بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصل الله عل محمد واله الائمة والمهديين وسلم تسليما
قولهم: (اجمعت الصحابه على ولايه ابى بكر قياسا على تقديم النبى(ص) اياه الى الصلاه) فكذب، لاجماع الامه على ان ليس كل من صلح للامامه فى الصلاه صلح للامامه فى الخلافه، فقد اتفقوا، على جواز امامه التركى وغيره. وقال طوائف من الصحابه والتابعين والفقهاء، بامامه من لم يبلغ الحلم فى الفريضه راتبا للرجال وبامامه المراه للنساء، وهولاء لا تجوز خلافتهم). والجدير بالذكر، ان الذى قاس الاجماع هو الخليفه عمر بن الخطاب، وقد رايت رد ابن حزم واستنكاره الشديدين على مثل هذه المقاله من الاجماع. هل يصح قياس خلافه النبى(ص) لعلى على المدينه، خلافته للمسلمين بعد رسول اللّه(ص)؟ لو تنزلنا مع مدرسه الاجماع، وسلمنا انه لا مانع من قياس امامه المسلمين بعد النبى(ص) على امامته الصلاه فى حياته، فانا نطالبهم باجراء نفس هذا القياس، على صحه من استخلفه رسول اللّه(ص) على المدينه فى حياته، لاستخلافه على المسلمين بعد وفاته. فقد وجه حديث المنزله، علماء اهل الاجماع، بان قول النبى(ص) لعلى: (انت منى بمنزله هارون من موسى) لم يكن الا للاشاره الى استخلافه على اهله فى المدينه، حين خرج الى احد غزواته، ولم يكن هذا الحديث دليل على استخلاف على مطلقا حتى بعد وفاته، وهو كماترى توجيه جائر، الا اننا مع ذلك سنتنزل، وناخذ بهذا التوجيه فى مقامنا هذا، واليك ما قاله العينى:
(هذا، انما قاله لعلى حين خرج الى تبوك ولم يستصحبه، فقال اتخلفنى مع الذريه، فقال اما ترضى... الى آخره، فضرب له المثل باستخلاف موسى هارون على بنى اسرائيل، حين خرج الى الطور، ولم يرد به الخلافه بعد الموت، فان المشبه وهو هارون، كانت وفاته قبل وفاه موسى عليه الصلاه والسلام، وانما كان خليفته فى حياته، فى وقت خاص، فليكن كذلك الامر فيمن ضرب المثل به قوله: ان تكون منى اى نازلا منى منزلته والتاء زائده، وهذا تعلق به الرافضه فى خلافه على). وعلى هذا، فان العينى وغيره، يرفض هكذا قياس، من صحه خلافه على بعد رسول اللّه(ص)، قياسا على خلافته للمدينه فى غزوه تبوك، واذا بطل هذا القياس، فمن الاولى بطلان قياس امامه ابى بكر للمسلمين، بعد رسول اللّه(ص) قياسا على امامته للصلاه، ووجه الاولويه، انه لم تثبت امامه ابى بكر للصلاه ايام مرض النبى(ص) كما سياتى حتى اسقط ذلك عن حجيه الاستدلال اصلا.
المقدمه الثانيه:
هل امر النبى(ص)، ابا بكر للصلاه بالمسلمين ايام مرضه؟ انك لو تاملت فى الاخبار الوارده عن مرض النبى(ص)، وكيف استخلف ابا بكر للصلاه، لوجدت ان هناك اضطرابا فى هذه النصوص، وستجد ان لا محيص عن اسقاطها عن الحجيه، كونها عليله لا ترقى الى مصافى الاستدلال والاخذ بها لتصحيح بيعه ابى بكر بعد النبى(ص)، يوم السقيفه وانها اجماع المسلمين، قياسا على امامته فى الصلاه ايام مرض النبى(ص)، وسننقل الواقعه، من مصادرها المختلفه، لنقف على الاضطراب الوارد فيها ومعرفه مدى قابليه مثل هذه الحادثه للاستدلال. وسننقل ما رواه الطبرى، وهو عمده المورخين، احداث صلاه ابى بكر، لنكون من خلالها قد انطلقنا لسبر غور حادثه الصلاه بكل حيثياتها.
صلاه ابى بكر بروايه ابن جرير الطبرى:
عن الارقم بن شرحبيل، قال: سالت ابن عباس: اوصى رسول اللّه(ص)؟ قال:لا، قلت: فكيف كان ذلك؟ قال: قال رسول اللّه(ص): ابعثوا الى على فادعوه، فقالت عائشه: لو بعثت الى ابى بكر، وقالت حفصه: لو بعثت الى عمر، فاجتمعوا عنده جميعا، فقال رسول اللّه(ص): انصرفوا فان تك لى حاجه ابعث اليكم، فانصرفوا وقال رسول اللّه(ص): آن الصلاه؟ قيل: نعم، قال فامروا ابا بكر ليصلى بالناس، فقالت عائشه: انه رجل رقيق، فمر عمر، فقال: مروا عمر، فقال عمر: ما كنت لاتقدم وابو بكر شاهد، فتقدم ابو بكر، ووجد رسول اللّه خفه، فخرج، فلما سمع ابو بكر حركته تاخر، فجذب رسول اللّه(ص) ثوبه فاقامه مكانه، وقعد رسول اللّه، فقرا من حيث انتهى ابو بكر. هذا نص الطبرى، ويمكن ان يفيدنا امورا، لا يمكن الغض عنها:
1 - اشار ابن عباس الى ان النبى(ص) عزم على الوصيه لعلى بن ابى طالب، الا انه اجل ذلك بعد ما راى حضور الشيخين عنده، ولخطوره المنافسه الشديده التى بدت على موقف الشيخين، طلب النبى(ص) من الجميع الخروج، ليتسنى لرسول اللّه(ص) بعد ذلك ان يناجى ابن عمه بما يريد، بعيدا عن فضوليه الحضور، الذى بات يتكرر بين الحين والاخر فى حضرته(ص).
2 - ان ابن عباس كان فى صدد ايضاح الموقف الطارى، الذى فاجى النبى(ص) من قبل بعض اصحابه، وهو فى صدد دعوته لعلى، واراد تفويت الفرصه على اقطاب التنافس من ان تستفاد القضيه لصالحها، واحس ان جهوده الان مهدده بخطر التسابق للحصول على الحظوه عنده، لذا فقد اغاض النبى(ص) حضور من لم يدعوه، واجل لقاءه بعلى الى وقت، بعيدا عن علم الجميع.
