بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
اللهم صلي على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
تقف فكرة الإجتهادوالتقليد على رأس الوسائل التي ابتكرتها المؤسسة الدينية الأصولية في استعباد الناسوربطهم بها ، ومناقشة هذه الفكرة وإن كانت تستدعي بحسب المتعارف نمطاً من وسائلالنشر المتخصصة ، غير أن طرح المسألة على بساط البحث العام أمر مهم جداً لأنه أولاًيخرجها الى العامة الذين تستخفهم المؤسسة وتسعى الى عزلهم عن المعرفة بحجة عدمأهليتهم ، وثانياً لأنها فكرة مهمة وتشكل مفصلاً فكرياً في محاربة هذه المؤسسةالفاسدة .
والحق إنه عند تفحص الأدلة التي ساقوها في إثبات هذه الفكرة المبتدعةنجدهم يختلفون أيما اختلاف ، فأكثرهم يذهب الى القول بأن الدليل عليها دليل عقليبينما يرى آخرون وهم القلة الى وجود الدليل النقلي على هذه الفكرة .
وسأحاول فيهذه السطور تقديم نقض واضح ومبسط للدليل النقلي على أن أعقبه في مناسبة أخرى إن شاءالله بنقض دليلهم العقلي المزعوم .
1- الآيات القرآنية التي استدلوا بها :-
أ- قوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيإِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }
ب- قوله تعالى : {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَمِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِوَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }
ويرد عليها :-
إن استدلالهم بالآية الأولى على وجوب تقليد غير المعصوم وهمالعلماء في عصر الغيبة الكبرى ، خاصة بالأئمة المعصومين (ص) لا وجه له فالآية خاصةبالمعصومين من ذرية النبي محمد (ص) ولا يمكن أن تنطبق على غيرهم وهذا واضح وجلي منخلال الروايات المتواترة التي نصت على ذلك ومنها :-
عن محمد ابن مسلم عن أبيجعفر (ع) ، قال :-
( إن من عندنا يزعمون إن قول الله عز وجل (فَاسْأَلُواْأَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).
إنهم اليهود والنصارى، قال: إذاًَ يدعونكم إلى دينهم، قال: قال بيده إلى صدره: نحن أهل الذكر ونحن المسئولون) الكافي ج1 ص237 ، وعن الو شاء عن أبي الحسن الرضا (ع) قال سمعته يقول: (( قال عليبن الحسين عليه السلام :على الأئمة من الفرض ما ليس على شيعتهم وعلى شيعتنا ما ليسعلينا ،أمرهم الله عز وجل أن يسألونا ، قال: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِنكُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) فأمرهم أن يسألونا وليس علينا الجواب ، إن شئنا أجبنا وانشئنا امسكنا )) الكافي ج1 ص237 . وعن أبي بكر الحضرمي قال: (( كنت عند أبي جعفر (ع) ودخل عليه الورد أخو الكميت فقال : جعلني الله فداك اخترت لك سبعين مسألة ما تحضرنيمنها مسألة ، قال : ولا واحدة يا ورد ؟ . قال: بلى قد حضرني منها واحدة، قال: وماهي؟ . قال قول الله تبارك وتعالى (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ) من هم ؟ . قال: نحن، قلت علينا أن نسألكم ؟ قال: نعم، قلت عليكم أنتجيبونا ؟ قال: ذاك إلينا )) الكافي ج1 ص236. وعن أبي جعفر (ع) في قوله تعالى : (( (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) قال: نحن أهل الذكر،ونحن المسئولون )) بصائر الدرجات ص60 . وعن أبي عبد الله (ع) في قول الله تعالى : (( (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) قال: الذكر محمدصلى الله عليه واله ونحن أهله ونحن المسئولون )) بصائر الدرجات ص60. و روي عن أميرالمؤمنين (ص): في وصيته للحسن إن كل من يدعي هذا المقام فهو كذاب ، إذ قال : (( ...وأمركم أن تسألوا أهل الذكر، ونحن والله أهل الذكر، لا يدعي ذلك غيرنا إلاكاذب...ثم قال: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) فنحنأهل الذكر فاقبلوا أمرنا وانتهوا عما نهينا ونحن الأبواب التي أمرتم أن تأتوا منها،فنحن والله أبواب تلك البيوت ليس ذلك لغيرنا ولا يقوله أحد سوانا.... )) نهجالسعادة ج8 ص318 للشيخ المحمودي / مستدرك الوسائل ج17ص273.
ثم إن المسئول فيالآية يجب أن يكون عنده جواب عن كل مسألة يُسأل عنها وهذا يحتاج إلى العصمةوالإلهام الإلهي وهذا ما لا يوجد إلا في العترة الطاهرة لمحمد (ص)، فإذا كانالمسئول جاهلاً ولو في مسألة واحدة ، يكون سائلاً لا مسئولاً، وهو خلاف الفرض ، فلابد أن تنتهي المسالة إلى من تحتاج الناس إليه ولا يحتاج إلى أحد من الناس . وهممحمد وآل محمد (ع) كما نصت على ذلك الروايات المتواترة . والمسئول في الآية (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ) لابد أن يكون واجب الطاعة فيما يُسأل عنه ويأمربه، وهذا خاص بالأئمة المعصومين (ع) ، لأن القول بوجوب طاعة غير المعصوم يستلزمالأمر بالمعصية وهذا محال، لأن غير المعصوم ممكن الخطأ والانحراف عمداً أو سهواًفكيف تجب طاعته مطلقاً، وقد صرح بذلك الإمام علي (ع) بقوله : (( .... وإنما أمرالله بطاعة الرسول صلى الله عليه واله لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية، وإنما أمربطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية )) الوسائل ج18 ص93.
- آراء بعض علماء الشيعة في الرد على من استدل بهذه الآية على وجوب التقليد أو علىوجوب حجية خبر الواحد:-
1. أبو الصلاح الحلبي في كتابه الكافي قال : ((..وهم – يعني الأئمة- الذين أُمر من لا يعلم بمسألتهم ليعلم في قوله : (فَاسْأَلُواْ أَهْلَالذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) وقد بينا في غير هذا الكتاب ونبينه فيه كونالأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم أولي الأمر وأهل الذكر دون غيرهم )) الكافيللحلبي ص56.
وقال أيضاً في ص93 : (( قوله تعالى : (فَاسْأَلُواْ أَهْلَالذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) فأمر من لا يعلم بسؤال أهل الذكر ليعلم ،ولم يخص ذلك بشيء ، دون شيء ، وذلك مقتضى لعلم المسئولين بكل شيء يُسألون عنه ،معصومون فيما يفتون به ، لقبح الأمر بالمسألة من لا يعلم ما يُسأل عنه ، وعدم العلملفتيا من يجوز عليه الخطأ عن قصد أو سهو... )) .
2. أبو المجد الحلبي في كتابهإشارة السبق ص60 قال: ( (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ) أمر بوجوب المسئولين لا يجوز كونهم سائلين، لأحاطتهم علما بكل مايسألون عنه..) .
