المصلح المنتظر كما يقول جميع أصحاب الديانات السماوية هو الذي يملؤها قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً (أي الدنيا)، وهذا الحديث مشهور عند المسلمين فقد ورد عن رسول الله (ص) وعن أهل بيته (ع) ورواه السنة والشيعة (عن النبي (ص) قال: (لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً) سنن أبي داود : ج2 ص310.
فما هي الأمور التي تحتويها حاكمية الله حتى تكون سبباً لامتلاء الأرض قسطاً وعدلاً ؟ وقبل أن أبحث في هذا المقام المهم أريد أن أبيّن أمراً لا يقل أهمية عنه بل ويبيّن الحاجة للبحث في هذا المقام، وهو أننا كمسلمين شيعة وبناءً على ما ورد عن الرسول (ص) وأهل بيته من علامات ظهور وقيام المصلح المنتظر متفقون على أنّ هذه الأيام هي أيام ظهوره وقيامه (ع)، وطبعاً لا يهمنا رأي من يتخبط العشواء وهو لم يطلع على الروايات، ثم إنّ المسيحيين في العالم أيضاً يعتبرون هذه الأيام هي أيام ظهور وقيام المصلح المنتظر (ع) وهو عندهم عيسى (ع)، بل إني قرأت كتاباً لقس مسيحي كتبه في منتصف القرن الماضي يعتبر فيه أنّ إرهاصات الظهور والقيامة الصغرى قد بدأت في الملكوت.
أمّا بالنسبة لليهود فهم يعتبرون هذه الأيام هي أيام القيامة الصغرى، بل كثير من أحبارهم يقطعون أنّ هذه الأيام هي أيام عودة إيليا (ع) وظهور المصلح العالمي، وقبل أيام ليست ببعيدة قام جماعة منهم بإلقاء منشورات بالطائرات على المسلمين في فلسطين يطالبونهم بمغادرة الأرض المقدسة؛ لأنّ الوقت قد حان لقيام الساعة الصغرى، وإن هذه الأيام هي الأيام الأخيرة وبعدها لن يبقى في الأرض المقدسة إلاّ الصالحون، وبحسب اعتقاد اليهود أنهم هم الصالحون.
فإذا كان الأمر كذلك تبيّن أنّ جميع المتدينين المتمسكين بما ورد أو صح وروده عندهم عن الأنبياء (ع) يقرّون أنّ هذه هي أيام القيامة الصغرى وظهور المصلح العالمي المنتظر (ع). فإذا كانت هذه أيام ظهوره وهو يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً تبيّن لنا أنّ الدنيا هذه الأيام ممتلئة ظلماً وجوراً.
وهنا يرد سؤالان:
الأول: بماذا ملئت الدنيا ظلماً وجوراً ؟ وقد تبيّن جوابه فيما مضى وسأشير إليه فيما يأتي.
والثاني: بماذا تمتلئ قسطاً وعدلاً ؟ وهذا ما أريد الشروع في بيانه، وطياً أسطر بعض ما في حاكمية الله سبحانه وتعالى من أمور تجعلها سبباً لملء الأرض عدلاً.
1- القانون (الدستور العام وغيره):
الذي يضع القانون هو الله سبحانه وتعالى وهو الخالق لهذه الأرض ومن عليها ويعلم ما يصلح أهلها وسكانها من إنس وجن وحيوانات ونباتات وغيرهم من المخلوقات التي نعلمها والتي لا نعلمها، ويعلم الماضي والحاضر والمستقبل وما يصلح الجسم والنفس الإنسانية وما يصلح الجنس الإنساني ككل، فالقانون يجب أن يراعي الماضي والحاضر والمستقبل والجسم والنفس الإنسانية ومصلحة الفرد ومصلحة الجماعة ومصلحة باقي المخلوقات، بل يجب أن يراعي حتى الجماد كالأرض والماء والبيئة ...الخ، ومن أين لغير الله سبحانه وتعالى أن يعرف تفاصيل كل هذه الأمور مع أنّ كثيراً منها غائب عن التحصيل والإدراك أي لا يمكن العلم به ومعرفة صفاته ..الخ.
ثم لو فرضنا أنّ أحداً ما عرف كل هذه التفاصيل فمن أين له أن يضع قانوناً يراعي كل هذه التفاصيل مع أنّ بعضها يتناقض في أرض الواقع فأين تكون المصلحة ؟ وفي أي تشريع ؟
من المؤكد أنها لن تكون إلاّ في القانون الإلهي والشريعة السماوية؛ لأنّ واضعها خالق الخلق وهو يعلم السر وأخفى وهو قادر أن يجري الأمور كيف يشاء سبحانه وتعالى عما يشركون.
2- الملك أو الحاكم:
لاشك أنّ القيادة كيفما كانت ضمن نطاق حاكمية الناس دكتاتورية أو ديمقراطية أم ضمن نطاق حاكمية الله سبحانه وتعالى فهي تؤثر تأثيراً مباشراً في المجتمع الإنساني؛ لأنّ المجتمع مقهور على سماع هذه القيادة على الأقل فطرياً؛ لأنّ الإنسان مفطور على إتباع قائد معين من الله سبحانه وتعالى ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾(الروم : 30.)،
وهذا القائد هو ولي الله وخليفته في أرضه فإذا دُفع ولي الله عن حقّه وتشوشت مرآة الفطرة الإنسانية بغبش هذه الحياة الدنيا قَبِل الإنسان بأي قيادة بديلة عن ولي الله وحجته على عباده ليسد النقص الواقع في نفسه وإن كانت هذه القيادة البديلة منكوسة ومعادية لولي الله في أرضه وحجته على عباده، فالإنسان عادة يستمع للقيادة المتمثلة بالحاكم ولن تكون القيادة إلاّ أحد أمرين أمّا ولي الله وحجته على عباده وهو الحاكم المعين من الله سبحانه وتعالى، وإمّا غيره سواء كان دكتاتوراً متسلطاً بالقوّة الغاشمة أم منتخباً انتخابات ديمقراطية حرة، والحاكم المعيّن من الله سبحانه وتعالى ينطق عن الله؛ لأنه لا يتكلم إلاّ بأمر الله ولا يقدّم ولا يؤخّر شيئاً إلاّ بأمر الله.
أمّا الحاكم المعيّن من الناس أو المتسلط عليهم فهو لا ينطق عن الله سبحانه وتعالى قطعاً، وقد قال رسول الله (ص) ما معناه: (من أستمع إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله وإن كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان) (الكافي: ج6 ص434، عيون أخبار الرضا (ع) : ج2 ص272.).
فلا يوجد إلاّ ناطق عن الله وناطق عن الشيطان لا ثالث لهما، وكل حاكم غير ولي الله وحجته على عباده ناطق عن الشيطان بشكل أو بآخر وكل بحسبه وبقدر الباطل الذي يحمله.
وقد ورد عنهم (ع) هذا المعنى: (إنّ كل راية قبل القائم هي راية طاغوت) (بحار الأنوار: ج52 ص143، جامع أحاديث الشيعة: ج 13 ص66،)، أي كل راية صاحبها غير مرتبط بالقائم (ع).
إذن فالحاكم المعيّن من الله سبحانه وتعالى ينطق عن الله، والحاكم غير المعيّن من الله سبحانه وتعالى ينطق عن الشيطان، ومن المؤكد أنّ الناطق عن الله يصلح الدين والدنيا والناطق عن الشيطان يفسد الدين والدنيا.
بقي أنّ الله سبحانه وتعالى يعلم ما في النفوس ويعلم الصالح من الطالح، فهو يختار وليه وخليفته ويصطفيه ولا يكون إلاّ خيرته من خلقه وأفضل من في الأرض وأصلحهم وأحكمهم وأعلمهم ويعصمه الله من الزلل والخطأ ويسدده للصلاح والإصلاح.
أمّا الناس فإذا عارضوا تعيين الله سبحانه وتعالى فلن يقع اختيارهم إلاّ على شرار خلق الله، بل إنّ في اختيار موسى (ع) وهو نبي معصوم لسبعين رجلاً من قومه أعتقد صلاحهم ثم ظهر وبان له فسادهم عبرة لمعتبر، وذكرى لمدكر، وآية لمن ألقى السمع وهو شهيد (بحار الأنوار: ص96.(
3- بما أنّ القانون والحاكم في حاكمية الله سبحانه يتمتعان بالكمال والعصمة
فعلى هذا يترتب صلاح أحوال الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا لأنّ جميع هذه الجوانب في حياة الناس تعتمد على القانون والحاكم؛ لأنّ القانون هو الذي ينظمها والحاكم هو الذي ينفذ، فإذا كان القانون من الله سبحانه كان التنظيم لهذه الجوانب هو الأفضل والأكمل، وإذا كان الحاكم هو ولي الله وخليفته في أرضه وخيرته من خلقه كان التطبيق للقانون الإلهي كاملاً وتاماً وفي أحسن صورة.
وبالنتيجة فإنّ الأمة إذا قبلت حاكمية الله في أرضه فازت بخير الدين والدنيا وسعد أبناؤها في الدنيا والآخرة، وبما أنّ الأمة التي تقبل حاكمية الله في أرضه يرتفع من أبنائها خير ما يرتفع من الأرض إلى السماء، وهو تولي ولي الله والإخلاص له فإنه ينزل عليها خير ما ينزل من السماء إلى الأرض وهو التوفيق من الله سبحانه وتعالى، وتكون هذه الأمة من خير الأمم التي أخرجت للناس؛ لأنها قبلت ولي الله وخليفته في أرضه،
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾(الأعراف : 96.)
وتتفاضل الأمم على قدر قبولها لخليفة الله في أرضه والانصياع لأوامره. ومن هنا كانت الأمة التي تقبل الإمام المهدي (ع) هي خير أمة أخرجت للناس:
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر﴾(آل عمران : 110.)،
وهؤلاء هم الثلاث مائة وثلاثة عشر أصحاب القائم ومن يتبعهم.
أمّا إذا رفضت الأمة ولي الله وخليفته في أرضه فإنها تكون ارتكبت أكبر حماقة وخسرت الدنيا والآخرة، ففي الدنيا ذل وهوان، وفي الآخرة جهنم وبئس المهاد.
وما أريد أن أؤكد عليه أخيراً هو أني لا أعتقد أنّه يوجد من يؤمن بالله سبحانه وتعالى ثم إنه يعتقد أنّ القانون الذي يضعه الناس أفضل من قانون الله سبحانه وتعالى، وأنّ الحاكم الذي يعينه الناس أفضل من الحاكم الذي يعينه الله سبحانه وتعالى.
والحمد لله وحده.
﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً ۞ إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾(الفرقان : 41 – 42.).
---------------------
فما هي الأمور التي تحتويها حاكمية الله حتى تكون سبباً لامتلاء الأرض قسطاً وعدلاً ؟ وقبل أن أبحث في هذا المقام المهم أريد أن أبيّن أمراً لا يقل أهمية عنه بل ويبيّن الحاجة للبحث في هذا المقام، وهو أننا كمسلمين شيعة وبناءً على ما ورد عن الرسول (ص) وأهل بيته من علامات ظهور وقيام المصلح المنتظر متفقون على أنّ هذه الأيام هي أيام ظهوره وقيامه (ع)، وطبعاً لا يهمنا رأي من يتخبط العشواء وهو لم يطلع على الروايات، ثم إنّ المسيحيين في العالم أيضاً يعتبرون هذه الأيام هي أيام ظهور وقيام المصلح المنتظر (ع) وهو عندهم عيسى (ع)، بل إني قرأت كتاباً لقس مسيحي كتبه في منتصف القرن الماضي يعتبر فيه أنّ إرهاصات الظهور والقيامة الصغرى قد بدأت في الملكوت.
أمّا بالنسبة لليهود فهم يعتبرون هذه الأيام هي أيام القيامة الصغرى، بل كثير من أحبارهم يقطعون أنّ هذه الأيام هي أيام عودة إيليا (ع) وظهور المصلح العالمي، وقبل أيام ليست ببعيدة قام جماعة منهم بإلقاء منشورات بالطائرات على المسلمين في فلسطين يطالبونهم بمغادرة الأرض المقدسة؛ لأنّ الوقت قد حان لقيام الساعة الصغرى، وإن هذه الأيام هي الأيام الأخيرة وبعدها لن يبقى في الأرض المقدسة إلاّ الصالحون، وبحسب اعتقاد اليهود أنهم هم الصالحون.
