رد: ســــــــــــــؤال أود منكم الأجـابه عليه...
طريقة تنصيب الخليفة من الكتاب و السنة
ان رسم الخط المستقيم بجانب الخط الأعوج هو الطريقة السليمة في بيان الحق
فسأرسم لك الخط المتعلق بالخليفة و تنصيبه , وكل من كانت لديه فكرة مغايرة يقيسها على هذا الخط المستقيم ليستبين عوجها
ومرجعنا هو الكتاب والسنة لنرى استقامة الخطوط وعوجها
طريقة نصب الخليفة :
حين أوجب الشرع على الأمة نصب خليفة عليها، حدد لها الطريقة التي يجري بها نصب الخليفة، وهذه الطريقة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة. وتلك الطريقة هي البيعة.
فيجري نصب الخليفة ببيعة المسلمين له على كتاب الله وسنة رسوله.
أما كون هذه الطريقة هي البيعة فهي ثابتة من بيعة المسلمين للرسول عليه سلام الله، ومن أمر الرسول لنا ببيعة الإمام.
أما بيعة المسلمين للرسول فإنها ليست بيعة على النبوة وإنما هي بيعة على الحكم، إذ هي بيعة على العمل وليست بيعة على التصديق.
فبويع صلى الله عليه وسلم على اعتباره حاكماً لا على اعتباره نبياً ورسولاً.
لأن الإقرار بالنبوة والرسالة إيمان وليس بيعة، فلم تبق إلاّ أن تكون البيعة له باعتباره رئيس الدولة.
وقد وردت البيعة في القرآن والحديث قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيَهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فيِ مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ ﴾ وقال تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾
وروى البخاري قال: حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني عبادة بن الوليد أخبرني أبي عن عبادة بن الصامت قال (( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنّا لا نخاف في الله لومة لائم )) .
وروى البخاري قال: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد هو ابن أبي أيوب قال حدثني أبو عَقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام وكان قد أدرك النبيr وذهبت به أمه زينب ابنة حُميد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله بايعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( هو صغير)) فمسح رأسه ودعا له .
وروى البخاري قال: حدثنا عبدانُ عن أبي حمزة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالطريق يمنع منه ابن السبيل، ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنياه إن أعطاه ما يريد وفى له وإلا لم يف له، ورجل يبايع رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أعطي بها كذا وكذا فصدقه فأخذها ولم يُعط به )) .
فهذه الأحاديث الثلاثة صريحة في أن البيعة طريقة نصب الخليفة. فحديث عبادة قد بايع الرسول على السمع والطاعة وهذا للحاكم، وحديث عبد الله بن هشام رفض بيعته لأنه غير بالغ مما يدل على أنها بيعة حكم، وحديث أبي هريرة صريح ببيعة الإمام، وجاءت كلمة إمام نكرة أي أيّ إمام.
وهناك أحاديث أخرى تنص على بيعة الإمام. ففي مسلم من طريق عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر ))
وفي مسلم أيضاً عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ))
وروى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا ؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول )) .
فالنصوص صريحة من الكتاب والسنة بأن طريقة نصب الخليفة هي البيعة.
وقد فهم ذلك جميع الصحابة وساروا عليه. فأبو بكر بويع بيعة خاصة في السقيفة وبيعة عامة في المسجد ثم بايعه من لم يبايع في المسجد ممن يعتد ببيعته كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وعمر رضي الله عنه بويع بيعة من المسلمين، وعثمان بويع بيعة من المسلمين، وعلي بويع بيعة من المسلمين. فالبيعة هي الطريقة الوحيدة لنصب خليفة للمسلمين.
أما التفصيلات العملية لإجراء هذه البيعة، فإنها ظاهرة في نصب الخلفاء الأربعة الذين جاءوا عقب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم، وقد سكت عنها جميع الصحابة وأقروها مع أنها مما ينكر لو كانت مخالفة للشرع ، لأنها تتعلق بأهم شيء يتوقف عليه كيان المسلمين، وبقاء الحكم بالإسلام , و في اجماع الصحابة عصمة نسبية لقوله صلى الله عليه و سلم (( لا تجتمع أمتي على ضلالة )) .
ومن تتبعنا لما حصل في نصب هؤلاء الخلفاء نجد أن بعض المسلمين قد تناقشوا في سقيفة بني ساعدة وكان المرشحون سعداً وأبا عبيدة وعمر وأبا بكر ليس غير، وبنتيجة المناقشة بويع أبو بكر.