3. السيد الخميني في كتابه الاجتهاد والتقليد ص89 قال: (( قولهتعالى في الأنبياء: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيإِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ). بدعوى إنإطلاقه يقتضي الرجوع إلى المفضول حتى مع مخالفة قوله للأفضل ولا سيما مع ندرةالتساوي بين العلماء وتوافقهم في الآراء .
وفيه : مضافاً إلى ظهور الآية في أنأهل الذكر هم علماء اليهود والنصارى، إرجاع المشركين إليهم، وإلى ورود روايات كثيرةفي إن أهله هم الأئمة (ع)، بحيث يظهر منها أنهم أهله لا غير....)).
4. السيدمحمد باقر الصدر في الحلقة الثانية من دروس في علم الأصول ص287 قال:
((... إضافة إلى أن الأمر بالسؤال في الآية ليس ظاهراً في الأمر المولوي لكي يستفاد منهذلك ، لأنه وارد في سياق الحديث مع المعاندين والمتشككين في النبوة من الكفار ، ومنالواضح أن هذا السياق لا يناسب جعل الحجية التعبدية ، وإنما يناسب الإرشاد إلىالطرق التي توجب زوال التشكك ، ودفع الشبهة بالحجة القاطعة ، لأن الطرف ليس ممنيتعبد بقرارات الشريعة . ونلاحظ أيضا أن الأمر بالسؤال مفرع على قوله: ( َمَاأَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ ) والتفريع يمنع عنانعقاد إطلاق في متعلق السؤال لكي يثبت الأمر بالسؤال في غير مورد المفرع عليهوأمثاله.هذا على أن مورد الآية لا حجية فيه للأخبار الآحاد لأنه مرتبط بأصولالدين..)).
5. الشيخ علي النمازي في كتابه مستدرك سفينة البحار ج3 ص441 ، قال: (( قال تعالى (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) أهلالذكر الأئمة (عليهم السلام ) بذلك نطقت الروايات المتواترة المذكورة في باب أنهمأهل الذكر وأنهم هم المسئولون )).
6. الشيخ مرتضى الأنصاري في كتابه فرائدالأصول ج1 ص288 قال رداً على من استدل بهذه الآية : (( ويرد عليه : أولاً إنالاستدلال إن كان بظاهر الآية ، فظاهرها بمقتضى السياق إرادة علماء أهل الكتاب ..... إلى أن يقول : وان كان مع قطع النظر عن سياقها ، ففيه : انه وارد في الأخبارالمستفيضة : ان أهل الذكر هم الأئمة (عليهم السلام ) وقد عقد في أصول الكافي بابالذلك .
ثم قال رداً على من قال بضعف سند الروايات : وفيه نظر ، لاًن روايتينمنها صحيحتان ، وهما روايتا محمد ابن مسلم والوشاء ، فلاحظ ، ورواية أبي بكرالحضرمي حسنة أو موثقة . نعم ثلاث روايات آخر منها لا تخلو من ضعف ، ولا تقدح قطعاً ....)).
7. المحقق الخوئي في كتاب الاجتهاد والتقليد ص90 ، ذكر كلاماً طويلاً ثمقال : ولكن الصحيح إن الآية المباركة لا يمكن الاستدلال بها على جواز التقليد وذلكلأن موردها ينافي القبول التعبدي حيث أن موردها من الأصول الاعتقادية بقرينة الآيةالسابقة عليها وهي :
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيإِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)
وهو ردلاستغرابهم تخصيصه سبحانه رجلاً بالنبوة من بينهم فموردها النبوة ويعتبر فيها العلموالمعرفة ولا يكفي فيها مجرد السؤال من دون أن يحصل الإذعان فلا مجال للاستدلال بهاعلى قبول فتوى الفقيه تعبداً من دون أن يحصل منها علم بالمسألة ))
8. السيدمحمد سعيد الحكيم في كتابه مصباح المنهاج _ التقليد _ ص12 قال كلاًماً طويلاً نأخذمنه مقدار الحاجة وهو:
(( انه لابد من رفع اليد عن ظهور الآية، في إرادة مطلقالعلماء من أهل الذكر، بالنصوص الكثيرة الظاهرة، بل الصريحة في اختصاص أهل الذكربالأئمة عليهم السلام وعدم شمولها لغيرهم... )) .
9. السيـد الكلبايكاني فيكتابه إفاضة الفوائد ج2 ص91 قال : ((فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ ..... إلى أن يقول: وفيه- مضافاً إلى ما مر من الجواب- أنها لو دلت علىحجية الغير لدلت على حجية الأخبار التي وردت في أن المراد بأهل الذكر الأئمة عليهمالسلام. وعلى هذا لا دخل لها بحجية خبر الواحد، فصحة الاستدلال بها توجب عدمالاستدلال بها )).
10. الشيخ جعفر السبحاني في كتاب تهذيب الأصول – تقرير بحثالسيد الخميني – ج3ص176 ، قال :
((منها قوله تعالى : (فَاسْأَلُواْ أَهْلَالذِّكْرِإِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) مدعياً إن إطلاقها يشمل السؤال عن مطلق أهلالذكر ...
إلى قوله: وفيه: أولاً: انه لا يصح الاستشهاد بالآية لما نحن فيه لابحكم السياق إذ لازمه كون المراد من أهل الذكر، هو علماء اليهود والنصارى، و لابحكم الروايات، فإن مقتضى المأثورات كون الأئمة (ع) هم أهل الذكر المأمور بالسؤالعنهم...)) .
وأقوال هؤلاء العلماء وإن كان بعضها فيه كلام ولكن كلها أو جلهاتؤكد على أن المراد من الآية هم ( أهل البيت ) (ع) خاصة ولا دخل لها بوجوب تقليدغيرهم .
وأما الآية الثانية التي استدلوا بها على وجوب التقليد هي قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّفِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْقَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } .
فيرد عليه :
للإجابة على ذلك ينبغي معرفة عدة أمور منها :-
1- الروايات الواردة في هذهالآية .
2- ما المقصود من النفر وإلى من يكون ؟
3- كم عدد الطائفة التي تنفرمن كل فرقة ؟
4- بماذا يكون الإنذار ؟ بنقل الرواية أم بالاجتهاد والرأي ؟
ونأتي على مناقشة هذه النقاط بالتوالي ومن خلالها يتبين خطأ استدلالهم بهذهالآية على وجوب التقليد:
المطلب الأول:-
عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِالْأَنْصَارِيِّ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) إِنَّ قَوْماً يَرْوُونَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) قَالَ : اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ . فَقَالَ : صَدَقُوا . فَقُلْتُ : إِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ رَحْمَةً ، فَاجْتِمَاعُهُمْعَذَابٌ . قَالَ : لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ وَذَهَبُوا إِنَّمَا أَرَادَ قَوْلَاللَّهِ عَزَّ وجَلَّ : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌلِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْلَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) . فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْفِرُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ (ص) فَيَتَعَلَّمُوا ثُمَّ يَرْجِعُوا إلى قَوْمِهِمْ فَيُعَلِّمُوهُمْ إِنَّمَاأَرَادَ اخْتِلَافَهُمْ مِنَ الْبُلْدَانِ لَا اخْتِلَافاً فِي دِينِ اللَّهِإِنَّمَا الدِّينُ وَاحِدٌ إِنَّمَا الدِّينُ وَاحِدٌ )) معاني الأخبارص157.
عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) : (( إِذَا حَدَثَ عَلَى الْإِمَامِ حَدَثٌ كَيْفَ يَصْنَعُ النَّاسُ قَالَ أَيْنَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْطائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُواإِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) . قَالَ : هُمْ فِي عُذْرٍ مَا دَامُوا فِيالطَّلَبِ وَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُمْ فِي عُذْرٍ حَتَّى يَرْجِعَإِلَيْهِمْ أَصْحَابُهُمْ ) الكافي ج1 ص427
وغيرها من الروايات التي تشير إلىهذا المعنى، فإذا كانوا يقصدون :
أن الناس هم النافرون والعلماء المنفور إليهم ،فهذا باطل قطعا لأن الروايات تشير إلى أن الله أمر الناس أن تنفر إلى النبي محمد (ص) و إلى الأئمة المعصومين (ع) من بعده لأخذ شرائع الأصول والفروع ، أي أن الأمربالنفر إلى من له حق التشريع وهو معصوم ضرورة ولا يأمر بمعصية ولا يخطأ في التشريعوهذا لا يتوفر إلا في الأئمة المعصومين (ع) ولا يمكن أن ينطبق على علماء الغيبةلأنهم ليس لهم حق التشريع ولا يمتازون بالعصمة المانعة عن الخطأ في التشريع . وإذاكان يقصد بأن العلماء هم المأمورون بالنفر وعلى الناس الأخذ بقولهم إذا رجعوا إليهمبعد النفر فهذا رديء كسابقه لعدة أمور :
الأول: أن النفر المأمور به في الآيةالشريفة:
{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَمِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِوَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } هو النفر إلى المعصوم (ع) سواء كان النبي أو الإمام وهذا النفر لم يتصف به علماءالغيبة، فهل إنهم نفروا إلى الإمام المعصوم (ع) والتقوا به وتفقهوا على يده لتنطبقعليهم الآية ؟!!.
فإن قلت : إن قراءة ودراسة الكتب والسنة يعتبر من النفر إلىالرسول (ص) والأئمة (ع)
أقول : إن هذا تكلف واضح وعدول عن نص الآية والرواياتالتي بهذا الصدد ، فإن معنى ( رواة الحديث ) الذين أُمرنا بالأخذ عنهم: هم من روواالحديث عن الأئمة (ع) مباشرة أو نقلوا عمن نقل عن الأئمة أيضا بالمباشرة وهوالمقصود من ما ورد في التوقيع عن الإمام المهدي (ع) : (وأما الحوادث الواقعةفارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم) ، لا يَصْدقإلا على السفراء الأربعة ، فلا يصدق على من قـرأ كتب الحديث ودرسها صـفة ( رواةالحديث ) لأن الفرق شاسع بين من يلتقي بالمعصوم (ع) وينقل الحديث عنه وبين من يقرأالحديث في كتاب، فالذي يدرس الروايات يعتبر نافراً إلى من نفر إلى المعصوم (ع) ،وليس من باب النفر إلى المعصوم بالذات . وهذا نجده واضحاً في التوقيع الشريف الواردالى الْقَاسِمِ بْنِ الْعَلَاءِ وهو : (( فَإِنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ مِنْمَوَالِينَا فِي التَّشْكِيكِ فِيمَا يُؤَدِّيهِ عَنَّا ثِقَاتُنَا قَدْ عَرَفُوابِأَنَّا نفَاوِضُهُمْ سِرَّنَا وَنُحَمِّلُهُمْ إِيَّاهُ إليْهِم )) الوسائل ج18ص108-109.
فقد جعل الإمام (ع) علة عدم التشكيك فيما ينقله هؤلاء الثقاة إنهميجلسون مع الأئمة (ع) ويفاوضونهم السر ويكلفونهم تبليغه إلى الشيعة. وهذا الحاليفتقر إليه علماء الغيبة فلا ينطبق عليهم ( رواة الحديث ) . وحتى لو وجد من يريدالنفر فإن المنفور إليه غائب بسبب ذنوب الناس وإعراضهم عنه فعنهم (ع) : ( إذا غضبالله تبارك وتعالى على خلقه نحانا من جوارهم ) أصول الكافي ج1 ص343 ، وعنهم (ع) : (إن الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم ). الإمامة تلك الحقيقةالقرآنية ص42 تأليف : زهير بيطار.
الأمر الثاني:-
النفر إلى النبي محمد (ص) أو إلى أحد الأئمة (ع) للتفقه في الدين لا يختص في الفروع بل يشمل أصول الدينوفروعه وما عليه استدلالكم إن أصول الدين لا يمكن أن تثبت بخبر الواحد ، فلا يمكنالاستدلال بالآية على وجوب التقليد وقبول قول شخص واحد .
وان قلتم : إنالنافرين من كل فرقة أكثر من واحد فيكون قولهم حجة حتى في الأصول .
أقول : وهذابعينه نقض لإستدلالكم لأنه إذا تعدد من يجب قبول قوله خرج الكلام عن موضوع التقليد، لان التقليد الذي تزعمونه لشخص واحد لا لعدة أشخاص .
الأمر الثالث :
أماإذا كان النفر لمعرفة الإمام اللاحق بعد موت الإمام السابق كما في الرواية عنالإمام الصادق (ص) فهو أيضا من أصول الدين (الإمامة ) ولا يكفي في حجيته خبرالواحد-- كما تقولون - بل لا بد من نقل عدد يوجب العلم القطعي بذلك ، وبهذا تكونالطائفة النافرة من كل فرقة أكثر من واحد ، وبهذا يخرج الكلام عن موضوع التقليد إلىالرواية عن المعصوم (ع) : في الأمور العقائدية التي يتكفلها رواة الحديث لاالمجتهدون بالرأي وغيره .
المطلب الثاني:
ما المقصود من النفر وإلى من يكون؟
النفر: هو قيام مجموعة من الناس من كل فرقة بالسفر إلى الإمام المعصوم (ع) لمعرفة معالم دينهم ليبلغوها إلى قومهم إذا رجعوا إليهم على سبيل الرواية لا الفتوىبمعناها المعاصر .
المطلب الثالث :
كم عدد الطائفة التي تنفر من كل فرقة؟
هذه المسألة اختلف فيها العلماء فمنهم من قال واحد أو اثنان ومنهم من قالثلاثة ومنهم من قال أربعة ومنهم من أوصلهم إلى العشرة، وكلامهم في ذلك طويل .
والإنصاف إن من تدبر سياق الآية وقرينة الحال والعرف يعرف أن المراد منالطائفة النافرة من كل فرقة أكثر من واحد . فقد كان بنية الناس أن تنفر كافة فخففالله عنهم بكفاية نفير بعضهم فيبعد أن يكون التخفيف من الجميع إلى الواحد، وإن كلمةالنفير تشعر بالكثرة، ثم إن في ذلك الزمان كان السفر شاقا فلا يسافر شخص بمفرده إلانادراً. بالإضافة إلى إن كلمة الطائفة تشير إلى الكثرة ويشهد لذلك العرف فلا يطلقعلى الواحد طائفة إلا نادراً.
