قراءة سريعة في التقليد من خلال كتاب العروة الوثقى

Collapse
X
 
  • الوقت
  • Show
Clear All
new posts
  • فأس ابراهيم
    عضو مميز
    • 27-05-2009
    • 1050

    قراءة سريعة في التقليد من خلال كتاب العروة الوثقى

    قراءة سريعة في التقليد
    من
    خلال كتاب العروة الوثقى

    مقدمة:
    سمعنا الكثير ممن يدافعون عن التقليد جهلاً منهم بحقيقة الأمر
    المقدم/ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين.
    إخواني وأخواتي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    نحن في سلسلة حلقات تهدف التعرف على دعوة السيد احمد الحسن ع اليماني، ومعنا الشيخ ابو احمد احد أنصار هذه الدعوة، فمرحباً بك شيخنا الكريم.


    الشيخ/ مرحباً بكم اخي الكريم وحياكم الله.

    المقدم/ لقد سمعنا بأنّ أنصار دعوة السيد احمد الحسن لا يؤمنون بتقليد المراجع ( 1)، فهل يمكن ان تبين لنا شيخنا هذا الموضوع؟
    الشيخ/ نعم بخدمتكم أخي الكريم.

    نحن نقول أن التقليد لا يوجد عليه دليل شرعي، وكل ما ليس عليه دليل من الشرع لا يمكننا الاعتماد عليه. فلو ثبت الدليل عليه من الشرع لقبلناه كما قبلنا غيره.
    المقدم/ كيف لا يوجد دليل شرعي والحال أنه جاء في الروايات ( فعلى العوام ان يقلدوه) وكذلك جاء الأمر بالرجوع الى رواة الحديث وغيرها؟

