كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (1)
رباب خاجه
الحوار المتمدن-العدد: 3290 - 2011 / 2 / 27 - 23:14
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
كتاب من تأليف عالم الفيزياء النظرية المعروف ستيفن هوكنغ و الفزيائي ليونارد ملوديناو. نشر في العام الماضي (٢٠١٠) . و رغم أن الكتاب صغير الحجم نسبيا حيث لم يتعدى عدد صفحاته المائتان و الثمان صفحات، ألا أنه غني و دسم من حيث المعلومات. و إسلوب الكتاب سهل في بعض أجزائه و كثير التعقيد في بعض الأجزاء الأخرى.
سهل من حيث الإسلوب الذي يبدو أن الكاتبان أراداه لتصل المعلومة إلي من هم من غير الإختصاص العلمي، أو بالأحري القاريء المستهدف هو القاريء العادي. و كذلك سهل من ناحية وجود كثرة الأمثلة لشرح الموضوع مع وضع تسلسل تاريخي للأحداث العلمية في التاريخ البشري لزيادة المتابعه و التركيز. أما صعوبته فهو بسبب صعوبة المادة العلمية نفسها حتي لمن هم من ذوي الإختصاص، و خصوصا عندما يتعمق الكتاب في شرح نظريات الفيزياء الكمية الحديثة Quantum Physics و ربطها بالفيزياء الكلاسيكية٠ و لكن بإستطاعة القاريء العادي أن يخرج منه -حتي لو لم يستوعب المادة العلمية بعمق-بنتيجه مرضيه ( أو قد تكون محيرة أكثر للبعض) بعد توسعة مداركه و مفاهيمه و تكوين صورة في دماغه عن ميكانيكية عمل الكون بتغيير الواجهة أو التلسكوب التقليدي الذي كان ينظر به إلي الآشياء من حوله٠
يبدأ الكتاب بشرح عام ليبين الغرض الأساسي منه، و الذي يتركز علي الإجابة علي قائمة من أسئلة كانت و لازالت محيرة للبشر. أسئلة كانت الإجابات عليها و حتي إلى وقت قريب مقتصرة علي الفلاسفة، ليبين كيف أن العلم أصبح اليوم يملك الإجابات علي بعضها. و من أجل ذلك يقوم هوكنغ بطرح هذه الأسئلة “الكبيرة”، و من ثم سرد التاريخ التطوري للعلوم الفيزيائية، بداية من الإغريق و نهاية بالعديد من النظريات الحديثة و التي تبدو في مجملها معارضة لبعضها البعض ، مرورا بمسار العلوم و معوقات مسارها ، و من ثم شرح النظريات الحديثة و ربطها بالنظريات الكلاسيكية للفيزياء ليخرج بتصور و تفسير يقدمة للقاريء في ثمان فصول ، و ذلك ليبين في النهاية كيف أن جميع القوانين الفيزيائية تصب في قالب واحد إذا نظرنا لها من وجهة نظر مختلفة عن تلك النظرة الكلاسيكية، و لينتهي إلي إستنتاج أنه، خلافا للنظرة القديمة ، فإن “الشيء ” ممكن أن يخلق من “اللاشيء! ” و أن الكون في الواقع لا يحتاج إلي خالق ليخلقه، بل قد يكون هذا مساره في أزمان أزلية. و كيف أنه بالإمكان خلق نظام دقيق و معقد من خلال العشوائية و البساطة. و هذا في الواقع يطابق ما أكده دارون بمباديء علم النشوء و الإرتقاء منذ قرنين تقريبا٠
و لا يخفي علي القاريء أنه بعمل هذا التسلسل في سرد النظريات الفيزيائية و معوقات تقدمها علي مر السنين إنما يؤكد، و بطريقة غير مباشرة، ما ذكره الفلكي الراحل كارل ساجان في برنامجه الشهير بإسم النظام الكوني “كوزموس ” في الثمانينات من القرن المنصرم و هذه ترجمة لنصه:٠
