مواضيــــع مختــــارة مـن كتـــــاب وهـــــم الالحــــــــاد
تأليـــف ::: أحمــــد الحســـــن
الموضوع : الإنسان خلق في أحسن تقويم، ويمكن أن يعود قرداً خاسئاً وفي أسفل سافلين بحسب النص الديني !
------------------------
الإنسان خلق في أحسن تقويم، ويمكن أن يعود قرداً خاسئاً وفي أسفل سافلين بحسب النص الديني !
بعض من يدعون الفقه يستدلون بهذه الآية: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )على أن نظرية التطور تعارض النص الديني باعتبار أنهم يفهمون معناها على أن جسم الإنسان خُلق بصورته الحالية منذ اللحظة الأولى، ولو أنهم أكملوا قراءة الآية بعدها لما تورطوا بهذا الاستدلال الساذج، قال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ )، فهل سأل هؤلاء أنفسهم: إن كان المراد بالآية الجسم الإنساني فكيف حصل رده إلى أسفل سافلين وأين هذا؟! وهل هم يعتقدون أن جسم الإنسان الآن في مرحلة أسفل سافلين بعد أن كان سابقاً في أحسن تقويم أم أنهم يعتقدون أن كل بني آدم ستتغير أشكالهم في المستقبل إلى أسفل سافلين فيصبحون قروداً أو أشباه قرود مثلاً؟!!
حقيقة لو أنهم لم يخوضوا في هذا الأمر لكان أفضل لهم، ويا ليتهم تعلموا من أخطاء أسلافهم.
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )القرآن الكريم – سورة التين – الآية: 4: أحسن تقويم لا يعني الشكل والقدرة الجسمانية، أحسن تقويم أي أن الآنسان خلق على صورة الله، وصورة الله ليست صورة جسمانية أو مثالية، صورة الله أي تجلي أسماء الله، فمعنى أن الإنسان مخلوق على صورة الله أي أنه مفطور ليُظهر أسماء الله في الخلق ويكون الله في الخلق، كل إنسان مؤهل ليكون هكذا أهلته روح القدس المتجلية في النفس الإنسانية، ولكن هناك من يضيعون حظهم فيعودون إلى أصلهم باختيارهم:
(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ ۚ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ) القرآن الكريم – سورة المائدة – الآية: 60 .
هذه هي الحقيقة، الله أعطى الإنسان، كل إنسان، المفتاح الرئيسي الذي يفتح كل الأبواب والذي يثبت إنسانيته، فيمكنه أن يفتح الأبواب واحداً بعد الآخر لينتقل من نور إلى نور أعظم منه حتى يصل إلى مواجهة النور الذي لا ظلمة فيه، ويمكنه أيضاً بكل بساطة أن يلقي المفتاح إلى الأرض ويعود إلى حيوانيته وبهيميته والتي بها يمسي يساوي القرد كما في النص القرآني (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَة َ)!
لا ظلم في ساحة الله، فالنار هي الدنيا لمن اختاروها وطلبوا الخلود فيها، فقط سيكشف الغطاء عنهم ليجدوها مشتعلة بأعمالهم وظلمهم وفسادهم، وملأتها عقارب حسدهم ووحوش أفكارهم وجرائمهم وحقائقهم الحيوانية البهيمية التي ستظهر لهم جلية فيعذب بعضهم بعضاً بتلك الحقائق الخبيثة عندما يكشف الغطاء، لا ظلم في ساحة الله، من طلب الخلود الدنيوي سيعطى أمنيته ويبقى حيث أراد فقط سيكشف عنه الغطاء ليرى الحقائق كما هي (لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ) القرآن الكريم – سورة الأنبياء – الآية: 13 .
