( الإمام يعرف بالوصية )
الوصية من أهم الأدلة التي يعرف بها الحجة على الخلق إذ كل حجة لابد أن يكون منصوصاً عليه وموصى إليه من قبل الحجة الذي قبله وقد تقدم ذكر وصية آدم (ع) وبشارته بمبعث نبي الله نوح (ع) وكذلك وصية نبي الله نوح (ع) وبشارته بمبعث نبي الله هود (ع) وكذلك بشارة نبي الله موسى وعيسى عليهما السلام بمبعث النبي الخاتم محمد (ص) وأيضاً النبي محمد (ص) أوصى إلى الإمام علي(ع) وبشر بالأئمة والمهديين (ع) وأن الوصاية ستستمر الى يوم القيامة وقد احتج الله تعالى على اليهود والنصارى بأن الرسول (ص) مذكور في كتبهم فيلزمهم الإيمان به وعدم تكذيبه ومعنى ذلك أن الوصية والبشارة حجة إذا انطبقت على صاحبها ولا ينبغي التكذيب أو التشكيك في ذلك.
قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ) (الفتح : 29) وقال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ....) (الاعراف: 157).
وقوله تعالى على لسان عيسى (ع) : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) (الجمعة) .
إلى غيرها من الآيات والروايات التي تقدم ذكرها في صدر البحث والتي تثبت حجية ما جاء من وصف الرسول (ص) وأهل بيته، وإن الله سيحتج بذلك على مكذبيهم ويدخلهم جهنم خالدين فيها (أعاذنا الله من ذلك) .
فذكر الرسول (ع) للأئمة والمهديين (ع) في وصيته يعتبر حجة على الخلق كما كان ذكر الرسول (ص) والأئمة (ع) في وصايا الأنبياء (ع) حجة على اليهود والنصارى وغيرهم من الديانات الأخرى ومن فرّق بين هذا وذاك يعتبر من الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض فحجة الله واحدة لا تختلف من زمان إلى زمان ولا من مكان إلى مكان آخر . سنّة الله ولن تجد لسنته تبديلاً .
فالوصية هي الوصية حجة منذ أن خلق الله آدم (ع) وإلى يوم القيامة يسلمها نبي إلى نبي وإمام إلى إمام حتى تنتهي الدنيا والكافر بها كافر بكل النبوّات والرسالات وسأذكر الروايات التي تنص على أن الأئمة (ع) يعرفون بالوصية التي أوصاها الرسول (ص) ليلة وفاته :
عن أبي عبد الله (ع) ،في حديث طويل قال: (... يعرف صاحب هذا الأمر بثلاث خصال لا تكون في غيره : ( هو أولى الناس بالذي قلبه وهو وصيه وعنده سلاح رسول الله (ص) ووصيته ... الحديث ) إثبات الهداة 1/88، الكافي 1 /428 .
ولا يقول أحد أن المقصود بالوصية هي وصية الإمام السابق على اللاحق فقد فرّق الإمام الصادق (ع) في كلامه بين المسألتين ونص على إن المقصود بالوصية هي وصية الرسول (ع) فقد قال أولاً ( هو أولى الناس بالذي قبله وهو وصيه ) ثم ذكر العلامة الثالثة وهي ( عنده سلاح رسول الله (ص) ووصيته ) أي وصية الرسول (ص) والحديث واضح لا لبس فيه .
وأيضا في حديث طويل حول الوصية والإمامة عن الصادق (ع) قال: (... ثم قال: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) فكان علي (ع) وكان حقه الوصية التي جعلت له والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوة ...) الكافي 1/325 ـ 328 .
إذن فالوصية هي الحق التي نص عليه تعالى أن يعطى لذي القربى ومن كذب بالوصية ولم يعترف بها لصاحبها فقد غصب حق ذي القربى وكذب الله ورسوله (ص).
وعن أبي عبد الله (ع) قال: ( أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد ! لا والله ولكن عهد من الله ورسوله (ع) لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه ) الكافي 1/307.
أي إن الأئمة (ع) لا يوصون لمن بعدهم بمحض إرادتهم واختيارهم بل بعهد معهود من الله تعالى ورسوله (ص) وقد تقدم أن عهد الله هو الوصية التي نزلت من السماء ولا يعلمها إلا الأئمة عليهم السلام لأنها خاصة بهم وأما عهد رسول الله (ص) فهي الوصية التي أوصى بها ليلة وفاته وذكر فيها الأوصياء من الأئمة والمهديين إلى يوم القيامة وقد كتبها أمير المؤمنين (ع) بيده وظلت تتوارث من إمام إلى إمام إلى يوم القيامة .
وقال عبد الله بن أبي الهذيل عندما سُُئل عن الإمامة كلاماً طويلاً في وصف الأئمة (ع) منه : ( ... وهم عترة الرسول عليه وعليهم السلام المعروفون بالوصية والإمامة لا تخلو الأرض من حجة منهم في كل عصر وزمان وفي كل وقت وأوان ... ) . ثم قال تميم بن بهلول حدثني أبو معاوية عن الأعمش عن جعفر بن محمد عليهما السلام في الإمامة مثله سواء . عيون أخبار الرضا 1 / 57-59.
وهذا نص صريح على أن الأئمة عليهم السلام في كل زمان ومكان يعرفون بالوصية التي خصهم بها الرسول محمد (ص) وهذا من الأمور التي خفيت على الأمة أو التي لم يعطوها حقها من الأهمية.
وعن أبي عبد الله (ع) ، في قول الله عز وجل : (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ) قال : هي الوصية يدفعها الرجل منا إلى الرجل ) غيبة النعماني 59-60 .
فالوصية أيضاً هي الأمانة التي أمر الأئمة عليهم السلام أن يؤدوها إلى أهلها وهم ذراريهم من الأوصياء إلى يوم القيامة فإذا كان الإمام المعصوم ليس له الحق بمنع الوصية ويجب عليه أداؤها إلى صاحبها والإقرار له بها فكيف بعامة الناس إذا اعترضوا على الإقرار بالوصية لأحد الأوصياء إذا كان مذكوراً بها باسمه وصفته !!!
وفي حديث طويل يبيّن فيه الإمام الباقر (ع) راية الحق الوحيدة التي يجب اتباعها قبل قيام القائم (ع) وهي التي معها عهد نبي الله (ص) :
عن الباقر (ع) قال: (... إياك وشذاذ من آل محمد (ع) فإن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات فالزم الارض ولا تتبع منهم أحداً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين (ع) معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين ثم صار عند محمد بن علي ويفعل الله ما يشاء فالزم هؤلاء أبداًً ًوإياك ومن ذكرت لك ...) إلزام الناصب 296.
وعهد الرسول (ص) هي الوصية وهي التي تنتقل من إمام إلى إمام وسميت عهد لأن الرسول (ع) بدأ فيها بقوله: ( هذا ما عهد به محمد بن عبد الله...) كما سبق ذكره ولأنها العهد المذكور في قوله تعالى : (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً) كما سبق ذكر الدليل على ذلك وهذا الذي معه عهد النبي (ص) هو المهدي الأول من ذرية الإمام المهدي (ع) واليماني الموعود كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
وفي نفس الحديث السابق ذكر الإمام الباقر (ع) إن من أهم العلامات لمعرفة الإمام المهدي حين قيامه هي الوصية فعن الباقر (ع) قال : ( ... اسمه اسم نبي ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله ورايته وسلاحه...) إلزام الناصب 2 /96-97.
وهنا يجعل الإمام (ع) عهد الرسول (ص) ( وصيته) من الأمور التي لا تشكل ولا تشتبه على الناس أي إنه لا يمكن لأحد أن يدّعي الوصية كذباً وزوراً وهي محفوظة بإرادة الله تعالى قال تعالى: ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى)). وسبحان الله لم أسمع أحداً إدّعى أنه مذكور في وصية الرسول (ص) كذباً على مر التاريخ .
وهناك الكثير من الروايات تذكر إن الوصية من مختصات الأئمة (ع) مما يؤكد على أنها دليل على إمامتهم أذكر بعضها :
عن معاوية بن وهب قال استأذنت على أبي عبد الله عليه السلام فأذن لي فسمعته يقول في كلام له: ( يا من خصنا بالوصية وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقى وجعل أفئدة من الناس تهوى إلينا وجعلنا ورثة الأنبياء). بصائر الدرجات- محمد بن الحسن الصفار ص 149.
وعن معاوية بن وهب عن أبى عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : ( اللهم يا من أعطانا علم ما مضى وما بقى وجعلنا ورثة الأنبياء وختم بنا الأمم السالفة وخصنا بالوصية ) بصائر الدرجات- محمد بن الحسن الصفار ص 149.
وقيل لأبي عبد الله عليه السلام بأي شئ يعرف الإمام قال : ( بالوصية الظاهرة وبالفضل إن الإمام لا يستطيع أحد أن يطعن عليه في فم ولا بطن ولا فرج فيقال : كذاب ويأكل أموال الناس وما أشبه ذلك ) الكافي - 1 / 284.
وعن الرسول (ص) إنه قال لعلي (ع) : ( يا على : تختم باليمين فإنها فضيلة من الله عز وجل للمقربين قال : بِمَ أتختم يا رسول الله قال : بالعقيق الأحمر فإنه أول جبل أقر لله تعالى بالربوبية ولي بالنبوة ولك بالوصية ولولدك بالإمامة ولشيعتك بالجنة ولأعدائك بالنار ) من لا يحضره الفقيه 4 / 374.
وفي رسالة طويلة كتبها الإمام الرضا (ع) للمأمون فقال بعد تعداد الأئمة وفضائلهم : ( ......الحسن بن علي ثم الحجة القائم المنتظر صلوات الله عليهم أجمعين أشهد لهم بالوصية والإمامة وإن الأرض لا تخلو من حجة الله تعالى على خلقه في كل عصر وأوان وأنهم العروة الوثقى أئمة الهدى ) عيون أخبار الرضا (ع) 1 / 130.
وعن عبد السلام بن صالح الهروي قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : ( ... والذي أكرمنا بعد محمد ( ص) بالإمامة وخصنا بالوصية إن زوار قبري أكرم الوفود على الله يوم القيامة وما من مؤمن يزورني فيصيب وجهه قطرة من الماء إلا حرم الله تعالى جسده على النار ) عيون أخبار الرضا (ع) 1 /248.
ومن كلام للإمام علي (ع) مع أحد اليهود قال له: (...هذه الحالة - يا أخا اليهود - ثم طلبت حقي لكنت أولى ممن طلبه لعلم من مضى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ومن بحضرتك منه بأني كنت أكثر عدداً وأعز عشيرة وأمنع رجالاً وأطوع أمراً وأوضح حجة وأكثر في هذا الدين مناقب وآثاراً لسوابقي وقرابتي ووراثتي فضلاً عن استحقاقي ذلك بالوصية التي لا مخرج للعباد منها والبيعة المتقدمة في أعناقهم ممن تناولها ... ) الخصال ص 374.
وفي الرواية السابقة أكد أمير المؤمنين (ع) على أمور مهمة جداً لابد من التوقف عندها وهي:
1ـ ذكر (ع) أولاً فضائله ومناقبه التي تجعله أولى من غيره بالخلافة .
2ـ قوله (ع) : ( فضلاً عن استحقاقي ذلك بالوصية التي لا مخرج للعباد منها ) وهنا يؤكد الإمام علي (ع) على أنه يستحق الخلافة بوصية رسول الله (ص) ثم وصف تلك الوصية بأنها : لا مخرج للعباد منها أي إنها الدليل المحكم الذي يلجم الجميع وأنها مختصة به (ع) ولا يمكن لأحد أن يدعيها غيره وأنها حجة الله تعالى على العباد في الدلالة على الخليفة الحق للرسول محمد (ص) .
3ـ ولا يمكن لأحد أن يزعم أن تلك الوصية هي وصية الرسول (ص) بعلي (ع) يوم الغدير أو غيرها من المناسبات التي أشار بها الرسول (ع) لعلي (ع) لأن أمير المؤمنين (ع) بعد أن ذكر الوصية المختصة به أردف ذلك قائلاً : (والبيعة المتقدمة في أعناقهم ممن تناولها ) وبهذا الكلام ميز أمير المؤمنين (ع) بين الوصية وبين بيعة الغدير ووصف بيعة الغدير بأنها متقدمة على الوصية وبيعة الغدير حدثت بعد حجة الوداع وهي آخر حجة للرسول محمد (ع) وبملاحظة ذلك نستنتج : إن الوصية أيضاً متأخرة عن كل بيانات الرسول (ص) بحق أمير المؤمنين (ع) قبل بيعة الغدير وبذلك تنحصر الوصية بالوصية التي أملاها الرسول (ص) في ليلة وفاته والتي أوصى بها بالأئمة والمهديين (ع) إذن فهي الدليل الذي لا مخرج للعباد منه كما وصفها أمير المؤمنين (ع) في الحديث السابق .