    الشيخ/ لقد عنون الشيخ المجلسي في كتابه البحار ج 2/ص81، باباً وهو الباب رقم 14 أسماه ( من يجوز أخذ العلم منه ومن لا يجوز ، وذم التقليد والنهى عن متابعة غير المعصوم في كل ما يقول ، ووجوب التمسك بعروة أتباعهم عليهم السلام، وجواز الرجوع إلى رواة الأخبار والفقهاء الصالحين)، وقد أورد فيه الروايتين التي ذكرتهما وهما ( للعوام أن يقلدوه ) و: (ارجعوا إلى رواة حديثنا).
    كما أفرد الشيخ الحر العاملي رحمه الله في الوسائل باباً عنونه بهذا العنوان (باب عدم جواز تقليد غير المعصوم ( عليه السلام ) فيما يقول برأيه ، وفيما لا يعمل فيه بنص عنهم عليهم السلام. وهو الباب العاشر من كتاب القضاء أبواب صفات القاضي في الجزء 27 /ص 131 بحسب طبعة آل البيت ع. وأورد فيه 34 رواية، الرواية العشرين من هذا الباب هي الرواية التي جاء فيها قولك ( للعوام أن يقلدوه )، وهذه الرواية مروية عن الإمام الحسن العسكري ع، واليك نص الرواية كما جاءت في كتاب الاحتجاج الذي نقلها عنه صاحب الوسائل:
    الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج 2 - ص 262 - 265
    قال الشيخ الطبرسي: وبالإسناد الذي مضى ذكره عن أبي محمد العسكري عليه السلام في قوله تعالى : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) إن الأمي منسوب إلى ( أمه ) أي : هو كما خرج من بطن أمه ، لا يقرأ ولا يكتب ، ( لا يعلمون الكتاب ) المنزل من السماء ولا المتكذب به ، ولا يميزون بينهما ( إلا أماني ) أي : إلا أن يقرأ عليهم ويقال لهم : إن هذا كتاب الله وكلامه ، لا يعرفون إن قرأ من الكتاب خلاف ما فيه ، ( وإن هم إلا يظنون ) أي ما يقرأ عليهم رؤساؤهم من تكذيب محمد صلى الله عليه وآله في نبوته وإمامة علي سيد عترته ، وهم يقلدونهم مع أنه ( محرم عليهم ) تقليدهم ، ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله تعالى . . الخ ) هذا : القوم اليهود ، كتبوا صفة زعموا أنها صفة محمد صلى الله عليه وآله ، وهي خلاف صفته ، وقالوا للمستضعفين منهم : هذه صفة النبي المبعوث في آخر الزمان أنه : طويل عظيم البدن والبطن ، أهدف ، أصهب الشعر ، ومحمد صلى الله عليه وآله بخلافه ، وهو يجئ بعد هذا الزمان بخمسمائة سنة ، وإنما أرادوا بذلك أن تبقى لهم على ضعفائهم رياستهم ، وتدوم لهم إصاباتهم ، ويكفوا أنفسهم مؤنة خدمة رسول الله صلى الله عليه وآله وخدمة علي عليه السلام وأهل بيته وخاصته ، فقال الله عز وجل : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) من هذه الصفات المحرفات والمخالفات لصفة محمد صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام : الشدة لهم من العذاب في أسوء بقاع جهنم ، وويل لهم : الشدة في العذاب ثانية مضافة إلى الأولى ، بما يكسبونه من الأموال التي يأخذونها إذا ثبتوا عوامهم على الكفر بمحمد رسول الله صلى الله عليه وآله ، والحجة لوصيه وأخيه علي بن أبي طالب عليه السلام ولي الله . ثم قال عليه السلام : قال رجل للصادق عليه السلام : فإذا كان هؤلاء القوم من اليهود لا يعرفون الكتاب إلا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره ، فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم ، وهل عوام اليهود إلا كعوامنا يقلدون علماءهم ؟ فقال عليه السلام : بين عوامنا وعلمائنا وعوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة . أما من حيث استووا : فإن الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علمائهم كما ذم عوامهم . وأما من حيث افترقوا فلا . قال : بين لي يا بن رسول الله ! قال عليه السلام : إن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح ، وبأكل الحرام والرشاء ، وبتغيير الأحكام عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات ، وعرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم ، وأنهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه وأعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم ، وظلموهم من أجلهم ، وعرفوهم يقارفون المحرمات ، واضطروا بمعارف قلوبهم إلى أن من فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجوز أن يصدق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله ، فلذلك ذمهم لما قلدوا من قد عرفوه ومن قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه في حكايته ، ولا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ، إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى ، وأشهر من أن لا تظهر لهم . وكذلك عوام أمتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر ، والعصبية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا وحرامها ، وإهلاك من يتعصبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقا ، وبالترفرف بالبر والإحسان على من تعصبوا له وإن كان للإذلال والإهانة مستحقا ، فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة فقهائهم ، فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا على هواه ، مطيعا لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلدوه ، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم ، فإنه من ركب من القبايح والفواحش مراكب فسقة العامة فلا تقبلوا منا عنه شيئا ، ولا كرامة ، وإنما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك لأن الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه بأسره بجهلهم ، ويضعون الأشياء على غير وجهها لقلة معرفتهم ، وآخرون يتعمدون الكذب علينا ؛ ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم إلى نار جهنم ، ومنهم قوم ( نصاب ) لا يقدرون على القدح فينا ، يتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا ، وينتقصون بنا عند نصابنا ، ثم يضيفون إليه أضعاف وأضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا التي نحن براء منها ، فيتقبله المستسلمون من شيعتنا ، على أنه من علومنا ، فضلوا وأضلوا وهم أضر على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي عليه السلام وأصحابه ، فإنهم يسلبونهم الأرواح والأموال ، وهؤلاء علماء السوء الناصبون المتشبهون بأنهم لنا موالون ، ولأعدائنا معادون ، ويدخلون الشك والشبهة على ضعفاء شيعتنا فيضلونهم ويمنعونهم عن قصد الحق المصيب ، لا جرم أن من علم الله من قلبه من هؤلاء القوم أنه لا يريد إلا صيانة دينه وتعظيم وليه لم يتركه في يد هذا المتلبس الكافر ، ولكنه يقيض له مؤمنا يقف به على الصواب ، ثم يوفقه الله للقبول منه ، فيجمع الله له بذلك خير الدنيا والآخرة ، ويجمع على من أضله لعنا في الدنيا وعذاب الآخرة . ثم قال : قال رسول الله : ( أشرار علماء أمتنا : المضلون عنا ، القاطعون للطرق إلينا ، المسمون أضدادنا بأسمائنا ، الملقبون أضدادنا بألقابنا ، يصلون عليهم وهم للعن مستحقون ، ويلعنونا ونحن بكرامات الله مغمورون ، وبصلوات الله وصلوات ملائكته المقربين علينا عن صلواتهم علينا مستغنون ) . ثم قال : قيل لأمير المؤمنين عليه السلام : من خير خلق الله بعد أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ؟ قال : العلماء إذا صلحوا . قيل : فمن شرار خلق الله بعد إبليس ، وفرعون ، ونمرود ، وبعد المتسمين بأسمائكم ، والمتلقبين بألقابكم ، والآخذين لأمكنتكم ، والمتأمرين في ممالككم ؟ قال : العلماء إذا فسدوا ، هم المظهرون للأباطيل ، الكاتمون للحقايق ، وفيهم قال الله عز وجل : ( أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا . . الآية).
    وقد نقل هذه الرواية الحر العاملي إلى قوله ع: ( وآخرون يتعمدون الكذب علينا) ثم علق عليها قائلاً: أقول: التقليد المرخص فيه هنا إنما هو قبول الرواية لا قبول الرأي والاجتهاد والظن وهذا واضح ، وذلك لا خلاف فيه ، ولا ينافي ما تقدم ( يشير الى ما تقدم في الباب السادس من الأبواب المتقدمة وعنوان الباب هو:باب عدم جواز القضاء والحكم بالرأي والاجتهاد والمقاييس ونحوها من الاستنباطات الظنية في نفس الأحكام الشرعية (ج27/ص35 ) وقد وقع التصريح بذلك فيما أوردناه من الحديث وفيما تركناه منه في عدة مواضع ، على أن هذا الحديث لا يجوز عند الأصوليين الاعتماد عليه في الأصول ولا في الفروع ، لأنه خبر واحد مرسل، ظني السند والمتن ضعيفاً عندهم ، ومعارضه متواتر، قطعي السند والدلالة ، ومع ذلك يحتمل الحمل على التقية .( وسائل الشيعة بطبعة ال البيت ج27/ص132).

