[مغالطة] إذا كان الإنسان قد انحدر من سلالة القردة.. فمن أين أتت القردة؟
يعتقد غالب النّاس الذين لم يدرسوا نظريّة التطوّر، أو قرأوا أو سمعوا عنها من مصادر غير علميّة، أنّ النّظريّة تختصّ بتفسير تطوّر ونشأة الإنسان من سلالة القردة فقط. ولكنّ هذا أبعد ما يكون عن الواقع. في الحقيقة، تشارلز داروين، العالم الذي تُنسب له النّظريّة، لم يتحدّث عن تطوّر الإنسان بتاتًا في كتابه الشّهير “أصل الأنواع”.. إنّما استغلّ الـ 500 صفحة من الكتاب ليشرح الآليّات التي تدفع بعجلة التطوّر إلى الأمام وليسطّر البراهين على صحّة مشاهداته في عالم الحيوان. أمّا نظريّته بما يتعلّق بنشأة الإنسان فلم تظهر إلاّ بعد 12 سنة على نشر كتاب أصل الأنواع، في كتابٍ منفصل أطلق عليه عنوان “أصل الإنسان – The Descent of Man”.
نظريّة التطوّر، على عكس المعتقد الشّائع، تحاول تفسير نشأة وتطوّر جميع الأنواع الحيّة بآليّات طبيعيّة خاضعة للإختبار والتّكرار، وليس هنالك ما يحدّ من تطبيقها على الإنسان فقط. وإذا أخذنا هذه الحقيقة بعين الإعتبار، فالإجابة على السّؤال المتكرّر عن أصل القردة ستكون غاية في البساطة: القردة أيضًا انحدرت من سلفٍ مشترك يجمعها بكائنات حيّة أخرى.
فبالإضافة إلى الأدلّة من السجلّ الأحفوري، الدّراسات الحديثة في علم الوراثة وعلم التّشريح المقارن أظهرت أنّ القردة العليا – Great Apes (وهي: الإنسان، الشامبانزي، الغوريلا، الأورانغتان، والبونوبو) انحدرت من سلفٍ مشترك يجمعها مع كلٍّ من قردة العالم القديم، قردة العالم الجديد، وغيرها من الرّئيسيّات (Primates). التّقديرات العلميّة الحاليّة تشير إلى أنّ هذا السّلف المشترك عاش قبل قرابة الـ 65 مليون عام.
الرّئيسيّات، بدورها، انحدرت من سلفٍ مشترك يجمعها بزبابيّات الشّجر (Tree Shrews) عاش قبل قرابة الـ 90 مليون عام. وهذا السّلف المشترك انحدر من سلفٍ مشترك آخر لجميع الثديّات الحقيقيّة (Eutheria) والذي بدوره عاش قبل 94.4 مليون عام. السّلف المشترك لجميع الثديّات الحقيقيّة هو جدّ لغالبيّة الثديّات المألوفة لدينا: مثل الأحصنة، الأغنام، الأبقار، الغزلان، الخنازير، القوارض، الفيلة، وغيرها. من أين أتت الثديّات الحقيقيّة؟ الثديّات الحقيقيّة تشترك سلفًا مشتركًا مع الجرابيات (Marsupials) وغيرها من التّصنيفات العامّة في شعبة الثديّات. وهذا السّلف المشترك عاش قبل قرابة الـ 163 مليون عام.
وهكذا دواليك.. إذا رجعنا إلى نقطة التقاء الفروع الأقدم فالأقدم، فسنصل حتمًا إلى السّلالة الأولى من الكائنات الحيّة أحاديّة الخليّة والتي انحدرت منها جميع الأنواع الحيّة الموجودة على كوكب الأرض. هذه السّلالة هي الجذع أو الأساس لشجرة الحياة، والتي أخذت بالتفرّع والتفرّع حتّى وصلت إلى الكميّة الهائلة من التنوّع الذي نشاهد الآن في عالم الأحياء. السّلف المشترك الذي انحدرت منه جميع الأنواع الحيّة، والذي يُعرف أيضًا بإسم السّلف المشترك الشّامل أو السّلف الأخير والشّامل (Last universal ancestor)، كان سلالة من الكائنات الحيّة أحاديّة الخليّة التي عاشت قبل قرابة الـ 3.5-3.8 مليار سنة.
** من أين أتت هذه السّلالة؟ **
لا نعرف حتّى الآن. وهذا السّؤال خارج عن إطار نظريّة التطوّر.. لأنّ نظريّة التطوّر لا تهدف إلى تفسير نشأة الحياة، إنّما تفسير نشأة الأنواع، وهنالك فرقٌ جوهريّ بين المسألتين.
الفرضيّات التي تحاول تفسير نشأة الحياة (والتي تخضع ضمن إطار بحثي يُسمّى بالـ Abiogenesis) تأخذ بعين الإعتبار البيئة الكيميائيّة والمناخيّة التي كانت حاضرة وقت تشكّل الكرة الأرضيّة، وتحاول أن تفسّر نشأة الخلايا الحيّة بآليّات كيميائيّة بسيطة.
للأسف ليس لدينا تصوّر كامل حول هذا الموضوع حتّى الآن، ولذلك الإقتراحات في هذا الباب هي مجرّد فرضيّات في الوقت الحالي.
نظريّة التطوّر، على الجهة الأخرى، لا تهتمّ بالسّؤال “من أين أتت الحياة؟”، إنّما تفترض وجود الكائنات الحيّة كنقطة إنطلاق لتفسير التغييرات التي قد تطرأ عليها عبر الزّمن.
ولهذا السّبب سمّى داروين كتابه الشّهير “أصل الأنواع”، ولم يُسمّه “أصل الحياة” أو “أصل الكون”. حتّى لو كانت سلالة الخلايا الأولى قد خلقت أو ظهرت مباشرة بدون خطوات تطوّريّة متعاقبة، فهذا لن يغيّر من واقع التطوّر شيئًا. ما دام هنالك كائنات حيّة قادرة التّكاثر والتّوارث، مادّتها الوراثيّة معرّضة للتغيّر عبر الزّمن، وبنفس الوقت خاضعة لضغوط بيئيّة، فالتطوّر سيحدث لا محالة.
منقول من صفحة نظرية التطور
المصادر: