رد على المقال السابع
يناقش صاحب هذا المقال في رواية الوصية من حيث السند والدلالة فيقول عنها إنها عامية المذهب ، وهذا القول في الحقيقة أقرب الى النكتة السمجة ، فالرواية تنص على الأئمة الإثني عشر (ع) ، أي إنها تثبت مذهب أهل البيت (ع) وتنسف مذهب أبناء العامة من حيث الأساس ، فكيف تكون إذن عامية المذهب يا أولي الألباب ؟ فالشيخ الطوسي أولا نقل روايات العامة ( أي غير الشيعة ) التي تصرح بالائمة الاثني عشر ، حيث قال: ( ومما يدل على إمامة صاحب الزمان ابن الحسن بن علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام وصحة غيبته ما رواه الطائفتان المختلفتان ، والفرقتان المتباينتان العامة والامامية أن الائمة عليهم السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إثنا عشر لا يزيدون ولا ينقصون ، وإذا ثبت ذلك فكل من قال بذلك قطع على الائمة الاثني عشر الذين نذهب إلى إمامتهم ، وعلى وجود ابن الحسن عليه السلام وصحة غيبته ، ....... الى ان يقول: فمما روي في ذلك من جهة مخالفي الشيعة ... ) الغيبة- الشيخ الطوسي ص 126.
ثم شرع بذكر الروايات التي عن طرق الخاصة ( أي الشيعة ) وذكر من ضمنها رواية الوصية التي هي محل النقاش الان، واليكم نص كلامه: ( فاما ما روي من جهة الخاصة فأكثر من أن يحصى، غير أنا نذكر طرفا منها .... ) غيبة الشيخ الطوسي ص137.
وشرع في سرد الروايات الى ان ذكر الوصية من ضمنها، وهذا دليل على أن كل رواة الوصية هم من الشيعة الامامية، وبهذا يتبين وهم كاتب السطور كعادته !!!
فلو اتعبتم انفسكم قليلا لكان احفظ لماء وجوهم الذي اريق بسبب جهلكم المخزي.
بل من الممكن ان ينقل الراوي ما يخالف عقيدته، فمن الممكن ان ينقل ابناء العامة رواية تنص على امامة الائمة (ع) بل هذا كثير جدا، وهو قرينة على صحة الرواية .
بل إن وصفه لها بأنها عامية المذهب ليس دقيقا، فالمفروض ان يقول عامية السند – حسب زعمه –
أما قولكم بان رواية الوصية مرسلة لان الشيخ الطوسي قال حدثنا جماعة . وان هذه الجماعة غير معروفة ، فهو دليل عدم المعرفة بطريقة الشيخ الطوسي ، فالشيخ الطوسي ينقل عن اصحاب الكتب والأصول بواسطة جماعة معروفة عنده ويبدأ السند بعد الجماعة بصاحب الكتاب أو الأصل المنقول عنه الحديث، وقد بين الشيخ الطوسي في مقام آخر أسماء رجاله الى أصحاب تلك الكتب أو الأصول،
ومن المعلوم ان بداية سند الوصية بعد الجماعة هو البزوفري وقد ذكر الشيخ الطوسي طريقه الى البزوفري كما سيأتي، وهذا يدل على قطعية صدور الوصية لأن البزوفري من اصحاب الكتب أو الأصول وهو من أوثق الأصحاب وجلالته معروفة بل هو وكيل عن الامام المهدي كما هو واضح من الخبر الذي ذكره صاحب البحار، وبذلك يثبت ان الوصية منقولة عن كتب أوثق الثقاة المعتبرة فلا حاجة الى إثبات وثاقة الرجال الذين بعد البزوفري، إضافة الى أنهم شيعة ونقلهم لرواية الوصية يدل على حسنهم وكمالهم كما نص عليه الشيخ علي النمازي أكثر من مرة في كتابه ( مستدركات علم رجال الحديث ).
وحول طريق الشيخ الطوسي الى البزوفري الثقة الجليل انقل لك ما ذكره صاحب كتاب
( دفاعاً عن الوصية ):
(( فبربكم هل يتوقع من هكذا رجل غاية في الوثاقة والعدالة ان ينقل رواية ضعيفة أو موضوعة أضف الى ذلك انه من أصحاب الكتب المعتمدة وقد نقل الشيخ الطوسي رواية الوصية من أحد كتبه وطريقه إليه هو : أحمد بن عبدون والحسين بن عبيد الله الغضائري . وهما من الثقات لأنهما من مشايخ النجاشي . ومن كتب البزوفري :كتاب الحج ،وكتاب ثواب الاعمال ،وكتاب أحكام العبيد ،وكتاب الرد على الواقفة ، وكتاب سيرة النبي والأيمة ...كما ذكرها النجاشي في رجاله ص34 وقال: اخبرنا بجميع كتبه احمد بن عبد الواحد ابو عبد الله البزاز عنه .
وبهذا تكون رواية الوصية منقولة من كتب الحديث المعتبرة التي ألفها ثقات الأئمة (ع) وبذلك تكون قطعية الصدور بغض النظر عن وثاقة رجال سندها .كما صرح بذلك كبار العلماء ...... الى ان قال: والدليل على أن الشيخ الطوسي ينقل عن كتاب الحسين بن علي بن سفيان البزوفري هو ما نقله عنه الحر العاملي من أنه يبتدأ في سند الروايات بذكر المصنف الذي أخذ الخبر من كتابه ،ومن المعلوم أنه ابتدأ في رواية الوصية بالحسين البزوفري فيدل على أنه أخذه من كتابه ، ثم ذكر طريقه إلى ذلك الكتاب حيث قال : (وما ذكرته عن أبي عبد الله الحسين بن سفيان البزوفري فقد أخبرني به أحمد أبن عبدون والحسين بن عبيد الله (الفضائري) عنه) خاتمة الوسائل ص30 .
واليك نص كلام الحر العاملي عن الشيخ الطوسي : (قال الشيخ الطوسي قدس سره في آخر (التهذيب) بعد ما ذكر أنه أقتصر من إيراد الأخبار على الابتداء بذكر المصنف الذي أخذ الخبر من كتابه ،أو صاحب الأصل الذي أخذ الحديث من أصله : ونحن نذكر الطرق التي يتوصل بها إلى رواية هذه الأصول والمصنفات ونذكرها على غاية ما يمكن من الاختصار ،لتخرج الأخبار بذلك عن حد المراسيل وتلحق بباب المسندات ...) خاتمة الوسائل ص2 (.
وأما عن سند الرواية فإليكم هذا البحث الذي كتبه أحد الأنصار :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين .
لا يختلف اثنان مستقيما الفكر على أن اختيار الخليفة في الأرض بيد الله تعالى ، وأنه أعلم حيث يجعل رسالته ولا يمكن أن يكل هذا الأمر إلى الناس لقصورهم عن الاختيار والإطلاع على بواطن البشر وحقائقهم ، فأول ما خلق الله تعالى آدم(ع) قال :- ((أني جاعل في الأرض خليفة )) ثم بعد آدم أصبحت الخلافة تنتقل عن طريق الوصية ،بتعيين من الله تعالى، فأوصى آدم(ع) الى ابنه هبة الله وهكذا حتى وصلت الوصية الى نبي الله نوح (ع) ثم من بعده ألى أبنه سام(ع) وهكذا هلم جراً الى نبي الله هود (ع) وإبراهيم(ع) والى موسى(ع) وعيسى(ع) حتى وصلت الوصية الى نبينا محمد (ص) .
ففي خبر عن أبي عبد الله(ع)قال: ((....إلى أن قال :- فلم تزل الوصية في عالم بعد عالم حتى دفعوها الى محمد ،فلما بعث الله محمد (ص) أسلم له العقب من المستحفظين وكذبه بنو أسرائيل ...))أثبات الهداة ج1 ص151.
وحين حضرت الوفاة الرسول محمد(ص) أوصى وصيته لعلي ابن أبي طالب وبين فيها خلفائه الى يوم القيامة و أصبحت هذه الوصية تنتقل من إمام إلى إمام حتى انتهت الى الإمام المهدي(ع) .
فعن أبي عبد الله في الحديث : أن رسول الله (ص) قال لعلي عليه السلام: وأنت تدفعها- يعني الوصية – إلى وصيك ويدفعها وصيك إلى أوصيائك من ولدك واحداً بعد واحد حتى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدك...)) أثبات الهداةج1 ص259 .
فأصبحت الوصية التي أملاها الرسول (ص) وكتبها أمير المؤمنين (ع) تنتقل من أمام إلى أمام حتى سلمت للإمام المهدي(ع) ومن بعده إلى ذريته المهديين ،وأمست هي أوضح دليل لمعرفة الأوصياء (ع) فمن لا توجد عنده الوصية ولم تنص عليه فليس بوصي .
عن أبي عبد الله (ع) في خبر طويل قال : ((...يعرف صاحب هذا الأمر بثلاث لا تكون في غيره : هو أولى الناس بالذي هو قبله ، وهو وصية وعنده سلاح رسول الله و وصيته...))الكافي ج1 ص428 .
وأيضا عن أبي عبد الله(ع)في خبر طويل قال ((...وقال عز ذكره (وأعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) ثم قال وآت ذي القربى حقه) وكان علي عليه السلام وكان حقه الوصية...)) إثبات الهداة ج1ص444.
وفي احد مناجات الإمام الصادق (ع) قال : ((يا من خصنا بالكرامة ووعدنا الشفاعة وحملنا الرسالة وجعلنا ورثة الأنبياء وختم بنا الأمم السالفة وخصنا بالوصية ...))مستدرك الوسائل ج1ص231//ثواب الأعمال ص95.
ورغم كل هذا التأكيد والأهمية لوصية الرسول (ص) ،جاء اليوم بعض من الذين لا يتورعون عن رد كلام الرسول(ص) وأهل بيته ، ليشككوا بتلك الوصية وأنها غير صحيحة وسندها غير معتمد ، و غيرها من الأباطيل التي ما أنزل الله بها من سلطان ،والتي لا دافع لها سوى الهوى والتعصب والعناد ضد الحق لا غير.
وهؤلاء بكلامهم هذا قد أعادوا سنة عمر بن الخطاب في التشكيك في نفس تلك الوصية عندما أراد الرسول (ص) كتابتها ،فقال عمر حسبنا كتاب الله أن محمداً يهجر) وحاشاه فهو الذي لا ينطق عن الهوى ،وكذلك يعتبرون من أصحاب سقيفة آخر الزمان الذين يرومون الى غصب الخلافة عن أهلها وجعلها شورى لمن غلب. فان عمر بن الخطاب عندما أدرك ان هذه الوصية ستنسف آماله في الخلافة حاول التشكيك في سندها الى الله تعالى ، فاتهم الرسول (ص) بالهذيان ليقطع اتصال الوصية بالله تعالى وان محمداً يتكلم بلا وعي ليرفع الحجية من كلام الرسول (ص) .
والتجأ عمر الى التشكيك بالسند لأنه الطريق الوحيد لسلب حجية وصية الرسول (ص) لأن الناس تعلم ان الرسول (ص) لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى من الله تعالى وعلى هذا فكلام الرسول (ص) نافذ وحجة لأنه صادر من الله تعالى وليس من رأي الرسول (ص) نفسه فطعن عمر في صحة اتصال هذه الوصية بالله تعالى ، وكما هو واضح إن عمر شكك في صحة سند الوصية الى الله تعالى ، وأتباعه اليوم يشككون في صحة سند الوصية الى رسول الله (ص) ليسلبوها الحجية لأنها خالفت أهوائهم ودنياهم ، سنة الله ولن تجد لسنته تبديلاً .
ومن أجل سد أفواه هؤلاء كتبت هذه الأسطر ،لأثبات صحة الوصية ،ولإثبات أن هؤلاء جهلاء حتى في قواعد الحديث التي يعتمدونها ،وتعمدت ذكر و تفاصيل بعض قواعد الدراية لإلزامهم بما ألزموا به أنفسهم ،و ليفتضحوا بجهلهم المخزي.
ومن الله أستمد العون والتوفيق وله الحمد في الأولى والآخرة ،والصلاة والسلام على محمد وأله الأئمة والمهديين .
الحديث الصحيح
أعترض البعض على رواية الرسول محمد(ص) في ليلة وفاته ،وحاولوا الطعن بصحتها من ناحية السند وزعموا أنها لا يجوز الأعتماد عليها لضعف سندها .
ولعمري أن هؤلاء لا يفقهون من قواعد الحديث شيئاً ،وأنهم يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ،فهيهات هيهات لما يهدفون.
وتوهموا أن صحة الحديث معتمدة على رجال السند فقط ،وهذه طامة كبرى وداهية عظمى ،أن يصدر هذا الجهل الفضيع من أناس يدعون العلم والدين ،ولو أنهم أتعبوا أنفسهم قليلاً في مراجعة قواعد الحديث أو الرجال لتداركوا فضيحتهم هذه، ولأغنونا عن الانشغال بردهم .
و قبل الاستدلال على صحة رواية الوصية وأعتبارها .يجب معرفة ما المقصود من ((صحة الحديث)) وبأي طريقة تثبت ،وسأتطرق الى بعض قواعد الدراية لألزامهم بما ألزموا به أنفسهم لا لأني أتبنى كل ما أستدل بهِ. فقد اختلف علماء الدراية أشد الاختلاف في قواعد ذلك العلم فمنهم من ينفي ومنهم من يثبت.
فأقول:-
تطلق صحة الحديث تارة ويراد منها أن الحديث معتبر ومعتمد عليه لتواتره أو لأقترانه بأحد القرائن الموجبة للعلم بصحته كوجوده في أحد الكتب المعتبرة التي شهد مؤلفوها بصحة ما فيها من أحاديث أو لموافقتة للقرآن و السنة الثابتة أو روايته من قبل الرواة الذين أجمع على أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ،الى غيرها من القرائن التي أوصلها الحر العاملي في خاتمة الوسائل الى (21)قرينة .
وعلى ذلك لا تنحصر صحة الخبر بوثاقة رجال السند فقط ،وهذا هو مبنى المتقدمين ومن تبعهم من المتأخرين ،كالشيخ الكليني صاحب كتاب الكافي والشيخ الصدوق صاحب كتاب من لا يحضره الفقيه و الشيخ الطوسي صاحب كتابي التهذيب والأستبصار و الشيخ المفيد و السيد مرتضى وغيرهم(رحمهم الله جميعاً) أضافة الى كثير من المتأخرين كالحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة والفيض الكاشاني والأمين الأسترآبادي و المحقق الكركي وغيرهم (رحمهم الله تعالى) .
وتارة تطلق صحة الحديث ويراد منها ما كان رواته كلهم شيعة امامية عدول، الذي هو أحد الأقسام الأربعة (الصحيح،الموثق الحسن،الضعيف) التي كانت من مباني ابناء العامة وتبناها بعض علماء الشيعة في القرن السابع للهجرة تقريباً أي بعد الغيبة الكبرى بخمسمائة سنة تقريباً. وهذا هو مبنى أكثر المتأخرين، وقد وقع اختلاف شديد بين العلماء حول هذا التقسيم للخبر لأنه يستلزم رد الحديث وان كان ثابتاً في الكتب المعتمدة بحجة ان أحد رواته ضعيف او مجهول،وقد صرح الكثير من العلماء ان كثيراً من الكتب التي عرضت على الائمة (ع) وجوزوا العمل بها، تحتوي على رواة ضعاف ومجاهيل، فهل يستلزم ذلك ردها وقد شهد الأئمة (ع) بصحتها؟، ولم يتحرر النزاع في هذا الموضوع الى يومنا هذا، ويعد هذا المبنى المتأخر (التقسيم الرباعي للخبر) من المستحدثات التي لم يتفق عليها.
قال الشيخ بهاء الدين في مشرق الشمسين بعد ذكر تقسيم الحديث الى الأقسام الأربعة المشهورة وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم بل المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على ما أعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه او اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه...) خاتمة الوسائل ص65.
ونقل الحر العاملي كلام الشيخ الطوسي في هذا الموضوع ملخصاً: (أن أحاديث كتب أصحابنا االمشهورة بينهم ثلاثة أقسام: منها ما يكون متواتراً و منها ما يكون مقترناً بقرينة موجبة للقطع بمضمون الخبر،ومنه ما لا يوجد فيه هذا ولا ذاك ولكن ودلت القرائن على وجوب العمل به،وأن القسم الثالث ينقسم الى أقسام: منها خبر أجمعوا على نقله ولم ينقلوا له معارضاً، ومنها ما انعقد إجماعهم على صحته وأن كل خبر عمل به في كتابي الأخبار وغيرها لا يخلو من الأقسام الأربعة) خاتمة وسائل الشيعة ص64-65.
ثم عقب الحر العاملي قائلاً: (وذكر-الشيخ الطوسي- في مواضع من كلامه أيضاً أن كل حديث عمل به فهو مأخوذ من الأصول والكتب المعتمدة). نفس المصدر السابق .
وهذا الكلام يدل على أن الشيخ الطوسي(رحمه الله) لا يستدل بخبر ضعيف غير معتمد في كتبه الاستدلالية في الفقه والعقائد، ولايخفى أن كتابه (الغيبة) هو من أوثق كتبه الاستدلالية في العقائد، وقد استدل فيه برواية الوصية فيدل ذلك على انه قد أخذها من الكتب المعتمدة و المعول عليه وهذا وحده كافٍ في صحة الاعتماد وعلى (الوصية) بغض النظر عن سندها،مع العلم ان سندها لا يحتوي على راوٍ مجروح كما سيأتي بيانه انشاء الله تعالى.
وقد نقل هذ الكلام وارتضاه الشيخ جعفر السبحاني إذ قال هناك وجه ثالث في توثيقات المتأخرين، وهو أن الحجة هو الخبر الموثوق بصدوره عن المعصوم –عليه السلام- لا خصوص خبر الثقة،وبينهما فرق واضح، إذ لو قلنا بأن الحجة قول الثقة يكون المناط وثاقة الرجل وإن لم يكن نفس الخبر موثوقاً بالصدور.
ولا ملازمة بين وثاقة الراوي وكون الخبر موثوقاً بالصدور، بل ربما يكون الراوي ثقة، ولكن القرائن والأمارات تشهد على عدم صدور الخبر من الامام-عليه السلام- وأن الثقة قد التبس عليه الأمر، وهذا بخلاف مالو قلنا بأن المناط هو كون الخبر موثوق الصدور،اذ عندئذ تكون وثاقة الراوي من احدى الأمارات على كون الخبر موثوق الصدور، ولاتنحصر الحجية بخبر الثقة، بل لو لم يحرز وثاقه الراوي ودلت القرائن على صدق الخبر وصحتة يجوز الأخذ به.وهذا القول غير بعيد بالنظر الى سيرة العقلاء، فقد جرت سيرتهم على الأخذ بالخبر الموثوق الصدور، إن لم تحرز وثاقة المخبر، لأن وثاقة المخبر طريق الى إحراز صدق الخبر، وعلى ذلك فيجوز الأخذ بمطلق الموثوق بصدوره إذا شهدت القرائن عليه...) كليات في عالم الرجال ص155-156 للشيخ جعفر السبحاني.
والحق ان ما أفاده الشيخ جعفر السبحاني هنا رصين جداً ويدل على أن كثيراً من المتأخرين قد تبعوا المتقدمين في طريقة الأخذ بالأخبار ،وعلى هذا لا يبقى موضوع للتقسيم الرباعي المستحدث .
وفي الحقيقة أن الاعتماد في صحة الخبر على رجال السند فقط خطأ واضح ،إذ ربما يكون رجال السند كلهم ثقات ولا يمكن العمل بالخبر لكونه شاذاً أو معتلاً معارض بمتواتر أو مضطرب متناً أو مخالفاً للقرآن الى غيرها من الأمور التي توجب التوقف عن العمل بالخبر الصحيح السند ،حسب قواعد الدراية .
وربما يكون رجال السند فيهم المجروح أو المجهول ولكن يجب العمل بالخبر لكونه محفوفاً بقرينة موجبة للعلم بصدوره عن المعصوم (ع)ولا يلتفت حينئذ الى ضعف السند لعدم اعتباره في مثل تلك الموراد ،وقد أحتوت الكتب الاربعة في أسناد رواياتها على كثير من الرجال المجروحين والمجاهيل رغم ذلك أوجب مؤلفوها العمل بها وأنها حجة فيما بينهم وبين الله وأعتمد عليها كل من تأخر عنهم إلا من شذ بلا دليل ،حتى أن النائيني من أبرز علماء الاصوليين ورغم ذلك صرح بصحة كل روايات الكافي بقوله أن المناقشة في سند روايات الكافي حرفة العاجز وعكازة الاعرج ) معجم رجال الحديث ج1.
فلو كان أعتماد المحقق النائيني على وثاقة رجال السند فقط لما حكم بصحة كل روايات الكافي وفيها(9485) حديثاً ضعيفاً والصحيح منه على قاعدة المتأخرين(5072) حديثاً من مجموع (16199) حديثاً ، كما نقله الشيخ جعفر السبحاني ،وعلى هذا لا يبقى من الدين والشريعة أسم ولا رسم إلا شتات .!!! وهذا ما لا يقول به عاقل .
وهاك قول العلامة المجلسي في الاعتماد على الكتب المعتبرة بغض النظر عن السند إلا عند تعارض الأخبار وهو نادر إذ قال : ( أن الحق عندي ان وجد الخبر في أمثال تلك الاصول المعتبرة مما يورث جواز العمل به ولكن لا بد من الرجوع الى الأسانيد لترجيح بعضها على بعض عند التعارض) كليات في علم الرجال ص 372 .