وعنه (ع): (... فإن الله تبارك وتعالى خص نبيه صلى الله عليه وآله بالنبوة وخصني النبي صلى الله عليه وآله بالوصية فمن أحبني فهو سعيد يحشر في زمرة الأنبياء عليهم السلام ) الخصال- الشيخ الصدوق ص 578.
وقصة الراهب مع الرسول (ص) قبل مبعثه وكيف استدل الراهب بالوصية على نبوة الرسول محمد (ص) وإمامة أمير المؤمنين وقد تقدم ذكرها ونذكر هنا ما يخص الوصية: (... يناجيه ويكلمه ثم أخذ يقبل بين عينيه وأخرج شيئاً من كمه لا ندري ما هو ورسول الله صلى الله عليه وآله يأبى أن يقبله فلما فارقه قال لنا : تسمعان مني هذا والله نبي آخر الزمان والله سيخرج قريب فيدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله فإذا رأيتم ذلك فاتبعوه ثم قال : هل ولد لعمه أبي طالب ولد يقال له علي فقلنا : لا . قال : إما أن يكون قد ولد أو يولد في سنته هو أول من يؤمن به نعرفه وإنا لنجد صفته عندنا بالوصية كما نجد صفة محمد بالنبوة ... ) اكمال الدين وتمام النعمة الصدوق ص 190.
فقد استدل الراهب على الرسول (ع) من خلال الوصية لأنها تذكر محمداً (ص) باسمه وصفته ومسكنه وكذلك بينت الوصية أول من يؤمن بالرسول (ص) وهو أمير المؤمنين (ع) وبذلك تكون تلك الوصية شبيهة بوصية الرسول (ع) ليلة وفاته عندما ذكر فيها الإمام المهدي (ع) وأول من يؤمن به وهو وصيه أحمد ( وهو أول المؤمنين ) ان في ذلك لآيات للمتوسمين .
الوصية من أهم الأدلة التي يعرف بها الحجة على الخلق إذ كل حجة لابد أن يكون منصوصاً عليه وموصى إليه من قبل الحجة الذي قبله وقد تقدم ذكر وصية آدم (ع) وبشارته بمبعث نبي الله نوح (ع) وكذلك وصية نبي الله نوح (ع) وبشارته بمبعث نبي الله هود (ع) وكذلك بشارة نبي الله موسى وعيسى عليهما السلام بمبعث النبي الخاتم محمد (ص) وأيضاً النبي محمد (ص) أوصى إلى الإمام علي(ع) وبشر بالأئمة والمهديين (ع) وأن الوصاية ستستمر الى يوم القيامة وقد احتج الله تعالى على اليهود والنصارى بأن الرسول (ص) مذكور في كتبهم فيلزمهم الإيمان به وعدم تكذيبه ومعنى ذلك أن الوصية والبشارة حجة إذا انطبقت على صاحبها ولا ينبغي التكذيب أو التشكيك في ذلك.
قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ) (الفتح : 29) وقال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ....) (الاعراف: 157).
وقوله تعالى على لسان عيسى (ع) : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) (الجمعة) .
إلى غيرها من الآيات والروايات التي تقدم ذكرها في صدر البحث والتي تثبت حجية ما جاء من وصف الرسول (ص) وأهل بيته، وإن الله سيحتج بذلك على مكذبيهم ويدخلهم جهنم خالدين فيها (أعاذنا الله من ذلك) .
فذكر الرسول (ع) للأئمة والمهديين (ع) في وصيته يعتبر حجة على الخلق كما كان ذكر الرسول (ص) والأئمة (ع) في وصايا الأنبياء (ع) حجة على اليهود والنصارى وغيرهم من الديانات الأخرى ومن فرّق بين هذا وذاك يعتبر من الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض فحجة الله واحدة لا تختلف من زمان إلى زمان ولا من مكان إلى مكان آخر . سنّة الله ولن تجد لسنته تبديلاً .
