#شيعة
التوحيد في التسبيح لا في الوصف
(التوحيد مما مضى تبين أنه في التسبيح لا في الوصف ([135])، أي أنّ التوحيد الحقيقي يكون بتنـزيهه سبحانه عن المعرفة بكنهه وحقيقته، وإنما تكون غاية معرفته هي في معرفة العجز عن المعرفة، فغاية مايصل إليه الإنسان من الوصف أو الأسماء الذاتية الكمالية هو الوصول إلى هذه المعرفة - اي معرفة العجز عن المعرفة - التي يتجلّى للإنسان من خلالها بوضوح أن التوحيد الحقـيقي في التسبيح، قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾([136])، وذلك لأن المخلصين يعرفون أن الصفات ترجع في حقيقتها إلى التنـزيه عن النقص أو التسبيح والتقديس، أي أن ساحته سبحانه وتعالى خالية من النقص، أي أنه سبحانه وتعالى نور لا ظلمة فيه.
فعن أبي عبد الله (ع)، قال: (إن الله علم لا جهل فيه، حياة لا موت فيه، نور لا ظلمة فيه) ([137]).
وعن يونس بن عبد الرحمن، قال: قلت لأبى الحسن الرضا (ع): (روينا أن الله علم لا جهل فيه، حياة لا موت فيه، نور لا ظلمة فيه، قال (ع): كذلك هو) ([138]).
والحقيقة، إن معرفة عجزنا عن معرفة اللاهوت هي الممكنة لنا، ومنها نعرف عجزنا عن معرفة الحقيقة؛ لأننا لا يمكن أن نعرف عجزنا عن معرفة حقيقته سبحانه إلا من خلال معرفتنا لعجزنا عن معرفة اللاهوت المطلق؛ لأن اللاهوت المطلق هو المواجه لنا وهو يناسب حالنا ويمكن أن نبحر في ساحة معرفته من خلال نقصنا الذي نعرفه ([139])؛ لأن اللاهوت المطلق هو الكمال المطلق الذي نأله إليه ليسد نقصنا، ولكن هل يمكن مثلاً معرفة العجز عن معرفة الرحمة المطلقة دون أن نعرف رحمة ما ؟ أكيد إن الجواب سيكون: لا.
وبالتالي فلكي نعرف عجزنا عن معرفة الرحمة المطلقة أو (الرحمن الرحيم سبحانه) لابد أن نعرف رحمة ما، وكلما كانت هذه الرحمة التي عرفناها أعظم وكلما كانت معرفتنا بها أعظم كانت النتيجة هي إن معرفة عجزنا عن معرفة الرحمة المطلقة أعظم، وبالتالي ستكون معرفة عجزنا عن معرفة الحقيقة التي واجهتنا بالرحمة المطلقة أعظم، فمعرفة الرحمة المطلقة تكون بمعرفة تجليها في الخلق، ومعرفة اللاهوت المطلق تكون بمعرفة تجليه في الخلق، كما أن معرفة الحقيقة تكون بمعرفة اللاهوت المطلق.
إذن، فلابد لنا من معرفة خلفاء الله في أرضه؛ لانهم تجلي الله في الخلق، وبمعرفتهم يعرف الله أي يعرف العجز عن معرفته، وبالتالي يعرف العجز عن معرفة الحقيقة وهذا هو التوحيد المطلوب من ابن آدم، وهذا هو سر وعلة بعث الأنبياء والأوصياء (ع) الحقيقية أي إن بعثهم ضروريٌ؛ لأن المعرفة تتم بهم ومن خلالهم.
فهنا تكمن حقيقة التوحيد وهي: إنه هو سبحانه وتعالى إنما تجلى لخلقه باللاهوت المطلق ليعرفوه وبما يناسب حالهم باعتبار أنهم فقراء ويألهون إلى الغني المطلق ليسد نقصهم، أي إن اللاهوت ليس هو الحقيقة بل هو وجه الحقيقة المناسب للخلق، فهو ظهوره سبحانه وتعالى لنا لنعرفه، فاللاهوت ليس الحقيقة بل هو الطريق الموصل لها ولكن هذا لا يعني أن اللاهوت المطلق غيره هو سبحانه وتعالى؛ لأنه في الحقيقة لا يوجد شيء اسمه لاهوت لولا وجود الخلق، فهو سبحانه وتعالى لاهوت بالنسبة لنا؛ لأننا فقراء ونحتاج أن نسد نقصنا فنأله إليه سبحانه وتعالى، أي إن تجليه هو سبحانه باللاهوت المطلق للخلق ليس إلا ظهوره سبحانه لهم بما يلائم حالهم هم لا أن اللاهوت هو الكاشف الحقيقي والتام عن الحقيقة؛ إنما هو مُعَرِّف بالحقيقة بما يلائم حال وفقر الخلق.