وبهذا اتضح ان صحة الحديث لا تنحصر بصحة رجال سنده فقط ، بل ان صحة السند هي احد القرائن الكاشفة عن صحة الحديث والتي هي اكثر من عشرين قرينة.
وعلى هذا يكون الخبر المعتبر من خلال القرائن أقوى من الخبر المعتمد من خلال السند فقط ويصح القول إن:
كل خبر معتبر يجوز العمل به ،وليس كل خبر صحيح السند يجوز العمل به ،لجواز أبتلاءه بمعارض أقوى منه كالمتواتر أو لاضطراب متنه وغيرها من العوارض التي تستدعي التوقف في الخبر الصحيح الأسناد ، كما هو مقرر في علم الدراية .
وأما الخبر المعتبر فيجوز العمل به مطلقاً لأنه أذا كان له معارض أو مشوش متناً لما وصف بالاعتبار .
وسيأتي أن رواية الوصية معتبرة لأنها محفوفة بعدة قرائن توجب القطع بصدورها عن المعصوم ،ومعه فلا داع الى التنزل والمناقشة في سندها ،فسواء صح سندها أم لم يصح ،فهي من الاخبار الصحيحة ،المعتمد عليها في الاستدلال من قبل العلماء ومنهم رئيس الطائفة الشيخ الطوسي (رحمه الله) كما سيأتي بيانه أنشاء الله تعالى .
والأكثر من هذا أن الشيخ الطوسي قال بوجوب العمل بالخبر المنقول عن طرق أبناء العامة اذا لم يكن له معارض من طرق ثقات الشيعة ،حيث قال أما اذا كان مخالفاً في الاعتقاد لاصل المذهب ،و روى مع ذلك عن الأئمة -عليهم السلام – نظر فيما يرويه ،فإن كان هناك من طرق الموثوق بهم ما يخالفه ،وجب إطراح خبره .وأن لم يكن هناك ما يوجب إطراح خبره ويكون هناك ما يوافقه وجب العمل به ،وأن لم يكن هناك من الفرقة المحقة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه ،ولا يعرف لهم قول فيه ،وجب أيضاً العمل به ) ص(223-224) الشيخ جعفر سبحاني .
أي أن الخبر حتى لو كان ضعيف السند ووجد ما يوافقه من أخبار الأئمة الصحيحة سنداً أو لم يوجد له معارض أو موافق وجب العمل به ،ورواية الوصية رغم أنها لاتتصف بضعف السند فهي موافقة لعدة روايات صحيحة السند ولا يوجد لها مخالف أصلاً ،فتكون بذلك ممن يجب العمل به حسب كلام الشيخ الطوسي ،ولا يجب تجشب العناء للفحص عن صحة سندها ،لعدم وجود معارض لها ،كما سيأتي بيانه أنشاء الله تعالى .
وأكثر من ذلك فقد ( أدعى الشيخ الطوسي عمل الطائفة بالمراسيل إذا لم يعارضها من المسانيد الصحيحة ،كعملها بالمسانيد . ومقتضاها حجية المرسل مطلقاً بشرط عدم معارضة المسند الصحيح ) قواعد الحديث ص73 لمحي الدين الموسوي الغريفي .
وقد قيل في حق الشيخ الطوسي (رحمه الله) ومثله لا يرسل إلا عن ثقة) قواعد الحديث ص71 . فكيف بما أسنده وأستدل به في أوثق كتبه كرواية الوصية ؟!!
ونقل لنا الشهيد الثاني في درايته جواز العمل حتى بالخبر الضعيف أذا أشتهر مضمونه ،إذ قال : ( أن جماعة كثير أجازوا العمل بالخبر الضعيف اذا أعتضد بشهرة الفتوى بمضمونه في كتب الفقه .بتعليل أن ذلك يوجب قوة الظن بصدق الرواية وان ضعف الطريق ،فإن الطريق الضعيف قد يثبت به الخبر مع أشتهار مضمونه ) الدراية ص 27.
وأختار ذلك المحقق الحلي أيضاً قائلاً : ( والتوسط أصوب .فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به .وما أعرض الأصحاب عنه أو شذ يجب اطراحه الخ) وقال عند ذكر خبر رفعه محمد ابن أحمد ابن يحيى : (وهذا وان كان مرسلاً إلا ان فضلاء الأصحاب أفتوا بمضمونه). قواعد الدراية ص110.
ورواية الوصية حتى لو تنـزلنا وقلنا بضعف سندها إلا ان مضمونها مشتهر ،بل متواتر في روايات الرسول (ص) وأهل بيته ، وبذلك تكون متواترة معنىً ، ويجب قبولها بغض النظر عن سندها .
والمتتبع لأقوال العلماء في علم الدراية والرجال يجدها متضاربة ومختلفة لاتكاد تتفق على قاعدة واحدة إلا نادراً،ولكل منهم أدلة وعلى أدلته نقوض وهكذا هلم جراً الى يومنا هذا ،فكيف يمكن لأحد أن يجزم بصحة مبنى فلان دون فلان ،ولاسيما اذا لاحظنا أن أغلب آرائهم غير معتمدة على نص من معصوم ،فقد يكون مبنى واحد منها صحيح وقد تكون كلها خاطئة ولايمكن أن تكون كلها صحيحة لأنها متضادة .
وفي الحقيقة أن الاعتماد على كتب الرجال في الأخذ في الأخبار لايجدي نفعاً لوجود أشكالات محكمة عليها لايسعني الآن ذكرها ولتضاربها في الكثير من الرواة ،وأنجح سبيل للعمل بالروايات هو الاعتماد على ما ضبطه أوثق العلماء المتقدمين القريبين من عصر التشريع والذين نقلوا الأخبار من الاصول المعتبرة لتوفرها لديهم آنذاك كأصحاب الكتب الأربعة (الشيخ الكليني والشيخ الصدوق والشيخ الطوسي ) وغيرهم .
وقد توصل الى هذه النتيجة المحقق الهمداني بقوله ...فلا يكاد يوجد رواية يمكننا أثبات عدالة رواتها على سبيل التحقيق ،لولا البناء على المسامحة في طريقها ،والعمل بظنون غير ثابتة الحجية ،بل المدار على وثاقة الراوي أو الوثوق بصدور الرواية وإن كان بواسطة القرائن الخارجية التي عمدتها كونها مدونة في الكتب الاربعة ،أو مأخوذة من الاصول المعتبرة ،مع أعتناء الاصحاب بها ،وعدم أعراضهم عنها ...ولأجل ما تقدمت الإشارة اليه جرت سيرتي على ترك الفحص عن حال الرجال ،والاكتفاء في توصيف الرواية بالصحة كونها موصوفة بها في ألسنة مشايخنا المتقدمين الذين تفحصوا عن حالهم ) قواعد الحديث ص110.
وكلام المحقق الهمداني صريح في أنه لايمكن أثبات صحة رواية واحدة عن طريق كتب الرجال والفحص عن رجال السند ،وأنه ترك تتبع أحوال الرجال لعدم فائدته .
وبهذا يتضح مدى ضعف حجة هؤلاء الذين زعموا ضعف رواية الوصية ، وسأذكر بعض القرائن الدالة صحة رواية الوصية وأردفها بذكر رجال السند للاعلام فقط لا للاستدلال ،لأن القرائن التي سأذكرها كافية ووافية في أثبات صحتها .