فإذا كان الأمر كذلك تبيّن أنّ جميع المتدينين المتمسكين بما ورد أو صح وروده عندهم عن الأنبياء (ع) يقرّون أنّ هذه هي أيام القيامة الصغرى وظهور المصلح العالمي المنتظر (ع). فإذا كانت هذه أيام ظهوره وهو يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً تبيّن لنا أنّ الدنيا هذه الأيام ممتلئة ظلماً وجوراً.
وهنا يرد سؤالان:
الأول: بماذا ملئت الدنيا ظلماً وجوراً ؟ وقد تبيّن جوابه فيما مضى وسأشير إليه فيما يأتي.
والثاني: بماذا تمتلئ قسطاً وعدلاً ؟ وهذا ما أريد الشروع في بيانه، وطياً أسطر بعض ما في حاكمية الله سبحانه وتعالى من أمور تجعلها سبباً لملء الأرض عدلاً.
1- القانون (الدستور العام وغيره):
الذي يضع القانون هو الله سبحانه وتعالى وهو الخالق لهذه الأرض ومن عليها ويعلم ما يصلح أهلها وسكانها من إنس وجن وحيوانات ونباتات وغيرهم من المخلوقات التي نعلمها والتي لا نعلمها، ويعلم الماضي والحاضر والمستقبل وما يصلح الجسم والنفس الإنسانية وما يصلح الجنس الإنساني ككل، فالقانون يجب أن يراعي الماضي والحاضر والمستقبل والجسم والنفس الإنسانية ومصلحة الفرد ومصلحة الجماعة ومصلحة باقي المخلوقات، بل يجب أن يراعي حتى الجماد كالأرض والماء والبيئة ...الخ، ومن أين لغير الله سبحانه وتعالى أن يعرف تفاصيل كل هذه الأمور مع أنّ كثيراً منها غائب عن التحصيل والإدراك أي لا يمكن العلم به ومعرفة صفاته ..الخ.
ثم لو فرضنا أنّ أحداً ما عرف كل هذه التفاصيل فمن أين له أن يضع قانوناً يراعي كل هذه التفاصيل مع أنّ بعضها يتناقض في أرض الواقع فأين تكون المصلحة ؟ وفي أي تشريع ؟
من المؤكد أنها لن تكون إلاّ في القانون الإلهي والشريعة السماوية؛ لأنّ واضعها خالق الخلق وهو يعلم السر وأخفى وهو قادر أن يجري الأمور كيف يشاء سبحانه وتعالى عما يشركون.
2- الملك أو الحاكم:
لاشك أنّ القيادة كيفما كانت ضمن نطاق حاكمية الناس دكتاتورية أو ديمقراطية أم ضمن نطاق حاكمية الله سبحانه وتعالى فهي تؤثر تأثيراً مباشراً في المجتمع الإنساني؛ لأنّ المجتمع مقهور على سماع هذه القيادة على الأقل فطرياً؛ لأنّ الإنسان مفطور على إتباع قائد معين من الله سبحانه وتعالى ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾(الروم : 30.)،
وهذا القائد هو ولي الله وخليفته في أرضه فإذا دُفع ولي الله عن حقّه وتشوشت مرآة الفطرة الإنسانية بغبش هذه الحياة الدنيا قَبِل الإنسان بأي قيادة بديلة عن ولي الله وحجته على عباده ليسد النقص الواقع في نفسه وإن كانت هذه القيادة البديلة منكوسة ومعادية لولي الله في أرضه وحجته على عباده، فالإنسان عادة يستمع للقيادة المتمثلة بالحاكم ولن تكون القيادة إلاّ أحد أمرين أمّا ولي الله وحجته على عباده وهو الحاكم المعين من الله سبحانه وتعالى، وإمّا غيره سواء كان دكتاتوراً متسلطاً بالقوّة الغاشمة أم منتخباً انتخابات ديمقراطية حرة، والحاكم المعيّن من الله سبحانه وتعالى ينطق عن الله؛ لأنه لا يتكلم إلاّ بأمر الله ولا يقدّم ولا يؤخّر شيئاً إلاّ بأمر الله.
أمّا الحاكم المعيّن من الناس أو المتسلط عليهم فهو لا ينطق عن الله سبحانه وتعالى قطعاً، وقد قال رسول الله (ص) ما معناه: (من أستمع إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله وإن كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان) (الكافي: ج6 ص434، عيون أخبار الرضا (ع) : ج2 ص272.).