ثم في اليوم الثاني دعي المسلمون إلى المسجد فبايعوه، وبهذه البيعة الأخيرة صار خليفة للمسلمين.
وحين أحس أبو بكر بأن مرضه مرض موت دعا المسلمين يستشيرهم فيمن يكون خليفة للمسلمين. وكان الرأي في هذه الاستشارات يدور حول علي وعمر ليس غير، ومكث مدة ثلاثة أشهر في هذه الاستشارات.
ولما أتمها وعرف أكثر رأي المسلمين أعلن لهم أن عمر هو الخليفة بعده،
وعقب وفاته مباشرة حضر المسلمون إلى المسجد وبايعوا عمر بالخلافة، فصار بهذه البيعة خليفة للمسلمين وليس بالاستشارات ولا بإعلان أبي بكر.
وحين طُعن عمر طلب منه المسلمون أن يستخلف فأبى، فألحوا عليه فجعلها في ستة، ثم بعد وفاته أناب المرشحون أحدهم وهو عبد الرحمن بن عوف فرجع لرأي المسلمين واستشارهم، ثم أعلن بيعة عثمان، فقام المسلمون فبايعوا عثمان فصار خليفة ببيعة المسلمين لا باستخلاف عمر ولا بإعلان عبد الرحمن ثم قتل عثمان، فبايع جمهرة المسلمين في المدينة والكوفة علي بن أبي طالب فصار خليفة ببيعة المسلمين.
ومن ذلك يتبين أن التفصيلات العملية لإجراء البيعة للخلافة هي أن يتناقش المسلمون فيمن يصلح للخلافة، حتى إذا استقر الرأي على أشخاص، عُرضوا على المسلمين، فمن اختاروه منهم طلب منهم أن يبايعوه كما طلب من باقي المرشحين أن يبايعوه.
ففي سقيفة بني ساعدة صار النقاش في سعد وأبي عبيدة وعمر وأبي بكر ثم بويع أبو بكر، فكانت بيعته بمثابة اختيار، ولكنها لم تلزم المسلمين، ثم جرت بيعته من عامة المسلمين.
وأبو بكر تذاكر مع المسلمين في علي ثم أعلن اسم عمر ثم بويع، وعمر جعلها في ستة، وبعد الرجوع إلى المسلمين أعلن عبد الرحمن اسم عثمان، ثم بويع. وعلي بويع مباشرة فقد كان الوضع وضع فتنة، وكان معروفاً أنه لا يدانيه في الترشيح للخلافة عند المسلمين أحد حين قتل عثمان.
وبذلك يكون أمر البيعة جارياً على أن يحصر المرشحون للخلافة بعد المناقشة فيمن يصلح لها، ثم يجري انتخاب خليفة منهم، ثم تؤخذ له البيعة على الناس.
ولئن كان هذا واضحاً في استشارات أبي يكر فإنه يظهر أوضح في بيعة عثمان.
روى البخاري : عن الزهري أن حميد بن عبد الرحمن أخبره أن المِسْوَر بن مَخْرمَة أخبره أن الرهط الذين ولاّهم عمر اجتمعوا فتشاوروا. قال لهم عبد الرحمن: " لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر، ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، فلما ولّوا عبد الرحمن أمرهم فمال الناس على عبد الرحمن حتى ما أرى أحداً من الناس يتبع أولئك الرهط ولا يطأ عقبه. ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه تلك الليالي حتى إذا كانت الليلة التي أصبحنا منها فبايعنا عثمان. قال المسور: "طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل فضرب الباب حتى استيقظت فقال: أراك نائماً، فوا لله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادع الزبير وسعداً، فدعوتهما له فشاروهما ثم دعاني فقال: ادع لي عليّاً فدعوته فناجاه حتى إبهارَّ الليَّل، ثم قام علي من عنده وهو على طمع، وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئاً، ثم قال: ادع لي عثمان فدعوته فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح. فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر فأرسل إلى من كان حاضراً من المهاجرين والأنصار وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهّد عبد الرحمن ثم قال: أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلا، ثم أخذ بيد عثمان فقال أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس والمهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون ".
فالمرشحون للخلافة حُصروا في الرهط الذين سماهم عمر بعد أن طلب إليه المسلمون ذلك، وعبد الرحمن بن عوف بعد أن أخرج نفسه من الترشيح للخلافة أخذ رأي المسلمين فيمن يكون خليفة، ثم أعلن اسم الذي يريده المسلمون بعد أن شاور الناس.