3 - لم ينف ابن عباس وصيه النبى(ص) مطلقا، فان السائل فى مقام الاستفهام عن وصيته(ص)، بل كان ابن عباس، فى صدد بيان ما حدث فور دعوه على للحضور عنده، الا ترى ان السوال تضمن الاستفهام عن الوصيه، وكان جواب ابن عباس صريح فى انه(ص) اراد دعوه على للايصاء اليه، فى قوله: قال رسول اللّه(ص): (ابعثوا الى على فادعوه)؟ فان قرينتى المقال والمقام، تقتضيان ان يكون البعث الى على للايصاء اليه، ومما يوكد ذلك، طلب السيدتين من النبى(ص)، وبالحاح شديد حضور الشيخين، ولم نسمع فى الخبر ان النبى (ص) اقر لهن حضور الشيخين، بل عبر النبى (ص)، عن استيائه من حضورهما، اذ قد صرف الجميع فور اجتماعهم عنده دون ان يخاطبهم بشىء، فالحديث يقول: (فاجتمعوا عنده جميعا، فقال(ص): انصرفوا فان تك لى حاجه ابعث اليكم)! ومقام الدعوه لا يناسبه الامر بالانصراف فور الحضور، فلم تكن الدعوه اذن قد وجهت اليهما ولا الى احدهما. وسيوكد ذلك النقطتان اللاحقتان..
4 - قال ابن الاسكافى المعتزلى: متى نظرنا الى آخر هذا الحديث احتجنا الى ان نطلب للحديث مخرجا من النقص والتقصير، وذلك ان آخره: ان رسول اللّه(ص) لما وجد افاقه واحس بقوه خرج حتى اتى المسجد وتقدم فنحى ابا بكر عن مقامه، وقام فى موضعه. فلو كانت امامه ابى بكر بامره(ص) لتركه على امامته وصلى خلفه كما صلى خلف عبدالرحمن بن عوف.
5 - ثبت عن على (ع): ان عائشه هى التى امرت بلالا ان يامر اباها ليصل بالناس، لان رسول اللّه(ص) قال: (ليصل بهم احدهم) ولم يعين.. وكان على يذكر هذا لاصحابه فى خلواته كثيرا، ويقول: وانه(ص) لم يقل (انكن لصويحبات يوسف) الا انكارا لهذه الحال، وغضبا منها لانها وحفصه تبادرتا الى تعيين ابويهما، وانه(ص) استدركها بخروجه وصرفه عن المحراب كم صلى ابو بكر بالناس
فى حياه رسول اللّه (ص)؟
وقد يتساءل بعضنا بعد هذا الاضطراب من الروايه فى حادثه الصلاه، كم صلى ابو بكر بالناس؟ حتى يمكن جعل صلاته حجه اجماع، يعول عليها، لو تنزلنا فى القول بصحه هكذا اجماع. واذا رجعنا الى الطبرى نسال عن عدد صلوات ابى بكر امامه بالمسلمين، فانه سيشعرك ان الصلاه لم تكن سوى تلك الركعه، التى لم يتمها ابو بكر، حتى خرج عليه النبى(ص) ليد فعه عن صلاته.. وهو الموافق لروايه الصحاح والسنن المعتبره. اما ما خالف ذلك من اخبار فكلها ساقطه عن حد الاعتبار، وهذه هى النصوص الاخرى كما يرويها الطبرى:
قال: حدثت عن الواقدى، قال: سالت ابن ابى سبره، كم صلى ابو بكر بالناس؟ قال: سبع عشره صلاه، قلت: من اخبرك؟ قال:
ايوب بن عبد الرحمن بن ابى صعصعه عن رجل من اصحاب النبى(ص). ففى اسناد هذا الحديث من الارسال والجهاله ما يفوت فرصه الاحتجاج به، فكيف يحتج بحديث مرسل لتصحيح اهم حدث دخل فى حياه المسلمين؟ ثم قال الطبرى: وحدثنا ابن ابى سبره، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عكرمه قال: صلى بهم ابو بكر ثلاثه ايام. ولا يخفى ضعف عكرمه، واتهامه بالكذب، فلا يعتد به مطلقا، واليك ما ذكره العقيلى، فى كتابه (الضعفاء الكبير) من كلامهم فى عكرمه، فقال. حدثنا وهيب قال: شهدت يحيى بن سعيد الانصارى وايوب، فذكرا عكرمه فقال: يحيى بن سعيد، كان كذابا، وقال ايوب: لم يكن يكذب. وعن عبد اللّه بن الحارث قال: دخلت على على بن عبد اللّه بن عباس، فاذا عكرمه فى وثاق عند باب الحسن، فقلت له: الا تتقى اللّه! فقال: فان هذا الخبيث يكذب على ابى. وعن عطاء الخراسانى انه قال لسعيد بن المسيب: ان عكرمه يقول: ان رسول اللّه(ص) تزوج وهو محرم، فقال: كذب مخبثان «يعنى عكرمه». وعن عمرو بن مره قال: سالت سعيد بن المسيب، عن تفسير آيه من كتاب اللّه، فقال: ما انا بجرىء عليه، ولكن دونك من يزعم، انه لا يخفى عليه منه حرف، يعرض بعكرمه. وعن خالد بن خداش قال: شهدت حماد بن زيد، فى آخر يوم مات فيه، فقال: احدثكم بحديث لم احدث به قط، وقال: ما احدثكم به الا اكره ان القى اللّه ولم احدث به، سمعت ايوب، يحدث عن عكرمه قال: انما انزل اللّه متشابه القرآن ليضل به. انتهى ما افاده العقيلى. اقول ان ايوب هذا الذى يروى عن عكرمه خبر الاضلال، هو نفسه ايوب الذى نزه عكرمه عن الكذب سابقا، ومن يروى مثل هذا، فلا يعتد بتوثيقه وتنزيهه.
محاولات المرحله الثانيه.. او تراجعات عن مقوله
الاجماع. وبعد طول العناء والمشقه اللتين يجدهما الباحث فى محاوله منه لاثبات خلافه ابى بكر، قياسا على صلاته بالمسلمين، وبعد لاى من التوجيه والاعتذار، للجمع بين اخبار صلاه ابى بكر، ومحاوله منه لاثبات احقيته، استنادا الى ما قدمه من توجيه لاجماع الامه، واذا بالباحث، تفاجئه جمله من الروايات تشير اليه بالعدول عن مسيرته الاولى للتوجه الى محاوله ثانيه جديده، فقد ادخل البحث فى مناورات سياسيه عنيفه استبطنت شيئا آخر، وهى محاوله الخليفه الثانى السيطره على الوضع العام المتازم، الذى ينذر بفتنه عارمه، وحفاظا على وحده المسلمين وكلمتهم من التصدع، فقد اضطر الى ان يموه على المسلمين، بان النبى (ص) استخلف ابا بكر، وحاول كذلك ان يدخل فى روع المسلمين خصوصا الانصار منهم، بان مخالفه ابى بكر وعدم اعطاء البيعه له هى مخالفه صريحه لما اوصى به النبى(ص) من استخلاف ابى بكر. وحاول الانصار ان يذعنوا لذلك، مقنعين انفسهم كرها، ان قد صدقوا ما حدث من وصيه النبى(ص)، وكان محاوله الخليفه، قد اعانتهم على التخلص من هواجس تسلط الانصار على الانصار، او غلبه الانصار وحظوتهم عند الخليفه الجديد، على حساب الانصار الاخرين.