فلا يوجد إلاّ ناطق عن الله وناطق عن الشيطان لا ثالث لهما، وكل حاكم غير ولي الله وحجته على عباده ناطق عن الشيطان بشكل أو بآخر وكل بحسبه وبقدر الباطل الذي يحمله.
وقد ورد عنهم (ع) هذا المعنى: (إنّ كل راية قبل القائم هي راية طاغوت) (بحار الأنوار: ج52 ص143، جامع أحاديث الشيعة: ج 13 ص66،)، أي كل راية صاحبها غير مرتبط بالقائم (ع).
إذن فالحاكم المعيّن من الله سبحانه وتعالى ينطق عن الله، والحاكم غير المعيّن من الله سبحانه وتعالى ينطق عن الشيطان، ومن المؤكد أنّ الناطق عن الله يصلح الدين والدنيا والناطق عن الشيطان يفسد الدين والدنيا.
بقي أنّ الله سبحانه وتعالى يعلم ما في النفوس ويعلم الصالح من الطالح، فهو يختار وليه وخليفته ويصطفيه ولا يكون إلاّ خيرته من خلقه وأفضل من في الأرض وأصلحهم وأحكمهم وأعلمهم ويعصمه الله من الزلل والخطأ ويسدده للصلاح والإصلاح.
أمّا الناس فإذا عارضوا تعيين الله سبحانه وتعالى فلن يقع اختيارهم إلاّ على شرار خلق الله، بل إنّ في اختيار موسى (ع) وهو نبي معصوم لسبعين رجلاً من قومه أعتقد صلاحهم ثم ظهر وبان له فسادهم عبرة لمعتبر، وذكرى لمدكر، وآية لمن ألقى السمع وهو شهيد (بحار الأنوار: ص96.(
3- بما أنّ القانون والحاكم في حاكمية الله سبحانه يتمتعان بالكمال والعصمة
فعلى هذا يترتب صلاح أحوال الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا لأنّ جميع هذه الجوانب في حياة الناس تعتمد على القانون والحاكم؛ لأنّ القانون هو الذي ينظمها والحاكم هو الذي ينفذ، فإذا كان القانون من الله سبحانه كان التنظيم لهذه الجوانب هو الأفضل والأكمل، وإذا كان الحاكم هو ولي الله وخليفته في أرضه وخيرته من خلقه كان التطبيق للقانون الإلهي كاملاً وتاماً وفي أحسن صورة.
وبالنتيجة فإنّ الأمة إذا قبلت حاكمية الله في أرضه فازت بخير الدين والدنيا وسعد أبناؤها في الدنيا والآخرة، وبما أنّ الأمة التي تقبل حاكمية الله في أرضه يرتفع من أبنائها خير ما يرتفع من الأرض إلى السماء، وهو تولي ولي الله والإخلاص له فإنه ينزل عليها خير ما ينزل من السماء إلى الأرض وهو التوفيق من الله سبحانه وتعالى، وتكون هذه الأمة من خير الأمم التي أخرجت للناس؛ لأنها قبلت ولي الله وخليفته في أرضه،
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾(الأعراف : 96.)
وتتفاضل الأمم على قدر قبولها لخليفة الله في أرضه والانصياع لأوامره. ومن هنا كانت الأمة التي تقبل الإمام المهدي (ع) هي خير أمة أخرجت للناس:
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر﴾(آل عمران : 110.)،
وهؤلاء هم الثلاث مائة وثلاثة عشر أصحاب القائم ومن يتبعهم.
أمّا إذا رفضت الأمة ولي الله وخليفته في أرضه فإنها تكون ارتكبت أكبر حماقة وخسرت الدنيا والآخرة، ففي الدنيا ذل وهوان، وفي الآخرة جهنم وبئس المهاد.
وما أريد أن أؤكد عليه أخيراً هو أني لا أعتقد أنّه يوجد من يؤمن بالله سبحانه وتعالى ثم إنه يعتقد أنّ القانون الذي يضعه الناس أفضل من قانون الله سبحانه وتعالى، وأنّ الحاكم الذي يعينه الناس أفضل من الحاكم الذي يعينه الله سبحانه وتعالى.
والحمد لله وحده.
﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً ۞ إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾(الفرقان : 41 – 42.).
---------------------