وبعد إعلان اسم من يريده الناس كانت البيعة له، فصار خليفة بهذه البيعة. وعلى ذلك فالحكم الشرعي في نصب الخليفة هو أن يحصر المرشحون للخلافة من قبل من يمثلون رأي جمهرة المسلمين، ثم تعرض أسماؤهم على المسلمين ويطلب منهم أن يختاروا واحداً من هؤلاء المرشحين ليكون خليفة لهم، ثم ينظر من تكون جمهرة المسلمين أي أكثريتهم بجانبه، فتؤخذ له البيعة على المسلمين جميعاً، سواء من اختاره أو من لم يختره، لأن إجماع المسلمين إجماعاً سكوتياً على حصر عمر للمرشحين للخلافة في ستة أشخاص معينين، وإجماع المسلمين أيضاً على أخذ عبد الرحمن لرأي المسلمين جميعاً فيمن يكون خليفة عليهم، ثم إجماعهم على إجراء البيعة لمن أعلن عبد الرحمن اسمه بأنه هو الذي اختاره المسلمون خليفة لهم حين قال « " إني نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان " » كل ذلك صريح في الحكم الشرعي في نصب الخليفة.
جاء في سيرة ابن هشام:
قال ابن إسحاق : ... « قال ابن عباس...ثم قال [عمر] : أما بعد : فإني قائل لكم اليوم مقالة قد قدر لي أن أقولها ، ولا أدرى لعلها بين يدي أجلي ، فمن عقلها ووعاها فليأخذ بها حيث انتهت به راحلته ، ومن خشي أن لا يعيها فلا يحل لأحد أن يكذب علي . ثم إنه قد بلغني أن فلانا قال : والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا ، فلا يغرن امرأ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت ، وإنها قد كانت كذلك إلا أن الله قد وقى شرها ، وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ، فمن بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فإنه ، لا بيعة له هو ، ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا . » إ.هـ.
أقول: تأمل إلى حكمه رضي الله عنه، فهو يؤكد أن من بايع ومن بويع دون مشورة من المسلمين، وإجماع أمر منهم، لا بيعة له , وفي الرواية السابقة وضع ضابطا آخر وهو اغتصاب الحكم .
جاء في الطبقات الكبرى لابن سعد: قال عبد الله بن عمر فقاموا يتشاورون فدعاني عثمان مرة أو مرتين ليدخلني في الأمر ولا والله ما أحب أني كنت فيه عالما أنه سيكون في أمرهم ما قال أبي والله لقل ما رأيته يحرك شفتيه قط إلا كان حقا فلما أكثر عثمان علي قلت له ألا تعقلون أتؤمرون وأمير المؤمنين حي فوالله لكأنما أيقظت عمر من مرقد فقال عمر أمهلوا فإن حدث بي حدث فليصل لكم صهيب ثلاث ليال ثم اجمعوا أمركم فمن تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه.
و هنا وضع ضابطا آخر وهو اغتصاب الحكم،
كلاهما يقتل، أي ( فمن بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فإنه ، لا بيعة له هو ، ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا )
ويأبى أن يستدل القوم بما كان من أمر بيعته لأبي بكر في تلك الظروف العصيبة، فيتخذون ما حصل ذريعة ليمهدوا لاستخلافه لبعض القوم، سواء أكان من غير مشورة من المسلمين أو بترشيحه للمنصب تمهيدا لقبول المسلمين به قبل إجماع المسلمين أمرهم على من يرغبونه خليفة عليهم، كنوع من فرض الرأي على الأمة ، واغتصاب الحكم، لا مجرد الترشيح بحد ذاته.
فمن ظروف بيعة ابي بكر رضي الله عنه ما بيناه من دقيق الظرف وصعوبته، وكثر اللغط في السقيفة وكان لا بد من الحسم، والمدينة يتربص بها المتربصون والأعباء كبيرة لا تحتمل التأخير ولا افتراق الكلمة ولا النزاع.
تأمل ما يرويه ابن هشام أيضا في السيرة: قال عمر: فقال أبو بكر : على رسلك يا عمر ، ... قال : أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيهما شئتم ، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح ، وهو جالس بيننا ، ولم أكره شيئا مما قاله غيرها ، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي ، لا يقربني ذلك إلى أثم ، أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر . قال قائل من الأنصار : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ، قال : فكثر اللغط ، وارتفعت الأصوات ، حتى تخوفت الاختلاف ، فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته ، ثم بايعه المهاجرون ، ثم بايعه الأنصار .