عن ابن سنان، قال: سألت أبا الحسن الرضا (ع): (هل كان الله عز وجل عارفاً بنفسه قبل أن يخلق الخلق ؟ قال: نعم، قلت: يراها ويسمعها ؟ قال: ما كان محتاجاً إلى ذلك؛ لأنه لم يكن يسألها ولا يطلب منها، هو نفسه ونفسه هو، قدرته نافذة فليس يحتاج أن يسمي نفسه، ولكنه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها؛ لأنه إذا لم يدع باسمه لم يعرف، فأول ما اختـار لنفسه: العلي العظيم لأنه أعلى الأشياء كلها، فمعناه الله واسمه العلي العظيم، هو أول أسمائه، علا على كل شيء) ([140]).
وتقدم عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) عَنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَاشْتِقَاقِهَا اللَّهُ مِمَّا هُوَ مُشْتَقٌّ، فَقَالَ (ع): (يَا هِشَامُ، اللَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ إِلَهٍ وَإِلَهٌ يَقْتَضِي مَأْلُوهاً، وَالِاسْمُ غَيْرُ الْمُسَمَّى فَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ الْمَعْنَى فَقَدْ كَفَرَ وَلَمْ يَعْبُدْ شَيْئاً، وَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ وَالْمَعْنَى فَقَدْ أَشْرَكَ وَعَبَدَ اثْنَيْنِ، وَمَنْ عَبَدَ الْمَعْنَى دُونَ الِاسْمِ فَذَاكَ التَّوْحِيدُ)
كتاب التوحيد ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)
التوحيد في التسبيح لا في الوصف
(التوحيد مما مضى تبين أنه في التسبيح لا في الوصف ([135])، أي أنّ التوحيد الحقيقي يكون بتنـزيهه سبحانه عن المعرفة بكنهه وحقيقته، وإنما تكون غاية معرفته هي في معرفة العجز عن المعرفة، فغاية مايصل إليه الإنسان من الوصف أو الأسماء الذاتية الكمالية هو الوصول إلى هذه المعرفة - اي معرفة العجز عن المعرفة - التي يتجلّى للإنسان من خلالها بوضوح أن التوحيد الحقـيقي في التسبيح، قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾([136])، وذلك لأن المخلصين يعرفون أن الصفات ترجع في حقيقتها إلى التنـزيه عن النقص أو التسبيح والتقديس، أي أن ساحته سبحانه وتعالى خالية من النقص، أي أنه سبحانه وتعالى نور لا ظلمة فيه.
فعن أبي عبد الله (ع)، قال: (إن الله علم لا جهل فيه، حياة لا موت فيه، نور لا ظلمة فيه) ([137]).
وعن يونس بن عبد الرحمن، قال: قلت لأبى الحسن الرضا (ع): (روينا أن الله علم لا جهل فيه، حياة لا موت فيه، نور لا ظلمة فيه، قال (ع): كذلك هو) ([138]).
والحقيقة، إن معرفة عجزنا عن معرفة اللاهوت هي الممكنة لنا، ومنها نعرف عجزنا عن معرفة الحقيقة؛ لأننا لا يمكن أن نعرف عجزنا عن معرفة حقيقته سبحانه إلا من خلال معرفتنا لعجزنا عن معرفة اللاهوت المطلق؛ لأن اللاهوت المطلق هو المواجه لنا وهو يناسب حالنا ويمكن أن نبحر في ساحة معرفته من خلال نقصنا الذي نعرفه ([139])؛ لأن اللاهوت المطلق هو الكمال المطلق الذي نأله إليه ليسد نقصنا، ولكن هل يمكن مثلاً معرفة العجز عن معرفة الرحمة المطلقة دون أن نعرف رحمة ما ؟ أكيد إن الجواب سيكون: لا.