    لاحظ: ما قاله الحر العاملي:

    أن هذا الخبر لا يجوز عند الأصوليين الاعتماد عليه لا في الأصول ولا في الفروع وذلك لكونه:
    أولاً: انه خبر واحد مرسل، ظني السند والمتن فهو ضعيفاً عندهم.

    ثانياً: أنه معارض بأخبار متواترة قطعية السند والدلالة دلت على عدم جواز التقليد لغير المعصوم ع كما قرأنا في عنوان الباب الذي ذكره الشيخ الحر العاملي؛ حيث قالباب عدم جواز تقليد غير المعصوم ( عليه السلام ) فيما يقول برأيه ، وفيما لا يعمل فيه بنص عنهم عليهم السلام).

    ثالثاً: يحتمل أن الخبر صدر تقية من الإمام ع فلا يجوز الأخذ به.

    هذه علل ثلاثة ذكرها المجلسي في الخبر.
    وقد علق على الخبر الوارد في الاحتجاج السيد شهاب الدين المرعشي قائلاً: ( وسبيل الخدشة اليه مفتوح سندا ودلالة كما بُيّن في محله).
    وعلق عليه السيد الحكيم قائلاً: ( هذا الخبر ليس في التقليد في الفروع ولا يدل على أكثر من اعتبار الوثوق). راجع تعليقاتهم على كتاب العروة الوثقى.
    فهل بعد هذا يصح الاحتجاج بالحديث المتقدم على وجوب التقليد بعد ما تقدم ؟! طبيعي كلا.
    ولهذا فهم لم يحتجوا به ولم يثبتوا الوجوب بهذا الحديث، وإليك بعض تعليقاتهم على المسالة الأولى من كتاب العروة الوثقى للسيد اليزدي:
    لاحظ هذا نص المسألة الأولى: (المسالة1: يجب على كل مكلف في عباداته ومعاملاته ان يكون مجتهداً أو مقلدا او محتاطاً).
    فلاحظ تعليقاتهم على وجه الوجوب المذكور في المسألة، فقد تباينت الآراء في ملاك الوجوب على الرغم من اتفاقهم بكونه ليس وجوباً شرعياً:

    1-السيد محمد رضا الكلبايكاني، (المتوفي سنة: 1414هـ ق)، وهو من فقهاء الشيعة ومراجعهم وله تعليقة على العروة الوثقى للسيد اليزدي. قال: (بإلزام من العقل).
    لاحظ الالزام عقلي وليس شرعي وهذا دليل واضح على عدم وجود الدليل الشرعي على وجوب التقليد ولو كان لكان الاولى الاحتجاج به لا الاحتجاج بالإلزام العقلي.

