علم الحديث
مساهمة من طرف وحشة الطريق
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وال محمد الائمه والمهديين وسلم تسليما
الاخوة المتصفحين اليكم هذا الموضوع الذي كتبه احد انصار الامام المهدي ع :
علم الحديث ( حوارية )
هذه حوارية مفترضة في علم الحديث ، ولكنها رغم ذلك تمتلك رصيداً كبيراً من الواقع ، فالتجربة العملية للأخوة أنصار الله ، أنصار الإمام المهدي (ع) حافلة بمناقشات كان علم الحديث بصورته المستهجنة المتعارفة بين شيعة هذا الزمان حجر عثرة تحول دون تحقيق نتائجها المرجوة . فالحوارية إذن صورة لما يجري في أرض الواقع ، ولكنها على أية حال صورة ملطفة ، ودع عنك نهباً صيح في حجراته . وإليكم الآن هذه الحوارية :
بعد أن قرأت عليه بعض الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) ، ومنها رواية الوصية الواردة عن رسول الله (ص) التي يرويها الشيخ الطوسي في كتابه ( الغيبة ) ، أجابني بالقول :
- أنت تعلم أن الروايات لابد أن تخضع لمنهج التحقق من صحة السند لمعرفة صحة صدورها من عدمه ، وهذه الرواية – أي رواية الوصية – لا يمكن قبولها ما لم نتحقق من وثاقة رجال سندها .
- قلت : أنت إذن تريد التأكد من صحة صدور الرواية عن أهل البيت (ع) ، وتنتهج لأجل هذه الغاية منهجاً يعتمد على التحقق من وثاقة الرواة .
- نعم .
- حسناً ، ولكن ألا ترى معي أن هذا المنهج لا يحقق المطلوب ، بمعنى إنك تستهدف التأكد من صحة صدور الرواية ، ولكن منهجك الذي يقف عند التحقق من وثاقة الرواة – أي كونهم ثقاة لا يكذبون – لا يمكّنك من الوصول الى النتيجة لأن التأكد من وثاقة الرواة لا يعني إننا قد تأكدنا من صحة صدور الرواية ، فالراوي الثقة يمكن أن يخطأ في النقل ، و يمكن أن ينسى ، و يمكن أن تجري عليه غيرها من الآفات ، فيحدث تغيير في الرواية ، وبالنتيجة فإن التحقق من وثاقة الراوي لا يعني إننا قد تأكدنا من صدور الرواية فقد يصلنا من الثقة مضمون غير صحيح ، فهذا المنهج فاشل إذن .
- ولكن ماذا نفعل ! نحن نعلم أن ثمة من الوضّاعين من أدخل في الحديث كثيراً من الأباطيل ، لابد إذن من طريقة نغربل بها الأحاديث ، لنعرف الصحيح من غيره .
- ولكن هل منهجك الذي يرتكز على التحقق من وثاقة الرواة قادر على النهوض بهذه المهمة ، دعنا أولاً نبت في هذه المسألة ؟
- بعد الذي سمعته منك أقول : لا ، غير قادر ، والآن هل لك أن تجيب على سؤالي ؛ ماذا نفعل إذن ؟
- نعم .. جيد ، أردت فقط أن نمضي في حديثنا دون أن نترك خلفنا شيئاً يفسد علينا المتابعة ، ولتسمح لي قبل الجواب أن أسرد عليك بعضاً من أحاديث أهل البيت (ع) بخصوص منهجك لتكتمل الصورة : عن سفيان بن السمط قال : ( قلت : لأبي عبدالله (ع) جعلت فداك يأتينا الرجل من قبلكم يُعرف بالكذب فيحدث بالحديث فنبشعه ، فقال (ع) يقول لك أني قلت الليل إنه نهار والنهار إنه ليل قلت : لا ، قال (ع) فأن قال لك هذا أني قلته فلا تكذب به فأنك إنما تكذبني ) [بصائر الدرجات الحسن بن سليمان الحلي ص76] .
وعن أبي عبدالله (ع) قال : ( لا تكذبوا بحديث أتاكم به أحد فأنكم لا تدرون لعله من الحق فتكذبون الله فوق عرشه ) [البحار ج1 ص128] .
وورد في حديث آخر قال الراوي قلت لأبي عبدالله (ع) : أن الرجل يأتينا من قبلكم فيخبرنا عنك بالعظيم من الأمر فتضيق لذلك صدورنا حتى تكذبه فقال أبو عبدالله (ع) أليس عني يحدثكم ، قلت : بلى ، فقال أبو عبدالله (ع) فيقول لليل أنه نهار والنهار أنه ليل ، فقلت : لا قال فردوه إلينا فإنك إذا كذبته فإنما تكذبنا ) [بصائر الدرجات ص76 . البحار ج1 ص128].
وعن أبي عبيدة الحذاء قال : سمعت أبا جعفر (ع) يقول : ( والله إن أحب أصحابي إلي أورعهم وأكتمهم لحديثنا وإن أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم الذي إذا سمع الحديث يُنسب إلينا ويُروى عنا فلم يقبله واشمأز منه وجحده وكفر من دان به وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج وإلينا أسند فيكون بذلك خارجاً عن ولايتنا ) . [الوسائل ج3 باب القضاء ص419]
وعن أبي بصير عن أبي جعفر(ع) أو عن أبي عبد الله (ع) قال : ( سمعته يقول : لاتكذبوا الحديث أتاكم به مرجيء ولا قدري ولاخارجي نسبه إلينا فأنكم لاتدرون لعله شئ من الحق فتكذبون الله فوق عرشه ) [بصائر الدرجات ص77 . البحار ج1 ص129]
بل أنهم عليهم السلام مدحوا المسلّمين لهم ولأقوالهم .
