بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
(إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْر وَعُمَرَ وَعُثْمانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ، وَإنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُل وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذلِكَ لله رِضىً، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْن أَوْبِدْعَة رَدُّوهُ إِلَى مَاخَرَجَ منه، فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى.وَلَعَمْرِي، يَا مُعَاوِيَةُ، لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمانَ، وَلَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَة عَنْهُ، إِلاَّ أَنْ تَتَجَنَّى; فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ! وَالسَّلاَمُ.)[1].
يقول المحتج بهذه الرواية : هذا يدل على أن علي بن أبي طالب يرى الخلافة بالشورى و ليس بالنص
الرد يكون من حيثيتين : من ناحية السند والمتن:
1- من ناحية السند، فعندما جمع الشريف الرضي نهج البلاغة لم يذكر السند لما نقله من الخطب والرسائل وبعض ما ورد فيه من الخطب كان موجوداً في كتب قبل تأليفه له، وبعض الخطب مروية بطريق صحيح كعهده (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه).
لذا لا يصح الاحتجاج بما في نهج البلاغة من دون الرجوع إلى مصدره الأساسي الذي نقل منه الشريف الرضي إذا كان هذا النص يعارض ما ورد في كتاب الله والسنة الثابتة ، فمن يريد أن يحتج بما في نهج البلاغة فعليه أن يرجع إلى المصادر الرئيسية التي نقل منها الشريف الرضي و ينظر في السند أيضاً.
وإن هذا الكلام نقله الشريف المرتضى عن «نصر بن مزاحم» في كتابه وقعة صفين عن عمر بن سعد الأسدي ، عن نمير بن وعلة ، عن عامر الشعبي ، ورواه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق بسنده إلى نصر بن مزاحم بنفس السند السابق، وليس له سند غير هذا الذي فيه «الشعبي» وهو من رواة أهل السنة ومذموم عند الشيعة، فكيف يصح الاحتجاج بالروايات الضعيفة لاثبات عقيدة ونقض مقابتلها مع ان العقائد تبنى على ادلة قطعية الصدور والدلالة؟؟؟؟
رجال السند
أما عمر بن سعد الأسدي هذا فمتروك الحديث عند أهل السنة، قال ابن أبي حاتم الرازي عنه: سألت أبى عنه فقال شيخ قديم من عتق الشيعة متروك الحديث.[2]
وأما نمير بن واعلة هذا فمجهول لم نجد له ترجمة !
وأما عامر الشعبي : قال السيد الخوئي في حقّه :
{ أقول من الغرائب أن يعده ابن داود في القسم الاول [ أي من قسم الممدوحين ] ، وهوالخبيث الفاجرالكذاب المعلن بعدائه لامير المؤمنين (عليه السلام)، وقد ذكرنا شطرا من مخازيه في تفسيرنا ( البيان ) عند التعرض لترجمة الحارث الاعور ... الخ. }[3].
فلا يصح الاحتجاج على الشيعة بهذه الرواية لإثبات المدّعى
2- أما من حيث الدلالة، نجد أمير المؤمنين (ع) يعرض على معاوية المسلّمات التي يرتضيها مطالباً إياه بالبيعة، فقد تحدّث فيه الإمام (عليه السلام) وفق قاعدة الإلزام، وهي القاعدة الّتي تستعمل في مقام الاحتجاج على الخصوم وإلزامهم بما ألزموا به أنفسهم من قبل.