فكما هو واضح كان لا بد من الحسم فقال له ابسط يدك وهنا اعتبر عليه رضوان الله أن هذا الأمر تم قبل الوصول لإجماع أمر من المسلمين وهذا هو ما وصفه بأنه فلتة تمت وقى الله شرها، ونبه إلى أن الأمر ليس لأن هنالك من هو أحق بها من أبي بكر فقال: وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، أي الفلتة كانت في سبق قوله ابسط يدك لاجماع الأمر المطلوب من المسلمين، فينبه هنا بصدقه وأمانته ونصحه للأمة أن الواجب شرعا هو إجماع الأمة أمرها أولا ثم ابسط يدك وتتم البيعة.
وهذا يدل قطعا على أن عمر رضي الله عنه والصحابة أجمعون فهموا أن طريقة نصب الخليفة هي البيعة لا غير .
وإلا فكيف اعتبر رضي الله عنه الأمر فيه شيء من المخالفة لو كان الأمر لهم يفتون فيه بما أحبوا من غير نص أو فهم للحكم الشرعي؟؟
فعمر رضي الله عنه يقيس صحة البيعة بما ترسخ لديه ولدى الصحابة من فهم ان البيعة هي طريقة تنصيب الخليفة وأنها تؤخذ من المسلمين فهي عقد مراضاة بين الخليفة وبين المسلمين على الحكم
على أن الخلافة انعقدت لأبي بكر بالبيعة وكانت عن رضا واختيار من المسلمين وبالتالي فلا نقاش في صحتها شرعا، ولا خلاف في أنها كانت عن رضا واختيار من قبل المسلمين ومن قبل الخليفة نفسه، إلا أن الحديث منصب هنا على الترشيح نفسه والاسراع الى حسم الأمر قبل إجماع الأمر، وأنه لو صاحبه اغتصاب للحكم والله أعلم.
ولا يقال هنا أن عمر رضي الله عنه بين أن فعلته التي فعل وبيعته لأبي بكر رضي الله عنهما تدخله في الحكم الذي بينه من أن المبايع والمبايع تغرة يقتلا، لا يقال ذلك لأن المسلمين أجمعوا أمرهم فورا وسارعوا لبيعة أبي بكر رضي الله عنه وانعقدت له البيعة والخلافة شرعا بشكل صحيح، لكن لو لم يبايع المسلمون واغتصب الحكم أبو بكر مثلا وتسلط لكان هذا فحوى الحكم الذي يتحدث عنه عمر رضي الله عنه.
وهنا مرة أخرى من اين لعمر رضي الله عنه أن يحكم بقتل المبايع والمبايع ( بكسر الياء في الأولى وبفتحها في الثانية) لولا أن الأمر فيه مخالفة خطيرة لحكم شرعي معلوم لدى الصحابة ولدينا
أيستباح دم المسلم إلا لأمر خطير كهذا من الواضح أن حكمه الشرعي محسوم وبين وجلي وواضح , أقصد البيعة والشورى من المسلمين فيمن يكون خليفة عليهم!!!
فهو يدافع عن الرجوع للأمة بأخذ رأيها وأما الترشيح نفسه فهذه إحدى وسائله، لكن لا بد من إجماع الأمر قبل نفاذ الأمر، وهذا ما حصل في السقيفة فعلا، فقد قال ابسط يدك وبايع وتسابق المسلمون لبيعته، فقال معلقا على ذلك: وقى الله شرها، أي تمت بالشكل الصحيح، ولولا ذلك لكانت خطأ فادحا، فهو يريد بيان دقة الظرف ودقة الحكم، وهو يهرب من أن يرشح وهو في وضع الخليفة كي لا تفهم استخلافا ولا تتخذ ذريعة لفرض الرأي على المسلمين، لذلك رأيناه يمهد له بقوله: فمن عقلها ووعاها فليأخذ بها حيث انتهت به راحلته ، ومن خشي أن لا يعيها فلا يحل لأحد أن يكذب علي.
و أقول لبسيط و بكل بساطة : فمن عقلها ووعاها فليأخذ بها حيث انتهت به راحلته ، ومن خشي أن لا يعيها فلا يحل لأحد أن يكذب علي.