عن زيد الشحام ، عن أبي عبدالله (ع) قال : قلت له : ( إن عندنا رجلا" يقال له (كليب) فلا يجيء عنكم شئ إلا قال : أنا اسلّم ، فسميناه كليب تسليم ، قال : فترحم عليه ، ثم قال أتدرون مالتسليم ؟ فسكتنا ، فقال : هو والله الإخبات ، قول الله عز وجل ( الذين أمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا الى ربهم ) ) [أصول الكافي ج1 ص443] .
وعن أبي جعفر (ع) في قول الله عز وجل : (ومن يقترف حسنة" نزد له فيها حسنا" ) قال : ( الاقتراف التسليم لنا والصدق علينا وألا يكذب علينا ) [أصول الكافي ج1 ص 443] .
وعن أبي عبدالله (ع) قال : ( من سره أن يستكمل الإيمان كله فليقل : القول مني في جميع الأشياء ، قول آل محمد فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني ) [أصول الكافي ج1 ص443] .
والآن الى جواب سؤالك ( ماذا نفعل ؟ ) ؛ لعلك تعلم إن أهل البيت (ع) قد وجهوا أصحابهم الى كتابة الحديث ، وأسمح لي بقراءة هذه الأحاديث عليك : عن المفضّل بن عمر قال : قال لي أبو عبدالله (ع) : ( أكتب وبث علمك في إخوانك فإن مت فأورث كتبك بنيك فإنه يأتي على الناس زمان هرج ومرج لايأنسون إلا بكتبهم ) [أصول الكافي ج1 ص72] . وعن عبيد بن زرارة قال : قال أبو عبدالله (ع) : ( أحتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها ) [أصول الكافي ج1 ص72] . وعن أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله (ع) يقول : ( أكتبوا فإنكم لاتحفظون حتى تكتبوا ) [مستدرك الوسائل ج3 ص181] . وعن محمد بن الحسن بن أبي خالد شينولة قال: قلت لأبي جعفرالثاني (ع) : (جعلت فداك أن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبدالله (ع) وكانت التقية شديدة فكتموا ولم ترو عنهم فلما ماتوا صارت الكتب إلينا فقال : حدثوا بها فإنها حق ) [أصول الكافي ج1 ص73] .
وبالفعل فقد دوّن أصحاب الأئمة المخلصون أربعمائة كتاب تضم رواياتهم (ع) وعرضوها عليهم (ع) فأثنوا عليها . فقد روي أنه عُرض على الإمام الصادق (ع) كتاب عبدالله بن علي الحلبي فأستحسنه وصححه . وعُرض على الإمام العسكري (ع) كتاب (الأيضاح) لفضل بن شاذان النيسابوري وكتاب يونس بن عبدالرحمن وغيرها. وسميت هذه الكتب الأربعمائة بالأصول الأربعمائة ، وبقيت هذه الأصول الأربعمائة يتداولها الشيعة جيلاً بعد جيل يحفظوها ويدرسونها .
وإليك بعض من كلام الفقهاء في كتبهم عن مسيرة تدوين روايات أهل البيت (ع) :-
* قال العلامة الطبرسي الفضل بن الحسن في كتابه ( أعلام الورى ) ما نصه : قد تظافر النقل بأن الذين رووا عن أبي عبدالله (ع) جعفر بن محمد الصادق (ع) من مشهوري أهل العلم أربعة آلاف إنسان وصنف عنه أربعمائة كتاب معروفة عند الشيعة تسمى الأصول رواها أصحابه وأصحاب ابنه موسى (ع) .
* قال الشيخ نجم الدين المحقق جعفر بن سعيد صاحب كتاب الشرائع والمعتبر في الفقه قال في المعتبر ما نصه : ( روى عن الصادق (ع) مايقارب أربعة الآف رجل وبرز بتعليمه من الفقهاء الأفاضل جمّ غفير إلى أن قال حتى كتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنف سموها الأصول ) .
* وقال الحر العاملي صاحب الوسائل في الفائدة التاسعة من خاتمة الوسائل ( ذكر الإستدلال على صحة أحاديث الكتب الأربعة ) ما نصه أنا قد علمنا قطعياً بالتواتر والأخبار المحفوفة بالقرائن أنه قد دأب قدماؤنا وأئمتنا في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة على ضبط الأحاديث وتدوينها في مجالس الأئمة (ع) وغيرها وكانت همة علمائنا مصروفة في تلك المدة الطويلة الى تأليف ما يُحتاج إليه من أحكام الدين ليعمل بها الشيعة وقد بذلوا أعمارهم في تصحيحها وضبطها وعرضها على أهل العصمة (ع) وأستمر ذلك إلى زمان الأئمة الثلاثة أصحاب الكتب الأربعة وبقيت تلك المؤلفات بعدهم أيضاً مدة وأنهم نقلوا كتبهم من تلك الكتب المعلومة المُجمع على ثبوتها وكثير من تلك الكتب وصلت إلينا ) .