    2- السيد ابو الحسن الحسيني الرفيعي (المتوفي سنة: 1395)، وهو من فقهاء الشيعة وله تعليقة على العروة الوثقى: قال: لا يخفى ان الوجوب اما نفسي او شرطي، بمعنى كون التقليد مثلاً شرطاً لصحة العمل، لا دليل على الأول ( اي النفسي)، وآية ( واسألوا أهل الذكر ) للإرشاد. وأمّا الثاني ( اي الشرطي): فلا يعتبر في المباحات، بل ولا يصح في المحرمات، مع منافاته لما سيجيء من صحة عمل تارك الطريقين إذا طابق عمله الواقع او فتوى الأعلم مع تمشي قصد التقرب ان كان عبادة (2)

    3- السيد محسن الحكيم (المتوفي سنة:1390 هـ .ق) في مستمسك العروة الوثقى: قال: ( الوجوب التخييري المذكور من قبيل وجوب الإطاعة، فطري بمناط وجوب دفع الضرر المحتمل، حيث أن في ترك جميع الابدال احتمال الضرر. وعقلي بمناط وجوب شكر المنعم. ولأجل ذلك اختص بصورة احتمال التكليف المنجز ، فمع الغفلة عن التكليف ، أو احتمال التكليف غير الإلزامي ، أو الإلزامي غير المنجز ، لم يجب شيء من ذلك ، لعدم احتمال الضرر في تركها ، ولا هو مما ينافي الشكر الواجب) (مستمسك العروة - السيد محسن الحكيم - ج 1 - شرح ص6) (3) .
    4- السيد شهاب الدين المرعشي (المتوفي سنة: 1411 هـ ق)، حيث علق على قول صاحب العروة في المسألة المتقدمة (يجب): ( بوجوب تخييري عقلي بل فطري).
    5-السيد الخوئي (المتوفي سنة :1413 هـ ق) في كتاب الاجتهاد والتقليد - السيد الخوئي - شرح ص 12 – 18، لمقرره وتلميذه الشيخ الغروي، قال تعليقاً على المسالة المتقدمة في كتاب العروة وهل هذا الوجوب شرعي : نفسي أو طريقي أو غيري أو أنه عقلي ؟ الصحيح أنه عقلي ومعنى ذلك أن العقل يدرك أن في ارتكاب المحرّم وترك الواجب من دون استناد إلى الحجة استحقاقاً للعقاب كما أن في ارتكاب المشتبهات احتمال العقاب لتنجز الأحكام الواقعية على المكلفين بالعلم الاجمالي أو بالاحتمال كما يأتي تفصيله فلا مناص لدى العقل من تحصيل ما هو المؤمن من العقاب وهذا يحصل بأحد الأمور الثلاثة : فإن المجتهد إما أن يعمل على طبق ما قطع به بالوجدان كما في القطعيات والضروريات وهو قليل، وإما أن يعمل على طبق ما قطع بحجيته من الأمارات والأصول كما أن المقلد يستند إلى فتوى المجتهد وهو حجة عليه على ما يأتي في مورده، وأما العامل بالاحتياط فهو يأتي بعمل يسبب القطع بعدم استحقاقه العقاب إذا وجوب الأمور الثلاثة عقلي بمناط وجوب دفع الضرر المحتمل بمعنى العقاب . ويترتب عليه بطلان عمل المكلف التارك للاجتهاد والتقليد والاحتياط على ما نبينه في الفرع السابع إن شاء الله وليس هذا الوجوب غيريا ولا طريقيا ولا نفسيا أما عدم كونه غيريا فلأن مقدمة الواجب - على ما بيناه في محله - ليست بواجبة شرعا وليس أمرها مولويا بوجه وإنما هي واجبة عقلا لعدم حصول الواجب إلا بها . على أنا لو سلمنا وجوب المقدمة فليس الاحتياط مقدمة لأي واجب فإن ما أتى به المكلف إما أنه نفس الواجب أو أنه أمر مباح وهو أجنبي عن الواجب رأسا لا أنه مقدمة لوجود الواجب وتحققه بلا فرق في ذلك بين أن يكون أصل الوجوب معلوماً وكان التردد في متعلقه كما في موارد الاحتياط المستلزم للتكرار وبين أن يكون أصل الوجوب محتملاً كما في موارد الاحتياط غير المستلزم للتكرار، ومعه كيف يكون الاحتياط مقدمة لوجود الواجب ؟ ! نعم ضم أحد الفعلين إلى الآخر مقدمة علمية للامتثال لأن به يحرز الخروج عن عهدة التكليف المحتمل وكذلك الحال في الاحتياط غير المستلزم للتكرار، لا أنه مقدمة وجودية للواجب ليجب أو لا يجب هذا كله في الاحتياط.
    وكذلك الاجتهاد والتقليد لأنهما في الحقيقة عبارتان عن العلم بالأحكام ومعرفتها، ولا يكون معرفة حكم أي موضوع مقوماً لوجود ذلك الموضوع ومقدمة لتحققه بحيث لا يتيسر صدوره ممن لا يعلم بحكمه فهذا كرد السلام فإنه ممكن الصدور ممن لا يعلم بحكمه وكذلك الحال في غيره من الواجبات إذا يمكن أن يأتي بها المكلف ولو على سبيل الاحتياط من دون أن يكون عالما بحكمها فلا يتوقف وجود الواجب على معرفته بالاجتهاد أو التقليد.

