قد ثبت عن طريق النقل والعقل أن الحجة على الناس لا بد أن يكون معصوماً مطهراً من الذنوب والعيوب، وبما أن ورثة الأنبياء هم أولى الناس بالأنبياء ؛ لأنهم قد ورثوا العلم والحكمة وكل المواريث، فهم الحجج على الناس بعد الأنبياء.
إذن فلا بد أن يكونوا معصومين لا يأمرون الناس بمعصية، وكل شخص لا يتصف بالعصمة لا يمكن أن تكون طاعته واجبة على الناس؛ لأن غير المعصوم ممكن الخطأ والانحراف، ووجوب طاعته يكون أمراً بإتباع المخطئ والمنحرف، وهذا محال على الله تعالى.
وقد أكد الله تعالى ورسوله والأئمة الأطهار على هذه الحقيقة وأوضحوها بصورة لا يعتريها غموض، ولكن الكثير من القوم قد أسدلوا عليها الستار طمعاً بالمنصب والأتباع، ولبقاء قولهم واجب التنفيذ، وبذلك قد اغتصبوا مقام الأئمة الأطهار الذين هم ورثة الأنبياء والمرسلين .
عن أحمد بن عمر، قال: قال أبو جعفر : وأتاه رجل فقال له: إنكم أهل بيت الرحمة أختصكم الله تبارك وتعالى بها، فقال له: (كذلك نحن والحمد لله لا ندخل أحداً في ضلالة ولا نخرجه من هدى، إن الدنيا لا تذهب حتى يبعث الله رجلاً منّا أهل البيت يعمل بكتاب الله، لا يرى فيكم منكراً إلاّ أنكره) ( ).
وعن أمير المؤمنين في حديث أخذت منه مقدار الحاجة، قال : (... فلا طاعة في معصية الله ولا طاعة لمن عصى الله، إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر، وإنما أمر الله بطاعة الرسول ؛ لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر؛ لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية) ( ).
وعن علي بن الحسين قال: (الإمام منا لا يكون إلاّ معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، ولذلك لا يكون إلاّ منصوصاً. فقيل له: يا ابن رسول الله، فما معنى المعصوم ؟ فقال: هو المعتصم بحبل الله، وحبل الله القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة، والإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام، وذلك قول الله : ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾( )) ( ).
وكذلك نجد هذا المعنى واضحاً جلياً في قوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾( ). فهذه الآية نفت الإمامة عن كل ظالم، وكل عاصٍ لله تعالى فهو ظالم.
إذن لا تكون الإمامة للعاصين بل للمعصومين المهتدين فقط، وهم الأئمة المعصومون من ذرية الرسول الأكرم محمد الذين قال عنهم الله تعالى: ﴿ إنما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾( )، أي مطهرون من الشك والشرك والعصيان.
وبعد هذا يكون من التجاسر على مراتب الأئمة القول بأن العلماء الغير معصومين هم ورثة الأنبياء؛ لأنه لا يرث المعصوم إلاّ معصوم، وقد أجمعت الشيعة بأن الحجج المعصومين هم العترة الطاهرة فقط. وهم الأئمة والمهديون ، وإليك البيان من الإمام الرضا في حديث طويل بعد بيانه لإمامة إبراهيم التي وهبها الله تعالى له بعد النبوة والخلة، فقال بعد ذكر قوله تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَاقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾( )، (فلم تزل في ذريّته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرنا حتى ورّثها الله تعالى النبي ، فقال جل وتعالى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾( )، فكانت له خاصة فقلدها علياً بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله، فصارت في ذريته الأصفياء الذين أتاهم الله العلم والإيمان بقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾( )، فهي في ولد علي خاصة إلى يوم القيامة، إذ لا نبي بعد محمد فمن أين يختار هؤلاء الجهّال) ( ).
وهذا نص صريح بأن الوراثة والإمامة استمرت بعد إبراهيم إلى النبي محمد ، ثم إلى الإمام علي ، ثم الأئمة من ولده إلى يوم القيامة، فكيف يدّعيها غيرهم وصاحبها حيّ موجود بين أظهرنا وهو الحجة محمد بن الحسن العسكري ، روحي وأرواح العالمين له الفداء ؟ فهو وحده وارث الأنبياء والمرسلين والأئمة ، ومن بعده ذريته المهديون . وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتقين.
الشيخ ناظم العقيلي - كتاب ( من هم ورثة الانبياء -الاوصياء ام العلماء )
الهوامش /
- الروضة: ح579.
- الوسائل: ج18 ص93.
- الإسراء: 9.
- معاني الأخبار: ص132.