* وصرح الشيخ البهائي في وجيزته ، قال :- ( جميع أحاديثنا إلا ماندر تنتهي إلى الأئمة (ع) وهم ينتهون فيها إلى النبي (ص) ... إلى أن قال : وقد كان جمع قدماء محدثينا ما وصل إليهم من كلام أئمتنـا (ع) في أربعمائة كتاب تسمى الأصول ثم تصدى جماعة من المتأخرين ( شكر الله سعيهم ) لجمع تلك الكتب وترتيبها تقليلاً لانتشارها وتسهيلاً على طالبي تلك الأخبار . فألفوا كتباً مضبوطة مهذبة مشتملة على الأسانيد المتصلة بأصحاب العصمة (ع) كالكافي ، مدينة العلم ، الخصال ،عيون الأخبار وغيرها ) .
* وقد صرح الشيخ يوسف البحراني في كتابه الحدائق الناظرة بما نصه : أنه كان دأب قدماء أصحابنا إلى وقت المحمدين الثلاثة في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة ضبط الأحاديث وتدوينها في مجالس الأئمة (ع) والمسارعة إلى إثبات مايسمعونه خوفاً من تطرق السهو والنسيان وعرض ذلك عليهم (ع) وقد صنفوا تلك الأصول الأربعمائة المنقولة كلياً من أجوبتهم (ع) وأنهم ماكانوا يستحلون رواية مالم يجزموا بصحتها .
وقد روي أنه عرض على الصادق (ع) كتاب عبدالله بن علي الحلبي فأستحسنه وصححه وعلى العسكري (ع) كتاب يونس بن عبدالرحمن وكتاب الفضل بن شاذان فأثنى عليهما . وكانوا (ع) يوقفون أصحابهم على أحوال أولئك الكذابين ويأمرون بمجانبتهم وعرض ما يرد من جهتهم على الكتاب العزيز والسنّة النبوية وترك ماخالفهما .
* وقال الأستاذ جواد عبدالنبي المظفر في كتابه (هذا طريقنا إلى معالم الدين) ما نصه : لقد دوّن القدماء من الشيعة أربعمائة كتاب تسمى الأصول الأربعمائة وكانت جميعها متداولة بين الشيعة يتناسخونها ويحفظونها ويدرسونها مع مرور الضيق والشدة عليهم في جميع أدوارهم ثم جاء المتأخرون من الشيعة فجمعوا من تلك الأصول الأربعمائة المحفوظة المُتلقاة من العلماء المشاهير يداً على يد على الأئمة (ع) ووكلائهم فلخصوها في جوامع كبار صحيحة معتبرة عليها المعوّل وإليها المرجع عند الشيعة اليوم في هذا العصر وكل العصور وإعتبارها وصحتها ، بعضها متواتر بين الشيعة ومشهور بينهم أشتهار الشمس في رابعة النهار ، إنتهى كلامه .
بعد هذا الذي عرضته عليك أظنك تستطيع الخروج بنتيجة مفادها أن أحاديثنا صحيحة على الجملة ، وهذا على أقل الفروض ، ولكي أزيدك طمأنينة ، أقول لك إن أهل البيت (ع) وضعوا لنا قواعد لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها لتمييز الحديث الصحيح من غيره ، وإليك بعض الأحاديث التي توفرت على هذه القواعد : فعن سماعة عن أبي عبدالله (ع) قال : (( سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه ، أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه ، كيف يصنع ؟ فقال : يُرجئه حتى يلقى من يُخبره ، فهو في سعة حتى يلقاه . وفي رواية أخرى : بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك )) [الكافي /ج1. ح195] .
وعن عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبدالله (ع) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة ... الى قوله : قلت : فإن كان كل رجل اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما ، واختلفا فيما حكما ، وكلاهما اختلفا في حديثكم ؟ قال : الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث و أورعهما ولا يلتفت الى ما يحكم به الآخر . قال : قلت : فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر . فقال : يُنظر الى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المُجمعُ عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه ، وإنما الأمور ثلاثة ؛ أمر بين رشده فيتبع ، وأمر بين غيه فيجتنب ، وأمر مشكل يُرد علمه الى الله والى رسوله ، قال رسول الله (ص) : حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجى من المحرمات ، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لايعلم . قلت : فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم ؟ قال : يُنظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة . قلت : جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة والآخر مخالفاً لهم بأي الخبرين يؤخذ ؟ قال : ما خالف العامة ففيه الرشاد . فقلت : جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعاً ؟ قال : يُنظر الى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر . قلت : فإن وافق حكامهم الخبرين جميعاً ؟ قال : إذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خبر من الإقتحام في الهلكات )) [الكافي/ج1:ح198] .
أقول : قوله ( الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ) يراد منه – والله أعلم – أكثرهم تسليماً لأهل البيت (ع) وأبعدهم عن استعمال فهمه الخاص أو عقله .
وعن أبي عبدالله (ع) قال : قال رسول الله (ص) : (( إن على كل حقيقة وعلى كل صواب نوراً فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه )) [نفسه:ح199] .
وعن عبدالله بن أبي يعفور قال : (( وحدثني حسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس ، قال : سألت أبا عبدالله (ع) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به ؟ قال : إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله (ص) وإلا فالذي جاءكم به أولى به )) [نفسه :ح200] .
وعن أيوب بن الحر قال : سمعت أبا عبدالله (ع) يقول : كل شئ مردود الى الكتاب والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف )) [نفسه:ح201] . أي وإن صح سنده كما يعبرون .
وعنه (ع) قال : (( ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف )) [نفسه : ح202] .
وعنه (ع) قال : (( خطب النبي (ص) بمنى فقال : أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله )) [نفسه :ح203] .