فالوصية هي الوصية حجة منذ أن خلق الله آدم (ع) وإلى يوم القيامة يسلمها نبي إلى نبي وإمام إلى إمام حتى تنتهي الدنيا والكافر بها كافر بكل النبوّات والرسالات وسأذكر الروايات التي تنص على أن الأئمة (ع) يعرفون بالوصية التي أوصاها الرسول (ص) ليلة وفاته :
عن أبي عبد الله (ع) ،في حديث طويل قال: (... يعرف صاحب هذا الأمر بثلاث خصال لا تكون في غيره : ( هو أولى الناس بالذي قلبه وهو وصيه وعنده سلاح رسول الله (ص) ووصيته ... الحديث ) إثبات الهداة 1/88، الكافي 1 /428 .
ولا يقول أحد أن المقصود بالوصية هي وصية الإمام السابق على اللاحق فقد فرّق الإمام الصادق (ع) في كلامه بين المسألتين ونص على إن المقصود بالوصية هي وصية الرسول (ع) فقد قال أولاً ( هو أولى الناس بالذي قبله وهو وصيه ) ثم ذكر العلامة الثالثة وهي ( عنده سلاح رسول الله (ص) ووصيته ) أي وصية الرسول (ص) والحديث واضح لا لبس فيه .
وأيضا في حديث طويل حول الوصية والإمامة عن الصادق (ع) قال: (... ثم قال: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) فكان علي (ع) وكان حقه الوصية التي جعلت له والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوة ...) الكافي 1/325 ـ 328 .
إذن فالوصية هي الحق التي نص عليه تعالى أن يعطى لذي القربى ومن كذب بالوصية ولم يعترف بها لصاحبها فقد غصب حق ذي القربى وكذب الله ورسوله (ص).
وعن أبي عبد الله (ع) قال: ( أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد ! لا والله ولكن عهد من الله ورسوله (ع) لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه ) الكافي 1/307.
أي إن الأئمة (ع) لا يوصون لمن بعدهم بمحض إرادتهم واختيارهم بل بعهد معهود من الله تعالى ورسوله (ص) وقد تقدم أن عهد الله هو الوصية التي نزلت من السماء ولا يعلمها إلا الأئمة عليهم السلام لأنها خاصة بهم وأما عهد رسول الله (ص) فهي الوصية التي أوصى بها ليلة وفاته وذكر فيها الأوصياء من الأئمة والمهديين إلى يوم القيامة وقد كتبها أمير المؤمنين (ع) بيده وظلت تتوارث من إمام إلى إمام إلى يوم القيامة .
وقال عبد الله بن أبي الهذيل عندما سُُئل عن الإمامة كلاماً طويلاً في وصف الأئمة (ع) منه : ( ... وهم عترة الرسول عليه وعليهم السلام المعروفون بالوصية والإمامة لا تخلو الأرض من حجة منهم في كل عصر وزمان وفي كل وقت وأوان ... ) . ثم قال تميم بن بهلول حدثني أبو معاوية عن الأعمش عن جعفر بن محمد عليهما السلام في الإمامة مثله سواء . عيون أخبار الرضا 1 / 57-59.
وهذا نص صريح على أن الأئمة عليهم السلام في كل زمان ومكان يعرفون بالوصية التي خصهم بها الرسول محمد (ص) وهذا من الأمور التي خفيت على الأمة أو التي لم يعطوها حقها من الأهمية.
وعن أبي عبد الله (ع) ، في قول الله عز وجل : (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ) قال : هي الوصية يدفعها الرجل منا إلى الرجل ) غيبة النعماني 59-60 .
فالوصية أيضاً هي الأمانة التي أمر الأئمة عليهم السلام أن يؤدوها إلى أهلها وهم ذراريهم من الأوصياء إلى يوم القيامة فإذا كان الإمام المعصوم ليس له الحق بمنع الوصية ويجب عليه أداؤها إلى صاحبها والإقرار له بها فكيف بعامة الناس إذا اعترضوا على الإقرار بالوصية لأحد الأوصياء إذا كان مذكوراً بها باسمه وصفته !!!
وفي حديث طويل يبيّن فيه الإمام الباقر (ع) راية الحق الوحيدة التي يجب اتباعها قبل قيام القائم (ع) وهي التي معها عهد نبي الله (ص) :
عن الباقر (ع) قال: (... إياك وشذاذ من آل محمد (ع) فإن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات فالزم الارض ولا تتبع منهم أحداً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين (ع) معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين ثم صار عند محمد بن علي ويفعل الله ما يشاء فالزم هؤلاء أبداًً ًوإياك ومن ذكرت لك ...) إلزام الناصب 296.
