وقفات مع كلمات الانحراف

[ارث النبوة 313]

::: وقفات مع كلمات الانحراف :::

" الحلقة الاولى "

منهج ثابت تجده لدى اصحاب العقائد المنحرفة، يتركون النصوص الواضحة الجلية التي تخالف انحرافهم ويتوكؤون على عكاز النصوص المتشابهة، والتأويلات الباردة، والاستحسانات العقلية. فعلى سبيل المثال يتركون الايات الواضحة التي تنص على ان المعصوم ينسى، ومثلها الاحاديث التي تلعن من يقول ان المعصوم لا يسهو او ينسى، بل يصل بهم الحال الى ان يقولوا لله – والعياذ بالله - : انت لا تفهم، فقهاؤنا يفهمون اكثر منك! فالقرآن يقول: ((قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ))، ((قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى))، ولكنهم يجيبون الله بقولهم: "نثبت ان بشرية النبي ص ليست كبشرية غيره"!!

اما كيف يثبتون، فإليك: -

"اولاً لابد من ان نسأل اهل بيت العصمة ص عن معنى هذا الاية عن ابي بصير عن ابي عبدالله ص في قوله تعالى قل انما انا بشر مثلكم :قال: يعني في الخلق انه مثلهم مخلوق فالآية بحسب تفسير اهل بيت العصمة والطهارة ليست بصدد اثبات انه مثلكم اي كل ما يصدر منكم من خير وشر فلابد ان يصدر منه ص بل هي اي الاية في صدد اثبات انه ليس بخالق بل هو مخلوق كما انكم مخلوقوق"!!

أقول: سبحان الله، هل خلق الله لكم رؤوساً لتركبوها؟ القرآن والمعصوم يقولان هو بشر مثلكم، وانتم تصرون انه ليس مثلكم! اما قول صاحب الاثبات المزعوم: -

"تفسير اهل بيت العصمة والطهارة ليست بصدد اثبات انه مثلكم اي كل ما يصدر منكم من خير وشر فلابد ان يصدر منه ص بل هي اي الاية في صدد اثبات انه ليس بخالق بل هو مخلوق كما انكم مخلوقوق"، فهو مغالطة مخجلة، اذ لم يقل احد ان النبي يمكن ان يصدر منه؛ من خير وشر، كما يصدر من الناس، كما ان نقطة البحث ليست هذه وانما في مسألة السهو والنسيان، واخيرا كلام المعصوم لا يحتمل هذا التفسير الارعن، ولا أدري من اين هذه الجرأة على الله والمعصوم في توجيه كلامه وتحميله ما لا يحتمل؟ ولكن لا، هي نزغة ركبتهم وركبوها.

- عبدالرزاق هاشم الديراوي

[ارث النبوة 313]

رد: وقفات مع كلمات الانحراف

::: وقفات مع كلمات الانحراف :::

"الحلقة الثانية "

من المتشابه الذي يتمسك به خط الانحراف ما ورد على لسان بعضهم :-
"آية النور الشريفة تعبر عن النبي ص بأنه نور وتطلق التعبير ولا تقيّده وكذلك تعبر عن هذا النور بأنه نور الله فهل لنور الله ظلمة ثم تعّبر الاية الشريفة عن كل امام من آل محمد ص بأنه نور (نور على نور) اي امام بعد امام كما جاء عنهم ص فهم النور وهم نور الله ونور على نور فأين الظلمة".

اقول: -

1- آية النور عبرت عن الله عز وجل بأنه نور السموات والأرض.

2- أما ما ورد في تفسير قوله تعالى: "نور على نور"، أي إمام بعد إمام، فهو لا يعني أن الإمام هو الله، أو هو النور المطلق، وإنما هو نور من الله عز وجل، وكونه نورا من الله لا يعني أنه غير متشوب بالظلمة، أي لا يعني أنه الله، تعالى الله علو كبيرا.

3- الإمام أحمد الحسن ع يقول: ان الله لا يسهو ولا ينسى لأنه نور مطلق لا تشوبه ظلمة، وصاحب الفكرة المنحرفة يبني فكرته على اساس انه طالما كان الله نور ولذلك لا ينسى فالمعصوم ورد انه نور فهو بالنتيجة لا ينسى ولا يسهو، ومفاد كلامه ان الله والمعصوم كلاهما نور أي بنفس المستوى، او انهما شيء واحد وهذا وهم منه بل شيء اكبر اذا كان واعيا بما يقول.