طريقة تنصيب الخليفة من الكتاب و السنة
ان رسم الخط المستقيم بجانب الخط الأعوج هو الطريقة السليمة في بيان الحق
فسأرسم لك الخط المتعلق بالخليفة و تنصيبه , وكل من كانت لديه فكرة مغايرة يقيسها على هذا الخط المستقيم ليستبين عوجها
ومرجعنا هو الكتاب والسنة لنرى استقامة الخطوط وعوجها
طريقة نصب الخليفة :
حين أوجب الشرع على الأمة نصب خليفة عليها، حدد لها الطريقة التي يجري بها نصب الخليفة، وهذه الطريقة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة. وتلك الطريقة هي البيعة.
فيجري نصب الخليفة ببيعة المسلمين له على كتاب الله وسنة رسوله.
أما كون هذه الطريقة هي البيعة فهي ثابتة من بيعة المسلمين للرسول عليه سلام الله، ومن أمر الرسول لنا ببيعة الإمام.
أما بيعة المسلمين للرسول فإنها ليست بيعة على النبوة وإنما هي بيعة على الحكم، إذ هي بيعة على العمل وليست بيعة على التصديق.
فبويع صلى الله عليه وسلم على اعتباره حاكماً لا على اعتباره نبياً ورسولاً.
لأن الإقرار بالنبوة والرسالة إيمان وليس بيعة، فلم تبق إلاّ أن تكون البيعة له باعتباره رئيس الدولة.
وقد وردت البيعة في القرآن والحديث قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيَهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فيِ مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ ﴾ وقال تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾
وروى البخاري قال: حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني عبادة بن الوليد أخبرني أبي عن عبادة بن الصامت قال (( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنّا لا نخاف في الله لومة لائم )) .
وروى البخاري قال: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد هو ابن أبي أيوب قال حدثني أبو عَقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام وكان قد أدرك النبيr وذهبت به أمه زينب ابنة حُميد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله بايعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( هو صغير)) فمسح رأسه ودعا له .
وروى البخاري قال: حدثنا عبدانُ عن أبي حمزة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالطريق يمنع منه ابن السبيل، ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنياه إن أعطاه ما يريد وفى له وإلا لم يف له، ورجل يبايع رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أعطي بها كذا وكذا فصدقه فأخذها ولم يُعط به )) .
فهذه الأحاديث الثلاثة صريحة في أن البيعة طريقة نصب الخليفة. فحديث عبادة قد بايع الرسول على السمع والطاعة وهذا للحاكم، وحديث عبد الله بن هشام رفض بيعته لأنه غير بالغ مما يدل على أنها بيعة حكم، وحديث أبي هريرة صريح ببيعة الإمام، وجاءت كلمة إمام نكرة أي أيّ إمام.
وهناك أحاديث أخرى تنص على بيعة الإمام. ففي مسلم من طريق عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر ))
وفي مسلم أيضاً عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ))
وروى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا ؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول )) .
فالنصوص صريحة من الكتاب والسنة بأن طريقة نصب الخليفة هي البيعة.
وقد فهم ذلك جميع الصحابة وساروا عليه. فأبو بكر بويع بيعة خاصة في السقيفة وبيعة عامة في المسجد ثم بايعه من لم يبايع في المسجد ممن يعتد ببيعته كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وعمر رضي الله عنه بويع بيعة من المسلمين، وعثمان بويع بيعة من المسلمين، وعلي بويع بيعة من المسلمين. فالبيعة هي الطريقة الوحيدة لنصب خليفة للمسلمين.
أما التفصيلات العملية لإجراء هذه البيعة، فإنها ظاهرة في نصب الخلفاء الأربعة الذين جاءوا عقب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم، وقد سكت عنها جميع الصحابة وأقروها مع أنها مما ينكر لو كانت مخالفة للشرع ، لأنها تتعلق بأهم شيء يتوقف عليه كيان المسلمين، وبقاء الحكم بالإسلام , و في اجماع الصحابة عصمة نسبية لقوله صلى الله عليه و سلم (( لا تجتمع أمتي على ضلالة )) .
ومن تتبعنا لما حصل في نصب هؤلاء الخلفاء نجد أن بعض المسلمين قد تناقشوا في سقيفة بني ساعدة وكان المرشحون سعداً وأبا عبيدة وعمر وأبا بكر ليس غير، وبنتيجة المناقشة بويع أبو بكر.
ثم في اليوم الثاني دعي المسلمون إلى المسجد فبايعوه، وبهذه البيعة الأخيرة صار خليفة للمسلمين.
وحين أحس أبو بكر بأن مرضه مرض موت دعا المسلمين يستشيرهم فيمن يكون خليفة للمسلمين. وكان الرأي في هذه الاستشارات يدور حول علي وعمر ليس غير، ومكث مدة ثلاثة أشهر في هذه الاستشارات.
ولما أتمها وعرف أكثر رأي المسلمين أعلن لهم أن عمر هو الخليفة بعده،
وعقب وفاته مباشرة حضر المسلمون إلى المسجد وبايعوا عمر بالخلافة، فصار بهذه البيعة خليفة للمسلمين وليس بالاستشارات ولا بإعلان أبي بكر.
وحين طُعن عمر طلب منه المسلمون أن يستخلف فأبى، فألحوا عليه فجعلها في ستة، ثم بعد وفاته أناب المرشحون أحدهم وهو عبد الرحمن بن عوف فرجع لرأي المسلمين واستشارهم، ثم أعلن بيعة عثمان، فقام المسلمون فبايعوا عثمان فصار خليفة ببيعة المسلمين لا باستخلاف عمر ولا بإعلان عبد الرحمن ثم قتل عثمان، فبايع جمهرة المسلمين في المدينة والكوفة علي بن أبي طالب فصار خليفة ببيعة المسلمين.
ومن ذلك يتبين أن التفصيلات العملية لإجراء البيعة للخلافة هي أن يتناقش المسلمون فيمن يصلح للخلافة، حتى إذا استقر الرأي على أشخاص، عُرضوا على المسلمين، فمن اختاروه منهم طلب منهم أن يبايعوه كما طلب من باقي المرشحين أن يبايعوه.
ففي سقيفة بني ساعدة صار النقاش في سعد وأبي عبيدة وعمر وأبي بكر ثم بويع أبو بكر، فكانت بيعته بمثابة اختيار، ولكنها لم تلزم المسلمين، ثم جرت بيعته من عامة المسلمين.
وأبو بكر تذاكر مع المسلمين في علي ثم أعلن اسم عمر ثم بويع، وعمر جعلها في ستة، وبعد الرجوع إلى المسلمين أعلن عبد الرحمن اسم عثمان، ثم بويع. وعلي بويع مباشرة فقد كان الوضع وضع فتنة، وكان معروفاً أنه لا يدانيه في الترشيح للخلافة عند المسلمين أحد حين قتل عثمان.
وبذلك يكون أمر البيعة جارياً على أن يحصر المرشحون للخلافة بعد المناقشة فيمن يصلح لها، ثم يجري انتخاب خليفة منهم، ثم تؤخذ له البيعة على الناس.
ولئن كان هذا واضحاً في استشارات أبي يكر فإنه يظهر أوضح في بيعة عثمان.
روى البخاري : عن الزهري أن حميد بن عبد الرحمن أخبره أن المِسْوَر بن مَخْرمَة أخبره أن الرهط الذين ولاّهم عمر اجتمعوا فتشاوروا. قال لهم عبد الرحمن: " لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر، ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، فلما ولّوا عبد الرحمن أمرهم فمال الناس على عبد الرحمن حتى ما أرى أحداً من الناس يتبع أولئك الرهط ولا يطأ عقبه. ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه تلك الليالي حتى إذا كانت الليلة التي أصبحنا منها فبايعنا عثمان. قال المسور: "طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل فضرب الباب حتى استيقظت فقال: أراك نائماً، فوا لله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادع الزبير وسعداً، فدعوتهما له فشاروهما ثم دعاني فقال: ادع لي عليّاً فدعوته فناجاه حتى إبهارَّ الليَّل، ثم قام علي من عنده وهو على طمع، وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئاً، ثم قال: ادع لي عثمان فدعوته فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح. فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر فأرسل إلى من كان حاضراً من المهاجرين والأنصار وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهّد عبد الرحمن ثم قال: أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلا، ثم أخذ بيد عثمان فقال أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس والمهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون ".
فالمرشحون للخلافة حُصروا في الرهط الذين سماهم عمر بعد أن طلب إليه المسلمون ذلك، وعبد الرحمن بن عوف بعد أن أخرج نفسه من الترشيح للخلافة أخذ رأي المسلمين فيمن يكون خليفة، ثم أعلن اسم الذي يريده المسلمون بعد أن شاور الناس.
