إعـــــــلان

Collapse
No announcement yet.

الإسلام والعلمانية

Collapse
X
 
  • Filter
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • محمد الانصاري
    MyHumanity First
    • 22-11-2008
    • 5048

    الإسلام والعلمانية

    الإسلام والعلمانية

    أبو محمد الأنصاري

    ترتبط فكرة العلمانية ارتباطاً وثيقاً بما اصطلح عليه نشوء الفكر الحر في أوربا ، والحرية المنظورة هنا في التعريف ، أي بقدر تعلقها بمقولة العلمانية ، يُراد منها تحرر الفكر من القيود التي تربطه بالسماء أو بالماوراء ، فالعلمانية ترى الدين قيداً يكبل العقل ، وترى من ثَمّ ضرورة أن يُنشأ العقل منظومته بعيداً عن هذا القيد .
    وبقدر تعلق الأمر بأكثر التجارب التي ادعت تطبيق الدين ومقولاته تبدو التنظيرات العلمانية وجيهة تماماً ، ويكفي في هذا الصدد التذكير بموقف الكنيسة المناهض للعلم والحريات السياسية في أوربا وتكفي الإشارة الى الإمبراطوريات والملك العضوض الذي نشأ باسم الإسلام .
    غير أن للمسألة أبعاداً أُخر لا يبدو أن مروجي العلمانية في بلادنا الإسلامية والدعاة المتحمسين لها قد التفتوا لها بالقدر الذي تستحقه ، فالحجج القوية التي يمكن للعلمانية أن تسوقها في المجال المسيحي تفقد الكثير من قوتها ، بل قد تبدو باهتة تماماً ، في المجال الإسلامي لأسباب قد لا يمكن حصرها في حيز محدود كهذه المقالة ، فالإسلام على العموم ، وكما يشهد تأريخه الطويل دين حياة وحضارة بكل ما لهاتين الكلمتين من معنى .
    والواقع إن ثمة حجتين حاسمتين عادة ما يسوقهما دعاة العلمانية ؛ أولهما تتعلق بمقولة التأريخ ، ومفادها إن الأفكار والنظريات عموماً تتأطر بحركة التأريخ وتخضع لها ، فالأفكار انعكاسات أو تعبيرات عن واقع تأريخي معين وهي تستمد حياتها وقوتها بقدر تعبيريتها هذه ، فإذا ما تغير الواقع التأريخي فقدت كل مبرر لوجودها ، بل أضحى وجودها عقبة كأداء في وجه التطور ، واستحق المتمسكون بها لقب أو وصمة الرجعية .
    وعلى الرغم من الجدال الذي ووجهت به هذه الفكرة من طرف المفكرين الإسلاميين ، إلا أن المؤمنين بها كانوا لا يحيرون كثيراً في إيجاد الحجة المقابلة . فالحجة التي تمسك بها الكثير من الإسلاميين اتخذت صورة الجدل المتركز على المصدر المطلق للإسلام كفكر وعقيدة ، وهذا المصدر برأيهم كفيل بتجاوز المقولة التأريخية برمتها طالما كان الفكر في هذه الحالة لا يتأطر بالتأريخ بل هو من يؤطر التأريخ .
    ولعله غني عن البيان إن جدلاً هذه صورته يمكن أن يُعترض بتجارب التطبيق الكثيرة الفاشلة ، التي عرفها التأريخ الإسلامي ، التي تثبت من وجهة نظر المعترضين إخفاق الفكرة الإسلامية في معايشة التأريخ ، ويمكن أن تُعترض على المستوى الفكري بمقولة أن المصدر وإن كان مطلقاً إلا أن التطبيق نسبي وتأريخي .
    وقد حاول بعض المفكرين الإسلاميين إيجاد مخرج يوفق به بين طرفي المشكلة فذهب الى القول بوجود منطقة فراغ في التشريع الإسلامي تركها المشرع – بحسبه – ليملئها الإنسان التأريخي المطبق بما يتناسب مع معطيات وافتراضات الحقبة التأريخية .
    والحق إن المشرع الإسلامي لم يترك منطقة فراغ ، أو على الأقل لا توجد مثل هذه المنطقة بحسب المفهوم الذي تقدم به المفكر الإسلامي المشار إليه ، فالإسلام وهذا ما ينبغي للجميع أن يلتفتوا له غير قابل للترجمة الحقيقية على أرض الواقع إلا على يدي المترجم أو حجة الله – وفي نفس التسمية دلالة عميقة – الذي نصّبه الله أو قل يستدعيه الإسلام نفسه .