4- ان للنور معاني كثيرة فمثلا ورد عنهم ع : "إن الوضوء على الوضوء نور على نور ومن جدد وضوءه لغير حدث جدد اللَّه عز وجل توبته من غير استغفار". الوضوء نور، أي طهر، لا أنه هو الله والعياذ بالله. وكذلك ورد عنهم في خبر طويل: ((... فقال آدم عليه السلام: "يا رب، ما لي أرى على بعضهم نورا لا ظلمة فيه، وعلى بعضهم ظلمة لا يشوبها نور، وعلى بعضهم ظلمة ونورا؟ فقال تبارك وتعالى: "أما الذين عليهم النور منهم بلا ظلمة فهم أصفيائي من ولدك، الذين يطيعوني ولا يعصوني في شئ من أمري، فأولئك سكان الجنة. وأما الذين عليهم ظلمة لا يشوبها نور فهم الكفار من ولدك الذين يعصوني ولا يطيعوني في شئ من أمري، فهؤلاء حطب جهنم. وأما الذين عليهم نور وظلمة فأولئك الذين يطيعوني من ولدك ويعصوني، فيخلطون أعمالهم السيئة بأعمال حسنة ، فهؤلاء أمرهم إلي، إن شئت عذبتهم فبعدلي، وإن شئت عفوت عنهم فبفضلي)). النور هنا تعبير عن نقاء صفحة المرء، لذلك كان على بعضهم نور لا ظلمة، أو لا شائبة فيه أي لا لوثة من ذنب، وهم سكان الجنة التي يدخلها المطهرون، فيكون النور هو النقاء وهو الطهر. وعلى بعضهم نور وظلمة، أي خلطوا صالحا بغير صالح.. الخ.

5- إن المحكم الذي لا يجتنبه إلا مرضى القلوب هو ما ورد عنهم ع : ((بإسناده عن هشام بن سالم قال : دخلت على أبي عبد اللَّه عليه السّلام فقال لي أتنعت اللَّه قلت نعم قال هات فقلت هو السميع البصير - قال هذه صفة يشترك فيها المخلوقون قلت فكيف تنعته فقال هو نور لا ظلمة فيه وحياة لا موت فيه وعلم لا جهل فيه وحق لا باطل فيه فخرجت من عنده وأنا أعلم الناس بالتوحيد)).

الامام ع ينعت الله بصفة لا يشترك معه فيها المخلوقون وهي أنه "نور لا ظلمة فيه"، ومثله ما ورد: ((بإسناده عن الصادق عليه السّلام قال: هو نور ليس فيه ظلمة وصدق ليس فيه كذب وعدل ليس فيه جور وحق ليس فيه باطل كذلك لم يزل ولا يزال أبد الآبدين - وكذلك كان إذ لم يكن أرض ولا سماء ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر ولا نجوم - ولا سحاب ولا مطر ولا رياح)).

[ارث النبوة 313]

رد: وقفات مع كلمات الانحراف

::: وقفات مع كلمات الانحراف :::

" الحلقة الثالثة "

من المتشابه الذي يتمسك به الفكر المنحرف استدلال بعضهم بما ورد في بعض الروايات من ان السهو والنسيان من جنود الجهل: ((وَ التَّفَكُّرُ وَ ضِدَّهُ السَّهْوَ وَ الْحِفْظُ وَ ضِدَّهُ النِّسْيَانَ)). ويرى ان نسبة السهو والنسيان الى المعصوم تعني بالتالي نسبة الجهل له.

أقول:-

من ملاحظة ذيل الرواية التالي: ((فَلَا تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْخِصَالُ كُلُّهَا مِنْ أَجْنَادِ الْعَقْلِ إِلَّا فِي نَبِيٍّ أَوْ وَصِيِّ نَبِيٍّ أَوْ مُؤْمِنٍ قَدِ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ))، والتقابل بين التفكر والسهو، والحفظ والنسيان، يظهر بوضوح أن المراد من السهو والنسيان في الرواية سهو ونسيان مخصوصان، متعلقان بالإيمان، والتفكر بالله، وليسا مطلق السهو والنسيان. وبالنتيجة فإن استثناء هذا النمط من السهو والنسيان او تنزيه المعصوم عنهما لا يعني تنزيهه عن مطلق السهو والنسيان.

ايضا الرواية تقول بان جنود العقل تجتمع في المؤمن الذي ليس بنبي ولا وصي، والمعروف ان المتشيعة لا يقولون بعصمة غير النبي والوصي.

ويتعكز الفكر المنحرف كذلك على أوصاف أطلقت عليهم (عليهم السلام) مثل: "وجه الله"، "عين الله"، "جنب الله"، "يد الله" .. الخ.

ويتساءل بطريقة استجدائية:
هل يُتصور ان عين الله تسهو ؟
هل يُتصور ان اذن الله تسهو؟
هل يُتصور ان قلب الله يسهو؟