وهكذا، اعان الخليفه الثانى الانصار على هاجسهم، واعان الانصار الخليفه الثانى على دعواه، وكل صدق صاحبه لا عن قناعه، بل للسيطره على الموقف الذى سيكتسح آمال بعض، او يزيد من توجسات آخرين. وقد كانت العلاقه المتبادله بين الطرفين، ضمن حدود المخاوف المفتعله والامنيات القادمه، وكان على كلا الحليفين فى القضيه الجديده ان يعترفا بعد ذلك بحقيقه الامر، اذا ما هما امنا عواقب هذا الاعتراف، فبادر الانصار الى اعتذارهم لعلى(ع)، كما سمعت من خبر ما جرى بينهم وبين على(ع)، عقيب مبايعتهم للخليفه الجديد، واعترف الخليفه الثانى بحقيقه الامر، من عدم جديه استخلاف النبى(ص) لابى بكر، وذلك فى الخبر المشهور عنه، اذ دخل عليه ابنه عبد اللّه وهو يجود بنفسه، فقال له: يا امير المومنين، استخلف على امه محمد، فانه لو جاءك راعى ابلك او غنمك وترك ابله او غنمه لا راعى لها للمته وقلت له: كيف تركت امانتك ضائعه؟ فكيف يا امير المومنين بامه محمد؟ فاستخلف عليهم، فقال: ان استخلف عليهم فقد استخلف عليهم ابو بكر، وان اتركهم فقد تركهم رسول اللّه(ص). ولم يكن ذلك بالجديد، فقد اعترف عمر بن الخطاب قبل ذلك بان استخلاف ابى بكر ما هو الا مناوره، كانت تستهدف تهدئه الوضع العام، والسيطره على الفتنه التى ستحدث اذا ما هو ترك الامور وشانها، فقال:
قد بلغنى ان فلانا منكم يقول: لو مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترن امرو ان يقول: ان بيعه ابى بكر كانت فلته وتمت، الا وانها قد كانت كذلك، الا ان اللّه وقى شرها.. وهو اعتراف خطير افصح عن امر اخطر منه، وهو: ان الشيخين قد جازفا فى احداث فتنه، كادت ان تطير باللبيب، وتعصف بالرشيد، وقد تحركا لا على اساس اطفاء الفتنه وتهدئه النائره بين المسلمين، بل استجابه لرغبه متاصله فى ان لا تكون الخلافه فى بنى هاشم الاقربين، وعصفت محاولتهما هذه بالامه يوم السقيفه الا ان اللّه وقى الاسلام شرها كما هو صريح اعترافه، وهو صريح كذلك بان الاجماع لم يتم. وهكذا تداعت دعوى الاجماع، ولم تبق ايه قيمه لذلك النضال الدووب فى اختزال التاريخ الاسلامى من اجل اثباتها فلا التقدم فى الصلاه بقى دليلا نافعا على الامامه، ولا كان ثمه اجماع، ولم تكن دعوى الاجماع اذن الا تبريرا لامرار الظرف الطارى، الذى احدثته سقيفه بنى ساعده؟
ابو بكر ينفى الاجماع من قبل:
قال ابو بكر فى آخريات ايامه: ما آسى على شىء، الا على ثلاث، فعلتها وددت انى تركتها، وثلاث تركتها، وددت انى فعلتها، وثلاث وددت انى سالت رسول اللّه(ص) عنها، فاما الثلاث التى فعلتها ووددت انى تركتها: فوددت انى لم اكن فتشت بيت فاطمه، وذكر فى ذلك كلاما كثيرا.. الى ان قال: والثلاث التى وددت انى سالت رسول اللّه(ص) عنها: وددت انى كنت سالته فى من هذا الامر، فلا ينازع الامر اهله؟.. الى آخر الخبر.. هذا ما بثه الخليفه الاول من اشجان، وهو على فراش الموت، من انه لم يكن للاجماع من اثر، فى تصحيح خلافته، والا ما الذى دعاه، الى ان يدلى ما ضاقت به نفسه، من انه ود لو سال النبى(ص) فيمن هذا الامر؟ وانه لم يفتش بيت فاطمه الذى تجمع فيه المعارضون لخلافته؟ نظريتا الشورى واهل الحل والعقد..
هل هما بديلان
عن نظريه الاجماع؟ يلاحظ الباحث وهو فى سياق البحث العلمى، ان اصطلاحين آخرين يراودان اى بحث علمى، اذا ما تصدى لدراسه نظريه الاجماع، فكلما يصل الباحث الى مصطلح الاجماع ويصطدم بالواقع العملى الذى جرى يوم السقيفه، يقفز فجاه مصطلح اهل الحل والعقد، وهو لم يتم بعد معرفته الكامله عن مصطلح اهل الحل والعقد، حتى يزاحمه مصطلح جديد، هو مصطلح الشورى، فيفرض نفسه على الباحث، ويستبعد المصطلحين الاخرين، دونما يتم الباحث عمله، ويستكمل معرفته عن المقصود بالاولين. هذه هى مشكله الباحث، اذا ما هو دخل فى بحثه لدراسه نظريه الاجماع، وهذه هى مشكله الاجيال الباحثه عن الحقيقه دائما، تدخل فى متاهات الاصطلاحات (المقدسه)، دونما معرفه رشيده تكفل للباحث نصيبا من التدرج العلمى الوئيد الذى يضمن سلامه الفكره من الانصهار فى خضم متاهات مقصوده تطيح بالجهود العلميه دون الوصول الى الحقيقه. فالاحداث المتوثبه للاطاحه بايه معارضه فكريه مشروعه اوجدتها الظروف الطارئه، وفرضتها على الواقع فرضا، واكرهت بها وجودات كان لها حق المشاركه فى تقرير المصير - على اقل تقدير ان هى تنازلت عن جميع حقوقها - وكان لها كذلك على الاقل حق المعارضه والاستنكار، ولم يحصل هذا - للاسف - فى جو خلقته السقيفه، ولم يبح رجالاتها لرجالات المعارضه ايه مشاركه، ولو فى ابداء راى جدير فى سحق ايه محاوله خطيره، من شانها ان تثير الفتنه وترجعها قبليه مقيته، كما حدث لعلى(ع) مع ابى سفيان حين دعا ابو سفيان عليا للبيعه، فنهره على وقال انك لا زلت تكيد للاسلام، حتى بهذا المقدار، لم يبح لعلى معالجه الامور كما ينبغى، بل عمد الشيخان الى تعيين معاويه واليا فاسقط ما فى ايدى على من التصدى لمحاولات التساوم والابتزاز، وسياتى تفصيل الخبر لاحقا.