العلوم لا تتميز بالمثالية {و لا بالمطلق من المعلومات} . و بالإمكان إساءة إستغلالها. فهي مجرد وسيلة. و لكنها أفضل وسيلة نمتلكها علي الإطلاق، فهي تتميز بكونها ذاتية التصحيح، مستمرة، و بالإمكان تطبيقها علي كل شيء. و لكن لها قانونان {يجب ألا تحيد عنهما}. الأول: لا توجد حقائق مقدسة؛ فكل الإفتراضات فيها يجب أن تكون تحت التجربة النقدية؛ و مناقشات ذوي السلطة غير مجدية {لأنها لا يجب أن تخضع لأهواء المسئولين و نزواتهم و إعتقاداتهم السابقة }. و ثانيا: كل ما هو غير متفق مع الحقائق {التنبؤات} وجب رميه أو إعادة مراجعته… و لذا ، “فالبديهيات” (في المجال العلمي) تصبح أشياء خاطئة {أحيانا }، و “المستحيلات ” تصبح أشياء واقعية { في أحيانا أخرى}٠
إنتهى
فالعلوم البشرية تمتلك الطبيعة التراكمية و “التصحيح الذاتي”. أي أن الأخطاء العلمية إحتمالات واردة ، و لكن بالرغم من وجود هذه الأخطاء و بالرغم من الظروف التي تفرضها مثل هذه الأخطاء ، فالعلم دائما ما يصحح نفسه بنفسه مع الزمن، فتموت النظريات الخاطئة أو تتطور لتصحح إتجاهها إلي الإتجاه الصحيح. و لقد كنت في السابق عملت تشبيه لطالب علم الطبيعة كلعبة البحث عن الكنز في الجزيرة المهجورة، فهو يمشي علي حسب حدسة باحثا عن اللغز الأول ليحله و يكتشف الخيط الأول الذي يدله بالتالي إلي المكان التالي ، و عندما يجده يعرف إذا كان طريقه صحيح أم أنه يحتاج لتغيير مساره و هكذا هو ينتقل من مكان إلي آخر و من لغز إلي آخر و من خيط إلي آخر ، حتي يصل بالنهاية إلي الكنز المنشود. و هذا هو طريق العلم، لا يوجد فيه مطلقات أبدا، و جماله في البحث و ليس في المعلومة بحد ذاتها، مع أهمية ذلك . و قد لا نكون اليوم وصلنا إلي الكنز بالصورة التي ترضي غرورنا البشري و حسب حب الإستطلاع الغريزي لدينا ، و لكننا لاشك قطعنا شوطا كبيرا و قريبين جدا من هذا الكنز حتي ليتخيل للبعض منا أننا وصلنا له. و لكن بغض النظر عن كل ذلك ، فالشيء الأكيد هو أننا اليوم علي الأقل في الطريق الصحيح. و هذا الكتاب يسرد هذا الطريق بتفاصيله و التي تعنيت هنا لترجمة أكبر قدر منه لأني شخصيا أعتبر هذا الجزء الأخير و الخاص بالسرد التاريخي بمثابة بونص أو مكافئة أضافت للكتاب بعدا معرفيا مهما آخر حتى لو لم يكن هذا هو الهدف الأساسي منه ، بل الهدف كما ذكرت هي محاولة الإجابة علي الأسئلة التي يحاول ستيفن هوكينغ التطرق لها من الوجهة النظرية العلمية البحتة، و هذه الأسئلة كانت و لازالت محل جدل الفلاسفة، فأصبح اليوم يتنافس العلماء لإيجاد إجابات علمية لها لأنهم هم من يفهمون الكون كمختصين أكثر من غيرهم و عليهم تقع مسئولية تنوير العامة و تمكينهم من النظر بمنظارهم٠
الكتاب في غاية الأهمية لكونه ليس من الكتب الإعتيادية، و لذا فمراجعتي له إرتأيت فيها أن تكون أيضا غير عادية ، و لذا فالمعلومات التي أدرجتها هي جدا وافية لدرجة قد يشعر معها القاريء بنوع من التكرار – و لكن ليس معني ذلك هو الإستغناء عن الكتاب الأصلي و لا أن هذا التكرار في غير محله؛ فأنا أقدم فيه بقدر الإمكان المختصر المفيد-رغم صعوبة ذلك بسبب كثافة المعلومات- و أترجم هذا المختصر بصورة حاولت فيها أن تكون مطابقة للنص و لكن غير الحرفي إلا في بعض المواضع القليلة حتي لا يكون المعني الإجمالي مضلا . و كذلك وضعت بعض الشرح بين القوسين الكبيرين { } حسب فهمي للنص و ذلك لزيادة التوضيح٠ و كذلك من أجل السهولة إرتأيت من خلال السرد أن تكون الإشارة إلي المؤلف بالصيغة الفردية أو بذكر إسم المؤلف الأول ستيفن هوكنغ٠