وحيث أن معاوية يدعي أن الخلافة بالشورى , وبما أن توليه لولاية الشام كان بتنصيب عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان , فإن هؤلاء المهاجرين و الأنصار الذين يعتمد عليهم معاوية في إثبات أحقية ومشروعية الخلفاء السابقين وفي أحقية ومشروعية توليه لإمارةالشام , هم بأنفسهم أيضاً بايعوا علي بن أبي طالب , فلماذا لا يقبل معاوية شورى المهاجرين والأنصار في بيعة علي بن أبي طالب فخرج يحاربه ومن معه من المهاجرين والأنصار؟
فقوله (عليه السلام): " وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار " ... بمعنى:
إن كنت يامعاوية لا ترى الخلافة بالنصّ الإلهي، وإنّها تتمّ عندك بالاختيار واجتماع أهل الحلّ والعقد، فأمرها لا يعدو المهاجرين والأنصار، فهم أهل الشـورى، وها هم قد بايعوني كما بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان من قبل، فما كان لك يا معاوية أن تردّ هذه البيعة أو تحتال عليها بأي حال، وإلاّ فيكون ممّن اتّبع هواه فتردّى، الأمر الّذي أشار إليه الإمام (عليه السلام) في نهاية رسالته إليه: ولعمري يا معاوية! لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان، ولتعلمنّ أنّي كنت في عزلة عنه إلاّ أن تتجنّى ; فتجـنَّ ما بدا لك!
ينبغي الالتفات أيضا الى لفظة "بايعني" ولم يقل سلام الله عليه "نصبني" , والبيعة هي فرع ولاحقة على التنصيب فالخليفة الأول أبو بكر نصبه الناس ثم بعد ذلك دعي له بالبيعة ـ بمعنى أن الناس هم من أقروا لي بالطاعة كما أقروا بالطاعة لغيري والاقرار بالطاعة لولي الأمر يستوجب عدم الخروج عليه.
وقوله (عليه السلام): " فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً، كان ذلك لله رضا " ... فهو تعريـض بخلافة الخلفاء السابقين التي لم يتحقق فيها هذا الشرط ، وإشارة الى بيعته (عليه السلام) التي تدّاك الناس عليه لبيعته (ع) حتّى استخرجوه من منزله (ع) لذلك; فمن المعلوم أنّه قد ناهض الخلفاء الثلاثة الّذين سبقوه (عليه السلام) جمع كبير من المهاجرين والأنصار، كما هو الثابت تاريخياً، فلا ريب في أن بيعة أبي بكر لم تكن عن مشورة جميع المهاجرين والأنصار، بل كانت - على حد تعبير عمر - فلتة وقى الله شرها ، فمن دعا إلى مثلها فاقتلوه ! ولم يتشاور المهاجرين والانصار على عمر لأنها كانت عن نص، وعثمان كذلك لأنها كانت محصورة في ستة أشخاص.
بينما بيعة أمير المؤمنين عليه السلام فأنّه الوحيد الذي اجتمع عليه المهاجرون والأنصار بأغلبية غالبة في المدينة، قال أبوجعفر الاسكافي المعتزلي ـ المتوفّى سنة 220 هـ ـ:
فلمّا قُتل عثمان تداك الناس على عليّ بن أبي طالب بالرغبة والطلب له بعد أن أتوا مسـجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وحضـر المهاجرون والأنصار وأجمع رأيهم على عليّ بن أبي طالب بالإجماع منهم أنّه أوْلى بها من غيره، وأنّه لا نظير له في زمانه، فقاموا إليه حتّى استخرجوه من منزله، وقالوا له: أبسط يدك نبايعك. فقبضها ومدّوها، ولمّا رأى تداكهم عليه واجتماعهم، قال: لا أُبايعكم إلاّفي مسـجد النبيّ (صلى الله عليه وسلم) ظاهراً، فإن كرهني قوم لم أُبايع، فأتى المسـجد وخرج الناس إلى المسـجد، ونادى مناديه.
وقال (عليه السلام) يصف هذه الحال في خطبة له:
وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضـتها، ثمّ تداككتم علَيّ تداك الإبل الهيم على حياضـها يوم ورودها، حتّى انقطعت النعل وسقط الرداء ووطئ الضعيف، وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير، وهدج إليها الكبير، وتحامل نحوها العليل، وحسـرت إليها الكعاب.
ويقول (عليه السلام) في مقام آخر:
فما راعني إلاّ والناس كعرف الضبع إليَّ ينثالون علَيّ من كلّ جانب حتّى لقد وطئ الحسنان، وشُـقّ عطفاي، مجتمعين حولي كربيضـة الغنم.