هذه نبذة مختصرة من أحاديث أهل البيت (ع) ، وثمة غيرها أحاديث كثيرة يمكن الرجوع إليها في مظانها ، يتبين منها أن أهل البيت (ع) قد جعلوا من موافقة حديثهم لكتاب الله ضابطة لا تخطئ ، وحجة معصومة لمعرفة صحيح الحديث من غيره .
- قال : ولكن ألا ترى معي أن حديثك هذا يستلزم الدور كما يعبر المناطقة ، فأنت تقول أنه قد وردت عن أهل البيت (ع) أحاديث ترسم لنا الطريق الصحيح لمعرفة صحة الصدور ، ولكن هذه الأحاديث نفسها نحتاج الى معرفة صحة صدورها ؟
- نعم ، لا بأس أنت ترى هذا ، ولكن أسمح لي بأن أسالك أولاً : هل تعتقد إذن إن علينا العودة الى منهجك في توثيق الرواة ؟
- لا بالتأكيد ، لا يسعنا هذا بعد أن ثبت بطلان ذلك المنهج ، ولكني أقول إن المنهج الذي عرضته الآن يرد عليه الإشكال الذي أسمعتك إياه ، فما المخرج ؟ ولكي أكون إيجابياً معك أقول : إننا عدنا الآن الى نقطة الصفر ، فأمامنا الآن أحاديث نعلم على الإجمال بأن بعض الأحاديث الموضوعة قد اندست فيها ، ونحتاج إذن الى منهج يفرز صحيحها عن سقيمها .
- جيد جداً ، لقد بلغنا الآن النقطة الفاصلة التي أردتك أن تلتفت إليها ، أرجو أن تمعن النظر فيما سأقول لك . يجب أن نتفق أولاً على أن أحاديث أهل البيت (ع) هي المبينة والمفسرة لكتاب الله ولحدود الله ، وهي من هنا ضرورية الوجود ، أليس كذلك ؟
- نعم هذا أمر لا يسع أحد إنكاره .
- ومعنى كونها ضرورية يتضمن مبدأ التسليم لكل ما يرد عنهم (ع) ، ولكن حدث أن دخل على حديثهم ما لم يقولوه ( الأحاديث الموضوعة ) وهنا رأى البعض أن يتغير الموقف من أحاديثهم (ع) من التسليم الى الشك ، أي إن الموقف المبدئي من أحاديث أهل البيت (ع) أضحى بحسب هذا البعض متمثلاً بالشك في صدورها حتى يتبين الخلاف ، ومن هذا المنطلق تم اقتراح المنهجين المذكورين آنفاً ، والآن تقول إن المنهجين كليهما تحف بهما الإشكالات ، وتسألني عن المخرج ، أقول لك إن المخرج واضح بيّن .
- كيف ذلك ؟
- أقول إن ورود الأخبار بأن ثمة دخيلاً قد اختلط بحديث أهل البيت (ع) لا يعني أن ننتقل من موقف التسليم الى موقف الشك ، إنه بعبارة أخرى لا يعني أن نتخذ موقفاً مفاده : إن كل الأحاديث مشكوك في صدورها إلا ما خرج بدليل ، بل لابد أن نبقى ملتزمين بموقف التسليم ، فتكون القاعدة : إن كل الأحاديث صحيحة الصدور إلا ما خرج بدليل ، وبهذا لا يكون موقف الشك هو الرائد بل موقف التسليم ، فإذا ما شككنا بحديث نعود الى القواعد التي وضعتها أحاديث أهل البيت (ع) لنتحقق من صدوره ، وفي هذه الحالة لا يعود وارداً الدور الذي تحدثت عنه .
- وضح ذلك رجاءً .
- نعم ، الدور الذي تحدثت عنه يرد فيما لو كان الموقف المبدئي هو الشك في كل الأحاديث ، إذ عندئذ كيف يُصار الى استخلاص قاعدة من نفس الأحاديث المشكوك فيها لإبطال الشك في نفس هذه الأحاديث ، أما إذا كان الموقف المبدئي هو القول بصحة الأحاديث على الجملة ، مع إبقاء هامش للشك في بعضها ، فإن من الممكن الصيرورة الى القواعد المشار إليها لإبطال الشك أو قطعه باليقين كما يعبرون .
- وكيف نطمئن الى أن الأحاديث التي تتضمن القواعد التي تتحدث عنها ليست موضوعة ؟
- هذا ممكن جداً ، فالأحاديث التي تتحدث عن موافقة كلامهم للقرآن ضرورية الصدق كما لا يخفى ، فهم عدل القرآن ، كما أن موافقتها للقرآن تعني إن مضمونها موجود أصلاً في القرآن فما الداعي إذن لرفضها ؟ بل لأكون واضحاً ، إن موافقة حديثهم (ع) للقرآن مسألة من صلب العقيدة فهم كما أشرت آنفاً المنصّبين من الله تعالى لبيان القرآن ، أما الأحاديث التي تنص على أنهم (ع) كانوا يوجهون أصحابهم لكتابة الحديث فتوجد الكثير من الدلائل على صحتها فهي واقع تأريخي على أية حال ، وهكذا دواليك مع القواعد الأخرى فالأدلة والقرائن كثيرة .
- أفهم من كلامك أنك تقول إن المنهج الثاني الذي عرضته واستشهدت عليه بروايات أهل البيت صحيح تماماً على أن نلاحظ مسالة واحدة هي أن الموقف المبدئي لابد أن يكون هو التسليم ، وإذا اعترضنا الشك عندئذ نصير الى قواعد ذلك المنهج .
- نعم صحيح .