وإلى هذا المعنى أشار الشيخ الطوسي في التبيانرداً على من فسر الطائفة بالواحد من الناس إذ قال : (( وهذا الذي ذكروه ليس بصحيح ،لان الذي يقتضيه ظاهر الآية وجوب النفور على الطائفة من كل فرقة ، ووجوب التفقهوالإنذار إذا رجعوا ، ويحتمل أن يكون المراد بالطائفة الجماعة التي يوجب خبرهمالعلم ( أي اليقين )......)) التبيان ج5ص322.
ويمكن معرفة مقدار الطائفة من خلالروايات أهل البيت (ص) التي تشير إلى إن النافرين من كل فرقة هم جماعة وليس شخصاواحدا ومن ذلك ما ورد عن عبد الأعلى قال:
(( قلت لأبي عبد الله (ع) إن بلغناوفاة الإمام كيف نصنع قال عليكم النفير قلت النفير جميعاً. قال : إن الله يقول { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِيالدِّينِ }الآية: قلت نفرنا فمات بعضهم في الطريق قال : فقال: إن الله عز و جليقول(( وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّيُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراًرَّحِيماً )) الإمامة والتبصرة ص89 . واستفهام عبد الأعلى عن الطائفة إذا مات بعضهمفي الطريق ما حكمهم يدل على أن الطائفة مجموعة وليست شخصاً واحداً . وقول الصادق (ص) في حديث : (( هم في عذر -أي الطائفة- ماداموا في الطلب وهؤلاء الذين ينتظرونهمفي عذر، حتى يرجع إليهم أصحابهم )) .
وما ذكرته سابقا من أن تفسير الطائفةبالشخص الواحد لا يمكن الاستدلال به على التقليد - حسب استدلالكم - لأنكم تشترطونفي العقائد أن تكون عن علم قطعي وخبر الواحد يفيد ظناً لا علماً. ومن المعلوم أنالطائفة النافرة لا تقتصر على نقل الفقه بل العقائد وخبر الإمام اللاحق بعد موتالإمام السابق وهذا من العقائد التي لا تثبت بخبر الواحد عندكم.وعلى كلا الاحتمالينفالآية لا تدل على وجوب التقليد بالمعنى المعاصر، سواء فسرتم الطائفة بالواحد أوبالجماعة وقد تقدم تفصيله .
المطلب الرابع :
بماذا يكون الإنذار بالرواية أمبالفتوى ؟
بالرغم من وضوح جواب هذا السؤال وان الإنذار يكون بالرواية عنالمعصوم (ص) إلا إن البعض حاول أن يجعله شاملاً للإنذار بالفتوى وهو غريب جداً .
فقد تواترت الروايات عن أهل البيت (ص) بمنع القول بالرأي والاجتهاد ، ولم يكنمتعارفا في عصر التشريع ذلك بل الذي كان متعارفا هو إفتاء الناس بروايات أهل البيت (ص) فهؤلاء الطائفة النافرة هم بعينهم ( رواة الحديث ) الذين أمرنا الأئمة بعدم ردما ينقلونه عنهم (ع) . ثم إن هؤلاء الذين نفروا للتعلم من الرسول (ص) أو من الإمامالمعصوم (ع) بالتأكيد عندما يرجعون إلى قومهم يقولون لهم : سألنا الإمام كذا ،فأجابنا بكذا ، أو قال الإمام كذا .... الخ ، وإن الناس لا يسألونهم عن رأيهمواجتهادهم بل يسألونهم عن الروايات والأحكام التي تعلموها من الإمام بالمباشرة .
وبهذا أيضا ينهدم استدلالهم لأن الآية أقصى ما يستفاد منها قبول الرواية لاقبول الرأي والاجتهاد الذي يعتمد الدليل العقلي أحد مصادر التشريع .
هذا وقدتقدم أن فقهاء الغيبة خارجين عن مصاديق هذه الآية تخصصاً (موضوعاً) لأنهم لم ينفرواللإمام ولم يلتقوا به ولم يتعلموا منه ، وتجريد الآية عن الخصوصية وتعديتها إلى منقرأ أو درس الروايات يحتاج إلى دليل ولا دليل ، والأصل عدمه كما تقولون انتم فلايثبت أيضا إلا بدليل .
وان تنزلنا - وان لم نتنزل - فالآية غير تامة الدلالة علىوجوب التقليد وهذا كافٍ لهدم استدلال السيد محمود الحسني إذ يُشترط بالدليل الشرعيأن يكون محكماً لا متشابهاً يقبل أكثر من تفسير أو تأويل .
هذا وقد ذهب بعضعلماء الشيعة الى عدم نهوض الإستدلال بالآية قيد البحث على وجوب الاجتهاد ومنهم :
1- رئيس الطائفة الشيخ الطوسي في كتابه التبيان ج5 ص322-323 قال كلاماًًطويلاً منه : (( ويحتمل أن يكون المراد بالطائفة الجماعة التي يوجب خبرهم العلم،ولو سلمنا انه يناول الواحد أو جماعة قليلة، فلم إذ أوجب عليهم الإنذار وجب على منيسمع القبول؟ والله تعالى إنما أوجب على المنذرين الحذر، والحذر ليس من القبول فيشيء بل الحذر يقتضي وجوب البحث عن ذلك حتى يعرف صحته من فساده بالرجوع إلىالأدلة...)).
2- السيد المرتضى في كتابه الذريعة ج2ص534-535 قال في الرد على مناستدل بآية النفر على وجوب قبول القول : (( ....إذا سلمنا أن اسم الطائفة يقع علىالواحد والاثنين ، فلا دلالة لكم في الآية ، لأنه تعالى سماهم منذرين ، والمنذر هوالمخوف المحذر الذي ينبه على النظر والتأمل ، ولا يجب تقليده ولا القبول منه بغيرحجة ، ولهذا قال تعالى (لعلهم يحذرون ) ومعنى ذلك ليحذروا ولو أراد ما ادعوا لقالتعالى : ( لعلهم يعملون أو يقبلون ) والنبي صلى الله عليه واله وان سميناه منذراً ،وكان قبول قوله واجبا ، فمن حيث كان في ابتداء دعوته مخوفاً ، ثم إذا استقر دليلنبوته ، وجب العمل بقوله )).
3- السيد الطباطبائي في الميزان ج2 ص137 ، قالكلاماً طويلاً في عصمة الأنبياء جاء فيه : (( .... قوله تعالى : ( فَلَوْ لا نَفَرَمِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) فانالآية وان كانت في حق العامة من المسلمين ممن ليس بمعصوم لكنه أذن لهم في تبليغ ماتعلموا من الدين وتفقهوا فيه ، ولا تصديق لهم فيما انذروا به وجعل حجية لقولهم علىالناس والمحذور إنما هو في الثاني دون الأول )) .
وغيرهم كثير .