كان الشيخان يخشيان الفتنه - كما صرحا فى اكثر من مناسبه - فبادرا الى اعلان البيعه، مع استبعاد جمع من الصحابه، وخشيا، ان هما انتظرا حتى يدفن النبى(ص)، ان تكون الفتنه قد تمكنت من المسلمين، وليتهما انتظرا ثلاثا، كما فعل الخليفه الثانى، فقد اوصى للسته بالشورى الى ثلاثه ايام، ولم تكن هناك فتنه كما تصورها الشيخان، بل قد تصاعد الخلاف بين المسلمين، عند اعلان بيعه ابى بكر، الامر الذى مهد لخلافات مستقبليه، بعد تشنجات فى المواقف، اولدت عداء تقليديا، تتوارثه ايه مدرسه تعلن اختلافها مع مدرسه النص، ولعل تعبير الخليفه الثانى، ان بيعه ابى بكر فلته، هو انضج تشخيص لما اقدما عليه. والاجماع الذى اصطلحه الاصوليون، وتبعهم على ذلك فقهاء مدرسه الاجماع، هو ما عرفه ابو الوليد الباجى، وتبعه على ذلك الفقيه ابن حزم، وغيرهما، وقد مرت الاشاره اليه فى اول مباحث نظريه الاجماع. وانت، اذا تتبعت مجريات احداث الاستخلاف الثلاثه، لوجدت ان الاجماع، يابى ان تدخل ايا منها ضمن دائرته، وذلك للاسباب التاليه:
اولا - ان ما حدث يوم السقيفه، من الاستنكار والاعتراض، على تصدى الخليفه الاول للبيعه، واستبعاد جل الاصحاب كما سمعت، لا يمكن تفسيره على انه اجماع. ثانيا - ان عمليه استخلاف الخليفه الاول للخليفه الثانى تمت بعيدا عن مشاركه الاصحاب، وذوى الراى والمشوره، بل كانت اعتراضات تلوح فى الافق، بين صامته لا تقوى على التعبير عما يختلج فى صدرها من استنكار، وذلك للاجراءات الامنيه التى اتخذها الشيخان لتكتسح ايه قوه معارضه فكريه، او مسلحه، وبين معارضه معلنه، ابدت تخوفها عند استخلاف الخليفه الاول للخليفه الثانى، كما فى اعتراض طلحه بن عبيد اللّه، (حيث دخل طلحه على ابى بكر فقال: استخلفت على الناس عمر، وقد رايت ما يلقى الناس منه وانت معه، فكيف به اذا خلا بهم، وانت لاق ربك فسائلك عن رعيتك..) او قول عبد الرحمن بن عوف فى الخليفه الثانى: ان فيه غلظه. ومثل هذه الاعتراضات وغيرها لم تجد صدرا منشرحا، يستطيع الخليفه فيه فتح حوار لمناقشه الموقف، بل اصر على رايه، معتذرا انه لم يجد افضل من عمر، وواضح، ان هذا الرد لم يكن قد اقنع معارضه فكريه، قد استندت الى موروث نبوى ضخم، من النصوص على الخليفه الشرعى، فكيف يدخل اذن مثل هذا الاستخلاف ضمن الاجماع؟ ثالثا - كان الخليفه الثانى، قد عهد الى سته نفر من المسلمين انتخاب الخليفه من بعده، ولم يدخل غير هولاء النفر فى الشورى، فكيف يصح بعد ذلك الاجماع؟ هذه بعض الاشكالات التى تعترض مدرسه الاجماع، وكان على منظريها تلافى ذلك، فقدموا الحلول التاليه:
اولا: ان ما حدث من اختلاف، لا يضر فى مقاله الاجماع، فان الاجماع المقصود، هو اجماع اهل الحل والعقد، وان قلوا، حيث ان بيعه ابى بكر تمت دون التوقف الى اتفاق الكل، والى ذلك اشار التفتازانى بقوله: (الامامه، تثبت عند اكثر الفرق، باختيار اهل الحل والعقد، وان قلوا، للاجماع على امامه ابى بكر من غير نص، ولا توقف، الى اتفاق الكل). والجواب على ذلك: ان ما حدث من طارى شاذ، جعلوه قاعده يقاس عليها، ولعل التفتازانى قد غفل عما قاله الخليفه الثانى، من ان بيعه ابى بكر فلته، والفلته، الامر يقع من غير احكام، قاله ابن منظور فى لسان العرب، واورد حديث عمر: ان بيعه ابى بكر كانت فلته وقى اللّه شرها فالفلته اذن، ما شذ من الامر، وما خرج عن المعهود، دون ترو واحكام، وما كان كذلك، فلا يكون مناطا لقاعده، ولا حجه لدليل.
ثانيا: ان عهد الخليفه الاول، للخليفه الثانى، كان باجماع من اهل الحل والعقد. الجواب: ان الاجماع يتبادر منه الكثره ولا ينصرف الى القله، فكيف يتوافق قولنا ان الاجماع يعنى اتفاق الكل، مع قولنا ان الاجماع يحصل من اهل الحل والعقد وان قلوا؟ ثم لو سلمنا، ان الاجماع هو اجماع اهل الحل والعقد، فاى اهل الحل والعقد هم؟ بعد ما سمعنا من اعتراض طلحه بن عبيد اللّه على الخليفه الاول، عند توليته للخليفه الثانى، وبعد ما راينا من امتعاض عبد الرحمن بن عوف، من توليه عمر، بقوله: و لكن فيه غلظه فضلا عن استبعاد على بن ابى طالب، والعباس عم النبى، وبنى هاشم، وعمار، وابى ذر، والمقداد، وسلمان، والزبير وغيرهم كثير، اضافه الى استبعاد جموع الانصار واجلتهم.
ثالثا: ان استخلاف الخليفه الثالث، كان قد تم بالشورى، وهى بالتالى اجماع اصحاب رسول اللّه(ص)، فان الخليفه الثانى عهد الى سته من اهل الحل والعقد، ليقرروا بعد ذلك الخليفه، الى ثلاثه ايام. والجواب على ذلك: ان استقراء سريعا لاحداث ذلك اليوم، يمكن ان نقرا فيه الاجابه على هذا السوال.