يناقش صاحب هذا المقال في رواية الوصية من حيث السند والدلالة فيقول عنها إنها عامية المذهب ، وهذا القول في الحقيقة أقرب الى النكتة السمجة ، فالرواية تنص على الأئمة الإثني عشر (ع) ، أي إنها تثبت مذهب أهل البيت (ع) وتنسف مذهب أبناء العامة من حيث الأساس ، فكيف تكون إذن عامية المذهب يا أولي الألباب ؟ فالشيخ الطوسي أولا نقل روايات العامة ( أي غير الشيعة ) التي تصرح بالائمة الاثني عشر ، حيث قال: ( ومما يدل على إمامة صاحب الزمان ابن الحسن بن علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام وصحة غيبته ما رواه الطائفتان المختلفتان ، والفرقتان المتباينتان العامة والامامية أن الائمة عليهم السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إثنا عشر لا يزيدون ولا ينقصون ، وإذا ثبت ذلك فكل من قال بذلك قطع على الائمة الاثني عشر الذين نذهب إلى إمامتهم ، وعلى وجود ابن الحسن عليه السلام وصحة غيبته ، ....... الى ان يقول: فمما روي في ذلك من جهة مخالفي الشيعة ... ) الغيبة- الشيخ الطوسي ص 126.
ثم شرع بذكر الروايات التي عن طرق الخاصة ( أي الشيعة ) وذكر من ضمنها رواية الوصية التي هي محل النقاش الان، واليكم نص كلامه: ( فاما ما روي من جهة الخاصة فأكثر من أن يحصى، غير أنا نذكر طرفا منها .... ) غيبة الشيخ الطوسي ص137.
وشرع في سرد الروايات الى ان ذكر الوصية من ضمنها، وهذا دليل على أن كل رواة الوصية هم من الشيعة الامامية، وبهذا يتبين وهم كاتب السطور كعادته !!!
فلو اتعبتم انفسكم قليلا لكان احفظ لماء وجوهم الذي اريق بسبب جهلكم المخزي.
بل من الممكن ان ينقل الراوي ما يخالف عقيدته، فمن الممكن ان ينقل ابناء العامة رواية تنص على امامة الائمة (ع) بل هذا كثير جدا، وهو قرينة على صحة الرواية .
بل إن وصفه لها بأنها عامية المذهب ليس دقيقا، فالمفروض ان يقول عامية السند – حسب زعمه –
أما قولكم بان رواية الوصية مرسلة لان الشيخ الطوسي قال حدثنا جماعة . وان هذه الجماعة غير معروفة ، فهو دليل عدم المعرفة بطريقة الشيخ الطوسي ، فالشيخ الطوسي ينقل عن اصحاب الكتب والأصول بواسطة جماعة معروفة عنده ويبدأ السند بعد الجماعة بصاحب الكتاب أو الأصل المنقول عنه الحديث، وقد بين الشيخ الطوسي في مقام آخر أسماء رجاله الى أصحاب تلك الكتب أو الأصول،
ومن المعلوم ان بداية سند الوصية بعد الجماعة هو البزوفري وقد ذكر الشيخ الطوسي طريقه الى البزوفري كما سيأتي، وهذا يدل على قطعية صدور الوصية لأن البزوفري من اصحاب الكتب أو الأصول وهو من أوثق الأصحاب وجلالته معروفة بل هو وكيل عن الامام المهدي كما هو واضح من الخبر الذي ذكره صاحب البحار، وبذلك يثبت ان الوصية منقولة عن كتب أوثق الثقاة المعتبرة فلا حاجة الى إثبات وثاقة الرجال الذين بعد البزوفري، إضافة الى أنهم شيعة ونقلهم لرواية الوصية يدل على حسنهم وكمالهم كما نص عليه الشيخ علي النمازي أكثر من مرة في كتابه ( مستدركات علم رجال الحديث ).
وحول طريق الشيخ الطوسي الى البزوفري الثقة الجليل انقل لك ما ذكره صاحب كتاب
( دفاعاً عن الوصية ):
(( فبربكم هل يتوقع من هكذا رجل غاية في الوثاقة والعدالة ان ينقل رواية ضعيفة أو موضوعة أضف الى ذلك انه من أصحاب الكتب المعتمدة وقد نقل الشيخ الطوسي رواية الوصية من أحد كتبه وطريقه إليه هو : أحمد بن عبدون والحسين بن عبيد الله الغضائري . وهما من الثقات لأنهما من مشايخ النجاشي . ومن كتب البزوفري :كتاب الحج ،وكتاب ثواب الاعمال ،وكتاب أحكام العبيد ،وكتاب الرد على الواقفة ، وكتاب سيرة النبي والأيمة ...كما ذكرها النجاشي في رجاله ص34 وقال: اخبرنا بجميع كتبه احمد بن عبد الواحد ابو عبد الله البزاز عنه .
وبهذا تكون رواية الوصية منقولة من كتب الحديث المعتبرة التي ألفها ثقات الأئمة (ع) وبذلك تكون قطعية الصدور بغض النظر عن وثاقة رجال سندها .كما صرح بذلك كبار العلماء ...... الى ان قال: والدليل على أن الشيخ الطوسي ينقل عن كتاب الحسين بن علي بن سفيان البزوفري هو ما نقله عنه الحر العاملي من أنه يبتدأ في سند الروايات بذكر المصنف الذي أخذ الخبر من كتابه ،ومن المعلوم أنه ابتدأ في رواية الوصية بالحسين البزوفري فيدل على أنه أخذه من كتابه ، ثم ذكر طريقه إلى ذلك الكتاب حيث قال : (وما ذكرته عن أبي عبد الله الحسين بن سفيان البزوفري فقد أخبرني به أحمد أبن عبدون والحسين بن عبيد الله (الفضائري) عنه) خاتمة الوسائل ص30 .
واليك نص كلام الحر العاملي عن الشيخ الطوسي : (قال الشيخ الطوسي قدس سره في آخر (التهذيب) بعد ما ذكر أنه أقتصر من إيراد الأخبار على الابتداء بذكر المصنف الذي أخذ الخبر من كتابه ،أو صاحب الأصل الذي أخذ الحديث من أصله : ونحن نذكر الطرق التي يتوصل بها إلى رواية هذه الأصول والمصنفات ونذكرها على غاية ما يمكن من الاختصار ،لتخرج الأخبار بذلك عن حد المراسيل وتلحق بباب المسندات ...) خاتمة الوسائل ص2 (.
وأما عن سند الرواية فإليكم هذا البحث الذي كتبه أحد الأنصار :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الأئمة والمهديين .
لا يختلف اثنان مستقيما الفكر على أن اختيار الخليفة في الأرض بيد الله تعالى ، وأنه أعلم حيث يجعل رسالته ولا يمكن أن يكل هذا الأمر إلى الناس لقصورهم عن الاختيار والإطلاع على بواطن البشر وحقائقهم ، فأول ما خلق الله تعالى آدم(ع) قال :- ((أني جاعل في الأرض خليفة )) ثم بعد آدم أصبحت الخلافة تنتقل عن طريق الوصية ،بتعيين من الله تعالى، فأوصى آدم(ع) الى ابنه هبة الله وهكذا حتى وصلت الوصية الى نبي الله نوح (ع) ثم من بعده ألى أبنه سام(ع) وهكذا هلم جراً الى نبي الله هود (ع) وإبراهيم(ع) والى موسى(ع) وعيسى(ع) حتى وصلت الوصية الى نبينا محمد (ص) .