    نعم لا يتمكن المكلف في بعض الموارد من الإتيان بالعمل إلا إذا علم بما اعتبر فيه من القيود والشروط كما في الموضوعات المركبة مثل الصلاة والحج فإن الجاهل بأحكامهما غير متمكن على إصدارهما إلا أنه من الندرة بمكان.
    وأما عدم كونه وجوبا طريقيا؛ فلأن المراد به ما وجب لتنجيز الواجب أو التعذير عنه وليس الاحتياط منجزاً للواقع بوجه لما سيأتي من أن الأحكام الواقعية إنما تنجزت بالعلم الاجمالي أو بالاحتمال لمكان الشبهة قبل الفحص أو لوجود الأمارات القائمة عليها في مظانها كما تأتي الإشارة إليه، فالأحكام متنجزة قبل وجوب الاحتياط لا أنها تنجزت بسببه فلا معنى للوجوب الطريقي بمعنى المنجزية فيه، كما لا معنى له بمعنى المعذرية لأنه لا يتصور في الاحتياط مخالفة للواقع ليكون وجوبه معذراً عنها؛ لأنه عبارة عن اتيان الواقع على وجه القطع والبت فلا تتحقق فيه مخالفة الواقع أبدا إذا، لا معنى محصل للوجوب الطريقي في الاحتياط.