وبالتالي فلكي نعرف عجزنا عن معرفة الرحمة المطلقة أو (الرحمن الرحيم سبحانه) لابد أن نعرف رحمة ما، وكلما كانت هذه الرحمة التي عرفناها أعظم وكلما كانت معرفتنا بها أعظم كانت النتيجة هي إن معرفة عجزنا عن معرفة الرحمة المطلقة أعظم، وبالتالي ستكون معرفة عجزنا عن معرفة الحقيقة التي واجهتنا بالرحمة المطلقة أعظم، فمعرفة الرحمة المطلقة تكون بمعرفة تجليها في الخلق، ومعرفة اللاهوت المطلق تكون بمعرفة تجليه في الخلق، كما أن معرفة الحقيقة تكون بمعرفة اللاهوت المطلق.
إذن، فلابد لنا من معرفة خلفاء الله في أرضه؛ لانهم تجلي الله في الخلق، وبمعرفتهم يعرف الله أي يعرف العجز عن معرفته، وبالتالي يعرف العجز عن معرفة الحقيقة وهذا هو التوحيد المطلوب من ابن آدم، وهذا هو سر وعلة بعث الأنبياء والأوصياء (ع) الحقيقية أي إن بعثهم ضروريٌ؛ لأن المعرفة تتم بهم ومن خلالهم.
فهنا تكمن حقيقة التوحيد وهي: إنه هو سبحانه وتعالى إنما تجلى لخلقه باللاهوت المطلق ليعرفوه وبما يناسب حالهم باعتبار أنهم فقراء ويألهون إلى الغني المطلق ليسد نقصهم، أي إن اللاهوت ليس هو الحقيقة بل هو وجه الحقيقة المناسب للخلق، فهو ظهوره سبحانه وتعالى لنا لنعرفه، فاللاهوت ليس الحقيقة بل هو الطريق الموصل لها ولكن هذا لا يعني أن اللاهوت المطلق غيره هو سبحانه وتعالى؛ لأنه في الحقيقة لا يوجد شيء اسمه لاهوت لولا وجود الخلق، فهو سبحانه وتعالى لاهوت بالنسبة لنا؛ لأننا فقراء ونحتاج أن نسد نقصنا فنأله إليه سبحانه وتعالى، أي إن تجليه هو سبحانه باللاهوت المطلق للخلق ليس إلا ظهوره سبحانه لهم بما يلائم حالهم هم لا أن اللاهوت هو الكاشف الحقيقي والتام عن الحقيقة؛ إنما هو مُعَرِّف بالحقيقة بما يلائم حال وفقر الخلق.
عن ابن سنان، قال: سألت أبا الحسن الرضا (ع): (هل كان الله عز وجل عارفاً بنفسه قبل أن يخلق الخلق ؟ قال: نعم، قلت: يراها ويسمعها ؟ قال: ما كان محتاجاً إلى ذلك؛ لأنه لم يكن يسألها ولا يطلب منها، هو نفسه ونفسه هو، قدرته نافذة فليس يحتاج أن يسمي نفسه، ولكنه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها؛ لأنه إذا لم يدع باسمه لم يعرف، فأول ما اختـار لنفسه: العلي العظيم لأنه أعلى الأشياء كلها، فمعناه الله واسمه العلي العظيم، هو أول أسمائه، علا على كل شيء) ([140]).
وتقدم عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) عَنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَاشْتِقَاقِهَا اللَّهُ مِمَّا هُوَ مُشْتَقٌّ، فَقَالَ (ع): (يَا هِشَامُ، اللَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ إِلَهٍ وَإِلَهٌ يَقْتَضِي مَأْلُوهاً، وَالِاسْمُ غَيْرُ الْمُسَمَّى فَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ الْمَعْنَى فَقَدْ كَفَرَ وَلَمْ يَعْبُدْ شَيْئاً، وَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ وَالْمَعْنَى فَقَدْ أَشْرَكَ وَعَبَدَ اثْنَيْنِ، وَمَنْ عَبَدَ الْمَعْنَى دُونَ الِاسْمِ فَذَاكَ التَّوْحِيدُ)
كتاب التوحيد ـ الامام احمد الحسن اليماني (ع)
Comment