الحمد لله رب العالمين
اللهم صلي على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
التقليد والإجتهاد بالصورة التي تذهب إليهامؤسسة المرجعية بدعة
- القسم الأول -
أبو محمد الأنصاري
- القسم الأول -
أبو محمد الأنصاري
تقف فكرة الإجتهادوالتقليد على رأس الوسائل التي ابتكرتها المؤسسة الدينية الأصولية في استعباد الناسوربطهم بها ، ومناقشة هذه الفكرة وإن كانت تستدعي بحسب المتعارف نمطاً من وسائلالنشر المتخصصة ، غير أن طرح المسألة على بساط البحث العام أمر مهم جداً لأنه أولاًيخرجها الى العامة الذين تستخفهم المؤسسة وتسعى الى عزلهم عن المعرفة بحجة عدمأهليتهم ، وثانياً لأنها فكرة مهمة وتشكل مفصلاً فكرياً في محاربة هذه المؤسسةالفاسدة .
والحق إنه عند تفحص الأدلة التي ساقوها في إثبات هذه الفكرة المبتدعةنجدهم يختلفون أيما اختلاف ، فأكثرهم يذهب الى القول بأن الدليل عليها دليل عقليبينما يرى آخرون وهم القلة الى وجود الدليل النقلي على هذه الفكرة .
وسأحاول فيهذه السطور تقديم نقض واضح ومبسط للدليل النقلي على أن أعقبه في مناسبة أخرى إن شاءالله بنقض دليلهم العقلي المزعوم .
1- الآيات القرآنية التي استدلوا بها :-
أ- قوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيإِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }
ب- قوله تعالى : {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَمِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِوَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }
ويرد عليها :-
إن استدلالهم بالآية الأولى على وجوب تقليد غير المعصوم وهمالعلماء في عصر الغيبة الكبرى ، خاصة بالأئمة المعصومين (ص) لا وجه له فالآية خاصةبالمعصومين من ذرية النبي محمد (ص) ولا يمكن أن تنطبق على غيرهم وهذا واضح وجلي منخلال الروايات المتواترة التي نصت على ذلك ومنها :-
عن محمد ابن مسلم عن أبيجعفر (ع) ، قال :-
( إن من عندنا يزعمون إن قول الله عز وجل (فَاسْأَلُواْأَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).
إنهم اليهود والنصارى، قال: إذاًَ يدعونكم إلى دينهم، قال: قال بيده إلى صدره: نحن أهل الذكر ونحن المسئولون) الكافي ج1 ص237 ، وعن الو شاء عن أبي الحسن الرضا (ع) قال سمعته يقول: (( قال عليبن الحسين عليه السلام :على الأئمة من الفرض ما ليس على شيعتهم وعلى شيعتنا ما ليسعلينا ،أمرهم الله عز وجل أن يسألونا ، قال: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِنكُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) فأمرهم أن يسألونا وليس علينا الجواب ، إن شئنا أجبنا وانشئنا امسكنا )) الكافي ج1 ص237 . وعن أبي بكر الحضرمي قال: (( كنت عند أبي جعفر (ع) ودخل عليه الورد أخو الكميت فقال : جعلني الله فداك اخترت لك سبعين مسألة ما تحضرنيمنها مسألة ، قال : ولا واحدة يا ورد ؟ . قال: بلى قد حضرني منها واحدة، قال: وماهي؟ . قال قول الله تبارك وتعالى (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ) من هم ؟ . قال: نحن، قلت علينا أن نسألكم ؟ قال: نعم، قلت عليكم أنتجيبونا ؟ قال: ذاك إلينا )) الكافي ج1 ص236. وعن أبي جعفر (ع) في قوله تعالى : (( (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) قال: نحن أهل الذكر،ونحن المسئولون )) بصائر الدرجات ص60 . وعن أبي عبد الله (ع) في قول الله تعالى : (( (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) قال: الذكر محمدصلى الله عليه واله ونحن أهله ونحن المسئولون )) بصائر الدرجات ص60. و روي عن أميرالمؤمنين (ص): في وصيته للحسن إن كل من يدعي هذا المقام فهو كذاب ، إذ قال : (( ...وأمركم أن تسألوا أهل الذكر، ونحن والله أهل الذكر، لا يدعي ذلك غيرنا إلاكاذب...ثم قال: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) فنحنأهل الذكر فاقبلوا أمرنا وانتهوا عما نهينا ونحن الأبواب التي أمرتم أن تأتوا منها،فنحن والله أبواب تلك البيوت ليس ذلك لغيرنا ولا يقوله أحد سوانا.... )) نهجالسعادة ج8 ص318 للشيخ المحمودي / مستدرك الوسائل ج17ص273.
ثم إن المسئول فيالآية يجب أن يكون عنده جواب عن كل مسألة يُسأل عنها وهذا يحتاج إلى العصمةوالإلهام الإلهي وهذا ما لا يوجد إلا في العترة الطاهرة لمحمد (ص)، فإذا كانالمسئول جاهلاً ولو في مسألة واحدة ، يكون سائلاً لا مسئولاً، وهو خلاف الفرض ، فلابد أن تنتهي المسالة إلى من تحتاج الناس إليه ولا يحتاج إلى أحد من الناس . وهممحمد وآل محمد (ع) كما نصت على ذلك الروايات المتواترة . والمسئول في الآية (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ) لابد أن يكون واجب الطاعة فيما يُسأل عنه ويأمربه، وهذا خاص بالأئمة المعصومين (ع) ، لأن القول بوجوب طاعة غير المعصوم يستلزمالأمر بالمعصية وهذا محال، لأن غير المعصوم ممكن الخطأ والانحراف عمداً أو سهواًفكيف تجب طاعته مطلقاً، وقد صرح بذلك الإمام علي (ع) بقوله : (( .... وإنما أمرالله بطاعة الرسول صلى الله عليه واله لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية، وإنما أمربطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية )) الوسائل ج18 ص93.
- آراء بعض علماء الشيعة في الرد على من استدل بهذه الآية على وجوب التقليد أو علىوجوب حجية خبر الواحد:-
1. أبو الصلاح الحلبي في كتابه الكافي قال : ((..وهم – يعني الأئمة- الذين أُمر من لا يعلم بمسألتهم ليعلم في قوله : (فَاسْأَلُواْ أَهْلَالذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) وقد بينا في غير هذا الكتاب ونبينه فيه كونالأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم أولي الأمر وأهل الذكر دون غيرهم )) الكافيللحلبي ص56.
وقال أيضاً في ص93 : (( قوله تعالى : (فَاسْأَلُواْ أَهْلَالذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) فأمر من لا يعلم بسؤال أهل الذكر ليعلم ،ولم يخص ذلك بشيء ، دون شيء ، وذلك مقتضى لعلم المسئولين بكل شيء يُسألون عنه ،معصومون فيما يفتون به ، لقبح الأمر بالمسألة من لا يعلم ما يُسأل عنه ، وعدم العلملفتيا من يجوز عليه الخطأ عن قصد أو سهو... )) .
2. أبو المجد الحلبي في كتابهإشارة السبق ص60 قال: ( (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ) أمر بوجوب المسئولين لا يجوز كونهم سائلين، لأحاطتهم علما بكل مايسألون عنه..) .