    إن حجة الله أو مترجم وحي الله ليس حضوراً ثانوياً أو فرعياً في العقيدة الإسلامية ، بل هو لب هذه العقيدة ، والبؤرة التي تستمد منها حيويتها ووجودها ، ومن خلال هذه البؤرة فقط يمكن للإسلام أن يحقق حركته في الحياة والتأريخ . يقول السيد أحمد الحسن في كتابه ( حاكمية الله ) : ((وطياً أسطر بعض ما في حاكمية الله سبحانه وتعالى من أمور تجعلها سبباً لملئ الأرض عدلاً .
    1- القانون (( الدستور العام وغيره )) :- الذي يضع القانون هو الله سبحانه وتعالى وهو الخالق لهذه الأرض ومن عليها ويعلم ما يصلح أهلها وسكانها من إنس وجن وحيوانات ونباتات وغيرهم من المخلوقات التي نعلمها ولا نعلمها ويعلم الماضي والحاضر والمستقبل وما يصلح الجسم والنفس الإنسانية وما يصلح الجنس الإنساني ككل فالقانون يجب أن يراعي الماضي والحاضر والمستقبل والجسم والنفس الإنسانية ومصلحة الفرد ومصلحة الجماعة ومصلحة باقي المخلوقات بل يجب أن يراعي حتى الجماد كالأرض والماء والبيئة ...الخ ومن أين لغير الله سبحانه وتعالى أن يعرف تفاصيل كل هذه الأمور مع أن كثير منها غائب عن التحصيل والإدراك أي لا يمكن العلم به ومعرفة صفاته ..الخ ثم لو فرضنا أن أحد ما عرف كل هذه التفاصيل فمن أين له أن يضع قانون يراعي كل هذه التفاصيل مع أن بعضها يتناقض في أرض الواقع فأين تكون المصلحة ؟ وفي أي تشريع ؟ من المؤكد أنها لن تكون إلا في القانون الإلهي والشريعة السماوية لأن واضعها خالق الخلق وهو يعلم السر وأخفى وهو قادر أن يجري الأمور كيف يشاء سبحانه وتعالى عما يشركون .
    2- الملك أو الحاكم : - لاشك إن القيادة كيفما كانت ضمن نطاق حاكمية الناس دكتاتورية أو ديمقراطية أم ضمن نطاق حاكمية الله سبحانه وتعالى فهي تؤثر تأثير مباشر في المجتمع الإنساني لأن المجتمع مقهور على سماع هذه القيادة على الأقل فطرياً لأن الإنسان مفطور على إتباع قائد معين من الله سبحانه وتعالى ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) وهذا القائد هو ولي الله وخليفته في أ رضه فإذا دُفع ولي الله عن حقه وتشوشت مرآة الفطرة الإنسانية بغبش هذه الحياة الدنيا قبل الإنسان بأي قيادة بديلة عن ولي الله وحجته على عباده ليسد النقص الواقع في نفسه وأن كانت هذه القيادة البديلة منكوسة ومعادية لولي الله في أرضه وحجته على عباده فالإنسان عادة يستمع للقيادة المتمثلة بالحاكم ولن تكون القيادة إلا أحد أمرين أما ولي الله وحجته على عباده وهو الحاكم المعين من الله سبحانه وتعالى وإما غيره سواء كان دكتاتوراً متسلطاً بالقوة الغاشمة أم منتخباً انتخابات ديمقراطية حرة , والحاكم المعين من الله سبحانه وتعالى ينطق عن الله لأنه لا يتكلم إلا بأمر الله ولا يقدم ولا يؤخر شيء إلا بأمر الله , أما الحاكم المعين من الناس أو المتسلط عليهم فهو لا ينطق عن الله سبحانه وتعالى قطعاً , وقد قال رسول الله (ص) مامعناه ( من أستمع الى ناطق فقد عبده فأن كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله وأن كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان ) فلا يوجد إلا ناطق عن الله وناطق عن الشيطان لا ثالث لهما وكل حاكم غير ولي الله وحجته على عباده ناطق عن الشيطان بشكل أو بآخر وكل بحسبه وبقدر الباطل الذي يحمله . وقد ورد عنهم (ع) هذا المعنى ( إن كل راية قبل القائم هي راية طاغوت ) أي كل راية صاحبها غير مرتبط بالقائم (ع) . إذن فالحاكم المعين من الله سبحانه وتعالى ينطق عن الله والحاكم غير المعين من الله سبحانه وتعالى ينطق عن الشيطان ومن المؤكد أن الناطق عن الله يصلح الدين والدنيا والناطق عن الشيطان يفسد الدين والدنيا .