" فَيَا عَجَباً!! بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُها في حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لاخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ !! "
3- أخيرا نقول:
إن إمامة الأئمة الالهيين من العترة الطاهرة عليهم السلام بعد النبي محمد (ص) ثابتة بالنص وبالدلائل القطعية من نصوص قرآنية وأحاديث شريفة متواترة، والتي لا تبقي ريبا ولا تذر شكا في ذلك.
ومن يستشهد بهذا القول من نهج البلاغة يجب ألا ينسى أو يتناسى سائر أقوال الامام التي نقلها الشريف الرضي أيضا في نهج البلاغة مثل قوله:
{ ... لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّد (عليهم السلام) مِنْ هذِهِ الاُمَّةِ أَحَدٌ، وَلا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أبَداً. هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ، وَعِمَادُ اليَقِينِ، إِلَيْهمْ يَفِيءُ الغَالي، وَبِهِمْ يَلْحَقُ التَّالي، وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الوِلايَةِ، وَفِيهِمُ الوَصِيَّةُ وَالوِرَاثَةُ، الاْنَ إِذْ رَجَعَ الحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ، وَنُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ. }[4].
وقوله عن حقه بالخلافة :
{ فَوَاللهِ مَا زِلتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي، مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ، مُنْذُ قَبَضَ اللهُ تعالى نَبِيَّهُ (صلى الله عليه وآله) حَتَّى يَوْمِ النَّاسِ هذَا !! }[5]
وغيرها الكثير وحسبك منها الشقشقية.
والحمد لله وحده
================================================================
[1] نهج البلاغة: كتاب [6]: ومن كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية.
[2]الجرح والتعديل لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ج6 \ ص112).
[3] معجم رجال الحديث (6095).
[4] خطبة رقم [ 2 ]: ومن خطبة له (عليه السلام) بعد انصرافه من صفين.
[5]الخطبة رقم [ 6 ]: لمّا أشير عليه بألاّ يتبع طلحةَ والزبيرَ ولا يُرصدَ لهما القتال.
منقول بتصرف
اللهم صل على محمد وآل محمد الائمة والمهديين وسلم تسليما
(إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْر وَعُمَرَ وَعُثْمانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ، وَإنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُل وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذلِكَ لله رِضىً، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْن أَوْبِدْعَة رَدُّوهُ إِلَى مَاخَرَجَ منه، فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى.وَلَعَمْرِي، يَا مُعَاوِيَةُ، لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمانَ، وَلَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَة عَنْهُ، إِلاَّ أَنْ تَتَجَنَّى; فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ! وَالسَّلاَمُ.)[1].
يقول المحتج بهذه الرواية : هذا يدل على أن علي بن أبي طالب يرى الخلافة بالشورى و ليس بالنص
الرد يكون من حيثيتين : من ناحية السند والمتن:
1- من ناحية السند، فعندما جمع الشريف الرضي نهج البلاغة لم يذكر السند لما نقله من الخطب والرسائل وبعض ما ورد فيه من الخطب كان موجوداً في كتب قبل تأليفه له، وبعض الخطب مروية بطريق صحيح كعهده (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضي الله عنه).
لذا لا يصح الاحتجاج بما في نهج البلاغة من دون الرجوع إلى مصدره الأساسي الذي نقل منه الشريف الرضي إذا كان هذا النص يعارض ما ورد في كتاب الله والسنة الثابتة ، فمن يريد أن يحتج بما في نهج البلاغة فعليه أن يرجع إلى المصادر الرئيسية التي نقل منها الشريف الرضي و ينظر في السند أيضاً.
وإن هذا الكلام نقله الشريف المرتضى عن «نصر بن مزاحم» في كتابه وقعة صفين عن عمر بن سعد الأسدي ، عن نمير بن وعلة ، عن عامر الشعبي ، ورواه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق بسنده إلى نصر بن مزاحم بنفس السند السابق، وليس له سند غير هذا الذي فيه «الشعبي» وهو من رواة أهل السنة ومذموم عند الشيعة، فكيف يصح الاحتجاج بالروايات الضعيفة لاثبات عقيدة ونقض مقابتلها مع ان العقائد تبنى على ادلة قطعية الصدور والدلالة؟؟؟؟
رجال السند
أما عمر بن سعد الأسدي هذا فمتروك الحديث عند أهل السنة، قال ابن أبي حاتم الرازي عنه: سألت أبى عنه فقال شيخ قديم من عتق الشيعة متروك الحديث.[2]
وأما نمير بن واعلة هذا فمجهول لم نجد له ترجمة !