وبعد إعلان اسم من يريده الناس كانت البيعة له، فصار خليفة بهذه البيعة. وعلى ذلك فالحكم الشرعي في نصب الخليفة هو أن يحصر المرشحون للخلافة من قبل من يمثلون رأي جمهرة المسلمين، ثم تعرض أسماؤهم على المسلمين ويطلب منهم أن يختاروا واحداً من هؤلاء المرشحين ليكون خليفة لهم، ثم ينظر من تكون جمهرة المسلمين أي أكثريتهم بجانبه، فتؤخذ له البيعة على المسلمين جميعاً، سواء من اختاره أو من لم يختره، لأن إجماع المسلمين إجماعاً سكوتياً على حصر عمر للمرشحين للخلافة في ستة أشخاص معينين، وإجماع المسلمين أيضاً على أخذ عبد الرحمن لرأي المسلمين جميعاً فيمن يكون خليفة عليهم، ثم إجماعهم على إجراء البيعة لمن أعلن عبد الرحمن اسمه بأنه هو الذي اختاره المسلمون خليفة لهم حين قال « " إني نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان " » كل ذلك صريح في الحكم الشرعي في نصب الخليفة.
جاء في سيرة ابن هشام:
قال ابن إسحاق : ... « قال ابن عباس...ثم قال [عمر] : أما بعد : فإني قائل لكم اليوم مقالة قد قدر لي أن أقولها ، ولا أدرى لعلها بين يدي أجلي ، فمن عقلها ووعاها فليأخذ بها حيث انتهت به راحلته ، ومن خشي أن لا يعيها فلا يحل لأحد أن يكذب علي . ثم إنه قد بلغني أن فلانا قال : والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا ، فلا يغرن امرأ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت ، وإنها قد كانت كذلك إلا أن الله قد وقى شرها ، وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ، فمن بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فإنه ، لا بيعة له هو ، ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا . » إ.هـ.
أقول: تأمل إلى حكمه رضي الله عنه، فهو يؤكد أن من بايع ومن بويع دون مشورة من المسلمين، وإجماع أمر منهم، لا بيعة له , وفي الرواية السابقة وضع ضابطا آخر وهو اغتصاب الحكم .
جاء في الطبقات الكبرى لابن سعد: قال عبد الله بن عمر فقاموا يتشاورون فدعاني عثمان مرة أو مرتين ليدخلني في الأمر ولا والله ما أحب أني كنت فيه عالما أنه سيكون في أمرهم ما قال أبي والله لقل ما رأيته يحرك شفتيه قط إلا كان حقا فلما أكثر عثمان علي قلت له ألا تعقلون أتؤمرون وأمير المؤمنين حي فوالله لكأنما أيقظت عمر من مرقد فقال عمر أمهلوا فإن حدث بي حدث فليصل لكم صهيب ثلاث ليال ثم اجمعوا أمركم فمن تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه.
و هنا وضع ضابطا آخر وهو اغتصاب الحكم،
كلاهما يقتل، أي ( فمن بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فإنه ، لا بيعة له هو ، ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا )
ويأبى أن يستدل القوم بما كان من أمر بيعته لأبي بكر في تلك الظروف العصيبة، فيتخذون ما حصل ذريعة ليمهدوا لاستخلافه لبعض القوم، سواء أكان من غير مشورة من المسلمين أو بترشيحه للمنصب تمهيدا لقبول المسلمين به قبل إجماع المسلمين أمرهم على من يرغبونه خليفة عليهم، كنوع من فرض الرأي على الأمة ، واغتصاب الحكم، لا مجرد الترشيح بحد ذاته.
فمن ظروف بيعة ابي بكر رضي الله عنه ما بيناه من دقيق الظرف وصعوبته، وكثر اللغط في السقيفة وكان لا بد من الحسم، والمدينة يتربص بها المتربصون والأعباء كبيرة لا تحتمل التأخير ولا افتراق الكلمة ولا النزاع.
تأمل ما يرويه ابن هشام أيضا في السيرة: قال عمر: فقال أبو بكر : على رسلك يا عمر ، ... قال : أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيهما شئتم ، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح ، وهو جالس بيننا ، ولم أكره شيئا مما قاله غيرها ، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي ، لا يقربني ذلك إلى أثم ، أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر . قال قائل من الأنصار : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ، قال : فكثر اللغط ، وارتفعت الأصوات ، حتى تخوفت الاختلاف ، فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته ، ثم بايعه المهاجرون ، ثم بايعه الأنصار .