    بقي إن الله سبحانه وتعالى يعلم ما في النفوس ويعلم الصالح من الطالح، فهو يختار وليه وخليفته ويصطفيه ولا يكون إلا خيرته من خلقه وأفضل من في الأرض وأصلحهم وأحكمهم وأعلمهم ويعصمه الله من الزلل والخطأ ويسدده للصلاح والإصلاح .
    أما الناس فإذا عارضوا تعيين الله سبحانه وتعالى فلن يقع اختيارهم إلا على شرار خلق الله بل إن في اختيار موسى (ع) وهو نبي معصوم لسبعين رجلاً من قومه أعتقد صلاحهم ثم ظهر وبان له فسادهم عبرة لمعتبر، وذكرى لمدكر، وآية لمن ألقى السمع وهو شهيد .
    3- بما أن القانون والحاكم في حاكمية الله سبحانه يتمتعان بالكمال والعصمة فعلى هذا يترتب صلاح أحوال الناس السياسية الاقتصادية والاجتماعية , وهذا لأن جميع هذه الجوانب في حياة الناس تعتمد على القانون والحاكم لأن القانون هو الذي ينظمها والحاكم هو الذي ينفذ فإذا كان القانون من الله سبحانه كان التنظيم لهذه الجوانب هو الأفضل والأكمل وإذا كان الحاكم هو ولي الله وخليفته في أرضه وخيرته من خلقه، كان التطبيق للقانون الإلهي كامل وتام وفي أحسن صورة .
    وبالنتيجة فإن الأمة إذا قبلت حاكمية الله في أرضه فازت بخير الدين والدنيا وسعد أبناءها في الدنيا والآخرة وبما أن الأمة التي تقبل حاكمية الله في أرضه يرتفع من أبناءها خير ما يرتفع من الأرض إلى السماء وهو تولي ولي الله والإخلاص له فإنه ينزل عليها خير ما ينزل من السماء الى الأرض وهو التوفيق من الله سبحانه وتعالى وتكون هذه الأمة من خير الأمم التي أخرجت للناس لأنها قبلت ولي الله وخليفته في أرضه . ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (الأعراف:96) وتتفاضل الأمم على قدر قبولها لخليفة الله في أرضه والانصياع لأوامره .
    ومن هنا كانت الأمة التي تقبل الإمام المهدي (ع) هي خير أمة أخرجت للناس ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر ) (آل عمران: من الآية110) . وهؤلاء هم الثلاث مائة وثلاثة عشر أصحاب القائم ومن يتبعهم .
    أما إذا رفضت الأمة ولي الله وخليفته في أرضه فإنها تكون ارتكبت أكبر حماقة وخسرت الدنيا والآخرة ففي الدنيا ذل وهوان وفي الآخرة جهنم وبئس المهاد .
    وما أريد أن أؤكد عليه أخيراً هو أني لا أعتقد أنه يوجد من يؤمن بالله سبحانه وتعالى ثم إنه يعتقد أن القانون الذي يضعه الناس أفضل من قانون الله سبحانه وتعالى و أن الحاكم الذي يعينه الناس أفضل من الحاكم الذي يعينه الله سبحانه وتعالى .. والحمد لله وحده .. ( وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً * إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً ) ( الفرقان 41 - 42 ) )) .
    أما الحجة الثانية التي عادة ما يُعارض العلمانيون بها غيرهم فهي الحجة المتمثلة بمقولة العقل ، فالعقل كما يجادلون حضور دائم ومستمر ، وقناعاته دائماً مستمدة من الوقائع التي يعايشها ، وهو بالنتيجة أقدر على الحكم عليها وتقديم الأجوبة المناسبة لها ، بينما النص وليد واقع تأريخي محدد – بحسب مدعاهم – وبالنتيجة هو لا يواكب حركة التأريخ .