اخي الباحث عن الحقيقة تابع معي البحث وكن منصفا مع نفسك
والحمد لله وحده
والحمد لله رب العالمين
وصل الله عل محمد واله الائمة والمهديين وسلم تسليما
قولهم: (اجمعت الصحابه على ولايه ابى بكر قياسا على تقديم النبى(ص) اياه الى الصلاه) فكذب، لاجماع الامه على ان ليس كل من صلح للامامه فى الصلاه صلح للامامه فى الخلافه، فقد اتفقوا، على جواز امامه التركى وغيره. وقال طوائف من الصحابه والتابعين والفقهاء، بامامه من لم يبلغ الحلم فى الفريضه راتبا للرجال وبامامه المراه للنساء، وهولاء لا تجوز خلافتهم). والجدير بالذكر، ان الذى قاس الاجماع هو الخليفه عمر بن الخطاب، وقد رايت رد ابن حزم واستنكاره الشديدين على مثل هذه المقاله من الاجماع. هل يصح قياس خلافه النبى(ص) لعلى على المدينه، خلافته للمسلمين بعد رسول اللّه(ص)؟ لو تنزلنا مع مدرسه الاجماع، وسلمنا انه لا مانع من قياس امامه المسلمين بعد النبى(ص) على امامته الصلاه فى حياته، فانا نطالبهم باجراء نفس هذا القياس، على صحه من استخلفه رسول اللّه(ص) على المدينه فى حياته، لاستخلافه على المسلمين بعد وفاته. فقد وجه حديث المنزله، علماء اهل الاجماع، بان قول النبى(ص) لعلى: (انت منى بمنزله هارون من موسى) لم يكن الا للاشاره الى استخلافه على اهله فى المدينه، حين خرج الى احد غزواته، ولم يكن هذا الحديث دليل على استخلاف على مطلقا حتى بعد وفاته، وهو كماترى توجيه جائر، الا اننا مع ذلك سنتنزل، وناخذ بهذا التوجيه فى مقامنا هذا، واليك ما قاله العينى:
(هذا، انما قاله لعلى حين خرج الى تبوك ولم يستصحبه، فقال اتخلفنى مع الذريه، فقال اما ترضى... الى آخره، فضرب له المثل باستخلاف موسى هارون على بنى اسرائيل، حين خرج الى الطور، ولم يرد به الخلافه بعد الموت، فان المشبه وهو هارون، كانت وفاته قبل وفاه موسى عليه الصلاه والسلام، وانما كان خليفته فى حياته، فى وقت خاص، فليكن كذلك الامر فيمن ضرب المثل به قوله: ان تكون منى اى نازلا منى منزلته والتاء زائده، وهذا تعلق به الرافضه فى خلافه على). وعلى هذا، فان العينى وغيره، يرفض هكذا قياس، من صحه خلافه على بعد رسول اللّه(ص)، قياسا على خلافته للمدينه فى غزوه تبوك، واذا بطل هذا القياس، فمن الاولى بطلان قياس امامه ابى بكر للمسلمين، بعد رسول اللّه(ص) قياسا على امامته للصلاه، ووجه الاولويه، انه لم تثبت امامه ابى بكر للصلاه ايام مرض النبى(ص) كما سياتى حتى اسقط ذلك عن حجيه الاستدلال اصلا.
المقدمه الثانيه:
هل امر النبى(ص)، ابا بكر للصلاه بالمسلمين ايام مرضه؟ انك لو تاملت فى الاخبار الوارده عن مرض النبى(ص)، وكيف استخلف ابا بكر للصلاه، لوجدت ان هناك اضطرابا فى هذه النصوص، وستجد ان لا محيص عن اسقاطها عن الحجيه، كونها عليله لا ترقى الى مصافى الاستدلال والاخذ بها لتصحيح بيعه ابى بكر بعد النبى(ص)، يوم السقيفه وانها اجماع المسلمين، قياسا على امامته فى الصلاه ايام مرض النبى(ص)، وسننقل الواقعه، من مصادرها المختلفه، لنقف على الاضطراب الوارد فيها ومعرفه مدى قابليه مثل هذه الحادثه للاستدلال. وسننقل ما رواه الطبرى، وهو عمده المورخين، احداث صلاه ابى بكر، لنكون من خلالها قد انطلقنا لسبر غور حادثه الصلاه بكل حيثياتها.
صلاه ابى بكر بروايه ابن جرير الطبرى:
عن الارقم بن شرحبيل، قال: سالت ابن عباس: اوصى رسول اللّه(ص)؟ قال:لا، قلت: فكيف كان ذلك؟ قال: قال رسول اللّه(ص): ابعثوا الى على فادعوه، فقالت عائشه: لو بعثت الى ابى بكر، وقالت حفصه: لو بعثت الى عمر، فاجتمعوا عنده جميعا، فقال رسول اللّه(ص): انصرفوا فان تك لى حاجه ابعث اليكم، فانصرفوا وقال رسول اللّه(ص): آن الصلاه؟ قيل: نعم، قال فامروا ابا بكر ليصلى بالناس، فقالت عائشه: انه رجل رقيق، فمر عمر، فقال: مروا عمر، فقال عمر: ما كنت لاتقدم وابو بكر شاهد، فتقدم ابو بكر، ووجد رسول اللّه خفه، فخرج، فلما سمع ابو بكر حركته تاخر، فجذب رسول اللّه(ص) ثوبه فاقامه مكانه، وقعد رسول اللّه، فقرا من حيث انتهى ابو بكر. هذا نص الطبرى، ويمكن ان يفيدنا امورا، لا يمكن الغض عنها:
1 - اشار ابن عباس الى ان النبى(ص) عزم على الوصيه لعلى بن ابى طالب، الا انه اجل ذلك بعد ما راى حضور الشيخين عنده، ولخطوره المنافسه الشديده التى بدت على موقف الشيخين، طلب النبى(ص) من الجميع الخروج، ليتسنى لرسول اللّه(ص) بعد ذلك ان يناجى ابن عمه بما يريد، بعيدا عن فضوليه الحضور، الذى بات يتكرر بين الحين والاخر فى حضرته(ص).
2 - ان ابن عباس كان فى صدد ايضاح الموقف الطارى، الذى فاجى النبى(ص) من قبل بعض اصحابه، وهو فى صدد دعوته لعلى، واراد تفويت الفرصه على اقطاب التنافس من ان تستفاد القضيه لصالحها، واحس ان جهوده الان مهدده بخطر التسابق للحصول على الحظوه عنده، لذا فقد اغاض النبى(ص) حضور من لم يدعوه، واجل لقاءه بعلى الى وقت، بعيدا عن علم الجميع.