فكما هو واضح كان لا بد من الحسم فقال له ابسط يدك وهنا اعتبر عليه رضوان الله أن هذا الأمر تم قبل الوصول لإجماع أمر من المسلمين وهذا هو ما وصفه بأنه فلتة تمت وقى الله شرها، ونبه إلى أن الأمر ليس لأن هنالك من هو أحق بها من أبي بكر فقال: وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، أي الفلتة كانت في سبق قوله ابسط يدك لاجماع الأمر المطلوب من المسلمين، فينبه هنا بصدقه وأمانته ونصحه للأمة أن الواجب شرعا هو إجماع الأمة أمرها أولا ثم ابسط يدك وتتم البيعة.
وهذا يدل قطعا على أن عمر رضي الله عنه والصحابة أجمعون فهموا أن طريقة نصب الخليفة هي البيعة لا غير .
وإلا فكيف اعتبر رضي الله عنه الأمر فيه شيء من المخالفة لو كان الأمر لهم يفتون فيه بما أحبوا من غير نص أو فهم للحكم الشرعي؟؟
فعمر رضي الله عنه يقيس صحة البيعة بما ترسخ لديه ولدى الصحابة من فهم ان البيعة هي طريقة تنصيب الخليفة وأنها تؤخذ من المسلمين فهي عقد مراضاة بين الخليفة وبين المسلمين على الحكم
على أن الخلافة انعقدت لأبي بكر بالبيعة وكانت عن رضا واختيار من المسلمين وبالتالي فلا نقاش في صحتها شرعا، ولا خلاف في أنها كانت عن رضا واختيار من قبل المسلمين ومن قبل الخليفة نفسه، إلا أن الحديث منصب هنا على الترشيح نفسه والاسراع الى حسم الأمر قبل إجماع الأمر، وأنه لو صاحبه اغتصاب للحكم والله أعلم.
ولا يقال هنا أن عمر رضي الله عنه بين أن فعلته التي فعل وبيعته لأبي بكر رضي الله عنهما تدخله في الحكم الذي بينه من أن المبايع والمبايع تغرة يقتلا، لا يقال ذلك لأن المسلمين أجمعوا أمرهم فورا وسارعوا لبيعة أبي بكر رضي الله عنه وانعقدت له البيعة والخلافة شرعا بشكل صحيح، لكن لو لم يبايع المسلمون واغتصب الحكم أبو بكر مثلا وتسلط لكان هذا فحوى الحكم الذي يتحدث عنه عمر رضي الله عنه.
وهنا مرة أخرى من اين لعمر رضي الله عنه أن يحكم بقتل المبايع والمبايع ( بكسر الياء في الأولى وبفتحها في الثانية) لولا أن الأمر فيه مخالفة خطيرة لحكم شرعي معلوم لدى الصحابة ولدينا
أيستباح دم المسلم إلا لأمر خطير كهذا من الواضح أن حكمه الشرعي محسوم وبين وجلي وواضح , أقصد البيعة والشورى من المسلمين فيمن يكون خليفة عليهم!!!
فهو يدافع عن الرجوع للأمة بأخذ رأيها وأما الترشيح نفسه فهذه إحدى وسائله، لكن لا بد من إجماع الأمر قبل نفاذ الأمر، وهذا ما حصل في السقيفة فعلا، فقد قال ابسط يدك وبايع وتسابق المسلمون لبيعته، فقال معلقا على ذلك: وقى الله شرها، أي تمت بالشكل الصحيح، ولولا ذلك لكانت خطأ فادحا، فهو يريد بيان دقة الظرف ودقة الحكم، وهو يهرب من أن يرشح وهو في وضع الخليفة كي لا تفهم استخلافا ولا تتخذ ذريعة لفرض الرأي على المسلمين، لذلك رأيناه يمهد له بقوله: فمن عقلها ووعاها فليأخذ بها حيث انتهت به راحلته ، ومن خشي أن لا يعيها فلا يحل لأحد أن يكذب علي.
و أقول لبسيط و بكل بساطة : فمن عقلها ووعاها فليأخذ بها حيث انتهت به راحلته ، ومن خشي أن لا يعيها فلا يحل لأحد أن يكذب علي.
Comment