    والحق إني لا أريد في هذه العجالة مناقشة هذه الفكرة ، ولابأس هنا من الإشارة الى فكرة المصدر المطلق للنص الديني كفكرة دفع ، ولكني في الحقيقة أود اقتباس نص من كتاب ( العجل ) للسيد أحمد الحسن برجاء أن يفتح أفقاً جديداً في المناقشة الدائرة حول العقل ، يقول السيد أحمد الحسن : (( كان لعلم الكلام أو لخوض علماء المسلمين في الفلسفة اليونانية دور كبير في تناحر فرق المسلمين ، حتى وصل الأمر إلى تكفير بعضهم بعضاً ، وأصبح علماء كل فرقة يتأولون آيات القرآن ، وفق أهوائهم لتوافق القواعد الفلسفية أو العقلية التي يعتقدونها . فجعلوا أنفسهم أئمة الكتاب لا إن الكتاب إمامهم ، وتقدموا الكتاب بعد أن تقدموا العترة . فضلوا وأي ضلال بعد أن أعرضوا عن وصية رسول الله (ص) في (حديث الثقلين) المشهور بان لا يتقدموهما ، لقد ضيع المسلون الحق المبين واتبعوا من لم يزده علمه إلا خسارا ، بعدم رجوعهم إلى آل النبي (ص) واعتمادهم على الأدلة العقلية والفلسفية اليونانية ، أو علم الكلام المستند إليها والمشتق منها . مع أن في الفلسفة كثير من السفسطة والمغالطات والمجادلات ، وقالوا وقلنا التي لا تنتهي ، والتي لا يعد وكثير منها اللغو ، وليس وراءه طائل ولا ثمرة علمية أو عملية . والحق انه ليس لنا - ونحن المغروسين في المادة ، وليس لكثير منا حظً من العقل إلا ظلة - أن نتكلم عن الحي القيوم جل شأنه ، إلا بحدود ما ورد في القرآن وحديث النبي (ص) واله الأطهار (ع) . وهو عن الله سبحانه وتعالى ، وما هو إلا وحي يوحى ، وقد صرح بهذا المعنى الملا صدرا (رحمه الله) في الشواهد الربوبية ، وليعلم أولئك الذين يدعون الحجج العقلية وهم مختلفون ، أنهم لو كانوا عقلاء بالمعنى الحقيقي لما اختلفوا .
    لان العقل واحد وهو : الحق المطلوب من ابن آدم الوصول إليه ، ليعقل نفسه ويعرف ربه ، وهو عالم كلي لا تنافي فيه .
    قال تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمّىً وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(غافر :67) .
    أما الذي يشترك فيه جميع بني آدم فهو ظل لذلك العقل ، أو النفس الإنسانية لا العقل الحقيقي . وهذه النفس موجودة في عالم الملكوت ، وهو عالم متـنافيات تماما كعالم الشهادة ، إلا انه مجرد من المادة . قال المصطفى (ص) ما معناه {لولا إن الشياطين يحومون حول قلب ابن آدم لنظر إلى ملكوت السماوات} . أي أن ابن آدم لو اخلص لله لنظر إلى ملكوت السماوات . وبما أن اللب الذي بين جنبينا هو ظل للعقل ، فيكون الإنسان قادرا على إدراك كثير من قوانين عالم المادة ، وربما شيئاً من عالم الملكوت ، ولكنه غير قادر على معرفة عالم العقل ، لأنه فوقه إلا بالوصول إليه . ولا يصل إلا العبد المخلص لله المجيب لدعاء ( اقبل ) . بعد أن أدبر وغرس في عالم المادة ، فإذا عرفنا هذا عرفنا خطأ من ادعى العقل إبتداء لكل بني آدم ، ثم جعل المشرع سبحانه من جملة العقلاء جل شانه خالقنا وخالق عالم العقل . الذي لا يصله إلا المقربون { كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى* إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى } (العلق 6-8) . مع أن ما ادعاه عقلا ما هو إلا ظل له ، وصورة له ، تختلف باختلاف المرآة التي انعكست عليها ، والنفس التي انطبعت فيها ، ففي النفوس المنكوسة تنطبع الصورة معكوسة ، قال أمير المؤمنين علي(ع)
    (( وسأجهد في أن اطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس والجسم المركوس حتى تخرج الدرة من بين حب الحصيد )) .
    ومن هنا فان اتفق عشرة على أمرٍ معين خالفهم عشرة آخرون ، ولو رجعوا إلى كنـز التوحيد {محمد وعلي وآلهما (ع)} وتدبروا كلامهم لا راحوا واستراحوا ، فالصواب أن يكون علم الكلام في الإسلام مستنداً إلى القران والسنة الصحيحة عن النبي واله الأطهار (ع) . ولا بأس بالاستدلالات العقلية ، كسند ثانوي للعقائد الإسلامية المستقاة من القرآن والسنة الصحيحة .
    روي أن الإمام الصادق (ع) قال ليونس بن يعقوب (( وددت انك يا يونس تحسن الكلام . فقال له يونس جعلت فداك سمعتك تنهى عن الكلام وتقول ويل لأهل الكلام يقول هذا ينقاد وهذا لا ينقاد وهذا ينساق وهذا لا ينساق وهذا نعقله وهذا لا نعقله . فقال أبو عبد الله (ع) إنما قلت ويل لهم إذا تركوا قولي وصاروا إلى خلافه ……)) .
    وقال الإمام الصادق (ع) ((حاجوا الناس بكلامي فان حجوكم فأنا المحجوج )) .
    وقال الصادق (ع) ((من اخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال ، ومن اخذ دينه من الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل )) .
    وقال (ع) {إياكم والتقليد فانه من قلد في دينه هلك إن الله تعالى يقول { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ } (التوبة :31) . فلا والله ما صلوا لهم ولا صاموا ولكنهم احلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا وقلدوهم في ذلك فعبدوهم وهم لا يشعرون }
    وقال (ع) : ( من أجاب ناطقاً فقد عبده فان كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله وان كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان ) .
    أما العرفان في الإسلام فقد أرجعه بـعضهم إلى (الفلسفة اليونانية الإشراقية) والعرفان عند الشيعة إلى السنة وقالوا : إن أول من بحث في العرفان هو (ابن عربي) أو غيره من علماء السنة . والحقيقة إن هذا خطأ ومغالطة ، لا تنطلي على من تفحص الأديان الإلهية ، والشرائع السماوية . حيث أن السلوك العرفاني أو العمل لمعرفة الله هو الذي جاء به الأنبياء ، بل هو الفطرة التي فطر عليها الإنسان .
    قال تعالى ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ) (فصلت:53) .
    وقال تعالى {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ) (الذاريات :20-21) .
    فالآيات في الأنفس لمن زكاها ، وفي الآفاق لمن أراد الاستدلال بالعقل ولمن زكى نفسه . كما أن النبي (ص) والأوصياء (ع) نبهوا المؤمنين في أحاديث كثيرة إلى هذا الطريق وضرورة سلوكه وعدم التواني في تطبيق الشريعة ، واجبها و مستحبها و محرمها و مكروهها . والتي هي وهي ، فقط الطريق الموصل إلى الله لا الألفاظ ولا المصطلحات ، و تخرصات بعض الذين كتبوا في العرفان ، وما يسمونه بمجاهدات ما انزل الله بها من سلطان . فمعرفة الله إنما تتم بتزكية النفس ، وتزكية النفس لا تتم إلا بتطبيق الشريعة ، والزهد في الدنيا والإنفاق في سبيل الله ، والتحلي بمكارم الأخلاق ، والحب في الله والبغض في الله ، والشدة في ذات الله والغلظة مع الكافرين و المنافقين ، والرحمة مع المؤمنين . قال تعالى {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } (النور:35). والحمد لله وحده ، { وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (يونس:82) .




    ---


    ---


    ---

Working...
X
😀
🥰
🤢
😎
😡
👍
👎