    وأما الاجتهاد والتقليد؛ فقد يبدو للنظر أنهما كالاحتياط لا معنى للوجوب الطريقي فيهما بالإضافة إلى التنجيز لأن الأحكام الشرعية - كما أشرنا إليه - تنجزت قبل الأمر بهما من جهة العلم الاجمالي أو الاحتمال لا أنها تنجزت بسببهما........الخ.
    ثم تعال معي لنقرأ ما قاله المحقق الخراساني في كفاية الأصول - الآخوند الخراساني - ص 472 - 474
    قال: (فصل في التقليد وهو أخذ قول الغير ورأيه للعمل به في الفرعيان ، أو للالتزام به في الاعتقاديات تعبداً ، بلا مطالبة دليل على رأيه ، ولا يخفى أنه لا وجه لتفسيره بنفس العمل ، ضرورة سبقه عليه ، وإلا كان بلا تقليد ، فافهم .
    ثم إنه لا يذهب عليك أن جواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم في الجملة ، يكون بديهيا جبليا فطريا لا يحتاج إلى دليل ، وإلا لزم سد باب العلم به على العامي مطلقا غالبا ، لعجزه عن معرفة ما دل عليه كتابا وسنة ، ولا يجوز التقليد فيه أيضا ، وإلا لدار أو تسلسل (4) ، بل هذه هي العمدة في أدلته، وأغلب ما عداه قابل للمناقشة، لبعد تحصيل الإجماع في مثل هذه المسألة، مما يمكن أن يكون القول فيه لأجل كونه من الأمور الفطرية الارتكازية ، والمنقول منه غير حجة في مثلها، ولو قيل بحجيتها في غيرها، لوهنه بذلك . ومنه قد أنقدح إمكان القدح في دعوى كونه من ضروريات الدين، لاحتمال أن يكون من ضروريات العقل وفطرياته لا من ضرورياته ، وكذا القدح في دعوى سيرة المتدينين . وأما الآيات ، فلعدم دلالة آية النفر ( 5) والسؤال ( 6) على جوازه ، لقوة احتمال أن يكون الإرجاع لتحصيل العلم لا للأخذ تعبداً ، مع أن المسئول في آية السؤال هم أهل الكتاب كما هو ظاهرها ، أو أهل بيت العصمة الأطهار كما فسر به في الأخبار.
    نعم لا بأس بدلالة الأخبار عليه بالمطابقة أو الملازمة ، حيث دل بعضها على وجوب إتباع قول العلماء ، وبعضها على أن للعوام تقليد العلماء ، وبعضها على جواز الإفتاء مفهوما مثل ما دل على المنع عن الفتوى بغير علم ، أو منطوقا مثل ما دل على إظهاره ( عليه السلام ) المحبة لان يرى في أصحابه من يفتي الناس بالحلال والحرام. لا يقال : إن مجرد إظهار الفتوى للغير لا يدل على جواز أخذه وإتباعه . فإنه يقال : إن الملازمة العرفية بين جواز الإفتاء وجواز إتباعه واضحة ، وهذا غير وجوب إظهار الحق والواقع ، حيث لا ملازمة بينه وبين وجوب أخذه تعبدا ، فافهم وتأمل . وهذه الأخبار على اختلاف مضامينها وتعدد أسانيدها ، لا يبعد دعوى القطع بصدور بعضها ، فيكون دليلا قاطعا على جواز التقليد ، وإن لم يكن كل واحد ‹ صفحة 474 › بحجة ، فيكون مخصصا لما دل على عدم جواز إتباع غير العلم والذم على التقليد ، من الآيات والروايات . قال الله تبارك وتعالى : ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) وقوله تعالى : ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) مع احتمال أن الذم إنما كان على تقليدهم للجاهل ، أو في الأصول الاعتيادية التي لابد فيها من اليقين ، وأما قياس المسائل الفرعية على الأصول الاعتيادية ، في أنه كما لا يجوز التقليد فيها مع الغموض فيها كذلك لا يجوز فيها بالطريق الأولى لسهولتها ، فباطل ، مع أنه مع الفارق ، ضرورة أن الأصول الاعتيادية مسائل معدودة ، بخلافها فإنه مما لا تعد ولا تحصى ، ولا يكاد يتيسر من الاجتهاد فيها فعلا طول العمر إلا للأوحدي في كلياتها ، كما لا يخفى).
    هذا ما يتعلق بما ذكرته اخي الكريم ( للعوام أن يقلدوه).
    المقدم/ شيخنا انتهى وقت الحلقة ونكمل في حلقة أخرى ، وشكراً جزيلاً لكم ، والسلام على الإخوة والأخوات جميعا ورحمة الله وبركاته.