وأما عامر الشعبي : قال السيد الخوئي في حقّه :
{ أقول من الغرائب أن يعده ابن داود في القسم الاول [ أي من قسم الممدوحين ] ، وهوالخبيث الفاجرالكذاب المعلن بعدائه لامير المؤمنين (عليه السلام)، وقد ذكرنا شطرا من مخازيه في تفسيرنا ( البيان ) عند التعرض لترجمة الحارث الاعور ... الخ. }[3].
فلا يصح الاحتجاج على الشيعة بهذه الرواية لإثبات المدّعى
2- أما من حيث الدلالة، نجد أمير المؤمنين (ع) يعرض على معاوية المسلّمات التي يرتضيها مطالباً إياه بالبيعة، فقد تحدّث فيه الإمام (عليه السلام) وفق قاعدة الإلزام، وهي القاعدة الّتي تستعمل في مقام الاحتجاج على الخصوم وإلزامهم بما ألزموا به أنفسهم من قبل.
وحيث أن معاوية يدعي أن الخلافة بالشورى , وبما أن توليه لولاية الشام كان بتنصيب عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان , فإن هؤلاء المهاجرين و الأنصار الذين يعتمد عليهم معاوية في إثبات أحقية ومشروعية الخلفاء السابقين وفي أحقية ومشروعية توليه لإمارةالشام , هم بأنفسهم أيضاً بايعوا علي بن أبي طالب , فلماذا لا يقبل معاوية شورى المهاجرين والأنصار في بيعة علي بن أبي طالب فخرج يحاربه ومن معه من المهاجرين والأنصار؟
فقوله (عليه السلام): " وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار " ... بمعنى:
إن كنت يامعاوية لا ترى الخلافة بالنصّ الإلهي، وإنّها تتمّ عندك بالاختيار واجتماع أهل الحلّ والعقد، فأمرها لا يعدو المهاجرين والأنصار، فهم أهل الشـورى، وها هم قد بايعوني كما بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان من قبل، فما كان لك يا معاوية أن تردّ هذه البيعة أو تحتال عليها بأي حال، وإلاّ فيكون ممّن اتّبع هواه فتردّى، الأمر الّذي أشار إليه الإمام (عليه السلام) في نهاية رسالته إليه: ولعمري يا معاوية! لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان، ولتعلمنّ أنّي كنت في عزلة عنه إلاّ أن تتجنّى ; فتجـنَّ ما بدا لك!
ينبغي الالتفات أيضا الى لفظة "بايعني" ولم يقل سلام الله عليه "نصبني" , والبيعة هي فرع ولاحقة على التنصيب فالخليفة الأول أبو بكر نصبه الناس ثم بعد ذلك دعي له بالبيعة ـ بمعنى أن الناس هم من أقروا لي بالطاعة كما أقروا بالطاعة لغيري والاقرار بالطاعة لولي الأمر يستوجب عدم الخروج عليه.
وقوله (عليه السلام): " فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً، كان ذلك لله رضا " ... فهو تعريـض بخلافة الخلفاء السابقين التي لم يتحقق فيها هذا الشرط ، وإشارة الى بيعته (عليه السلام) التي تدّاك الناس عليه لبيعته (ع) حتّى استخرجوه من منزله (ع) لذلك; فمن المعلوم أنّه قد ناهض الخلفاء الثلاثة الّذين سبقوه (عليه السلام) جمع كبير من المهاجرين والأنصار، كما هو الثابت تاريخياً، فلا ريب في أن بيعة أبي بكر لم تكن عن مشورة جميع المهاجرين والأنصار، بل كانت - على حد تعبير عمر - فلتة وقى الله شرها ، فمن دعا إلى مثلها فاقتلوه ! ولم يتشاور المهاجرين والانصار على عمر لأنها كانت عن نص، وعثمان كذلك لأنها كانت محصورة في ستة أشخاص.