أقول:-

هذه مصادرة على المطلوب، وهي طريقة الجهلة في الاستدلال، فوجه الله وعين الله وجنب الله وغيرها من الأوصاف شأنها شأن وصف إمام، حجة، نبي لا تعني أن المعصوم هو الله تعالى الله علو كبيراً، وإنما أُطلقت بلحظات معينة لتدل على حقيقة المعصوم وكونه خليفة الله وممثله في الأرض. والسؤال هو إن هذا الموصوف بأنه امام او نبي او وجه الله او جنب الله يسهو وينسى ام لا؟ الدليل الذي قدمه السيد احمد الحسن من القرآن والسنة والعلم يدل على انه يسهو وينسى، فعلى الفكر المنحرف ان يثبت عدم دليلية الادلة المقدمة من جهة ويقدم الدليل على الخلاف من جهة اخرى لا ان يركب رأسه ويعاند، ويكتفي بالاستجداء: هل يتصور ان الامام يسهو؟ هل يتصور ان عين الله يسهو؟ فمثل هذه الاسئلة لا تعني سوى ان الفكر المنحرف متمسك بالدعوى دون ان يكلف نفسه عناء تقديم الدليل، ولا ان يكلفها عناء ابطال دليل المقابل؟

اخيرا ما رأي الفكر المنحرف بهذا السؤال: هل يتصور ان غير الله لا يسهو، ولا ينسى؟ علما ان هذا السؤال مدعوم بدليل قرآني وروائي وعلمي.ويستدل الفكر المنحرف بما ورد في شأن علي صلوات الله عليه:

((وكان هدى من الضلال ونورا من العمى))، ويقول: "السهو والنسيان ليسا من الهدى لانهما من الشيطان فيكونان ضلال وهو صلوات الله عليه هدى من الضلال والسهو والنسيان ليسا نورا فيكونان عمى وهو صلوات الله عليه نورا من العمى".

أقول:-

هذا تحكم بالهوى لا أكثر. فالسهو والنسيان ليسا ضلالا، ولا عمى عن دين الله، بل لعل سهوا ونسيانا يدلان على العكس، فقد يسهو انسان عن عدد الركعات لأنه خاشع في صلاته بحيث لم ينتبه حتى لوجوده، فما بالك لعدد الركعات؟ لا اظن احدا يصف هكذا خشوع بانه ضلال وعمى اللهم الا منحرف اعمى الله بصيرته.

ان استدلال الفكر المنحرف المزعوم مبني على اساس ان السهو النسيان عمى وضلال، وكان عليه ان يقدم الدليل على انهما هكذا، ولكنه لم يفعل، وهذا تضليل ومغالطة، وقوله "لانهما من الشيطان" تحكم وقول بالهوى، ومعارضة للعلم بلا دليل.أخيراً يستدل الفكر المنحرف بفكرة أن الحجة هو قبلتنا الى الله، فاذا سهى ونسي ولو لثانية واحدة كيف ستصل اعمال واقوال الخلق الى الله سبحانه هل تصل بالمباشر وهذا محال ام تصل من غير شعور باب الله؟

وبالفكرة التالية التي يعبر عنها بقوله: "إن روح المعصوم لا تقيد بقيد الاجسام فهي موجودة الى اخره جيد ايضا اذا كيف قيدتها الاجسام بالسخو والنسيان"؟

ويستدل ثالثاً بما يلي: "آل محمد هم الرحمن في الخلق وهم صنايع الله والخلق صنائع لهم جيد ايضا الخلق بين اصبعين من اصابع الرحمن وهذا الرحمن يسهو وينسى ففي حال سهوه ونسيانه ماذا يحصل للخلق الذي بين اصبعيه"؟

أقول:-

معنى ان المعصوم قبلتنا أي ان علينا ان نلتزم بجميع ما يقول ويفعل ونتخذه قائدا وهاديا، اما اعمال العباد فالله عز وجل يعلم بكل شيء. ثم اننا نقول ان المعصوم يسهو عن امور لا علاقة لها بالدين اما في الامور المتعلقة بالدين فهناك من يذكره اذا سهى او نسي، واذا كان شيء لا يحتمل السهو والنسيان البته فالله يعصمه عن السهو والنسيان فيه، ولكن عصمته عن السهو والنسيان في مورد ما لا يعني أنه لا يسهو او لا ينسى في موارد اخرى لا تترتب عليها محذورات.

أما كلامه عن روح المعصوم وكونها غير مقيدة الخ ما قال، فيدل على سوء فهمه لكلام الامام احمد الحسن، فالإمام تحدث عن الروح المجردة عن قيد الجسم وهذه لا تسهو ولا تنسى، اما الروح المقيدة بالجسم أي التي يعيش صاحبها عالمنا المادي هذا فالجسم الذي يقيدها يجعلها بالضرورة تنسى وتسهو، اما سؤاله كيف يقع هذا فجوابه بكلام الامام عن الذاكرة والعوامل الاخرى التي تتسبب بالنسيان والسهو، فليراجع.

المهم ان كلامه مجرد اشكال فارغ.

أما ان آل محمد هم الرحمن في الخلق كما عبر هو، وان الخلق بين اصبعين من اصابع الرحمن وتساؤله عن حالهم عندما يسهو او ينسى! فجوابه كان عليك ان تخبرنا ماذا يحصل لهم، فاذا اخبرتنا نستطيع عندئذ ان نفهم كلامك، فربما انت تعتقد انهم هم الله عز وجل والعياذ بالله.