    _________________
    الهامش
    (1) وهو في اللغة بمعنى تعليق القلادة في العنق ، قال ابن منظور : ( . ومنه التقليد في الدين ، وتقليد الولاة الأعمال ، وتقليد البدن : أن يجعل في عنقها شعار يعلم به أنها هدي . وتقليد الامر : احتمله ، وكذلك تقلد السيف . ) . وعن المصباح : ( قلدت المرأة تقليدا جعلت القلادة في عنقها ) وقال العلامة الطريحي : ( وقلدته قلادة : جعلتها في عنقه ، وفي حديث الخلافة : فقلدها رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام ، أي ألزمه بها ، أي : جعلها في رقبته ، وولاه أمرها . ‹ شرح ص 484 › والتقليد في اصطلاح أهل العلم : قبول قول الغير من غير دليل ، سمي بذلك لان المقلد يجعل ما يعتقده من قول الغير من حق وباطل قلادة في عنق من قلده ) .
    (2) هناك مصطلحات وتقسيمات عند الأصوليين، من تلك التقسيمات انهم قسموا الوجوب الى تقسيمات متعددة:
    منها: تقسيمه إلى الوجوب النفسي والوجوب الغيرى. فالنفسي: هو الوجوب المتعلق بفعل بداع من الدواعي غير داعى ايصال المكلف إلى واجب آخر ، كوجوب الصلاة والصوم ونحوهما. والغيري : هو الوجوب بداعي ايصاله المكلف إلى واجب آخر ، كوجوب غسل الثوب والوضوء ونحوهما ، وإن شئت فعبر عن النفسي بأنه الإرادة المستقلة وعن الغيرى بأنه الإرادة المترشحة والطلب المتولد عن الطلب الاستقلالي لمقدمية متعلقه لمتعلق الاستقلالي . (اصطلاحات الأصول - الشيخ علي المشكيني - ص 281).
    ومنها: الوجوب الشرطي : ويمثلون له بهذا المثال: الاستبراء شرط لصحة الغسل.
    ومنها: تقسيمه إلى الوجوب التعييني والتخييري . فالتعييني : هو وجوب فعل بخصوصه . والتخييري : هو وجوب فعلين أو الأفعال على البدل، كما لو ورد ان أفطرت فأعتق رقبة أو أطعم ستين مسكينا أو صام شهرين متتابعين.(اصطلاحات الأصول - الشيخ علي المشكيني - ص 282).
    (3) يوجد في بحوث علم الكلام دليلان على وجوب النظر والمعرفة في العقائد:
    الأول: بملاك دفع الضرر المحتمل.
    الثاني : بملاك شكر المنعم.
    تقريب الدليل الأول: خلاصة هذا التقريب يقول: أن الكثير نقلوا لنا أمورا خارجة عن اطار الماديات بل متعلقة بالله سبحانه والعقائد والفقه، وهؤلاء الذين نقلوا قد نقل عنهم بأنهم من أهل الصلاح والاخلاق الحسنة والصدق بادي على اخباراتهم وافعالهم ، بل ضحوا من أجل تلك المبادئ التي نقلوها لنا، وهم الانبياء والحجج، وهؤلاء ادعوا ان هناك جملة من التكاليف على الناس وان الحياة لا تنتهي بالموت بل يعد الموت جسر يُعبر من خلاله للآخرة، فمن أدى تلك التكاليف التي بعهدته فاز ونجى من العذاب، ومن لم يؤدها خسر الآخرة نتيجة استكباره عن تكاليف الله سبحانه.
    فعند ذاك يدفع العقل الإنسان إلى البحث عن صحة مقالتهم دفعا للضرر المحتمل أو المظنون الذي يورثه مقالة هؤلاء الصالحين؛ إذ ليس إخبار هؤلاء بأقل من إخبار إنسان عادي عن الضرر العاجل الواقع في الدنيا، فنحن نجد العقلاء لو اخبرهم انسان عادي بوجود ضرر عاجل لبحثوا وتحققوا عنه، فكيف بالضرر الأبدي المحتمل الذي اخبر به هؤلاء الصالحين.
    فهذا ما اعتمده علماء الكلام في إثبات لزوم البحث عن معرفة الله سبحانه، دفعا لذاك الضرر المحتمل أو المظنون.
    وأمّا تقريب الدليل الثاني: وهو وجوب شكر المنعم المتوقف على المعرفة فتجب المعرفة.
    وبيان ذلك: إنّ الإنسان في حياته غارق في النعم، فهي تحيط به منذ نعومة أظفاره إلى أخريات حياته، وهذا الشيء مما لا يمكن لأحد إنكاره.