ففي خبر عن أبي عبد الله(ع)قال: ((....إلى أن قال :- فلم تزل الوصية في عالم بعد عالم حتى دفعوها الى محمد ،فلما بعث الله محمد (ص) أسلم له العقب من المستحفظين وكذبه بنو أسرائيل ...))أثبات الهداة ج1 ص151.
وحين حضرت الوفاة الرسول محمد(ص) أوصى وصيته لعلي ابن أبي طالب وبين فيها خلفائه الى يوم القيامة و أصبحت هذه الوصية تنتقل من إمام إلى إمام حتى انتهت الى الإمام المهدي(ع) .
فعن أبي عبد الله في الحديث : أن رسول الله (ص) قال لعلي عليه السلام: وأنت تدفعها- يعني الوصية – إلى وصيك ويدفعها وصيك إلى أوصيائك من ولدك واحداً بعد واحد حتى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدك...)) أثبات الهداةج1 ص259 .
فأصبحت الوصية التي أملاها الرسول (ص) وكتبها أمير المؤمنين (ع) تنتقل من أمام إلى أمام حتى سلمت للإمام المهدي(ع) ومن بعده إلى ذريته المهديين ،وأمست هي أوضح دليل لمعرفة الأوصياء (ع) فمن لا توجد عنده الوصية ولم تنص عليه فليس بوصي .
عن أبي عبد الله (ع) في خبر طويل قال : ((...يعرف صاحب هذا الأمر بثلاث لا تكون في غيره : هو أولى الناس بالذي هو قبله ، وهو وصية وعنده سلاح رسول الله و وصيته...))الكافي ج1 ص428 .
وأيضا عن أبي عبد الله(ع)في خبر طويل قال ((...وقال عز ذكره (وأعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) ثم قال وآت ذي القربى حقه) وكان علي عليه السلام وكان حقه الوصية...)) إثبات الهداة ج1ص444.
وفي احد مناجات الإمام الصادق (ع) قال : ((يا من خصنا بالكرامة ووعدنا الشفاعة وحملنا الرسالة وجعلنا ورثة الأنبياء وختم بنا الأمم السالفة وخصنا بالوصية ...))مستدرك الوسائل ج1ص231//ثواب الأعمال ص95.
ورغم كل هذا التأكيد والأهمية لوصية الرسول (ص) ،جاء اليوم بعض من الذين لا يتورعون عن رد كلام الرسول(ص) وأهل بيته ، ليشككوا بتلك الوصية وأنها غير صحيحة وسندها غير معتمد ، و غيرها من الأباطيل التي ما أنزل الله بها من سلطان ،والتي لا دافع لها سوى الهوى والتعصب والعناد ضد الحق لا غير.
وهؤلاء بكلامهم هذا قد أعادوا سنة عمر بن الخطاب في التشكيك في نفس تلك الوصية عندما أراد الرسول (ص) كتابتها ،فقال عمر حسبنا كتاب الله أن محمداً يهجر) وحاشاه فهو الذي لا ينطق عن الهوى ،وكذلك يعتبرون من أصحاب سقيفة آخر الزمان الذين يرومون الى غصب الخلافة عن أهلها وجعلها شورى لمن غلب. فان عمر بن الخطاب عندما أدرك ان هذه الوصية ستنسف آماله في الخلافة حاول التشكيك في سندها الى الله تعالى ، فاتهم الرسول (ص) بالهذيان ليقطع اتصال الوصية بالله تعالى وان محمداً يتكلم بلا وعي ليرفع الحجية من كلام الرسول (ص) .
والتجأ عمر الى التشكيك بالسند لأنه الطريق الوحيد لسلب حجية وصية الرسول (ص) لأن الناس تعلم ان الرسول (ص) لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى من الله تعالى وعلى هذا فكلام الرسول (ص) نافذ وحجة لأنه صادر من الله تعالى وليس من رأي الرسول (ص) نفسه فطعن عمر في صحة اتصال هذه الوصية بالله تعالى ، وكما هو واضح إن عمر شكك في صحة سند الوصية الى الله تعالى ، وأتباعه اليوم يشككون في صحة سند الوصية الى رسول الله (ص) ليسلبوها الحجية لأنها خالفت أهوائهم ودنياهم ، سنة الله ولن تجد لسنته تبديلاً .
ومن أجل سد أفواه هؤلاء كتبت هذه الأسطر ،لأثبات صحة الوصية ،ولإثبات أن هؤلاء جهلاء حتى في قواعد الحديث التي يعتمدونها ،وتعمدت ذكر و تفاصيل بعض قواعد الدراية لإلزامهم بما ألزموا به أنفسهم ،و ليفتضحوا بجهلهم المخزي.
ومن الله أستمد العون والتوفيق وله الحمد في الأولى والآخرة ،والصلاة والسلام على محمد وأله الأئمة والمهديين .
الحديث الصحيح
أعترض البعض على رواية الرسول محمد(ص) في ليلة وفاته ،وحاولوا الطعن بصحتها من ناحية السند وزعموا أنها لا يجوز الأعتماد عليها لضعف سندها .
ولعمري أن هؤلاء لا يفقهون من قواعد الحديث شيئاً ،وأنهم يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ،فهيهات هيهات لما يهدفون.
وتوهموا أن صحة الحديث معتمدة على رجال السند فقط ،وهذه طامة كبرى وداهية عظمى ،أن يصدر هذا الجهل الفضيع من أناس يدعون العلم والدين ،ولو أنهم أتعبوا أنفسهم قليلاً في مراجعة قواعد الحديث أو الرجال لتداركوا فضيحتهم هذه، ولأغنونا عن الانشغال بردهم .
و قبل الاستدلال على صحة رواية الوصية وأعتبارها .يجب معرفة ما المقصود من ((صحة الحديث)) وبأي طريقة تثبت ،وسأتطرق الى بعض قواعد الدراية لألزامهم بما ألزموا به أنفسهم لا لأني أتبنى كل ما أستدل بهِ. فقد اختلف علماء الدراية أشد الاختلاف في قواعد ذلك العلم فمنهم من ينفي ومنهم من يثبت.
فأقول:-
تطلق صحة الحديث تارة ويراد منها أن الحديث معتبر ومعتمد عليه لتواتره أو لأقترانه بأحد القرائن الموجبة للعلم بصحته كوجوده في أحد الكتب المعتبرة التي شهد مؤلفوها بصحة ما فيها من أحاديث أو لموافقتة للقرآن و السنة الثابتة أو روايته من قبل الرواة الذين أجمع على أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ،الى غيرها من القرائن التي أوصلها الحر العاملي في خاتمة الوسائل الى (21)قرينة .
وعلى ذلك لا تنحصر صحة الخبر بوثاقة رجال السند فقط ،وهذا هو مبنى المتقدمين ومن تبعهم من المتأخرين ،كالشيخ الكليني صاحب كتاب الكافي والشيخ الصدوق صاحب كتاب من لا يحضره الفقيه و الشيخ الطوسي صاحب كتابي التهذيب والأستبصار و الشيخ المفيد و السيد مرتضى وغيرهم(رحمهم الله جميعاً) أضافة الى كثير من المتأخرين كالحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة والفيض الكاشاني والأمين الأسترآبادي و المحقق الكركي وغيرهم (رحمهم الله تعالى) .
وتارة تطلق صحة الحديث ويراد منها ما كان رواته كلهم شيعة امامية عدول، الذي هو أحد الأقسام الأربعة (الصحيح،الموثق الحسن،الضعيف) التي كانت من مباني ابناء العامة وتبناها بعض علماء الشيعة في القرن السابع للهجرة تقريباً أي بعد الغيبة الكبرى بخمسمائة سنة تقريباً. وهذا هو مبنى أكثر المتأخرين، وقد وقع اختلاف شديد بين العلماء حول هذا التقسيم للخبر لأنه يستلزم رد الحديث وان كان ثابتاً في الكتب المعتمدة بحجة ان أحد رواته ضعيف او مجهول،وقد صرح الكثير من العلماء ان كثيراً من الكتب التي عرضت على الائمة (ع) وجوزوا العمل بها، تحتوي على رواة ضعاف ومجاهيل، فهل يستلزم ذلك ردها وقد شهد الأئمة (ع) بصحتها؟، ولم يتحرر النزاع في هذا الموضوع الى يومنا هذا، ويعد هذا المبنى المتأخر (التقسيم الرباعي للخبر) من المستحدثات التي لم يتفق عليها.
قال الشيخ بهاء الدين في مشرق الشمسين بعد ذكر تقسيم الحديث الى الأقسام الأربعة المشهورة وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم بل المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على ما أعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه او اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه...) خاتمة الوسائل ص65.
ونقل الحر العاملي كلام الشيخ الطوسي في هذا الموضوع ملخصاً: (أن أحاديث كتب أصحابنا االمشهورة بينهم ثلاثة أقسام: منها ما يكون متواتراً و منها ما يكون مقترناً بقرينة موجبة للقطع بمضمون الخبر،ومنه ما لا يوجد فيه هذا ولا ذاك ولكن ودلت القرائن على وجوب العمل به،وأن القسم الثالث ينقسم الى أقسام: منها خبر أجمعوا على نقله ولم ينقلوا له معارضاً، ومنها ما انعقد إجماعهم على صحته وأن كل خبر عمل به في كتابي الأخبار وغيرها لا يخلو من الأقسام الأربعة) خاتمة وسائل الشيعة ص64-65.
ثم عقب الحر العاملي قائلاً: (وذكر-الشيخ الطوسي- في مواضع من كلامه أيضاً أن كل حديث عمل به فهو مأخوذ من الأصول والكتب المعتمدة). نفس المصدر السابق .
وهذا الكلام يدل على أن الشيخ الطوسي(رحمه الله) لا يستدل بخبر ضعيف غير معتمد في كتبه الاستدلالية في الفقه والعقائد، ولايخفى أن كتابه (الغيبة) هو من أوثق كتبه الاستدلالية في العقائد، وقد استدل فيه برواية الوصية فيدل ذلك على انه قد أخذها من الكتب المعتمدة و المعول عليه وهذا وحده كافٍ في صحة الاعتماد وعلى (الوصية) بغض النظر عن سندها،مع العلم ان سندها لا يحتوي على راوٍ مجروح كما سيأتي بيانه انشاء الله تعالى.
وقد نقل هذ الكلام وارتضاه الشيخ جعفر السبحاني إذ قال هناك وجه ثالث في توثيقات المتأخرين، وهو أن الحجة هو الخبر الموثوق بصدوره عن المعصوم –عليه السلام- لا خصوص خبر الثقة،وبينهما فرق واضح، إذ لو قلنا بأن الحجة قول الثقة يكون المناط وثاقة الرجل وإن لم يكن نفس الخبر موثوقاً بالصدور.
ولا ملازمة بين وثاقة الراوي وكون الخبر موثوقاً بالصدور، بل ربما يكون الراوي ثقة، ولكن القرائن والأمارات تشهد على عدم صدور الخبر من الامام-عليه السلام- وأن الثقة قد التبس عليه الأمر، وهذا بخلاف مالو قلنا بأن المناط هو كون الخبر موثوق الصدور،اذ عندئذ تكون وثاقة الراوي من احدى الأمارات على كون الخبر موثوق الصدور، ولاتنحصر الحجية بخبر الثقة، بل لو لم يحرز وثاقه الراوي ودلت القرائن على صدق الخبر وصحتة يجوز الأخذ به.وهذا القول غير بعيد بالنظر الى سيرة العقلاء، فقد جرت سيرتهم على الأخذ بالخبر الموثوق الصدور، إن لم تحرز وثاقة المخبر، لأن وثاقة المخبر طريق الى إحراز صدق الخبر، وعلى ذلك فيجوز الأخذ بمطلق الموثوق بصدوره إذا شهدت القرائن عليه...) كليات في عالم الرجال ص155-156 للشيخ جعفر السبحاني.
والحق ان ما أفاده الشيخ جعفر السبحاني هنا رصين جداً ويدل على أن كثيراً من المتأخرين قد تبعوا المتقدمين في طريقة الأخذ بالأخبار ،وعلى هذا لا يبقى موضوع للتقسيم الرباعي المستحدث .
وفي الحقيقة أن الاعتماد في صحة الخبر على رجال السند فقط خطأ واضح ،إذ ربما يكون رجال السند كلهم ثقات ولا يمكن العمل بالخبر لكونه شاذاً أو معتلاً معارض بمتواتر أو مضطرب متناً أو مخالفاً للقرآن الى غيرها من الأمور التي توجب التوقف عن العمل بالخبر الصحيح السند ،حسب قواعد الدراية .
وربما يكون رجال السند فيهم المجروح أو المجهول ولكن يجب العمل بالخبر لكونه محفوفاً بقرينة موجبة للعلم بصدوره عن المعصوم (ع)ولا يلتفت حينئذ الى ضعف السند لعدم اعتباره في مثل تلك الموراد ،وقد أحتوت الكتب الاربعة في أسناد رواياتها على كثير من الرجال المجروحين والمجاهيل رغم ذلك أوجب مؤلفوها العمل بها وأنها حجة فيما بينهم وبين الله وأعتمد عليها كل من تأخر عنهم إلا من شذ بلا دليل ،حتى أن النائيني من أبرز علماء الاصوليين ورغم ذلك صرح بصحة كل روايات الكافي بقوله أن المناقشة في سند روايات الكافي حرفة العاجز وعكازة الاعرج ) معجم رجال الحديث ج1.
فلو كان أعتماد المحقق النائيني على وثاقة رجال السند فقط لما حكم بصحة كل روايات الكافي وفيها(9485) حديثاً ضعيفاً والصحيح منه على قاعدة المتأخرين(5072) حديثاً من مجموع (16199) حديثاً ، كما نقله الشيخ جعفر السبحاني ،وعلى هذا لا يبقى من الدين والشريعة أسم ولا رسم إلا شتات .!!! وهذا ما لا يقول به عاقل .
وهاك قول العلامة المجلسي في الاعتماد على الكتب المعتبرة بغض النظر عن السند إلا عند تعارض الأخبار وهو نادر إذ قال : ( أن الحق عندي ان وجد الخبر في أمثال تلك الاصول المعتبرة مما يورث جواز العمل به ولكن لا بد من الرجوع الى الأسانيد لترجيح بعضها على بعض عند التعارض) كليات في علم الرجال ص 372 .
وبهذا اتضح ان صحة الحديث لا تنحصر بصحة رجال سنده فقط ، بل ان صحة السند هي احد القرائن الكاشفة عن صحة الحديث والتي هي اكثر من عشرين قرينة.
وعلى هذا يكون الخبر المعتبر من خلال القرائن أقوى من الخبر المعتمد من خلال السند فقط ويصح القول إن:
كل خبر معتبر يجوز العمل به ،وليس كل خبر صحيح السند يجوز العمل به ،لجواز أبتلاءه بمعارض أقوى منه كالمتواتر أو لاضطراب متنه وغيرها من العوارض التي تستدعي التوقف في الخبر الصحيح الأسناد ، كما هو مقرر في علم الدراية .
وأما الخبر المعتبر فيجوز العمل به مطلقاً لأنه أذا كان له معارض أو مشوش متناً لما وصف بالاعتبار .
وسيأتي أن رواية الوصية معتبرة لأنها محفوفة بعدة قرائن توجب القطع بصدورها عن المعصوم ،ومعه فلا داع الى التنزل والمناقشة في سندها ،فسواء صح سندها أم لم يصح ،فهي من الاخبار الصحيحة ،المعتمد عليها في الاستدلال من قبل العلماء ومنهم رئيس الطائفة الشيخ الطوسي (رحمه الله) كما سيأتي بيانه أنشاء الله تعالى .
والأكثر من هذا أن الشيخ الطوسي قال بوجوب العمل بالخبر المنقول عن طرق أبناء العامة اذا لم يكن له معارض من طرق ثقات الشيعة ،حيث قال أما اذا كان مخالفاً في الاعتقاد لاصل المذهب ،و روى مع ذلك عن الأئمة -عليهم السلام – نظر فيما يرويه ،فإن كان هناك من طرق الموثوق بهم ما يخالفه ،وجب إطراح خبره .وأن لم يكن هناك ما يوجب إطراح خبره ويكون هناك ما يوافقه وجب العمل به ،وأن لم يكن هناك من الفرقة المحقة خبر يوافق ذلك ولا يخالفه ،ولا يعرف لهم قول فيه ،وجب أيضاً العمل به ) ص(223-224) الشيخ جعفر سبحاني .
أي أن الخبر حتى لو كان ضعيف السند ووجد ما يوافقه من أخبار الأئمة الصحيحة سنداً أو لم يوجد له معارض أو موافق وجب العمل به ،ورواية الوصية رغم أنها لاتتصف بضعف السند فهي موافقة لعدة روايات صحيحة السند ولا يوجد لها مخالف أصلاً ،فتكون بذلك ممن يجب العمل به حسب كلام الشيخ الطوسي ،ولا يجب تجشب العناء للفحص عن صحة سندها ،لعدم وجود معارض لها ،كما سيأتي بيانه أنشاء الله تعالى .
وأكثر من ذلك فقد ( أدعى الشيخ الطوسي عمل الطائفة بالمراسيل إذا لم يعارضها من المسانيد الصحيحة ،كعملها بالمسانيد . ومقتضاها حجية المرسل مطلقاً بشرط عدم معارضة المسند الصحيح ) قواعد الحديث ص73 لمحي الدين الموسوي الغريفي .
وقد قيل في حق الشيخ الطوسي (رحمه الله) ومثله لا يرسل إلا عن ثقة) قواعد الحديث ص71 . فكيف بما أسنده وأستدل به في أوثق كتبه كرواية الوصية ؟!!
ونقل لنا الشهيد الثاني في درايته جواز العمل حتى بالخبر الضعيف أذا أشتهر مضمونه ،إذ قال : ( أن جماعة كثير أجازوا العمل بالخبر الضعيف اذا أعتضد بشهرة الفتوى بمضمونه في كتب الفقه .بتعليل أن ذلك يوجب قوة الظن بصدق الرواية وان ضعف الطريق ،فإن الطريق الضعيف قد يثبت به الخبر مع أشتهار مضمونه ) الدراية ص 27.
وأختار ذلك المحقق الحلي أيضاً قائلاً : ( والتوسط أصوب .فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به .وما أعرض الأصحاب عنه أو شذ يجب اطراحه الخ) وقال عند ذكر خبر رفعه محمد ابن أحمد ابن يحيى : (وهذا وان كان مرسلاً إلا ان فضلاء الأصحاب أفتوا بمضمونه). قواعد الدراية ص110.
ورواية الوصية حتى لو تنـزلنا وقلنا بضعف سندها إلا ان مضمونها مشتهر ،بل متواتر في روايات الرسول (ص) وأهل بيته ، وبذلك تكون متواترة معنىً ، ويجب قبولها بغض النظر عن سندها .
والمتتبع لأقوال العلماء في علم الدراية والرجال يجدها متضاربة ومختلفة لاتكاد تتفق على قاعدة واحدة إلا نادراً،ولكل منهم أدلة وعلى أدلته نقوض وهكذا هلم جراً الى يومنا هذا ،فكيف يمكن لأحد أن يجزم بصحة مبنى فلان دون فلان ،ولاسيما اذا لاحظنا أن أغلب آرائهم غير معتمدة على نص من معصوم ،فقد يكون مبنى واحد منها صحيح وقد تكون كلها خاطئة ولايمكن أن تكون كلها صحيحة لأنها متضادة .
وفي الحقيقة أن الاعتماد على كتب الرجال في الأخذ في الأخبار لايجدي نفعاً لوجود أشكالات محكمة عليها لايسعني الآن ذكرها ولتضاربها في الكثير من الرواة ،وأنجح سبيل للعمل بالروايات هو الاعتماد على ما ضبطه أوثق العلماء المتقدمين القريبين من عصر التشريع والذين نقلوا الأخبار من الاصول المعتبرة لتوفرها لديهم آنذاك كأصحاب الكتب الأربعة (الشيخ الكليني والشيخ الصدوق والشيخ الطوسي ) وغيرهم .
وقد توصل الى هذه النتيجة المحقق الهمداني بقوله ...فلا يكاد يوجد رواية يمكننا أثبات عدالة رواتها على سبيل التحقيق ،لولا البناء على المسامحة في طريقها ،والعمل بظنون غير ثابتة الحجية ،بل المدار على وثاقة الراوي أو الوثوق بصدور الرواية وإن كان بواسطة القرائن الخارجية التي عمدتها كونها مدونة في الكتب الاربعة ،أو مأخوذة من الاصول المعتبرة ،مع أعتناء الاصحاب بها ،وعدم أعراضهم عنها ...ولأجل ما تقدمت الإشارة اليه جرت سيرتي على ترك الفحص عن حال الرجال ،والاكتفاء في توصيف الرواية بالصحة كونها موصوفة بها في ألسنة مشايخنا المتقدمين الذين تفحصوا عن حالهم ) قواعد الحديث ص110.
وكلام المحقق الهمداني صريح في أنه لايمكن أثبات صحة رواية واحدة عن طريق كتب الرجال والفحص عن رجال السند ،وأنه ترك تتبع أحوال الرجال لعدم فائدته .
وبهذا يتضح مدى ضعف حجة هؤلاء الذين زعموا ضعف رواية الوصية ، وسأذكر بعض القرائن الدالة صحة رواية الوصية وأردفها بذكر رجال السند للاعلام فقط لا للاستدلال ،لأن القرائن التي سأذكرها كافية ووافية في أثبات صحتها .