الفصل الأول: غموض الوجود
يقول هوكنغ أن العالم لطالما كان غامضا للبشرية ، فالخوف من الظواهر الطبيعية و الرغبة في إيجاد قوانين تنظيمة لها، تساعدهم علي التنبؤ بالأحداث قبل وقوعها ، على أمل أن يتفادوا أخطارها ، هذه الرغبة كانت وراء تساؤلاتهم العديدة لأسئلة كبيرة مثل ” كيف بإستطاعتنا أن نفهم العالم من حولنا؟ ما هي ميكانيكية الكون؟ و ما هي طبيعة الواقع؟” بل أنهم ذهبوا إلي أبعد من ذلك بسؤال ” هل يحتاج الكون إلي خالق؟” و من ثم يصرح أن ” الأغلبية الغالبة منا لا يقضي معظم وقته قلقا بشأن هذه الآسئلة {بالتأكيد}، و لكن {لابد} أننا كلنا قلقنا بشأنها بعضا من الوقت.” و لذلك فهذه الأسئلة لها أهميتها في حياة كل فرد. و من ثم يتطرق إلي أن هذه النوعية من الأسئلة كانت في الماضي ذات طبيعة فلسفية ، و لذا فالعلماء النظريين و العمليين كانوا في الغالب لا يتطرقون لها ، و لكن اليوم وصلنا إلي مرحلة توجب علي العلماء و ليس غيرهم مواجهة تلك الأسئلة ، و خصوصا أن” الفلسفة ماتت” حسب تعبيره . فعلم الفلسفة كما يقول “لم يواكب التطورات الحديثة في العلوم، و بالأخص في علم الفيزياء. فأصبح العلماء {هم } حاملي شعلة الإستكشافات المعرفية.” و عليهم تقع مسئولية الإجابة علي الأسئلة الكبيرة٠
يبدأ الفصل الأول ببيان الهدف من الكتاب حيث يقول المؤلف أن الغرض منه هو ” إعطاء إجابات للأسئلة السابقة من خلال الإستكشافات الحديثة و النظريات {الفيزيائية} الحديثة” . رغبة أن يقودنا ذلك إلي تكوين صورة جديدة عن الكون و مكاننا فيه و الذي إختلفت كثيرا عن الصورة القديمة، بل و حتي “إختلفت عن الصورة التي رسمناها في العقد أو العقدين الماضيين ” حسب تعبيره. و لكنه يرجع ليؤكد لنا أن بدايات الفكرة أو بدايات وضع “الرسم التخطيطي لهذا التصور الجديد بالإمكان تتبع أثره إلي قرن تقريبا” . أي أن الفكرة بالأساس قديمة، حيث ” وجد أنه في {العشرينيات من القرن الماضي} أن الصورة التقليدية لا يمكن الإعتماد عليها {في تفسير} التصرفات التي تبدو غريبة علينا عند عمل المشاهدة {فيما يحدث } في المستوي الذري و ما تحت الذري من الوجود.” و بما أن المستوي الذري هو بالواقع تفصيل دقيق لما يحدث على المستوي العادي من الحياة اليومية { و هي في الواقع صورة الكون في بداياته و قبل أن يتمدد و يصبح هائلا } فكان لابد من إيجاد حل لهذه المعضلة يساهم في ربط الإثنين معا، أو كما ذكر ” كان من الظروري أن نتبني بنية جديدة ” و هذه البنية الجديدة كانت البدايات لظهور ما يسمي بعلم الفيزياء الكمية {كوانتوم فيزيكس } . و حتي هذه الساعة فالنظريات الكمية تبين و بصورة مذهلة مدي دقتها عند عمل التنبؤات { أو التوقعات العلمية} في تلك المقاييس {البالغة الصغر}، و في نفس الوقت سمحت لنا بإعادة ” إنتاج تنبؤات النظريات الكلاسيكية القديمة عندما طبقت علي المستوي الماكروسكوبي {العادي} للحياة اليومية” ٠