3. السيد الخميني في كتابه الاجتهاد والتقليد ص89 قال: (( قولهتعالى في الأنبياء: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيإِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ). بدعوى إنإطلاقه يقتضي الرجوع إلى المفضول حتى مع مخالفة قوله للأفضل ولا سيما مع ندرةالتساوي بين العلماء وتوافقهم في الآراء .
وفيه : مضافاً إلى ظهور الآية في أنأهل الذكر هم علماء اليهود والنصارى، إرجاع المشركين إليهم، وإلى ورود روايات كثيرةفي إن أهله هم الأئمة (ع)، بحيث يظهر منها أنهم أهله لا غير....)).
4. السيدمحمد باقر الصدر في الحلقة الثانية من دروس في علم الأصول ص287 قال:
((... إضافة إلى أن الأمر بالسؤال في الآية ليس ظاهراً في الأمر المولوي لكي يستفاد منهذلك ، لأنه وارد في سياق الحديث مع المعاندين والمتشككين في النبوة من الكفار ، ومنالواضح أن هذا السياق لا يناسب جعل الحجية التعبدية ، وإنما يناسب الإرشاد إلىالطرق التي توجب زوال التشكك ، ودفع الشبهة بالحجة القاطعة ، لأن الطرف ليس ممنيتعبد بقرارات الشريعة . ونلاحظ أيضا أن الأمر بالسؤال مفرع على قوله: ( َمَاأَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ ) والتفريع يمنع عنانعقاد إطلاق في متعلق السؤال لكي يثبت الأمر بالسؤال في غير مورد المفرع عليهوأمثاله.هذا على أن مورد الآية لا حجية فيه للأخبار الآحاد لأنه مرتبط بأصولالدين..)).
5. الشيخ علي النمازي في كتابه مستدرك سفينة البحار ج3 ص441 ، قال: (( قال تعالى (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) أهلالذكر الأئمة (عليهم السلام ) بذلك نطقت الروايات المتواترة المذكورة في باب أنهمأهل الذكر وأنهم هم المسئولون )).
6. الشيخ مرتضى الأنصاري في كتابه فرائدالأصول ج1 ص288 قال رداً على من استدل بهذه الآية : (( ويرد عليه : أولاً إنالاستدلال إن كان بظاهر الآية ، فظاهرها بمقتضى السياق إرادة علماء أهل الكتاب ..... إلى أن يقول : وان كان مع قطع النظر عن سياقها ، ففيه : انه وارد في الأخبارالمستفيضة : ان أهل الذكر هم الأئمة (عليهم السلام ) وقد عقد في أصول الكافي بابالذلك .
ثم قال رداً على من قال بضعف سند الروايات : وفيه نظر ، لاًن روايتينمنها صحيحتان ، وهما روايتا محمد ابن مسلم والوشاء ، فلاحظ ، ورواية أبي بكرالحضرمي حسنة أو موثقة . نعم ثلاث روايات آخر منها لا تخلو من ضعف ، ولا تقدح قطعاً ....)).
7. المحقق الخوئي في كتاب الاجتهاد والتقليد ص90 ، ذكر كلاماً طويلاً ثمقال : ولكن الصحيح إن الآية المباركة لا يمكن الاستدلال بها على جواز التقليد وذلكلأن موردها ينافي القبول التعبدي حيث أن موردها من الأصول الاعتقادية بقرينة الآيةالسابقة عليها وهي :
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيإِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)
وهو ردلاستغرابهم تخصيصه سبحانه رجلاً بالنبوة من بينهم فموردها النبوة ويعتبر فيها العلموالمعرفة ولا يكفي فيها مجرد السؤال من دون أن يحصل الإذعان فلا مجال للاستدلال بهاعلى قبول فتوى الفقيه تعبداً من دون أن يحصل منها علم بالمسألة ))
8. السيدمحمد سعيد الحكيم في كتابه مصباح المنهاج _ التقليد _ ص12 قال كلاًماً طويلاً نأخذمنه مقدار الحاجة وهو:
(( انه لابد من رفع اليد عن ظهور الآية، في إرادة مطلقالعلماء من أهل الذكر، بالنصوص الكثيرة الظاهرة، بل الصريحة في اختصاص أهل الذكربالأئمة عليهم السلام وعدم شمولها لغيرهم... )) .
9. السيـد الكلبايكاني فيكتابه إفاضة الفوائد ج2 ص91 قال : ((فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ ..... إلى أن يقول: وفيه- مضافاً إلى ما مر من الجواب- أنها لو دلت علىحجية الغير لدلت على حجية الأخبار التي وردت في أن المراد بأهل الذكر الأئمة عليهمالسلام. وعلى هذا لا دخل لها بحجية خبر الواحد، فصحة الاستدلال بها توجب عدمالاستدلال بها )).
10. الشيخ جعفر السبحاني في كتاب تهذيب الأصول – تقرير بحثالسيد الخميني – ج3ص176 ، قال :
((منها قوله تعالى : (فَاسْأَلُواْ أَهْلَالذِّكْرِإِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) مدعياً إن إطلاقها يشمل السؤال عن مطلق أهلالذكر ...
إلى قوله: وفيه: أولاً: انه لا يصح الاستشهاد بالآية لما نحن فيه لابحكم السياق إذ لازمه كون المراد من أهل الذكر، هو علماء اليهود والنصارى، و لابحكم الروايات، فإن مقتضى المأثورات كون الأئمة (ع) هم أهل الذكر المأمور بالسؤالعنهم...)) .
وأقوال هؤلاء العلماء وإن كان بعضها فيه كلام ولكن كلها أو جلهاتؤكد على أن المراد من الآية هم ( أهل البيت ) (ع) خاصة ولا دخل لها بوجوب تقليدغيرهم .
وأما الآية الثانية التي استدلوا بها على وجوب التقليد هي قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّفِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْقَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } .
فيرد عليه :
للإجابة على ذلك ينبغي معرفة عدة أمور منها :-
1- الروايات الواردة في هذهالآية .
2- ما المقصود من النفر وإلى من يكون ؟
3- كم عدد الطائفة التي تنفرمن كل فرقة ؟
4- بماذا يكون الإنذار ؟ بنقل الرواية أم بالاجتهاد والرأي ؟
ونأتي على مناقشة هذه النقاط بالتوالي ومن خلالها يتبين خطأ استدلالهم بهذهالآية على وجوب التقليد:
المطلب الأول:-
عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِالْأَنْصَارِيِّ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) إِنَّ قَوْماً يَرْوُونَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) قَالَ : اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ . فَقَالَ : صَدَقُوا . فَقُلْتُ : إِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ رَحْمَةً ، فَاجْتِمَاعُهُمْعَذَابٌ . قَالَ : لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ وَذَهَبُوا إِنَّمَا أَرَادَ قَوْلَاللَّهِ عَزَّ وجَلَّ : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌلِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْلَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) . فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْفِرُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ (ص) فَيَتَعَلَّمُوا ثُمَّ يَرْجِعُوا إلى قَوْمِهِمْ فَيُعَلِّمُوهُمْ إِنَّمَاأَرَادَ اخْتِلَافَهُمْ مِنَ الْبُلْدَانِ لَا اخْتِلَافاً فِي دِينِ اللَّهِإِنَّمَا الدِّينُ وَاحِدٌ إِنَّمَا الدِّينُ وَاحِدٌ )) معاني الأخبارص157.
عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) : (( إِذَا حَدَثَ عَلَى الْإِمَامِ حَدَثٌ كَيْفَ يَصْنَعُ النَّاسُ قَالَ أَيْنَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْطائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُواإِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) . قَالَ : هُمْ فِي عُذْرٍ مَا دَامُوا فِيالطَّلَبِ وَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُمْ فِي عُذْرٍ حَتَّى يَرْجِعَإِلَيْهِمْ أَصْحَابُهُمْ ) الكافي ج1 ص427
وغيرها من الروايات التي تشير إلىهذا المعنى، فإذا كانوا يقصدون :
أن الناس هم النافرون والعلماء المنفور إليهم ،فهذا باطل قطعا لأن الروايات تشير إلى أن الله أمر الناس أن تنفر إلى النبي محمد (ص) و إلى الأئمة المعصومين (ع) من بعده لأخذ شرائع الأصول والفروع ، أي أن الأمربالنفر إلى من له حق التشريع وهو معصوم ضرورة ولا يأمر بمعصية ولا يخطأ في التشريعوهذا لا يتوفر إلا في الأئمة المعصومين (ع) ولا يمكن أن ينطبق على علماء الغيبةلأنهم ليس لهم حق التشريع ولا يمتازون بالعصمة المانعة عن الخطأ في التشريع . وإذاكان يقصد بأن العلماء هم المأمورون بالنفر وعلى الناس الأخذ بقولهم إذا رجعوا إليهمبعد النفر فهذا رديء كسابقه لعدة أمور :
الأول: أن النفر المأمور به في الآيةالشريفة:
{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَمِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِوَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } هو النفر إلى المعصوم (ع) سواء كان النبي أو الإمام وهذا النفر لم يتصف به علماءالغيبة، فهل إنهم نفروا إلى الإمام المعصوم (ع) والتقوا به وتفقهوا على يده لتنطبقعليهم الآية ؟!!.
فإن قلت : إن قراءة ودراسة الكتب والسنة يعتبر من النفر إلىالرسول (ص) والأئمة (ع)
أقول : إن هذا تكلف واضح وعدول عن نص الآية والرواياتالتي بهذا الصدد ، فإن معنى ( رواة الحديث ) الذين أُمرنا بالأخذ عنهم: هم من روواالحديث عن الأئمة (ع) مباشرة أو نقلوا عمن نقل عن الأئمة أيضا بالمباشرة وهوالمقصود من ما ورد في التوقيع عن الإمام المهدي (ع) : (وأما الحوادث الواقعةفارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم) ، لا يَصْدقإلا على السفراء الأربعة ، فلا يصدق على من قـرأ كتب الحديث ودرسها صـفة ( رواةالحديث ) لأن الفرق شاسع بين من يلتقي بالمعصوم (ع) وينقل الحديث عنه وبين من يقرأالحديث في كتاب، فالذي يدرس الروايات يعتبر نافراً إلى من نفر إلى المعصوم (ع) ،وليس من باب النفر إلى المعصوم بالذات . وهذا نجده واضحاً في التوقيع الشريف الواردالى الْقَاسِمِ بْنِ الْعَلَاءِ وهو : (( فَإِنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ مِنْمَوَالِينَا فِي التَّشْكِيكِ فِيمَا يُؤَدِّيهِ عَنَّا ثِقَاتُنَا قَدْ عَرَفُوابِأَنَّا نفَاوِضُهُمْ سِرَّنَا وَنُحَمِّلُهُمْ إِيَّاهُ إليْهِم )) الوسائل ج18ص108-109.
فقد جعل الإمام (ع) علة عدم التشكيك فيما ينقله هؤلاء الثقاة إنهميجلسون مع الأئمة (ع) ويفاوضونهم السر ويكلفونهم تبليغه إلى الشيعة. وهذا الحاليفتقر إليه علماء الغيبة فلا ينطبق عليهم ( رواة الحديث ) . وحتى لو وجد من يريدالنفر فإن المنفور إليه غائب بسبب ذنوب الناس وإعراضهم عنه فعنهم (ع) : ( إذا غضبالله تبارك وتعالى على خلقه نحانا من جوارهم ) أصول الكافي ج1 ص343 ، وعنهم (ع) : (إن الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم ). الإمامة تلك الحقيقةالقرآنية ص42 تأليف : زهير بيطار.
الأمر الثاني:-
النفر إلى النبي محمد (ص) أو إلى أحد الأئمة (ع) للتفقه في الدين لا يختص في الفروع بل يشمل أصول الدينوفروعه وما عليه استدلالكم إن أصول الدين لا يمكن أن تثبت بخبر الواحد ، فلا يمكنالاستدلال بالآية على وجوب التقليد وقبول قول شخص واحد .
وان قلتم : إنالنافرين من كل فرقة أكثر من واحد فيكون قولهم حجة حتى في الأصول .
أقول : وهذابعينه نقض لإستدلالكم لأنه إذا تعدد من يجب قبول قوله خرج الكلام عن موضوع التقليد، لان التقليد الذي تزعمونه لشخص واحد لا لعدة أشخاص .
الأمر الثالث :
أماإذا كان النفر لمعرفة الإمام اللاحق بعد موت الإمام السابق كما في الرواية عنالإمام الصادق (ص) فهو أيضا من أصول الدين (الإمامة ) ولا يكفي في حجيته خبرالواحد-- كما تقولون - بل لا بد من نقل عدد يوجب العلم القطعي بذلك ، وبهذا تكونالطائفة النافرة من كل فرقة أكثر من واحد ، وبهذا يخرج الكلام عن موضوع التقليد إلىالرواية عن المعصوم (ع) : في الأمور العقائدية التي يتكفلها رواة الحديث لاالمجتهدون بالرأي وغيره .
المطلب الثاني:
ما المقصود من النفر وإلى من يكون؟
النفر: هو قيام مجموعة من الناس من كل فرقة بالسفر إلى الإمام المعصوم (ع) لمعرفة معالم دينهم ليبلغوها إلى قومهم إذا رجعوا إليهم على سبيل الرواية لا الفتوىبمعناها المعاصر .
المطلب الثالث :
كم عدد الطائفة التي تنفر من كل فرقة؟
هذه المسألة اختلف فيها العلماء فمنهم من قال واحد أو اثنان ومنهم من قالثلاثة ومنهم من قال أربعة ومنهم من أوصلهم إلى العشرة، وكلامهم في ذلك طويل .
والإنصاف إن من تدبر سياق الآية وقرينة الحال والعرف يعرف أن المراد منالطائفة النافرة من كل فرقة أكثر من واحد . فقد كان بنية الناس أن تنفر كافة فخففالله عنهم بكفاية نفير بعضهم فيبعد أن يكون التخفيف من الجميع إلى الواحد، وإن كلمةالنفير تشعر بالكثرة، ثم إن في ذلك الزمان كان السفر شاقا فلا يسافر شخص بمفرده إلانادراً. بالإضافة إلى إن كلمة الطائفة تشير إلى الكثرة ويشهد لذلك العرف فلا يطلقعلى الواحد طائفة إلا نادراً.