الله عادل في كل شئ، بل هو محسن وكريم إلى درجة لا يمكننا أن نفهمها وليس عادلاً فقط، لهذا فهو لا يؤذي أحداً بل أشد عقوبته هي أن يعطي الإنسان اختياره الذي عادة يكون فيه هلاكه الأبدي لهذا، فمعنى قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) القرآن الكريم – سورة البقرة – الآية: 65 ، وقوله تعالى: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ ۚ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ )القرآن الكريم – سورة المائدة – الآية: ْ60 ، وقوله تعالى: (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ )القرآن الكريم – سورة الأعراف – الآية: 166 :
أي أنهم ألقوا المفاتيح من أيديهم وخسروا الروح الإنسانية التي بثها الله في أبيهم آدم (عليه السلام) وحثهم على تحصيلها، ولم تبقّ لهم إلا الروح الحيوانية، فعادوا إلى أصولهم حيوانات وبهائم لا يكادون يفقهون قولاً.
عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: [سألته عن علم العالم، فقال لي: يا جابر إن في الانبياء والاوصياء خمسة أرواح: روح القدس وروح الايمان وروح الحياة وروح القوة وروح الشهوة، فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى، ثم قال: يا جابر إن هذه الاربعة أرواح يصيبها الحدثان إلا روح القدس فإنها لا تلهو ولا تلعب] المصدر (الكليني – الكافي): ج1 ص272.
فمن ليس فيه روح الإيمان أو من تسلب منه روح الإيمان تبقى له ثلاثة أرواح أو ثلاثة جهات للروح، وهذه هي نفسها جهات أنفس الحيوانات فلا تكون له ميزة على القردة والخنازير، والحقيقة إن مسخهم هو عبارة عن عودتهم إلى أصولهم وحقائقهم التي لم يرغبوا الانتقال عنها واختاروا البقاء فيها بإرادتهم، فخاطبهم الله في القرآن ابقوا كما أنتم قردة:
(فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ).
( وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ).
وقال تعالى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا )القرآن الكريم – سورة الفرقان – الآية:44 .
هذه الآيات يمكنك أن تفهم منها أن بعضاً من الذين لهم جسم إنسان يقول الله عنهم إنهم قردة وخنازير وأنعام بل أضل سبيلاً، إن أردت تفسيراً لمعنى (أضل سبيلاً) بمصاديق حيوانية يمكن أن أقول لك مثلاً ديدان بدائية وصراصر وخنافس وعقارب، فهناك إذن تطور روحي أو نفسي فهذا الكائن الذي له جسم إنسان ممكن أن يرتقي ويتطور روحياً حتى يكون إنساناً وتكون له روح الإيمان وروح القدس، وممكن أن يتردى حتى تكون له فقط ارواح حيوانية كالقرد بل وربما في أدنى مستوياتها كالديدان التي ربما لا تتعدى إدراكاتها الفتحات الموجودة في أجسامها: فتحة للطعام، وفتحة للخروج، وفتحة للجنس، وهكذا يمكن أن يكون الإنسان في بعض الأحيان وللأسف.
الآن هناك ثلاث أرواح هي ( روح الحياة والقوة والشهوة)، ومن تتوفر فيه هذه الأرواح الثلاثة فهو حيوان قادر على التعاطي مع محيطه بذكاء بحسب حال دماغه الجسماني أي بحسب حجمه وتركيبته ونسبته إلى الجسم المادي للحيوان، ويتساوى في هذا جميع الحيوانات بما فيها الإنسان، فالقرود مثلاً يمكنها اختيار آلات مناسبة لكسر الثمار الصلبة والقنادس تبني السدود وببغاء الكيا (Kea parrot) يمكنه أن يتصرف بذكاء ملحوظ جداً. كما أن هناك حياة اجتماعية لبعض الحيوانات فتجدها تعطف على بعضها وهناك أنظمة دقيقة جداً في بعض المجتمعات الحيوانية كما في النحل والنمل.
بالنتيجة أعتقد أن مسألة كون جسم الإنسان تطور عن أشباه الإنسان أو لم يتطور، وهل تطوره هذا يتعارض مع النص الديني أم لا يتعارض مسألة دقيقة وجديرة أن يبحث ويدقق فيها الإنسان بنفسه ليعرف الحقيقة .
-----------