و من ثم يسهب داوكنغ في شرح كيف أن “الفيزياء الكمية و الفيزياء الكلاسيكية ، كل منهما مبنيان علي أساسيات مختلفه جدا من حيث نظرتنا إلي الواقع الفيزيائي لهما. ” فبينما تفرض الفيزياء الكلاسيكية النظرة الأحادية للكون؛ أي أن للكون تاريخ واحد، له بداية و سيكون له نهاية، “فالنظريات الذرية {ليست كذلك لأنها} ممكن أن تصيغ بأشكال عديدة مختلفة عن بعضها البعض {في المسار التاريخي}، و قد يكون أكثر وصف بديهي لها هو ما قدمه ريتشارد (ديك) فينمان… فحسب فينمان، النظم {بصورة عامة} ليس لها تاريخ واحد فقط {بل عدة تواريخ محتملة ، و عليه يجب النظر إليها من خلال} كل تلك التواريخ المحتمله”٠ ثم يوضح فينمان ذلك بقوله ” أن الكون بنفسه ليس له تاريخ واحد، و لا حتي وجود مستقل”، بل عدة تواريخ محتمله و من الضروري أخذها جميعا بالإعتبار حتي تتكون لدينا الصورة الدقيقة لما يحصل في الواقع ، و هذا صعب تصوره٠لأنه “حتي {فترة قريبة نسبيا} عند بداية حلول الفيزياء الحديثة كان الإعتقاد الشائع أن كل الأمور المعرفية في العالم ممكن أن نحصل عليها من المشاهدة المباشرة، أي أن الأشياء تكون{دائما } كما تبدو لنا، أو كما تصورها الخلايا الحسية لدينا. و لكن النجاح الهائل لعلم الفيزياء الحديثة، و المبنية علي مفاهيم مثل تلك الخاصة بفينمان ، و التي تتصادم مع ما نشاهده أو نجربه في حياتنا اليومية، قد بينت أن {الطريقة التقليدية للنظر للأمور} غير مجدية.” و عليه ” فالنظرة السطحية للواقع لا تتوائم مع {قوانين } الفيزياء الحديثة.” حسب تعبيره٠
و حتي يتعامل هوكنغ مع هذه المتناقضات فإنه قام بطرح طريقة للنظر إلي الأمور ، سماها “الحتمية المعتمدة علي النموذج” أو Model-Dependent Realism هذه الطريقة مبنية على” قاعدة {مفادها} أن أدمغتنا تفسر المدخلات من الأجهزة الحسية بصنع صورة { نموذجية} للعالم . و عندما يكون هذا النموذج ناجحا في شرح الأحداث {من حولنا }، فنحن ننسب له، و للعناصر و المفاهيم التي يحتويه، خاصية الواقعية أو الحقيقة المطلقة. و لكن {المشكلة في هذه الطريقة أن } هنالك العديد من الطرق المختلفة و التي يمكن من خلالها أن يبني الشخص نموذجا لنفس الحالة الفيزيائية، و مع كل واحدة {من هذه النماذج} يستخدم عناصر أساسية و مفاهيم مختلفة {تماما عن الأخري}. فإذا كان إثنين من هذه النظريات الفيزيائية أو النماذج دقيقان {في صحة } عمل التنبؤات {العلمية} لنفس الحدث، فلا يمكن أن نقول {مثلا } أن أحدها أكثر واقعية من الأخري؛ {بل} علي الأصح، نحن أحرار في إستخدام النموذج الأكثر ملائمة لنا. و في تاريخنا العلمي، نحن إكتشفنا سلسلة من النظريات أو النماذج الأحسن و الأحسن، {إبتداء} من عهد بطليموس و {مرورا} بالنظرية التقليدية لنيوتن {و وصولا } بالنظريات الذرية الحديثة. ” ثم يتساءل “هل { يا ترى } ستصل هذه السلسلة إلي نقطة النهاية، { و التي هي الوصول إلى } النظرية الشمولية { الموحدة الكاملة } للكون؛ بحيث تحتوي {هذه النظرية على } كل القوى {المعروفة لدينا} و تتنبأ بكل مشاهدة {بدقة} ؟ أم أننا سنظل نبحث إلي مالانهاية عن نظريات عديدة أفضل، { و نترك فكرة البحث عن} نظرية واحدة شاملة لا نستطيع تطويرها؟ ” ثم يرجع بعد ذلك ليؤكد أن هذا سابق لأوانه حيث يقول أننا ” لا نملك حتى الآن الإجابة المؤكدة علي هذا السؤال”، هذا مع العلم بوجود مرشح قوي لهذه النظرية الشاملة لكل شيء {النظرية الكلية}، فإذا كان بالفعل هنالك نظرية واحدة موجودة، فإن هذه النظرية هي { لا شك} نظرية ” م” ٠M-theory