- البقرة: 124.
- الأحزاب: 33.
- الأنبياء: 72 – 73.
- آل عمران: 68.
- الروم: 56.
- الكافي: ج1 ص224.
-------------
إذن فلا بد أن يكونوا معصومين لا يأمرون الناس بمعصية، وكل شخص لا يتصف بالعصمة لا يمكن أن تكون طاعته واجبة على الناس؛ لأن غير المعصوم ممكن الخطأ والانحراف، ووجوب طاعته يكون أمراً بإتباع المخطئ والمنحرف، وهذا محال على الله تعالى.
وقد أكد الله تعالى ورسوله والأئمة الأطهار على هذه الحقيقة وأوضحوها بصورة لا يعتريها غموض، ولكن الكثير من القوم قد أسدلوا عليها الستار طمعاً بالمنصب والأتباع، ولبقاء قولهم واجب التنفيذ، وبذلك قد اغتصبوا مقام الأئمة الأطهار الذين هم ورثة الأنبياء والمرسلين .
عن أحمد بن عمر، قال: قال أبو جعفر : وأتاه رجل فقال له: إنكم أهل بيت الرحمة أختصكم الله تبارك وتعالى بها، فقال له: (كذلك نحن والحمد لله لا ندخل أحداً في ضلالة ولا نخرجه من هدى، إن الدنيا لا تذهب حتى يبعث الله رجلاً منّا أهل البيت يعمل بكتاب الله، لا يرى فيكم منكراً إلاّ أنكره) ( ).
وعن أمير المؤمنين في حديث أخذت منه مقدار الحاجة، قال : (... فلا طاعة في معصية الله ولا طاعة لمن عصى الله، إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر، وإنما أمر الله بطاعة الرسول ؛ لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر؛ لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية) ( ).
وعن علي بن الحسين قال: (الإمام منا لا يكون إلاّ معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، ولذلك لا يكون إلاّ منصوصاً. فقيل له: يا ابن رسول الله، فما معنى المعصوم ؟ فقال: هو المعتصم بحبل الله، وحبل الله القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة، والإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام، وذلك قول الله : ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾( )) ( ).
وكذلك نجد هذا المعنى واضحاً جلياً في قوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾( ). فهذه الآية نفت الإمامة عن كل ظالم، وكل عاصٍ لله تعالى فهو ظالم.
إذن لا تكون الإمامة للعاصين بل للمعصومين المهتدين فقط، وهم الأئمة المعصومون من ذرية الرسول الأكرم محمد الذين قال عنهم الله تعالى: ﴿ إنما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾( )، أي مطهرون من الشك والشرك والعصيان.
وبعد هذا يكون من التجاسر على مراتب الأئمة القول بأن العلماء الغير معصومين هم ورثة الأنبياء؛ لأنه لا يرث المعصوم إلاّ معصوم، وقد أجمعت الشيعة بأن الحجج المعصومين هم العترة الطاهرة فقط. وهم الأئمة والمهديون ، وإليك البيان من الإمام الرضا في حديث طويل بعد بيانه لإمامة إبراهيم التي وهبها الله تعالى له بعد النبوة والخلة، فقال بعد ذكر قوله تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَاقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾( )، (فلم تزل في ذريّته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرنا حتى ورّثها الله تعالى النبي ، فقال جل وتعالى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾( )، فكانت له خاصة فقلدها علياً بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله، فصارت في ذريته الأصفياء الذين أتاهم الله العلم والإيمان بقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾( )، فهي في ولد علي خاصة إلى يوم القيامة، إذ لا نبي بعد محمد فمن أين يختار هؤلاء الجهّال) ( ).
وهذا نص صريح بأن الوراثة والإمامة استمرت بعد إبراهيم إلى النبي محمد ، ثم إلى الإمام علي ، ثم الأئمة من ولده إلى يوم القيامة، فكيف يدّعيها غيرهم وصاحبها حيّ موجود بين أظهرنا وهو الحجة محمد بن الحسن العسكري ، روحي وأرواح العالمين له الفداء ؟ فهو وحده وارث الأنبياء والمرسلين والأئمة ، ومن بعده ذريته المهديون . وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتقين.
الشيخ ناظم العقيلي - كتاب ( من هم ورثة الانبياء -الاوصياء ام العلماء )
الهوامش /
- الروضة: ح579.
- الوسائل: ج18 ص93.
- الإسراء: 9.
- معاني الأخبار: ص132.
- البقرة: 124.
- الأحزاب: 33.
- الأنبياء: 72 – 73.
- آل عمران: 68.
- الروم: 56.
- الكافي: ج1 ص224.
-------------