    ومن جانب آخر: إن العقل يدرك لزوم شكر المنعم، ولا يتحقق الشكر إلاّ بمعرفته. فيجب البحث عن المنعم الذي غمر الإنسان بالنعم والتعرف عليه لكي يشكره شكراً لائقاً به.
    (4) جاء في منهى الدراية في شرح الكفاية: منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج 8 - شرح ص 488 - 500
    أما المقام الأول فقد أفاد المصنف فيه : إن جواز رجوع الجاهل إلى العالم أمر بديهي جبلي فطري ، ومن المعلوم أن حكم الفطرة كاف لحمل العامي على العمل بفتوى المجتهد ومتابعته له . بل سيأتي تصريحه ( قده ) بأن هذا الوجه هو العمدة من الوجوه التي استدل بها الأصحاب ( قدس سرهم ) على جواز عمل العامي بفتوى المجتهد ، في قبال من قال ببطلان التقليد ، وعدم جواز الاقتصار عليه في مقام الامتثال كما سيأتي نقل بعض كلماتهم وتوضيح ما أفاده من أن العامي يقطع بجواز رجوعه إلى الفقيه هو : أن فطرة العامي تدرك جواز متابعة المجتهد في الأحكام الشرعية ، إذ لو لم يستقل عقل كل عاقل به فإما أن يعتمد العامي في مسألة جواز التقليد على الأدلة الآتية التي يستدل بها المجتهد على جوازه ، وإما أن يعتمد على فتوى الفقيه : ( بأن العامي يجوز له التقليد في عباداته ومعاملاته ) . وكلاهما باطل . أما الأول فلمحذور الخلف ، وأما الثاني فللدور أو التسلسل . أما محذور الخلف ، فلان مفروض الكلام في هذه المسألة هو مطلق الجاهل حتى الأمي الذي لاحظ له من العلم ، ومثله عاجز عن الاستدلال والنظر ، وعليه ففرض اقتدار العامي على إقامة الدليل الشرعي على جواز التقليد يكون خلاف الفرض . نعم لا بأس به في بعض المقلدين القادر على إحراز حكم المسألة بالدليل الشرعي .
    وأما محذور الدور أو التسلسل فلانحصار طريق العمل بجواز التقليد - للعامي العاجز عن الاستدلال عليه - في الرجوع إلى المجتهد ، و هو ممنوع أيضا ، لان فتاوى المجتهد ما لم يحرز حجيتها - تكون مشكوكة الاعتبار ، ومن هذه الفتاوى المشكوكة فتواه ( بجواز تقليد العامي من المجتهد ) وحينئذ فإن ثبت جواز الرجوع إلى الفقيه في جميع الأحكام بنفس فتواه ( بجواز رجوع الجاهل إلى الفقيه ) لزم تقدم الشئ على نفسه ، فإن على ‹ شرح ص 498 › العامي إحراز جواز التقليد أولا ، ثم الرجوع إلى فتاوى المجتهد من أول الفقه إلى آخره ، فلو توقف علم العامي بجواز تقليد الفقيه على تقليده له في مسألة جواز التقليد كان دورا باطلا . وإن ثبت جواز الرجوع إلى مجتهد معين بفتوى فقيه آخر بجواز رجوع العامي إلى المجتهد ، فتقليد المجتهد الأول وإن لم يكن دوريا ، إلا أن فيه محذور التسلسل ، لأن جواز الرجوع إلى المجتهد الثاني لا بد أن يكون بحجة معتبرة ، فإن كانت هي فتوى نفسه بجواز التقليد عاد محذور الدور ، وإن كانت فتوى مجتهد ثالث بجواز التقليد لزم التسلسل ، لأن جواز الرجوع إلى المجتهد الثالث يتوقف على تقليد مجتهد رابع في مسألة جواز التقليد ، وهكذا . وحيث تعذر استدلال العامي على جواز الرجوع إلى الفقيه - لمحذور الخلف على تقدير ، والدور على تقدير آخر ، والتسلسل على تقدير ثالث - فلا مناص من الالتزام بأحد أمرين ، إما إنكار علم العامي بجواز رجوعه إلى المجتهد ، وهو مساوق لانكار البديهي ، وإما تسليم أن جواز التقليد في الجملة يكون من المستقلات العقلية والضرورات الفطرية ، وهو المطلوب.
    (5) {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }التوبة122
    (6) {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }النحل43
Working...