وعهد الرسول (ص) هي الوصية وهي التي تنتقل من إمام إلى إمام وسميت عهد لأن الرسول (ع) بدأ فيها بقوله: ( هذا ما عهد به محمد بن عبد الله...) كما سبق ذكره ولأنها العهد المذكور في قوله تعالى : (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً) كما سبق ذكر الدليل على ذلك وهذا الذي معه عهد النبي (ص) هو المهدي الأول من ذرية الإمام المهدي (ع) واليماني الموعود كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
وفي نفس الحديث السابق ذكر الإمام الباقر (ع) إن من أهم العلامات لمعرفة الإمام المهدي حين قيامه هي الوصية فعن الباقر (ع) قال : ( ... اسمه اسم نبي ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله ورايته وسلاحه...) إلزام الناصب 2 /96-97.
وهنا يجعل الإمام (ع) عهد الرسول (ص) ( وصيته) من الأمور التي لا تشكل ولا تشتبه على الناس أي إنه لا يمكن لأحد أن يدّعي الوصية كذباً وزوراً وهي محفوظة بإرادة الله تعالى قال تعالى: ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى)). وسبحان الله لم أسمع أحداً إدّعى أنه مذكور في وصية الرسول (ص) كذباً على مر التاريخ .
وهناك الكثير من الروايات تذكر إن الوصية من مختصات الأئمة (ع) مما يؤكد على أنها دليل على إمامتهم أذكر بعضها :
عن معاوية بن وهب قال استأذنت على أبي عبد الله عليه السلام فأذن لي فسمعته يقول في كلام له: ( يا من خصنا بالوصية وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقى وجعل أفئدة من الناس تهوى إلينا وجعلنا ورثة الأنبياء). بصائر الدرجات- محمد بن الحسن الصفار ص 149.
وعن معاوية بن وهب عن أبى عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : ( اللهم يا من أعطانا علم ما مضى وما بقى وجعلنا ورثة الأنبياء وختم بنا الأمم السالفة وخصنا بالوصية ) بصائر الدرجات- محمد بن الحسن الصفار ص 149.
وقيل لأبي عبد الله عليه السلام بأي شئ يعرف الإمام قال : ( بالوصية الظاهرة وبالفضل إن الإمام لا يستطيع أحد أن يطعن عليه في فم ولا بطن ولا فرج فيقال : كذاب ويأكل أموال الناس وما أشبه ذلك ) الكافي - 1 / 284.
وعن الرسول (ص) إنه قال لعلي (ع) : ( يا على : تختم باليمين فإنها فضيلة من الله عز وجل للمقربين قال : بِمَ أتختم يا رسول الله قال : بالعقيق الأحمر فإنه أول جبل أقر لله تعالى بالربوبية ولي بالنبوة ولك بالوصية ولولدك بالإمامة ولشيعتك بالجنة ولأعدائك بالنار ) من لا يحضره الفقيه 4 / 374.
وفي رسالة طويلة كتبها الإمام الرضا (ع) للمأمون فقال بعد تعداد الأئمة وفضائلهم : ( ......الحسن بن علي ثم الحجة القائم المنتظر صلوات الله عليهم أجمعين أشهد لهم بالوصية والإمامة وإن الأرض لا تخلو من حجة الله تعالى على خلقه في كل عصر وأوان وأنهم العروة الوثقى أئمة الهدى ) عيون أخبار الرضا (ع) 1 / 130.
وعن عبد السلام بن صالح الهروي قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : ( ... والذي أكرمنا بعد محمد ( ص) بالإمامة وخصنا بالوصية إن زوار قبري أكرم الوفود على الله يوم القيامة وما من مؤمن يزورني فيصيب وجهه قطرة من الماء إلا حرم الله تعالى جسده على النار ) عيون أخبار الرضا (ع) 1 /248.