وإلى هذا المعنى أشار الشيخ الطوسي في التبيانرداً على من فسر الطائفة بالواحد من الناس إذ قال : (( وهذا الذي ذكروه ليس بصحيح ،لان الذي يقتضيه ظاهر الآية وجوب النفور على الطائفة من كل فرقة ، ووجوب التفقهوالإنذار إذا رجعوا ، ويحتمل أن يكون المراد بالطائفة الجماعة التي يوجب خبرهمالعلم ( أي اليقين )......)) التبيان ج5ص322.
ويمكن معرفة مقدار الطائفة من خلالروايات أهل البيت (ص) التي تشير إلى إن النافرين من كل فرقة هم جماعة وليس شخصاواحدا ومن ذلك ما ورد عن عبد الأعلى قال:
(( قلت لأبي عبد الله (ع) إن بلغناوفاة الإمام كيف نصنع قال عليكم النفير قلت النفير جميعاً. قال : إن الله يقول { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِيالدِّينِ }الآية: قلت نفرنا فمات بعضهم في الطريق قال : فقال: إن الله عز و جليقول(( وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّيُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراًرَّحِيماً )) الإمامة والتبصرة ص89 . واستفهام عبد الأعلى عن الطائفة إذا مات بعضهمفي الطريق ما حكمهم يدل على أن الطائفة مجموعة وليست شخصاً واحداً . وقول الصادق (ص) في حديث : (( هم في عذر -أي الطائفة- ماداموا في الطلب وهؤلاء الذين ينتظرونهمفي عذر، حتى يرجع إليهم أصحابهم )) .
وما ذكرته سابقا من أن تفسير الطائفةبالشخص الواحد لا يمكن الاستدلال به على التقليد - حسب استدلالكم - لأنكم تشترطونفي العقائد أن تكون عن علم قطعي وخبر الواحد يفيد ظناً لا علماً. ومن المعلوم أنالطائفة النافرة لا تقتصر على نقل الفقه بل العقائد وخبر الإمام اللاحق بعد موتالإمام السابق وهذا من العقائد التي لا تثبت بخبر الواحد عندكم.وعلى كلا الاحتمالينفالآية لا تدل على وجوب التقليد بالمعنى المعاصر، سواء فسرتم الطائفة بالواحد أوبالجماعة وقد تقدم تفصيله .
المطلب الرابع :
بماذا يكون الإنذار بالرواية أمبالفتوى ؟
بالرغم من وضوح جواب هذا السؤال وان الإنذار يكون بالرواية عنالمعصوم (ص) إلا إن البعض حاول أن يجعله شاملاً للإنذار بالفتوى وهو غريب جداً .
فقد تواترت الروايات عن أهل البيت (ص) بمنع القول بالرأي والاجتهاد ، ولم يكنمتعارفا في عصر التشريع ذلك بل الذي كان متعارفا هو إفتاء الناس بروايات أهل البيت (ص) فهؤلاء الطائفة النافرة هم بعينهم ( رواة الحديث ) الذين أمرنا الأئمة بعدم ردما ينقلونه عنهم (ع) . ثم إن هؤلاء الذين نفروا للتعلم من الرسول (ص) أو من الإمامالمعصوم (ع) بالتأكيد عندما يرجعون إلى قومهم يقولون لهم : سألنا الإمام كذا ،فأجابنا بكذا ، أو قال الإمام كذا .... الخ ، وإن الناس لا يسألونهم عن رأيهمواجتهادهم بل يسألونهم عن الروايات والأحكام التي تعلموها من الإمام بالمباشرة .
وبهذا أيضا ينهدم استدلالهم لأن الآية أقصى ما يستفاد منها قبول الرواية لاقبول الرأي والاجتهاد الذي يعتمد الدليل العقلي أحد مصادر التشريع .
هذا وقدتقدم أن فقهاء الغيبة خارجين عن مصاديق هذه الآية تخصصاً (موضوعاً) لأنهم لم ينفرواللإمام ولم يلتقوا به ولم يتعلموا منه ، وتجريد الآية عن الخصوصية وتعديتها إلى منقرأ أو درس الروايات يحتاج إلى دليل ولا دليل ، والأصل عدمه كما تقولون انتم فلايثبت أيضا إلا بدليل .
وان تنزلنا - وان لم نتنزل - فالآية غير تامة الدلالة علىوجوب التقليد وهذا كافٍ لهدم استدلال السيد محمود الحسني إذ يُشترط بالدليل الشرعيأن يكون محكماً لا متشابهاً يقبل أكثر من تفسير أو تأويل .
هذا وقد ذهب بعضعلماء الشيعة الى عدم نهوض الإستدلال بالآية قيد البحث على وجوب الاجتهاد ومنهم :
1- رئيس الطائفة الشيخ الطوسي في كتابه التبيان ج5 ص322-323 قال كلاماًًطويلاً منه : (( ويحتمل أن يكون المراد بالطائفة الجماعة التي يوجب خبرهم العلم،ولو سلمنا انه يناول الواحد أو جماعة قليلة، فلم إذ أوجب عليهم الإنذار وجب على منيسمع القبول؟ والله تعالى إنما أوجب على المنذرين الحذر، والحذر ليس من القبول فيشيء بل الحذر يقتضي وجوب البحث عن ذلك حتى يعرف صحته من فساده بالرجوع إلىالأدلة...)).
2- السيد المرتضى في كتابه الذريعة ج2ص534-535 قال في الرد على مناستدل بآية النفر على وجوب قبول القول : (( ....إذا سلمنا أن اسم الطائفة يقع علىالواحد والاثنين ، فلا دلالة لكم في الآية ، لأنه تعالى سماهم منذرين ، والمنذر هوالمخوف المحذر الذي ينبه على النظر والتأمل ، ولا يجب تقليده ولا القبول منه بغيرحجة ، ولهذا قال تعالى (لعلهم يحذرون ) ومعنى ذلك ليحذروا ولو أراد ما ادعوا لقالتعالى : ( لعلهم يعملون أو يقبلون ) والنبي صلى الله عليه واله وان سميناه منذراً ،وكان قبول قوله واجبا ، فمن حيث كان في ابتداء دعوته مخوفاً ، ثم إذا استقر دليلنبوته ، وجب العمل بقوله )).
3- السيد الطباطبائي في الميزان ج2 ص137 ، قالكلاماً طويلاً في عصمة الأنبياء جاء فيه : (( .... قوله تعالى : ( فَلَوْ لا نَفَرَمِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) فانالآية وان كانت في حق العامة من المسلمين ممن ليس بمعصوم لكنه أذن لهم في تبليغ ماتعلموا من الدين وتفقهوا فيه ، ولا تصديق لهم فيما انذروا به وجعل حجية لقولهم علىالناس والمحذور إنما هو في الثاني دون الأول )) .
وغيرهم كثير .
Comment