و هذه النظرية هي النموذج الذي يملك كل المقومات التي” نعتقد أنها يجب أن تكون موجودة بالنظرية النهائية” حسب رأيه، و هي النظرية التي إعتمد عليها المؤلف في تفسير الكثير من الأسئلة و إجاباتها بمناقشاته٠
يقول المؤلف في شرحه لنظرية -م أنها ” ليست نظرية بالمفهوم المعتاد. {بل هي} عائلة كاملة من نظريات مختلفة، كل منها تعطي شرح جيد للأحداث الفيزيائية.” و من ثم شبهها بالخريطة قائلا أنه “كما هو معروف، ليس بالإمكان أن نعرض مسطح الأرض بأكمله على خريطة واحدة {لكون الأرض كروية-منطعجة}. فالإسقاط المركاتوري العادي {طريقة في رسم الخرائط تمثل فيها خطوط الطول و العرض بخطوط مستقيمة لا بخطوط منحنية} المستخدم في عمل خرائط العالم تجعل المناطق تبدو أكبر و أكبر في الأجزاء الأقصى بعدا بالقطب الشمالي و القطب الجنوبي. و حتي تكون الخرائط أكثر دقة، فنحن علينا أن نستخدم خرائط عديدة، كل منها تغطي مجال محدد. الخرائط {في هذه الحالة} سوف تتداخل مع بعضها البعض، و عند هذه التداخلات تبين جميع {الخرائط} نفس المنظر الطبيعي العام.” و ذكر كيف أن ” عائلة نظرية-م قد {يبدو أفرادها} مختلفين تماما، و لكن من الممكن إحتسابهم جميعا كمفاهيم لنفس النظرية الضمنية. {أي } أنهم نسخ من النظرية التي من الممكن تطبيقها فقط في حدود معينة- علي سبيل المثال، عندما تكون بعض الكميات المحددة من الطاقة صغيره . فكما هو الحال في خرائط الإسقاطات المركاتورية، حيث تتداخل النسخ {في كل خريطة}، {فهذه القوى عند تداخلها} تتنبأ بنفس الظاهرة. و لكن كما هو الحال في عدم وجود خرائط مسطحة لإعطاء العرض الجيد لكل سطح الأرض، لا توجد نظرية بحد ذاتها قادرة علي إعطاء عرض جيد لمشاهداتنا في جميع الأحوال٠
و من ثم يقوم المؤلف في الفصول اللاحقة بوصف كيف بإمكان نظرية-م أن تعطينا الأجوبة علي سؤال الخلق. فحسب نظرية-م،” كوننا ليس هو الكون الوحيد. و إنما، تتوقع نظرية-م أن يكون هنالك الكثير جدا من الأكوان التي خلقت من لاشيء.” و يبين أن “خلق {هذه الأكوان} لا يحتاج لتدخل أي قوى ميتافيزيقية أو إلاه. و الأصح هو أن هذه الأكوان المتعددة تنمو طبيعيا من خلال القوانين الفيزيائية. أي هي تنبؤات علمية. فكل كون له عدة تواريخ { ماضية} محتمله و كذا وضعيات محتمل {وجودها} بعد ذلك، أي في الوقت الحالي، و بعد مرور وقت طويل جدا من خلقها.” و يؤكد لنا أن “معظم هذه الوضعيات ليست كما نشاهدها { في الطبيعة} و لا هي قابلة لأي وجود للحياة عليها. {إنما الحياة تكون على } عدد محدد صغير جدا منها ، و هذه {هي الأكوان التي} تسمح {قوانينها} لكائنات مثلنا بالتواجد عليها. و عليه فوجودنا {هو الذي } يختار من بين كل هذه النظم الهائلة فقط تلك الأكوان التي تلائم وجودنا. فنحن نعتبر توافه صغيرة في المقاييس الكونية العظيمة، و لكن {ندرة وجود أمثالنا} هو ما يجعلنا نوعا ما {نشعر أننا} سادة المخلوقات. و لكن حتي نفهم الكون بمستوي أعمق فنحن نحتاج أن نعرف، ليس فقط كيف يعمل الكون {أو الأكوان}، و لكن أيضا لماذا {يعمل بهذه الصورة؟}. و لماذا يوجد شيء بدلا من اللاشيء؟ و لماذا نحن موجودون؟ و لماذا هذه المجموعة المحددة { بالذات} من القوانين الكونية و ليس غيرها؟”٠
فحسب ما جاء علي لسان المؤلف أن “هذا هو السؤال الكلي عن الحياة، و الكون، {بل } و كل شيء٠
يتبع
Comment