انتهى
يتبع رجاءا
مساهمة من طرف وحشة الطريق
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد وال محمد الائمه والمهديين وسلم تسليما
الاخوة المتصفحين اليكم هذا الموضوع الذي كتبه احد انصار الامام المهدي ع :
علم الحديث ( حوارية )
هذه حوارية مفترضة في علم الحديث ، ولكنها رغم ذلك تمتلك رصيداً كبيراً من الواقع ، فالتجربة العملية للأخوة أنصار الله ، أنصار الإمام المهدي (ع) حافلة بمناقشات كان علم الحديث بصورته المستهجنة المتعارفة بين شيعة هذا الزمان حجر عثرة تحول دون تحقيق نتائجها المرجوة . فالحوارية إذن صورة لما يجري في أرض الواقع ، ولكنها على أية حال صورة ملطفة ، ودع عنك نهباً صيح في حجراته . وإليكم الآن هذه الحوارية :
بعد أن قرأت عليه بعض الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) ، ومنها رواية الوصية الواردة عن رسول الله (ص) التي يرويها الشيخ الطوسي في كتابه ( الغيبة ) ، أجابني بالقول :
- أنت تعلم أن الروايات لابد أن تخضع لمنهج التحقق من صحة السند لمعرفة صحة صدورها من عدمه ، وهذه الرواية – أي رواية الوصية – لا يمكن قبولها ما لم نتحقق من وثاقة رجال سندها .
- قلت : أنت إذن تريد التأكد من صحة صدور الرواية عن أهل البيت (ع) ، وتنتهج لأجل هذه الغاية منهجاً يعتمد على التحقق من وثاقة الرواة .
- نعم .
- حسناً ، ولكن ألا ترى معي أن هذا المنهج لا يحقق المطلوب ، بمعنى إنك تستهدف التأكد من صحة صدور الرواية ، ولكن منهجك الذي يقف عند التحقق من وثاقة الرواة – أي كونهم ثقاة لا يكذبون – لا يمكّنك من الوصول الى النتيجة لأن التأكد من وثاقة الرواة لا يعني إننا قد تأكدنا من صحة صدور الرواية ، فالراوي الثقة يمكن أن يخطأ في النقل ، و يمكن أن ينسى ، و يمكن أن تجري عليه غيرها من الآفات ، فيحدث تغيير في الرواية ، وبالنتيجة فإن التحقق من وثاقة الراوي لا يعني إننا قد تأكدنا من صدور الرواية فقد يصلنا من الثقة مضمون غير صحيح ، فهذا المنهج فاشل إذن .
- ولكن ماذا نفعل ! نحن نعلم أن ثمة من الوضّاعين من أدخل في الحديث كثيراً من الأباطيل ، لابد إذن من طريقة نغربل بها الأحاديث ، لنعرف الصحيح من غيره .
- ولكن هل منهجك الذي يرتكز على التحقق من وثاقة الرواة قادر على النهوض بهذه المهمة ، دعنا أولاً نبت في هذه المسألة ؟
- بعد الذي سمعته منك أقول : لا ، غير قادر ، والآن هل لك أن تجيب على سؤالي ؛ ماذا نفعل إذن ؟
- نعم .. جيد ، أردت فقط أن نمضي في حديثنا دون أن نترك خلفنا شيئاً يفسد علينا المتابعة ، ولتسمح لي قبل الجواب أن أسرد عليك بعضاً من أحاديث أهل البيت (ع) بخصوص منهجك لتكتمل الصورة : عن سفيان بن السمط قال : ( قلت : لأبي عبدالله (ع) جعلت فداك يأتينا الرجل من قبلكم يُعرف بالكذب فيحدث بالحديث فنبشعه ، فقال (ع) يقول لك أني قلت الليل إنه نهار والنهار إنه ليل قلت : لا ، قال (ع) فأن قال لك هذا أني قلته فلا تكذب به فأنك إنما تكذبني ) [بصائر الدرجات الحسن بن سليمان الحلي ص76] .
وعن أبي عبدالله (ع) قال : ( لا تكذبوا بحديث أتاكم به أحد فأنكم لا تدرون لعله من الحق فتكذبون الله فوق عرشه ) [البحار ج1 ص128] .
وورد في حديث آخر قال الراوي قلت لأبي عبدالله (ع) : أن الرجل يأتينا من قبلكم فيخبرنا عنك بالعظيم من الأمر فتضيق لذلك صدورنا حتى تكذبه فقال أبو عبدالله (ع) أليس عني يحدثكم ، قلت : بلى ، فقال أبو عبدالله (ع) فيقول لليل أنه نهار والنهار أنه ليل ، فقلت : لا قال فردوه إلينا فإنك إذا كذبته فإنما تكذبنا ) [بصائر الدرجات ص76 . البحار ج1 ص128].
وعن أبي عبيدة الحذاء قال : سمعت أبا جعفر (ع) يقول : ( والله إن أحب أصحابي إلي أورعهم وأكتمهم لحديثنا وإن أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم الذي إذا سمع الحديث يُنسب إلينا ويُروى عنا فلم يقبله واشمأز منه وجحده وكفر من دان به وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج وإلينا أسند فيكون بذلك خارجاً عن ولايتنا ) . [الوسائل ج3 باب القضاء ص419]
وعن أبي بصير عن أبي جعفر(ع) أو عن أبي عبد الله (ع) قال : ( سمعته يقول : لاتكذبوا الحديث أتاكم به مرجيء ولا قدري ولاخارجي نسبه إلينا فأنكم لاتدرون لعله شئ من الحق فتكذبون الله فوق عرشه ) [بصائر الدرجات ص77 . البحار ج1 ص129]
بل أنهم عليهم السلام مدحوا المسلّمين لهم ولأقوالهم .