3 - لم ينف ابن عباس وصيه النبى(ص) مطلقا، فان السائل فى مقام الاستفهام عن وصيته(ص)، بل كان ابن عباس، فى صدد بيان ما حدث فور دعوه على للحضور عنده، الا ترى ان السوال تضمن الاستفهام عن الوصيه، وكان جواب ابن عباس صريح فى انه(ص) اراد دعوه على للايصاء اليه، فى قوله: قال رسول اللّه(ص): (ابعثوا الى على فادعوه)؟ فان قرينتى المقال والمقام، تقتضيان ان يكون البعث الى على للايصاء اليه، ومما يوكد ذلك، طلب السيدتين من النبى(ص)، وبالحاح شديد حضور الشيخين، ولم نسمع فى الخبر ان النبى (ص) اقر لهن حضور الشيخين، بل عبر النبى (ص)، عن استيائه من حضورهما، اذ قد صرف الجميع فور اجتماعهم عنده دون ان يخاطبهم بشىء، فالحديث يقول: (فاجتمعوا عنده جميعا، فقال(ص): انصرفوا فان تك لى حاجه ابعث اليكم)! ومقام الدعوه لا يناسبه الامر بالانصراف فور الحضور، فلم تكن الدعوه اذن قد وجهت اليهما ولا الى احدهما. وسيوكد ذلك النقطتان اللاحقتان..
4 - قال ابن الاسكافى المعتزلى: متى نظرنا الى آخر هذا الحديث احتجنا الى ان نطلب للحديث مخرجا من النقص والتقصير، وذلك ان آخره: ان رسول اللّه(ص) لما وجد افاقه واحس بقوه خرج حتى اتى المسجد وتقدم فنحى ابا بكر عن مقامه، وقام فى موضعه. فلو كانت امامه ابى بكر بامره(ص) لتركه على امامته وصلى خلفه كما صلى خلف عبدالرحمن بن عوف.
5 - ثبت عن على (ع): ان عائشه هى التى امرت بلالا ان يامر اباها ليصل بالناس، لان رسول اللّه(ص) قال: (ليصل بهم احدهم) ولم يعين.. وكان على يذكر هذا لاصحابه فى خلواته كثيرا، ويقول: وانه(ص) لم يقل (انكن لصويحبات يوسف) الا انكارا لهذه الحال، وغضبا منها لانها وحفصه تبادرتا الى تعيين ابويهما، وانه(ص) استدركها بخروجه وصرفه عن المحراب كم صلى ابو بكر بالناس
فى حياه رسول اللّه (ص)؟
وقد يتساءل بعضنا بعد هذا الاضطراب من الروايه فى حادثه الصلاه، كم صلى ابو بكر بالناس؟ حتى يمكن جعل صلاته حجه اجماع، يعول عليها، لو تنزلنا فى القول بصحه هكذا اجماع. واذا رجعنا الى الطبرى نسال عن عدد صلوات ابى بكر امامه بالمسلمين، فانه سيشعرك ان الصلاه لم تكن سوى تلك الركعه، التى لم يتمها ابو بكر، حتى خرج عليه النبى(ص) ليد فعه عن صلاته.. وهو الموافق لروايه الصحاح والسنن المعتبره. اما ما خالف ذلك من اخبار فكلها ساقطه عن حد الاعتبار، وهذه هى النصوص الاخرى كما يرويها الطبرى:
قال: حدثت عن الواقدى، قال: سالت ابن ابى سبره، كم صلى ابو بكر بالناس؟ قال: سبع عشره صلاه، قلت: من اخبرك؟ قال:
ايوب بن عبد الرحمن بن ابى صعصعه عن رجل من اصحاب النبى(ص). ففى اسناد هذا الحديث من الارسال والجهاله ما يفوت فرصه الاحتجاج به، فكيف يحتج بحديث مرسل لتصحيح اهم حدث دخل فى حياه المسلمين؟ ثم قال الطبرى: وحدثنا ابن ابى سبره، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عكرمه قال: صلى بهم ابو بكر ثلاثه ايام. ولا يخفى ضعف عكرمه، واتهامه بالكذب، فلا يعتد به مطلقا، واليك ما ذكره العقيلى، فى كتابه (الضعفاء الكبير) من كلامهم فى عكرمه، فقال. حدثنا وهيب قال: شهدت يحيى بن سعيد الانصارى وايوب، فذكرا عكرمه فقال: يحيى بن سعيد، كان كذابا، وقال ايوب: لم يكن يكذب. وعن عبد اللّه بن الحارث قال: دخلت على على بن عبد اللّه بن عباس، فاذا عكرمه فى وثاق عند باب الحسن، فقلت له: الا تتقى اللّه! فقال: فان هذا الخبيث يكذب على ابى. وعن عطاء الخراسانى انه قال لسعيد بن المسيب: ان عكرمه يقول: ان رسول اللّه(ص) تزوج وهو محرم، فقال: كذب مخبثان «يعنى عكرمه». وعن عمرو بن مره قال: سالت سعيد بن المسيب، عن تفسير آيه من كتاب اللّه، فقال: ما انا بجرىء عليه، ولكن دونك من يزعم، انه لا يخفى عليه منه حرف، يعرض بعكرمه. وعن خالد بن خداش قال: شهدت حماد بن زيد، فى آخر يوم مات فيه، فقال: احدثكم بحديث لم احدث به قط، وقال: ما احدثكم به الا اكره ان القى اللّه ولم احدث به، سمعت ايوب، يحدث عن عكرمه قال: انما انزل اللّه متشابه القرآن ليضل به. انتهى ما افاده العقيلى. اقول ان ايوب هذا الذى يروى عن عكرمه خبر الاضلال، هو نفسه ايوب الذى نزه عكرمه عن الكذب سابقا، ومن يروى مثل هذا، فلا يعتد بتوثيقه وتنزيهه.
محاولات المرحله الثانيه.. او تراجعات عن مقوله
الاجماع. وبعد طول العناء والمشقه اللتين يجدهما الباحث فى محاوله منه لاثبات خلافه ابى بكر، قياسا على صلاته بالمسلمين، وبعد لاى من التوجيه والاعتذار، للجمع بين اخبار صلاه ابى بكر، ومحاوله منه لاثبات احقيته، استنادا الى ما قدمه من توجيه لاجماع الامه، واذا بالباحث، تفاجئه جمله من الروايات تشير اليه بالعدول عن مسيرته الاولى للتوجه الى محاوله ثانيه جديده، فقد ادخل البحث فى مناورات سياسيه عنيفه استبطنت شيئا آخر، وهى محاوله الخليفه الثانى السيطره على الوضع العام المتازم، الذى ينذر بفتنه عارمه، وحفاظا على وحده المسلمين وكلمتهم من التصدع، فقد اضطر الى ان يموه على المسلمين، بان النبى (ص) استخلف ابا بكر، وحاول كذلك ان يدخل فى روع المسلمين خصوصا الانصار منهم، بان مخالفه ابى بكر وعدم اعطاء البيعه له هى مخالفه صريحه لما اوصى به النبى(ص) من استخلاف ابى بكر. وحاول الانصار ان يذعنوا لذلك، مقنعين انفسهم كرها، ان قد صدقوا ما حدث من وصيه النبى(ص)، وكان محاوله الخليفه، قد اعانتهم على التخلص من هواجس تسلط الانصار على الانصار، او غلبه الانصار وحظوتهم عند الخليفه الجديد، على حساب الانصار الاخرين.
