اللقاء به هناك .. وبشكل عام ، نفهم من هذه الرواية ، وكثير غيرها ، سيأتي لحاقا ، أنّ هنالك تساؤل من قبل أصحاب الإمام العسكري ، ومقرّبيه ( وهل مثل أبي هاشم في القرب ؟ ) حول مسألة وجود وَلد للإمام ، من عدمه ، وهذا يعني أنّ أمر الولادة ، في حال حصوله ، كان أمرا خفيا ، ولا يعلم به من أحد أبدا .. وعلى العموم ؛ فالرواية السابقة ، لا تؤكد وجود ولد للإمام ، بشكل قطعي ...
( وروى محمد بن يعقوب ، رفعه عن نسيم الخادم " ـه " ، وخادم أبي محمد " ع " قال " ـتْ " : دخلتُ على صاحب الزمان ، بعد مولده بعشر ليال ، فعطستُ عنده ، فقال : يرحمكِ الله ، ففرحتْ بذلك ، فقال : ألا أبشركِ في العطاس ؟ .. هو أمان من الموت ثلاثة أيام ) ـ5ـ
والخبر ، كما هو واضح ، يرفعه الكليني إلى نسيم الخادمة ، دون ذكر السند ، وهذا ممّا يُضعف الرواية ، بل يُلغي الإستدلال بها أساسا .. أضف إلى ذلك ؛ أننا نجد أنّ " نسيما " الخادمة تدخل على " الصّاحب " بعد عشر ليال من مولده ، وهذا يستبطن ، أنها تعرف تاريخ ولادته ، ومكان تواجده ، تعطس ُ " نسيم " ليقول لها الطفل " يرحمكِ الله " وهذا يعني أن الطفل ـ الإمام تكلّم وله من العمر عشرة أيام فقط ، ولا أدري هل أنّ عطسة الخادمة ، أو الخادم ، تستدعي أن يُنطق الله طفلا ، بمثل هذا العمر ؟! .. فتفرح " نسيمنا " دون أن تتفاجأ بنطق الصغير ، ليُكمل الطفل حديثه قائلا " ألا أبشركِ في العطاس ؟ " أية بشرىً تلك ؟ وهل أنّ تأجيل موت الإنسان لثلاثة أيام يُعدّ بشرى بالنسبة للمرء ؟ .. وهل يُعقل أن تعرف " نسيم " هذه خبر " إمام العصر والزمان " ، وتعرف بدقة تاريخ ولادته ، ومكان تواجده ، فيما يخفى ذلك كله على السيدة خديجة ـ حكيمة عمة العسكري " ع " ، كما مرّ معنا في الرواية السابقة ؟ .. ويخفى أيضا عن أبي هاشم ، وهو مَن هو ، في قربه لأئمة أهل البيت ، ومكانته لديهم ؟ .. وكذا الأمر مع بقية أصحاب الهادي والعسكري " ع " ، فهل يُعقل ، بالله عليكم ، هذا ؟ ...
( وروى محمد بن يعقوب بإسناده ـ والسند هنا ، كما يذكره محمد بن يعقوب الكليني ، هو : قال أبو علي ، محمد ، وأبو عبد الله ، الحسن ، إبنَي علي بن إبراهيم ، كلاهما ، عن علي بن عبد الرحمن العبدي ، عن ضوء بن علي العجلي ، عن رجل من أهل فارس ، سمّاه ، قال : أتيتُ سرّ من رأى ، ولزمتُ باب أبي محمد " ع " ، فدعاني من غير أن استأذن ، فلمّا دخلت ، فسلمتُ ، قال لي : يا فلان ، كيف حالك ؟ .. ثمّ قال : أقعد يا فلان .. ثمّ سألني عن جماعة من رجال ونساء من أهلي ، ثمّ قال لي : ما الذي أقدَمك ؟ .. قلت : رغبة في خدمتك .. قال : فالزم الدار .. قال : فكنت في الدار ، مع الخدم ، ثمّ صرتُ أشتري لهم الحوائج من السوق ، وكنتُ أدخل عليه بغير إذن إذا كان في الدار الرجال ، فدخلتُ يوما ، وهو في دار الرجال ، فسمعتُ حركة في البيت ، وناداني : مكانكَ ، لا تبرح .. فلم أجسر " أن " أخرج " أو " ولا أدخل ، فخرجتْ عليّ جارية معها شيء مُغطى ، ثمّ ناداني : أدخل .. فدخلتْ ، ثمّ نادى الجارية ، فرجعتْ ، فقال لها : إكشفي عمّا معكِ .. فكشفتْ عن غلام أبيض ، حسن الوجه .. فكشفَ عن بطنه ، فإذا شعر نابتْ من لبته إلى سرّته ، أخضر ليس بأسود .. فقال : هذا صاحبكم .. ثمّ أمرها ، فحملتهُ .. فما رأيته بعد ذلك ، حتى مضى أبو محمد " ع " .. فقال ضوء بن علي : قلتُ للفارسي : كم كنتَ تقدّر له من السنين ؟ .. قال : سنتين .. قال العبدي " علي بن عبد الرحمن " : فقلتُ لضوء : كم تقدّر أنت ؟ .. فقال : أربع عشرة سنة .. قال ابو علي وأبو عبد الله " إبنَيّ علي بن إبراهيم " : ونحن نقدّر إحدى وعشرين سنة ) ـ6ـ
ولنا على هذه الرواية مجموعة ملاحظات ، نجملها بالآتي :
1ـ " رجل من أهل فارس " مَن هو هذا الرجل ؟ وهل يمكننا الوثوق بروايته ، ولمَ لم يُذكر إسمه ، ليتسنى لنا تتبّع حاله ، للحكم على وثاقة مقاله ؟ ..
2ـ سلّمنا ، جدلا ، أنّ الإمام العسكري " ع " عرفَ ، وبشكل إعجازي ، إسم الرجل الفارسي ، وسأله عن جماعة من أهل بيته وخاصته ، فهل يُعقل أن يسأله الإمام عن النساء ؟ .. من المقبول سؤاله عن الرجال ، لكن هل من الذوق أن يسأله عن نساء أهل بيته ، وهو مَن هو في جلالة القدر ، وشدّة الورع ، والغضّ عن المحارم ؟ ..
3ـ الفارسي هذا " لعن الله أبا لؤلؤة " يدخل دار الرجال الخاصة بالعسكري ، دون استئذان ، ويوما ما ، يدخل كعادته ، ليسمع حركة في البيت ، توحي بوجود ضيوف ، ليتفاجأ بـ " مكانك ، لا تبرح " فلم يجرؤ على الدخول ، أو الخروج ، وهذا الأمر يعني أن الإمام لم يشأ أن يرى الفارسي هذا ، ما يحصل في الداخل ، وفي هذه الأثناء خرجتْ ، من دار الرجال جارية تحمل شيئا مُغطىً ، بقطعة قماش ، ونفهم من سياق الحديث ، وجوّه العام ، أنّ الإمام لم يُرد أن يرى " الخادم " هذا ما هو مُغطىً ، بين يدي جاريته ، لكننا نُفاجأ ، وبشكل غير منطقي ، بأمر الإمام للفارسي بالدخول إلى حجرة الرجال ، ومناداة الجارية من جديد للعودة للحجرة مع " سرّها " مرة أخرى ( ولا أدري ، أساسا ، كيف فهمتْ الجارية من مناداة الإمام لها ، أن تعود ، بأنها يجب أن تعود ، مع السرّ ، علما أنّ منطق الأحداث ، يستدعي أن تعود لوحدها ، دون " سرّها " خصوصا أنها رأتْ أنّ سيدها لم يشأ أن يرى الفارسي ما كانت تحمله بيديها ، بدليل قوله له " مكانك " ؟ ) .. فرجعتْ ، فقال لها العسكري " إكشفي عمّا معكِ " فكشفتْ الغطاء عن غلام ، أخبرهم الإمام أنه صاحبهم .. ولا أدري لمَ أخبرهم ، مرة أخرى ، بحضور الفارسي ، أنه صاحبهم ، وقد كان من المفترض أن يقول هذا الأمر للفارسي فقط ، بإعتبار أنّ الفارسي هو مَن مُنع من الدخول ، حينما كانت الجارية مع الطفل هناك ، في حجرة الرجال ، وكلهم مجتمعون فيها ، وبالتأكيد ، يكون الإمام ، قد أخبرهم بذلك ، ولمْ يبقَ إلا الفارسي ليخبره .. ثمّ ما هي الحكمة في منع الفارسي من الدخول ، وبعدها ، مباشرة ، الإذن له بالدخول ، وإطلاعه على ما مُنعَ منه قبل لحظات ؟ ..