عن زيد الشحام ، عن أبي عبدالله (ع) قال : قلت له : ( إن عندنا رجلا" يقال له (كليب) فلا يجيء عنكم شئ إلا قال : أنا اسلّم ، فسميناه كليب تسليم ، قال : فترحم عليه ، ثم قال أتدرون مالتسليم ؟ فسكتنا ، فقال : هو والله الإخبات ، قول الله عز وجل ( الذين أمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا الى ربهم ) ) [أصول الكافي ج1 ص443] .
وعن أبي جعفر (ع) في قول الله عز وجل : (ومن يقترف حسنة" نزد له فيها حسنا" ) قال : ( الاقتراف التسليم لنا والصدق علينا وألا يكذب علينا ) [أصول الكافي ج1 ص 443] .
وعن أبي عبدالله (ع) قال : ( من سره أن يستكمل الإيمان كله فليقل : القول مني في جميع الأشياء ، قول آل محمد فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني ) [أصول الكافي ج1 ص443] .
والآن الى جواب سؤالك ( ماذا نفعل ؟ ) ؛ لعلك تعلم إن أهل البيت (ع) قد وجهوا أصحابهم الى كتابة الحديث ، وأسمح لي بقراءة هذه الأحاديث عليك : عن المفضّل بن عمر قال : قال لي أبو عبدالله (ع) : ( أكتب وبث علمك في إخوانك فإن مت فأورث كتبك بنيك فإنه يأتي على الناس زمان هرج ومرج لايأنسون إلا بكتبهم ) [أصول الكافي ج1 ص72] . وعن عبيد بن زرارة قال : قال أبو عبدالله (ع) : ( أحتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها ) [أصول الكافي ج1 ص72] . وعن أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله (ع) يقول : ( أكتبوا فإنكم لاتحفظون حتى تكتبوا ) [مستدرك الوسائل ج3 ص181] . وعن محمد بن الحسن بن أبي خالد شينولة قال: قلت لأبي جعفرالثاني (ع) : (جعلت فداك أن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبدالله (ع) وكانت التقية شديدة فكتموا ولم ترو عنهم فلما ماتوا صارت الكتب إلينا فقال : حدثوا بها فإنها حق ) [أصول الكافي ج1 ص73] .
وبالفعل فقد دوّن أصحاب الأئمة المخلصون أربعمائة كتاب تضم رواياتهم (ع) وعرضوها عليهم (ع) فأثنوا عليها . فقد روي أنه عُرض على الإمام الصادق (ع) كتاب عبدالله بن علي الحلبي فأستحسنه وصححه . وعُرض على الإمام العسكري (ع) كتاب (الأيضاح) لفضل بن شاذان النيسابوري وكتاب يونس بن عبدالرحمن وغيرها. وسميت هذه الكتب الأربعمائة بالأصول الأربعمائة ، وبقيت هذه الأصول الأربعمائة يتداولها الشيعة جيلاً بعد جيل يحفظوها ويدرسونها .
وإليك بعض من كلام الفقهاء في كتبهم عن مسيرة تدوين روايات أهل البيت (ع) :-
* قال العلامة الطبرسي الفضل بن الحسن في كتابه ( أعلام الورى ) ما نصه : قد تظافر النقل بأن الذين رووا عن أبي عبدالله (ع) جعفر بن محمد الصادق (ع) من مشهوري أهل العلم أربعة آلاف إنسان وصنف عنه أربعمائة كتاب معروفة عند الشيعة تسمى الأصول رواها أصحابه وأصحاب ابنه موسى (ع) .
* قال الشيخ نجم الدين المحقق جعفر بن سعيد صاحب كتاب الشرائع والمعتبر في الفقه قال في المعتبر ما نصه : ( روى عن الصادق (ع) مايقارب أربعة الآف رجل وبرز بتعليمه من الفقهاء الأفاضل جمّ غفير إلى أن قال حتى كتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنف سموها الأصول ) .
* وقال الحر العاملي صاحب الوسائل في الفائدة التاسعة من خاتمة الوسائل ( ذكر الإستدلال على صحة أحاديث الكتب الأربعة ) ما نصه أنا قد علمنا قطعياً بالتواتر والأخبار المحفوفة بالقرائن أنه قد دأب قدماؤنا وأئمتنا في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة على ضبط الأحاديث وتدوينها في مجالس الأئمة (ع) وغيرها وكانت همة علمائنا مصروفة في تلك المدة الطويلة الى تأليف ما يُحتاج إليه من أحكام الدين ليعمل بها الشيعة وقد بذلوا أعمارهم في تصحيحها وضبطها وعرضها على أهل العصمة (ع) وأستمر ذلك إلى زمان الأئمة الثلاثة أصحاب الكتب الأربعة وبقيت تلك المؤلفات بعدهم أيضاً مدة وأنهم نقلوا كتبهم من تلك الكتب المعلومة المُجمع على ثبوتها وكثير من تلك الكتب وصلت إلينا ) .