ومن كلام للإمام علي (ع) مع أحد اليهود قال له: (...هذه الحالة - يا أخا اليهود - ثم طلبت حقي لكنت أولى ممن طلبه لعلم من مضى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ومن بحضرتك منه بأني كنت أكثر عدداً وأعز عشيرة وأمنع رجالاً وأطوع أمراً وأوضح حجة وأكثر في هذا الدين مناقب وآثاراً لسوابقي وقرابتي ووراثتي فضلاً عن استحقاقي ذلك بالوصية التي لا مخرج للعباد منها والبيعة المتقدمة في أعناقهم ممن تناولها ... ) الخصال ص 374.
وفي الرواية السابقة أكد أمير المؤمنين (ع) على أمور مهمة جداً لابد من التوقف عندها وهي:
1ـ ذكر (ع) أولاً فضائله ومناقبه التي تجعله أولى من غيره بالخلافة .
2ـ قوله (ع) : ( فضلاً عن استحقاقي ذلك بالوصية التي لا مخرج للعباد منها ) وهنا يؤكد الإمام علي (ع) على أنه يستحق الخلافة بوصية رسول الله (ص) ثم وصف تلك الوصية بأنها : لا مخرج للعباد منها أي إنها الدليل المحكم الذي يلجم الجميع وأنها مختصة به (ع) ولا يمكن لأحد أن يدعيها غيره وأنها حجة الله تعالى على العباد في الدلالة على الخليفة الحق للرسول محمد (ص) .
3ـ ولا يمكن لأحد أن يزعم أن تلك الوصية هي وصية الرسول (ص) بعلي (ع) يوم الغدير أو غيرها من المناسبات التي أشار بها الرسول (ع) لعلي (ع) لأن أمير المؤمنين (ع) بعد أن ذكر الوصية المختصة به أردف ذلك قائلاً : (والبيعة المتقدمة في أعناقهم ممن تناولها ) وبهذا الكلام ميز أمير المؤمنين (ع) بين الوصية وبين بيعة الغدير ووصف بيعة الغدير بأنها متقدمة على الوصية وبيعة الغدير حدثت بعد حجة الوداع وهي آخر حجة للرسول محمد (ع) وبملاحظة ذلك نستنتج : إن الوصية أيضاً متأخرة عن كل بيانات الرسول (ص) بحق أمير المؤمنين (ع) قبل بيعة الغدير وبذلك تنحصر الوصية بالوصية التي أملاها الرسول (ص) في ليلة وفاته والتي أوصى بها بالأئمة والمهديين (ع) إذن فهي الدليل الذي لا مخرج للعباد منه كما وصفها أمير المؤمنين (ع) في الحديث السابق .
وعنه (ع): (... فإن الله تبارك وتعالى خص نبيه صلى الله عليه وآله بالنبوة وخصني النبي صلى الله عليه وآله بالوصية فمن أحبني فهو سعيد يحشر في زمرة الأنبياء عليهم السلام ) الخصال- الشيخ الصدوق ص 578.
وقصة الراهب مع الرسول (ص) قبل مبعثه وكيف استدل الراهب بالوصية على نبوة الرسول محمد (ص) وإمامة أمير المؤمنين وقد تقدم ذكرها ونذكر هنا ما يخص الوصية: (... يناجيه ويكلمه ثم أخذ يقبل بين عينيه وأخرج شيئاً من كمه لا ندري ما هو ورسول الله صلى الله عليه وآله يأبى أن يقبله فلما فارقه قال لنا : تسمعان مني هذا والله نبي آخر الزمان والله سيخرج قريب فيدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله فإذا رأيتم ذلك فاتبعوه ثم قال : هل ولد لعمه أبي طالب ولد يقال له علي فقلنا : لا . قال : إما أن يكون قد ولد أو يولد في سنته هو أول من يؤمن به نعرفه وإنا لنجد صفته عندنا بالوصية كما نجد صفة محمد بالنبوة ... ) اكمال الدين وتمام النعمة الصدوق ص 190.
فقد استدل الراهب على الرسول (ع) من خلال الوصية لأنها تذكر محمداً (ص) باسمه وصفته ومسكنه وكذلك بينت الوصية أول من يؤمن بالرسول (ص) وهو أمير المؤمنين (ع) وبذلك تكون تلك الوصية شبيهة بوصية الرسول (ع) ليلة وفاته عندما ذكر فيها الإمام المهدي (ع) وأول من يؤمن به وهو وصيه أحمد ( وهو أول المؤمنين ) ان في ذلك لآيات للمتوسمين .
Comment