وهكذا، اعان الخليفه الثانى الانصار على هاجسهم، واعان الانصار الخليفه الثانى على دعواه، وكل صدق صاحبه لا عن قناعه، بل للسيطره على الموقف الذى سيكتسح آمال بعض، او يزيد من توجسات آخرين. وقد كانت العلاقه المتبادله بين الطرفين، ضمن حدود المخاوف المفتعله والامنيات القادمه، وكان على كلا الحليفين فى القضيه الجديده ان يعترفا بعد ذلك بحقيقه الامر، اذا ما هما امنا عواقب هذا الاعتراف، فبادر الانصار الى اعتذارهم لعلى(ع)، كما سمعت من خبر ما جرى بينهم وبين على(ع)، عقيب مبايعتهم للخليفه الجديد، واعترف الخليفه الثانى بحقيقه الامر، من عدم جديه استخلاف النبى(ص) لابى بكر، وذلك فى الخبر المشهور عنه، اذ دخل عليه ابنه عبد اللّه وهو يجود بنفسه، فقال له: يا امير المومنين، استخلف على امه محمد، فانه لو جاءك راعى ابلك او غنمك وترك ابله او غنمه لا راعى لها للمته وقلت له: كيف تركت امانتك ضائعه؟ فكيف يا امير المومنين بامه محمد؟ فاستخلف عليهم، فقال: ان استخلف عليهم فقد استخلف عليهم ابو بكر، وان اتركهم فقد تركهم رسول اللّه(ص). ولم يكن ذلك بالجديد، فقد اعترف عمر بن الخطاب قبل ذلك بان استخلاف ابى بكر ما هو الا مناوره، كانت تستهدف تهدئه الوضع العام، والسيطره على الفتنه التى ستحدث اذا ما هو ترك الامور وشانها، فقال:
قد بلغنى ان فلانا منكم يقول: لو مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترن امرو ان يقول: ان بيعه ابى بكر كانت فلته وتمت، الا وانها قد كانت كذلك، الا ان اللّه وقى شرها.. وهو اعتراف خطير افصح عن امر اخطر منه، وهو: ان الشيخين قد جازفا فى احداث فتنه، كادت ان تطير باللبيب، وتعصف بالرشيد، وقد تحركا لا على اساس اطفاء الفتنه وتهدئه النائره بين المسلمين، بل استجابه لرغبه متاصله فى ان لا تكون الخلافه فى بنى هاشم الاقربين، وعصفت محاولتهما هذه بالامه يوم السقيفه الا ان اللّه وقى الاسلام شرها كما هو صريح اعترافه، وهو صريح كذلك بان الاجماع لم يتم. وهكذا تداعت دعوى الاجماع، ولم تبق ايه قيمه لذلك النضال الدووب فى اختزال التاريخ الاسلامى من اجل اثباتها فلا التقدم فى الصلاه بقى دليلا نافعا على الامامه، ولا كان ثمه اجماع، ولم تكن دعوى الاجماع اذن الا تبريرا لامرار الظرف الطارى، الذى احدثته سقيفه بنى ساعده؟
ابو بكر ينفى الاجماع من قبل:
قال ابو بكر فى آخريات ايامه: ما آسى على شىء، الا على ثلاث، فعلتها وددت انى تركتها، وثلاث تركتها، وددت انى فعلتها، وثلاث وددت انى سالت رسول اللّه(ص) عنها، فاما الثلاث التى فعلتها ووددت انى تركتها: فوددت انى لم اكن فتشت بيت فاطمه، وذكر فى ذلك كلاما كثيرا.. الى ان قال: والثلاث التى وددت انى سالت رسول اللّه(ص) عنها: وددت انى كنت سالته فى من هذا الامر، فلا ينازع الامر اهله؟.. الى آخر الخبر.. هذا ما بثه الخليفه الاول من اشجان، وهو على فراش الموت، من انه لم يكن للاجماع من اثر، فى تصحيح خلافته، والا ما الذى دعاه، الى ان يدلى ما ضاقت به نفسه، من انه ود لو سال النبى(ص) فيمن هذا الامر؟ وانه لم يفتش بيت فاطمه الذى تجمع فيه المعارضون لخلافته؟ نظريتا الشورى واهل الحل والعقد..
هل هما بديلان
عن نظريه الاجماع؟ يلاحظ الباحث وهو فى سياق البحث العلمى، ان اصطلاحين آخرين يراودان اى بحث علمى، اذا ما تصدى لدراسه نظريه الاجماع، فكلما يصل الباحث الى مصطلح الاجماع ويصطدم بالواقع العملى الذى جرى يوم السقيفه، يقفز فجاه مصطلح اهل الحل والعقد، وهو لم يتم بعد معرفته الكامله عن مصطلح اهل الحل والعقد، حتى يزاحمه مصطلح جديد، هو مصطلح الشورى، فيفرض نفسه على الباحث، ويستبعد المصطلحين الاخرين، دونما يتم الباحث عمله، ويستكمل معرفته عن المقصود بالاولين. هذه هى مشكله الباحث، اذا ما هو دخل فى بحثه لدراسه نظريه الاجماع، وهذه هى مشكله الاجيال الباحثه عن الحقيقه دائما، تدخل فى متاهات الاصطلاحات (المقدسه)، دونما معرفه رشيده تكفل للباحث نصيبا من التدرج العلمى الوئيد الذى يضمن سلامه الفكره من الانصهار فى خضم متاهات مقصوده تطيح بالجهود العلميه دون الوصول الى الحقيقه. فالاحداث المتوثبه للاطاحه بايه معارضه فكريه مشروعه اوجدتها الظروف الطارئه، وفرضتها على الواقع فرضا، واكرهت بها وجودات كان لها حق المشاركه فى تقرير المصير - على اقل تقدير ان هى تنازلت عن جميع حقوقها - وكان لها كذلك على الاقل حق المعارضه والاستنكار، ولم يحصل هذا - للاسف - فى جو خلقته السقيفه، ولم يبح رجالاتها لرجالات المعارضه ايه مشاركه، ولو فى ابداء راى جدير فى سحق ايه محاوله خطيره، من شانها ان تثير الفتنه وترجعها قبليه مقيته، كما حدث لعلى(ع) مع ابى سفيان حين دعا ابو سفيان عليا للبيعه، فنهره على وقال انك لا زلت تكيد للاسلام، حتى بهذا المقدار، لم يبح لعلى معالجه الامور كما ينبغى، بل عمد الشيخان الى تعيين معاويه واليا فاسقط ما فى ايدى على من التصدى لمحاولات التساوم والابتزاز، وسياتى تفصيل الخبر لاحقا.