* وصرح الشيخ البهائي في وجيزته ، قال :- ( جميع أحاديثنا إلا ماندر تنتهي إلى الأئمة (ع) وهم ينتهون فيها إلى النبي (ص) ... إلى أن قال : وقد كان جمع قدماء محدثينا ما وصل إليهم من كلام أئمتنـا (ع) في أربعمائة كتاب تسمى الأصول ثم تصدى جماعة من المتأخرين ( شكر الله سعيهم ) لجمع تلك الكتب وترتيبها تقليلاً لانتشارها وتسهيلاً على طالبي تلك الأخبار . فألفوا كتباً مضبوطة مهذبة مشتملة على الأسانيد المتصلة بأصحاب العصمة (ع) كالكافي ، مدينة العلم ، الخصال ،عيون الأخبار وغيرها ) .
* وقد صرح الشيخ يوسف البحراني في كتابه الحدائق الناظرة بما نصه : أنه كان دأب قدماء أصحابنا إلى وقت المحمدين الثلاثة في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة ضبط الأحاديث وتدوينها في مجالس الأئمة (ع) والمسارعة إلى إثبات مايسمعونه خوفاً من تطرق السهو والنسيان وعرض ذلك عليهم (ع) وقد صنفوا تلك الأصول الأربعمائة المنقولة كلياً من أجوبتهم (ع) وأنهم ماكانوا يستحلون رواية مالم يجزموا بصحتها .
وقد روي أنه عرض على الصادق (ع) كتاب عبدالله بن علي الحلبي فأستحسنه وصححه وعلى العسكري (ع) كتاب يونس بن عبدالرحمن وكتاب الفضل بن شاذان فأثنى عليهما . وكانوا (ع) يوقفون أصحابهم على أحوال أولئك الكذابين ويأمرون بمجانبتهم وعرض ما يرد من جهتهم على الكتاب العزيز والسنّة النبوية وترك ماخالفهما .
* وقال الأستاذ جواد عبدالنبي المظفر في كتابه (هذا طريقنا إلى معالم الدين) ما نصه : لقد دوّن القدماء من الشيعة أربعمائة كتاب تسمى الأصول الأربعمائة وكانت جميعها متداولة بين الشيعة يتناسخونها ويحفظونها ويدرسونها مع مرور الضيق والشدة عليهم في جميع أدوارهم ثم جاء المتأخرون من الشيعة فجمعوا من تلك الأصول الأربعمائة المحفوظة المُتلقاة من العلماء المشاهير يداً على يد على الأئمة (ع) ووكلائهم فلخصوها في جوامع كبار صحيحة معتبرة عليها المعوّل وإليها المرجع عند الشيعة اليوم في هذا العصر وكل العصور وإعتبارها وصحتها ، بعضها متواتر بين الشيعة ومشهور بينهم أشتهار الشمس في رابعة النهار ، إنتهى كلامه .
بعد هذا الذي عرضته عليك أظنك تستطيع الخروج بنتيجة مفادها أن أحاديثنا صحيحة على الجملة ، وهذا على أقل الفروض ، ولكي أزيدك طمأنينة ، أقول لك إن أهل البيت (ع) وضعوا لنا قواعد لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها لتمييز الحديث الصحيح من غيره ، وإليك بعض الأحاديث التي توفرت على هذه القواعد : فعن سماعة عن أبي عبدالله (ع) قال : (( سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه ، أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه ، كيف يصنع ؟ فقال : يُرجئه حتى يلقى من يُخبره ، فهو في سعة حتى يلقاه . وفي رواية أخرى : بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك )) [الكافي /ج1. ح195] .
وعن عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبدالله (ع) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة ... الى قوله : قلت : فإن كان كل رجل اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما ، واختلفا فيما حكما ، وكلاهما اختلفا في حديثكم ؟ قال : الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث و أورعهما ولا يلتفت الى ما يحكم به الآخر . قال : قلت : فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر . فقال : يُنظر الى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المُجمعُ عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه ، وإنما الأمور ثلاثة ؛ أمر بين رشده فيتبع ، وأمر بين غيه فيجتنب ، وأمر مشكل يُرد علمه الى الله والى رسوله ، قال رسول الله (ص) : حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجى من المحرمات ، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لايعلم . قلت : فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم ؟ قال : يُنظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة . قلت : جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة والآخر مخالفاً لهم بأي الخبرين يؤخذ ؟ قال : ما خالف العامة ففيه الرشاد . فقلت : جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعاً ؟ قال : يُنظر الى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر . قلت : فإن وافق حكامهم الخبرين جميعاً ؟ قال : إذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خبر من الإقتحام في الهلكات )) [الكافي/ج1:ح198] .
أقول : قوله ( الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ) يراد منه – والله أعلم – أكثرهم تسليماً لأهل البيت (ع) وأبعدهم عن استعمال فهمه الخاص أو عقله .
وعن أبي عبدالله (ع) قال : قال رسول الله (ص) : (( إن على كل حقيقة وعلى كل صواب نوراً فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه )) [نفسه:ح199] .
وعن عبدالله بن أبي يعفور قال : (( وحدثني حسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس ، قال : سألت أبا عبدالله (ع) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به ؟ قال : إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله (ص) وإلا فالذي جاءكم به أولى به )) [نفسه :ح200] .
وعن أيوب بن الحر قال : سمعت أبا عبدالله (ع) يقول : كل شئ مردود الى الكتاب والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف )) [نفسه:ح201] . أي وإن صح سنده كما يعبرون .
وعنه (ع) قال : (( ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف )) [نفسه : ح202] .
وعنه (ع) قال : (( خطب النبي (ص) بمنى فقال : أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله )) [نفسه :ح203] .