بينما بيعة أمير المؤمنين عليه السلام فأنّه الوحيد الذي اجتمع عليه المهاجرون والأنصار بأغلبية غالبة في المدينة، قال أبوجعفر الاسكافي المعتزلي ـ المتوفّى سنة 220 هـ ـ:
فلمّا قُتل عثمان تداك الناس على عليّ بن أبي طالب بالرغبة والطلب له بعد أن أتوا مسـجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وحضـر المهاجرون والأنصار وأجمع رأيهم على عليّ بن أبي طالب بالإجماع منهم أنّه أوْلى بها من غيره، وأنّه لا نظير له في زمانه، فقاموا إليه حتّى استخرجوه من منزله، وقالوا له: أبسط يدك نبايعك. فقبضها ومدّوها، ولمّا رأى تداكهم عليه واجتماعهم، قال: لا أُبايعكم إلاّفي مسـجد النبيّ (صلى الله عليه وسلم) ظاهراً، فإن كرهني قوم لم أُبايع، فأتى المسـجد وخرج الناس إلى المسـجد، ونادى مناديه.
وقال (عليه السلام) يصف هذه الحال في خطبة له:
وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضـتها، ثمّ تداككتم علَيّ تداك الإبل الهيم على حياضـها يوم ورودها، حتّى انقطعت النعل وسقط الرداء ووطئ الضعيف، وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير، وهدج إليها الكبير، وتحامل نحوها العليل، وحسـرت إليها الكعاب.
ويقول (عليه السلام) في مقام آخر:
فما راعني إلاّ والناس كعرف الضبع إليَّ ينثالون علَيّ من كلّ جانب حتّى لقد وطئ الحسنان، وشُـقّ عطفاي، مجتمعين حولي كربيضـة الغنم.
" فَيَا عَجَباً!! بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُها في حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لاخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ !! "
3- أخيرا نقول:
إن إمامة الأئمة الالهيين من العترة الطاهرة عليهم السلام بعد النبي محمد (ص) ثابتة بالنص وبالدلائل القطعية من نصوص قرآنية وأحاديث شريفة متواترة، والتي لا تبقي ريبا ولا تذر شكا في ذلك.
ومن يستشهد بهذا القول من نهج البلاغة يجب ألا ينسى أو يتناسى سائر أقوال الامام التي نقلها الشريف الرضي أيضا في نهج البلاغة مثل قوله:
{ ... لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّد (عليهم السلام) مِنْ هذِهِ الاُمَّةِ أَحَدٌ، وَلا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أبَداً. هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ، وَعِمَادُ اليَقِينِ، إِلَيْهمْ يَفِيءُ الغَالي، وَبِهِمْ يَلْحَقُ التَّالي، وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الوِلايَةِ، وَفِيهِمُ الوَصِيَّةُ وَالوِرَاثَةُ، الاْنَ إِذْ رَجَعَ الحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ، وَنُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ. }[4].
وقوله عن حقه بالخلافة :
{ فَوَاللهِ مَا زِلتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي، مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ، مُنْذُ قَبَضَ اللهُ تعالى نَبِيَّهُ (صلى الله عليه وآله) حَتَّى يَوْمِ النَّاسِ هذَا !! }[5]
وغيرها الكثير وحسبك منها الشقشقية.
والحمد لله وحده
================================================================
[1] نهج البلاغة: كتاب [6]: ومن كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية.
[2]الجرح والتعديل لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ج6 \ ص112).
[3] معجم رجال الحديث (6095).
[4] خطبة رقم [ 2 ]: ومن خطبة له (عليه السلام) بعد انصرافه من صفين.
[5]الخطبة رقم [ 6 ]: لمّا أشير عليه بألاّ يتبع طلحةَ والزبيرَ ولا يُرصدَ لهما القتال.
منقول بتصرف
Comment