كان الشيخان يخشيان الفتنه - كما صرحا فى اكثر من مناسبه - فبادرا الى اعلان البيعه، مع استبعاد جمع من الصحابه، وخشيا، ان هما انتظرا حتى يدفن النبى(ص)، ان تكون الفتنه قد تمكنت من المسلمين، وليتهما انتظرا ثلاثا، كما فعل الخليفه الثانى، فقد اوصى للسته بالشورى الى ثلاثه ايام، ولم تكن هناك فتنه كما تصورها الشيخان، بل قد تصاعد الخلاف بين المسلمين، عند اعلان بيعه ابى بكر، الامر الذى مهد لخلافات مستقبليه، بعد تشنجات فى المواقف، اولدت عداء تقليديا، تتوارثه ايه مدرسه تعلن اختلافها مع مدرسه النص، ولعل تعبير الخليفه الثانى، ان بيعه ابى بكر فلته، هو انضج تشخيص لما اقدما عليه. والاجماع الذى اصطلحه الاصوليون، وتبعهم على ذلك فقهاء مدرسه الاجماع، هو ما عرفه ابو الوليد الباجى، وتبعه على ذلك الفقيه ابن حزم، وغيرهما، وقد مرت الاشاره اليه فى اول مباحث نظريه الاجماع. وانت، اذا تتبعت مجريات احداث الاستخلاف الثلاثه، لوجدت ان الاجماع، يابى ان تدخل ايا منها ضمن دائرته، وذلك للاسباب التاليه:
اولا - ان ما حدث يوم السقيفه، من الاستنكار والاعتراض، على تصدى الخليفه الاول للبيعه، واستبعاد جل الاصحاب كما سمعت، لا يمكن تفسيره على انه اجماع. ثانيا - ان عمليه استخلاف الخليفه الاول للخليفه الثانى تمت بعيدا عن مشاركه الاصحاب، وذوى الراى والمشوره، بل كانت اعتراضات تلوح فى الافق، بين صامته لا تقوى على التعبير عما يختلج فى صدرها من استنكار، وذلك للاجراءات الامنيه التى اتخذها الشيخان لتكتسح ايه قوه معارضه فكريه، او مسلحه، وبين معارضه معلنه، ابدت تخوفها عند استخلاف الخليفه الاول للخليفه الثانى، كما فى اعتراض طلحه بن عبيد اللّه، (حيث دخل طلحه على ابى بكر فقال: استخلفت على الناس عمر، وقد رايت ما يلقى الناس منه وانت معه، فكيف به اذا خلا بهم، وانت لاق ربك فسائلك عن رعيتك..) او قول عبد الرحمن بن عوف فى الخليفه الثانى: ان فيه غلظه. ومثل هذه الاعتراضات وغيرها لم تجد صدرا منشرحا، يستطيع الخليفه فيه فتح حوار لمناقشه الموقف، بل اصر على رايه، معتذرا انه لم يجد افضل من عمر، وواضح، ان هذا الرد لم يكن قد اقنع معارضه فكريه، قد استندت الى موروث نبوى ضخم، من النصوص على الخليفه الشرعى، فكيف يدخل اذن مثل هذا الاستخلاف ضمن الاجماع؟ ثالثا - كان الخليفه الثانى، قد عهد الى سته نفر من المسلمين انتخاب الخليفه من بعده، ولم يدخل غير هولاء النفر فى الشورى، فكيف يصح بعد ذلك الاجماع؟ هذه بعض الاشكالات التى تعترض مدرسه الاجماع، وكان على منظريها تلافى ذلك، فقدموا الحلول التاليه:
اولا: ان ما حدث من اختلاف، لا يضر فى مقاله الاجماع، فان الاجماع المقصود، هو اجماع اهل الحل والعقد، وان قلوا، حيث ان بيعه ابى بكر تمت دون التوقف الى اتفاق الكل، والى ذلك اشار التفتازانى بقوله: (الامامه، تثبت عند اكثر الفرق، باختيار اهل الحل والعقد، وان قلوا، للاجماع على امامه ابى بكر من غير نص، ولا توقف، الى اتفاق الكل). والجواب على ذلك: ان ما حدث من طارى شاذ، جعلوه قاعده يقاس عليها، ولعل التفتازانى قد غفل عما قاله الخليفه الثانى، من ان بيعه ابى بكر فلته، والفلته، الامر يقع من غير احكام، قاله ابن منظور فى لسان العرب، واورد حديث عمر: ان بيعه ابى بكر كانت فلته وقى اللّه شرها فالفلته اذن، ما شذ من الامر، وما خرج عن المعهود، دون ترو واحكام، وما كان كذلك، فلا يكون مناطا لقاعده، ولا حجه لدليل.
ثانيا: ان عهد الخليفه الاول، للخليفه الثانى، كان باجماع من اهل الحل والعقد. الجواب: ان الاجماع يتبادر منه الكثره ولا ينصرف الى القله، فكيف يتوافق قولنا ان الاجماع يعنى اتفاق الكل، مع قولنا ان الاجماع يحصل من اهل الحل والعقد وان قلوا؟ ثم لو سلمنا، ان الاجماع هو اجماع اهل الحل والعقد، فاى اهل الحل والعقد هم؟ بعد ما سمعنا من اعتراض طلحه بن عبيد اللّه على الخليفه الاول، عند توليته للخليفه الثانى، وبعد ما راينا من امتعاض عبد الرحمن بن عوف، من توليه عمر، بقوله: و لكن فيه غلظه فضلا عن استبعاد على بن ابى طالب، والعباس عم النبى، وبنى هاشم، وعمار، وابى ذر، والمقداد، وسلمان، والزبير وغيرهم كثير، اضافه الى استبعاد جموع الانصار واجلتهم.
ثالثا: ان استخلاف الخليفه الثالث، كان قد تم بالشورى، وهى بالتالى اجماع اصحاب رسول اللّه(ص)، فان الخليفه الثانى عهد الى سته من اهل الحل والعقد، ليقرروا بعد ذلك الخليفه، الى ثلاثه ايام. والجواب على ذلك: ان استقراء سريعا لاحداث ذلك اليوم، يمكن ان نقرا فيه الاجابه على هذا السوال.
اخي الباحث عن الحقيقة تابع معي البحث وكن منصفا مع نفسك
والحمد لله وحده
Comment