هذه نبذة مختصرة من أحاديث أهل البيت (ع) ، وثمة غيرها أحاديث كثيرة يمكن الرجوع إليها في مظانها ، يتبين منها أن أهل البيت (ع) قد جعلوا من موافقة حديثهم لكتاب الله ضابطة لا تخطئ ، وحجة معصومة لمعرفة صحيح الحديث من غيره .
- قال : ولكن ألا ترى معي أن حديثك هذا يستلزم الدور كما يعبر المناطقة ، فأنت تقول أنه قد وردت عن أهل البيت (ع) أحاديث ترسم لنا الطريق الصحيح لمعرفة صحة الصدور ، ولكن هذه الأحاديث نفسها نحتاج الى معرفة صحة صدورها ؟
- نعم ، لا بأس أنت ترى هذا ، ولكن أسمح لي بأن أسالك أولاً : هل تعتقد إذن إن علينا العودة الى منهجك في توثيق الرواة ؟
- لا بالتأكيد ، لا يسعنا هذا بعد أن ثبت بطلان ذلك المنهج ، ولكني أقول إن المنهج الذي عرضته الآن يرد عليه الإشكال الذي أسمعتك إياه ، فما المخرج ؟ ولكي أكون إيجابياً معك أقول : إننا عدنا الآن الى نقطة الصفر ، فأمامنا الآن أحاديث نعلم على الإجمال بأن بعض الأحاديث الموضوعة قد اندست فيها ، ونحتاج إذن الى منهج يفرز صحيحها عن سقيمها .
- جيد جداً ، لقد بلغنا الآن النقطة الفاصلة التي أردتك أن تلتفت إليها ، أرجو أن تمعن النظر فيما سأقول لك . يجب أن نتفق أولاً على أن أحاديث أهل البيت (ع) هي المبينة والمفسرة لكتاب الله ولحدود الله ، وهي من هنا ضرورية الوجود ، أليس كذلك ؟
- نعم هذا أمر لا يسع أحد إنكاره .
- ومعنى كونها ضرورية يتضمن مبدأ التسليم لكل ما يرد عنهم (ع) ، ولكن حدث أن دخل على حديثهم ما لم يقولوه ( الأحاديث الموضوعة ) وهنا رأى البعض أن يتغير الموقف من أحاديثهم (ع) من التسليم الى الشك ، أي إن الموقف المبدئي من أحاديث أهل البيت (ع) أضحى بحسب هذا البعض متمثلاً بالشك في صدورها حتى يتبين الخلاف ، ومن هذا المنطلق تم اقتراح المنهجين المذكورين آنفاً ، والآن تقول إن المنهجين كليهما تحف بهما الإشكالات ، وتسألني عن المخرج ، أقول لك إن المخرج واضح بيّن .
- كيف ذلك ؟
- أقول إن ورود الأخبار بأن ثمة دخيلاً قد اختلط بحديث أهل البيت (ع) لا يعني أن ننتقل من موقف التسليم الى موقف الشك ، إنه بعبارة أخرى لا يعني أن نتخذ موقفاً مفاده : إن كل الأحاديث مشكوك في صدورها إلا ما خرج بدليل ، بل لابد أن نبقى ملتزمين بموقف التسليم ، فتكون القاعدة : إن كل الأحاديث صحيحة الصدور إلا ما خرج بدليل ، وبهذا لا يكون موقف الشك هو الرائد بل موقف التسليم ، فإذا ما شككنا بحديث نعود الى القواعد التي وضعتها أحاديث أهل البيت (ع) لنتحقق من صدوره ، وفي هذه الحالة لا يعود وارداً الدور الذي تحدثت عنه .
- وضح ذلك رجاءً .
- نعم ، الدور الذي تحدثت عنه يرد فيما لو كان الموقف المبدئي هو الشك في كل الأحاديث ، إذ عندئذ كيف يُصار الى استخلاص قاعدة من نفس الأحاديث المشكوك فيها لإبطال الشك في نفس هذه الأحاديث ، أما إذا كان الموقف المبدئي هو القول بصحة الأحاديث على الجملة ، مع إبقاء هامش للشك في بعضها ، فإن من الممكن الصيرورة الى القواعد المشار إليها لإبطال الشك أو قطعه باليقين كما يعبرون .
- وكيف نطمئن الى أن الأحاديث التي تتضمن القواعد التي تتحدث عنها ليست موضوعة ؟
- هذا ممكن جداً ، فالأحاديث التي تتحدث عن موافقة كلامهم للقرآن ضرورية الصدق كما لا يخفى ، فهم عدل القرآن ، كما أن موافقتها للقرآن تعني إن مضمونها موجود أصلاً في القرآن فما الداعي إذن لرفضها ؟ بل لأكون واضحاً ، إن موافقة حديثهم (ع) للقرآن مسألة من صلب العقيدة فهم كما أشرت آنفاً المنصّبين من الله تعالى لبيان القرآن ، أما الأحاديث التي تنص على أنهم (ع) كانوا يوجهون أصحابهم لكتابة الحديث فتوجد الكثير من الدلائل على صحتها فهي واقع تأريخي على أية حال ، وهكذا دواليك مع القواعد الأخرى فالأدلة والقرائن كثيرة .
- أفهم من كلامك أنك تقول إن المنهج الثاني الذي عرضته واستشهدت عليه بروايات أهل البيت صحيح تماماً على أن نلاحظ مسالة واحدة هي أن الموقف المبدئي لابد أن يكون هو التسليم ، وإذا اعترضنا الشك عندئذ نصير الى قواعد ذلك المنهج .
- نعم صحيح .
انتهى
يتبع رجاءا
Comment